• عدد المراجعات :
  • 1020
  • 1/25/2010
  • تاريخ :

مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر

الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر

إعلان الأحكام العرفانية:

بعد شهر من هذا الحديث، وفي يوم الجمعة 8 سبتمبر 1978 أعلن الشاه الأحكام العرفية حيث بدأت الاشتباكات الدموية بين القوات الحكومية النظامية وبين المسلمين في تظاهراتهم العظيمة، وقتل عدة مئات من المتظاهرين المسلمين نتيجة إطلاق الرصاص من قبل القوات النظامية [أخطأ كارتر في قوله هذا؛ فالقتلى كانوا بالآلاف]. بعد حادثة الجمعة السوداء تصاعدت موجات المعارضة وزادت التظاهرات التي طالبت بعزل الشاه، مما حدا إلى استخدام القوة والقسوة العسكرية ضد المواطنين العزل. في نفس الوقت كان يسعى إلى إطلاق سراح المعتقلين والعفو عن [الإمام] الخميني ـ الذي انتقل من بغداد إلى باريس ـ بغية إسكات وإخماد المعارضة، [يبدو أن حماقة كارتر جعلته يتصور بأن "الإمام" كان سجين الشاه ليطلق سراحه] لكن مشكلة [الإمام] كانت تتصدر جميع المشاكل، فالتقارير التي كانت تصل عن طريق سفارتنا تؤكد على كثرة المشاكل، وسفيرنا "سوليفان" كان يشاركنا في رأينا بأن الشاه هو أفضل سند وأمل لنا لحفظ الاستقرار في إيران.

وبينما كان الشاه حائراً بين تشكيل حكومة مؤقتة أو حكومة عسكرية وبين ترك الحكم، كنا نشجعه وندعمه ونؤكد له التزامنا، لكن الأيام أثبتت بأن الشاه فقد مقدرته وكفاءته كرئيس وقائد قوي. كنت متأكداً بأنه يعتمد على مساعداتنا ودعمنا المباشر له وأنه محتاج لذلك، ولذا كنت أدعمه برسالة عندما يتخذ أي قرار، وأؤكد له تأييدنا، كما دعمناه في إعلان الأحكام العرفية والحكومية العسكرية.

.. إلى هنا وفي هذه المرحلة كان المعارضون مبعثرين ومنتشرين هنا وهناك... وفجأة ظهر القائد الذي وحد جميع فصائل الشعب. إن مقدرة وإدارة هذا القائد كانت لها ميزات عديدة، أولاً: اتساع نفوذ شخصيته المعنوية بين الشعب، وشدهم إليه مما بث فيهم حماس الاستشهاد خلال الأعوام الخمسة عشر من النفي. وثانياً: هو أن معارضه للشاه جذرية خلال حياته السياسية وغير منقطعة ولم تلن أبداً. وثالثاً: إيمانه الديني العميق والمتجذر ومواقفه الصلبة ونضاله ضد الشاه، وهذا أدى على التأثير والنفوذ المتزايد في القوى المعارضة للشاه. كل هذه الصفات كانت مجتمعة في شخص [الإمام] الخميني المعارض القوي والسياسي النافذ في إيران ضد الشاه.

وبالرغم من وجود [الإمام] الخميني في باريس، لكن دعواته للشعب في القيام بتظاهرات عبية وإضرابات عامة لإسقاط الشاه كانت مستمرة. لقد كنت أتصور دون أدنى شك أن الشاه يستحق الدعم والحماية دون شرط لأنه لم يكن الحليف المخلص التابع لنا فحسب، بل كان قائداً يحيط به رجال كنا نأمل فيهم استقرار حكومة ثابتة وإصلاحية.

أما القوى الأخرى المعارضة للشاه فمعلوماتنا عنها قليلة، وتصريحاتها المناوئة لأمريكا لم تكن بتلك الجدية والخطورة بحيث تفقد الأمل في حل المشكلة بترك الشاه وعدم إنقاذه.

في أوائل شهر نوفمبر، اقتنع "سوليفان" [السفير الأمريكي في طهران] بإفساح المجال لقادة المعارضة أكثر مما يعتقد الشاه نفسه، ولم أجد في وسعي معارضة رأي "سوليفان"، لكنني كنت أرجح الدعم الكامل والفوري للشاه أو على الأقل الأخذ بنظر الاعتبار المساعدات "الدعم" المستقبلية، وبعد سكوت الشاه تجاه مقترحات السفارة الأمريكية، أدرك "سوليفان" ضرورة مساعدات أكثر للشاه.

كانت الخطة الرئيسية للشاه في استدعاء أحد القادة السياسيين لتشكيل حكومة ائتلافية مقبولة، لكن الظروف لم تكن في صالحه فالأوضاع المتأزمة لم تسمح لإقناع أي شخص ليتولى إنقاذ وخدمة الشاه. وفي نهاية العام وافق شاهبور بختيار "المعتدل" ذو الثقافة الغربية على تولي منصب رئاسة الوزراء. فأظهر هذا السياسي "المقدرة والاستقلالية المذهلة" في معالجة الأمور، فطلب من الشاه مغادرة إيران وعرض مشروح حل "السافاك"، وأعلن بأن مسؤولي إطلاق النار على المتظاهرين سيقدمون للمحاكمة، وكذلك طلب من القضاء وأساتذة القانون وأنصار العدالة الاجتماعية، استلام المناصب المعينة في الشؤون الخارجية التابعة لوزارة الخارجية.

وبدا جلياً لحفظ النظام والاستقرار وجوب خروج الشاه من البلاد، وكنت مؤيداً لذلك شرط أن يكون بصورة محترمة تحفظ ماء وجه الشاه، وفق الخطة التي قدمها الشاه نفسه، بعدها تأخذ بزمام الأمور حكومة قوية، أما "سوفليان" فكان يعتقد بأن علينا رفض خطط الشاه واتخاذ الترتيبات اللازمة لإرساله خارج إيران، لكنني رفضت ذلك، معتقداً بأن الشاه وبختيار وبقية قادة الجيش يحتاجون إلى الدعم الكافي من أمريكا.

وبدا لي بأن "سوليفان" لا يستطيع استخلاص وتهيئة المعلومات الكافية لنا من الجيش، المصدر الحيوي لمعلوماتنا واستشاراتنا، واقتنعت مع وزير الدفاع "براون" في حاجتنا الماسة لممثل أمريكي وفاعل لإرساله إلى طهران ليعلمنا ـ باستمرار ـ بما يحتاجه الجيش، وكانت من وظائف هذا الممثل هو الحفاظ على وحدة قادة الجيش الإيراني وتشجيعهم على البقاء في إيران حتى في حالة مغادرة الشاه لإيران، وعليه أصدرت الأوامر للجنرال "روبرت هايزر" معاون قائد القوات الأمريكية في أوربا، للقيام بهذه المهمة.

وقد أعلن قادة الجيش لسفيرنا "سوليفان" "بأننا لن ندع الشاه يخرج من إيران وفي أبعد الاحتمالات نتركه مستقراً في إحدى الجزر الإيرانية، ومن ثمة نخطط لانقلاب يستلم الجيش فيه زمام الأمور، ليطهر البلاد من المعارضين وينهي الاشتباكات، وبهذا يستطيع بختيار تشكيل حكومة شكلية تؤيدها في الظاهر".

وقال الشاه لـ "سوليفان" بأن قادة الجيش يخضعون له بصورة كاملة، ولن يقوموا بأي تحرك للضغط عليه. وقال أيضاً بأنه يريد مغادرة إيران لدعم حكومة بختيار وليس في نية قادة الجيش القيام بانقلاب حالياً فهم يدعمون بختيار، وفي حالة فشله سيقومون بانقلاب عسكري ويمسكون بزمام الأمور. ثم أفاد الجنرال "هايزر" بأن قادة الجيش سيدعمون بختيار بكل تأكيد.

وبعد أن فقد "سوليفان" السيطرة على نفسه أرسل لنا في 10 كانون الثاني برقية غير مؤدبة وندد متجاسراً بطلبنا من الرئيس الفرنسي الاتصال بالخميني، بدل أن نتصل نحن به وباستخدامه لعبارات مثل "خطأ فضيع، ربما لا يمكن تصحيحه" و"ضياع فكري" و"غير معقول" معرباً عن رفضه لممارساتنا. وأدركنا بأنه ليس بمقدوره أن يقدم لنا تقريراً واضحاً عن الأوضاع في إيران، وكنت على يقين بأن "سوليفان" قد نفذ بعض تعليماتنا ـ لا أقول كلها ـ برغبة صادقة.

في الأسابيع الأخيرة وبسبب رأي "سوليفان" حول دعم الشاه وما حصل من تغيير فيه أدى إلى أن يفقد الشاه والمحيطون به ثقتهم وحتى بي أنا. ومنذ ذلك صرت أعتمد تقارير الجنرال "هايز" الذي كان يبدو لي معتدلاً وفعلاً في تنسيق آرائه "استقال سوليفان في شهر نيسان 1979م".

في 19 كانون الثاني خرج مليون إيراني [الأصح عدة ملايين] في مظاهرة طلبوا فيها بعودة [الإمام] الخميني، حين أعلن [الإمام] أنه ينوي تشكيل حكومة مؤقتة والعودة إلى إيران بعد 15 عاماً من النفي. واقترح بختيار على [الإمام] الخميني أن يترك الشعب الإيراني ليقرر نوع نظام الحكم الذي يريده واستمرار بقاء [الإمام] الخميني في باريس.

مغادرة الشاه إلى مصر ومن ثمة إلى المغرب كانت بداية النهاية والعد التنازلي له، فنحن كنا بانتظار خروجه هو والمحيطون به من إيران، وكانوا يوحون بأن هذا الغياب هو غياب مؤقت وليس بحدث تأريخي، لكن الحقيقة أكدت أنه كان نهاية الـ 38 عاماً من الحكم الشاهنشاهي.

ففي الأول من فبراير "شباط" اتجه [الإمام] الخميني إلى طهران واستقبله مئات الألوف [خطأ كارتر؛ كانوا ملايين] من أنصاره بحرارة.

اعداد القسم العربي- تبيان


مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر(1)

العشق المتبادل بين الأمة والإمام

وما نهضتم من اجله

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)