• عدد المراجعات :
  • 747
  • 8/9/2009
  • تاريخ :

عولمة الجريمة و الإرهاب 4

عولمة الجريمة و الإرهاب

شهدت العقود الأخيرة تصاعداً في أشكال عديدة من الجريمة المعولمة. كانت تجارة المخدرات أول قطاع للممنوعات يحقق أقصى الأرباح في عالم معولم . حقق المجرمون أرباحاً هائلة من المتاجرة بالمخدرات ، و استخدمت مجموعات إرهابية عديدة تهريب المخدرات كمصدر هام لتمويل عملياتها. لكن ، بعد ان ازدادت المنافسة في سوق المخدرات ، و تعززت أساليب فرض تطبيق القانون الدولي لمكافحتها ، انخفضت الأرباح بسبب المنافسة و المخاطر المتزايدة ، و كانت النتيجة ، ان استغل العديد من المجرمين و الإرهابيين أشكالاً أخرى من الجريمة ، سهّل تنفيذها الاقتصاد المعولم .

شهدت العقود الأخيرة تصاعداً في أشكال عديدة من الجريمة المعولمة. كانت تجارة المخدرات أول قطاع للممنوعات يحقق أقصى الأرباح في عالم معولم . حقق المجرمون أرباحاً هائلة من المتاجرة بالمخدرات ، و استخدمت مجموعات إرهابية عديدة تهريب المخدرات كمصدر هام لتمويل عملياتها.

استفاد المجرمون و الإرهابيون بالتالي مالياً من ازدياد التجارة بالأسلحة و عمليات تهريب البشر. كما حصلت زيادة هائلة في التجارة غير الشرعية بأجناس الحيوانات المعرضة للخطر، بالنفايات الخطرة ، بالأعمال الفنية و الآثار المسروقة ، بالسلع المزيفة ، و بالجريمة المعولمة المتصلة ببطاقات الائتمان . تستغل كل من الجريمة المنظمة و الإرهابيين كافة هذه النشاطات ، و في بعض الأحيان حتى بصورة مترادفة لكليهما.

كذلك ، تطورت صناعة من الخدمات الرئيسية لتوفير خدمة لكافة فئات المجرمين ، الذين يتخطون الحدود القومية. تشتمل هذه الخدمات على مزودي الوثائق المزورة ، و مبيضي الأموال ، وحتى مهنيين من المستوى العالي يقدمون خدمات قانونية، و مالية، و محاسبية إلى كلا المجموعتين . يتبيّن هذا الاتجاه من الحقيقة الظاهرة في محاكمة بنك ريغز في واشنطن العاصمة ، الذي شملت لائحة زبائنه القانونيين رؤساء أميركيين و العديدين من أفراد المجتمع الدبلوماسي في العالم ، و الذي تمّت مقاضاته لقيامة بتبييض الأموال لديكتاتور غينيا الاستوائية ، و لتسهيله لعمليات تحويل الأموال إلى إرهابيين ، فحُكم عليه بدفع غرامة مقدارها 25 مليون دولار . تُبيّن هذه القضية ان نشاطات المجرمين و الإرهابيين ، لاتبقى دائماً ضمن نطاق اقتصاد الظل ، بل تتقاطع في أحيان كثيرة مع النظام الاقتصادي المشروع .

 

ماذا يمكن عمله؟

 

ينبغي إحداث تبديل أساسي في المثال المتبع لطريقة مقاربتنا للأمن الدولي . فالاستمرار في اعتماد التوصيفات المصطنعة و المتهالكة ، التي تقول إن المجرمين لايحفزهم إلاّ الربح ، و إن الإرهابيين لاتحفزهم سوى الدوافع السياسية أو الدينية ، هو ما يؤدي إلى فشل صانعي السياسة ، و هيئات فرض تطبيق القانون ، و واضعي الخطط الاستراتيجية العسكرية ، بوجه عام ، في التعامل بشكل فعال مع الظاهرة الجديدة لشبكات الجريمة المتخطية للحدود القومية.

يجب ان تبتعد الدول و المؤسسات المتعددة الأطراف عن المثال الأمني الذي ساد خلال فترة ما بعد الحرب الباردة ، و الذي يعتبر النزاعات بين الدول القومية بمثابة التهديد الرئيسي للأمن الدولي ، و يفترض، بناءً على ذلك ، ان الدول قادرة على التحكّم بالأمن الدولي . فعلى سبيل المثال ، قد تكون استراتيجية التحكم بانتشار أسلحة الدمار الشامل من خلال احتجاز المواد اللازمة لصنعها مصممة بصورة رائعة ، لكن يشوبها خطأٌ مُهلك ، لأنه بدون معالجة التهديدات الإضافية التي يطرحها الانتشار المستشري للفساد ، و لعمليات الشبكات الإجرامية و الإرهابية فقد تولّد الدول شعوراً زائفاً بالأمن.

يجب ان تبتعد الدول و المؤسسات المتعددة الأطراف عن المثال الأمني الذي ساد خلال فترة ما بعد الحرب الباردة ، و الذي يعتبر النزاعات بين الدول القومية بمثابة التهديد الرئيسي للأمن الدولي ، و يفترض، بناءً على ذلك ، ان الدول قادرة على التحكّم بالأمن الدولي .

تتطلب معالجة مسألة تقاطع كل من الجريمة و الإرهاب و الفساد ضمن البيئة العالمية ، معالجة البيئة الاجتماعية ، و السياسية ، و الاقتصادية ، التي تولد و تساند هذه الظاهرة . ترتبط كل من تلك الشرور الثلاثة بالمشاكل العميقة العائدة لاختلال التوازنات الاقتصادية بين البلدان ، و للحكومات المستبدة ، و لغياب فرص العمل في العديد من مناطق العالم . إن على الحل القابل للحياة أن يدرك ويتعامل مع الشعور بالحرمان من الحقوق الذي يدفع إلى القيام بالكثير من الأعمال الإرهابية، بالأخص بين السكان المسلمين . إن توفر فرص العمل ووسائل تأمين سبل العيش أمران حاسمان بالنسبة للعديد من الناس في العالم النامي ، ولكي لا يبقى ، على سبيل المثال ، المزارعون في أفغانستان و أميركا اللاتينية معتمدين على زراعة المخدرات لإعالة عائلاتهم.

كثيراً ما تعتبر الجريمة كمسألة هامشية للإرهاب . فمنذ 11 أيلول/سبتمبر 2001 ، تحولت موارد عديدة في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان عن عمليات مكافحة الجريمة العابرة للحدود القومية إلى عمليات مكافحة الإرهاب. قد يكون هذا التصرف خاطئا بالنسبة للقوات المسلحة ولمجتمعات الاستخبارات ،  ولغيرها . فالحاجة لمحاربة الجريمة ليست مسألة هامشية بل أنها قضية مركزية بالمطلق للحرب ضد الإرهاب . ربما كان بالإمكان إفشال عمل الإرهابيين ، الذين فجروا قطارات الركاب في مدريد في 11 آذار/مارس 2004 لو كانت سلطات السجون مدركة لما يجري التخطيط لتنفيذه في داخل مرافقها.

تتطلب معالجة مسألة تقاطع كل من الجريمة و الإرهاب و الفساد ضمن البيئة العالمية ، معالجة البيئة الاجتماعية ، و السياسية ، و الاقتصادية ، التي تولد و تساند هذه الظاهرة .

هناك مثال عن الاستراتيجية الناجحة المتبعة ضمن دائرة الشرطة في لوس انجلوس ، التي تدمج جهود قوات الشرطة المحلية مع جهود قوات تطبيق القانون الفدرالية . فمن خلال توحيد التحليل الخبير مع عمل الشرطة التقليدي ، و المتابعة الوثيقة للنشاط الإجرامي داخل مجتمعاتها ، حققت دائرة الشرطة في لوس انجلوس نجاحاً باهراً في تمزيق النشاط الإرهابي المحتمل ، كما التنظيمات التي تمول و تسهل الإرهاب. من خلال العمل التقارني و التخفيف من الحواجز البيروقراطية ، تمكن رجال الشرطة في لوس انجلوس من مكافحة الإرهاب دون استعمال أي أدوات قانونية خاصة ، و دون ارتكاب أي انتهاكات للحقوق القانونية للناس.

إذا استمر صعود التهديد الصادر عن فاعلين من خارج الدول ، كالمجرمين و الإرهابيين الذين يتخطون الحدود القومية خلال العقود القادمة ، فسوف نحتاج في المستقبل إلى قيام تعاون دولي اعظم ، والى قوانين اكثر انسجاماً ، و الى تشاطر أكبر للمعلومات الاستخبارية. و عند تطبيق سياسة مضادة للجريمة والإرهاب العابرين للحدود القومية ، يتوجب علينا ، بالترافق مع ذلك، احترام حقوق الإنسان ، و تجنب إجراءات تؤدي إلى تعزيز الراديكالية و تغذية الإرهاب . سوف تحدد طريقة إدارتنا لهذه الإزاحة للنموذج القائم بحيث نرى و نعامل المجرمين ، و الإرهابيين ، و الفاسدين على أنهم متصلون ببعضهم البعض ، مدى نجاحنا في إنقاذ فوائد العولمة من سوء الاستخدام الخطر لها في حلبة الأمن الدولي.


الجريمة--- Crime

عولمة الجريمة و الإرهاب 1

عولمة الجريمة و الإرهاب 2

عولمة الجريمة و الإرهاب 3

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)