عدم رضاء الأشتر بما في الوثيقة - موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ - جلد 6

محمد محمدی ری شهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الكتاب في صفر والأجل رمضان إلى ثمانية أشهر، إلى أن يلتقي الحكمان. ثمّ إنّ الناس دفنوا قتلاهم، وأمر عليّ الأعور فنادى في الناس بالرحيل.


[ تاريخ الطبري: 59:5، أنساب الأشراف: 111:3 وفيه إلى 'قتلاهم'.]




2599- تاريخ الطبري عن أبي جعفر: كتب كتاب القضيّة بين عليّ ومعاوية يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين من الهجرة على أن يوافي عليّ ومعاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في شهر رمضان.


[ تاريخ الطبري: 56:5، الكامل في التاريخ: 389:2، البداية والنهاية: 277:7 وراجع وقعة صفّين: 507 و ص 511.]




عدم رضاء الأشتر بما في الوثيقة



2600- تاريخ الطبري عن عُمارة بن ربيعة الجرمي: لمّا كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر فقال: لا صحبتني يميني ولا نفعتني بعدها شمالي إن خُطّ لي في هذه الصحيفة اسم على صلح ولا موادعة، أوَلستُ على بينة من ربّي ومن ضلال عدوي؟ أولستم قد رأيتم الظفر لو لم تُجمعوا على الجور؟


فقال له الأشعث بن قيس: إنّك واللَّه، ما رأيت ظفراً ولا جوراً، هلمّ إلينا فإنّه لا رغبة بك عنّا.


فقال: بلى واللَّه، لرغبة بي عنك في الدنيا للدنيا والآخرة للآخرة، ولقد سفك اللَّه عزّ وجلّ بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خير منهم ولا أحرم دماً.


قال عمارة: فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قُصع على أنفه الحمم- يعني الأشعث- .


[ تاريخ الطبري: 54:5، الكامل في التاريخ: 389:2؛ وقعة صفّين: 511 نحوه.]




2601- تاريخ الطبري عن فضيل بن خديج الكندي: قيل لعليّ بعدما كتبت الصحيفة: إنّ الأشتر لا يُقرّ بما في الصحيفة، ولا يرى إلّا قتال القوم.


قال عليّ: وأنا واللَّه، ما رضيتُ ولا أحببتُ أن ترضوا، فإذ أبيتم إلّا أن ترضوا فقد رضيتُ، فإذ رضيتُ فلا يصلح الرجوع بعد الرضا، ولا التبديل بعد الإقرار، إلّا أن يُعصى اللَّه عزّ وجلّ ويُتعدّى كتابه، فقاتلوا من ترك أمر اللَّه عزّ وجلّ.


وأمّا الذي ذكرتم من تركه أمري وما أنا عليه فليس من اُولئك، ولستُ أخافه على ذلك، ياليتَ فيكم مثله اثنين! ياليتَ فيكم مثله واحداً! يرى في عدوّي ما أرى؛ إذاً لخفّت عليَّ مؤونتكم ورجوتُ أن يستقيم لي بعض أودكم، وقد نهيتكم عمّا أتيتم فعصيتموني، وكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن:




  • وهل أنا إلّا من غَزيّة إن غوت
    غويتُ وإن تَرشُد غَزيّة أرشُد



  • غويتُ وإن تَرشُد غَزيّة أرشُد
    غويتُ وإن تَرشُد غَزيّة أرشُد



[ تاريخ الطبري: 59:5، الكامل في التاريخ: 389:2؛ الإرشاد: 269:1 وفيه من 'واللَّه...'، وقعة صفّين: 521 كلاهما نحوه.]




اختلاف الكلمة في أصحاب الإمام



2602- تاريخ الطبري عن أبي جناب: خرج الأشعث بذلك الكتاب يقرؤه على الناس، ويعرضه عليهم فيقرؤنه حتى مرّ به على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أديّة وهو أخو أبي بلال فقرأه عليهم فقال عروة بن أديّة: تُحكمون في أمر اللَّه عزّ وجلّ الرجال؟! لا حكم إلّا للَّه، ثمّ شد بسيفه فضرب به عجز دابته ضربة خفيفة واندفعت الدابة، وصاح به أصحابه أن أملك يدك فرجع، فغضب للأشعث قومه وناس كثير من أهل اليمن فمشى الأحنف بن قيس


السعدي ومعقل بن قيس الرياحي ومسعر بن فدكي وناس كثير من بني تميم فتنصلوا


[ تَنَصّل إليه من الجناية: خرج وتبرّأ"لسان العرب: 664:11".]


إليه واعتذروا فقبل وصفح.


[ تاريخ الطبري: 55:5، الكامل في التاريخ: 389:2؛ وقعة صفّين: 513 نحوه وراجع الأخبار الطوال: 197.]




2603- الكامل للمبرّد عن أبي العبّاس: أما أوّل سيف سُلّ من سيوف الخوارج فسيف عروة بن اُديّة، وذلك أنّه أقبل على الأشعث فقال: ما هذه الدنيئة يا أشعث؟ وما هذا التحكيم؟ أشرط أوثق من شرط اللَّه عزّ وجلّ؟! ثمّ شهر عليه السيف والأشعث مولّ، فضرب به عجز البغلة، فشبّت البغلة فنفرت اليمانية، وكانوا جُلّ أصحاب عليّ صلوات اللَّه عليه.


فلمّا رأى ذلك الأحنف قصد هو وجارية بن قدامة، ومسعود بن فدكي بن أعبد، وشبث بن ربعي الرياحي إلى الأشعث، فسألوه الصفح، ففعل.


[ الكامل للمبرّد: 1098:3 وراجع البداية والنهاية: 278:7.]




2604- مروج الذهب: لمّا وقع التحكيم تباغض القوم جميعاً، وأقبل بعضهم يتبرّأمن بعض: يتبرّأالأخ من أخيه، والابن من أبيه، وأمر عليّ بالرحيل، لعلمه باختلاف الكلمة، وتفاوت الرأي، وعدم النظام لاُمورهم، وما لحقه من الخلاف منهم، وكثر التحكيم في جيش أهل العراق، وتضارب القوم بالمقارع ونعال السيوف، وتسابّوا، ولام كلّ فريق منهم الآخر في رأيه.


وسار عليّ يؤمّ الكوفة، ولحق معاوية بدمشق من أرض الشام وفرّق عساكره، فلحق كلّ جند منهم ببلده.


[ مروج الذهب: 405:2.]




الانصراف من صفّين


خطبة الإمام عند منصرفه من صفّين



2605- نهج البلاغة- من خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفّين-: أحمدُه استتماماً لنعمته، واستسلاماً لعزّته، واستعصاماً من معصيته. وأستعينه فاقةً إلى كفايته؛ إنّه لا يضلّ من هداه، ولا يَئِلُ من عاداه، ولا يفتقر من كفاه؛ فإنّه أرجح ما وزن وأفضل ما خزن.


وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، شهادةً مُمتحناً إخلاصها، معتقداً مُصاصُها، نتمسّك بها أبداً ما أبقانا. وندّخرها لأهاويل ما يلقانا، فإنّها عزيمة الإيمان، وفاتحة الاحسان، ومرضاة الرحمن، ومدحرة الشيطان. وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالدِّين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللّامع، والأمر الصادع، إزاحةً للشبهات،


واحتجاجاً بالبيّنات. وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمَثُلات، والناس في فتنٍ انجذم فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النَّجْرُ


[ النَّجْرُ: الطَّبْع، والأصل، والسَّوقُ الشديد "النهاية: 21:5".]


وتشتت الأمر، وضاق المخرج وعمي المصدر، فالهدى خامل والعمى شامل. عُصي الرحمن، ونصر الشيطان، وخذل الإيمان، فانهارت دعائمه، وتنكّرت معالمه، ودرست سبله، وعفَت شُركُه. أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، ووردوا مناهله، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه في فتنٍ داستهم بأخفافها،


[ الخُف: واحد أخْفافِ البعير، وهو كالقدم للإنسان "لسان العرب: 81:9".]


ووطِئتهم بأظلافها،


[ الظَّلْفُ والظِّلْفُ: ظفُرُ كلِّ ما اجترّ وهو ظِلْف البقرة والشاة والظبي وما أشبهها، والجمع أظلاف "لسان العرب: 229:9".]


وقامت على سنابكها،


[ السُّنْبُك: طرفُ الحافِرِ وجانباه من قُدُمٍ، وجمعه سَنابكُ "لسان العرب: 444:1".]


فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون في خير دار وشرّ جيران. نومهم سهود وكُحلهم دموع، بأرض عالمها ملجم وجاهلها مكرم.


|قال الشريف الرضي:| ومنها يعني آل النبيّ عليه الصلاة والسلام:


هُم موضع سرّه، وَلَجَأ أمره، وعيبة


[ العيبةُ: وِعاءٌ من أدَم يكون فيها المتاع، والجمع عِيابٌ وعِيَبٌ. وعَيبة الرجل: موضع سرّه "لسان العرب: 634:1".]


علمه، وموئل


[ المَوْئلُ: الموضع الذي يستقرّ فيه السَّيْلُ "لسان العرب: 716:11".]


حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم أقام إنحناء ظهره وأذهب ارتعاد فرائصه.


|قال شريف الرضي:| ومنها يعني قوماً آخرين:


زرعوا الفجور، وسقوه الغرور، وحصدوا الثبور.


[ الثبور: الهلاك "النهاية: 206:1".]


لا يقاس بآل محمّد صلى الله عليه و آله من هذه الاُمّة أحدٌ، ولا يُسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً. هم أساس الدين، وعماد اليقين. إليهم يفي ءُ الغالي، وبهم يلحق التالي. ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة. الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله، ونقل إلى منتقله.


[ نهج البلاغة: الخطبة 2، بحارالأنوار: 49:217:18؛ مطالب السؤول: 58 وفيه إلى 'وجاهلها مكرم'.]




رسالة الإمام لابنه الحسن في حاضرين
[ جاء في نهج البلاغة أنّ الإمام عليه السلام كتب هذا الكتاب في 'حاضرين'، وهي بالقرب من صفّين في طريقها المؤدّي إلى الكوفة. لكن في كشف المحجّة- بعد أن ذكر طرق أهل السنّة في رواية هذه الوصيّةقال: إنّه كتبها في 'قِنَّسْرين'. وبما أنّ قنّسرين قرب حلب وليست في طريق صفّين إلى الكوفة بل هي في الطريق المعاكس له تماماً؛ فالظاهر أنّ هذا النقل غير صحيح. وقال ابن أبي الحديد: أمّا قوله: 'كتبها إليه بحاضرين' فالذي كنّا نقرؤه قديماً: 'كتبها إليه بالحاضِرَين' على صيغة التثنية؛ يعني: حاضر حلب وحاضر قنّسرين، وهي الأرباض والنواحي المحيطة بهذه البلاد، ثمّ قرأناه بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام، ولم يفسّروه. ومنهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التثنية، ومنهم من يقول: 'بخناصرين'؛ يظنّونه تثنية 'خناصرة'، أو جمعها "شرح نهج البلاغة: 52:16".


]




2606- الإمام الباقر عليه السلام: لمّا أقبل أميرالمؤمنين عليه السلام من صفّين كتب إلى ابنه الحسن عليه السلام:


بسم اللَّه الرحمن الرحيم


مِن الوالد الفانِ، المقرّ للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدهر. الذامّ للدنيا، الساكن مساكن الموتى، والظاعن عنها غداً.


إلى المولود المؤمِّل ما لا يُدرَك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيّام، ورَميّة المصائب، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ونُصب الآفات، وصريع الشهوات، وخليفة الأموات.


أمّا بعد، فإنّ فيما تبيّنتُ من إدبار الدنيا عنّي، وجموح الدهر عليَّ، وإقبال الآخرة إليَّ، ما يزَعُني


[ وَزَعه يَزَعُه وَزْعاً: إذا كَفَّهُ ومَنَعَهُ "النهاية: 180:5".]


عن ذكر من سوايَ، والاهتمام بما ورائي، غير أنّي حيثُ تفرّد بي دون هموم الناس همُّ نفسي، فصدفني رأيي، وصرفني عن هواي، وصرّح لي محضُ أمري، فأفضى بي إلى جدٍّ لا يكون فيه لعبٌ، وصدقٍ لا يشوبه كذبٌ. ووجدتك بعضي، بل وجدتك كلّي حتى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك مستظهراً به إن أنا بقيتُ لك أو فنيتُ.


فإنّي اُوصيك بتقوى اللَّه- أي بُنيَّ- ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله. وأيُّ سببٍ أوثق من سببٍ بينك وبين اللَّه إن أنت أخذت به؟!


أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّهِ باليقين، ونوّرهُ بالحكمة، وذلّلهُ بذكر الموت، وقرّره بالفناء، وبصّرهُ فجائع الدنيا، وحذّره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيّام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب من كان


قبلك من الأوّلين، وسِرْ في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا وعمّا انتقلوا، وأين حلّوا ونزلوا! فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة، وحلّوا ديار الغربة، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم. فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تُكلّف. وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإنّ الكفّ عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال. وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباين مَن فَعلَه بجهدك. وجاهد في اللَّه حقّ جهاده، ولا تأخُذْك في اللَّه لومة لائم. وخُض الغمرات للحقّ حيث كان، وتفقّه في الدين، وعوّد نفسك التصبّر على المكروه ونعم الخُلق التصبّر! وألْجِئ نفسك في الاُمور كلّها إلى إلهك، فإنّك تُلجئها إلى كهف حريزٍ، ومانعٍ عزيزٍ. وأخلص في المسألة لربّك، فإنّ بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة، وتفهّم وصيّتي، ولا تذهبنّ عنها صفحاً، فإنّ خير القول ما نفع. واعلم أنّه لا خير في علمٍ لا يُنفع، ولا ينتفع بعلمٍ لا يحقّ تعلّمه.


أي بُنيَّ، إنّي لمّا رأيتني قد بلغت سنّاً، ورأيتني أزداد وهناً، بادرتُ بوصيّتي إليك، وأوردتُ خصالاً منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن اُفضي إليك بما في نفسي، وأن أنقص في رأيي كما نُقِصتُ في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفِتن الدنيا، فتكون كالصّعب النفور. وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما اُلقي فيها من شي ءٍ قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك؛ لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كُفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه، واستبان لك ما رُبّما أظلم علينا منه.


أي بُنيَّ، إنّي وإن لم أكن عُمّرتُ عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم،


وفكّرتُ في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتى عُدتُ كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرتُ مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كلّ أمر نخيله


[ نخَلَ الشي ء يَنخُله نْخلاً: صَفَّاه واختارَه "لسان العرب: 651:11".]


وتوخّيت لك جميله وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نيّةٍ سليمةٍ ونفسٍ صافيةٍ، وأن أبتدِئك بتعليم كتاب اللَّه وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا اُجاوز ذلك بك إلى غيره. ثمّ أشفقتُ أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائِهم مثل الذي التبس عليهم، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إليّ من إسلامك إلى أمرٍ لا آمن عليك به الهلكة، ورجوت أن يوفّقك اللَّه فيه لرشدك، وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيّتي هذه.


واعلم يا بُنيَّ، أنّ أحبّ ما أنت آخذٌ به إليّ من وصيّتي تقوى اللَّه والاقتصار على ما فرضه اللَّهُ عليك، والأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك، والصالحون من أهل بيتك، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظرٌ، وفكّروا كما أنت مفكّرٌ، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والإمساك عمّا لم يكلّفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم، لا بتورّط الشبهات وغلوِّ الخصومات. وابدأقبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك والرغبة إليه في توفيقك، وترك كلّ شائبةٍ أولجتك في شبهةٍ، أو أسلمتك إلى ضلالةٍ. فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتمّ رأيك فاجتمع، وكان همّك في ذلك همّاً واحداً فانظر فيما فسّرتُ لك، وإن أنت لم يجتمع لك ما تحبّ من


نفسك، وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنّك إنّما تخبط العشواء،


[ عَشَا عن الشي ء: ضعفَ بصرُه عنه. وخبَطَه خبطَ عشواء: لم يتعمّده "لسان العرب: 57:15".]


وتورّط الظلماء. وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والإمساك عن ذلك أمثل.


فتفهّم يا بُنيَّ وصيّتي، واعلم أنّ مالِك الموت هو مالِك الحياة، وأنّ الخالق هو المميت، وأنّ المفني هو المعيد، وأنّ المبتلي هو المعافي، وأنّ الدنيا لم تكن لتستقرّ إلّا على ما جعلها اللَّه عليه من النعماء، والابتلاء، والجزاء في المعاد أو ما شاء ممّا لا نعلم، فإن أشكل عليك شي ءٌ من ذلك فاحمله على جهالتك به، فإنّك أوّل ما خُلقتَ خُلقتَ جاهلاً ثمّ علمتَ. وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحيّر فيه رأيك، ويضلّ فيه بصرك! ثمّ تبصره بعد ذلك، فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسوّاك، وليكن له تعبّدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك.


واعلم يا بُنيَّ أنّ أحداً لم يُنبِئ عن اللَّه كما أنبأ عنه الرسول صلى الله عليه و آله فارضَ به رائداً، وإلى النجاة قائداً، فإنّي لم آلُكَ نصيحةً. وإنّك لن تبلغ في النظر لنفسك- وإن اجتهدت- مبلغ نظري لك.


واعلم يا بُنيَّ أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنّه إلهٌ واحدٌ كما وصف نفسه، لا يضادّهُ في ملكه أحدٌ، ولا يزول أبداً ولم يزل. أوّلٌ قبل الأشياء بلا أوّليّةٍ، وآخرٌ بعد الأشياء بلا نهايةٍ. عظم عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره، وقلّة مقدرته، وكثرة عجزه؛ وعظيم حاجته إلى ربّه في طلب طاعته، والرهبة من عقوبته، والشفقة من سُخطه؛ فإنّه لم يأمرك إلّا بحَسنٍ، ولم ينهك إلّا عن قبيحٍ.


/ 40