• عدد المراجعات :
  • 4242
  • 6/19/2007
  • تاريخ :

المساجد..  محور المعالم الايرانية

المسجد

المساجد و المواقع‌ الدينية‌ واحدة‌ من‌ أهم‌ محاور الزيارة‌ و السياحة‌ في‌ أرض‌ ايران‌ الاسلامية‌ الكبيرة. و هي‌ محاور يبدي‌ السياح‌ الايرانيون‌ و الأجانب‌ اهتماماً استثنائياً بها لاسيما المساجد التاريخية‌ منها حيث‌ تتوافد سنوياً أعداد كبيرة‌ من‌ خارج‌ ايران‌ لزيارة‌ المواقع‌ الدينية‌ و الاطلاع‌ على‌ المساجد القديمة‌ المهمة‌ و التعرف‌ على‌ التاريخ‌ الايراني‌ العريق‌ والأبنية ‌المتبقية‌ عن‌ العصور الخالية‌.

و تعد الأنسجة‌ المعمارية‌ القديمة‌ في‌ ايران‌ و العناصر الفنية‌ و التراثية‌ التي‌ تشكلها، كنوزاً ثقافية‌ قيمة‌ تعكس‌ حركة‌ التاريخ‌ و تحولات‌ الحياة‌ الاجتماعية‌. و بدراسة‌ هذه‌ الخصائص‌ و الآثار و التدقيق‌ في‌ مكوناتها، يتمكن‌ السياح‌ من‌ الوقوف‌ على‌ جوانب‌ و أبعاد غير مدونة‌ من‌ التاريخ‌ الايراني‌ و الثقافة‌ التراثية‌ لهذه‌ البلاد. و تتكرس‌ هذه‌ الحالة‌ أكثر حينما يكون‌ الأمر متعلقاً بالمساجد، سواء المساجد الجامعة‌ أو المساجد المحلية‌ أو المساجد التراثية‌ وسط‌ الأسواق‌ و المراكز الحكومية‌ القديمة‌. فالتمعن‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الآثار و بشكل‌ مباشر يعد من‌ أفضل‌ المصادر العلمية، لأنه‌ بلا شك‌ يتضمن‌ معلومات‌ اضافية‌ لاتوجد في‌ كتاب‌ أو مصدر مكتوب‌.

ان‌ نظرة‌ عميقة‌ لحركة‌ التحولات‌ التي‌ طرأت‌ على المساجد في‌ المدن‌ الاسلامية‌ عموماً، و المدن‌ الايرانية‌ بوجه‌ خاص‌، تكشف‌ عن‌ الأهمية‌ البالغة‌ التي‌ تحتلها هذه‌ المعالم‌ الدينية، و امكانية‌ توظيفها بشكل‌ أفضل‌ في‌ المجال‌ السياحي‌ فكما تشكل‌ المعابد التجسيم‌ الخارجي‌ للأديان، تمثل‌ المساجد الرمز الظاهري‌ للدين‌ الاسلامي‌.

كان‌ المسجد من‌ أول‌ هدايا الديانة‌ الاسلامية‌ الحنيفة، و كان‌ مسجد قبا أول‌ مسجد في‌ الاسلام‌ أقيم‌ في‌ المدينة‌ المنورة‌، ثم‌ بني‌ مسجد النبي(ص‌) الذي‌ ربما أمكن‌ اعتباره‌ أهم‌ وأشهر المساجد في‌ العالم. بعد ذلك‌ أصبح‌ بناء المساجد في‌ أي‌ بقعة‌ من‌ الأرض‌ عملاً عبادياً عظيماً و متناسباً تناسباً طردياً مع‌ التنمية‌ و الروح‌ الاسلامية‌ في‌ تلك‌ البقعة. و قد ظهرت‌ المساجد في‌ مختلف‌ أنحاء العالم، و في‌ العالم‌ الاسلامي‌ على‌ وجه‌ الخصوص، و أخذت‌ أشكالاً و أنماطاً معمارية‌ متنوعة‌.

و كان‌ من‌ أهم‌ الحقوق‌ التي‌ يجب‌ أن‌ يتمتع‌ بها أهالي‌ المدن‌ في‌ العهود الماضية‌ ، وجود مسجد جامع‌ في‌ مدينتهم‌ و من‌ وجهة‌ النظر الفقهية، لا تعتبر منطقة‌ التجمع‌ البشرية‌ مدينة‌ إلا اذا استحقت‌ انشاء مسجد جامع‌ فيها، و يأتي‌ هذا الاستحقاق‌ نظراً لعدد السكان‌ و المؤسسات‌ الاجتماعية‌ و الدينية‌ هناك‌.

و رغم‌ ان‌ هجوم‌ المغول‌ وجّه‌ ضربة‌ شديدة‌ لمجمل‌ الحضارة‌ الاسلامية‌ و المدن‌ الاسلامية، بما في‌ ذلك‌ المساجد، اذ تم‌ تهديم‌ بعضها بالكامل‌ بحيث‌ لم‌ يبق‌ منها أية‌ آثار، و حتى ذكر المؤرخ‌ المعروف‌ ويل‌ ديورانت‌ ان‌ 300 مسجداً و الكثير من‌ معامل‌ الفخار في‌ مدينة‌ "ري‌" هدمت‌ أثناء هجوم‌ المغول. ولكن‌ بعد فترة‌ الركود المعماري‌ هذه، استؤنفت‌ عمليات‌ بناء المساجد العظيمة‌ في‌ ايران‌ على‌ قدم‌ و ساق. و من‌ بين‌ ما بني‌ بعد تلك‌ الحقبة‌ يمكن‌ الاشارة‌ الى‌ مسجد علي‌ شاه‌ أو "أرك‌ تبريز" (المركز الحكومي‌ في‌ تبريز).

والمسجد الجامع‌ في‌ ورامين، و مسجد كوهرشاد. و تعد القرون‌ العشار و الحادي‌ عشر و الثاني‌ عشر الهجرية‌ العصر الذهبي‌ للأبنية‌ العظيمة‌ ذات‌ الخصوصية‌ الاسلامية، ولا سيما المساجد، في‌ الشريط‌ الجغرافي‌ المتمثل‌ بالاناضول‌ و الهضبة‌ الايرانية‌ و شبه‌ القارة‌ الهندية‌، وهي‌ الأراضي‌ التي‌ خضعت‌ في‌ تلك‌ الفترة‌ لحكومة‌ الصفويين‌ و العثمانيين‌. و قد ازدادت‌ آنذاك‌ مدن‌ مشهد و اصفهان‌ و قزوين‌ و أردبيل‌ بمساجدها الشامخة‌.

المسجد

و مع‌ ان‌ المحاريب‌ و المنابر و القباب‌ و المنائر هي‌ أول‌ ما يلفت‌ انتباه‌ السياح‌؛ لكنهم‌ سرعان‌ ما يلتفتون‌ الى‌ تفاصيل‌ معمارية‌ وفنية‌ اخرى‌ لا تقل‌ أهمية‌ عن‌ المعالم‌ البارزة‌ التي‌ تشكل‌ الهيكل‌ العالم‌ للمسجد، فمن‌ أروع‌ ما في‌ المساجد الايرانية‌ الزخارف‌ الدقيقة‌ التي‌ تركها المعماريون‌ شاهداً على‌ نبوغهم‌ و اذواقهم‌ الرفيعة. وقد كان‌ للطابع‌ الاسلامي‌ دوره‌ في‌ تكريس‌ هذه‌ الجماليات‌، اذ كان‌ من‌ الضروري‌ تزيين‌ المساجد بأسماء و صفات‌ الباري‌ عزوجل‌ والنبي(ص‌) و الأئمة‌(ع‌)  والآيات‌  القرآنية‌ الكريمة‌. و هذا ما شكل‌ مناسبة‌ مؤاتية‌ جداً لأنواع‌ التفنن‌ و الابداع‌ في‌ الزخرفة‌ لاخراج‌ كل‌ الكتابات‌ و الألواح‌ بأبهى‌ وأجمل‌ صورة‌ ممكنة‌ و قد كان‌ الكاشي‌ المرصوف‌ الأرضية‌ الأصلية‌ التي‌ احتضنت‌ النسبة‌ الأكبر من‌ فنون‌ الخط‌ و الزخرفة‌ الاسلامية‌ في‌ المساجد، فضلاً عن‌ فنون‌ التزجيج‌ و التجصيص‌ التي‌ امتازت‌ بها المساجد الايرانية‌.

خلافاً للمعابد في‌ الديانات‌ الأخرى‌، ليس‌ من‌ الدارج‌ تزيين‌ المساجد بالتماثيل‌ و الصور و المصوغات‌ الثقيلة‌ و الذهبية‌ و الفضية‌، و رصفها بالمجوهرات‌ و الاحجار الكريمة‌. و قد استعاض‌ المسلمون‌ عن‌ ذلك‌ بأنواع‌ خاصة‌ من‌ الزخرفة‌ تنهض‌ من‌ اعماق‌ الروح‌ الاسلامية‌.

و بعبارة‌ أخرى‌ فان‌ فخامة‌ المساجد باعتبارها وليدة‌ نظرة‌ كونية‌ سامية‌، تتمثل‌ في‌ خطوطها المزينة‌ و مآذنها الشامخة‌ أبداً نحو السماء و دقائقها الفنية‌ و المعمارية‌. و هذه‌ الخصائص‌ تترسخ‌ أكثر في‌ المساجد الايرانية‌، و يتجلى‌ اللون‌ الشذري‌ السماوي‌ كرمز لهذه‌ الأبنية‌ المباركة‌، يذكر بلون‌ السماء، مصدر الدين‌ الحنيف‌ الذي‌ انبثق‌ عنه‌ المسجد.

والواقع‌ ان‌ المساجد في‌ ايران‌ مجمع‌ عظيم‌ لأنواع‌ الفنون‌ الجميلة‌ كالعمارة‌ و الرسم‌ و الخط‌ و التجصيص‌ و الصناعات‌ اليدوية‌  التخريم‌ و الحفر على‌ الخشب‌ و حياكة‌ السجاد والتطريز و.. الخ‌ و التي‌ تتلاقي‌ جميعها لتكون‌ ضمن‌ أجواء روحية‌ سامية‌ لوحة‌ باهرة‌ متعددة‌ الأبعاد.

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)