• عدد المراجعات :
  • 1264
  • 11/25/2007
  • تاريخ :

البحث في وجوب الحج

الحج

مسألة 1 ـ وجوب الحج من ضروريات الدين ، ومنكر وجوبه كمنكر وجوب الصلاة من الكافرين .

ثم إن معناه وإن كان في اللغة القصد لكنه في متفاهم المتشرعة اسم لمجموع المناسك التي يؤتى بها في المشاعر المخصوصة . ولا ريب أنه فرض على كل من اجتمعت فيه الشرائط المعلومة التي يأتي بيانها من الرجال والنساء والخناثي .

مسألة 2 ـ لا يجب الحج بأصل الشرع إلا مرة واحدة إجماعاً من المسلمين ، وللنصوص الكثيرة الدالة عليه.

مثل صحيح البرقي في المحاسن عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « ما كلف الله العباد إلا ما يطيقون ، إنما كلفهم في اليوم والليلة خمس صلوات ـ إلى أن قال: ـ وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك».

ورواية فضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال : « إنما اُمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك ، لأن الله فرض الفرائض على أدنى القوة »  ويستفاد من تعليل الإمام (عليه السلام)أن أصل الحكم ـ وهو وجوب الحج مرة واحدة لا أكثر ـ مفروغ عنه .

مضافاً إلى ما في روايات باب التسويف من قوله (عليه السلام) : « إن مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام »  حيث قال (عليه السلام) : « شريعة » ، لا « شرايع ».

وأما الآية ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) فيمكن أن يقال : إنه لا دلالة لها على وجوبه أكثر من مرة واحدة ، كما لا تدل على نفي وجوب التكرار أيضاً ، إلا أنه يكفي في نفي وجوبه الأصل ، مضافاً إلى النصوص ، ولكن يستظهر من الآية الكريمة بمناسبة الحكم والموضوع ، وأن وجوب الحج في كل سنة حرج على المكلفين ، سيما على النائين ، أن الواجب ليس إلا مرة واحدة .

فإن قلت : ما الفرق بين الحج والصوم ، والأول فرض في ذي الحجة ، والثاني في شهر رمضان و لماذا تستفيدون وجوب الصوم في كل سنة وفي كل شهر رمضان من قوله تعالى : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياماً معدودات ) إلى قوله تعالى : ( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن)، ( البقرة / 183 إلى 185 .) ولا تستفيدون وجوب الحج في كل سنة وكل ذي حجة من قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا

- قلت أولا: إنه يمكن الفرق بأن الصوم كان قبل الإسلام من العبادات التي كانوا متعبدين بها في كل سنة ، فقوله تعالى : ( كما كتب على الذين من قبلكم )إشارة إلى ذلك . وأما الحج الذي عبر عنه في الإسلام بحجة الإسلام فكانوا ملتزمين بإتيانه في طول العمر مرة واحدة ، ففهموا من الآية تقريرهم على هذا الالتزام .

- وثانياً: أنه فرق بين قول القائل : ( كتب عليكم حج ذي الحجة ) وبين قوله : (كتب عليكم حج الكعبة وبيت الله الحرام ) ،ففي الأول يجب الحج في كل سنة في ذي الحجة ، وفي الثاني يكفي في الامتثال الإتيان بالحج مرة واحدة ، وهكذا الصوم فإن قال : ( صم صوم الوصال ، أو صوم الصمت ، أو صوم الإمساك من المفطرات المعلومة ) يكفي في الامتثال صوم واحد ، بخلاف ما إذا قال : ( صم شهر رمضان ) أو ( صم يوم النصف من شعبان ) فإن إطلاقه يشمل صوم كل شهر رمضان .

وعلى الجملة: أنّ الكعبة والبيت مستمر الوجود فيكفي في امتثال حج البيت مرة واحدة ، بخلاف الشهر الكذائي فإن وجوده يتعدد بالسنين ويتجدد . ومثل ذلك (زر الحسين (عليه السلام) ) فإنه يمتثل بزيارة واحدة ، بخلاف ( زر الحسين (عليه السلام)في ليلة الجمعة ) فإنه لا يسقط الأمر بزيارته في جمعة واحدة .

وبعبارة اُخرى : الأمر في مثل ( حج في ذي الحجة ) أو ( صم شهر رمضان ) ينحل إلى أوامر متعددة ، بخلاف الأمر بحج البيت فإنه أمر واحد .وكيف كان فلا ريب في عدم وجوب تكراره بأصل الشرع ، وأما الروايات التي ظاهرها وجوب الحج على أهل في كل عام ـ مثل صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : « إن الله فرض الحج على أهل الجدة في كل عام ، وذلك قول الله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) قال : قلت : فمن لم يحج منا فقد كفر ؟ قال : لا ولكن من قال : ليس هذا هكذا فقد كفر »  ـ فليس ظاهرها مراداً ، ولعلها كانت محفوفة بالقرائن الحالية أو المقالية ، وإن لم نعثر عليها ، وفيها احتمالات :

منها : أن يكون المراد نفي ما يعملونه بالنسيء ، فقد قال الله تعالى :(إنما النسيء زيادة في الكفر )  سواء كان نسيئاً في الحكم بإنساء حكم شهر والإتيان به في آخر ولم يتعرضوا لحساب الأشهر وترتيبها ، أو كان نسيئاً في الموضوع بتبديل الشهور وتغيير بعضها مكان بعض .

ويستفاد النسيء في الموضوع من خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع حيث قال : «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذوالقعدة و ذوالحجة ومحرم ورجب»

أو يكون المراد نفي كون فرض الحج بحساب السنوات الشمسية ، فإنهم كانوا يعملون بالكبيسة فيزيدون على كل سنة قمرية عشرة أيام ، أو على كل ثلاث سنوات شهراً واحداً لتتفق القمرية مع الشمسية . فالحديث تأكيد على أن تشريع الحج يكون بحسب الأعوام القمرية .

وفيه: أن هذه الطائفة من الروايات لو كانت صادرة في العصر الأول الذي كان الناس حديثي العهد بالإسلام فيمكن حملها على ذلك ، وأما بعد مضي أكثر من قرن على ذلك فلا يفهم منها أنها لنفي ذلك .

ومنها: بيان استحباب الحج على أهل الجدة في كل عام كما عن الشيخ (رحمه الله) .

وفيه: أنّ هذا الحمل خلاف الظاهر ، فإن استشهاد الإمام (عليه السلام) بقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت ) وقوله (عليه السلام) : « إن الله فرض الحج على أهل الجدة » ظاهر في الوجوب .

ومنها: حملها على الوجوب في كل عام على البدل ، كما عن الشيخ (رحمه الله) ، وأنه إذا لم يأت به المكلف في العام الأول لا يسقط بالعصيان .وقد يقال في تضعيف هذا الاحتمال : « إن الوجوب البدلي بهذا المعنى من طبع كل واجب ، فإن الواجب يجب الإتيان به متى أمكن ويجب تفريغ الذمة عنه، ولا يسقط الواجب بالعصيان »

ومنها : حملها على الوجوب الكفائي ، كما في الوسائل حيث جعل عنوان الباب: ( باب أنه يجب الحج على الناس في كل عام وجوباً كفائياً ) .

واُورد عليه: بأن ظاهر الروايات وجوبه على كل أحد لا على طائفة دون اُخرى كما يقتضيه الواجب الكفائي

وفيه : أن ذلك لا ينافي عينية الوجوب على من لم يحج أصلا .

ومنها: أن الحج واجب على كل أهل الجدة في عام استطاعة الحج سواء في الصيف أو الشتاء ، ولا يجوز تأخيره فراراً من الحر والبرد .

ومنها: أنها من باب التقاء الجمع بالجمع ، كما في قوله تعالى:(فاغسلوا وجوهكم)( ـ المائدة / 6)، فكما لا يجب على كل أحد غير غسل وجهه للوضوء دون غسل وجوه الجميع كذلك لا يجب على واحد من أهل الجدة في كل عام غير حجه الذي عليه وهو حجة الإسلام . إلى غير ذلك من الاحتمالات .

وكيف كان فالإجماع والسيرة بل الضرورة قائمة على خلاف ظاهر هذه الروايات، فالأولى رد علمها إلى أهلها .

فما عن الصدوق (رحمه الله) في العلل من وجوبه على أهل الجدة في كل عام ضعيف بإعراض الأصحاب ، وما عرفت من الاحتمالات في مستند فتواه. والصدوق(رحمه الله)نفسه لم يفتِ بذلك في سائر كتبه، مضافاً إلى ما في صحة نسبة هذا القول إليه من الترديد، وقد نسب العلامة في المنتهى هذا القول إلى البعض. وقال السيد(رحمه الله) في العروة: ( على فرض ثبوته شاذ مخالف للإجماع ).

هذا، ولو قيل بعدم كفاية إعراض الأصحاب عن هذه الأحاديث لترك العمل بها ، كما هو اختيار بعض الأعاظم من المعاصرين ـ وإن لم يقل به هنا ـ فنقول : لو قطعنا النظر عن ترجيح الطائفة الاُولى لاعتضادها بالشهرة تقع المعارضة بينهما فيتساقطان، ونرجع إلى الأصل الذي يقضي بعدم وجوب أكثر من حجة واحدة .

فورية وجوب الحج

        مسألة 3 ـ وجوب الحج فوري ، فلا يجوز تأخيره عن عام الاستطاعة.

وذلك لأن رابطة العبودية والمولوية تقتضي قيام العبد بإطاعة أمر المولى بمجرد أمره وطلبه ، فالقعود عن الامتثال مع إمكانه تهاون بأمر المولى .

نعم لو كان الواجب موقتاً في تشريع المولى بوقت خاص أو بمدة العمر بحيث كان التوقيت إذناً منه بالتأخير لجاز للمكلف ذلك إذا لم يكن فوت الواجب منه مظنوناً بحسب حاله ، والحج ليس من الواجبات الموقتة مثل الصلاة ، وليس وقوعه مشروطاً بوقت خاص وسنة خاصة ، بل هو أداء في أي وقت أتى به ، فلا يجوز تأخيره عن سنة الاستطاعة .

وقد علل بعض الأعاظم (رحمه الله) فورية الوجوب بحكم العقل باحتمال الفوت وعدم الوثوق بالبقاء ، واعتمد على هذا الوجه أيضاً بعض العامة .

وفيه : أن هذا الاحتمال غير معتنى به عند العقلاء ، يردون في اُمور كبيرة ، وشؤون جليلة ، ومشاغل مهمة التي لا تتحصل فائدتها لهم إلا بعد مضي السنين والأعوام، والظاهر أنه لا خلاف في هذا الحكم بين الأصحاب .

قال المفيد (قدس سره) في المقنعة : ( وفرضه عند آل محمد (صلى الله عليه وآله) على الفور دون التراخي بظاهر القرآن وما جاء عنهم (عليهم السلام) ) . ثم ذكر حديث زيد الشحام وذريح المحاربي ولفظه في حديث زيد : « عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : قلت له : التاجر يسوّف الحج ؟ قال : إذا سوّفه وليس له عزم ثم مات فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام ».

والرواية بهذه العبارة لا تفي بمراد المفيد (قدس سره) لمكان قوله : « ليس له عزم »

إلا أن لفظه في الكافي هكذا : « التاجر يسوف الحج ؟ قال : ليس له عذر فإن مات فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام »  والاعتماد على نسخة الكافي .

وقال الشيخ (قدس سره) في النهاية : ( ومن حصلت معه الاستطاعة وجب عليه الحج على الفور والبدار ، فإن أخره وهو متمكن من تقديمه كان تاركاً فريضة من فرائض الإسلام) .

وصرح بذلك في الخلاف واستدل باقتضاء الأمر ، وبرواية ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) ورواية عاصم بن ضمرة عن علي (عليه السلام) .

وفي المبسوط قال : ( ووجوبهما ـ أي الحج والعمرة ـ على الفور دون التراخي ) .

وفي الاقتصاد قال : ( وعند تكامل شروط الوجوب يجب على الفور والبدار دون التراخي ، غير أنه متى أخره ثم فعله كان مؤدياً وإن فرط في التأخير).

وبذلك نص السيد (قدس سره) في جمل العلم والعمل ، وقال : ( الحج على الفور دون التراخي لمن تكاملت شرائطه).

وقال في الناصريات : ( الذي يذهب إليه أصحابنا أن الأمر بالحج على الفور). ثم استدل على ذلك .

وقال سلار (رحمه الله) في المراسم : ( والحج واجب على الفور).

و قال في اسرائر: (و وجوبهما على الفور دون التراخي بغير خلاف بين أصحابنا)

ومع أن العلامة (قدس سره) تختلف آراؤه في كتبه غالباً إلا أنه في هذه المسألة قال بوجوب الفور في جميع كتبه :

قال في التذكرة : ( ووجوب الحج والعمرة على الفور ، لا يحل للمكلف بهما تأخيره عند علمائنا أجمع)،  وصرح بذلك في التبصرة والقواعد والإرشاد والتلخيص .

وقال المحقق (قدس سره) في الشرايع : ( ويجب على الفور)،  ونحوه كلامه في المختصر النافع. إلى غير ذلك من أقوال غيرهم من الفقهاء رضوان الله عليهم . والظاهر تحقق إجماع فقهائنا على الفتوى بفوريته .

وأما فقهاء العامة فقد اختلفوا في فوريته ، قال في الروض النضير : ( واختلفوا هل وجوبه موسع أو مضيق ؟ فذهب القاسم وأبوطالب ، والأوزاعي والثوري ، ومحمد ابن الحسن ، والشافعي إلى أنه على التراخي والسعة . وحجتهم أنه فرض بعد الهجرة سنة خمس أوستٍّ لخبر( الصحيحين ) : أن قوله تعالى :(وأتموا الحج والعمرة لله)نزلت في وقعة الحديبية وهي سنة ست إجماعاً ، وفيها قصة كعب بن عجرة المشهورة ، ونزل بعدها : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )، مؤكداً للوجوب . وفي حديث ضمام في مسلم : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، قال : صدق . وقدوم ضمام سنة خمس ، وقيل : سنة سبع ، وقيل : سنة تسع . وقد صرح أهل الحديث والتاريخ أنه (صلى الله عليه وآله)انصرف من مكة بعد فتحها في شوال واستخلف عليها عتاب بن اُسيد ، فحج بالناس بأمره (صلى الله عليه وآله)سنة ثمان ، وكان مقيماً بالمدينة هو وأزواجه وعامة أصحابه ، وكانوا موسرين بغنائم حنين المقسومة في ذي القعدة ، واعتمر حينئذ من الجعرانة ، فلو كان على الفور لم يرجع من مكة إلى المدينة بهم مع يسارهم وقرب زمن الحج ، ثم غزا تبوك سنة تسع وانصرف عنها ) .

إلى أن قال : « وذهب الناصر والمؤيد بالله ومالك وأحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعي ورواية عن أبي حنيفة إلى أنه يجب فوراً . وحكى في الانتصار عن زيد بن علي والهادي والمزني واختاره المقبلي في ( المنار ) . وحجتهم ظواهر الأخبار الدالة على التشديد في تركه ) . إلى أن قال : ( واعتذروا عن حجة الأولين بوجوه : منها أنه (صلى الله عليه وآله) كان مهتماً قبل حجة الوداع بإظهار دين الله وإعلاء كلمته فكان عذراً له ولأصحابه (صلى الله عليه وآله) عن المبادرة بفعله . ومنها كراهية أن يشاركه في موسم الحج حج أهل الشرك ) إلى أن قال : ( ومنها أن تأخير الحج إلى سنة عشر إنما كان للنسيء المذكور في كتاب الله فهو تأخير الأشهر إلى أصله ) . وقد نقل العلامة (قدس سره) في التذكرة عن بعض القائلين بعدم فورية وجوب الحج من العامة : ( أنّ فريضة الحج نزل سنة ستٍّ من الهجرة ، وقيل : سنة خمس وأخره النبي(صلى الله عليه وآله) من غير مانع ، فإنه خرج من مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج ، وفتح مكة سنة ثمان وبعث الحاج سنة تسع ، وحج هو (عليه السلام) سنة عشر ، وعاش بعدها ثمانين يوماً ثم قبض (صلى الله عليه وآله) ) .

ثم أجاب العلامة (قدس سره) بالمنع أولا من تمكنه من الحج ، فإنه (عليه السلام) أحرم بالعمرة عام الحديبية فاُحصر . وثانياً بالمنع من تأخير النبي (عليه السلام) عن عام الوجوب ، فإن الآية نزلت ـ وهي قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)الآية ـ سنة عشر ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى بالحج من غير تأخير.

وثالثاً نقول : بأن القول بتأخير النبي (صلى الله عليه وآله) من غير مانع إنما يصح ممن كان عالماً بما يمكن أن يكون مانعاً من حجه بالفورية على فرض التأخير عن عام نزول الآية، وقد سبق أيضاً بعض الوجوه لتأخيره في كلام الروض النضير . هذا بحسب الأقوال .

وأما بحسب الروايات وهي الأصل والعمدة فقد عقد في الوسائل باباًيكفي مما أخرجه فيه صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام».

ثم إن بعض الأعلام ـ بعد أن حكى الاستدلال برواية زيد الشحام « قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : التاجر يسوف الحج ، قال : ليس له عذر » وبصحيح الحلبي المتقدم آنفاً ـ قال : ( وفي بعض الأخبار الدلالة على أن من وجب عليه الحج ثم سوفه العام والعام الآخر ثم مات فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام ، وأنه المراد بقوله تعالى : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ).

ثم قال: ( فإن كان إجماع وإلا فاستفادة الوجوب الفوري مما ذكر مشكلة ، لأن الرواية الاُولى يمكن حملها على عدم المعذورية في ترك الراجح كما يقال للواجد للشرائط في أول وقت فضيلة الصلاة : لا عذر لك في التأخير ، وأما الرواية الثانية فمحمولة بقرينة غيرها على صورة الترك إلى وقوع الموت).

أقول : أما حمل قوله (عليه السلام) : « ليس له عذر » الظاهر في عدم المعذورية في ترك الواجب على عدم المعذورية في ترك الراجح فهو من حمل اللفظ على خلاف ظاهره بغير وجه يستدعيه، وحمل قوله (عليه السلام) : « لا عذر لك في التأخير » على خلاف ظاهره بقرينة المقام لا يوجه حمل مثله على خلاف الظاهر في سائر المقامات ، وإلا فيلزم حمل كل الألفاظ الظاهرة في معانيها الحقيقية على المعاني المجازية بمجرد استعمالها في بعض المقامات بالقرائن الحالية أو المقالية .

وأما صحيح الحلبي فكأنه (رحمه الله) رأى أن الاستدلال به لفورية وجوب الحج يتوقف على إطلاقه وشموله لصورة الترك وإن أتى به قبل الموت ، فمنع هذا الإطلاق بقرينة غيره من الروايات ، فخصه بصورة ترك الحج إلى وقوع الموت ، فلا يدل على حرمة التأخير وفورية وجوب الحج .

وفيه : أن الوجه في دلالة الصحيح وغيره من الروايات أنه لا وجه لعقاب من سوَّف الحج وأخره إلى أن مات إلاّ حرمة تسويفه وفورية وجوب الإتيان به ، وهذه الروايات قد دلت على ذم من سوَّف الحج ومات على ذلك ، وأنه يحشر أعمى ، والمسوَّف لا يستحق هذا العقاب إلا أن يكون الإتيان بالحج واجباً فورياً وتسويفه حراماً ، وإلاّ فلا وجه لهذا العقاب ، وليس هو إلاّ كمن أخر الصلاة من أول وقتها فمات قبل خروج الوقت .


حصول الاستطاعة بالملكية المتزلزلة، وعدمه

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)