أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




البحث
الرابع : مصير شروط الصلح وشهادة
الإمام الحسن (عليه السلام)

إخلال
معاوية بالشروط :


كان
الشرط الأول ـ وكما مرّ علينا ـ هو أن
يسلّم الإمام الأمر لمعاوية على أن
يعمل بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة
الخلفاء الصالحين .


وقد
وقف الإمام الحسن (عليه السلام) عند
عهده رغم الضغوط الكثيرة من أصحابه
ومخلصيه ، مع أنّ الإمام كان في حلّ من
شرطه لو أراد ; لأنّ التسليم كان
مشروطاً ، ولم يف معاوية بأيّ واحد من
الشروط التي أخذت عليه .


أمّا
معاوية فلم يلتزم بالشرط الأول، وأمّا
عن الشرط الثاني ـ وهو أن يكون الأمر من
بعده للحسن ثم للحسين وأن لا يعهد إلى
أحد من بعده ـ فقد أجمع المؤرّخون على
أنّ معاوية لم يف بشرطه هذا ، بل نقضه
بجعل الولاية لابنه يزيد من بعده[1]
.


وفيما
يتعلّق بالشرط الثالث ـ وهو رفع السبّ
عن الإمام عليّ (عليه السلام) مطلقاً أو
في حضور الإمام الحسن خاصة ـ فقد عزّ
على معاوية الوفاء به ، لأنّ سبّ عليّ
يمثّل لديه الأساس القوي الذي يعتمده
في إبعاد الناس عن بني هاشم، وقد ركّز
معاوية بعناد وقوة على لزوم اتّباع
طريقته في سبّ أمير المؤمنين (عليه
السلام) في وصاياه وكتبه لعمّاله[2]
.


وبخصوص
الشرط الرابع فقد قيل: إنّ أهل البصرة
حالوا بين الإمام الحسن وبين خراج أبجر
، وقالوا: فيئنا[3]
، وكان منعهم بأمر من معاوية لهم[4].


وأما
الشرط الخامس ـ وهو العهد بالأمان
العام ، والأمان لشيعة عليّ على الخصوص
، وأن لا يبغي للحسنين (عليهما السلام)
وأهل بيتهما غائلة سرّاً ولا جهراً ـ
وللمؤرّخين فيما يرجع إلى موضوع هذا
الشرط نصوص كثيرة ، بعضها وصف للكوارث
الداجية التي جوبه بها الشيعة من
الحكّام الاُمويين في عهد معاوية ،
وبعضها قضايا فردية فيما نكب به معاوية
الشخصيات الممتازة من أصحاب أمير
المؤمنين ، وبعضها خيانته تجاه الحسن
والحسين خاصة[5].


وأكّد
جميع المؤرخين أنّ الصلح بشروطه
الخمسة لم يلق من معاوية أيّة رعاية
تناسب تلك العهود والمواثيق
والأَيْمان التي قطعها على نفسه ،
ولكنّه طالع المسلمين بشكل عام
بالأوليات البكر والأفاعيل النكراء من
بوائقه ، وشيعة أهل البيت (عليهم
السلام) بشكل خاص ، فكان أول رأس يُطاف
به في الإسلام منهم ـ أي من
الشيعة ـ وبأمره يُطاف به ، وكان أول
إنسان يدفن حيّاً في الإسلام منهم ،
وبأمره يفعل به ذلك .


وكانت
أول امرأة تسجن في الإسلام منهم ، وهو
الآمر بسجنها ، وكانت أول مجموعة من
الشهداء يقتلون صبراً في الإسلام منهم
، وهو الذي قتلهم ، واستقصى معاوية
بنود المعاهدة كلّها بالخلف ، فاستقصى
أيْمانه المغلّظة بالحنث ، ومواثيقه
المؤكّدة التي واثق الله تعالى عليها
بالنقض، فأين هي الخلافة الدينية يا
ترى ؟![6] .


وبقي
آخر شقٍّ من الشروط وهو الأدقّ والأكثر
حساسيةً ، وكان عليه إذا أساء الصنيع
بهذا الشقّ أن يتحدّى القرآن صراحة
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة
، فصبر عليه ثماني سنين ، ثم ضاق به
ذرعاً ، وثارت به اُمويّته التي جعلته
ابن أبي سفيان حقاً بما جاء به من فعلته
التي أنست الناس الرزايا قبلها .


وهي
أول ذلٍّ دخل على العرب ، وكانت
بطبيعتها أبعد مواد الصلح عن الخيانة ،
كما كانت بظروفها وملابساتها أجدرها
بالرعاية ، وكانت بعد نزع السلاح
والالتزام من الخصم بالوفاء ، أفظع
جريمة في تاريخ معاوية الحافل
بالجرائم .


تآمر
معاوية على الإمام الحسن (عليه
السلام) :


لقد
حاول معاوية أن يجعل الخلافة ملكاً
عضوضاً وراثة في أبنائه ، وقد بذل جميع
جهوده وصرف الأموال الطائلة لذلك ،
فوجد أنّه لا يظفر بما يريد والحسن بن
عليّ (عليه السلام) حيّ ينتظر المسلمون
حكمه العادل وخيره العميم ، ومن هنا
قرّر اغتيال الإمام المجتبى (صلى الله
عليه وآله) بما اغتال به من قبل


مالك الأشتر وسعد بن أبي وقاص وغيرهما .


فأرسل
الى الإمام غير مرّة سمّاً فاتكاً حين
كان في دمشق فلم ينجح حتى راسل ملك
الروم وطلب منه بإصرار أن يرسل له
سمّاً فاتكاً ، وحصل عليه بعد امتناعه
حين أفهمه أنّه يريد قتل ابن من خرج
بأرض تهامة لتحطيم عروش الشرك والكفر
والجاهلية وهدّد سلطان أهل الكتاب .


إنّ
بائقة الأب هذه كانت هي السبب الذي بعث
روح القدوة في طموح الابن ليشتركا ـ
متضامنين ـ في إنجاز أعظم جريمة في
تاريخ الإسلام ، تلك هي قتل سيّدي شباب
أهل الجنة اللذين لا ثالث لهما ،
وليتعاونا معاً على قطع « الواسطة
الوحيدة » التي انحصر بها نسل رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ، والجريمة ـ
بهذا المعنى ـ قتل مباشر لحياة رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بامتدادها
التأريخي.


نعم
، والقاتلان ـ مع ذلك ـ هما الخليفتان
في الإسلام !!!


فواضَيْعَةَ
الإسلام إن كان خلفاؤه من هذه النماذج
!!!


وكان
الدهاء المزعوم لمعاوية هو الذي زيّن
له اُسلوباً من القتل قصّر عنه ابنه
يزيد ، فكان هذا « الشابّ المغرور »
وكان ذاك « الداهية المحنّك في تصريف
الاُمور » !!! ولو تنفس العمر بأبي سفيان
إلى عهد ولديه هذين لأيقن أنّهما قد
أجادا اللعبة التي كان يتمناها لبني
اُمية .


كيف
استشهد الإمام الحسن (عليه
السلام)؟


لقد
دعا معاوية مروان بن الحكم إلى إقناع
جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ـ وكانت
من زوجات الإمام الحسن (عليه السلام) ـ
بأن تسقي الحسن السمّ وكان شربة من
العسل بماء رومة[7]
، فإن هو قضى نحبه زوّجها بيزيد ،
وأعطاها مائة ألف درهم .


وكانت
جعدة هذه بحكم بنوّتها للأشعث بن قيس ـ
المنافق المعروف الذي أسلم مرتين
بينهما ردّة منكرة ـ أقرب الناس روحاً
إلى قبول هذه المعاملة النكراء .


قال
الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه
السلام) : « إنّ الأشعث شرك في دم أمير
المؤمنين (عليه السلام) ، وابنته جعدة
سمّت الحسن ،وابنه محمّد شرك في دم
الحسين (عليه السلام) »[8].


وهكذا
تمّ لمعاوية ما أراد ، وكانت شهادته (عليه
السلام) بالمدينة يوم الخميس لليلتين
بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة أو
تسع وأربعين .


وحكم
معاوية بفعلته هذه على مصير اُمة
بكاملها ، فأغرقها بالنكبات وأغرق
نفسه وبنيه بالذحول والحروب
والانقلابات ، وتمّ له بذلك نقض
المعاهدة إلى آخر سطر فيها .


وقال
الإمام الحسن (عليه السلام) وقد حضرته
الوفاة : « لقد حاقت شربته ، وبلغ
اُمنيته ، والله ما وفى بما وعد ، ولا
صدق فيما قال »[9]
.


وورد
بريد مروان إلى معاوية بتنفيذ الخطّة
المسمومة فلم يملك نفسه من إظهار
السرور بموت الإمام الحسن (عليه السلام)
، « وكان بالخضراء فكبّر وكبّر معه أهل
الخضراء ، ثم كبّر أهل المسجد بتكبير
أهل الخضراء ، فخرجت فاختة بنت قرظة بن
عمرو بن نوفل بن عبد مناف ] زوج
معاوية [ من خوخة[10]
لها، فقالت : سرّك الله يا أمير
المؤمنين ، ما هذا الذي بلغك فسررت به ؟
قال : موت الحسن بن عليّ ، فقالت : إنّا
لله وإنّا اليه راجعون ، ثم بكت وقالت :
مات سيّد المسلمين وابن بنت رسول الله (صلى
الله عليه وآله) »[11] .


والنصوص
على اغتيال معاوية للإمام الحسن (عليه
السلام) بالسمّ متضافرة كأوضح قضية في
التاريخ[12]
.



وصاياه
الأخيرة :

أ
ـ وصيّته لجنادة :


دخل
جنادة بن أبي أُميّة ـ الصحابيّ الجليل
ـ على الإمام عائداً له ، فالتفت إلى
الإمام قائلاً : عظني يابن رسول الله .


فأجاب
(عليه السلام) طلبته وهو في أشدّ
الأحوال حراجةً ، وأقساها ألماً
ومحنةً ، فأتحفه بهذه الكلمات
الذهبية التي هي أغلى وأثمن من الجوهر
وقد كشفت عن اسرار إمامته ، قائلاً :


«
يا جنادة! استعد لسفرك ، وحصّل زادك قبل
حلول أجلك ، واعلم أنّك تطلب الدنيا
والموت يطلبك ، ولا تحمل همَّ يومك
الذي لم يأت على يومك الّذي أنت فيه ،
واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق
قوتك إلاّ كنت فيه خازناً لغيرك ،
واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب ، وفي
حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب ، فأنزل
الدنيا بمنزلة الميتة ، خذ منها ما
يكفيك ، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه
، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت
منه كما أخذت من الميتة ، وإن كان
العقاب فالعقاب يسير ، واعمل لدنياك
كأنّك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنّك
تموت غداً ، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة
وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية
الله إلى عزّ طاعة الله عزّوجلّ ، وإذا
نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من
إذا صحبته زانك ، وإذا أخذت منه صانك ،
وإذا أردت منه معونة أعانك وإن قُلتَ
صَدَّق قولك ، وإن صُلتَ شَدَّ صولَتَك
، وإن مددت يدك بفضل مدّها ، وإن بدت
منك ثلمة سدّها ، وإن رأى منك حسنة
عدّها، وإن سألت أعطاك ، وإن سكت عنه
إبتدأك ، وإن نزلت بك إحدى الملمّات
واساك من لا تأتيك منه البوائق ، ولا
تختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك
عند الحقائق ، وإن تنازعتما منقسماً
آثرك »[13]
.


ويشتدّ
الوجع بالإمام (عليه السلام) ويسعر
عليه الألم فيجزع ، فيلتفت اليه بعض
عوّاده قائلاً له: يابن رسول الله ،
لِمَ هذا الجزع ؟ أليس الجدّ رسول الله (صلى
الله عليه وآله) والأب علي والاُمّ
فاطمة ، وأنت سيّد شباب أهل الجنة ؟ ! .


فأجابه
بصوت خافت: « أبكي لخصلتين : هول المطلع
، وفراق الأحبّة »[14]
.


ب ـ وصيّته للإمام الحسين (عليه
السلام) :


ولمّا
ازداد ألمه وثقل حاله استدعى أخاه سيّد
الشهداء فأوصاه بوصيّته وعهد اليه
بعهده ، وهذا نصّه :


«
هذا ما أوصى به الحسن بن عليّ إلى أخيه
الحسين ، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلاّ
الله ، وحده لا شريك له ، وأنّه يعبده
حقّ عبادته ، لا شريك له في الملك، ولا
وليّ له من الذلّ، وأنّه خلق كلّ شيء
فقدّره تقديراً ، وأنّه أولى من عبده ،
وأحقّ من حمد ، من أطاعه رشد ، ومن عصاه
غوى ، ومن تاب اليه اهتدى، فإنّي
اُوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي
وأهل بيتك ، أن تصفح عن مسيئهم ، وتقبل
من محسنهم ، وتكون لهم خلفاً ووالداً ،
وأن تدفنني مع رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فإنّي أحقّ به وببيته ، فإن أبوا
عليك فأُنشدك الله وبالقرابة التي
قرّب الله منك والرحم الماسّة من رسول
الله (صلى الله عليه وآله) أن لا يهراق
من أمري محجمة من دم حتى تلقى رسول الله
فتخصمهم وتخبره بما كان من أمر الناس
إلينا »[15]
.


ج ـ وصيّته لمحمد بن الحنفية :


وأمر
الإمام (عليه السلام) قنبراً أن يحضر
أخاه محمد بن الحنفية ، فمضى اليه
مسرعاً فلمّا رآه محمد ذُعر فقال : هل
حدث إلاّ خير ؟، فأجابه بصوت خافت : «
أجب أبا محمد » .


فذهل
محمّد واندهش وخرج يعدو حتى أنّه لم
يسوِّ شسع نعله من كثرة ذهوله ، فدخل
على أخيه وهو مصفرّ الوجه قد مشت
الرعدة بأوصاله فالتفت (عليه السلام)
له :


«
إجلس يا محمد ، فليس يغيب مثلك عن سماع
كلام تحيى به الأموات وتموت به الأحياء.
كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى; فإنّ
ضوء النهار بعضه أضوء من بعض ، أما علمت
أنّ الله عزّوجلّ جعل ولد إبراهيم
أئمة، وفضّل بعضهم على بعض ، وآتى داود
زبوراً؟ وقد علمت بما استأثر الله به
محمداً(صلى الله عليه وآله)، يا محمد بن
علي إنّي لا أخاف عليك الحسد ، وإنمّا
وصف الله به الكافرين ، فقال تعالى : (كفّاراً
حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم
الحق) ، ولم يجعل الله للشيطان عليك
سلطاناً. يا محمد بن علي! ألا اُخبرك
بما سمعت من أبيك فيك ؟ » .


قال
محمد: بلى، فأجابه الامام (عليه السلام):
« سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحبّ
أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ
محمداً. يا محمد بن علي! لو شئت أن
اُخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمد بن علي! أما علمت أن الحسين بن
علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسدي
إمام بعدي ، وعند الله في الكتاب
الماضي وراثة النبيّ (صلى الله
عليه وآله) أصابها في وراثة أبيه واُمه ؟
علم الله أنّكم خير خلقه فاصطفى منكم
محمداً ، واختار محمد علياً ، واختارني
عليّ للإمامة، واخترت أنا الحسين ».


فانبرى
اليه محمّد مظهراً له الطاعة
والانقياد[16]
.


إلى
الرفيق الأعلى :

وثقل
حال الإمام (عليه السلام) واشتدّ به
الوجع فأخذ يعاني آلام الإحتضار، فعلم
أنّه لم يبق من حياته الغالية إلاّ بضع
دقائق فالتفت إلى أهله قائلاً :


«
أخرجوني إلى صحن الدار أنظر في ملكوت
السماء » .


فحملوه
إلى صحن الدار ، فلمّا استقرّ به رفع
رأسه إلى السماء وأخذ يناجي ربّة
ويتضرع اليه قائلاً :


«
اللّهم إنّي احتسب عندك نفسي ، فإنّها
أعزّ الأنفس عليَّ لم أصب بمثلها ،
اللّهم آنس صرعتي ، وآنس في القبر
وحدتي » .


ثم
حضر في ذهنه غدر معاوية به ، ونكثه
للعهود ، واغتياله إيّاه فقال :


«
لقد حاقت شربته ، والله ما وفى بما وعد
، ولا صدق فيما قال »[17] .


وأخذ
يتلو آي الذكر الحكيم ويبتهل إلى الله
ويناجيه حتى فاضت نفسه الزكية إلى جنّة
المأوى ، وسمت إلى الرفيق الأعلى ، تلك
النفس الكريمة التي لم يخلق لها نظير
فيما مضى من سالف الزمن وما هو آت حلماً
وسخاءً وعلماً وعطفاً وحناناً وبرّاً
على الناس جميعاً .


لقد
مات حليم المسلمين ، وسيّد شباب أهل
الجنّة ، وريحانة الرسول وقرّة عينه ،
فأظلمت الدنيا لفقده ، وأشرقت الآخرة
بقدومه[18]
.


وارتفعت
الصيحة من بيوت الهاشميّين ، وعلا
الصراخ والعويل من بيوت يثرب ، وهرع
أبو هريرة وهو باكي العين مذهول اللبّ
إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهو ينادي بأعلى صوته :


«
يا أيّها الناس! مات اليوم حبّ رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فابكوا »[19]
.


وصدعت
كلماته القلوب ، وتركت الأسى يحزّ في
النفوس ، وهرع من في يثرب نحو ثوي
الإمام وهم ما بين واجم وصائح ومشدوه
ونائح قد نخب الحزن قلوبهم على فقد
الراحل العظيم الذي كان ملاذاً لهم
وملجأً ومفزعاً إن نزلت بهم كارثة أو
حلّت بهم مصيبة .


تجهيز
الإمام وتشييعه :

وأخذ
سيد الشهداء في تجهيز أخيه ، وقد أعانه
على ذلك عبدالله بن عباس وعبد الرحمن
بن جعفر وعلي بن عبدالله بن عباس
وأخواه محمد بن الحنفية وأبو الفضل
العباس، فغسّله وكفّنه وحنّطه وهو
يذرف من الدموع مهما ساعدته الجفون ،
وبعد الفراغ من تجهيزه; أمر (عليه
السلام) بحمل الجثمان المقدّس إلى مسجد
الرسول لأجل الصلاة عليه[20] .


وكان
تشييع الإمام تشييعاً حافلاً لم تشهد
نظيره عاصمة الرسول ، فقد بعث
الهاشميّون إلى العوالي والقرى
المحيطة بيثرب من يعلمهم بموت الإمام،
فنزحوا جميعاً إلى يثرب ليفوزوا
بتشييع الجثمان العظيم[21]
وقد حدّث ثعلبة ابن مالك عن كثرة
المشيعين فقال :


«
شهدت الحسن يوم مات ، ودفن في البقيع ،
ولو طرحت فيه إبرة لما وقعت إلاّ على
رأس إنسان »[22]
.


وقد
بلغ من ضخامة التشييع أنّ البقيع ما
كان يسع أحداً من كثرة الناس.


دفن
الإمام (عليه
السلام) وفتنة عائشة :


ولم
يشكَّ مروان ومن معه من بني اُمية
أنّهم سَيَدْفُنونَه عند رسول الله(صلى
الله عليه وآله) ، فتجمَّعوا لذلك
ولبسوا السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين
(عليه السلام) إلى قبر جدّه رسول الله(صلى
الله عليه وآله) ليجدّد به عهداً;
أقبلوا اليهم في جمعهم، ولحقتهم عائشة
على بغل وهي تقول: ما لي ولكم تريدون أن
تدخلوا بيتي من لا اُحبّ، وجعل مروان
يقول : يا رُبَّ هيجا هي خير مِن دَعَة،
اَيُدْفَنُ عثمانُ في


أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ؟!
لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف.


وكادت
الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني اُمية
فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له :
ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد
دفن صاحبنا عند رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لكنّا نريد أن نجدّد به
عهداً بزيارته ثم نردّه إلى جدّته
فاطمة بنت أسد فندفنه عندها بوصيته
بذلك، ولو كان أوصى بدفنه


مع النبي (صلى الله عليه وآله) لعلمت
أنّك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك ،
لكنّه (عليه السلام) كان أعلم بالله
وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه
هدماً ، كما طرق ذلك غيره ودخل بيته
بغير إذنه.


ثم
أقبل على عائشة وقال لها: وا سوأتاه!
يوماً على بغل ويوماً على جمل، تريدين
أن تطفِئي نور الله وتقاتلي أولياء
الله، ارجعي فقد كُفيت الذي تخافين
وبلغت ما تحبين والله منتصر لأهل البيت
ولو بعد حين .


وقال
الحسين (عليه السلام) : «والله لو لا عهد
الحسن بحقن الدماء وأن لا اُهريق في
أمره محجمة دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف
الله منكم مأخذها وقد نقضتم العهد
بيننا وبينكم وأبطلتم ما اشترطنا
عليكم لأنفسنا».


ومضوا
بالحسن فدفنوه بالبقيع عند جدّته
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي
الله عنها[23] .


ووقف
الإمام الحسين (عليه السلام) على حافة
القبر ، وأخذ يؤبّن أخاه قائلاً : « رحمك
الله يا أبا محمد ، إن كنت لتباصر الحقّ
مظانّه ، وتؤثر الله عند التداحض في
مواطن التقية بحسن الروية ، وتستشف
جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة ،
وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف ، نقية
الأسرة ، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر
المؤونة عليك ، ولا غرو فأنت ابن سلالة
النبوّة ورضيع لبان الحكمة ، فإلى
رَوْح ورَيْحان ، وجنّة ونعيم ، أعظم
الله لنا ولكم الأجر عليه ، ووهب لنا
ولكم حسن الأسى عنه »[24]
.


[1] صلح الإمام الحسن
: 142 .


[2] شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد : 3 / 15 .


[3] صلح الإمام الحسن
: 154 .


[4] الكامل في
التاريخ لابن الأثير : 3 / 162 .


[5] راجع : صلح الإمام
الحسن : 317 ، في فصل الوفاء بالشروط،
وحياة الإمام الحسن : 2 / 356 ـ 423 .


[6] صلح الإمام الحسن
: 362 .


[7] صلح الإمام الحسن
: 365 . وقد اشتهرت كلمة معاوية : « إنّ لله
جنوداً من عسل » .


[8] صلح الإمام الحسن
: 365 .


[9] المسعودي ، بهامش
ابن الأثير : 6 / 55 .


[10] هي الكوة التي
تؤدي الضوء إلى البيت ، والباب الصغير
في الباب الكبير .


[11] صلح الإمام
الحسن : 365 ـ 366 .


[12] راجع طبقات ابن
سعد ومقاتل الطالبيين ومستدرك الحاكم
وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 17 ،
وتذكرة الخواص : 222 ، والاستيعاب : 1 / 374 ،
وكلّها مصادر غير إمامية .


[13] أعيان الشيعة :
4 / 85 .


[14] أمالي الصدوق :
133 .


[15] أعيان الشيعة :
4 / 79 .


[16] حياة الإمام
الحسن : 2 / 487 ـ 489 .


[17] تذكرة الخواص :
23 ، وتاريخ ابن عساكر : 4 / 226 ، وحلية
الأولياء : 2 / 38 ، وصفوة الصفوة : 1 / 320.


[18] اختلف
المؤرّخون في السنة التي توفّي فيها
الإمام فقيل : سنة 49 هـ ، ذهب إلى ذلك
ابن الأثير وابن حجر في تهذيب التهذيب
، وقيل : سنة 51 هـ ، ذهب إلى ذلك الخطيب
البغدادي في تاريخه وابن قتيبة في
الإمامة والسياسة ، وقيل غير ذلك ،
وأمّا الشهر الذي استشهد فيه فقد اختلف
فيه أيضاً ، فقيل : في ربيع الأول لخمس
بقين منه ، وقيل: في صفر لليلتين بقيتا
منه ، وقيل: يوم العاشر من المحرم يوم
الأحد سنة 45 من الهجرة كما في
المسامرات ( ص26 ) ، وثمّة قول آخر: إنّه
استشهد (عليه السلام) في السابع من صفر .


[19] تهذيب التهذيب
: 2 / 301 ، وتاريخ ابن عساكر : 4 / 227 .


[20] أعيان الشيعة :
4 / 80 .


[21] تاريخ ابن
عساكر : 8 / 228 .


[22] الإصابة : 1 / 330 .


[23] حياة الإمام
الحسن : 2 / 499 عن كفاية الطالب: 268 .


[24] حياة الإمام
الحسن : 2 / 500 .

/ 31