• عدد المراجعات :
  • 2262
  • 2/18/2008
  • تاريخ :

هل ترين ظلما في شهادة المرأة؟

المرأة

لقد أثارت هذه الآية ( و استشهد شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونان رجلين ، فرجل وا مرأتان ، ممن ترضون من الشهداء ، أن تضل إحداهما ، فتذكر إحداهما الأخرى ) ، ( البقرة/ 282) ، و حديث (( ناقصات عقل و دين )) حفيظة الرجال ، و جعلتهم يترددون في معاملة النساء إنساناً كامل الأهلية ، تام القدرات العقلية و الفكرية ! ، فكانت بالتالي قضية الشهادة من القضايا المهمة التي أحزنت النساء ، و أثارت شجونهن ، و جعلتهن هن الأخريات يتشككن في قدراتهن ، و تمام عقولهن مقارنة بالرجال! ، و أدت إلى تمنيهن .

الذكورة :

1 ـ فهل تعلمين أن شهادة المرأة وحدها تقبل في هلال رمضان شأنها شأن الرجل؟

2 ـ و هل تعلمين أن شهادة المرأة قبلت في الأمور الخاصة بالنساء ؟ 

قال ابن قدامة في المغني : (( و يقبل فيما لا يطلع عليه الرجال مثل الرضاعة و الولادة و الحيض و العدة و ما أشبهها شهادة امرأة عدل . و لانعلم بين أهل العلم خلافاً في قبول شهادة النساء المنفردات في الجملة )) .

و يوضح الحكم في موضع آخر فيقول : (( تقبل شهادة النساء وحدهن ـ منفردات عن الرجال ـ في خمسة أشياء :

1 ـ الولادة ،

2 ـ الاستهلال ،

3 ـ الرضاع ،

4 ـ العيوب ، التي تحت الثوب كالرتق ، و القرن، و البكارة، و الثيبوبة، و البرص ،

5 ـ انقضاء العدة ...

و عن أحمد رواية أخرى ، أنه لايقبل في الرضاع إلا امرأتان. فإن شهد الرجل بشيء من ذلك فقد تقبل شهادته وحده)).

3 ـ و هل تعلمين أنه تقبل شهادة المرأة الواحدة؟ ،

قال ابن قدامة : (( و كل موضع تقبل فيه شهادة النساء المنفردات ، فإنه تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة )). و جاء في حاشية ابن عابدين ما يلي : (( ( و تقبل في البكارة و عيوب النساء و ما لا يطلع عليه الرجال ، امرأة واحدة حرة مسلمة و الثنتان أحوط )) . و يقول وهبي سليمان غاوجي الألباني : (( أما ما يتعلق بأمور المرأة فشهادة المرأة فيه مقبولة ، بل شهادتها وحدها كافية ، حيث لا تقبل شهادة الرجل وحده )) . و جاء في الحديث : ((سأل عقبة بن الحارث النبي (ص) ، فقال : إني تزوجت امرأة . فجاءت أمة سوداء فقالت : إنها أرضعتنا؟ ، فأمره بفراق امرأته. فقال: إنها كاذبة . فقال النبي (ص) : دعها عنك )) ، وقد علق ابن القيم فقال : ((ففي هذا قبول شهادة المرأة الواحدة ، و إن كانت أمة و شهادتها على فعل نفسها )).

و قد علق معروف الدواليبي بكلام جميل على هذا فقال:

(( إن الشريعة الإسلامية اتجهت إلى تعزيز الشهادة في القضايا المالية بصورة مطلقة بشهادة رجل آخر ، إلى جانب الرجل الأول ، حتى لاتكون الشهادة عرضة للاتهام . ولم يعتبر أحد تنصيف شهادة الرجل هنا ، و تعزيزها بشهادة رجل آخر ماساً بكرامته ، ما دام ذلك التعزيز أضمن لحقوق الناس . و زيادة على ذلك فإن شهادة الرجل لم تقبل قط (( وحده )) حتى في أتفه القضايا المالية . غير أن المرأة قد امتازت على الرجل في سماع شهادتها (( وحدها )) ، دون الرجل ، فيما هو أخطر من الشهادة على الأمور التافهة ، و ذلك كما هو معلم في الشهادة على الولادة ، و ما يلحقها من نسب و إرث ، بينما لم تقبل شهادة الرجل (( وحده )) في أتفه القضايا المالية ، و في هذا رد بليغ على مَن يتهم الإسلام بتمييز الرجل على المرأة في الشهادة )) .

فلماذا لم يعتبر الرجل عدم قبول شهادته منفرداً عيباً فيه ، و نقصاً في كمال عقله ؟ ، و لماذا لم يعترض ؟ ، و كذلك المرأة ينبغي أن تثق بنفسها ، و ترضى بحكم ربها .

و هل تعلمين ـ إذن ـ أن في قبول شهادة المرأة في أمور النساء ، و قبول شهادة المرأة الواحدة دليلاً قوياً على كامل أهليتها ؟ ، ولو كان النقص في تمام عقل المرأة حقيقياً لامجازياً ، لما أجاز الإسلام شهادتها في أي أمر من الأمور ، لكن الإسلام قبل شهادة المرأة في شؤون النساء مع ما للشهادة من أهمية ، و مع ما قد تجر إليه من أحكام و أحوال ، فشهادة الزور أو الشهادة غير الموثقة في مثل هذه الأمور ، قد يترتب عليها ضرر كبير لأنها قد تؤدي إلى طلاق أو تمنع زواجاً ، أو تؤدي إلى خطورة بالغة لو حدث فيها خطأ فتخلط أنساباً ،  وتحرم إرثاً ...

4 ـ و هل تعلمين أن الأولوية في الشهادة تكون للنساء في أمورهن ، فبعد أن تحدث محمد سعيد رمضان البوطي عن شهادة الرجلين في الأمور الجنائية قال : (( و على العكس من ذلك شهادة المرأة في أمور الرضاع و الحضانة و النسب و نحو ذلك ، فإن الأولوية الشرعية فيها لشهادة المرأة ، إذ هي أكثر اتصالاً بهذه المسائل من الرجل ، كما هو واضح و معروف )) . بل روي عن الشعبي أنه قال : (( من الشهادات ما لا يجوز فيه إلا شهادة النساء )) . (نقلاً عن الطرق الحكمية لابن القيم : ص145)  .  ويضيف في نفس الكتاب : (( لو كان الأمر كذلك ( يقصد الهبوط بالمرأة عن الرجل ) لما كانت الأولوية لشهادة المرأة في أمور الرضاعة و الحضانة و النسب ، و غيرها مما تقوم الصلة فيه مع النساء أكثر من الرجال ، و لما كانت الأولوية لشهادة النساء في كل خصومة جرت بين النساء بعضهن مع بعض ، أياً كان سببها )).

5 ـ و هل تعلمين أن شهادة المرأة تقدم أحياناً على شهادة الرجل بعد سماع الشهادتين : (( يثبت خيار الفسخ لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه ... ، و إن اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ، و يقبل فيه قول امرأة واحدة ، فإن شهدت بما قال الزوج و إلا فالقول قول المرأة )).

6 ـ و هل تعلمين أن شهادة النساء تقبل أحياناً في الأمور الجنائية ، في حين لايلتفت إلى شهادة الرجال ؟! ، و ذلك في الحالات التي ذكرها مصطفى الزرقا : (( ( شهادة المرأة وحدها ) تقبل في بعض الحالات هي ، أن يكون الحدث الذي ستشهد عليه المرأة ، يقع في مكان لا يوجد فيه رجال كحمامات النساء ... ، فتقبل شهادة النساء وحدهن في الجرائم التي تقع في حماماتهن )).

7 ـ و هل تعلمين أن العلة ـ في تنصيف شهادة المرأة في بعض القضايا ـ ليست في عقل المرأة ؟ ، إنما العلة كما قالت الآية : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) ، و المرأة لاتضل إن كانت عدلاً فيما يتعلق بمهامها و عالمها ، إنما قد تضل في غيره : (( أما ما كان من الشهادات ، مما لايخاف فيه الضلال في العادة ، لم تكن فيه المرأة على النصف من الرجل ، و تقبل فيه شهادتهن منفردات لأنها أشياء تراها بعينها أو تلمسها بيدها أو تسمعها بأذنها من غير توقف على العقل ، كالولادة و الارتضاع و الحيض و العيوب تحت الثياب ، فإن مثل هذا لاينسى في العادة و لاتحتاج معرفته إلى إعمال العقل )) . و قال ابن قيم الجوزية : (( و المرأة العدل كالرجل في الصدق و الأمانة و الديانة ، إلا أنها لما خيف عليها السهو و النسيان قويت بمثلها ، و ذلك قد يجعلها أقوى من الرجل الواحد أو مثله )).

8- و هل تعلمين بماذا علل محمد سعيد رمضان البوطي أن شهادة المرأتين برجل ؟ ، (( إن الشروط التي تراعى في الشهادة ، ليست عائدة إلى وصف الذكورة و الأنوثة في الشاهد ، ولكنها عائدة بمجموعها إلى أمرين إثنين :

- أولهما عدالة الشاهد و ضبطه ...

- ثانيهما: أن تكون بين الشاهد و الواقعة التي يشهد بها، صلة تجعله مؤهلاً للدراية بها والشهادة فيها ...

و من المعلوم أنه إذا ثبت لدى القاضي اتصاف هذا ( الشاهد ) بهذه الصفات ( أي رقة المشاعر و العاطفة ) ، فإن شهادته تصبح غير مقبولة . إذ لابد أن يقوم من ذلك دليل على أن صلته بالمسائل الجرمية و قدرته على معاينتها ضعيفة أو معدومة ، و هو الأمر الذي يفقده أهليته للشهادة عليها ... ،

و أخيراً نقول ، لو كانت الأنوثة و الذكورة تلعبان دوراً في قيمة الشهادة و مدى شرعيتها ، لسمت شهادة المرأة في باب اللعان ، أي لكانت شهاداتها الأربع بقيمة شهادتين فقط من شهاداته. ولكن الواقع أنها متساويات ... ، و قد جعل الله قيمة الشهادات الأربع التي تثبت الزنا ، مكافئة لقيمة الشهادات الأربع التي تنكرها. و هو الأمر الذي يؤكد أن الأنوثة و الذكورة بحد ذاتهما لا مدخل لأي منهما في قيمة الشهادة )) .

9 ـ و هل تعلمين أن الشهادة تختلف عن الرواية ؟ ، و قد قُبلت رواية المرأة الواحدة ـ و ما تزال ـ في كل أمر حتى في الحديث : (( فالحديث النبوي الذي روته لنا امرأة عن رسول الله (ص)، له حجية الحديث نفسه الذي يرويه رجل )) . و لم يرد أحد قول امرأة لمجرد أنها امرأة ، قال الشوكاني: (( لم ينقل عن أحد من العلماء ، بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة . فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة ، و هذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة )). و قال ابن القيم : (( الشارع صلوات الله و سلامه عليه و على آله لم يرد خبر العدل قط ، لافي رواية و لافي شهادة ، بل قبل خبر العدل الواحد في كل موضع أخبر به ... ، و قبل شهادة الأمة السوداء وحدها على الرضاعة )).

10ـ  و هل تعلمين أهم ما في الأمر ؟ ، إن قضية الشهادة التي تبدو لأول الأمر تفضيلاً للرجل على المرأة ليست كذلك ! ، و إليك ما يثبت ذلك:

أولاً ـ لاأدري ما هي المكاسب ، التي ضاعت على المرأة عندما نصفت شهادتها ، و ما هي الحقوق التي حرمت منها في الدنيا ؟ ، يقول معروف الدواليبي : (( قد خفف الإسلام في القضايا المالية عن المرأة ، و جعل شهادة المرأتين فيها تعادل شهادة الرجل الواحد ، و ذلك حتى ينصرف الناس عن دعوتها للشهادة ، و ليرجحوا دعوة الرجل ... ، فتنصيف شهادة المرأة في القضايا المالية لم يكن تنصيفاً لحق ، و إنما تخفيفاً لعبء )) . و يقول أيضاً : (( إن الشهادة في مفهوم الإسلام بصورة عامة هي (( عبء )) ثقيل يتهرب منه الناس ، و ليست (( حقاً )) يتزاحمون عليه لينزع منهم . و لذلك فقد نهى القرآن الكريم عن ((ا لتهرب )) من تحمل الشهادة ، و قال في ذلك : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) ... ، و كذلك حذر القرآن بشدة من (( كتمان الشهادة )) ، لما في ذلك من تعرض حقوق الناس للضياع ، و قال: ( و لاتكتموا الشهادة ، و مَن يكتمها فإنه آثم قلبه ) ، و قيل في ( ولاتكتموا الشهادة ) : (( أي لا تخفوها ، و تغلوها ، و لاتظهروها )) . قال ابن عباس و غيره ، شهادة الزور من أكبر الكبائر و كتمانها كذلك ، و لهذا قال : ( و مَن يكتمها فإنه آثم قلبه ) ، قال السدي يعني فاجر قلبه ، و هذه كقوله تعالى : (و لانكتم شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين ) )) ، و عدم كتمان الشهادة معناه الخروج إلى المحكمة ، و الالتزام بالوقت المحدد للجلسة ، و تحمل تبعات ذلك ، و في هذا من العبء ما لا يخفى . و هذا أيضاً ما قاله مصطفى الزرقا:

(( إن أداء الشهادة ليس مزية و حقاً في الإسلام ، بل هو واجب يتحمل بسببه الشاهد عناء و مشقة ، و لذلك نرى الكثير من الناس يكرهون أن يدعوهم القاضي أو الخصوم إلى الشهادة ، و بخاصة في قضايا الجنايات و الحدود ، لأنهم يتعرضون للاستجواب من الخصوم ، و للطعن في عدالتهم ... ، و لاننسى أن الشريعة ـ في بعض أنواع الحدود ، كالزنا مثلاً ولدى عدد من الفقهاء ـ تقضي بجلد الشهود ، إذا لم تكن شهادتهم كافية لإثبات التهمة على المتهم )) ،

و (( الشهادة )) ليس من ورائها مكسب مادي و لامعنوي في الدنيا ، (و أقيموا الشهادة لله ) : (( أي لوجهه خالصاً ، و ذلك أن يقيموها لاللمشهود له ، و لاللمشهود عليه ، و لالغرض من الأغراض ، سوى إقامة الحق ، و دفع الظلم ... ، و تدل الآية على حظر أخذ الأجرة على أداء الشهادة )) ، (( أي أدوها ابتغاء وجه الله ، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقاً ، خالية من التحريف و التبديل و الكتمان )).

ثانياً ـ  ما هي المكاسب التي خسرتها المرأة في الآخرة ؟ ، و مكاسب الآخرة أهم ، لأننا نتحدث مع نساء مسلمات يرجين الآخرة ، و يخفن من عذاب الله . نعم الشهادة لها أجر في الآخرة ، و فيها تفريج كرب عن الشاهد و المشهود له في الدنيا ، ولكن وسائل الثواب كثيرة ، بل أكثر من أن تحصى ، فإن كانت المرأة تبتغي الأجر لتبحث عن سبيل أكثر أمناً من الشهادة ، لأن الشهادة بالمقابل أمانة عظيمة و ثقيلة : ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) ، أي اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك ، و إذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ، ولو عادت مضرته عليك ... ، ( أو الوالدين و الأقربين ) ، أي و إن كانت الشهادة على والديك و قرابتك فلا تراعهم فيها ، بل اشهد الحق و إن عاد ضررها عليهم ))، فهل في العامة اليوم من يتقي الله ، و يشهد على نفسه ؟ ، فالشهادة مسؤولية و أمانة ، و على الشاهد أن يتحرى الصدق ، و أن يتقي الله : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ). و يقر على ما رآه بنفسه ، أو سمعه بأذنه ، لا عما سمعه من الآخرين : (( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )). و روي عن ابن عباس أن النبي (ص) قال لرجل : (( ترى الشمس؟! ، فقال الرجل ، نعم ، فقال النبي ، على مثلها فاشهد أو دع )) ، فعلى الشاهد أن يصف ما رآه ، و أن يتلو ما سمعه ، بدقة و بعبارة واضحة ، و لايقول إلا ما علمه يقيناً ، حتى ينقل صورة صادقة ( ولو كانت ناقصة ، فقد يكمل نقصها الشاهد الثاني ) ، و عادة تتابع الحادثة بسرعة ، و يصعب سرد تفاصيلها بدقة ... ، و هذا أمر خطير ـ إن حصل ـ لما يترتب عليه من مضار ، مع الخشية من وقوع الشاهد في الإثم ، إن شهد و هو غير متيقن.

فالشهادة أمر خطير ،  وشيء مخيف فيه شبهة : ((فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه، و مَن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)).

البلاغ


من يجسر على محاربة المرأة وأضطهادها؟

العفة و الستر علاقة متفاعلة بين الرجال و النساء

المرأة العصرية .. ، بين فك التخلف و قيم البداوة

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)