• عدد المراجعات :
  • 733
  • 11/24/2007
  • تاريخ :

ترنيمة عرفانية
مکه

 

ما أروعَ الحجّ!

 

ما أروعَ الحجّ لو لبيّتُ معتمراً
ربَّ الحجيج مُجيباً صاحبَ الدارِ!
وقد حدوتُ طُوالَ الدرب قافلتيٍ
 وقد طويت النوى في طيّ أسحاري
وقد نزلتُ فِناء البيت معتكفاً
وطفتُ سبعاً طواف الكوكب الساري
هنا وقفتُ هنا صلّيتُ في وَلَهٍ
 هنا جلستُ هنا راجعتُ أفكاري
هنا عرفتُ معاني الحجّ وازدلفت
 في مشعر الحقّ آمالي وأوطاري
هنا رميتُ جماراً من هوى كبديٍ
هنا نحرتُ المُنى في كفِّ نحّارِ
هنا تحولتُ رُوحاً صفّقت فَرَحاً
وغرّرتْ وشَدَتْ في لحنِ أطيارِ
هنا تحوّل قلبي في الهوى
 وَتَراً يبثّ ماليس ترجوه بأوتارِ
هنا أذبتُ وُجودي في محبّتهِ
هنا تحطم مِزماري وقِيثاري

 

 

 

ما أروعَ الحجَّ أنْ يَدنُو لصاحبه
من قد أَتى البيت مَحْنِياً بأوزارِ
واثقلتهُ خطايا العُمر يحملُها
بكفّهِ خَجِلاً من ذُلِّ إقرارِ
وراح يمسحُ بالأحجارِ معتذراً
من ذنبهِ خاطِباً وُدَّاً لغفّارِ
يقول ياربِّ إنّي تائبً أبداً
ممّا جَنَيتُ وهذا بيتُ ستّارِ!
فقد دعوتَ ضيوفاً ما لهم عددٌ
من كلّ فجّ اتَوا سبقاً بمضمارِ
ماطُوْا لِباسَ «الأنا» واستبدلوا حُلَلاً
من الصفاءِ بِلُبسِ الكاسي العاري
فمن يحجُّ لباري الخلق بارئِهِ
 كانت محجَّتُهُ للباريِ الذاري
ومن يحجُّ لكسب المال متَّجِراً
فالحجُّ حجٌّ ولكن حجُّ تُجّارِ
ومن يحجُّ لِدُنياً كي يُصيبَ بها
جاهاً وجَاراً فحجُّ الجاهِ والجارِ
لكنّما الحجُّ في ديني ومعتقدي
 بأنْ يَحجَّ كعبد حَجَّ أحرارِ
      

 

 

ما أروعَ الحجَّ تطوافاً وتلبيةً
من عاشق وامق يصبو لديّارِ!
يطوف في البيتِ يقفو كلّ والهةٍ
 ووالهٍ ثملاً من لحظ أنظارِ
قدسيّة قد سقت كأساً معتقةً
من المحبّةِ لا من كفِّ خمّارِ
هو الشرابُ الذي من ذاقَ جرعته
قد ذاقَ من جنّة تجري بأنهارِ
فحلّق الطائفونَ البيتَ في سَفَرٍ
 مع الأحبَّةِ لا يُرجى بأسفارِ
تُنشى التِلاوة في أكناف كعبته
ومسكها الخُلْدُ لا مِنْ عِطرِ عطَّارِ
لقد تجلّى بهم عشق الإله هوًى
يُزري بعشقِ نواقيس وزنّارِ
وإنْ تهادوا إلى الاستارِ تَحسبَهم
ألحانَ عرش تهادتْ حول أستارِ
يمسّحون بأحجار ويا خسِئتْ
جواهرُ الأرضِ أن تسمو لأنوارِ
من جنّةِ الخُلدِ جبريلٌ أتى جَذلاً
 بأسود حَجَراً في اللون كالقارِ
لكنّه في ضياء أو ملامسةٍ
كفٌّ لحور ونَورٌ بين نُوَّارِ
اللهُ أكبرُ لو بايعتُ مصطفقاً
كفاً بكف فقد نُجِّيتُ من نارِ
 

 

ما أروعَ الحجَّ لو قد جئتُ في نفرٍ
يسعَون بين جِبال النور للغارِ!
يهرولون بشوق نحوهُ سَحَراً
ليرشفوا من نمير مَارَ فَوَّارِ
ويُفعموا الروحَ في أكنافِهِ مُتَعَاً
من كلّ غيثٍ من الرحمن مِدرارِ
مستلهمين من التاريخ عِبْرته
بِعَبْرَة سُفِحَتْ من عين عبَّارِ
بالأمسِ قد فَتحَ الدنيا بنغمته
 محمَّدٌ وسَرَى برقاً بأنصارِ
مشى يخطِّطُ للإسلام دولتَهُ
 ويبتني مسجداً في رُوح إيثارِ
وراح جُنْدٌ لَهُ في بأسهم شُعَلاً
يهدِّمون قُصورَ الظُلم بالنار
حتَّى استوت لمباني العدلِ قامته
وقام معتدلاً يزهو بأدوارِ
لكنَّما الفَلَكُ الدوَّارُ طوَّحَهُ
وخرَّ في جُرُف وَيلاهُ مُنهارِ
واليومَ عادَ إلى الدُّنيا فراعِنةٌ
مِنْ بعدِ ما غُزي الإسلامُ في الدَّارِ
والمسلمونَ وياللهِ في زَمَنٍ
أضْحَى يَسُوسهُمُ دَجَّالُ أدْهارِ
لكنّما النهضةُ الكبرى مُجَلجِلةٌ
بَيْنَ الشعوبِ وشَبَّتْ نارُ إعصارِ

 

 

ما أروعَ الحجَّ لو أصغيتُ مستمعاً
وحيَ الإله نديّاً من فم الغارِ
فمِن حِراءَ مَشَت في الأرضِ صيحتُهُ
 «اِقرأ وربُّكَ» قد خُطَّتْ بأنوارِ
وقد تلا أحمدُ المختارُ سُورتَها
 حرفاً فحرفاً وترتيلاً مع القاري
وهكذا قَرأ القرآنَ في كَبِدٍ نَشْوى
وقَلب من الأشواقِ مِعطارِ
وكان مِن قبلها يتلو صحائِفَهُ
مِن غير إذن بإعلان لأسرارِ
لكنّما الأمرُ قد حانتْ شرائطُهُ
ودارَ دورتَهُ هَدياً لأعصارِ
وقد توالتْ مِن الرَّحمن صادحةً
 «قُمْ» وانْفُضَنَّ دِثاراً تحتَ دَثَّارِ
واصْدَحْ بتكبيرة هدَّتْ عُرووشَهُمُ
 وأنْذرِ الكُفْرَ طُرّاً أيَّ إِنذارِ
وطهِّرِ الأرضَ من أرجاس ساستِها
مِنْ بعدِ تطهير اثواب لأبرارِ
فمنذُ ميلادِكَ الميمونِ قد خَمَدَتْ
نارُ المجوس وأهلُ النَّار في النّار
وقد تصدَّعَ إيوانً وأَرْوِقَةٌ
هُدَّتْ لقيصرَ وانثالتْ كأحجارِ
وغارَ ماءٌ بأرض لم تكن رُكزَتْ
 فيها إلى الحقِّ راياتٌ لقهّارِ
فانهضْ لِتخفِقَ راياتٌ قد ارتفعتْ
باسم الإله ورفَّت فوقَ أمصارِ
وفي غدٍ من فِناءِ البيتِ يرفعها
مهديُّكم ضارباً في حَدِّ بتَّارِ

 

 

ما أروعَ الحجَّ لو جاء الحجيجُ
إلى جَنبِ الغديرِ وحَطُّوا رَحْل زُوَّارِ!
وقد أناخوا المطايا بعد حجّهُمُ
 مِثلَ النبيّ بخمٍّ يَوْمَ تذكارِ
وسائلُواالشَّجَراتِ الخُضرَ عن حَدَثٍ
 قد كان بالأَمسِ مشهوداً لأشجارِ
هلاَّ سَمِعتُنَّ أصداءً لركبهُمُ
 مُذقام يخطبُ طه فوقَ أكوارِ؟
وقال من كنتُ مولاهُ وسيدَهُ
هذا عليٌّ له مولىً مِن الباري
وآيةٌ نزلت «بلّغ» بها نَفَراً
من الحجيجِ لِيرووها لأنفارِ
ويعلمَ الناسُ أنَّ الدين مكتملٌ
و«اليومَ» تمّت بها أنْعَامُ حَبَّارِ

 

 

ما أروعَ الحجَّ لو كان الختامُ
 لَهُ بطيبةٍ زائراً قبْراً لمختارِ!
ليرمقَ القبّةَ الخضراءَ سامقةً
بينَ السَّماكين نَثَّتْ نثَّ أنوارِ
وقد تساقطَ منها الطَلُّ في حُلَلٍ
مِن الجنائنِ حَوْلَ الجارِ والدارِ
ومدَّ أحمدُ في أرضِ البقيع
 يداً بها ليمسحَ جُرحاً جِدَّ نَغّارِ
مِن القُبُور التي فيها لِبَضعته
 أفلاذُ أكبادِها قُدّت بأوتارِ
أهكذا يُحفَظُ المختارُ في وَلَدٍ
 بالقتل والنفي والتَّشرِيدِ عَنْ دارِ؟
أهكذا الغيرةُ المحميُّ جانبُها؟
أينَ الحِفَاظُ فياللخزي والعَارِ؟
ماذا عَدا أوبَدا حتّى مَقابرهُمْ
ودورُهُمْ دُرِستْ من دُونِ آثارِ؟

 

الدكتور الحسيني


الحجّ في الأدب العربي

الحج في الأدب العربي 2

الحجّ في الأدب العربي 3

الحجّ في الأدب الجاهلي في الحجاز و الجزيرة العربية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)