• عدد المراجعات :
  • 2770
  • 8/4/2012
  • تاريخ :

الوزن الاجتماعي للمرأة في الاسلام

المراة

ماذا أبدعه الاسلام في أمرها؟

لا زالت بأجمعها ترى في أمر المرأة ما قصصناه عليك، وتحبسها في سجن الذلة والهوان حتى صار الضعف والصغار طبيعة ثانية لها، عليها نبتت لحمها وعظمها وعليها كانت تحيا وتموت، وعادت ألفاظ المرأة والضعف والهوان كاللغات المترادفة بعدما وضعت متبائنة لا عند الرجال فقط بل وعند النساء - ومن العجب ذلك - ولا ترى أمة من الأمم وحشيها ومدنيها إلا وعندهم أمثال سائرة في ضعفها وهوان أمرها، وفي لغاتهم على اختلاف أصولها وسياقاتها وألحانها أنواع من الاستعارة والكناية والتشبيه مربوطة بهذه اللفظة (المرأة) يقرع بها الجبان، ويۆنب بها الضعيف، ويلام بها المخذول المستهان والمستذل المنظلم، ويوجد من نحو قول القائل:

وما أدري وليت أخال أدري * أقول آل حصن أم نساء مئات وألوف

 من النظم والنثر في كل لغة.

وهذا في نفسه كاف في أن يحصل للباحث ما كان يعتقده المجتمع الإنساني في أمر المرأة، وإن لم يكن هناك ما جمعته كتب السير والتواريخ من مذاهب الأمم والملل في أمرها، فإن الخصائل الروحية والجهات الوجودية في كل أمة تتجلى في لعنها وآدابها.

ولم يورث من السابقين ما يعتني بشأنها ويهم بأمرها إلا بعض ما ورد في التوراة، وما وصى به عيسى بن مريم عليهما السلام من لزوم التسهيل عليها والإرفاق بها.

وأما الإسلام أعني الدين الحنيف النازل به القرآن فإنه أبدع في حقها أمرا ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن قاطنوها، وخالفهم جميعا في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم وأعفت آثارها، وألغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويتها اعتقادا، وما كانت تسير فيها سيرتها عملا.

أما هويتها: فإنه بين أن المرأة كالرجل إنسان، وأن كل انسان ذكر أو أنثى فإنه انسان يشترك في مادته وعنصره إنسانان ذكر وأنثى ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.

قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (سورة الحجرات، (الآية: 13.).

فجعل تعالى كل إنسان مأخوذا مۆلفا من انسانين ذكر وأنثى هما معا وبنسبة واحدة مادة كونه ووجوده، وهو سواء كان ذكرا أو أنثى مجموع المادة المأخوذة منهما، ولم يقل تعالى: مثل ما قاله القائل:

وإنما أمهات الناس أوعية ولا قال مثل ما قاله الآخر:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد

 بل جعل تعالى كلا مخلوقا مۆلفا من كل، فعاد الكل أمثالا، ولا بيان أتم ولا أبلغ من هذا البيان، ثم جعل الفضل في التقوى.

وقال تعالى: (أني أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (سورة آل عمران، الآية: 195).

فصرح أن السعي غير خائب والعمل غير مضيع عند الله، وعلل ذلك بقوله: بعضكم من بعض فعبر صريحا بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى )، وهو ان الرجل والمرأة جميعا من نوع واحدمن غير فرق في الأصل والسنخ.

ثم بين بذلك أن عمل كل واحد من هذين الصنفين غير مضيع عند الله لا يبطل في نفسه، ولا يعدوه إلى غيره، كل نفس بما كسبت رهينة، لا كما كان يقوله الناس: إن عليهن سيئاتهن، وللرجال حسناتهن من منافع وجودهن، وسيجئ لهذا الكلام مزيد توضيح.

وإذا كان لكل منهما ما عمل ولا كرامة إلا بالتقوى، ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالايمان بدرجاته، والعلم النافع، والعقل الرزين، والخلق الحسن، والصبر، والحلم فالمرأة المۆمنة بدرجات الإيمان، أو المليئة علما، أو الرزينة عقلا، أو الحسنة خلقا أكرم ذاتا وأسمى درجة ممن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الاسلام، كان من كان، فلا كرامة إلا للتقوى والفضيلة.

وفي معنى الآية السابقة وأوضح منها قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مۆمن فلنحيينه حياة طبية ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) (سورة النحل، الآية: 97.).

وقوله تعالى: (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مۆمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (سورة المۆمن، الآية: 40.).

وقوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو اثنى وهو مۆمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) (سورة النساء، الآية: 124).

وقد ذم الله سبحانه الاستهانة بأمر البنات بمثل قوله، وهو من أبلغ الذم: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) (سورة النحل، الآيتان: 58 - 59.).

ولم يكن تواريهم إلا لعدهم ولادتها عارا على المولود له، وعمدة ذلك أنهم كانوا يتصورون أنها ستكبر فتصير لعبة لغيرها يتمتع بها، وذلك نوع غلبة من الزوج عليها في أمر مستهجن، فيعود عاره إلى بيتها وأبيها، ولذلك كانوا يئدون البنات وقد سمعت السبب الأول فيه فيما مر، وقد بالغ الله سبحانه في التشديد عليه حيث قال: (وإذا الموۆدة سئلت * بأي ذنب قتلت) (سورة التكوير، الآيتان: 8 - 9.). وقد بقي من هذه الخرافات بقايا عند المسلمين ورثوها من أسلافهم، ولم يغسل رينها من قلوبهم المربون، فتراهم يعدون الزنا عارا لازما على المرأة وبيتها وإن تابت دون الزاني وإن أصر، مع أن الإسلام قد جمع العار والقبح كله في المعصية، والزاني والزانية سواء فيها.

الوزن الاجتماعي للمرأة في الاسلام فالإسلام ساوى بينها وبين الرجل من حيث تدبير شۆون الحياة بالإرادة والعمل فإنهما متساويان من حيث تعلق الإرادة بما تحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل والشرب وغيرهما من لوازم البقاء، وقد قال تعالى: (بعضكم من بعض) (سورة آل عمران، الآية: 195.) فلها أن تستقل بالإرادة ولها أن تستقل بالعمل وتمتلك نتاجهما كما للرجل ذلك من غير فرق (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فهما سواء فيما يراه الإسلام ويحقه القرآن والله يحق الحق بكلماته غير أنه قرر فيها خصلتين ميزها بهما الصنع الإلهي.

إحداهما: أنها بمنزلة الحرث في تكون النوع ونمائه فعليها يعتمد النوع من بقائه فتختص من الأحكام بمثل ما يختص به الحرث، وتمتاز بذلك منن الرجل.

والثانية: أن وجودها مبني على لطافة البنية ورقة الشعور، ولذلك أيضا تأثير في أحوالها الوظائف الاجتماعية المحولة إليها. فهذا وزنها الاجتماعي، وبذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع، وإليه تنحل جميع الأحكام المشتركة بينهما، وما يختص به أحدهما في الاسلام، قال تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما) ((1) سورة النساء، الآية: 32.).

يريد أن الأعمال التي يهديها كل من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختص به من الفضل، وإن من هذا الفضل ما تعين لحوقه بالبعض دون البعض كفضل الرجل على المرأة في سهم الإرث، وفضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها، فلا ينبغي أن يتمناه متمن ، ومنه ما لم يتعين إلا بعمل العامل كائنا من كان كفضل الله يۆتيه من يشاء، واسألوا الله من فضله، والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى بعده: الرجال قوامون على ما سيجيء بيانه.

المصدر: قضايا المجتمع و الاسرة- السيد محمد حسين الطباطبائي


الوزن الاجتماعي للمرأة قبل الاسلام

المرأة بين التهميش والتغريب

حق الاستقلال الاقتصادي للمراة نعمة أم نقمة؟

مطالبة المرأة حقوقها السياسية المشروعة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)