• عدد المراجعات :
  • 1604
  • 9/12/2012
  • تاريخ :

الي الرضاعليه السلام

السیدة معصومه

إن الإمام الرضا (عليه السلام) لما أراد الخروج من المدينة نظر إلى ولده الإمام الجواد (عليه السلام) وأقبل به إلى قبر جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يحدث بذلك (عليه السلام) فيقول: ثم أخذت أبا جعفر - ولم يكن له ولد غيره في أشهر الأقوال وله من العمر سبع سنوات (١) - فأدخلته المسجد ووضعت يده على حافة القبر وألصقته به، واستحفظته رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالتفت إلي أبو جعفر (عليه السلام) فقال لي: بأبي أنت، والله تذهب إلى الله، وأمرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع والطاعة، وترك مخالفته، وعرفتهم أنه القيم مقامي (٢).

ومما يثير الاستغراب أن الإمام الرضا (عليه السلام) قد أقام العزاء على نفسه قبل مغادرته المدينة، فقد روى الصدوق بسنده عن الحسن بن علي الوشاء، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة، جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت: أما إني لا أرجع إلى عيالي أبدا (٣).

ووجه الغرابة أن العادة جرت على أن إقامة العزاء والبكاء إنما هي بعد الموت، فما معنى أن يأمر الإمام الرضا (عليه السلام) عياله بالبكاء عليه ليسمع بكاءهم؟! مع أنهم علموا بشهادته في يوم وقوعها، فقد روى محمد بن أحمد بن يحيى بسنده عن أمية بن علي قال: كنت بالمدينة، وكنت أختلف إلى أبي جعفر (عليه السلام)، وأبو الحسن (عليه السلام) بخراسان، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه، فدعا يوما الجارية فقال:

قولي لهم يتهيأون للمأتم، فلما تفرقوا قالوا: ألا سألناه مأتم من؟ فلما كان من الغد فعل مثل ذلك، فقالوا مأتم من؟ قال: مأتم خير من على ظهرها، فأتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك بأيام، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم (٤).

فهل كان أمر الإمام الرضا (عليه السلام) عياله بالبكاء عليه لأنه يموت في الغربة بعيدا عن الأهل والوطن؟ أو لأنه كان يريد إشعارهم بأنه لن يعود فلا يأملون في لقائه؟

أو لأنه اعتبر نفسه ميتا فأمرهم بالبكاء لشدة ما سيلاقي من المحن والمآسي؟

وعلى أي حال فقد كان أمرا غريبا لم يعهد من أحد من الأئمة (عليهم السلام).

وبعد، فأين كانت السيدة فاطمة المعصومة من هذا كله؟ وما هي حالها وهي ترى شقيقها يتركها في المدينة وينتقل إلى خراسان حيث الغربة والعناء وفراق الأهل وجوار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ولو كان الأمر بيده أو بيدها لخرجت معه ولسارت حيث يسير، وعاشت حيث يعيش، ولكنه خرج مقهورا تاركا عياله وأخواته حتى ابنه الإمام الجواد (عليه السلام)، الذي كان له من العمر سبع سنوات (٥)، بل أقل من ذلك كما يستفاد مما ذكره الشيخ المفيد رحمه الله حيث قال: ومضى الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) ولم يترك ولدا نعلمه إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) وكانت سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا (٦).

وكان خروج الإمام الرضا (عليه السلام) من المدينة سنة 200 ه ‍ وشهادته سنة 203 ه ‍ (٧).

وقد اعتصر قلب السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) من الألم ولوعة الفراق، وعلمت من خلال ما جرى أن أخاها لن يعود، وكانت في جملة الباكين عليه، وقد سمع بكاءها وحسرتها على فراقه، ولعله أسر إليها أو علمت من خلال مجرى الأحداث بما سيقدم عليه من آلام ومآسي، ولذا لم تكتف بوداعه بل كما حدثني أحد أساتذتي الأجلاء بأنه سمع أو قرأ في كتاب أنه لما سار ركب الإمام (عليه السلام) من المدينة صعدت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) على السطح وبقيت تنظر إلى أخيها وهو يمشي حتى غاب عن عينيها.

وإن هذا الموقف يحمل من الدلالات شيئا كثيرا، ويبين مدى الصلة بين الأخ وشقيقته، كما يدل على مدى أثر لوعتها بفراقه وحزنها عليه.

وليست هذه الصلة الوثيقة بين الشقيقين لمجرد الرابطة النسبية وأنهما يلتقيان في أب واحد وأم واحدة، وإنما هي لعلمها ومعرفتها (عليها السلام) بمقام الإمامة المتمثلة في أخيها الإمام الرضا (عليه السلام).

إلى الرضا (عليه السلام):

وسار الموكب الرضوي يقطع البيد والمفاوز والقفار ميمما نحوخراسان حيث مركز حكم المأمون وسلطانه، ولم يكن للإمام (عليه السلام) مناص من الرحيل عن المدينة، موطن الأهل وحرم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فرحل الإمام (عليه السلام) عنها تاركا أهله وعياله وديعة عند جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

حتى إذا وصل الموكب إلى مرو ونفذت أولى خطط المأمون من ولاية العهد، وأخذ البيعة وضرب الدراهم والدنانير، ولم يكن الإمام (عليه السلام) بذلك مسرورا، فقد أسر إلى بعض أصحابه أن ذلك أمر لا يتم (٨)، وأنه حلقة من سلسلة المخطط الذي يهدف المأمون إلى تنفيذه، وكان ذلك في سنة 200 ه ‍ ، ومرت الأيام بطيئة ثقيلة لم يلق فيها الإمام (عليه السلام) يوم راحة واطمئنان، فقد حقق المأمون من الإمام أغلى أمانيه.

وكان الإمام (عليه السلام) وهو في غربته يعاني من فراق أهله وعياله، فقد انقطعت الأخبار فما حال أولئك الثكالى؟ وما حال شقيقته الوحيدة؟

فهي بالأمس تفقد أباها، وهي في زهرة العمر، واليوم ينتزع منها شقيقها ولا ترجو له عودة.

ومضى عام على رحيل أخيها عنها فهاجت بها لواعج الحنين والشوق إلى أخيها الغريب، وقد علم الإمام (عليه السلام) بحال أخته، فإنها لم تغب عن قلبه، وهو يعلم شدة تعلقها به، فكتب إليها كتابا يطلب منها القدوم عليه، وأعطاه أحد غلمانه، وأمره بالمسير إلى المدينة ولايلوي علي شئ، ولا يقف في طريقه إلا بمقدار الضرورة ليوصل الكتاب في أسرع وقت ممكن، وقد أعلمه الإمام (عليه السلام) بالمكان والبيت لئلا يسأل أحدا من الناس.

وأغد الغلام المسير يواصل ليله ونهاره، حتى شارف المدينة، وجاء إلى بيت الإمام (عليه السلام) وسلم الكتاب إلى فاطمة المعصومة (عليها السلام) (٩).

وما إن وقع بصرها على خط الإمام حتى تذكرت أخاها، وما كان له معها من شأن، وكأنه لم يمض عام واحد فحسب، وإنما عشرات الأعوام.

ثم إنها تهيأت للمسير.

وهذا الأمر هو ما نرجحه على القول بأن فاطمة المعصومة (عليها السلام) غادرت المدينة من تلقاء نفسها، فإن ذلك ينافي جلالة قدرها، وعظمة شأنها، وسمو نفسها، وإن كان الخطب جليلا، على أنها كانت في حمى ابن أخيها الجواد (عليه السلام)، فعلى فرض أن موضوع الكتاب لم يثبت من ناحية تاريخية إلا أنها وهي العالمة بأن ابن أخيها إمام معصوم مفترض الطاعة فلا بد من استئذانه.

على أن التهيۆ بموكب قوامه اثنان وعشرون شخصا من الأخوة وأبنائهم والغلمان (١٠) في مسيرها (عليها السلام) لم يكن ليتم إلا عن رضا وموافقة ولئن جرت الدواهي عليهم تشتت شملهم وتفرقهم في أطراف البلدان، وكان ذلك عند الله عظيما، ولكن لعل في ذلك سرا خفيا حيث تكون مراقدهم الشريفة مواطن الرحمة، والخير والبركة، يلجأ إليها العاني، ويقصدها المحتاج، ويلوذ بها المضطر.

وهكذا كانت كريمة أهل البيت (عليهم السلام) السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) فقد شاءت المقادير الإلهية أن ترحل عن هذه الدنيا في بلدة نائية عن موطن الآباء والأجداد لتكون بابا من أبواب الرحمة إلى العباد، وملاذا يۆمها ذوي الحاجة والاضطرار، وسببا من أسباب اللطف الإلهي للمۆمنين والأخيار.

وأسلمت روحها إلى بارئها راضية مرضية، ولم يتجاوز عمرها الشريف - على أقصى التقادير - الثلاثين ربيعا، وكان ليوم موتها شأن عظيم.

وما أفلت تلك الشمس التي أطلت على مدينة قم بعد سبعة عشر يوما من دخولها إليها إلا لتشرق من جديد، وليكون مثواها موئلا وملاذا ومطافا، وتصبح السيدة فاطمة علامة تحول في تاريخ هذه البلدة وأهلها، ويكون حرمها مصدر خير وبركة لهم ولمن يقصدها من سائر البلدان من شتى بقاع الأرض، منذ يوم وفاتها وإلى يوم الناس هذا.

المصادر:

(١) منتهى الآمال ج 2 ص 451.

(٢) منتهى الآمال ج 2 ص 450.

(٣) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 217 - 218.

(٤) إعلام الورى ج 2 ص 100.

 (٥) منتهى الآمال ج 2 ص 451.

(٦) الإرشاد ج 2 ص 271.

(٧) منتهى الآمال ج 2 ص 451 وص 499.

(٨) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 202.

(٩) كريمة أهل البيت (عليهم السلام) ص 493 - 494.

(١٠) سيدة عش آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ص 73. والحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) ص 428.


السيده فاطمة المعصومه (عليها السلام) _ علمها

مكانة السيده فاطمة المعصومه(عليها السلام)

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)