• عدد المراجعات :
  • 1054
  • 8/3/2009
  • تاريخ :

حكم من أنكر الإمام المهدي ( عليه السلام )

الامام المهدي

لاريب في أن أحاديث خروج الإمام المهدي ( عليه السلام ) متواترة بإجماع من يعتدُّ به من أهل العلم ، و أئمة الحديث . فإنكار هذا الأمر المتواتر جُرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة إلى حدِّ التواتر . و قد سُئل ابن حجر المَكِّي - من علماء السُنَّة - عَمَّن أنكر الإمام المهدي ( عليه السلام ) الموعود به ، فأجاب : ( إنَّ ذلك إنْ كان لإنكار السُنَّة رأساً فهو كفر ، يُقضى على قائله بسبب كفره وردّته ، فَيُقتل . و إن لم يكن لإنكار السُنَّة ، و إنَّما هو مَحض عناد لأئمَّة الإسلام ، فهو يقتضي التعزير البليغ ، و الإهانة ، بما يراه الحاكم لائقاً بعظيم هذه الجريمة ، و قبح هذه الطريقة ، و فساد هذه العقيدة ، من حبس ، و ضرب ، و صَفْعٍ ، و غيرها من الزواجر عن هذه القبائح . و يرجعه إلى الحقِّ راغماً على أنفه ، و يردُّه إلى اعتقاد ما ورد به الشرع ردعاً عن كفره ) .

وقد وقفنا على فتوىً للشيخ البهائي ( قدس سره ) في هذه المسألة ، قال – مجيباً على من سأله عن خروج الإمام المهدي ( عليه السلام ) بقول مطلق ، هل هو من ضروريَّات الدين ، فمنكره مرتدُّ ، أم ليس من ضروريَّاته ، لِما يُحكى من خلاف بعض المخالفين فيه ، و أنَّ الذي يخرج إنَّما هو عيسى ( عليه السلام ) ، و هل يكون خلافهم مانعاً من ضروريَّته ؟  :

( الأظهر أنَّه من ضروريَّات الدين ، لأنه ممَّا انعقد عليه إجماع المسلمين ، و لم يخالف فيه إلاَّ شرذمة شاذَّة لايعبأ بهم ، لايعتمد عليهم و لابخلافهم ، و لايَقدَحُ خروج أمثال هؤلاء من ربقة الإجماع في حُجِّيَّته ، فلامجال للتوقف في كفرهم ، إن لم تكن لَهم شبهة محتملة ) . و نقول : تكفير المنكِر عند الفريقين يدور على أحد أمرين :

أوَّلهما :

ما أشار إليه ابن حجر في ( الفتاوى الحديثيَّة ) ، و هو ما أخرجه أبو بكر الإسكاف في ( فوائد الأخبار ) عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ( رضوان الله عليه ) ، عنه ، قال ، ( قال رسول الله ( صلى الله عليه و له ) : مَن كَذَّبَ بالدجَّال فقد كَفَر ، ومَن كَذَّبَ بالمهديِّ فقد كَفَر ) . قال ابن حجر في ( القول المختصر ) - كما في ( البرهان )  : ( أي حقيقةً ، كما هو المتبادر من اللفظ ، لكن إن كان تكذيبه من السُنَّة ، أو لاستهتاره بها ، أو للرغبة عنها .

فقد قال أئمَّتنا و غيرهم : لو قيل لإنسانٍ : قُصَّ أظفارك ، فإنّه من السُنَّة . فقال : لاأفعله و إن كان سُنّة ، رغبةً عنها ، فقد كفر ، فكذا يقال بمثله ) .

ثانيهما :

إجماع أهل الإسلام قاطبة ، و اتِّفاقهم على مَرِّ الأعصار و الأعوام على خروج المهديِّ المنتظر ( عليه السلام ) ، حتى عُدَّ ذلك من ضروريات الدين ، و هو اتفاق قطعي منهم ، لايشوبه شك ، و لايعتريه ريب . اللهم إلا من شَذَّ ، مِمَّن لايُعتدُّ بخلافه ، و لايلتفت إليه ، و لاتكون مخالفته قادحة في حُجِّيَّة الإجماع . مضافاً إلى تواتر أحاديث الإمام المهدي ( عليه السلام ) تواتراً قطعيّاً . و ظاهر أنَّ من أنكر المتواتر من أُمور الشرع و الغيب بعد ما ثبت عنده ثبوتاً يقينيّاً فإنّه كافر ، لردِّه ما قُطع بصـدوره ، و تحقَّقَ ثبوته عـنه ( صلى الله عليه و له ) . و لاشُبهَة في كفر من ارتكب ذلك بإجماع المسلمين ، لأنّ الرادَّ عليه ( صلى الله عليه و له ) كالرادُّ على الله تعالى ، و الرادُّ على الله كافر باتِّفاق أهل المِلَّة ، و إجماع أهل القبلة . و دعوى التواتر صحيحة ثابتة ، كما صَرَّح بذلك جمهور أهل العلم من الفريقين . و لانعلم رادّاً لها إلا بعض مَن امتطى مطيَّة الجهل ، و اتَّخذ إلهه هواه ، و كابر الحق ، فكان حقيقاً بالإعراض عنه . ونحن نقتصر في هذا المختصر على نقل كلام جماعة من محقِّقي العلماء في تحقّق التواتر لِتَتَبيَّن جليَّة الحال .

- قال البري في كتاب ( مناقب الشافعي ) : ( قد تواترت الأخبار ، و استفاضت بكثرة رُوَاتها عن رسول الله ( صلى الله عليه و له ) بذكر المهدي ، و أنه من أهل بيته ، و أنه يملك سبع سنين ، و أنه يملأ الأرض عدلاً ، و أنَّ عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجَّال ، و أنه يَؤمُّ هذه الأمَّة ، و يصلّي عيسى بن مريم خلفه ) .

- و قال بن حجر في ( الصواعق ) : ( الأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة ) .

- و قال السفاريني الحنبلي في (اللوائح ) : ( الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى ، و أنه يخرج قبل نزول عيسى ( عليه السلام ) . و قد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حدّ التواتر المعنوي ، فلامعنى لإنكارها .

- و قال الشوكاني في ( التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر و الدجَّال و المسيح ) : ( الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً ، فيها الصحيح ، و الحسن ، و الضعيف ، و المنجبر . و هي متواترة بلاشكٍّ و لاشبهة ، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحرَّرة في الأصول ) .

وأما الثار عن الصحابة المصرَّحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً ، لها حكم الرفع ، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك .

خلاصة القول :

إن إنكار مسألة الإمام المهدي ( عليه السلام ) و إنكار خروجه ، أمر عظيم ، لاينبغي التفوُّه به ، بل رُبَّما أفضى بصاحبه إلى الكفر و الخـروج عن المِلَّة ، و العياذ بالله تعالى . و الواجب تلقِّي ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه و له ) بالقبول ، و الإيمان التام ، و التسليم به .

فمتى صحَّ الخبر عن رسول الله ( صلى الله عليه و له ) فلايجوز لأحدٍ أن يعارضه برأيه و اجتهاده ، بل يجب التسليم ، كما قال الله عزَّ و جلَّ :( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَيُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ) ، ( النساء : 65 ) .

و قد أخبر النبي ( صلى الله عليه وله ) بهذا الأمـر عن الدجَّال ، و عن الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، و عن النبي عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) . و وجب تلقِّي ما قاله ( صلى الله عليه وله ) بالقبول و الإيمان ، و الحذر من تحكيم الرأي ، و التقليد الأعمى ، الذي يضرُّ صاحبه و لاينفعه ، لا في الدنيا و لا في الخرة . و لايسع المجال هنا لاستقصاء كلام الأئمّة ( عليهم السلام ) و العلماء في تواتر أحاديث المهدي المنتظر ( عليه السلام ) ، والتحذير من إنكار شأنه ، لكنَّ ما ذكرناه فيه كفاية إن شاء الله تعالى ، و الله الهادي إلى سواء السبيل .


أحاديث مروية عن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)