العبودية السلبية من منظور الشرع والوضع
الحرية و العبودية من منظور الشرع و الوضع
و العبودية لشهوات النفس غير المحمودة و عبودية سلبية، بل أنها مندكة في السلبية، لان
شهوات النفس ، تقود الإنسان إلى ما لا يحمد عقباه، و لهذا اعتبر الإسلام ، أن جهاد النفس ، هو الجهاد الأعظم ، و فوق جهاد العدو الخارجي،
فقد ورد عن الإمام علي (ع): "إن النبي صلى الله عليه واله وسلم بعث سرية ، فلما رجعوا قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، و بقي عليهم الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول الله ، ما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النفس. و قال صلى الله عليه واله و سلم: إن أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه" .
ومن الواضح أن جهاد العدو ، ينتهي بانتهاء المعركة ، حتى إذا حطت الحرب أوزارها ، عاد كل جيش إلى ثغوره، لكن
النفس البشرية كالهواء ، الذي يتنفسه الإنسان ، تصاحبه ما قدّر الله له أن يعيش، فجهادها عملية دائمة ما طلع الليل و النهار،
و كما يقول العيناثي (المتوفى بعد 1088هـ): "و الحازم من الناس ، من سدّ ثغور الهوى، و رابط جيوش الحِجى" ، و قد عبر بعض العارفين، عن النفس بقوله: " إن هذه النفس في نهاية الخساسة و الدنائة، و نهاية الجهل و الغباوة ، و ينبهك على ذلك أنها ، إذا همّت بمعصية أو انبعثت لشهوة ، لو تشفعت إليها بالله سبحانه ثم برسوله و بجميع أنبيائه، ثم بكتبه و السلف الصالح من عباده، و عرضت عليها الموت و القبر و القيامة و الجنة و النار، لا تكاد تعطي القياد، و لا تترك الشهوة، ثم إن منحتها رغيفا ، سكنت ، و ذلّت ، و لانت بعد الصعوبة ، و الجماح ، و تركت الشهوة".
من هنا
كان جهاد النفس أعظم الجهاد، و قد ورد عن النبي الأكرم ، محمد (ص) قوله: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله" ،
و قال ابن الجوزي (ت 597هـ) في تفسير قوله تعالى: "و جاهدوا في الله حقّ جهاده" ، ( الحج:78 ) ،
أن هناك: "ثلاثة أقوال:
_ احدها انه: «فعل جميع الطاعات »، هذا قول الأكثرين،
_و الثاني انه: « جهاد الكفار » ، قاله الضحاك (ت 102هـ)،
_و الثالث انه: «جهاد النفس والهوى » ، قاله عبد الله بن المبارك (ت 181هـ) ، و جاء في وصية الإمام علي لنجله ، الإمام الحسن (ع): "من ترك الشهوات كان حرا" ، و من وصايا الإمام علي (ع) إلى الناس: "ألا حر يدع هذه اللُماظة - بضم اللام و تعني الدنيا- لأهلها؟ ، أنه ليس لأنفسكم ثمن ، إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها".
و لقد وردت أحاديث كثيرة تعتبر السلوك المغلوط في حياة الإنسان عبودية بمعنى الرق، و أن الإنسان قادر على الفكاك من هذا الرق ، إن هو غيّر من سلوكه نحو مدارج الكمال الخلقي، فمثلا الطمع ، مظهر سلبي من مظاهر السلوك البشري، و لهذا: "قيل أغبط الناس من اقتصد فقنع، و من قنع فك رقبته من عبودية الدنيا ، و ذل المطامع"،
و قد ورد عن الإمام علي (ع): "الحر عبد ما طمع ، و العبد حر ما قنع"، و عنه (ع): "أزرى بنفسه من استشعر الطمـع"، و عنه (ع): "الطمع رق مؤبد .. و الطامع في وثاق الذل:"،
بل إن الطمع مفتاح الذل ، كما في وصايا الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، لهشام بن الحكم الشيباني الكوفي (ت 199هـ)، فمما أوصاه: "يا هشام: إياك و الطمع، و عليك باليأس ، مما في أيدي الناس، و أمت الطمع من المخلوقين، فان الطمع مفتاح الذل، و اختلاس العقل، و اختلاف المروات، و تدنيس العرض، و بيّن بالعلم، و عليك بالاعتصام بربك ، و التوكل عليه".
ولعل من أهم الأمور ، التي يمكن استيحاؤها من هذا الحديث، أن الاستئثار و الطمع و الجشع (مال أو سلطة أو جاه، وغيرها) ، هو نقيض الحرية، فمن الحرية على سبيل المثال ، أن يستشير المرء ذوي الحِجى، و من الحرية أن لا يستأثر ذو سلطة بسلطته، فالطاغية على عكس ما يصوره الإعلام ، إنما هو عبد للسلطة، و على مذبح العبودية يهتك الحرمات، فيكون أسير الدم الذي أراقه و الحرمة التي انتهكها، في الدنيا و الآخرة، و هو في الوقت نفسه أسير شهوته و نزواته.
د. نضير الخزرجي
حرية الضمير والعقيدة الدينية
الديمقراطية والتحد يث الإسلامي
التعددية السياسية والحرية في الاسلام
الإسلام والنظرة الشمولية لحقوق الإنسان
المقاربة بين الأفكار
الإسلام بين غيوم التشويه وشمس الاصالة