• عدد المراجعات :
  • 6436
  • 1/30/2008
  • تاريخ :

الشعر العرفاني عند الإمام الخميني
الإمام الخميني(ره)

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد (ص) الطيبين الطاهرين سأحاول على قدر الوسع الإنساني مقاربة عرفان الإمام الخميني في بعض شعره المترجم إلى اللغة العربية ويقتضي المقام أن يتقدم فقير مثلي من السيد الإمام المقدس قُدست روحه الشريفة للاعتذار لان محاولة فهم هذا الشعر تقتضي أن يكون القارئ أو الناظم أو الباحث أو المتلقي أو المتذوق قد سلك في حياته مسلكا يجعله قريباً من الإمام فاهما له ويجعله قادرا على فهم مقامه السامي وهذا ما لا يستطيع واحد مثلي أن يحققه إلا بعد عمر طويل وجهد كثير ولكن كما قلت إننا نتقرب أو نقترب من شعر الإمام ونقاربه على قدر طاقتنا وعلى قدر فهمنا له.

طرائق التفكير

في البداية لا بد من التطرق والنظر في المذاهب إلى طرائق في التفكير وطرائق في التبصر والتأمل والحياة حتى نستطيع أن نفهم معنى العرفان وكيف كان هذه المرحلة العرفانية في تجربة وشعر الإمام الخميني ماذا تعني هذه المصطلحات الثلاث العرفان والتصوف والفلسفة في البدء يجب القول إن الفلسفة هي بكل بساطة شكل من أشكال التفكير الإنساني يتميز بأنه يقدم تبريراً عقلياً أي إن كل ما يسعى العقل إلى تبريره يمكن اعتباره من التفكير الفلسفي الميزة الأساسية التي جعلت هذا النظر من التفكير فلسفةً هي قيامها على التبرير العقلي وعن دليل عقلي وبالتالي دعا مؤرخي الفكر إلى اعتبار أن الفلسفة إنما تحققت في معجزة التفكير اليوناني فيما اعُتبرت النظريات وطرائق التفكير في مناطق وأمصار أخرى كمصر وبابل وبلاد ما بين النهرين من الحكمة وليست من الفلسفة والفارق بين الاثنين كما هو شائع أن الأول -التفكير الفلسفي- يستلزم التبرير العقلي فيما الحكمة تستلزم فقط أن نعرفها ونطيعها وننفذها ولا نقول على سبيل المثال هل عندما أريد أن اشرح معنى الحركة أو اشرح مفهوم بقاء النفس أو خلود النفس فأنا ملزم أن اقدم للمتلقي تبريراً عقلياً فاقول إن النفس روحانية وان النفس خالدة أو أن النفس تختلف عن الجسد فهذا من الفلسفة إما حينما أقول أطع أمك أو أطع أباك أو احبهما فلست بحاجة إلى تقديم تبرير عقلي فالمرء يكفيه أن لا تكذب أو قل الحقيقة أو اصدق القول الخ... فأنا لست ملزماً بتقديم تبرير عقلي فالإنسان يحب أمه ويحب أبيه وبالتالي لست بحاجة إلى أن اقدّم له الدليل على ضرورة هذه المحبة فتلك هي حالة المفهوم اليوناني ، طبعاً تطور الفكر اليوناني اخذ ابعاداً عديدة وانقسم وتشعّب إلى مدارس عديدة ومن رحم هذه المدارس نشأ التصوف.

التصوف

والتصوف هو طريقة من طرائق التفكير والعيش عيش الفكر عيشاً ذاتياً يقوم على هذا العيش التالي وعلى إدراك باطن الحقائق إلى جانب ظاهر الحقائق وعيشها بطريقة روحانية وبطريقة تخاطب هذا الباطن ذلك هو المتصوف.كنت أقول لطلابي إن ما يمكن أن نقول مثلا عن فران صانع الخبز انه متصوف في عمله مثلا إذا كان يُمسك الرغيف العجين ثم يطويه بحنانٍ ومحبةٍ وعشقٍ ويرمي به بهدوءٍ إلى النار كأنما هذا الرغيف يحترق بنار قلبه وليس بنار الفرن ثم يأخذه منه وكأنما يخلصه من هذا اللهب المشتعل في ذاته ثم يعطيه إلى الزبون ويقول له صحتين وعافية ويأخذ منه النصف ليرة أو الخمسمائة ليرة وهو ينظر إليها ويضعها في الدرج دون أن يتحسسها أو ينظر إليها أو يحسبها أو يعدها فهذا عنده مشرب صوفي يعيش حياته بطريقة صوفية فيما الآخر يمكن أن يُمسك الرغيف فيطويه بقوة ويدفعه إلى النار كأنما يريد أن يحرق ما تبقى من العجين دفعة واحدة ثم عندما تعطيه الخمسمائة ليرة ثمن الرغيف يأخذها وينظر إليها ويعدها جيدا ويفتح الجارور ويتأمل ماله ويضعه ويدفع بالرغيف إليه هذا لا يعيش صنعته صناعة صوفية فالصوفي هو هذا النمط ، طبعا في الفلسفة نشأ هذا الفكر باعتبار انه لا يكفي الدليل العقلي إنما لا بد له من عيش قلبه وانه لا يكفي أن ندرك الحقيقة ولكن أن نعيش هذه الحقيقة فالمتصوف هو من يعيش الوحي كأنما اُنزل عليه كما تنزّل على قلب الحبيب (ص) لانه يشعر تماماً كأن هذه هي اللحظة التي تنزلت فيه عليه.

بين التصوف والعرفان

طبعا التصوف اخذ مدارس وتشعب إلى مفاهيم متعددة ، ونشأ من قلب هذه المفاهيم العرفان والعرفان هو شكل من أشكال هذا التصوف لكنه نحا جانب التأكيد على المسائل الروحية وعلى مبارزة عبادة الله سبحانه وتعالى أيضا وعلى الإدراك القلبي وعيش الحال عيشاً حقيقياً دون أن يدخل في متفرعات التصوف سواء كان تصوف الطرق أو تصوف الانكفاء أو الزهد بمعانيه المختلفة أو النسك أو غير ذلك فالعرفان هو تطور أساسي اجتمعت فيه الفلسفة مع التصوف في تطورات هذه الفلسفة عند المسلمين الشيعة وعند غيرهم وبشكل خاص في مراحل الفلسفة الإسلامية التي اعقبت ما يسمى مرحلة ابن رشد تطورت الفلسفة حتى وصلت إلى ابن رشد وعند ابن رشد تمت المحاولة الكبرى في صياغة اتفاق أو تواطؤ بين الفلسفة وبين الدين وكانت محاولة ابن رشد في الجمع بين الحكمة وبين الشريعة محاولة اختلف الباحثون في النظر إلى مستوى نجاحها بين قائل أنها فاسدة وقائل أنها ليست كذلك ثم بعد هذه المرحلة وكما يعتقد مؤرخوا الفكر الفلسفي من أن الفلسفة قد تلقت ضربة قاسية في المشرق في العالم العربي والإسلامي وان أي محاولة للجمع بين الدين والفلسفة هي محاولة فاشلة لانه لا يمكن على الإطلاق مصالحة فرعون مع موسى. وبالتالي لا يمكن الخروج من هذه المحاولات اليائسة التي انتهت إلى الفشل على يد ابن رشد.

في الواقع إن محاولات ابن رشد إنما قامت على التوفيق بين الفلسفة بالمعنى الارسطي (بين فلسفة ارسطو وليس أية فلسفة) وبين الدين ، المفهوم الرشدي أو المعنى الرشدي للفلسفة يربط محاولة التوفيق بين الفلسفة وبين الدين في طبيعة الفلسفة أو مفهوم الفلسفة أو ماهية الفلسفة أو التعريف الرشدي للفلسفة وبالتالي يمكن هنا التوفيق ،هذه الفلسفة نفسها انتقلت بعد ابن رشد لتصبح في تراثنا الفلسفي فلسفة إلهية والفلسفة الإلهية تطورت بشكل أساسي من مدرسة اصفهان الفلسفية ثم تطور علم الكلام على يد كبار من أمثال نصير الدين الطوسي وغيره والميرداماد والشيخ البهائي وهم أساتذة الملاصدرا وبعد ذلك تجمعت هذه المدرسة في مدرسة الملا صدرا في اصفهان ، وقد كانت نتاجاً

لثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: كانت تمثله الفلسفة الارسطية السينوية وصولاً إلى مؤثرات علم الكلام وفي التصوف والفلسفة.

الاتجاه الثاني: يمثله شهاب الدين السهروردي الذي استفاد من السينوية لكنها نحت منحى الإشراق والتي كانت غايتها استعادة أو إحياء حكمة فارس القديمة.

الاتجاه الثالث: تمثله مدرسة الملاصدرا وكانت مدرسة ابن عربي انتقلت بشكل أساسي من المغرب ومرت بمجموعة من المدارس الفلسفية وصولاً إلى تأثيرها على مدرسة اصفهان الفلسفية. ومن مدرسة ابن عربي بالذات نشأت مجموعة من عباقرة الشعر الفارسي الذين تأثروا بشكل أساسي بمدرسة ابن عربي وكانوا متأثرين بالاتجاهات الصوفية التي كانت غائبة قبل المرحلة الصفوية ، حيث ازدهرت في إيران هذه الحركات إلى جانب ازدهار كبير للشعر الصوفي الذي كان موجود عند حافظ الشيرازي والعراقي وابن خير وابن النسائي وعند كثير من الشعراء منهم السيد حيدر الآملي فبرز هذا الامر في الشعر الفارسي بالأخص عند جلال الدين الرومي وفريد الدين العطار وفي هذه المرحلة بالذات كان الشعب الفارسي فعلاً غني جداً لنشوء مدارس هي نتاج مجموعة من هذه الحركات يدرسها الإنسان في تطورات كيفية التحاق مدرسة ابن عربي في الفكر الفلسفي المعرفي.

عرفان الإمام الخميني (قده)

نشا من مدرسة اصفهان ومدرسة صدر المتالهين المتأثرة بالفكر الاشراقي للسهروردي وفلسفة ابن سينا وعرفان ابن عربي ، ما يسمى بالعرفان الشيعي لان العرفان في حركته الشعرية التي جاءت بعد الصدرائية كانت نقلة على المستوى العرفاني اولاً وعلى المستوى الشعري ثانياً فلنفصل بين المدرسة التي كان فيها تأثيرات ابن عربي والسهروردي قوية والتي هي قبل مرحلة الملا صدرا وتأثيرات هذه المدرسة بعد الملا صدرا. أين يقف الإمام الخميني في هذه التركيبة الفلسفية التي اوجزتُ الحديث عنها أن الإمام الخميني هو استمرار لمدرسة الملا صدرا الشيرازي ولكن في جذورها المتصلة اتصالاً وثيقا بابن عربي أي انه نفس مدرسة الملا صدرا التي استمرت بالصدرائية الجديدة من خلال تطورها، فوصلت إلى عند الإمام ولكن هذه المدرسة بحد ذاتها عند الإمام هي مدرسة صدرائية تقوم على الفهم الفلسفي باعتبارها فلسفة قرآنية ترتكز إلى القرآن والى أحاديث الأئمة ثم هي فلسفة متأثرة بمدرسة التجليات لامتلاكها التصوف المعاملاتي والتصوف التجلياتي وهما مدرستين، واحدة للغزالي وأخرى لابن عربي وهي تندرج ضمن مدرسة ابن عربي وعلى المستوى الشعري تندرج في المرحلة الثانية التي تأثرت بمراحل الشعر الفارسي الذي تكلمنا عنه.

ماذا نستفيد من هذا الموضوع ، استفيد ما يلي: إن مكانة الإمام الخميني هي استمرار لفلسفته ولمدرسة العرفان الشيعي التي ازدهرت بعد الملا صدرا الشيرازي والتي لها صلات وثيقة بمحي الدين ابن عربي والتي كان واحداً من تجلياتها لمدرسة التجليات والتي ترتكز على الفلسفة وعلى القرآن الكريم وأحاديث الائمة وبالتالي انفصلت عن الطرق الصوفية وعن حركات الطرق التي كانت موجودة في مرحلة ما قبل الصفويين نتيجة العلاقة بين التشيع والتصوف ، في المرحلة الثانية التي تلت الصوفية والثالثة التي عبرت عن نفسها بالشعر إذ كانت هذه المدرسة تكتب، وكان للعارف فيها كتابات شعرية ونثرية وفلسفية وهناك شروح وتعليقات وما شابه واستطاع أن ينفذ إلى العبادات ودرس الآداب المعنوية للصلاة (باعتبارها الروحي الذي شرحته بالبداية على صورة الفران) وكيف يمكن أن يؤدي صلاته فيها بطريقة ملفتة بالتعلق بالله.

الإمام الخميني عبر عن نفسه في كتاباته بمجموعة أشكال من كتابة متون فلسفية ومتون عرفانية وكتب تعليقات وشروح ولعله آخر الشارحين لابن عربي وشرح الأسفار وقام بشروح على كتب عديدة وعلى الأدعية ودعاء السحر وهناك الآداب المعنوية للعبادات وشرح لمتون الأحاديث ثم كتب النص الشعري باعتباره شكل من أشكال التعبير العرفاني وشكل من أشكال الإفصاح العشقي لان التجربة الوجدية أو تجربة العشق التي يعيشها العارف ويفصح عنها فتتجلى في ثلاث طرق: ميتافيزيقياً بواسطة نظرية فلسفية وشعرياً وبحركات أو ممارسات متعالية تعتمد بشكل أساسي على اللغة وهي أنماط من الافصاحات ومعارف تبدأ بالزهد أو بالسفر أو بالرحلات أو بأشياء كثيرة فمثلاً ابن الرومي كان يفصح عنها بأشكال الرقص والحلقات التي كانت تحدث وهى مشهورة في تاريخ التصوف.

أريد أن أقول شيئاً حول أهمية الإفصاح الشعري العرفاني فإذا رجعنا إلى النص الصوفي نجده نصا ادبياً، لماذا ؟ لانه هو إفصاح مباشر عن حالة الوجد يعني عندما يفصح العارف يصدر عنه الإفصاح تلقائياً فهو يحكي حاله ويُنشد هذه الحال ويفصح عنها في شعره هذا الإفصاح كان في الأساس أول الافصاحات المباشرة واهم الافصاحات عن حالة العشق أو الوجد وإذا ما قارنا كل الافصاحات الأخرى لبداية التصوف أو العرفان كانت افصاحات مباشرة عُبّر عنها بشعر اوشطحات أو واردات أو مشاعر أو اشراقات فهناك الكثير من الكتابات الصغيرة يروي فيها إخبار الأخيار وحياتهم في افصاحات معينة ثم جاءووا فيما بعد وبدأوا يقرؤونها ويشرحونها ويعلقوا عليها ويقولوا هذه نظرية فلان وهكذا.

أما الفيلسوف نفسه أو العارف في بعض الأحيان والى جانب هذه الكتابات أو اللمعات أو الاشراقات أو الواردات الخ.. كان يكتب بحثاً فلسفياً مثل ابن سينا أو غيره.. والإمام الخميني كتب الاثنين معاً، وكان كثير من العرفاء يعتبران صلب التجربة الوجدية عندهم موجود في الافصاح الأدبي والحي والمباشر الذي يُفصح مباشرةً عن هذه التجربة اكثر منه في النظرية الميتافيزيقية ولذلك حتى ابن عربي وشارحوه ومريدوه لم يرغبوا في بناء نظرية ميتافيزيقية ولكن كل ما في الامر يُفصح عن وجده ويحلل هذا الوجد ثم نأتي نحن ونفسره أو نعلله.

قلت أن الإمام الخميني قد افصح ، لماذا ؟ في قراءتي لشعره تبين عنده أشكال هائلة ، نحن تكلمنا أن شخص ما تكون عنده تجربة وعنده عقائد إذا أردتم أن تسمّوها عقائد عرفانية أو معتقدات أو نظريات أو آراء ميتافيزيقية تدخل بها عمق الافصاح الوجدي وفي الافصاح الوجدي تجد فيه تطابق هائل اكثر من أي شعر أخر بين حاله وإفصاحه الوجدي وإفصاحه الميتافيزيقي يعني لدرجة تشعر أن الشاعر على سبيل المثال إذا هناك من يكتب الشعر منكم لا يضع الشاعر نظرية ويكتب الشعر وفقها ولكن تكون القصيدة تلقائية والتعبير يكون بحالة اللاوعي وبحالة من الإلهام والخلق والوحي والولادة للقصيدة ويشعر بمخاطر القصيدة بحيث يكتبها هنا والآن وفي لحظة ميتافيزيقية وهولا يكون قد وضع مسبقاً موضوع العمال مثلاً وانما حالة الوجد عندما تكون صادقة تكون متطابقة لحالة الوجد عنده لشعره وهذا لا يحصل إلا عند الصادقين وبمرآتهم الداخلية الصافية والقادرة على أن تعكس ابستمولوجياً التجليات على المستوى الانتولوجي الوجودي وعلى مستوى الابستومولوجيا.

إذا أردنا ذكر مثال على هذا القول يمكن الحديث عن الترجيعات والترجيعات في اللغة هو ترداد القول ، وهى عند الإمام سبعة: التقبل من القابلية والقبلة وهي عند المريد الذي يريد أن يتبع سلوكاً في طريقة العيش ،قد يكون قابليته أو تقبله أو قبلته ، ثم السر أو الشاهد أو المشهد ، لاحظوا إن كل مرتبة في الترجيعات وان كل تقبل في اللغة هي الهمس والترنيمة والقول والصراخ، وعندما يصل إلى الصراخ يصل إلى التعالي عن اللغة مثلاً في عاشوراء نبدأ بالتأثر ثم البكاء ثم الصراخ ...لاحظوا الترجيعة وكيف يتصاعد الشهيق والزفير من همس وترنيمة وقول... ثم صراخ فيبدا بحركة متصاعدة مع تصاعد حالة الوجد أذن كلما تصاعد الوجد وكلما قدر العاشق في باب من أبواب العشق كلما صار إفصاحه أعلى وينتقل من الهمس إلى الترنيمة إلى القول إلى القول عالياً إلى الصراخ فان تُضبط شعرياً حركة العاشق في شعره وفي ترجيعه كما تُضبط في تطوره الميتافيزيقي مسألة هائلة بحيث يكتب شعر بحالة الوجد المطلق فهو لا يضبط هذه الحالة إلا إذا كان عنده مرآة داخلية صافية تتلقى الأنوار والالهامات وهي فاصل بينه وبين المعشوق فتصبح المرآة تعكس المعشوق وفي ذاته صورة المعشوق صورة صافية وواضحة فيعبر عن إفصاحه بهذا لا التناغم الذي لا نجده فعلاً عند أي شاعر آخر في القدر الذي نجده عند الإمام الخميني.

لغة العارف

وهناك مسألة عن اللغة عند الإمام واللغة تستخدم الرموز ، في الشعر الصوفي استخدموا رمز الطبيعة والخمرة والمرأة أما في الشعر الصوفي الفارسي تحدثوا عن الرمز المعبر عنه بالدروشة مثلاً السكران فهذا لفظ ودليل على أن هذا الرجل شارب للخمر وإذا جاء ليخطب ابنتي فاقول له اذهب وفتش في مكان آخر لانه لا قيم لديه وإذا ذهب إلى الشيخ فيرمي عليه الحد والشرطي يوقفه عن قيادة السيارة إذن هذا صفة التحقيق بالنسبة إلى السكران فإذا جاء شخص وقال انه سكران بحب ابنتي مثلاً فيأخذ السكر قيمة العاشق وإذا دخل مرحلة أخرى وقال انه جزء من مجمع سُكارى فلم يعد متعلقاً بالسكر من عشق ليلى بل صار جزء من العشق والهيمان “ هل رأى الحب سُكارى..” وهنا الغرام العام وهو شيء من الصوفية أما المرحلة الرابعة هي أعلى من ذلك ، فأنا عندما أقول أني احب فاطمةO فهل ارتوي طبعاً ليس منا من يرتوي من كأس حب فاطمة لانه كلما شرب ازداد ظمأ باعتبار انه عاشقٌ لا يرتوي وفي النهاية يصبح عندي عدم ارتواء من حب فاطمةO وبالتالي سيؤدي بي إلى السكر باعتبار الاستمرار في الشرب الذي سيؤدي إلى السكر فأنا سكران بحب فاطمة لعدم ارتوائي وبالتالي هذا المعنى الذي يلي الصحوة بعد السكر يصبح هناك معاني وقيم أخرى تختفي معها أية علاقة مع المفهوم الأول من هنا اصبح لفظ الدروشة لفظ تحسين وليس لفظ تحقير بحيث اخذ معاني وقيم جديدة.

هنا اخذوا هذا المعنى الرمزي في الرمز الصوفي وفي لغة الدروشة حيث استخدمه الإمام بشكل رائع وباستخدامه له لعب عليه كل أبعاده ، فتشعر أن الإمام يأخذ اللفظ بتطوره ونعود إلى الشرب لانه شيء لطيف فيقولون لابن عربي إن الري غير ممكن عند العاشق وعندما قالوا له ما هو نصيبنا نحن من ذلك فقال هذا نصيب مقسوم وحظنا منه نصيب مقسوم الري معدوم وحظنا منه نصيب مقسوم وعندها لن اصل إلى مرحلة السكر.

إن الإمام يستخدم هذه المسألة بشكل رائع حول لفظ الدروشة و يستخدم الإمام الأنا الأولى والثانية فهناك اناه والانا الثانية من خلال الأنا الأولى الطبيعية ومقابلها أنا العاشق والانا الأولى الظاهر ومقابلها الأنا الظاهر والانا الأولى الصفات ومقابلها الأنا الظاهر فالإمام عندما يخاطب الشاه أو الإنسان العادي يقول أنا الآمر وأنا.. فيحكي باناه أي الصفة العظيمة بينما عندما تصبح الأنا فقيرة أمام الله فأمام الله فهو الخاسر و... بينما في الأنا الأولى يصبح السكران المرشد والملك..إذن تنقل الأنا بين مخاطبة المعشوق الأزلي وبين الأنا التي يمكن أن تراها في حياته لذلك الإمام هنا يمكن لنا أن نعرف الإمام الذي يبكي ويصلي الليل وان يعشق عشقاً كبيراً وعنده مقامات عالية لكل الموجودات فهذه الأنا الرائعة والعاشقة والعارفة هي ألانا الشجاعة والمقدامة التي اشتغلت بالسياسة وقاومت فهزت عروش الطغاة لأنها أمام الله وفيها كل هذا المعنى اما في مواجهة الطغاة والذين يظلمون عيال الله وعشاق الله تصبح هذه ألانا قوية وقادرة والإمام استخدم أيضا الرمز الشعري مقابل رمز الدرويش ورمز المجنون عند ليلى.. واخذ كل هذه المفاهيم من عشق ومصباح.. واخذ كل رموز الشعر الفارسي والعربي وكل الاساطير الدينية للشعر الفارسي واعطى رموز دينية جديدة واخذ من قصص الانبياء بشكل كبير وجمع كل هذه الرموز في معاني عالية وسامية لا يمكن أن ندركها إلا إذا قرأنا شعره بإمعان وكنا على مقامه.

الوزير الدكتور طراد حماده

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)