• عدد المراجعات :
  • 6051
  • 6/11/2007
  • تاريخ :

اللغة‌ والخط‌ الإيراني‌ قبل‌ الاسلام‌

الأدب‌ الفارسي‌

        ان‌ تاريخ‌ الأدب‌ الفارسي‌ يتجسد في‌ اللغة‌ الفارسية‌ و الخط‌ الفارسي‌، اذ لابد أن‌ نتعرف‌ على نشأة‌ و فترة‌ و لادتهما و كيف‌ تطورت‌ و نمت‌ و اكتملت‌ هذه‌ اللغة‌ و انسابت‌ في‌ لجج‌ بحور الأدب‌ العالمي‌.

            و كما نعلم‌ فان‌ الانسان‌ في‌ نشأته‌ الأولى‌ لم‌ يكن‌ يعرف‌ الكتابة،‌ فكان‌ يعبر عن‌ ما يرغب‌ بيانه‌ عن‌ طريق‌ الكلام‌ و التكلم‌ و ذلك‌ بشكل‌ محدود بهدف‌ تأمين‌ احتياجاته‌ اليومية‌ آنذاك‌.

            ان‌ تاريخ‌ ظهور الخط‌ يعتبر غامضا لحد الآن‌ حيث‌ يمكن‌ الاشارة‌ هنا الى‌ أن‌ أولى‌ الكتابات‌ التي‌ قام‌ بها الانسان‌ في‌ عهوده‌ الأولى‌ كانت‌ بدائية‌ و بسيطة‌ جدا بحيث‌ كان‌ يرسم‌ و يصور ما يريد ان‌ يعبر عنه‌ و يفهم‌ الآخرين‌. فهذا النوع‌ من‌ الكتابة‌ كان‌ يسمى‌ (الخط‌ التصويري‌) او الهيلوغريفي،‌ اذ تجده‌ عند بعض‌ القبائل‌.

           ان‌ هذا الخط‌ التصويري‌ اخذ يتكامل‌ بمرور الزمن‌ فتحول‌ من‌ رسم‌ الاشارات‌ و العلامات‌ الي‌ المرحلة‌ الألفبائية‌.

           ان‌ هذا الخط‌ الألفبائي ‌ظهر لأول‌ مرة‌ بين‌ الفينيقين‌ أي‌ بين‌ الاقوام‌ التي‌ كانت‌ تقطن‌ أرض‌ فينيقية‌ (أي‌ لبنان‌ الحالية‌ والاراضي‌ المحيطة‌ بها) قبل‌ حوالي‌ ثلاثة‌ آلاف‌ سنة‌ قبل‌ الميلاد.

           و انتشر هذا الخط‌ في‌ سائر المناطق‌ و بما أن‌ حروف‌ الالفباء كانت‌ محدودة‌ ولا تتعدى‌ حداً معيناً، فقد كانت‌ تستخدم‌ للتعبير عن‌ المفاهيم‌ عند تركيبها و تكوين‌ الكلمات‌ حيث‌ كانت‌ كل‌ كلمة‌ تعوض‌ آلاف‌ الصور و العلامات‌.

            و قام‌ الايرانيون‌ باقتباس‌ العلامات‌ المسمارية‌ البابلية‌ و ذلك‌ خلال‌ مئات‌ السنين‌ قبل‌ الميلاد أي‌ في‌ عهد الامبراطورية‌ (المادية‌). وان‌ سبب‌ تسميته‌ بالمسمارية‌ يعود الى‌ استخدام‌ القضبان‌ الحديدية‌ الصغيرة‌ او الخشبية‌ التي‌ تشبه‌ المسامير عند الكتابة‌، اذ كانوا يكتبون‌ على‌ لوحات‌ طينية‌ فسميت‌ بالخط‌ الهجائي‌ و الذي‌ يحتوي‌ على‌ 36 حرفاً هجائيا كانت‌ تكتب‌ من‌ اليسار الى‌ اليمين‌. هذا و ان‌ كل‌ الكتابات‌ الحجرية‌ المتبقية‌ من‌ العصر الاخميني‌ كانت‌ مدونة‌ بهذا الخط‌.

            أما الخط‌ (الاوستائي‌) فكان‌ في‌ الأصل‌ منحدراً من‌ الخطوط‌ السامية‌ حيث‌ كانوا يكتبون‌ به‌ حتى‌ العصر الساساني‌ النصوص‌ الدينية‌ الخاصة‌ بالدين‌ الزرادشتي‌ و بالأخص‌ الكتاب‌ المقدس‌ للايرانيين‌ القدامى‌ (أوستا). فكان‌ الخط‌ الأوستايي‌ كأغلب‌ الخطوط‌ السامية‌ يكتب‌ من‌ اليمين‌ الى اليسار و عدد حروفه‌ 44 حرفاً و بما ان‌ حركات‌ الكلمات‌ كانت‌ داخل‌ الخط‌ و لها علامات‌ منفصلة‌، لذا فان‌ قراءتها و كتابتها كانت‌ سهلة‌ و بسيطة‌ جداً.

           لقد ظهر زرادشت‌ خلال‌ القرنين‌ السادس‌ و السابع‌ قبل‌ الميلاد مع‌ كتابه‌ الديني‌ (أوستا) الذي‌ قضي‌ عليه‌ الاسكندر المقدوني‌ عند غزوة‌ بلاد فارس‌. و نسخة‌ أوستا التي‌ بين‌ أيدينا الآن‌ تتألف‌ من‌ خمسة‌ كتب‌ بالخط‌ المسماري‌:

                    1ـ كتاب‌ يسنا

                    2ـ كتاب‌ يشتها

                    3ـ كتاب‌ ويسبرد

                    4ـ كتاب‌ و نديداد

                    5ـ كتاب‌ خرده‌ اوستا

           و هذا الكتب‌ الخمسة‌ تحتوي‌ على‌ الأدعية‌ و التضرعات‌ لإله‌ الزرادشتيين‌ الكبير.

           أما الخط‌ (البهلوي‌)، فكان‌ يستعمل‌ خلال‌ العصرين‌ الحثي‌ و الساساني‌ و خلال‌ عدة‌ قرون‌ بعد ظهور الاسلام‌ في‌ المناطق‌ الشرقية‌ لايران‌ و ذلك‌ لتدوين‌ الكتب‌ الفكرية ‌ الفلسفية‌ التي‌ كانت‌ تعود الى‌ الأديان‌ المتواجدة‌ قبل‌ الاسلام‌.

           و يذكر ان‌ معظم‌ الأدب‌ الفارسي‌ المتوسط‌ كان‌ قد كتب‌ بالخط‌ البهلوي‌ الذي‌ كان‌ يتكون‌ من‌ 22 حرفاً هجائياً و يكتب‌ من‌ اليمين‌ الى‌ اليسار.

           أما لغة‌ ايران‌ قبل‌ الاسلام،‌ فقد كانت‌ تدعى‌ اللغة‌ (الفارسية‌) أو (البارسية‌) و هي‌ أصل‌ و أم‌ لغة‌ ايران‌ الحالية‌ و هي‌ من‌ فروع‌ اللغات‌ الهندوـأروبية. و اللغة‌ الفارسية‌ من‌ البدء لحد الآن‌ اجتازت‌ ثلاث‌ مراحل‌ منفصلة‌:

أولاً: الفارسية‌ القديمة‌ حيث‌ شاعت‌ في‌ العصر الاخميني‌ و هي‌ كانت‌ تكتب‌ و تدون‌ بالخط‌ المسماري‌ حيث‌ نجد هذه‌ اللغة‌ في‌ الآثار التاريخية‌ العريقة‌ بشكل‌ لوحات‌ حجرية‌ في‌ الآثار الاخمينية‌ الواقعة‌ في‌ (بيستون‌) في‌ محافظة‌ كرمانشاه‌ و ألوند في‌ همدان‌ و استخر في‌ فارس‌ و شوش‌ في‌ خوزستان‌ و كذلك‌ في‌ مصر.

           ثانياً: الفارسية‌ الوسطى‌ (البهلوية‌) التي‌ تنقسم‌ الى‌ مجموعتين‌ رئيسيتين‌ شرقية‌ و غربية‌ و هاتان‌ تنقسمان‌ الى‌ فرعين‌ شمالي‌ و جنوبي‌. الفرع‌ الشمالي‌ للمجموعة‌ الغربية‌ يسمى‌ (بهلوانيك‌) والفرع‌ الجنوبي‌ كان‌ يسمى‌ (البارسية‌ الوسطى).

           ان‌ آثار الفرع‌ الشمالي‌ للغة‌ الفارسية‌ المسماة‌ (بهوانيك‌) أو (بارتي‌ ) نادرة‌ إلا أن‌ الفرع‌ الجنوبي‌ للغة‌ الفارسية‌ المسماة‌ (بارسي‌ ميانه‌) أي‌ الفارسية‌ الوسطى،‌ فقد عثر الكثير على‌ كتابات‌ و مدونات‌ حولها حيث‌ ان‌ بعضها كتبت‌ في‌ أوائل‌ ظهور الاسلام‌.

            ان‌ آثار اللغة‌ الفارسية‌ الوسطى‌ التي‌ عثر عليها تنقسم‌ الى‌ قسمين‌:

           المخطوطات‌ المنقوشة‌ التي‌ تنقسم‌ الى‌ نقوش‌ مكتوبة‌ و أحجار و صخور مكتوبة‌ حيث‌ الاولى‌ وجدت‌ على‌ الخواتم‌ و الأواني‌ و النقود وهي‌ تعود الى‌ العصر الساساني‌ و اغلبها موجود في‌ متاحف‌ روسيا و يبلغ‌ عددها 12000 قطعة‌ تقريبا.

           أما الثانية‌، فوجدت‌ عليى الصخور و الأحجار منذ العصر الساساني‌ و تعتبر كوثاتق‌ تاريخية‌ و لغوية‌ قيمة‌ و تعود الى‌ المائة‌ الثالثة‌ للميلاد و قد كتبت‌ باللغات‌ الفارسية‌ الوسطى‌ و الفارسية‌ المسماة‌ بهوانيك‌ و اليونانية‌ أيضاً. فهناك‌ على‌ سبيل‌ المثال‌ لوحات‌ حجرية‌ لملوك‌ و شخصيات‌ مثل‌ الملك‌ أردشير الأول‌ و القائد رستم‌ و معبد زرادشت‌ و تخت‌ جمشيد و طاق‌ بستان‌ و شابور الأول‌ و بهرام‌ الأول‌ و بهرام‌ الثاني‌ و شابور الثاني‌ و شابور الثالث‌، حيث‌ تقع‌ بعضها في‌ مدينتي‌ شيراز و كرمانشاه‌ و كردستان‌ العراق‌ و منطقة‌ القفقاز.

          2ـ المخطوطات‌ المكتوبة‌ على‌ الجلود و التي‌ كتبت‌ باللغة‌ الفارسية‌ الوسطى‌ بالخط‌ البهلوي‌ و تعود الى‌ القرن‌ الثامن‌ الميلادي‌ حيث‌ عثر عليها في‌ منطقة‌ الفيوم‌ في‌ مصر و على‌ سواحل‌ نهر الفرات‌.

            و هناك‌ الكتب‌ و الرسائل‌ حيث‌ وجدت‌ باللغة‌ الفارسية‌ الوسطى‌ و نصوصها بلغة‌ (بازندي‌) أي‌ بالخط‌ الاوستائي‌.

           و كانت‌ الكتب‌ و الرسائل‌ تحتوي‌ على‌ مواضيع‌ مختلفة‌ منها العادات‌ و التقاليد و التاريخ‌ و الأدب‌ و خلق‌ الكون‌ و يوم‌ القيامية‌ و الفلسفة‌ و القانون‌ و الأخلاق‌ و التعليم‌ و النصائح‌ و الأمثال‌ و التعاليم‌ و الطقوس‌ الدينية‌ و الفنون‌ و الجغرافيا.

                    اللغة‌ الفارسية‌ الحديثة‌: لقد تحولت‌ و تطورت‌ اللغة‌ الفارسية‌ باعتناق‌ الايرانيين‌ الدين‌ الاسلامي‌ الحنيف‌، اذ أثرت‌ اللغة‌ العربية‌ لغة‌ القرآن‌ الكريم‌ في‌ اللغة‌ الفارسية‌ حيث‌ تم‌ استعمال‌ الخط‌ العربي‌ و بدأت‌ تسمى‌ الفارسية‌ بالفارسية‌ الحديثة‌ أو اللغة‌ (الدرية‌).

            و كما قال‌ الأستاذ مرتضى مطهري،‌ فان‌ الاسلام‌ قدّم‌ خدمات‌ كبيرة‌ الى‌ ايران‌ و ان‌ ايران‌ أيضاً قدّمت‌ خدمات‌ كبيرة‌ الى‌ الاسلام‌.

           فالاسلام‌ حرر الايرانين‌ من‌ قيود الحكومات‌ المستبدة‌ كالدولة‌ الساسانية‌ و رجال‌ الدين‌ الزرادشتين‌ المتغطرسين‌ و نادى‌ الاسلام‌ بالاخوة‌ و المساواة‌ و ازالة‌ الامتيازات‌ المادية‌ و التمايز الطبقي‌.

            و لقد تفتحت‌ العبقرية‌ الايرانية‌ خلال‌ العصر الاسلامي‌ في‌ ميادين‌ شتى‌ كالعلم‌ و الأدب‌ و اللغة‌ و الرياضيات‌ و الفلسفة‌ و الطب‌ و الفلك‌ و العلوم‌ الدينية‌ حيث‌ كان‌ الايرانيون‌ يحملون‌ راية‌ العلوم‌ و الحضارة‌ بينما كانت‌ أوروبا تغط‌ في‌ ظلمات‌ القرون‌ الوسطى.

            و تجاه‌ النفوذ و الآثار العلمية‌ و الاجتماعية‌ و الثقافية‌ الايرانية‌ في‌ المجتمع‌ العربي،‌ فانه‌ لابد من‌ الحديث‌ عن‌ نفوذ اللغة‌ العربية‌ لغة‌ الدين‌ الاسلامي‌ في‌ المجتمع‌ الايراني‌ حيث‌ قام‌ العلماء الايرانيون‌ بالابتعاد عن‌ الكتابة‌ باللغة‌ الفارسية‌ البهلوية‌ التي‌ لم‌ تكن‌ تخلو من‌ صعوبات‌ و بدأوا باستعمال‌ اللغة‌ العربية‌ لغة‌ القرآن‌ الغنية‌ بمفاهيمها الدينية‌ و العلمية‌ و اعتبروها هبة‌ إلهية.

          وهكذا فقد قاموا بتطعيمها بلغتهم‌ و أنتجوا باللغة‌ هذه‌ و كتبوا و دونوا بها الكثير في‌ المجالات‌ المختلفة‌ مع‌ الحفاظ‌ على‌ اللغة‌ الفارسية‌ و الثقافة‌ الفارسية‌ و الاحتفاظ‌ بالهوية‌ الاسلامية‌ و الهوية‌ الايرانية‌ المستقلة‌. وهناك‌ الكثير الكثير من‌ الايرانيين‌ ممن‌ أبدعوا و برعوا و كتبوا باللغة‌ العربية‌ علماً و شعراً و نثراً.

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)