• عدد المراجعات :
  • 11326
  • 12/19/2011
  • تاريخ :

 السؤال من غير حاجة

السؤال من غير حاجة

 ينبغي للمؤمن ألا يسأل الناس من غير حاجة اضطر إليها، بل يستعف عن السؤال ما استطاع، لأنه فقر معجل، وحساب طويل يوم القيامة، والأصل فيه التحريم لتضمنه الشكوى من الله، وإذلال السائل نفسه عند غير الله، وإيذاء المسؤول غالبا، إذ ربما لم تسمح نفسه بالبذل عن طيب القلب، وبعد السؤال ألجأه الحياء أو الرياء إليه، ومعلوم أن الاعطاء استحياء أو رياء لئلا ينقص جاهه عند الناس بنسبتهم إياه إلى البخل لا يكون له حلية شرعا.

منع السؤال من غير حاجة في الاحاديث و الروايات:

قال: رسول الله (ص):

" مسألة الناس من الفواحش "، وقال (ص): " من سأل عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم، ومن سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ووجهه عظم يتقعقع ليس عليه لحم ". وقال: " من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيام لقي الله يوم يلقاه وليس على وجهه لحم "

قال: رسول الله (ص):" ما من عبد فتح على نفسه بابا من المسألة إلا فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر ". وقال: " إن المسألة لا تحل إلا لفقر مدقع أو غرم مفظع ".

وقال: " السؤال عن ظهر غنى صداع في الرأس، وداء في البطن ".

وقال: " من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما هي جمرة فليستقل منه أو ليستكثر ".

وروي: " أنه جاءت فخذ من الأنصار إلى رسول الله (ص) فسلموا عليه فرد عليهم السلام، فقالوا يا رسول الله إن لنا إليك حاجة فقال:

(هاتوا حاجتكم) فقالوا إنها حاجة عظيمة فقال: (هاتوها ما هي) قالوا:

تضمن لنا على ربك الجنة، فنكس رأسه، ثم نكت في الأرض، ثم رفع رأسه فقال: (أفعل ذلك بكم على ألا تسألوا أحدا شيئا)، فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه، فيكره أن يقول لانسان ناولنيه فرارا من المسألة وينزل فيأخذه، ويكون على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول ناولني حتى يقوم فيشرب " .

وكان رسول الله (ص) يأمر غالبا بالتعفف عن السؤال، ويقول: " من سألنا أعطيناه، ومن استغنى أغناه الله ومن لم يسألنا فهو أحب إلينا " وقال: " وما قل من السؤال فهو خير"

قالوا:ومنك يا رسول الله؟ قال: " ومني ". وقال: " لو أن أحدكم أخذ حبلا فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها ويكف بها وجهه، خير له من أن يسأل ".

وقال سيد الساجدين (ع): " ضمنت على ربي أنه لا يسأل أحد أحدا من غير حاجة إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة " ونظر (ع) يوم عرفة إلى رجال ونساء يسألون، فقال " هؤلاء شرار خلق الله، الناس مقبلون على الله وهم مقبلون على الناس "،

وقال الباقر (ع):

" أقسم بالله وهو حق ما فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر "، وقال الصادق (ع): " طلب الحوائج إلى الناس استلاب  للعز مذهبة للحياء، واليأس مما في أيدي الناس عز للمؤمن في دينه، والطمع هو الفقر الحاضر ". وقال الصادق (ع): " لو يعلم السائل ما عليه من الوزر ما سأل أحد أحدا، ولو يعلم المسؤول ما عليه إذا منع ما منع أحدا أحدا ". وقال: " من سأل من غير حاجة فكأنما يأكل الجمر ".

ثم المنع والتحريم إنما هو في السؤال بدون الاضطرار، وأما مع الحاجة والاضطرار فلا ريب في جوازه، وقد وردت به الرخصة، قال الله سبحانه:

" وأما السائل فلا تنهر " (الضحي، الاية10:).

وقال رسول الله: " لا تردوا السائل ولو بشق تمرة " وقال (ص):

" لولا أن السائل يكذب ما قدس من ورده " وقال (ص): " للسائل حق وإن جاء على الفرس " وقال (ص): " لا تردوا السائل ولو بظلف محترق ". ولو كان السؤال مطلقا حراما لما أجاز الله ورسوله إعانة العاصي على معصيته.

الحاجة المجوزة للسؤال:

 ما بلغت حد الاضطرار، كسؤال الجائع الخائف على نفسه بالموت أو المرض لو لم يصل إليه قوت، وسؤال العاري الذي بدنه مكشوف ويخاف من الحر والبرد - أو لم تبلغ إليه، وهي إما حاجة (مهمة) كالاحتياج إلى الجبة في الشتاء بحيث لولاها لتأذى بالبرد تأذيا لا ينتهي إلى حد الضرورة، والاحتياج إلى الكرى مع القدرة على المشي مع المشقة، أو حاجة (خفيفة) كالاحتياج إلى الإدام مع وجود الخبز - فالظاهر جواز السؤال في جميع ذلك (مع رجحانه في الأول، وإباحته في الثاني، ومرجوحيته في الثالث)، بشرط إخلائه عن المحذورات المذكورة،أعني الشكوى والذل والإيذاء، وتندفع هذه المحذورات بأن يظهر حاجته تعريضا بعد تقديم الشكر لله، وإظهار الاستغناء عن الخلق عند بعض الأصدقاء أو الأسخياء، إذ السؤال من الصديق لا يوجب الإذلال، والسخي لا يتأذى بالسؤال بل يفرح به.

ثم ما ذكر إنما هو في السؤال للاحتياج إليه بعد النسبة لما يحتاج إليه في الحال، وأما السؤال لما يحتاج إليه في الاستقبال، فإن كان يحتاج إليه بعد السنة فهو حرام قطعا، وإن كان يحتاج إليه قبلها، سواء كان بعد أربعين يوما من يومه أو خمسين أو أقل أو أكثر، فإن أمكنه السؤال عند بلوغ وقت الحاجة فلا يحل له السؤال، وإن علم بأنه لا يتمكن من السؤال عنده فهو جائز مع الكراهة والمرجوحية، وكلما كان تراخي الحاجة عن يومه أكثر كانت الكراهة أشد. ثم معرفة درجات الحاجة وضعفها وشدتها والوقت الذي يحتاج فيه موكول إلى العبد ومنوط باجتهاده ونظره لنفسه بينه وبين الله، فليعمل به بعد استغناء قلبه على ما يقتضيه سلوك طريق الآخرة، وكلما كان يقينه أقوى، وثقته بمجئ الرزق أتم، وقناعته بقوت الوقت أظهر، فدرجته عند الله أعلى.

فيا حبيبي، لا تهبط نفسك من أوج التوكل والاعتماد على الله إلى حضيض الخوف والاضطراب في مجئ رزقك، ولا تصغ إلى تخويف الشيطان، فإنه يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، وكن مطمئنا بوعد ربك، إذ قال:

" والله يعدكم مغفرة منه وفضلا " (البقرة، الآية: 268).

واسمع قول نبيك (ص) حيث قال:

" لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطيور، تغدوا خماصا وتروح بطانا ".

المصادر:

1- سفينة البحار

2- كتاب الزكاة من الوسائل أبواب الصدقة باب 23 - 37

3- جامع السعادات


ما هو النصر الحقيقيّ؟

الشهادة تختصر الطريق

مواجهة الفساد وتوقيف مصانعه

مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)