• عدد المراجعات :
  • 1467
  • 11/26/2007
  • تاريخ :

البَيت العَتيق ... خَواطر و أشجان

 

البَيت العَتيق

لمشاهدة مجموعة صور متنوعه اضغط هنا

screensaver

تقديم :

منذ عدة أشهر والحكومة السعودية تضرب طوقاً خشبياً حول الكعبة الشريفة، قِبلة المسلمين في العالم، للقيام ببعض التعميرات وإصلاح الشقوق التي ألمّتْ بالسقف وترميم الخسف الحاصل بأرض البيت الحرام. هذا الذي بين يديك، عزيزي القارئ، يضمّ مُشاهدات أحد رجال الدين الذين تشرّفوا بالدخول إلى عُمق البيت العتيق في رحلة العمرة المفردة، نهاية شهريور عام 1375شمسي (جمادى الأولى 1417هـ /أيلول 1996م).

الذين سُعِدوا ونالوا شرف زيارة مكة المكرمة يعلمون جيداً أيّ شعور ينتاب من تكتحل عيناه برؤية ذلك المكان الطاهر وهو يطوي الأرض باتّجاه المسجد الحرام. هناك تنقلب حاله بمجرد وقوع بصره على قبلة المسلمين وملاذهم الوحيد، فتسيل دموعه جارية دون إرادة، وتخرج الآهات المصحوبة باللّوعة من أعماق صدره خلال مناجاته ربّ الأرباب.

إنّ عظمة الكعبة المشرفة وبهاءَها، والأروقة البديعة المحيطة بالمسجد الحرام، ومقام إبراهيم وحجر إسماعيل، والميزاب الذهبيّ المُشرِف من سطح البيت العتيق،... كلّ واحد من تلك المشاهد المقدسة والمعالِم الطاهرة تنبئ بالجلال والعظمة، وتأسر فؤاد أيّ ناظر إليها لا محالة، ومهيّجة في نَفس الملهوف عليها ذكريات تأريخيّة خالدة، لا يمحوها الزمن ولا تغيّرها الأيام. لكن أكثر ما يُلفت النظر في ذلك المكان المهيب، هي حالة المناجاة التي تعتري الزائرين المجتمعين في تلك البقعة المقدسة الوافدين من كلّ الأصقاع والأمصار، الحافّين بالكعبة المشرفة كالفَراش الذي يحيط بالسراج.

وما أروع نشيد «لبّيك» وهو ينطلق من حناجر ملايين المؤمنين المُلبّين دعوة إبراهيم خليل الله، وهم يرسمون أجمل لوحة وأبهى صورة، رغم اختلاف ألوانهم وتعدّد ألسنتهم وتفاوت قوميّاتهم، طائفين حول الكعبة الحبيبة في حركة هادئة وانسجام تامّ! والمسجد الحرام هو الوحيد من بين مساجد الدنيا الذي يحمل في ثناياه ذكرى طواف نحو من ألف نبيّ وصلاتهم فيه، وهو المكان الذي تزول عنده الاعتبارات الظاهرية، حيث يقف المَلك والفقير والسلطان والصّعلوك والأبيض والأسود والكبير والصغير جنباً إلى جنب صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص، معبّرين بدموعهم وآهاتهم عن أقصى حالات العجز والخضوع والعبودية. إنّه حقّاً لمشهد مؤسر تَصغر دونه المشاهد.

وليت شعري ما بالُ فنّانينا المسلمين الملتزمين لا يحذون حَذوَ باقي فنّاني الشعوب الأخرى.. يقيمون النّصب التذكارية الخالدة لِما خلّفه الأنبياء والصالحون والشهداء والصّديقون، ويحيون طقوسهم وشعائرهم التي وردت في الكتب السماوية المقدسة، ويُفرغون ما بداخلهم من إبداع وآثار فنيّة.. يصوّرون بذلك هذا الطواف الرائع الذي لا يُضاهى والمُعبِّر عن جوهر التوحيد، والذي يروي قصة ماض تليد يمتدّ آلاف السنين في عُمق التأريخ، ويحكي عن ارتباطه بسائر الأديان التوحيديّة الأخرى بآصرة لا انفصام لها.

إنّ لليالي المسجد الحرام، لو اطّلعتَ عليه من الطابق الثاني أو الثالث، روعةً وجمالا وخلوداً في الذاكرة لا توصَف.رويَ عن أحد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) أنّ هناك مئة وعشرين باباً للرحمة حول الكعبة، جُعِلت ستون منها للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين إليها. نعم، إنّ ها هُنا بَيتاً يُثاب النّاظرُ إليه بعبادة سنين.

ما أسطّره من خواطر هنا يرجع تأريخها إلى جمادى الأولى من عام 1417، أثناء رحلتي الأخيرة لمكة المكرمة بقصد العُمرة.

إنّ الكعبة الشريفة، وإن كانت جغرافياً تقع في شبه جزيرة العرب، إلاّ أنّها تقطن في الواقع قُلوب المُلهفين إليها والمتيمّنين بها في بقعة من بقاع المعمورة، ويتطلّعون إلى اليوم الذي يتمكنون فيه من زيارتها ورؤيتها عن كثب، فيطوفون حولها، ويؤدون المناسك الخاصة بها على أكمل وجه. ولقد مُنِحتُ أنا العبد الفقير هذا الشرف الكبير مرةً أخرى بفضل الله وبركة صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، إذ كنتُ قد سُعِدتُ بزيارة الكعبة قبل هذا عدة مرات، وما كنتُ في خضمّ ذلك الجمّ الغفير إلاّ كقطرة من ماء في بحر لجيّ متلاطم الأمواج من البشر، الذين وفدوا على الحرم الإلهيّ الطاهر الآمِن ليؤدّوا واجب الولاء والخشوع. لكنني حُرِمتُ في رحلتي الأخيرة هذه، على غير توقّع وانتظار، من إمتاع ناظريّ بجدران الكعبة، حيث ضُرِبَ حولها طوق من الألواح الخشبية الشبيهة بألواح الفايبر، طول الواحدة منها متران وعرضها متر واحد، وسُدَّت كلّ المنافذ الواصلة إليها. وبلغ الطوق المذكور، الذي غطى جهات البيت الأربع، من الارتفاع بحيث كان يتعذّر علينا رؤية الكعبة حتى من الطابق الثاني للمسجد الحرام. كان السور الخشبيّ العالي هذا، والذي طُليَ باللون الأبيض، لكنّه أشبه بسحابة سوداء، تُحيط بالبيت الذي وضع إبراهيم الخليل أساسه. زرعت الحسرة في قلوب كلّ المشتاقين.

كانت المسافة من السور المذكور إلى الكعبة الشريفة (من جهة مقام إبراهيم) نصف مطاف كامل، وغطى السور كذلك حجر إسماعيل بصورة تامة بل وجاوزه إلى بُعد ثلاثة أمتار. كان الزحام أشدّ عند باب الكعبة والركن اليماني في الجهة المقابلة، وذلك لوجود رافعة عملاقة نُصِبت هناك أحيطت بسور بلغ ارتفاعه حوالي (15) متراً، وقد وُضِعَت في الفناء الذي يَلي الرافعة مواد إنشائية مختلفة. ولا يبعد السور الخشبيّ عن الركن اليمانيّ والكعبة الشريفة إلاّ قرابة مترين فقط. وهكذا لَم تَبِن من البيت العتيق إلاّ زاوية صغيرة عند ركن الحجر الأسود لا تكاد تَكفي لتَقبيله أو لَمسه.

ولم أكن الوحيد من بين الزائرين لبيت الله الذي بهُت ودهش بمشاهدته ذلك المنظر الغريب، بل لقد بَهُتَ كذلك كلّ الواردين على المسجد الحرام، وأصابتهم الحيرة والدهشة عند دخولهم إلى ساحته ورؤيتهم ذلك السور الجاثم على أنفاس الكعبة الشريفة كالضباب الكثيف الغليظ. فخيّم عليهم، وأنا منهم، حزن كبير وألمٌ شديد، وظلّ الحزن والألم مصاحبَين لي حتى اليوم الأخير من رحلتي تلك، فكنتُ كمَن يبحث عبثاً عن ضالّته. كنتُ أتمنى أن يُسعفني الحظّ فأبكي ذنوبي عند حائط الكعبة ثم أمسح الدموع بجدارها. ربّ قائل يقول: إنّ هذا الجدار إنّما هو حجارة ولِبن، وهذا صحيح، لكن ما تحمله هذه الحجارة وذلك اللّبن من ذكريات عزيزة ومعان جليلة تتمثل في الإحساس بوجود بصمات مُعظم الأنبياء والأولياء يفوق الحبّ والعشق، ويجعله جديراً بأن يُقَبَّل ويُشَمّ، ولم يكن ذلك في تصوّري، بل وفي تصوّر الجميع، إلاّ جُزءاً لا يتجزّأ من العبادة والتّقرّب إلى البارئ عزّ وجلّ.

كنتُ وجميع زائري بيت الله الحرام مُنهمكين طيلة أسبوع بالطواف حول البيت المعمور وإقامة الصلاة وتلاوة القرآن، وذلك بالطّبع بعد الانتهاء من أداء مناسك العمرة... لكنّ حسرة لقاء بيت المَعشوق ظلّت راسخة في عُقر فؤادي ومُقيمة في أعماقي.

وأملا مني في أن أحظى بلَمس البيت الحرام جلستُ (يوم الثلاثاء 3/7/1375 = 24/9/1996 = 10/جمادى الأولى/1417) بالقرب منه بعد انتهائي من ختم القرآن وأداء صلاة الظهر، منتظراً مترقّباً فرصة السماح لي بذلك. كانت أشعة الشمس مُحرقة، يحول لظاها وحرّها دون المكوث هناك طويلا. ومع ذلك فقد انظمّت إليّ مجموعة أخرى من المشتاقين للكعبة آملين أن يُفتَح لنا الطريق بين لحظة وأخرى، لكنّ التعامل الخشن لأفراد الشرطة وقوات الأمن الذين كانوا يأمرون الناس جميعاً بالابتعاد عن البيت زاد من درجة يأسنا المشحونة داخلنا، فرأى بعضهم العدول عن الأمر، وإعادة الكَرّة وقت صلاة العصر من جديد.

وبالرغم ممّا شاهدته من تعنّت وصلابة لا مبرّر لهما من قِبَل أفراد الشرطة وقوات الأمن، لكنّ نَفسي لم تُطاوعني على الرجوع والعدول عن تصميمي وترك المكان، فكنتُ أتنقّل هنا وهناك بحُجج مختلفة، وتمّ لي الطواف حول الكعبة مرات عدة منتظراً اقتناص الفرصة المناسبة.

وفي هذه الأثناء، لفتَ أعرابيّ لبس لباساً عادياً انتباهي وهو يُدخِل مجموعة من الزوار، الواحد تلو الآخر، إلى داخل «المنطقة الممنوعة!» موصياً إيّاهم بعَدَم التّجمهر في مكان واحد. وما إن هممتُ بالانضمام إلى تلك الجماعة حتى ازداد الزحام واشتدّ التّدافع بيننا، لكنني، مع ذلك، وُفِّقتُ بالانضمام إليهم على أيّة حال، حتى بلغ الأمر حدّاً فقدت فيه الشرطة سيطرتها على الجموع الهائجة، فأغلقوا الباب الرئيسية وشرعوا يطردون كلّ من صادفهم عندها بقسوة وفظاظة لا نظير لهما... وهكذا خانني الحظّ ثانية وحُرِمتُ من الدخول إلى الكعبة الشريفة. فقلتُ لنَفسي: «يبدو أنّ صحيفة أعمالي سوداء إلى الحدّ الذي لم أعطَ فرصة الدخول إلى بيت حَبيبي...»، فأجابَتني على الفور:«تُكثِرُ الحَزّ وتُخطِئ المَفْصِل!».

خرجت بعد ذلك، أجرّ ورائي أذيال الخيبة والخسران، والندم والحرمان، وبدأتُ باغتنام الفرصة فقمتُ بالطواف حول البيت منهمكاً في الدعاء والمناجاة مع ربّ العزة.

 وبعد مرور قليل من الوقت، صادفني بعض العمال الباكستانيّين الذين كانوا يرتدون زيّاً خاصاً ويحملون بطاقات دخول خاصّة بهم، فقلتُ لأحدهم: «هل لي بالدخول معكم إلى حيث تقصدون؟!» فأجاب:«عليك باستحصال الإذن أولا من الشرطة، فهذا ليس بمقدورنا!». فعاودني اليأس من جديد وكان يشدّني إلى ترك المكان والرحيل، لكنّ ذلك لم يكن ما أريد ولا ما عانيتُ من أجله. فعاودتُ الطواف ثانية حتى عدتُ إلى سابق مكاني، وهناك لمحتُ أحد المواطنين العرب ممّن يلبسون العقال والكوفية مصطحباً معه شخصين أو ثلاثة، قاصداً إدخالهم إلى داخل الكعبة الشريفة، وبعد اصطدامه بالجموع المزدحمة هناك، فرّقهم ودخل إلى البقعة الممنوعة بعصبية وغضب كبيرين. فتبعتهم دون وَعي أو شعور مني بالخطر الذي قد يلمّ بي، بل وسبقتهم بالدخول، وسرتُ معهم جنباً إلى جنب بصمت وهدوء مصحوبين بالحذر الشديد حتى وصلنا إلى إحدى الأبواب. وحال وصولنا إليها أوصدها السدنة بوجهنا بقوة، ثم فُتِحَت منها نافذة صغيرة (10×20سم) لتُغلَق هذه أيضاً بعد قليل. ولمّا رأى العربيّ ذلك غضب وطرق الباب بشدة منادياً أحد الأشخاص باسمه، ففتح الشخص المُنادى الباب، ولما وقعت عيناه على العربيّ رحّب به واستقبله بحفاوة وتكريم، فدخل الجميع ودخلتُ معهم كذلك. ثم خَطونا نحو الباب الرئيسية التي تبعد عن الساحة الأولى حوالي خمسة أمتار أو ستة. ولا أكذبكم الخبر، فقد كان الخوف متمكّناً مني ويتملّكني القلق ممّا سيحدث. على كلّ، وصلنا الباب الثانية ودخلنا. هناك، كان أنين الأيام وحُزن السنين يحكيان قصة المكان من خلال حديث مُسهب ذي شجون، وشُغِل كلّ مجنون منّا بليلاه، فانقلب حالنا، وآل المآل إلى حيث أراد شديد المحال...

لقد وقع بصرنا أوّل ما وقع على سقالات حديدية نُصبت على طول ارتفاع البيت الكريم غطّته من جهاته الأربع، وكنا نسير على ممرّ ثلاثي الطبقات من الخشب يمرّ بحجر إسماعيل ويتحول منه إلى سلّم خشبيّ أيضاً حتى وصوله إلى الركن الذي يقع عند مقام إبراهيم، ثم ينتهي بنا إلى داخل البيت الشريف. فعبرنا الألواح ووصلنا إلى باب البيت العتيق الذي أزيل عنه مصراعاه، ووضع بدل ذلك داخل إطار حديديّ مُحكم. دخلنا هذا الباب إلى داخل البيت، فوجدنا حوالى 10 أو 15 شخصاً كلّهم كانوا مشغولين بإقامة الصلوات وكان معظمهم من عمّال البناء، منهم من نزل إلى السجود وآخرون بين قيام وقعود. فأسرعتُ إلى الصلاة موجّهاً وجهي نحو إحدى أركان البيت الحرام. لقد كان حال الموجودين منقلباً انقلاباً شديداً، وكان صوت بكائهم الممزوج بالرهبة والخوف والخشوع يتردّد صداه في زوايا البيت وحناياه. كانت بصمات الدهر الماضي واضحة المعالِم في كلّ نقطة وبقعة من الجدران الداخلية، ولحسن الحظ لم تمتدّ إليها يَد التّعمير بعد. وعلى عكس الأحجار التي تُرى من الخارج، كانت أحجار الجدار غير المصقولة من الداخل تتراوح بين حجر كبير وآخر صغير... كأنّها طُليت بالإسمنت وحسب...! كان واضحاً أنّ أرضية البيت التي غطّاها الإسمنت حتى حافة باب البيت، قد خضعت لبعض التعميرات في السابق، باستثناء بعض السنتيمترات التي خُصّصت لقطع وصقل أحجار المرمر. لكنّ الذي لفتَ انتباهي هنا هو أنّ الإسمنت الموجود لم يكن من نوع الإسمنت الذي نعهده، إذ كان يبدو ممزوجاً ببعض المواد الغريبة الأخرى...! أما أرضية البيت فقد سُوّيت بدقّة متناهية، وكانت تُلاحَظ وجود طبقة من العازل (عازل الرطوبة) بسُمك 10 سنتيمترات واضحة للعيان من خلال حافّات الإسمنت المصبوب على الأطراف، والتي ستزول لا محالة سريعاً بعد إكساء الأرضية بالمرمر.

وبدا لي كذلك أنّ السقف قد أزيل أيضاً واستحدث مكانه سقف جديد  يتكوّن من طبقتين يمكن تمييزهما عن بعضهما بوضوح، مفتوح في إحدى زواياه عند باب الكعبة المنتهي بحجر إسماعيل بمقدار 5/1×5/1 متر مربّع لأجل القيام بأعمال البناء ومرور الرافعة من خلاله كذلك. وكان السقف العلويّ مغطًى بأخشاب ضخمة بنيّة اللّون، وأما السفليّ فمن الخشب الرقيق البنيّ اللون والمزيّن بالخطوط. ثم رأيت عمودين إسطوانيّين جميلين يتوسّطان ساحة البيت حيث تفصل بينهما مسافة 4 أمتار، وقد استقرّ الأول عند جهة حجر إسماعيل والآخر على بعد مترين من الجدار (من جهة الركن اليمانيّ إلى ركن الحجر الأسود)، قيل: إنّهما إنّما وُضِعا لُيمسكا السقف، لكنني لم أستطع معرفة المواد التي يتكون منهما هذان العمودان المَطليان بلون بنيّ.

وكما أشرتُ، فقد أزيل عن باب البيت العتيق مصراعاه ووضع داخل إطار حديديّ جميل مُحكم، وربما كان ذلك موجوداً من قبل، ورفِعت كذلك روابط الأحجار عنده على أمل شدّها بأربطة جديدة أخرى بعد وضع الباب ثانية في المستقبل. وكانت توجد في أعلى الباب لوحة خشبية كبيرة بنيّة اللون يزيد عَرضها على عرض الباب، ويبلغ سمكها حوالى 30 سنتيمتراً تحتوي على بعض الثقوب.

أمّا جدران الكعبة من الداخل فقد غُطّيت من الأرضية وحتى ارتفاع (5/2-3 أمتار) بطبقة من المعدن الذي ثُبّت على الجدار بالبراغي والصامولات وبفاصلة ، (10) سنتيمترات وهي مكان للأغطية التي ستوضع فيما بعد والتي قد تكون من المرمر أو ما شابه ذلك. والى الأعلى من الطبقة المعدنية يمكن مشاهدة الجدران الأصلية على حالها. وعند الركن اليماني قِبالة الباب كان الوضع شبيهاً بوضع الباب السابقة للكعبة التي كانت مُغطاة بالمرمر. ويتوسط البيت صندوق من الخشب المُزخرف والُمخرّم يبلغ طوله 4 أمتار وارتفاعه متراً واحداً وعرضه حوالي 60 إلى 70 سنتيمتراً، موضوع عليه قطعة من المرمر الأخضر المطعّم بالعروق السود الشبيهة بالفيروزج الرائع الجميل.

وهكذا، فقد صلّيتُ ركعتين أخيرتين باتجاه مقام إبراهيم في الوقت المتبقي لي. وكان ألطف ما خطر ببالي وأجمل ما سكن خيالي أثناء القنوت هو الدعاء بطلب السلامة والعافية لمولانا صاحب الزّمان(عليه السلام).ثم قام السدنة باستعجالنا للخروج فقمتُ بلمس جدار الكعبة مودّعاً إيّاه وطالباً منه عدم جَعل ذلك آخر العهد مني لزيارته...!

وعند خروجي من البيت الشريف لاحظتُ غياب أحجار الشاذروان بأكملها من حوالي البيت، وصُبّ الإسمنت تحت المرمر بشكل مشابه لِما هو موجود في الداخل وغطّي بأكياس الجوت، وكان العمال يرشّون الماء عليه. فلم يَعُد هناك أيّ وجود للشاذروان أو السلّم الذي كان موجوداً عند جهة حجر إسماعيل وتحت الميزاب الذهبي، وكانت أرضيّته منخفضة بعض الشيء.

واغتنمتُ هذه الفرصة كذلك وصليّتُ ركعتين تحت الميزاب الذهبي، وهنا شعر أحد رجال الشرطة بوجودي، لكنّه تركني وشأني بسبب انشغالي بالصلاة واتّجه إلى داخل البيت الحرام. وبعد فراغي من الصلاة عند حجر إسماعيل شرعتُ بتَقبيل جدران البيت واستشمام عبيرها الفردوسيّ الطاهر وكان معي أحد الباكستانيين (من العمّال المشتغلين بالتعميرات الجارية على الكعبة). كان رجلا لطيفاً ودمث الأخلاق، فقد كان يمسح رأسي ووجهي وصدري بيده، وقد اغرورقت عيناه بالدموع وهو يكرّر من قول:«أنا من عمال الكعبة...!».

وخلال صيحات أفراد الشرطة، قمتُ باختلاس نظرة أخيرة من بيت الله العزيز، توجّهتُ بعدها إلى المسجد الحرام.

أللهمّ أرزقنا في كلّ عام زيارة بيتكَ الحرام، بحقّ محمّد وآله (عليهم السلام).

محمّد النّقدي


الأهداف الاجتماعيّة للحجّ الإبراهيمي

الحجُّ في مبناه و معناه

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)