• عدد المراجعات :
  • 6259
  • 7/11/2007
  • تاريخ :

الحكمة من تأخير إجابة الدعاء

الدعاء

قال الله تعالى: (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم..) غافر/ 60.

وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان).

فان الله تبارك وتعالى كتب على نفسه أن يجيب دعوة عباده إذا دعوه وهو القائل: (ومَن أصدق من الله قيلا) النساء/ 121.

فبناءً على هذا، فان مقتضى الآية الشريفة تكون الإجابة محققة للداعي عندما يدعو الله تعالى. إذن ما الحكمة من تأخير إجابة الدعاء لبعض الداعين؟

نقول: إن الحكمة من تأخير الإجابة هو أن الأمور بيد الله تعالى أولاً وهو أعلم بمصالح عباده ثانياً. وهي منوطة بالحكمة البالغة والعلم الأزلي وذلك لأن الإجابة دعاء الداعين لابد أن تكون على طبق الحكمة البالغة والعناية التامة لا على طبق مشتهيات الداعين والسائلين، قال تعالى: (وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة/ 216.

فإن الانسان كثيراً ما يهتم بتحقيق إجابة دعائه وإذا لم يتحقق يتألم لذلك لجهله بالمصلحة، فربما يتمنى أن يتحقق له ما يريد وهو ضار له أو يتمنى أن لا يتحقق له شيء وهو نافع له.

فإن التسرع في إجابة الدعاء وقضاء الحوائج بلا تأمل في اللوازم والملزومات والآثار نقص في الحكمة وهو محال بالنسبة إليه تعالى (مواهب الرحمن، ج3، ص77).

إذن، فعلى العبد أن لا يترك الدعاء مع الله ويلتزم به ويفوض الأمر إليه لأنه العالم بالمصلحة وليعلم الداعي أن قانون العلة والمعلول في الأشياء حق لاريب فيه وأنه (أبى الله إلا أن يجري الأمور بأسبابها) والدعاء داخل تحت هذا القانون وهو من طرق العلية للأشياء والتقريب بين الأسباب والمسببات فإن لم يدركه الانسان ظاهراً، ولكنها من الحقائق الملموسة لدى الإحساس الانساني الذي يدركه العقل الفطري.

ففي نهج البلاغة عن الإمام علي (ع): "وربما أخرجت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً أو صرف عنك لما هو خير لك فلربما أمر طلبت فيه هلاك دينك لو أتيته، فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله أو ينفي عنك وباله والمال لا يبقى لك ولا تبقى له" (مواهب الرحمن، ج3، ص76).

وعن أبي عدبالله الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص): قال الله عزوجل: "مَن سألني وهو يعلم أن يأضر وأنفع استجبت له" (مواهب الرحمن، ج3، ص76).

ومن مقتضيات الحكمة في استجابة الدعاء أن يكون مشروطاً بالعمل، فان محض التوكل على الدعاء وترك الأمر على النواميس الطبيعية مما لا يقره الاسلام ويشن عليه حملة شعواء لأن فيه تواكلاً وتركاً للعمل وهذا مما يؤدي إلى شل حركة المجتمعات وتجميد الأفكار وتعطيل الطاقات والاسلام أمر بخلاف هذا، قال الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) التوبة/ 105.

وقال تعالى: (إنا لا نضيع أجر مَن أحسن عملاً) الكهف/ 30.

وقال تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى) النجم/ 40.

"والدعاء لا يتنافى مع قانون العلية والمعلولية أو سائر نواميس الطبيعة، بل إنه يكون سبباً لتحقق المسبب المستند إلى سببه الخاص" (مواهب الرحمن، ج5، ص72).

ومن علل تأخير إجابة الدعاء للانسان الداعي إلى الله تعالى ربما إدخار الإجابة إلى مواقف الآخرة أولى من تحقيقها له في دار الدنيا. أو ربما يكون صوت الداعي محبوباً إلى الله تعالى فيحب أن يسمع صوته بصورة متكررة، فقد ورد عن أبي عبدالله الصادق (ع): "إن المؤمن ليدعو الله في حاجة فيقول الله أخروا حاجته شوقاً إلى صوته وسماعه، فإذا كان يوم القيامة يقول الله عبد دعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا قال فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا لما يرى من حسن الثواب" (لآلئ الأخبار، ج4، ص98 – 99).

وفي حديث آخر أن أبا جعفر (ع) كان يقول: "إن المؤمن ليسأل الله فيؤخر عنه تعجيل إجابته حباً لصوته واستماع نحيبه. ثم قال: والله ما أخر الله عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم مما عجل لهم فيها وأي شيء الدنيا" (المصدر السابق).

وقال الصادق (ع) في حديث: ان رجلاً قال لابراهيم الخليل (ع): إن لي دعوة منذ ثلاث سنين ما أجبت فيها بشيء، فقال له ابراهيم: والله إذا أحب عبد احتبس دعوته ليناجيه ويسأله ويطلب إليه وغذا أبغض عبداً عجل دعوته أو ألقى في قلبه اليأس منها.

وفي بعض الروايات ان رسول الله قال: "إن العبد ليدعو الله وهو يحبه، فيقول لجبرائيل (ع): "إقض لعبدي هذا حاجته وأخرها فإني أحب لا أزال أسمع صوته" (لآلئ الأخبار، ج4، ص100).

يستفاد من خلال هذه الأحاديث وأمثالها أن تأخير إجابة الدعاء ربما تكون من سعادة الرجل وسرعتها من شقاوته أو من عدم المصلحة إليه فعلى مَن يرى آثار إجابة دعائه أن لا يغتر بنفسه ويأخذه العجب ويظن ذلك من صلاحه وسعادته وعلو منزلته عند الله وطهارة نفسه لاحتمال أن تكون سرعة الإجابة لمبغوضية صوته عند الله تعالى.

فقد سئل الإمام الصادق (ع): ما لنا ندعو ولا يستجيب لن؟ فقال (ع): "لأنكم تدعون مَن لا تعرفونه وتسألون مَن لا تفهمونه فالاضطرار عين الدين وكثرة الدعاء مع العمى عن الله من علامة الخذلان لأن مَن لم يعرف ذلة نفسه وقلبه وسره تحت قدرة الله حكم على الله بالسؤال وظن أن سؤاله دعاء والحكم على الله من الجرأة على الله تعالى" (جامع السعادات، ج3، ص367).

فلابد للانسان أن ينظر مَن يدعو وكيف يدعو ولماذا يدعو؟ وأن يسلم الأمور كلها في ظاهرها وباطنها إلى الله فإنهي علم السر والخفاء والعمدة في الدعاء الإخلاص واان الإجابة منه تعالى تفضل ومنة على عباده وأن يعرف الداعي طرق نجاته وهلاكه لكي لا يدعو بشيء فيه هلاكه ويظن فيه نجاته، قال تعالى: (ويدعو الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا) الإسراء/ 11.

وفي الحديث: "مَن أراد أن يُستجاب دعاؤه فليطب مطعمه ومكسبه وان المأكل الطاهر له أثره الفعال في توجه النفس".

وفي حديث آخر: "ترك لقمة الحرام أحب إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوعاً ورد دانق حرام يعدل عند الله سبعين حجة مبرورة".

فإن الأعمال الصالحة لها الأثر الكلي في اتجاه الانسان نحو الله تعالى وإجابة دعائه.

الشيخ مجيد الصايغ

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)