• عدد المراجعات :
  • 1796
  • 10/27/2007
  • تاريخ :

حقيقة الخلق ونظرية التطور

حقيقة الخلق

للوجود وللحياة ولعالم الأحياء ولاسيما الإنسان -الذي يحتل موقعاً متميزاً فيه- نواح متعددة تشكل اساساً لعلوم مختلفة. وحتى لو تناولنا الإنسان وحده في هذا الموضوع رأينا ظهور علوم عديدة كالمورفولوجيا والفيزيولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع والطب وعلم التربية، وعلوم أخرى عديدة. وكل علم من هذه العلوم اختصاص قائم بذاته وله مختصون متفرغون لـه. ولكن لا يوجد للكون بأجمعه ولا للإنسان ولا للأحياء متخصصون. لـذا لم يكن في الإمكان حل المشكلات المتعلقة بالوجود وبالإنسان بهذه العلوم، ولا قول الشيء النهائي والأمر الفصل فيها. لذا كانت هناك حاجة ماسة لمراكز متكاملة تستطيع إنتاج معلومات وأفكار تفهم الإنسان وإنتاج التكنولوجيا ووضع النظريات والأفكار العامة التي تخاطب الشعور الجماعي وتكون في مستوى العصر وقادرة على احتضان جميع أموره وفتح الآفاق أمامه

وعلاوة على هذا نستطيع اليوم أن نقول بأن المختبرات الحديثة تقوم اليوم بفحص الأحياء بدقة غير مسبوقة. حتى أن المادة والجزيئة والخلية أصبحت معلومة بمقياس كبير، وبدت السوائل وجميع أجزاء الخلية حتى أصغرها وأدقها معروضة أمام الأنظار بفضل الأشعة السينية (أشعة أكس). كما قامت بعض المختبرات الحديثة وبعض مراكز البحوث بإلقاء الضوء ليس على التركيب المادي فقط لجزيئات البروتين بل على طبيعة الأواصر التي تربط هذه الجزيئات الكبيرة بعضها ببعض وطبيعة عمل الأنزيمات التي تفرق وتركب هذه الجزيئات وتأثيرها، وكذلك القوانين السارية في الخلايا والروابط التي تربط الأنسجة التي تشكلها هذه الخلايا مع الأعضاء الداخلية، وطبيعة السوائل في الجسم كالدم والصفراء وعلاقاتها مع بيئتها، وكذلك تأثير المواد الكيمياوية على الجسم وعلى الشعور... كل هذه الأمور أصبحت معلومة ولو نسبياً.

ولكن على الرغم من هذا التقدم الذي يستحق كل تقدير في ساحة العلم، فإن من غير الممكن القول بوجود مثل هذا التقدم في ساحة العلم أو في المراكز العلمية في تركيا أو في أي ساحة أخرى منذ عهد التنظيمات حتى الآن. فبدلاً من البحث العلمي نرى تقليداً أعمى، وبدلاً من التدقيق العلمي نرى أننا في عهد من شعارات رخيصة مرفوعة تأخذ مكان العلم. ولا شك أن الأجيال القادمة ستذكر عهدنا هذا بكثير من الأسف. ذلك لأن الوجود قُدِّم في هذا العهد وكأنه عبارة عن وسط من الفوضى، وكأن الأشياء لعبة بيد الصدف العمياء تتطوح ذات اليمين وذات الشمال، وكأن الأحياء لقمة بسيطة وسائغة بين الأسنان الوحشية للـ"الانتخاب الطبيعي". أما الإنسان فقد هوي بمكانته وجُعل في مقعد متفرج نكد الحظ يتفرج على حلبة الموت، وحكم عليه أن يرى ويسمع ويعيش ما يجري أمامه. بينما لو تم النظر من زاوية أخرى لكان في الإمكان مشاهدة حقيقة وجود تساند وتعاون في كل جزء من أجزاء هذا الكون، ووجود نظام وتناغم دقيق فيه، ولظهر أن كل شيء قد خطط لهدف معين، ولغاية محددة، وأن كل شيء مرتب ككتاب وكمعرض رائع وكامل يذهل العقول.

ولسنا هنا في معرض محاكمة النظرة الحالية الخاطئة ولا التحري عن أسبابها. ولكن من المفيد التأكيد على بعض الأمور: أولاً إن الوسط العلمي عندنا في عهد معين قد جُرَّ إلى وسط من الفوضى، ورُبط بمحور معين بحيث أن العديد من مراكز البحوث العلمية والمختبرات انجرّت دائماً وراء سؤال: "كيف؟" ولم يلتفت الباحثونإلى أسئلة من نوع: "لماذا؟" وأنشأ نظام التعليم أجيالاً لا تفكر إلا في الإجابة على "كيف؟" ولا تفكر في الإجابة على "لماذا؟" أو "من؟". لذا فلم يظهر من هذه الأجيال أي مفكر أو عالم على المستوى العالمي طوال هذه العهود.

أجل!.. كم عالم استطعنا تنشئتهم لكي يستطيعوا اكتشاف أخطاء العلماء الغربيين؟ فمثلاً كم منهم وجد في نفسه الشجاعة لكي يوضح خطأ نظرية دارون ونقصها وجوانبها المشوهة، وأنها -مثلها مثل النظريات الأخرى- يمكن مناقشتها؟ وكم منهم استطاع تجديد فكرة أن الإنسان هو أشرف المخلوقات؟ تجديد هذه الفكرة وتطويرها... مثلاً الإشارة إلى أن الإنسان بالإضافة إلى أنه يملك أجهزة مادية كالعين والمخ والأنف والأذن وأجهزة الدورة الدموية وأجهزة الإفراغ (البول والبراز)، فهو يملك السمع والبصر والحس ووسائل اتصالات مختلفة مع الوجود، ويملك شوقاً لمعرفة ما وراء أستار هذا العالم... من أشار إلى هذا واستطاع أن يضع الإنسان في إطاره الحقيقي؟ وعلاوة على عدم إنجاز هذا فقد تم وضع العلم كصنم معبود تجاه الدين، وضُحِّي به على مذبح النظرة الأيدولوجية، فلم يستطع الخروج عن الإطار الضيق للفلسفة الوضعية للقرن التاسع عشر.

والذي يدعو إلى الأسف والأسى أنه نتيجة لكل هذا فقد أقيم علم الأحياء (البيولوجيا) على نظريات خيالية لم تتم البرهنة عليها، وعلى رأس هذه النظريات الخيالية تأتي نظرية التطور دون شك. صحيح أن تناول نظرية التطور والحديث والكتابة حولها ليس من عمل شخص مثلي له مجال مختلف. ولكن حتى يجتمع مختص بالجينات ومختص بالكيمياء الحياتية (بيوكيمياء) ومختص بالبالنتولوجيا وعالم ديني يتناول الموضوع من الناحية الدينية ليتناولوا كمختصين بمقياس تركيا بل بمقياس العالم كله هذا الموضوع الذي تتم مناقشته منذ مدة في المحافل العلمية، ويُظهروا الحقيقة كاملة

من المستحيل التوفيق بين أفكار دارون ونظرية التطور مع الآيات القرآنية أبداً، لأن دارون يقول بأن الحياة نشأت بالمصادفات العشوائية نتيجة عدة عوامل. بينما الإحياء والإماتة فعلان خاصان بالله تعالى. وحتى لو كان في الإمكان البحث عن أسباب مادية لبدايات هذين الفعلين، فإن النتيجة -ولا سيما في موضوع نفخ الحياة- هي فوق جميع الأسباب تماماً. فنفخ الحياة إجراء مباشر دون حجاب وإلهي محض غير متعلق بأي سبب. وبما أنه لا يمكن تفسير الحياة بأي سبب مادي, لذا كان من غير الممكن أن تتجاوز الداروينية مرحلة النظرية، كما كان من المستحيل التأليف بينها وبين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وهذا هو أحد أسباب قيامي بتناول هذه النظرية.

نظرية التطور لا يمكن حصرها بـ "دارون" ولا بـ "لامارك". فهي من جهة أقدم منهما وطرحت قبلهما بعدة عصور، ومن جهة أخرى فهناك أنصار لـ"الداروينية الحديثة" في عصرنا حيث طرحوا نظريات جديدة في تأييد وتقوية نظرية دارون. وعندما تفشل نظرية من هذه النظريات يأتون بأخرى

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)