أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




القبول
بالصلح :


لم
يبق أمام الإمام الحسن (عليه السلام)
سبيلٌ غير القبول بالصلح ، وترك أمر
الحكم لمعاوية فترةً من الزمن ،
ويتبيّن من خلال التمعّن في بنود
معاهدة الصلح أنّ الإمام (عليه السلام)
لم يقدّم أيّ امتياز لمعاوية ، وأنّه (عليه
السلام) لم يعترف به رسمياً باعتباره
خليفةً وحاكماً للمسلمين ، بل إنّما
اعتبر الحكم القيادة حقّه الشرعي ،
مثبتاً بطلان ادعاءات معاوية بهذا
الصدد .


بنود
معاهدة الصلح :

لم
تذكر المصادر التأريخية نصّاً صريحاً
لكتاب الصلح ، الذي يعتبر الوثيقة
التأريخية لنهاية مرحلة من أهم مراحل
التأريخ الإسلامي ، وبخاصة في عصوره
الاُوَل ، ولا نعرف سبباً وجيهاً لهذا
الإهمال .


وقد
اشتملت المصادر المختلفة على ذكر بعض
النصوص مع إهمال البعض الآخر ، ويمكن
أن تؤلف من مجموعها صورة الشروط التي
أخذها الإمام (عليه السلام) على معاوية
في الصلح ، وقد نسّقها بعض الباحثين
وأوردها على صورة مواد خمس ، ونحن
نوردها هنا كما جاءت ، ونهمل ذكر
المصادر التي ذكرها في الهامش
اعتماداً عليه[1] .


وهي
كما يلي :


1
ـ تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل
بكتاب الله وبسنّة رسوله (صلى
الله عليه وآله) وبسيرة الخلفاء
الصالحين .


2
ـ أن يكون الأمر للحسن من بعده ، فإن
حدث به حدث فلأخيه الحسين ، وليس
لمعاوية أن يعهد إلى أحد .


3
ـ أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت
عليه بالصلاة ، وأن لا يذكر عليّاً
إلاّ بخير .


4
ـ استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو
خمسة آلاف ألف ، فلا يشمله تسليم الأمر
، وعلى معاوية أن يحمل إلى الحسن ألفي
ألف درهم ، وأن يُفضّل بني هاشم في
العطاء والصِلات على بني عبد شمس ، وأن
يفرِّق في أولاد من قتل مع أمير
المؤمنين يوم الجمل ، وأولاد من قتل
معه بصفّين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك
من خراج دار أبجر .


5
ـ على أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض
الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم
، وأن يؤمن الأسود والأحمر ، وأن يحتمل
معاوية ما يكون من هفواتهم ، وأن لا
يتبع أحداً بما مضى ، ولا يأخذ أهل
العراق بإحنة .


وعلى
أمان أصحاب عليّ حيث كانوا ، وأن لا
ينال أحداً من شيعة عليّ بمكروه ، وأنّ
أصحاب عليّ وشيعته آمنون على أنفسهم
وأموالهم ونسائهم وأولادهم ، وأن لا
يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرّض لأحد
منهم بسوء ، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه
، وعلى ما أصاب أصحاب عليّ حيث كانوا .


وعلى
أن لا يبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه
الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله
غائلة ، سرّاً ولا جهراً ، ولا يخيف
أحداً منهم في اُفق من الآفاق.


وقد
اعتبر بعض الباحثين المادة الرابعة من
موضوعات الاُمويين أو العباسيين
لتشويه صورة أهل البيت (عليهم السلام)
وبخاصة الإمام الحسن (عليه السلام) ،
باعتبار أنّ هذه المادة لا تتناسب وشأن
الإمام الحسن (عليه السلام) ومقامه[2]
. والله أعلم .


هذه
إذن هي المواد الخمس التي أوصلها لنا
التاريخ كاُسس للصلح بين الحسن
ومعاوية ، أو على الأقلّ أنّها تمثل
طبيعة الشروط التي أملاها الإمام (عليه
السلام) على معاوية .


أسباب
الصلح كما تُصَورّها النصوص عن الإمام
الحسن (عليه
السلام) :


1
ـ روى الشيخ الصدوق في « علل الشرايع »
بسنده عن أبي سعيد عقيصا الذي سأل
الإمام الحسن (عليه السلام) عن السبب
الذي دفعه إلى الصلح مع معاوية من أنّه
(عليه السلام) يعلم أنّه على الحقّ وأنّ
معاوية ضالّ وظالم ، فأجابه الإمام (عليه
السلام) : « يا أبا سعيد ، ألستُ حجّة
الله تعالى ذكره على خلقه ، وإماماً
عليهم بعد أبي (عليه السلام) ؟ قلتُ :
بلى ، قال : ألستُ الذي قال رسولُ الله (صلى
الله عليه وآله) لي ولأخي : الحسن
والحسين إمامان قاما أو قعدا ؟ قلتُ :
بلى ، قال : فأنا إذن إمام لو قمتُ ،
وأنا إمام إذا قعدتُ ، يا أبا سعيد
عِلّةُ مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني
ضُمْرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين
انصرف من الحديبية ، اُولئك كفّار
بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار
بالتأويل ، يا أبا سعيد إذا كنتُ
إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب
أن يُسَفَّه رأيي فيما أتيته من مهادنة
أو محاربة ، وإن كان وجه الحكمة فيما
أتيته مُلتبساً ، ألا ترى الخضر (عليه
السلام) لمَّا خرق السفينة وقتل الغلام
وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام)
فعله؟ لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى
أخبره فرضي. هكذا أنا، سخطتم عليّ
بجهلكم بوجه الحكمة فيه ، ولو لا ما
أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض
أحدٌ إلاّ قُتِل »[3]
.


ونقل
الطبرسي في « الاحتجاج »[4]
شبيه هذا السبب عن الإمام الحسن (عليه
السلام) .


2
ـ ذكر زيد بن وهب الجهني أنّه بعد أن
جُرح الإمام (عليه السلام) في المدائن ،
سألته عن موقفه الذي سيتّخذه في هذه
الظروف ، فأجاب (عليه السلام) : « أرى
والله معاوية خيراً لي من هؤلاء ،
يزعمون أنّهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي
وانتهبوا ثقلي ، وأخذوا مالي ، والله
لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به
دمي وآمَن به في أهلي خيرٌ من أن
يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي ، والله
لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقي حتى
يدفعوني اليه سِلْماً ، فو الله لإن
اُسالمه وأنا عزيز خيرٌ من أن يقتلني
وأنا أسيره أو يَمُنّ عليّ فتكون
سُبّةً على بني هاشم إلى آخر الدّهر ،
ومعاوية لا يزال يَمُنُّ بها وعقبه على
الحيّ منّا والميت ... »[5]
.


3
ـ وذكر سليم بن قيس الهلالي أنه عندما
جاء معاوية إلى الكوفة; صعد الإمام
الحسن (عليه السلام) المنبر بحضوره ،
وبعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه ،
قال : « أيّها الناس إنّ معاوية زعم
أنّي رأيته للخلافة أهلاً ، ولم أر
نفسي لها أهلاً ، وكذب معاوية ، أنا
أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى
لسان نبيّ الله، فاُقسم بالله لو أنّ
الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني
لأعطتهم السماء قَطْرَها ، والأرضُ
بركتها ، ولما طمعتَ فيها يا معاوية ،
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
: ما ولّت اُ مّة أمرها رجلاً قطّ
وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل
أمرُهم يذهب سِفالاً ، حتى يرجعوا إلى
ملّة عبدةِ العجل ... »[6]
.


4
ـ وعن سبب الصلح روى العلاّمة القندوزي
في « ينابيع المودة » أنّ الإمام الحسن
(عليه السلام) ألقى في الناس خطاباً جاء
فيه : « أيّها الناس قد علمتم أنّ الله ـ جلّ
ذكره وعزّ اسمه ـ هداكم بجدَّي وأنقذكم
من الضلالة ، وخلّصكم من الجهالة ،
وأعزّكم به بعد الذلّة ، وكثّركم به
بعد القلّة ، وأنّ معاوية نازعني حقّاً
هو لي دونه ، فنظرت لصلاح الاُ مّة
وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على
أن تُسالموا من سالمني وتحاربوا مَن
حاربني ، فرأيتُ أن اُسالم معاوية
وأضعَ الحرب بيني وبينه ، وقد صالحته
ورأيتُ أنّ حقن الدماء خيرٌ من سفكها ،
ولم أرد بذلك إلاّ صلاحكم وبقاءكم (وإن
أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين)»[7] .


5
ـ في رواية نقلها السيد المرتضى ـ رحمة
الله عليه ـ أنّ حجر بن عدي اعترض على
الإمام (عليه السلام) بعد موافقته على
الصلح وقال له : « سوّدت وجوه المؤمنين
» فأجابه الإمام (عليه السلام) : « ما
كلُّ أحد يحبُّ ما تحبّ ولا رأيه كرأيك
، وإنّما فعلتُ ما فعلتُ إبقاءً عليكم
» .


وبعد
ذلك أشار إلى أنّ شيعة الإمام (عليه
السلام) اعترضوا على الصلح وأعربوا عن
تأسّفهم لقرار الإمام (عليه السلام) ،
ومن بينهم سليمان بن صرد الخزاعي الذي
قال للإمام : « ما ينقضي تعجّبنا من
بيعتك معاوية ، ومعك أربعون ألف مقاتل
من أهل الكوفة ، كلّهم يأخذ العطاء ،
وهم على أبواب منازلهم ، ومعهم مثلهم
من أبنائهم وأتباعهم ، سوى شيعتك من
أهل البصرة والحجاز ، ثم لم تأخذ لنفسك
ثقة في العقد ، ولا حظّـاً من العطيّة ،
فلو كنت إذ فعلتَ ما فعلتَ أشهدت على
معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب ،
وكتبت عليه كتاباً بأنّ الأمر لك بعده
، كان الأمر علينا أيسر ، ولكنّه أعطاك
شيئاً بينك وبينه لم يفِ به ، ثم لم
يلبث أن قال على رؤوس الأشهاد : « إنّي
كنتُ شرطتُ شروطاً ووعدتُ عداة إرادة
لإطفاء نار الحرب ، ومداراةً لقطع
الفتنة ، فلمّا أن جمع الله لنا
الكَلِم والألفة فإنّ ذلك تحت قدمي »
والله ما عنى بذلك غيرك ، وما أراد إلاّ
ما كان بينك وبينه ، وقد نقض، فإذا شئت
فأعِد ، الحرب خدعة ، وائذن لي في
تقدّمك الى الكوفة ، فاُخرج عنها
عاملَه واُظهر خلعه وتنبذ اليه على
سواء ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين،
وتكلّم الباقون بمثل كلام سليمان.


فأجابه
الإمام (عليه السلام) : « أنتم شيعتنا
وأهل مودّتنا، فلو كنتُ بالحزم في أمر
الدنيا أعمل ، ولسلطانها أركض وأنصب ،
ما كان معاوية بأبأس منّي بأساً ، ولا
أشدّ شكيمة ولا أمضى عزيمةً، ولكنّي
أرى غير ما رأيتم ، وما أردت بما فعلتُ
إلاّ حقن الدماء فارضوا بقضاء الله ،
وسلّموا لأمره والزموا بيوتكم وأمسكوا
»[8] .


تحليلان
لأسباب الصلح :

التحليل
الأوّل :


لقد
حاول معاوية أن يظهر نفسه بأنّه رجل
مسالم يدعو إلى السلام والصلح، وذلك
عبر رسائله إلى الإمام الحسن (عليه
السلام) التي يدعوه فيها إلى الصلح
مهما كانت شروط الإمام (عليه السلام) ،
وقد اعتبر الباحثون أنّ الخطاب السلمي
لمعاوية كان أخطر حيلة فتّت عضد الإمام
(عليه السلام) ، الأمر الذي أزّم ظروفه (عليه
السلام) ولم يكن للإمام خيار غير
القبول بالصلح .


وفي
هذا الصدد يقول الشيخ محمد حسين آل
كاشف الغطاء : « ... فوجد ـ أي
الإمام الحسن (عليه السلام) ـ أنّه لو
رفض الصلح وأصرّ على الحرب فلا يخلو:


إمّا
أن يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب ،
وهذا وإن كانت تلك الأوضاع والظروف
تجعله شبه المستحيل ، ولكن فليكن
بالفرض هو الواقع ، ولكن هل مغبة ذلك
إلاّ تظلّم الناس لبني اُمية؟ وظهورهم
بأوجع مظاهر المظلومية؟ فماذا يكون
موقف الحسن إذاً لو افترضناه هو
الغالب؟


أمّا
لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من
كلّ متكلم : إنّ الحسن هو الذي ألقى
بنفسه إلى التهلكة ، فإنّ معاوية طلب
منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى
وبغى ، وعلى الباغي تدور الدوائر ،
وحينئذ يتمّ لمعاوية وأبي سفيان ما
أرادا من الكيد للإسلام وإرجاع الناس
إلى جاهليتهم الاُولى وعبادة اللاّت
والعزى ، ولا يُبقي معاوية من أهل
البيت نافخ ضرمة ، بل كان نظر الإمام
الحسن (عليه السلام) في قبول
الصلح أدقّ من هذا وذاك ، أراد أن يفتك
به ويظهر خبيئة حاله ، وما ستره في
قرارة نفسه قبل أن يكون غالباً أو
مغلوباً ، وبدون أن يزجّ الناس في حرب ،
ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء ».


إنّ
معاوية المسلم ظاهراً العدّو للإسلام
حقيقة وواقعاً ، كان يخدع الناس بغشاء
رقيق من الدين خوفاً من رغبة الناس إلى
الحسن وأبيه من قبل ، فأراد الحسن أن
يخلّي له الميدان، حتى يُظهِر ما
يُبطِن، وهكذا فعل.


وفور
إبرام الصلح; صعد المنبر في جمع غفير من
المسلمين، وقال : « إنّي ما قاتلتكم
لتصوموا ولا لتصلّوا ...»!!.


اُنظر
ما صنع الإمام الحسن بمعاوية في صلحه،
وكيف هدّ جميع مساعيه وهدم كلّ مبانيه
حتى ظهر الحقّ وزهق الباطل ، وخسر
هنالك المبطلون، فكان الصلح في تلك
الظروف هو الواجب المتعيّن على


الحسن ، كما أنّ الثورة على «يزيد» في
تلك الظروف كان هو الواجب المتعيّن على
أخيه الإمام الحسين ، كلّ ذلك للتفاوت
بين الزمانين، والاختلاف بين الرجلين (
أي: معاوية وابنه ) .


ولو
لا صلح الإمام الحسن ـ الذي فضح معاوية
وشهادة الإمام الحسين(عليه السلام)
التي قضت على يزيد وانقرضت بها الدولة
السفيانية بأسرع وقت ـ لذهبت
جهود جدّهما بطرفة عين ، ولصار الدين
دين آل أبي سفيان ، دين الغدر والفسق
والفجور ، دين إبادة الصالحين
واستبقاء الفجرة الفاسقين .


ولو
قيل : لماذا لم ينتهج الإمام الحسن (عليه
السلام) سبيل الشهادة كما فعل الإمام
الحسين (عليه السلام)، فإنَّ الحسين (عليه
السلام) أيضاً كان يعلم أنّه لن
يستطيع تحقيق النصر العسكري على يزيد ؟


فالجواب
:


1
ـ إنّ معاوية كان يُظهر الإسلام، ويزيد
كان يتجاهر بالفسق والفجور ، فضلاً عن
دهاء الأب وبلادة الابن .


2
ـ مثّلت خيانة الكوفيين بالنسبة إلى
الحسين (عليه السلام) خطوته الموفّقة
في التمهيد لنجاحه المطّرد في التاريخ
، ولكنّها كانت بالنسبة إلى أخيه الحسن(عليه
السلام) ( يوم مسكن والمدائن ) عقبته
الكؤود عن تطبيق عملية الجهاد، فإنّ
حوادث نقض بيعة الحسين كانت قد سبقت
تعبئته للحرب ، فجاء جيشه الصغير يوم
وقف به للقتال ، منخولاً من كلّ شائبة
تضيره كجيش إمام له أهدافه المثلى[9]
.


التحليل
الثاني :


إن
معاوية كان قد نشط في عهد الخليفتين
الثاني والثالث بإمارته على الشام
عشرين سنة ، تمكّن بها في أجهزة الدولة
، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت
الخاصة في الشام كلّها من أعوانه ،
وعظم خطره في الإسلام ، وعرف في سائر
الأقطار بكونه من قريش اُسرة النبي (صلى
الله عليه وآله) وأنّه من أصحابه ، حتى
كان في هذه أشهر من كثير من السابقين
الأولين الذين رضي الله عنهم ورضوا
عنه، كأبي ذرّ وعمّار والمقداد
وأضرابهم .


هكذا
نشأت « الاُموية » مرّةً اُخرى ، تغالب
الهاشمية باسم الهاشمية في علنها ،
وتكيد لها كيدها في سرّها ، فتندفع مع
انطلاق الزمن تخدع العامة بدهائها ،
وتشتري الخاصة بما تغدقه عليهم من
أموال الاُ مّة ، وبما تؤثرهم به من
الوظائف التي ما جعلها الله للخونة من
أمثالهم ، تستغل مظاهر الفتح وإحراز
الرضا من الخلفاء، حتى إذا استتبّ أمر
« الاُموية » بدهاء معاوية; انسلّت إلى
أحكام الدين انسلال الشياطين ، تدسّ
فيها دسّها ، وتفسد إفسادها، راجعة
بالحياة إلى جاهلية تبعث الاستهتار
والزندقة وفق نهج جاهلي وخطة نفعية
ترجوها « الاُموية » لاستيفاء منافعها
، وتسخّرها لحفظ امتيازاتها[10]
.


والناس
عامة لا يفطنون لشيء من هذا ، فإنّ
القاعدة المعمول بها في الإسلام ـ أعني
قولهم : الإسلام يجبّ ما قبله ـ ألقت
على فظائع « الاُموية » ستراً حجبها ،
ولا سيما بعد أن عفا عنها رسول الله
وتألّفها ، وبعد أن قرّبها الخلفاء
منهم ، واصطفوها بالولايات على
المسلمين ، وأعطوها من الصلاحيات ما لم
يعطوا غيرها من ولاتهم، فسارت في الشام
سيرتها عشرين عاماً لا يتناهون عن منكر
فعلوه ولا ينهون .


وقد
كان الخليفة الثاني عظيم المراقبة
لبعض عمّاله دقيق المحاسبة لهم دون
بعض، لا يأخذه في ذلك مانع من الموانع
أصلاً ، تَعْتَعَ بخالد بن الوليد
عامله على « قنسرين » إذ بلغه
أنّه أعطى الأشعث عشرة آلاف، فأمر به
فعقله « بلال الحبشي » بعمامته ،
وأوقفه بين يديه على رِجل واحدة مكشوف
الرأس على رؤوس الأشهاد من رجال الدولة
ووجوه الشعب في المسجد الجامع بحمص ،
يسأله عن العشرة آلاف أهي من ماله أم من
مال الاُ مّة؟ فإن كانت من ماله فهو
الإسراف والله لا يحبّ المسرفين ، وإن
كانت من مال الاُ مّة فهي الخيانة
والله لا يحب الخائنين ، ثم عزله فلم
يولّه بعد حتى مات .


وكم
لعمر مع بعض عمّاله من أمثال ما فعله
بخالد وأبي هريرة يعرفها المتتبّعون!
لكنّ معاوية كان أثيره وخلّصه ، على ما
كان من التناقض في سيرتيهما، ما كفّ
يده عن شيء ولا ناقشه الحساب في شيء ،
وربّما قال له : « لا آمرك ولا أنهاك
» ، يفوّض له العمل برأيه، فشدّة
مراقبة الخليفة الثاني ودقّة محاسبته
كانت من نصيب بعض عمّاله، ولم تشمل
الجميع على حدّ سواء، إذ أنّ معاوية ـ
وهو عامله على الشام ـ كان طليق اليدين
يفعل ما تشاء أهواؤه وما تبغيه شهواته.


وهذا
ما أطغى معاوية ، وأرهف عزمه على تنفيذ
خططه « الاُموية » وقد وقف الحسن
والحسين من دهائه ومكره إزاء خطر فظيع
، يهدّد الإسلام باسم الإسلام ، ويطغى
على نور الحقّ باسم الحقّ ، فكانا في
دفع هذا الخطر أمام أمرين لا ثالث لهما
: إمّا المقاومة وإمّا المسالمة، وقد
رأيا أنّ المقاومة في دور الحسن تؤدي
لا محالة إلى فناء هذا الصفّ المدافع
عن الدين وأهله ، والهادي إلى الله
عزّوجل وإلى صراطه المستقيم .


ومن
هنا رأى الحسن (عليه السلام) أن يترك
معاوية لطغيانه ، ويمتحنه بما يصبو
اليه من الملك ، لكن أخذ عليه في عقد
الصلح أن لا يعدو الكتاب والسنّة في
شيء من سيرته وسيرة أعوانه، وأن لا
يطلب أحداً من الشيعة بذنب أذنبه مع
الاُموية ، وأن يكون لهم من الكرامة
وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين ،
وأن ، وأن ، وأن، إلى غير ذلك من الشروط
التي كان الإمام الحسن عالماً بأنّ
معاوية لا يفي له بشيء منها وأنّه
سيقوم بنقائضها .


هذا
ما أعدَّه (عليه السلام) لرفع الغطاء عن
الوجه « الاُموي » المموّه ، ولصهر
الطلاء عن مظاهر معاوية الزائغة ،
ليبرز حينئذ هو وسائر أبطال « الاُموية
» كما هم جاهليّون لم تخفق صدورهم بروح
الإسلام لحظة ، ثأريّون لم تنسهم مواهب
الإسلام ومراحمه شيئاً من أحقاد بدر
واُحد والأحزاب .


وبالجملة:
فإنّ هذه الخطّة ثورة عاصفة في سلم لم
يكن منه بدّ ، أملاه ظرف الإمام الحسن(عليه
السلام)، إذ التبس الحقّ بالباطل ،
وتسنّى للطغيان فيه سيطرة مسلّحة
ضارية، ما كان الحسن(عليه السلام)
ببادئ هذه الخطة ولا بخاتمها ، بل
أخذها فيما أخذه من إرثه ، وتركها مع ما
تركه من ميراثه ، فهو كغيره من أئمة هذا
البيت(عليهم السلام) يسترشد الرسالة في
إقدامه وإحجامه، امتحن بهذه الخطّة
فرضخ لها صابراً محتسباً وخرج منها
ظافراً طاهراً.


تهيّأ
للحسن(عليه السلام) بهذا الصلح أن يفرش
في طريق معاوية كميناً من نفسه يثور
عليه من حيث لا يشعر فيرديه ، وتسنّى له
أن يلغم نصر الاُموية ببارود الاُموية
نفسها، فيجعل نصرها جفاءً وريحَها
هباءً .


لم
يطل الوقت حتى انفجرت اُولى القنابل
المغروسة في شروط الصلح، انفجرت من نفس
معاوية يوم نشوته بنصره ، إذ انضمّ جيش
العراق إلى لوائه في النخيلة، فقال ـ
وقد قام خطيباً فيهم ـ : « يا أهل العراق!
إنّي والله لم اُقاتلكم لتصلّوا ولا
لتصوموا ولا لتزكّوا ، ولا لتحجّوا ،
وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وقد
أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا
وأنّ كلّ شيء أعطيته للحسن ابن علي
جعلته تحت قدميّ هاتين »[11]
.


ثمّ
تتابعت سياسة معاوية ، تتفجر بكلّ ما
يخالف الكتاب والسنّة من كلّ منكر في
الإسلام ، قتلاً للأبرار وهتكاً
للأعراض وسلباً للأموال وسجناً
للأحرار، ختم معاوية منكراته هذه بحمل
خليعه المهتوك على رقاب المسلمين ،
يعيث في دينهم ودنياهم ، فكان من خليعه
ما كان يوم الطفّ ، ويوم الحرّة ، ويوم
مكة إذ نصب عليهم العرّادات والمجانيق
.


ومهما
يكن من أمر فالمهمّ أنّ الحوادث جاءت
تفسّر خطّة الإمام الحسن وتجلوها،
وكان أهمّ ما يرمي اليه سلام الله عليه
أن يرفع اللثام عن هؤلاء الطغاة ،
ليحول بينهم وبين ما يبيّتون لرسالة
جدّه من الكيد، وقد تمّ له كلّ ما أراد
، حتى برح الخفاء وآذن أمر الاُموية
بالجلاء، والحمد لله رب العالمين .


وبهذا
استتبّ لصنوه سيد الشهداء أن يثور
ثورته التي أوضح الله بها الكتاب ،
وجعله فيها عبرة لاُولي الألباب .


وقد
كانا (عليهما السلام) وجهين لرسالة
واحدة ، كلّ وجه منهما في موضعه منها،
وفي زمانه من مراحلها ، يكافئ الآخر في
النهوض بأعبائها ويوازنه بالتضحية في
سبيلها، فالحسن (عليه السلام) لم يبخل
بنفسه ، ولم يكن الحسين (عليه السلام)
أسخى منه بها في سبيل الله ، وإنّما صان
نفسه يجنّدها في جهاد صامت ، فلمّا حان
الوقت كانت شهادة كربلاء شهادة حسنيّة
قبل أن تكون حسينيّة . وكان يوم ساباط
أعرق بمعاني التضحية من يوم الطفّ لدى
اُولي الألباب ممّن تعمّق، لأنّ
الإمام الحسن (عليه السلام) اُعطي من
البطولة دور الصابر على احتمال
المكاره في صورة مستكين قاعد، وكانت
شهادة الطفِّ حسنيّة أولاً وحسينيّة
ثانياً ; لأنّ الحسن أنضج نتائجها
ومهّد أسبابها .


وقد
وقف الناس ـ بعد حادثتي ساباط والطفّ ـ
يمعنون في الأحداث; فيرون في هؤلاء
الاُمويين عصبة جاهلية منكرة ، بحيث لو
مثلت العصبيات الجلفة النذلة الظلوم
لم تكن غيرهم ، بل تكون دونهم في الخطر
على الإسلام وأهله . . .[12] .


زبدة
المخض :

إذن
تتلخّص أسباب الصلح فيما يلي :


1
ـ ضعف أنصار الإمام وتخاذلهم وعدم
انصياعهم لأوامره بعد تأثير دسائس
معاوية فيهم، وبهذا سوف لا تجدي
المقاومة بل سوف تتحتّم الانتكاسة
للخط الرسالي أمام مكر معاوية ، وعلى
الإمام أن يحافظ على بقاء هذا الخط
وتناميه في مجتمع يسوده مكر معاوية
وخدائعه .


2
ـ ويترتّب على انتكاسة جيش الإمام
الحسن (عليه السلام) استشهاده مع
الخلَّص من أهل بيته وأصحابه أو أسرهم
وبقاؤهم أحياءً في سجن معاوية أو إطلاق
سراحهم مع بقائهم في موقع الضعف بعد
الامتنان عليهم بالحرّية، وكل هذه
النتائج غير محمودة .


فإنّ
الاستشهاد إذا لم يترتّب عليه أثر
مشروع عاجل أو آجل فلا مبرّر له، ولا
سيما إذا اقترن بتصفية الخط الإمامي
وإبادته الشاملة .


3
ـ صيانة الثلّة المؤمنة بحقّانية أهل
البيت (عليهم السلام) وحفظهم من
التصفية والإبادة الاُموية الشاملة
بعد إحراز بقاء الحقد الاُموي لبني
هاشم ومن يحذو حذوهم، كما أثبتته حوادث
التاريخ الإسلامي الدامي .


4
ـ حقن دماء المسلمين حيث لا تجدي الحرب
مع الفئة الباغية .


5
ـ كشف واقع المخطّط الاُموي الجاهلي
وتحصين الاُ مّة الإسلامية ضدّه بعد
أن مهّدت الخلافة لسيطرة صبيان بني
اُمية على زمام قيادة الاُ مّة
المسلمة والتلاعب بمصير الكيان
الإسلامي ومصادرة الثورة النبويّة
المباركة.


6
ـ ضرورة تهيئة الظروف الملائمة
لمقارعة الكفر والنفاق المستتر من
موقع القوّة .


لقد
خفيت الأسباب الحقيقية التي كانت تكمن
وراء الموقف الإلهي الذي اتّخذّه
الإمام المعصوم على كثير من الناس
المعاصرين للحدث وعلى بعض اللاحقين من
أصحاب الرؤى السطحية أو المُضَلَّلين
الذين وقعوا تحت تأثير التزييف
للحقائق، لكن الأحداث التي أعقبت
الصلح والسياسات العدوانية التي
انتهجها معاوية وبقية الحكام
الاُمويين والتي ألحقت أضراراً جسيمة
بالإسلام والمسلمين كشفت عن بعض أسرار
موقف الإمام الحسن (عليه السلام) .



[1] يراجع صلح الحسن
، لآل ياسين : ص259 ، وقد اعتمد في نقله
على اُمهات الكتب والمصادر التاريخية
كالطبري وابن الاثير وابن قتيبة
والمقاتل وغيرها .


[2] زندگانى امام حسن
: 223 .


[3] علل الشرايع : 200 .


[4] بحار الأنوار : 44 /
19 .


[5] الاحتجاج
للطبرسي : 148 .


[6] بحار الأنوار : 44 /
22 .


[7] ينابيع المودة :
293 .


[8] بحار الأنوار : 44 /
21 ـ 28 .


[9] صلح الحسن للشيخ
راضي آل ياسين : 371 ـ 372 .


[10] للتعرّف على
عداء معاوية وموبقاته التي تمثّلت في
تعطيله الحدود الإلهية وتحريف الأحكام
الشرعية وشرائه لأديان الناس وضمائرهم
وخلاعته ومجونه وافتعاله للحديث
وغيرها من المنكرات الفظيعة، راجع
حياة الإمام الحسن : 2 / 145 ـ 210 .


[11] صلح الإمام
الحسن : 285 عن المدائني ، وراجع أيضاً
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 16،
وتأريخ اليعقوبي : 2 / 192 .


[12] راجع مقدمة صلح
الإمام الحسن للشيخ راضي آل ياسين .

/ 31