رسائل الفشارکیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رسائل الفشارکیة - نسخه متنی

السید محمدباقر الفشارکی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



القول
فيما إذا علم بالتحريم بين امور محصورة

فالكلام في
مقامين:


الأوّل

إنّهيحرم
مخالفة القطعية وربما ينسب الميل الى جوازه الى
بعض.

لنا على
ذلك: ان المقتضي للتحريم موجود، والمانع عنه مفقود.

أمّا
الأوّل: فلأنّ الأدلّة الدالّة على تحريم العناوين
المحرّمة تشمل الموضوع المشتبه حتى على القول بأنّ
الالفاظ أسام للامور المعلومة ، لأنّ الظاهر أنّ
المدعّي لذلك لا يدّعي اعتبار التفصيل في الموضوع
له.

وأمّا
الثاني: فلأنّ العقل لا يأبى من النهي عن اجتناب أمر
مشتبه بين امور محصورة ولا مانع من صحّته عنده، ولا
يتصوّر في ذلك قبح يتوجّه الذمّ بسببه على المولى.

والحاصل:
انه لا فرق عند العقل بين العلم الاجمالي
والتفصيلي، فكما أنّه إذا علم متعلّق الخطاب
تفصيلاً، وميّز عن جميع ما عداه عند المكلّف، يجب
إمتثال الخطاب عنده ويستحقّ مخالفة العقاب لديه،
كذلك إذا كان عند المكلّف مشتبهاً بين امور محصورة
يمكنه امتثال الأمر أو النهي، ولا فرق عنده بين
المقامين بوجه من الوجوه، ولا فرق عنده بين العاصي
في هذا المقام وبين العاصي في المقام الأوّل،
والشرع ايضاً لم يثبت منه منع عن مثل هذا التكليف،
وأنّه عند اشتباه الحرام بغيره يرفع الحرمة ظاهراً.

[ 88 ]

وأمّا ما
يتخيّل دلالته على المنع من قوله عليه السّلام: كلّ
شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه
بعينه(1). وقوله عليه السّلام: كل شيء لك حلال حتى
تعرف أنّه حرام بعينه(2). لأنّها كما تدلّ على حلّية
المجهول حرمته مع عدم كونه من اطراف الشبهة كذلك
على حلّية المجهول حرمته مع كونه من اطرافها، فلا
دلالة فيه.

أمّا
الأوّل: فلأنّ قوله عليه السّلام: فيه حلال وحرام
ظاهر في بيان منشأ الاشتباه، والمعنى عليه: أنّ كل
شيء يكون في نوعه قسمان، وصار ذلك الشيء مشتبه
الحكم من جهة الشك في أنّ هذا الفرد من أيّ فرد ذلك
النوع، لعدم دليل عند المكلّف يميّز به النوع
الحلال عن النوع الحرام، يكون ذلك الشيء حلالاً حتى
تعرف حرمته بشخصه، وهذا صريح في حكم الشبهة
البدوية، ضرورة أنّ الشك في كل طرف من اطراف الشبهة
المحصورة لم ينشأ من العلم بانقسام نوعه، أو فعلية
إنقسامه الى النوعين، بل انّما نشأ من جهة اشتباه
بعض الأشخاص الخارجية ببعض آخر.

والحاصل:
ان الخبر ظاهر في بيان الأصل في بعض مصاديق الشبهات
البدوية، وهي التي نشأ الشك فيها من العلم بانقسام
النوع الى قسمين، ومن لاحظ صدر الخبر وجوابه عليه
السّلام عن الراوي بقوله عليه السّلام ساخبرك عن
الجبن وغيره، لا يبقى له شكّ في أنّ المقصود من
الخبر: بيان حكم الشبهة البدوية.

وأمّا
الثاني: فلأن معرفة شخص الحرام التي جعلت في الخبر
غاية للحلّ، لا يكون غاية له على وجه يكون فيه
خصوصيته، بل هو إحدى الغايات.

والحاصل:
قوله « حتى تعرف انه حرام »، بمنزلة حتى يقوم دليل
يوجب حرمته عليك وهذه الغاية حاصلة في موارد الشبهة
المحصورة، ويدلّ على ذلك تفريع قوله عليه السّلام:
« فتدعه من قبل نفسك » على ذلك، فانّه يظهر منه: أن
كلّ ما يوجب

__________________

[ 89 ]

حصوله أن
يترك الانسان ما كان مشتبهاً حكمه، ويدعه من قبل
نفسه يكون غاية لهذا الحلّ، ولا ريب أنّ ثبوت العلم
الاجمالي بعد إستقلال العقل بايجابه الاحتياط
كالعلم التفصيلي بالحرمة.

ويؤيّد
ذلك: الأمثلة المذكورة في ذيل الخبر، فانّ الغرض
إمّا مجرّد التشبيه والتمثيل، وإمّا يكون من مجاري
الاصول، وعلى أيّ تقدير هي داخلة في الشبهات
البدوية، وليس فيها من موارد الشبهة المحصورة
مثال، ولو كان موارد الشبهة يفيد الاذن فيها، كان
التمثيل بها ألزم.

بل يمكن أن
يقال: ان التمثيل شاهد على أنّ المراد من الشىء في
قوله عليه السّلام: كل شيء، هو خصوص الشبهات
البدوية، والفرق بين هذا وسابقه: أنّه على الأوّل
كان أطراف الشبهة داخلة في قوله كل شيء، لكن عدم
الحليّة فيها لأجل حصول الغاية، وأمّا على هذا
الاحتمال لا يكون اصلاً داخلة في قوله عليه السّلام
كل شيء ، وهذا أظهر.

مع امكان
أن يقال: بعد تسليم انّ كل شيء عام يشمل كل مشتبه،
وليس في قوله فتدعه دلالة على أنّ ذكر العلم بشخص
الحرام في الغاية لأجل أنّه أحد أفراد الغاية، وليس
في التمثيل أيضاً دلالة أو تأييد أنّ استقلال العقل
بوجوب امتثال الخطاب المعلوم اجمالاً مانع عن حمل
اللفظ على إرادة ما هو ظاهره، وليس في الخطاب بعد
إقترانه بهذه القاعدة العقلية ظهور في إرادة معناه
الحقيقي.

لا نقول:
إنّ حكم العقل بوجوب الامتثال عند العلم الاجمالي
حكم تنجيزي لا يمكن رفعه بخطاب الشرع كما هو ظاهر
بعض المشايخ(1)، بل نقول: وان كان حكم العقل بوجوب
الامتثال معلّقاً على عدم رفع الشارع لتنجز الخطاب
وجعل الاشتباه عذراً - كما سيجيء بيانه إن شاء اللّه
- إلاّ أنّ إبداء المانع عن تنجّز الخطاب المعلوم
اجمالاً بعد جريان ديدن العقلاء على الاحتياط فيه،
وارتكاب ذلك في

__________________

[ 90 ]

الأذهان
إلى أن بلغ حدّاً يدّعى امتناع إذن الشارع في
المخالفة، ولزوم القبح عليه إن فعل ذلك، لا يليق أن
يكون بمثل هذا الخطاب الذي يمكن الخدشة في ظهوره في
ذلك من وجوه مرّ الاشارة اليها.

وبالجملة:
كما يمكن أن يكون الخبر رافعاً لحكم العقل، لكونه
معلّقاً على عدم إذن الشارع كذلك يمكن أن يكون حكم
العقل رافعاً لظهور هذا الخبر في شموله مورد
القاعدة، وذلك نظير ما قيل: من اجمال المجاز
المشهور لاحتمال أن يكون المعنى الحقيقي مراداً
إتكالاً على ظهوره واحتمال أن يكون المعنى المجازي
مراداً اتكالاً على الاشتهار.

وبالجملة:
إقتران اللفظ بما يمكن الاتكال عليه في إرادة خلاف
ظاهره سبب لإجمال اللفظ وعدم ظهوره في المعنى الذي
كان ظاهراً فيه لولا ذلك.

وأجاب بعض
المحقّقين(1) عن دلالة الصحيحين: بأنّ هذه الأخبار
كما تدلّ على حلّية كل واحد من المشتبهين، كذلك
تدلّ على حرمة ذلك المعلوم اجمالاً، لأنّه ايضاً
شيء علم حرمته.

وأورد على
ذلك: بانّ غاية الحلّ معرفة الحرام بشخصه، ولم
يتحقّق في المعلوم اجمالاً، ودفع.

أمّا في
قوله عليه السّلام « كل شيء لك حلال حتى تعلم انّه
حرام بعينه » فبانّه لا يدلّ على ما ذكر، لأنّ قوله
عليه السّلام « بعينه » تأكيد للضمير، جيء به
للاهتمام في اعتبار العلم ، كما في : رأيت زيداً
بعينه، لدفع توهم [ وقوع الاشتباه في الرؤية ](2)
وإلاّ فكل شيء علم حرمته فقد علم حرمة نفسه، فاذا
علم نجاسة إناء زيد وطهارة اناء عمر واشتبه
الاناءان فاناء زيد شيء علم حرمته بعينه.

نعم يتّصف
هذا المعلوم المعيّن بكونه لا بعينه، إذا اطلق عليه
عنوان أحدهما

__________________

[ 91 ]

فقال
أحدهما لا بعينه في مقابل أحدهما المعيّن عند
القائل.

وأمّا في
قوله كل شيء فيه حلال وحرام بعد تسليم ظهوره فيما
ذكر من أنّ الغاية معرفة الحرام بشخصه، حيث انّ
قوله بعينه قيد للمعرفة، ومؤدّاه حينئذٍ معرفة
الحرام بشخصه، وهي لا تتحقّق إلا عند إمكان الاشارة
الحسيّة إلى الحرام فبأنّ إبقاء الصحيحة على هذا
الظهور يوجب المنافاة لما دلّ على حرمة ذلك العنوان
المشتبه، مثل قوله « اجتنب عن الخمر » لأنّ الاذن في
كلا المشتبهين ينافي المنع عن عنوان مردّد بينهما،
فالتمسّك بهذا الخبر يوجب الحكم بعدم حرمة الخمر
المعلوم اجمالاً في متن الواقع، وهو ممّا يشهد
الاتّفاق والنصّ على خلافه، حتى نفس هذه الأخبار
حيث إنّ مؤدّاها ثبوت الحرمة الواقعية للأمر
المشتبه.

أقول: أمّا
ما ذكرت من دلالة الخبرين على حرمة ذلك الأمر
المعلوم اجمالاً، فحاصله دعوى دلالة الخبر على
المتناقضين ضرورة أنّ السلب الكلي ينافي الايجاب
الجزئي.

ويرد عليه:
أنّ الظاهر من الشيء في قوله: كل شيء هو الحقيقة
المأخوذة في الخارج المعيّن عند المخاطب، وغاية
الحلّية معرفة حرمة ذلك الموجود الخارجي وهي في
مورد الشبهة ليست إلاّ الأطراف وليس خارجاً عن
الأطراف موجود خارجي يكون مشمولاً للخبر، وذلك في
الخبر الأوّل ظاهر، حيث إنّ قوله: بعينه من قيود
المعرفة، وأمّا في الخبر الثاني فلظهور قوله حتى
تعرف انّه حرام في ذلك، لرجوع الضمير إلى الشخص.

وبالجملة:
معرفة حرمة الشخص وإن كان شاملاً لمعرفة حرمة الشيء
بعنوان ينطبق عليه، وإن جهل الانطباق عند من يعرف
حكم العنوان، لأنّه يصدق على معرفة حرمة إناء زيد -
الذي جهل شخصه - معرفة حرمة ذلك الشخص، إلاّ أنّ
الظاهر من معرفة حرمة الشخص عرفاً معرفة أنّه حرام
من حيث إنّه شخص خارجي.

والحاصل:
أنّ غاية الحلّية في الخبر إن كانت معرفة الحرام
بشخصه كما هو

[ 92 ]

الظاهر،
فلا دلالة فيه على حرمة معرفة العنوان المشتبه، وإن
كانت معرفة الحرمة ولو إجمالاً دلّت على حرمة
المخالفة القطعيّة، إذ المفروض حصول العلم بحرمة
أحدهما لا بعينه، بل على وجوب الموافقة القطعية،
لأنّ جعل معرفة الحرام اجمالاً غاية للحلية
الظاهريّة يدلّ على عدم معذورية الجاهل بالحرمة من
جهة الجهل باتّحاد المشكوك في حرمته مع العنوان
المعلوم حرمته، والاّ لغى جعل العلم الاجمالي
غاية، اذ هو لا ينفكّ عن الجهل من هذه الجهة.

وبالجملة:
لا دلالة في الخبر على الاذن في المشتبهين والمنع
عن المعلوم الاجمالي معاً، لأنّ الموجود الخارجي
منحصر في المشتبهين، وعموم الشيء انّما هو
الموجودات الخارجية المشتبهة بها، بل إمّا يدلّ
على الأوّل، وإمّا يدلّ على الثاني، فان ثبت ظهوره
في أحدهما فهو، والاّ فهو مجمل.

ومن هنا
ظهر: أنّ منع كون الغاية معرفة شخص الحرام بظاهر
الخبر، لأجل أنّ بعينه تأكيد لا قيد لا وجه له،

إذ قد عرفت
أنّه يمكن دعوى الظهور في ذلك بعد تسليم كون قوله
بعينه تأكيداً - كما هو الظاهر - ولا أظنّ ان من
ادّعى الظهور ايضاً استند في دعواه إلى أنّ قوله
بعينه بمعنى بشخصه، ويكون قيداً للمعرفة، حيث انّه
ظاهر الفساد، إذ كونه قيداً للمعرفة يفيد أنّ غاية
الحلّية معرفة شخص الحرام، لأنّها تنقسم إلى معرفة
الشخص، وإلى معرفة النوع بملاحظة كون المعروف
نوعاً أو شخصاً كما هو واضح، والمعروف في الخبر هو
حرمة الشيء التي تأولت إليها الجملة الواقعة بعد
تعرف المبدوءة بان المؤوّلة ما بعدها إلى المصدر،
ولا ريب أنّ معرفة الحرمة لا يكون منقسمة بقسمين
معرفة بشخص الحرمة ومعرفة بنوعها حتى يصح تقييدها
بأحدهما، مع انه لا يقيد مع ذلك ما قصد من كون
الغاية معرفة شخص الحرام.

إلاّ أن
يقال: إنّ معرفة شخص الحرمة اريد منها معرفة شخص
الحرام تجوّزاً ولا يخفى ما فيه.

وأمّا ما
ذكر من أن إبقاء الصحيحة الى اخره، أنّ مخالفة
الحكم الظاهري للحكم الواقعي لا يوجب ارتفاع
الواقعي، كما في الشبهة المجرّدة عن العلم
الاجمالي،

[ 93 ]

مثلاً قول
الشارع اجتنب عن الخمر شامل للخمر الواقعي الذي لم
يعلم به المكلّف ولو اجمالاً، وحلّيته في الظاهر،
كما هو قضيّة أدلّة البراءة لا يوجب خروجه عن
العموم المذكور حتى لا يكون حراماً واقعياً،
وحينئذٍ فلا محذور في التزام مثل ذلك في الخمر
المجهول شخصه المعلوم وجوده بين الاطراف اجمالاً.

وأمّا ما
يقال: من أنّ الحكم الظاهري لا يقدح مخالفة للحكم
الواقعي في نظر الحاكم مع جهل المحكوم بالمخالفة،
لرجوع ذلك إمّا إلى معذورية الجاهل - كما في أصالة
البراءة - أو إلى بدلية الحكم الظاهري عن الواقع، أو
كونه طريقاً إليه على الوجهين في الطرق الظاهرية
المجعولة، وأمّا مع علم المحكوم بالمخالفة فيقبح
من الجاعل جعل كلا الحكمين، لأنّ العلم بالتحريم
يقتضي وجوب الامتثال بالاجتناب عن ذلك المحرّم،
فاذن الشارع في فعله ينافي حكم العقل بوجوب الطاعة.

ففيه: أنّ
معذورية المحكوم قد يكون بنفسه، وقد يكون بجعل
الحاكم، وفي موارد الشبهة لو دلّ دليل على الاذن في
إرتكاب كلا المشتبهين كان راجعاً إلى أنّ الجهل
بشخص الحرام على وجه يمتاز عن غيره عند المحكوم عذر
له في ارتكاب الحرام، وأمّا قبح جعل ذلك من الحاكم
لأجل منافاة ذلك لحكم العقل، فهو مبني على أن يكون
العلم الاجمالي علّة لتنجّز الخطاب عند العقل وهو
ممنوع.

بل نقول:
إنّ الذي يحكم به العقل هو أنّ العالم اجمالاً ما لم
يجعل جهله عذراً له لا يأمن من العقاب إذا خالف
الخطاب المعلوم اجمالاً، فانّه لا يمتنع عند العقل
أن يكون الخطاب معلوماً عند المحكوم، ومع ذلك لا
يكون الطلب فعلياً على وجه يترتّب على مخالفته
العقاب، بل يجوز أن يجعل الشارع عذراً للمكلّف
وبسببه لا يريد منه موافقة ذلك الخطاب المعلوم.

نعم يحكم
بوجوب الموافقة ما لم يعلم من الشارع إذن، لأنّ
العلم بالخطاب مسقط للعذر من قبل المكلّف في نفسه
وكون جهله بالتفصيل عذراً، مبني على الجعل
والمفروض عدم حصوله، وقياس العلم الاجمالي على
العلم التفصيلي بعد إمكان

[ 94 ]

جعل العذر
في الأوّل لكون المكلّف به مجهولاً ببعض
الاعتبارات لا وجه له.

بل نقول: لو
فرض امكان جعل العذر في موارد العلم بالحكم تفصيلاً
لوجود ما يصلح ان يجعل عذراً نظير الجهل بالتفصيل
في موارد العلم الاجمالي لحكمنا هناك ايضاً بجواز
الاذن في المخالفة.

والحاصل:
أنّ الاجمالي ليس كالتفصيلي في كونه علّة تامّة
لوجوب موافقة ذلك الحكم عند العقل، حتى ينافي الاذن
في المخالفة لذلك الحكم القطعي فيقبح جعله، بل هو
علّة لحكم معلق على غاية ذلك الحكم باذن الشارع في
المخالفة، فحكم العقل والاذن في المخالفة من
الشارع لا تعارض بينهما، بل الاذن وارد على حكم
العقل، كورود دليل الحرمة على أصالة البراءة.

وممّا يؤيد
ما ذكرنا: أنّ الاذن في المخالفة الاحتمالية للخطاب
حاصل في بعض المقامات اتّفاقاً، كالاذن بالوضوء
بماء مستصحب الطهارة مع التمكّن من الوضوء بالماء
المتيقّن طهارته، وجائز في المقام بتسليم المحقق
المذكور - رحمه اللّه - فانّه صرّح بجواز الاذن في
مقام الامتثال بالاكتفاء ببعض الاطراف - في مواضع
من كلامه -(1) مع أنّ العلم الاجمالي لو كان منجّزاً
للخطاب المعلوم وحكم العقل عنده بوجوب الاطاعة من
غير تعليق على شيء وجب المنع عن ذلك ايضاً، لأنّ
الذي يحكم به العقل هو الاطاعة اليقينية عند
التمكّن منه، ومخالفة حكمه يحصل بمجرّد الاذن
بالاكتفاء ببعض الاطراف فلو كانت قبيحة لكان ذلك
ايضاً قبيحاً.

ودعوى: أنّ
تجويز الوضوء بالماء المستصحب طهارته والاكتفاء
ببعض الاطراف على تقدير الاذن به - كما إذا قام طريق
ظنّي ثابت الحجيّة على أن بعض الاطراف هو المعلوم
بالاجمال - انّما هو لأجل أنّ الوضوء بمستصحب
الطهارة بدل عن الطهارة اليقينية وما حكم الطريق
بأنّه المعلوم بالاجمال بدل عمّا وجب الاجتناب.

لا تدفع
الاشكال، إذ لا يرفع بوجود الاستصحاب والطريق الشك
الموجب

__________________

[ 95 ]

لاجمال
العلم، وحينئذٍ فأي فرق بين الاذن في المخالفة
الاحتمالية بجعل البدل، والاذن في المخالفة
القطعية بجعل شيء عذراً.

نعم فرق
بين المقامين من حيث إنّ الاذن في المخالفة
الاحتمالية هناك خفيّ، ويكون من لوازم الأمر
بالعمل بالاستصحاب والعمل بالطريق، وهنا ليس كذلك
وهذا الخفاء بعد اطلاع العبد على حقيقة الأمر لا
يرفع به القبيح لو كان بنفسه.

والحاصل:
أنّ العقل كما يحكم بحرمة المخالفة القطعيّة، كذلك
يحكم بوجوب الموافقة القطعية والموجب بحكمه في
المقامين ليس الاّ العلم الاجمالي بالخطاب
والتمكّن من الاحتياط، فعلى من يدّعي الفرق بين
المقامين، ويجوّز مخالفة حكمه في المقام الثاني،
ويمنع عنها في الأوّل إبداء الفرق بين المقامين
فتأمّل.

ثم انّه
يظهر ممّا ذكرناه في الخبرين السابقين: ما في
الاستدلال على جواز المخالفة القطعية بمثل قوله
عليه السّلام كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي او أمر(1).
وقوله عليه السّلام الناس في سعة ما لم يعلموا(2)،
لأنّه لم يرد في اطراف الشبهة نهي ولا أمر ولا يعلم
حرمتها فانّ الظاهر أنّ كلّ شيء يراد به المشكوك
حكمه من حيث نفسه مع قطع النظر عن وجود العلم
الاجمالي، وأمّا قوله عليه السّلام: الناس الى
آخره، فعدم دلالته على المدّعى ظاهر، سواء قرئ
بالاضافة أم لا، فانّ العلم المأخوذ فيه أعم من
التفصيلي والاجمالي. وملخّص معنى الحديث: أنّ الناس
في سعة تكليف لا يعلمونه اجمالاً أو هم في السعة ما
دام لا يكونون عالمين بشيء لا اجمالاً، ولا تفصيلاً
بل نقول: يمكن الاستدلال بمفهوم هذا الخبر على
تقدير كون « ما » زمانية على وجوب الاجتناب عن اطراف
الشبهة بأن منطوقه ان الناس ما دام لا يكونون
عالمين بشيء لا اجمالاً ولا تفصيلاً، ولا عموماً
ولا خصوصاً، يكونون في السعة، ومفهومه حينئذٍ انهم
اذا علموا بأحد من الوجوه المذكورة يكونون في
الضيق. فهذا الخبر على

__________________

[ 96 ]

تقدير
دلالة تلك الأخبار السابقة على الاذن في المخالفة
القطعية معارض لها.

ويمكن
مساعدة هذا الخبر في مقام الترجيح من حيث كونه أحوط
وموافقاً للمشهور.

إلاّ أن
يقال: إنّ معنى الحديث أنّ الناس في سعة ما لم
يعلموا التكليف الفعلي وهم متحيّرون، مفهومه
حينئذٍ انّهم اذا علموا التكليف الفعلي فهم ليسوا
في السعة، ولا ريب انه اذا ثبت بالدليل الشرعي أنّ
الحكم المعلوم بالاجمال لا يكون منجّزاً وانما
ينجّز بعد العلم بالتفصيل، فعلم أنّ الحكم المعلوم
بالاجمال لا يكون فعليّاً فلم يحصل العلم بالتكليف
الفعلي الذي أوجب معه الاحتياط مفهوم تلك الرواية
فتأمّل.

وممّا
يستدلّ به أيضاً على الاذن مع الجهل بشخص الحرام:
رواية حنّان بن سدير انه قال: سئل أبو عبد اللّه
عليه السّلام وأنا حاضر عن جدي يرضع من خنزيرة حتى
كبر واشتدّ عظمه ثمّ انّ رجلاً استفحله في غنمه
فأخرج له نسل، فقال عليه السّلام: أمّا ما عرفت من
نسله بعينه فلا تقربنّه، وأمّا ما لم تعرفه فكله،
فهو بمنزلة الجبن ولا تسأل عنه(1).

وفي خبر
بشر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في جدي يرضع من
خنزيرة ثم ضرب في الغنم فقال: هو بمنزلة الجبن فما
عرفت أنّه من خنزيرة فلا تأكله وما لم تعرفه فكله(2).

فانّهما
باطلاقهما يدلاّن على أن كلّ ما لم يعلم حرمته - وإن
علم إجمالاً حرمة أحد الأمرين اللذين هو أحدهما -
يكون حلالاً، ويكون جائز الأكل.

والجواب
عنهما: بأنّ الظاهر منهما الاذن في المشتبه عند
دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فانّ قوله عليه
السّلام « أمّا ما عرفت من نسله » وقوله عليه
السّلام « فما عرفت انه من خنزيرة » في الخبر الأخير
يقتضي وجود حرام معروف، ويكون الشك

__________________

[ 97 ]

في حرمة
غيره حينئذٍ يكون شكّاً في الزائد، ولا ريب أنّ
الأصل حينئذٍ البراءة.

ويمكن
الاستدلال أيضاً بأخبار اخر أيضاً يأتي ذكرها
والجواب عنها.


المقام
الثاني

في وجوب
الموافقة القطعية

والحق فيه:
الوجوب وفاقا للمشهور كما قيل، وعن المدارك: أنّه
مقطوع به في كلام الاصحاب(1) وفي فوائد الاستاذ
الاكبر نسبه الى الاصحاب(2) وعن شرح وافية الكاظميني
دعوى الاجماع صريحاً(3) وعن بعض في ذهابه الى
القرعة(4).

لنا: ما مرّ
من أن خطاب الشارع بالاجتناب عن الحرام الموجود بين
المشتبهين معلوم، إذ المفروض العلم بحرمة نوعه
والعلم بتحققه بين المشتبهين وحينئذٍ يجب عند
العقل الاحتراز عن كلا المشتبهين تحصيلاً لفراغ
الذمّة عن الخطاب المعلوم اشتغال الذمة به قطعاً.

وبالجملة:
العقل ما دام لم يثبت من الشارع اذن في ترك الاحتياط
في بعض الاطراف لا يحكم بالأمن من العقاب عند عدم
التحرّز من بعض الاطراف على تقدير مصادفة الحرام
معه في الواقع، فعلى من يدّعي الجواز بيان الاذن من
الشارع في ترك الاحتياط.

احتج من
جوّز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام بوجهين:

الأوّل:
الأخبار الدالّة على جواز تناول الشبهة المحصورة،
وانّما منع من تناول مقدار الحرام، للجمع بين هذه
الأخبار، وما بين ما دلّ على أنّ العنوان الواقعي
حرام،بأنّ الشارع جعل بعض المحتملات بدلاً عن
الحرام الواقعي، فيكفي ترك ذلك في

__________________

[ 98 ]

مقام
الامتثال، كما يكفي الصلاة إلى بعض الجهات في
الامتثال، إذا رخّص الشارع في ترك الصلاة إلى بعض
الجهات، واكتفي بالصلاة إلى بعضها، وهذه الأخبار
كثيرة منها: موثقة سماعة عن الصادق عليه السّلام: عن
رجل أصاب مالاً من عمّال بني امية وهو يتصدّق منه،
ويصل قرابته، ويحجّ ليغفر له ما اكتسب، ويقول: إنّ
الحسنات يذهبن السيئات، فقال عليه السّلام: ان
الخطيئة لا تكفّر الخطيئة، وإنّ الحسنة تحطّ
الخطيئة ثم قال: إن كان خلط الحرام حلالاً فاختلطا
جميعاً فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس(1).

فانّ ظاهره
نفي البأس عن التصدّق وصلة القرابة والحج وانه يحصل
له الأجر في ذلك على تقدير خلط الحرام بالحلال وهذه
إمّا إذن في مخالفة الاحتياط في جميع الأطراف بناءً
على أنّ امساك الباقي أيضاً يظهر جوازه منه، أو إذن
في مخالفة بعض الأطراف، وعلى أيّ تقدير يثبت
المطلوب وهو جواز تناول مقدار ما عدا الحرام.

الثاني:
الأخبار السابقة الدالّة على أنّ ما لم يعلم حرمته
يكون حلالاً(2). وهي وإن كانت بظاهرها تقتضي الاذن في
الجميع، إلاّ أنّه منع من إرتكاب مقدار الحرام،
إمّا لأنّه مستلزم للعلم بارتكاب الحرام وهو حرام،
وإمّا لما ذكره بعضهم على ما حكي من أن ارتكاب مجموع
المشتبهين حرام لاشتماله على الحرام.

بيان ذلك:
أنّ ما أذن فيه الشارع هو استعمال ما لم يعلم حرمته،
ومجموع الأطراف لعلمنا بأنّ فيه حراماً حرام، ولو
باعتبار ذلك الجزء الحرام المعلوم وجوده فيه،
وكذلك كل واحد من الأطراف بشرط الاجتماع مع الآخر
حرام، لأنّه معلوم الحرمة ولو باعتبار ما اجتمع معه
كل واحد منهما بنفسه مع قطع النظر عن الآخر مجهول
الحرمة فيكون حلالاً.

__________________

[ 99 ]

والجواب
أمّا عن الثاني: فبأنّ الأخبار المذكورة قد عرفت
أنّها لا تدلّ على جواز شيء من أطراف الشبهة،
لأنّها مختصة بالشبهات الغير المقرونة بالعلم
الاجمالي، ولو سلّمنا شمولهما للاطراف، فلا وجه
لاختصاص الترخيص ببعض الاطراف، وما ذكر من المانع
لا يفيد ذلك.

أمّا
الأوّل منه وهو ان العلم بالحرام تحصيله حرام.

ففيه: أنّ
ذلك مسلّم إذا قصد به التجسّس عن حال الغير، وامّا
تحصيل الانسان القطع بانّه صدر منه الحرام فلا
نسلّم حرمته، وأيّ دليل دلّ على تحريمه، هذا كلّه
إن حمل على ظاهره.

وإن اريد
من ذلك: أنّ مخالفة إذا كانت معلومة حرام، وإذا كانت
احتمالية فليست بحرام.

ففيه: انّه
لا فرق عند العقل بين المخالفة القطعية
والاحتمالية، وكما يحكم في الأوّل بالحرمة، كذلك
يحكم بها في الثاني سواء كان مناط حكمه في ذلك حسن
الاطاعة وقبح المخالفة أم كان مناط حكمه حصول
الفرار من الضرر المترتّب على المخالفة بتركها، إذ
العقل كما يحكم بأنّ الفرار من الضرر المقطوع لازم،
كذلك يحكم بأنّ الفرار من الضرر المحتمل لازم.

والحاصل:
ان الفعل ما لم يقطع بعدم ترتّب الضرر عليه لا يرخّص
العقل فيه، وموارد إذنه المخالفة إنّما هو للأمن من
الضرر، لأجل قيام دليل على أن لا يترتّب الضرر على
الفعل على تقدير كونه مخالفاً، ومجرّد عدم القطع
لعدم كونه مخالفة، لا يوجب الاذن فيه من العقل، مع
أنّه إن قصد من قوله انّ المخالفة اذا كانت معلومة
حرام أنّ المخالفة المعلومة من حيث المخالفة حرام،
ففيه: أنّ ذلك ينتج جواز إرتكاب الجميع، فجعله
مقدّمة للمنع عن مقدار الحرام، لا وجه له، وإن قصد
أنّ المخالفة التي يتعلّق بها العلم ولو بعدها
حرام، ففيه: أن هذا راجع إلى ما سبق جوابه: من أنّ
تحصيل العلم بارتكاب الحرام حرام.

وأمّا
الوجه الثاني: وهو أن ارتكاب مجموع المشتبهين حرام،
ففيه: أنّ الحرام هو

[ 100 ]

أحدهما
المعيّن في الواقع المردّد بين الطرفين عند
المكلّف، ومجموع الأطراف اتّصافه بالحرمة انّما هو
لكون الواحد المردّد الذي بينهما حرام، وحينئذٍ
فضمّ ما عدا الحرام بالحرام والحكم على المجموع
بالحرمة لا وجه له إلاّ باعتبار كون الجمع بينهما
موجباً لحصول العلم بالحرام، وقد عرفت أنّ تحصيله
ليس بحرام.

ومن ذلك
يظهر: أنّه لا وجه لقوله: وكذلك كل واحد بشرط
الاجتماع مع الآخر، وذلك: لأنّ حرمة كل واحد بشرط
الاجتماع، لكون المجموع مشتملاً على الحرام
يقيناً، وإلاّ فالحكم على المعيّن بالحرمة ولو
بشرط الاجتماع، ليس له وجه، لجواز أن يكون الحرام
الفرد الآخر الذي جعل اجتماعه مع هذا الفرد من
شرائط حرمة ذلك، وحينئذٍ فلو فرضنا أن تحصيل العلم
بالحرام ليس بحرام، لا يمكن وجه للحكم بأنّ كل واحد
بشرط الانضمام حرام، ليتوصّل به الى المنع عن مقدار
الحرام.

وأمّا عن
الأوّل: فيرد عليه (أوّلاً): انّ أخبار الحلّ ليست في
مرتبة الأدلّة الدالّة على حرمة العنوان الواقعي
حتى يقع بينهما تعارض، لأنّ الاباحة الظاهرية لا
تنافي الحرمة في الواقع وامّا دعوى قبح جعل الاباحة
الظاهرية - مع علم المكلّف بوجود الحرام -، فقد عرفت
المناقشة فيها، وأنّه لا فرق بين الاذن في المخالفة
القطعية - كما في ما نحن فيه - وبين الاذن في
المخالفة الاحتمالية - كالاذن بالتطهير بماء
مستصحب الطهارة مع وجود معلومها - فالجمع بين
الأدلّة والتصرّف في بعضها وصرفها عن ظاهرها بدون
التعارض لا وجه له، وقد عرفت أنّه لا تعارض بين
الأدلّة.

نعم يعارض
هذه الأخبار ما دلّ من الأخبار الخاصة الدالّة على
وجوب الاجتناب في موارد خاصة المستشمّ منها أنّ
الحكم بوجوب الاجتناب لأجل كون الموارد مندرجة تحت
عنوان حكمه وجوب الاجتناب، ولابدّ حينئذٍ من
ملاحظة الأخبار من حيث التكافؤ وإمكان الجمع، فان
كانت متكافئة وامكن الجمع، وإلاّ وجب الطرح
والرجوع الى حكم العقل - كما سيأتي -.

(وثانياً):
أنّ ما يدّعى دلالته على الترخيص في موارد الشبهة
فقد مرّ الكلام في

[ 101 ]

دلالة
بعضها وأنّه لا دلالة فيه، وأمّا قوله عليه السّلام
في موثقة سماعة: إن كان خلط الحرام حلالاً فاختلط
جميعاً فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس، فيحتمل
أن يكون المقصود حصول الخلط عند من أصاب منه المال،
وحينئذٍ يكون وجه عدم البأس بما ذكر، لأجل وجوب حمل
هذه على ظاهرها الذي هو الملكية، وأمّا ما ورد في
جواب السؤال عن جواز شراء السرقة أمّا السرقة فلا،
إلاّ اذا اختلط مع غيره فلا بأس إذا لم تعرف السرقة
بعينها، إلاّ أن يكون من مال السلطان، فان حمل
الاستثناء فيه على الاتّصال فيكون معناه أنّه يجوز
شراء السرقة مع الخلط إذا لم يعرف السرقة بعينها
ومعناه أن شراء السرقة مع الجهل بكونه شراء السرقة
لعدم معرفة السرقة لا بأس به، والقول: بأنّ شراء
السرقة قد يكون مع جميع أطراف الشبهة، وقد يكون
وحدها مع الجهل بكونها كذلك، والذي يقتضيه الحديث
باطلاقه جواز شرائها في الصورتين مدفوع: بأنّ
المقصود من الخبر التفصيل بين العلم بكون شراء
السرقة وبين صورة الجهل بذلك لأجل أنّ المشتري لا
يعلم كونها سرقة، بالجواز في الثاني، والحرمة في
الأوّل، كما لا يخفى على من تدبّرها والفرض الذي
ذكر في صورة شراء السرقة مع الجهل بشخصها مستلزم
للعلم بشراء السرقة بعينها وإن جهل شخصه.

والحاصل:
أنّ قوله: « أمّا السرقة فلا » يدلّ على أنّ شراء
السرقة مطلقا ولو في ضمن امور يعلم أنّ أحدها سرقة
ليس بحلال، وقوله عليه السّلام: « الاّ إذا اختلط
إلى آخره »، معناه: أنّ شراء السرقة في الواقع إذا
اختلط مع غيره خلطاً يوجب الجهل بكون الشراء شراء
سرقة فلا بأس به، وحمله على الأعم من شراء وحده
وشرائه مع غيره، مع أنّه مخالف للظاهر، لأنّ الظاهر
كون السرقة هو المشترى مستقلاً مناف لاطلاق قوله:
أمّا السرقة فلا، فانّه كما عرفت يقتضي المنع عن
شراء السرقة ولو في ضمن امور يعلم بأنّ احدها سرقة
كما لا يخفى.

وبالجملة:
الظاهر المنساق من الرواية: فارق بين شراء محتمل
السرقة مستقلاً وبين شراء السرقة قطعاً فلا ربط له
بما نحن فيه والحاصل: انّ هذه الأخبار مع كثرتها

[ 102 ]

ليس فيها
ما يكون صريحاً في الدلالة على جواز تناول اطراف
الشبهة بعضاً أو كلاًّ فالبعض الظاهر منها في ذلك
ايضاً بعد ملاحظة ارتكاب الاحتياط في الأذهان لا
يبقى له ظهور في ذلك.

وقد يستدلّ
لوجوب الموافقة القطعية ببعض الأخبار: كقوله عليه
السّلام: ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ غلب الحرام
الحلال(1) ، وقوله عليه السّلام: اتركوا ما لا بأس به
حذراً عمّا به البأس،(2) وقوله عليه السّلام في
الجواب عن الجبن والسمن في ارض المشركين : أمّا ما
علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكل، وما لم تعلم
فكل(3). فانّ الخلط يصدق مع الاشتباه. وقوله عليه
السّلام في رواية ابن سنان: كل شيء حلال حتى يجيئك
شاهدان أنّ فيه الميتة(4) . و قوله عليه السّلام في
حديث التثليث: وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا
يعلم(5). بناء على أنّ المراد من الهلاكة ما هو أثر
للحرام، فإن كان الحرام لم يتنجّز التكليف به
فالهلاك المترتّب عليه منقصة ذاتية، وإن كان ممّا
تنجّز التكليف به - كما فيما نحن فيه - كان المترتّب
عليه هو العقاب الاخروي، وحيث إنّ رفع العقاب
المحتمل واجب بحكم العقل، وجب الاحتياط عن كل مشتبه
بالشبهة المحصورة، ولمّا كان دفع الضرر غير العقاب
غير لازم اجماعاً كان الاجتناب في الشبهة المجرّدة
مستحب والجواب أمّا عن قوله: ما اجتمع الحلال فانّ
الاشتباه غير الاجتماع فإنّ الظاهر أنّ المراد من
الاجتماع هو الاختلاط . ومنه يظهر الجواب عن قوله:
أمّا ما عرفت أنّه قد خلطه الحرام، فانّ صدق الخلط
على الاشتباه محلّ منع، مع أنّا لو سلّمنا أنّه
أعمّ من الاشتباه والامتزاج، نقول: إنّ المراد من
الخلط هنا هو الامتزاج بملاحظة أنّ

__________________

[ 103 ]

ما
الموصولة هنا كناية عن الجبن والسمن في أرض
المشركين، والظاهر من قولنا: اجتنب عن سمن خلطه
الحرام ان المراد من الخلط هو الامتزاج فظهر: أنّ
قوله عليه السّلام امّا ما عرفت انه قد خلطه الحرام
الى آخره بمنزلة قوله عليه السّلام اما ما عرفت إنه
حرام بعينه في خبر الجدي السابق ذكره، بل يمكن
الاستدلال بذيل الخبر: على جواز تناول الشبهة
لاطلاق قوله عليه السّلام: وما لم تعلم فكل، فانّه
يعمّ ما لو اقترن بغير المعلوم علم إجمالي، وما لو
لم يقترن، وإن كان الجواب عنه يظهر ممّا أسلفناه
سابقاً: من أنّ مثله مسوق لبيان حكم الشبهات
البدوية وما يجري مجراه.

وأمّا قوله
عليه السّلام: اتركوا ما لا بأس به حذراً عمّا به
البأس، فالظاهر أنّه نظير قوله عليه السّلام في خبر
التثليث: من رعى غنمه قرب الحمى نازعه نفسه إلى أن
يرعيها في الحمى، ألا ولكل ملك حمى، ألا وإنّ حمى
اللّه محارمه، فاتّقوا حمى اللّه ومحارمه(1) الى
آخره، في أنّ المراد منه: مجرّد إرشاد وبيان: أنّ
النفس اذا تعوّدت بارتكاب الشبهات يهون عنده الأمر
في ارتكاب المحرّمات، ويغلب عليه الهوى فلا يهاب ما
يترتّب عليها من المفاسد والمؤاخذة.

وأمّا قوله
عليه السّلام: كل شيء حلال حتى يجيئك شاهدان،
فالظاهران المراد من الشيء: هو الفرد وكون المجموع
شيئاً واحداً اعتباري بل هو حقيقة أشياء فشموله له
خلاف الظاهر، مع أنّه لا ريب في أنّ كل واحد من
أجزاء المجموع شيء، فيقع التعارض في مدلول الحديث
لحكمه على المجموع بالحرمة وعلى كل جزء بالحل.

وأيضاً
نقول: حرمة المجموع ينافيه حلّية الجميع، ولا
ينافيه حرمة البعض وحليّة البعض، فلو دلّ خبر على
أنّ بعض الاطراف يجوز ارتكابه، ويكون الطرف الآخر
بدلاً عن الحرام لم يكن بينه وبين هذا الخبر منافاة.

وأمّا خبر
التثليث: فدلالته على وجوب الاجتناب انّما هو بعد
إحراز تنجّز التكليف من الخارج، ومعه لا حاجة إليه،
إذ مع العلم بالتنجّز يحصل العلم بترتّب

__________________

[ 104 ]

العقاب على
المخالفة، وبعد ضمّ الكبرى المذكورة - وهو أنّ دفع
الضرر المحتمل واجب - ينتج وجوب الاجتناب.

وأمّا
القول بأنّ المقصود من الاستدلال معارضة ما دلّ على
ذلك لو وجد في الأخبار: فهو يرفع الصغرى المقصود
اثباته من هذا الخبر، لأنّه كاشف عن عدم تنجّز
التكليف بالمعلوم بالاجمال على أيّ تقدير أي على
تقدير كونه في كل واحد من الطرفين، وحينئذٍ فلا
يثبت بخبر التثليث احتمال ترتّب العقاب على ما
اختار ارتكابه من الأطراف، إذ المفروض القطع بعدم
العقاب لما دلّ على الترخيص كما لا يخفى.

وقد يستدلّ
أيضاً لوجوب الاحتياط: بالأخبار الخاصة - بناءً على
أنّه يستفاد من المجموع أنّ هذا الحكم ليس لخصوصية
في الموارد، بل انّما هو لأجل أنّ الشأن في كل شبهة
محصورة هو ذلك، وأنّ ذلك أمر مفروغ عنه بين الائمة
عليهم السّلام وكذلك الشيعة والعامة - فمنها ما ورد
في المائين المشتبهين: وهنا فائدة لابدّ من ذكرها - :
وإن لم يكن مربوطاً بالمقام - وهي أنّه قد يقال :
انّه يمكن التطهير بالمائين المعلوم وجود النجس في
أحدهما بأن يتوضّأ بأحدهما ثم يطهّر بالآخر ما لاقى
الماء الأوّل ثم يتوضّأ منه، فانّه حينئذٍ يكون
بحكم الاصل أعني اصالة الطهارة في كلما شك في
نجاسته متطهّراً عن الخبث ومتطهّراً عن الحدث
يقيناً.

وقد يقال:
إنّه يجب البناء حينئذٍ على ضدّ الحالة السابقة،
لأنّ ما وصل إليه الماء إن كان نجساً قبل ذلك، يكون
إرتفاع تلك النجاسة معلوماً والشك في حدوث نجاسة
اخرى، لجواز أن يكون الماء الأوّل هو الماء النجس،
وإن كانت طاهراً قبل ذلك يكون ارتفاع تلك الطهارة
معلوماً بوصول الماء النجس والشك في زوال تلك
النجاسة المتيقّنة.

والحاصل:
أنّ الاستصحاب فيما إذا كان الطهارة هي الحالة
السابقة رافعة لاصالة الطهارة فهو حينئذٍ لا يكون
متطهراً عن الخبث ظاهراً.

والجواب:
أنّ لنا أن نستصحب الطهارة الموجودة حال ورود الماء
الطاهر،

[ 105 ]

والنجاسة
حال ورود النجاسة، وحينئذٍ يكون كل واحد من
الاستصحابين متعارضين، وليس لنا يقين بارتفاع أحد
الحالتين المفروضتين، وانّما المتيقّن هو ارتفاع
الحالة السابقة على ورود المائين، ونحن لا نريد من
استصحاب الطهارة أو النجاسة، إستصحاب تلك الحالة
المفروضة حتى يقال: إنّها منتفية الارتفاع،
وحينئذٍ يرجع إلى أصل الطهارة، فيكون مستعمل هذا
الماء متطهّراً عن الحدث والخبث، والظاهر أنّ مورد
الأخبار الدالّة على وجوب الاجتناب ليس ما يمكن فيه
الاحتياط بمثل هذا الجمع.

ومنها ما
ورد في الصلاة في الثوبين المشتبهين: فانّه لو كان
بعض الاطراف أو كلّها مع وجود هذا العلم الاجمالي
بحكم الطاهر ظاهراً، لم يكن وجه للحكم بالاحتياط
والجمع بين الصلاتين.

ومنها ما
ورد في وجوب غسل الثوب من الناحية التى يعلم باصابة
بعضها للنجاسة معلّلاً فيه: بقوله حتى تكون على
يقين من طهارته(1). فانّ وجوب تحصيل اليقين بالطهارة
- على ما يستفاد من التعليل - يدلّ على أنّ أصالة
الطهارة لا يكون جارية بعد العلم الاجمالي. إلى غير
ذلك من الأخبار الدالّة على الحكم بنفسها، أو
بضميمة حكم العقل بعد صرف الروايات الدالّة على
الحلّ - على تقدير شمولها لمورد الشبهة ظاهراً - عن
ظاهرها بمعونة حكم العقل بناءً على ما سبق من أنّ
اقترانه يكون [ مانعا: ط ] عن ظهور الخطاب في شموله
لمورد الحكم الاجمالي.

__________________


(1) وسائل
الشيعة: ب 7 من أبواب النجاسات ح 2 ج 2 ص 1006.

/ 24