• عدد المراجعات :
  • 1907
  • 11/1/2009
  • تاريخ :

سهراب سبهرى .. بين الأصالة و المعاصرة

سهراب سبهرى

شاعر و فنان تشكيلي (1928-1980) من أشهر الشعراء الإيرانيين المعاصرين – أعماله " هشت كتاب " ،( المجموعات الثمانية ) ،" اتاق آبى " ، ( الحجرة الزرقاء) .

الأصالة و المعاصرة ، والحداثة والتراث ؛ مفردات فرضت على الناقد أن يستخدمها فى قراءته لأعمال شعراء السنوات الأخيرة . نجد شعراء آداب الشرق ؛ لايمكنهم الفكاك من قيود تراثهم ، مهما حاولوا الخروج عن سطوتها بكثير من المسميات والأطـر المستحدثة . فالتراث و إلهاماته مكون أساسي لمخيلة الشعراء بكافة تياراتهم و نزعاتهم ، حتى أن الشاعر الذى يندرج اسمه تحت سقف الحداثة ؛ لايكون بعيداً هو الآخر عن رافد التراث مع فارق المعالجة.

فالشاعر الإيرانى على نورى المشهور بــ نيما يوشيج هو نفسه لم يرحل بعيداً عن بيت تراث الأدب الفارسي رغم تخليه عن شكل أعمدة وأطر البيت الشعرى القديم . و الشاعر الإيرانى سهراب سبهرى يعد من روافد مدرسة نيما – لكنه تميز بمذاقية وجمالية خاصة فى أعماله ؛ ميزته كصاحب مدرسة شعرية قائمة بذاتها ، تميزت بأواصل ربط بين القديم والحديث ، وتميزت بالإبداع بعيداً عن صراعات التصنيف والتبعية بين الحديث والقديم.

و حين يقترب القارئ من أعمال سهراب لايشعر مع مجموعاته الشعرية بشئ من الغربة و العزلة ؛ ويعود هذا الإنسجام إلى مخيلة سهراب الطليقة و البسيطة ، التى جمعت بين شاطئى القديم والحديث مسببة حالة من الوفاق والإنسجام بين القارئ والعمل الشعرى الحديث . ففى مجموعته الشعرية " مساحة خضراء " ، (1) نجد له قطعة شعرية بعنوان : " سورة الرؤية" ، (2). تفور من " سورة الرؤية " سمات خاصة لمدرسة سهراب الشعرية – فالقطعة الشعرية مشحونة بكثير من رمزيات الحداثة والتراث.

سهراب شابه القدماء خصوصاً من أهل العرفان كمولانا وحافظ فى تأثرهم بالقرآن الكريم .وهذا التأثر واضح فى إستخدام التعبيرات والأساليب القرآنية ، كاستخدام ضمير الفاعل والمتكلم الجمع بدلاً من المفرد.

الأصالة :

تعلن القطعة الشعرية عن توجه عرفانى عميق ، فسهراب شابه القدماء خصوصاً من أهل العرفان كمولانا وحافظ فى تأثرهم بالقرآن الكريم .وهذا التأثر واضح فى إستخدام التعبيرات والأساليب القرآنية ، كاستخدام ضمير الفاعل والمتكلم الجمع بدلاً من المفرد.

ضمير" أنا الشاعر" مختفى و كأنه يعبر عن حالة المحو " الفناء " التى ظهرت كثيراً فى أعمال القدماء من أهل العرفان كمولانا الرومى والعطار. كانت سورة الرؤية دعوة للتأمل و التفكر فى الطبيعة و أسرارها و عدم الجحود لرسول الدعوة ، وهذه الأفكار كثيراً ماترددت فى أعمال القدماء كالسعدى الشيرازى.

يستفيد سهراب من التراث ، و يبنى " سورة الرؤية" بكثير من التشابه بينها وبين القرآن الكريم ، فهى تبدأ بالقسم وتخبر الناس بقدوم رسالة ، وتحكى عن جحود الناس للرسالة ، وعن ظهور غمامة وغشاوة جحود على أعينهم ، وتظهر لهم أن الآيات منهم قريبة ، لكن بحاجة إلى لحظات تفكر ، أن من يظهر لهم الآيات يتهمونه بالسحر والشعوذة ، وكأن الشاعر يعلن عن توحد حال الإنسان على مر العصور ، فقديماً رفضوا الرسالة المحمدية واتهموه بأنه ساحر ، واليوم مازالت التهم مستمرة فطالما هناك بشارة خير ؛ هناك غشاوة جحود. وكل هذه الأقكار مستوحاة من النصوص القرآنية ، وكأن شاعرية سهراب الحديثة ليست ببعيدة عن التراث أو القدماء.

الشعر الحديث تميز بالإقتراب أكثر من قضايا الإنسان على وجه الأرض بعيداً عن ميتافيزيفا السماء .

المعاصرة :

بنيت شاعرية سهراب على قالب حديث ، وهو ماسمى فى إيران بالأسلوب النيمائى نسبة إلى نيما يوشيج مفجر الشعر الإيرانى الحديث.  و الشعر الحديث تميز بالإقتراب أكثر من قضايا الإنسان على وجه الأرض بعيداً عن ميتافيزيفا السماء .

و سهراب رغم أنه شابه القدماء فى دروشته ، و تقاربه مع التراث إلا أنه أختلف معهم فى فارق المعالجة ، فالقدماء أمثال سعدى الشيرازى ، رافقوا الطبيعة لتصحبهم فى رحلة السماء ، أما سهراب رافق الطبيعة ونبه الناس لمحاسنها و جمالها ؛ لقداسة تلك الطبيعة وعظمتها ، ولتكون أنيساً له فى زخم وتعب ووحشة الدنيا. فى الشعر الحديث تجتمع كل الأفكار والمعالجات ، فالتأويل من أحد أدوات قراءة النص ، فمثلاً لو نسمى هذا الشخص برسام – يستوجب علينا أن نسأل بأى أداة يرسم ؟ بالحرف أم بالفرشاة أم بالصوت- ففى عالم اليوم تتعدد المعانى والمفاهيم حول المفردة الواحدة.

تبنى الشاعرية الحديثة على التخيل و التأمل و الدهشة ، و هذا تجلى فى " سورة الرؤية " حيث الكلمات تتبادل الأدوار مع الكائنات – فالحمائم بدلاً من المفردات تحلق فى أجواء الذهن – والكلمات تسكن فى القفص بدلاً من البيض ، فالصورة الشعرية بتركيباتها المعقدة اللون ، والصوت ، والحركة من أهم مكونات الشعر الحديث ، فهى التى أخرجته من دائرة الصراع على المكانة بينه وبين الشعر القديم – ومجموعات سهراب لم يغيب عنها شمس الصورة بل رفعتها وظهرت فى أركانها بشئ يجلب الدهشة والإعجاب للقارئ ، وكأن سهراب بمزايا مدرسته الفنية هذه يصر على أن يغرد خارج السرب – خارج سرب الصراع والإتهامات بين القديم والحديث ، وأن الإبداع وحده يرتقى .

-------------------------------------------

الهوامش:

 (1) حجم سبز

(2) سوره تماشا

(3) نوع من الورد - ألوان أوراقه يجتمع فيها اللون الأصفر والأحمر


مولانا جلال الدين البلخي

عمر الخيام النيشابوري

الشاعرة الإيرانية “بروين اعتصامي”

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)