الشاعر أبو تمام الطائي ( رحمه الله )
( 188 هـ ـ 231 هـ )
اسمه وكنيته ونسبه :
أبو تمَّام حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشَج بن يحيى ... بن طي ، وينتهي نسبه إلى يَعرُب بن قحطان .
ولادته ونشأته :
اختلفت أقوال المؤرّخين في سنة ولادته ، ومجموع الأقوال أنّه : إما وُلد في سنة 172 هـ أو 188 هـ أو 190 هـ أو 192 هـ .
وقد وُلد بقرية جاسم ، من قرى الجيدور من أعمال دمشق ، وفي دائرة المعارف الإسلامية : كان أبوه نصرانياً .
نشأ المترجم بمصر ، وفي حداثته كان يسقي الماء في المسجد الجامع ، ثم جالس الأدباء ، فأخذ عنهم ، وتعلَّم منهم ، وكان فَطِناً فَهِماً ، وكان يُحبُّ الشعر ، فلم يزل يعانيه حتى قال الشعرَ وأجادَ ، وشاعَ ذكرُه ، وسارَ شعرُه .
مكانته :
كان أحد رؤساء الإمامية ، والأوحد من شيوخ الشيعة في الأدب في العصور المتقادمة ، ومن أئمة اللغة ، ومنتجع الفضيلة والكمال ، وكان يؤخذ عنه الشعر وأساليبه ، وينتهي إليه السير ، ويُلقَى لديه بالمَقالد .
ولم يختلف اثنان في تقدُّمِه عند حلبات القريض ، ولا في تولُّعِه بولاء آل الله الأكرمين ( عليهم السلام ) ، وكان آية في الحفظ والذكاء .
وفي معاهد التنصيص : كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب ، غير المقاطيع والقصائد .
وفي التكملة : أخْمَلَ ( أعْجَزَ ) في زمانه خمسمِائة شاعر ، كلُّهم مُجيد .
وعندما بلغ المعتصِمُ خبره ، حَمَله إليه وهو بسامراء ، فأنشد أبو تمَّام فيه قصائد عِدَّة ، وأجازه المعتصم ، وقدَّمه على شعراء وقته .
وقَدِم أبو تمَّام إلى بغداد ، وتجوَّل في العراق وإيران ، ورآه محمد بن قدامة بقزوين ، فجالس بها الأدباء ، وعاشر العلماء ، وكان موصوفاً بِحُسن الأخلاق ، وكرم النفس .
شعره :
قال الحسين بن إسحاق : قلتُ للبُحتَري : الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمَّام .
فقال : والله ما ينفعني هذا القول ، ولا يضر أبا تمام ، والله ما أكلت الخبز إلا به ، ولَوَدَدتُ أن الأمر كما قالوا ، ولكني والله تابع له ، لائذٌ به ، آخذ منه ، نَسيمي يَركُدُ عند هَوائِه ، وأرضي تنخَفِض عند سَمائه .
وقال ابن المعتز : شعر أبي تمام كُلُّه حَسَن .
وفي تاريخ ابن عساكر : إن كان الشعر بجودة اللَّفظ ، وحُسن المعاني ، واطِّراد المراد ، واستواء الكلام ، فهي لأبي تمام ، وهو أشعر الناس .
ومِن مميِّزات شعره أنه كان حَصيناً ، رَصيناً ، قوياً ، مَتيناً ، جَامعاً لمزايا الفصاحة ، والبلاغة ، والبراعة ، طرق أغلب الأغراض الشعرية .
ديوانه :
قد يُقال : إن المترجم لم يدوِّن شعره ، لكن الظاهر من قراءة عثمان بن المُثنَّى القُرطبي المتوفى ( 273 هـ ) ، أن شعره كان مدوَّناً في حياته ، واعتنى بعده جمع من الأعلام والأدباء بترتيبه ، وتلخيصه ، وشرحه ، وحفظه .
قال النجاشي في فهرسته : له شعر كثير في أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وذكر أحمد بن الحسين أنه رأى نسخة عتيقة ، ولعلَّها كُتبت في أيامه أو قريباً منه ، وفيها قصيدة يذكر فيها الأئمة ( عليهم السلام ) .
حتى انتهى إلى أبي جعفر الثاني الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، لأنه تُوفِّي في أيامه ( عليه السلام ) .
ولأبي تمَّام - مما أفرغه في قالب التأليف - ديوان الحَمَاسة ، الذي سار به الرُكبان ، واستفادت به الأجيال بَعدَه .
فجمَع فيه عيون الشعر ووجوهه من كلام العرب ، ورتَّبه على عشرة أبواب ، خصَّ كل بابٍ بفَنٍّ ، وقد اعتنى بشرحه جَمْعٌ كثيرٌ من أعلام الأدَب .
آثاره الأدبية : نذكر منها ما يلي :
1 - الاختيارات من شعر الشعراء .
2 - الاختيار من شعر القبائل .
3 - اختيار المقطعات .
4 - المختار من شعر المحدثين .
5 - نقائض جرير والأخطل .
6 - الفحول ، وهو مختارات من قصائد شعراء الجاهلية والإسلام .
وفاته :
توفّي الشاعر أبو تمَّام الطائي ( رحمه الله ) عام 228 هـ أو 231 هـ أو 232 هـ بمدينة الموصل ، ودٌفن ( رحمه الله ) بها ، وبنى عليه أبو نهشل بن حميد الطوسي قُبَّة خارج باب الميدان .
الشاعر أبو تمّام الطائي
ينظم في مدح أهل البيت ( عليهم السلام )
رَبِّــيَ اللهُ والأمِيــنُ نَبيِّـــي |
صـفوة الله والوصيُّ إمامِـي |
ثُـمَّ سـبطا مُحمَّـد تاليـاه ثالثـاه |
وَعَلـيٌّ وباقِـرِ العِلـم حَامِي |
والتَّقـي الزَّكـي جعفـر الطَيِّـبِ |
مَـأوَى المُعتَــرِ والمُعتَـامِ |
ثُمَّ مُوسَى ثم الرِّضا عَلَـم الفَضـلِ |
الذي طَـالَ سَـائر الأعـلامِ |
والمُصَـفَّى مُحمَّـد بــن عَلـيٍّ |
والمُعَرَّى من كُلِّ سُـوء وذامِ |
والزَّكي الإمـام مع نجلـه ثم ابنه |
القَائِمِ مَولى الأنام نُورُ الظلامِ |
أُبرِزَتْ منـه رَأفَـةُ اللهِ بالنَّـاسِ |
لِتَرك الظَّـلام بَـدْر التمـامِ |
فَرْعُ صِدقٍ نَما إلى الرُّتبة القُصْوَى |
وفَرعُ النَّبيِّ لا شَـكَّ نَامِـي |
فهو ماضٍ عَلى البَديهة بالفَيْصَـلِ |
مِن رأي هبـرزي هَمَــامِ |
عَالِمٌ بالأمور غَارَتْ فلـم تَنْجُـمُ |
ومـاذا يكـونُ في الإنجـامِ |
هؤلاء الأُلَى أقـام بهـم حُجَّتُـهُ |
ذو الجــلالِ والإكــرامِ |
الشاعر أبو تمّام الطائي
فَعلتُـم بابنَـا النَّبـيِّ ورَهطِــهِ |
أفاعيلَ أدناهـا الخِيانَـةُ والغَـدرُ |
ومِـن قَبلــهِ أخَلفتُـمُ لِوصـيِّهِ |
بِداهيـةٍ دَهيـاً ليـسَ لهـا قـدرُ |
فجِئتُم بها بكـراً عَوانـاً ولم يكن |
لها قبلهـا مِثلُ عَـوانٍ ولا بَكـرُ |
أخوه إذا عدَّ الفخـار وصِـهرُه |
فلا مثلُـه أخٌ ولا مِثلـه صِـهرُ |
وشـدَّ بـه أزر النَّبـي مُحمَّـدٍ |
كما شدَّ مِن موسى بِهَارُونِهِ الأزرُ |
وما زالَ كشَّافاً دياجيـرَ غمـرةٍ |
يمزقُها عن وجهه الفَتح والنَّصـرُ |
هُو السَّيف سيف الله فِي كُلِّ مَشهَدٍ |
وسيفُ الرَّسـول لا دانٍ ولا ثـرُّ |
فأي يَـدٍ للذمِّ لـم يبـر زَندُهـا |
ووجه ضَـلالٍ ليس فيـهُ له أثـرُ |
ثـوى ولأهـل الدِّيـن أمن بِحدِّه |
وللواصـمين الدِّين في حَدِّه ذُعـرُ |
يسدُّ به الثغر المخوفِ من الرَّدى |
ويعتاضُ من أرض العدوِّ به الثَّغرُ |
بِأُحْـدٍ وبَـدرٍ حيـنَ مَاجَ بِرِجلِهِ |
وفرسـانِه أُحـدٌ وماجَ بهـم بَدرُ |
ويـوم حُنَيـنٍ والنَّضـيرُ وخَيْبَرٍ |
وبالخَنْـدق الثَّاوي بِعقْوَتـه عَمرُو |
سَما للمنايا الحُمْر حتى تَكشَّـفَتْ |
وأسيافِهِ حُمْـرٌ وأرماحُـهُ حُمـرُ |
مشاهدُ كان الله كَاشِـفُ كَربِهـا |
وفارِجُـه والأمـر مُلتبـسٌ أمـرُ |
ويوم الغدير استوضَحَ الحقُّ أهلُهُ |
بِضُـحْياً لا فيها حِجابُ ولا سِـترُ |
أقام رسـولُ الله يدعوهُـم بِهـا |
لِيُقِرَّ بِهِـم عُرفٌ ويَنْهاهُـمُ نُكـرُ |
يَمـدُّ بِضِــبعَيه ويعلـم أنَّـه |
وليٌّ ومولاكُـم فهل لكُـم خَبـرُ |
يَرُوح ويغدُو بالبيـان لِمَعشـرٍ |
يروح بهم غَمـرٌ ويغدُو بهـم مرُّ |
فكان لهم جَهـرٌ بإثبـات حَقِّـه |
وكان لهم في بَزِّهم حَقِّـه جَهـرُ |
إثمٌ جعلتم حَظَّـه حَـدَّ مرهَـفٍ |
من البيضِ يوماً حَظَّ صاحِبُه القَبرُ |
بِكَفِّـي شـقيٌّ وجَّهَتْـهُ ذُنوبُـه |
إلى مَرتَعٍ يَرعى بِه الغيَّ والوِزْرُ |
الشاعر أبو محمد العوني، ينظم في مناقب الإمام علي ( عليه السلام )