• عدد المراجعات :
  • 2135
  • 9/30/2007
  • تاريخ :

أحقية الإمام علي ( عليه السلام ) بالخلافة

الإمام علي ( عليه السلام )

إن الباحث المنصف – كائناً من كان – لابد أن ينتابه الذهول ، و يعتريه الاستغراب و هو يتفحص بإمعان و تَأَنٍّ ما حَفلَتْ به كتب السير و مصادر الأحاديث ، التي يُشَار إليها بالبَنَان ، و تُحَاط بهالات من التبجيل و التقديس ، من روايات ، و أحاديث ، و أحداث ، كيف أن أصابع التحريف و التشويه تركت فيها آثاراً لا تُخفى ، و شواهد لا تُوارَى ، أخذت من هذا الدين الحنيف مَأخَذاً كبيراً ، و فَتَحت لِذَوِي المَآرِب المُنحرفة باباً كبيراً .

بل و من العجب العُجاب أن تجد في طَيَّات كل مبحث و كتاب - من تلك الكتب - جملة كبيرة من التناقضات الصريحة التي لاتخفى على القارئ البسيط - ناهيك عن الباحث المتخصص – تعلن بصراحة عن تَزْيِيف ، و تحريف تناول الكثير من أحاديث الرسول الأعظم ( صلى الله عليه و آله ) و أقوال الصحابة الناصحين بِجُرْأةٍ كبيرة ، فأخذ يعمل فيها هدماً و تشويهاً .

و لعل حادثة الغدير – بما لها من قدسية عظيمة – كانت مرتعاً خصباً لِذَوي النفوس العقيمة خضعت لأكبر عملية تزوير قديماً و حديثا ، أرادت و بأي شكل كان أن تفرِّغ هذا الأمر السماوي من مصداقيته و من محتواه الحقيقي ، و تحمله إما بين التكذيب الفاضح أو التأويل المُستَهْجَن .فكانت تلك السنوات العُجَاف بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) و إلى يومنا هذا حَافِلَة بهذه التناقضات ، و مليئة بتلك المفارقات .

و لعل أم المصائب أن يأتي بعد أولئك القدماء جيل من الكُتَّاب المعاصرين يأخذ ما وجده – رغم تناقضاته و مخالفته للعقل و المنطق – و يرسله إرسال المُسَلَّمَات دون تَمَعُّنٍ و بحث . و كأن هذا الأمر ما كان أمراً سماوياً أو حَتماً إلهياً ، بل حَالَهُم كحال من حكى الله تعالى عنهم في كتابه العزيز حيث قال : ( قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) ، ( الزخرف : 22 ) .فالجناية الكبرى التي كانت تستهدف الإمام علي ( عليه السلام ) ما كانت وليدة اليوم ، و لا الأمس القريب ، بقدر ما كان لها من الامتداد العميق الضارب في جذور التأريخ ، و الذي كان متزامناً مع انبثاق نور الرسالة السماوية . حيث أنه قد توافقت ضمائر المفسدين – و إن اختلفت مُرتَكَزَاتِها – لِجَرِّ الديانة الإسلامية السمحاء إلى حيث ما آلتْ إليه الأديان السماوية السابقة ، من انحراف خطير ، و تشويه رهيب . لأن من السذاجة بمكان أن تُؤخذ كل جناية من هذه الجنايات على حِدَة ، و تُنَاقَشُ بِمَعزَلٍ عن غيرها ، و عن الصراع الدائم بين الخير و الشر ، و بين النور و الظلام ، وَ مَنْ كان علي ( عليه السلام ) ؟! ، هل كان إلا كنفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، رُزِقَ عِلمُه و فهمُه ، و أخذ منه ما لَمْ يأخذه الآخرون ، بل كان ( عليه السلام ) امتداداً حقيقياً له ( صلى الله عليه و آله ) دون الآخرين . و هل كانت كَفُّه ( عليه السلام ) إلا كَكَفِّ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) في العدل سواء ؟ ، و هل كان ( عليه السلام ) إلا مع الحق و الحق معه حيثما دار ؟ ، و هل كان ( عليه السلام ) لو وَلِيَ أمور المسلمين – كما أراد الله تعالى و رسوله ( صلى الله عليه و آله ) – إلا حاملاً المسلمين على الحق ، و سالكاً بهم الطريق القويم و جادة الحق ؟

بلى كان يُعدُّ من السذاجة بمكان أن يُمَكَّنَ علياً ( عليه السلام ) من تَسَلُّم ذروة الخلافة ، و امتطاء ناصيتها ، لأن هذا لا يغير من الأمر شيئاً بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فيظهر الإمام علي ( عليه السلام ) لهم ، و كأنه النبي محمد ( صلى الله عليه و آله ) ، يقيم دعائم التوحيد ، و يقف سَدّاً حائلاً أمام أحلامهم المنحرفة التي لا تنتهي عند حَدٍّ مُعيَّن ، و لا مَدىً معروف . و لعل الاستقراء البسيط لمجريات بعض الأمور ، يوضح جانباً بَيِّناً من تلك المؤامرة الخطيرة ، التي و إن اخَتَلَفَتْ نوايا أصحابها إلاَّ أنها تلتقي عند هدف واحد ، و هو إفراغ الرسالة السماوية من محتواها الحقيقي ، و دفع المسلمين إلى هاوية التَرَدِّي و الانحطاط . و َيُحيِّرُنا من يرتضي للملوك و الزعماء ، أن يعهدوا بالولاية و الخلافة و هم أهل الدنيا ، و لا يرتضون ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و وليِّه ( عليه السلام ) و هم أهل والآخرة . عدا أنهم نقلوا أن أبا بكر و عُمَر لم يموتا حتى أوصيا بذلك ، بل و الأغرب من ذلك أن تَجِدَ تلك التأويلات الممجوجة للنصوص الواضحة ، و ذلك الحمل الغريب للظواهر البَيِّنَة . و الجميع يدركون – بلا أدنى ريب – أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لايتحدث بالأحاجي و الألغاز ، و لا يقول بذلك منصف مدرك .

- إذن فماذا يريد ( صلى الله عليه وآله ) بحديث الثقلين المشهور ؟

- وما يريد بقوله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : ( أَمَا تَرضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى ) ؟

- و ما يريد بقوله ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً : ( عَلِيُّ وَليُّ كُلَّ مُؤمِنٍ بَعدِي ) ؟

و إذا كان هناك من يَنفُرُ من كلمة الحق ، و تَعمَى عليه الحقائق ، فما بَالهُ بالشواهد وقد شهد حادثة الغدير عشرات الألوف من المسلمين ، كما تشهد بذلك الروايات الصحيحة في بطون الكتب .

بل و أخرى تَنقُلُ تَهْنِئَةَ الصحابةِ لِعَليٍّ ( عليه السلام ) بأسانيدٍ صِحَاح لا تُعارض .

و حقاً إن هذا الأمر لا يُخفى ، بالرغم من أنهم جهدوا في طمس تلك الحقائق الناصعة المشرقة .


مؤهلات الإمام علي ( عليه السلام ) للخلاقة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)