أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



6
ـ استنكار الموقف المتخاذل :


وهكذا
وقف أهل الكوفة هذا الموقف المتخاذل من
قائدهم وإمامهم ، إذ سكتوا حيث طلب
منهم الإجابة على ندائه بالخروج إلى
معسكرهم في النخيلة، فتحوّلت أعينهم
وهلعت قلوبهم ، فلمّا رأى ذلك عدي بن
حاتم الطائي قام فقال :


«
أنا ابن حاتم ، سبحان الله ! ما أقبح هذا
المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت
نبيّكم؟ أين خطباء المصر الذين
ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا
جَدّ الجدّ فروّاغون كالثعالب؟ أما
تخافون مقت الله ، ولا عيبها وعارها ».


ثم
استقبل الإمام الحسن بوجهه ، فقال :


«
أصاب الله بك المراشد وجنّبك المكاره
ووفّقك لما تحمد ورده وصدره، قد سمعنا
مقالتك وانتهينا إلى أمرك وسمعنا لك
وأطعنا فيما قلت ورأيت وهذا وجهي إلى
معسكري ، فمن أحبّ أن يوافيني فليواف »
ثمّ مضى لوجهه ، فخرج من المسجد ودابته
بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر
غلامه أن يلحقه بما يصلحه ، وكان عدي بن
حاتم أول الناس عسكراً[1].


وقام
قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن
قيس الرياحي وزياد ابن صعصعة التيمي
فأنّبوا الناس ولاموهم وحرّضوهم
وكلّموا الإمام الحسن بمثل كلام عدي بن
حاتم في الإجابة والقبول ، فقال لهم
الإمام الحسن (عليه السلام) : « صدقتم
رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النيّة
والوفاء والقبول والمودّة الصحيحة
فجزاكم الله خيراً »[2]
، ثم نزل وخرج الناس فعسكروا ونشطوا
للخروج ، وخرج الإمام الحسن (عليه
السلام) إلى المعسكر واستخلف على
الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن
عبد المطلب وأمره باستحثاث الناس
وإشخاصهم اليه ، فجعل يستحثّهم
ويخرجهم حتى يلتئم العسكر وسار الإمام
(عليه السلام) في عسكر عظيم وعدّة حسنة
حتى انتهى إلى النخيلة .


وهكذا
بدأت المسيرة ، ولكن دون أن يكون دافع
الحركة اختيارياً بتثاقل وإكراه تفرضه
طبيعة الموقف المتخاذل ، ولولا الصفوة
الخيّرة والثلّة المؤمنة; لانقلب
ميزان الموقف وانتصرت عوامل الضعف
عاجلاً ، ولكن موقف هؤلاء المتصلّب
المنطلق من إيمانهم الجاد بحكمة
القائد ولزوم اتباعه وأحقّيته
بالخلافة ، كان من أقوى الأسباب التي
حفظت للجيش تماسكه وانقياده وبعث
النشاط والحماس فيه .


7
ـ الاتجاهات المتضادة في جيش الإمام (عليه
السلام) :


كان
جيش الإمام (عليه السلام) يتكوّن من
خليط غريب ، فقد تجمّعت فيه عدّة
اتجاهات مختلفة وعناصر متضادة ، ويمكن
بالنظرة الاُولى تصنيفه إلى فئات :


أ
ـ الخوارج : وهم الذين خرجوا عن طاعة
الإمام عليّ (عليه السلام) وحاربوه
وناوؤه ونصبوا له العداوة ، فكانوا قد
وجدوا من الإمام الحسن (عليه السلام)
حلاًّ وسطاً ، فانضموا اليه لمحاربة
معاوية ، وهؤلاء اُناس تستثيرهم أدنى
شبهة عارضة فيتعجّلون الحكم عليها ،
وسنرى أنّهم كيف وثبوا على الإمام
الحسن (عليه السلام) فيما بعد .


ب
ـ الفئة الممالئة للحكم الاُموي ، وهي
على قسمين :


1
ـ وهم الذين لم يجدوا في حكومة الكوفة
ما يشبع نهمهم ويروي من ظمئهم فيما
يحلمون به من مطامع يطمحون اليها ،
فأضمروا ولاءهم للشام مترقّبين سنوح
الفرصة للوثوب على الحكم وتسليم الأمر
لمعاوية .


2
ـ وهم الذين حقدوا على حكومة الكوفة
لضغائن في نفوسهم أورثتها العهود
السالفة أو حسابات شخصية .


وسنرى
فيما بعد خيانة هؤلاء وكتابتهم
لمعاوية تزلّفاً وطمعاً في الحظوة
عنده .


ج
ـ الفئة المتأرجحة ، التي ليس لها مسلك
معيّن أو جهة خاصة مستقلّة ، وإنّما
هدفها ضمان السلامة وبعض المطامع عند
الجهة التي ينعقد لها النصر ، فهي
تترقّب عن كثب إلى أيّ جهة تنقلب
الاُمور ليميلوا معها .


د
ـ الفئة التي تثيرها بعض العصبيات
القبلية أو الإقليمية .


هـ
ـ الغوغاء ، وهي الفئة التي لا تستند في
موقفها إلى أساس متين .


و
ـ الفئة المؤمنة المخلصة ، وهي القلّة
الخيّرة التي يذوب صوتها في زحام
الأصوات الاُخرى المعاكسة لها
والمتناحرة فيما بينها .


فجيش
الإمام (عليه السلام) خليط لا يربط بين
فئاته هدف واحد ، وهو معرض للانقسام
والتفكّك لدى أيّ بادرة للانقسام من
شأنها أن تفسد أيّ خطة مهما كانت حنكة
القائد الذي وضع تلك الخطة ، وقد شعر
الإمام (عليه السلام) بخطورة هذا
الموقف بين هذا الخليط الذي يحمل عوامل
الانقسام على نفسه .


وذكر
السيد ابن طاووس ـ رضوان الله تعالى
عليه ـ في « الملاحم والفتن» كلاماً
يؤثر عنه (عليه السلام) يعبّر عن ضعف
ثقته بجيشه ، وكان من أبلغ ما أفضى به
في هذا الصدد ، وذلك في خطابه الذي خاطب
به جيشه في المدائن قائلاً :


«
.. وكنتم في مسيركم إلى صفّين ، ودينكم
أمام دنياكم ، وأصبحتم اليوم ودنياكم
أمام دينكم ، وأنتم بين قتيلين: قتيل
بصفّين تبكون عليه ، وقتيل بالنهروان
تطلبون منّا بثأره ، وأمّا الباقي
فخاذل ، وأمّا الباكي فثائر »[3]
.


وكان
معاوية قد عرف نقاط الضعف التي ابتلي
بها جيش الإمام (عليه السلام) ، فرسم
للموقف خطة حاسمة ابتكرتها له الظروف
الموضوعية من شأنها أن تحسم الأمر بينه
وبين الإمام ، وذلك بدعوته للصلح
والتظاهر بإعطائه الشروط التي يريد ،
فإن يقبل بذلك فإنّ أَحبولته التي
حاكها حول قادة الإمام ورؤساء جيشه
كافية لأن تمنع الالتحام بين
المعسكرين ، وتدفع بالإمام الحسن (عليه
السلام) إلى الرضا بالأمر الواقع .


8
ـ طلائع جيش الإمام الحسن (عليه
السلام) :


انتهى
الإمام الحسن (عليه السلام) بجيشه إلى
النخيلة ، فأقام فيها ونظّم الجيش ،
ثمّ ارتحل عنها وسار حتى انتهى إلى «
دير عبد الرحمن » فأقام به ثلاثة أيام
ليلتحق به المتخلّفون من جنده ،
وأرسل مقدمة جيشه للاستطلاع على حال
العدو وإيقافه في محلّه ، واختار إلى
مقدّمته خلّص أصحابه وخيرة عناصر جيشه
، وكان عددهم اثني عشر ألفاً ، وأعطى
القيادة العامة إلى ابن عمّه عبيد الله
بن العباس ، وقد زوّده قبل تحرّكه بهذه
الوصية القيّمة وهي :


«
يابن العمّ! إنّي باعث معك اثني عشر
ألفاً من فرسان العرب وقرّاء المصر ،
الرجل منهم يزيد الكتيبة ، فسر بهم ،
وألِن لَهُم جانبك ، وابسط لهم وجهك ،
وافرش لهم جناحك ، وأدنهم من مجلسك ،
فإنّهم بقية ثقات أمير المؤمنين ، وسر
بهم على شطّ الفرات ، ثمّ امضِ حتى
تستقبل بهم معاوية ، فإن أنت لقيته
فاحتبسه حتى آتيك ، فإنّي على أثرك
وشيكاً ، وليكن خبرك عندي كلّ يوم ،
وشاور هذين ـ قيس بن سعد وسعيد بن
قيس ـ إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى
يقاتلك فإن فعل فقاتله ، وإن اُصبت
فقيس بن سعد على الناس ، فإن أُصيب
فسعيد بن قيس على الناس »[4] .


9
ـ خيانة قائد الجيش :

وصل
عبيد الله بن العباس إلى « مسكن »[5]
فعسكر فيها ، وقابل العدوّ وجهاً لوجه
، وعندها بدأت تظهر بوادر الفتنة بوضوح
، وانطلقت دسائس معاوية تشقّ طريقها
إلى المعسكر حيث تجد المجال الخصب
بوجود المنافقين ومن يؤثرون العافية ،
وكانت الشائعة الكاذبة « أنّ الحسن
يكاتب معاوية على الصلح فلِمَ تقتلون
أنفسكم ؟ »[6]
.


وارتبك
الموقف أمام قائد الجيش وسرت همهمة في
الجيش عن صدق الشائعة أو كذبها ، فبين
مصدّق لها وبين مكذّب ، وبين من يحاول
إثباتها على أيّ حال ، ولم يحاول
القائد عبيد الله أن يتأكّد من كذب هذه
الشائعة وبُعدها عن الواقع ، لأنّ
الإمام الحسن (عليه السلام) كان
مشغولاً في تلك الأثناء ببعث الرسل إلى
الأطراف وتهيئة الكتائب اللاحقة
بالطلائع ومكاتبة معاوية بالحرب وبعث
الحماس بخطبه اللاهبة المحرضة على
القتال ، ولم يكتب في صلح ولم يكن من
رأيه آنذاك أبداً .


فَسَرَتْ
الحيرة في نفس قائد الجيش ممّا دفعه
للانطواء ، فأخذ يفكّر في مصيره ، وكان
قد بلغه تخاذل الكوفيين عن التحرّك نحو
المعركة وتباطؤهم عن تلبية نداء
الجهاد ، فبدت في نفسه بعض التصورات من
أنّه في موقف لا يغبط عليه ، وأنّ هذه
الطلائع من جيش الكوفة والتي تقف في
مواجهة جيش الشام المكتظ لا يمكن أن
تقاوم تلك الجموع الحاشدة أو تلتحم
معها في معركة مع فقدان توازن القوى
بينها .


وبينا
هو يعيش هذه الحيرة وتلك الأوهام وصلته
رسائل معاوية وهي تحمل في طيّاتها
عوامل الإغراء التي تمسّ الوتر
الحسّاس في نفس ابن عباس من حبّه
للتعاظم وتطلّعه للسبق ، وكان معاوية
قد خبر نقاط الضعف التي يحملها عبيد
الله هذا .


وكانت
رسالة معاوية تحمل : « أنّ الحسن قد
راسلني في الصلح ، وهو مسلِّم الأمر
إليّ ، فإن دخلت في طاعتي كنت متبوعاً ،
وإلاّ دخلت وأنت تابع » وجعل له فيها
ألف ألف درهم[7]
.


وكان
أسلوب معاوية في حربه مع أعدائه هو
استغلال نقاط الضعف في خصومه ،
واستغلال كلّ ما من شأنه أن يوهن
العزيمة ويشلّ القوى فيهم .


وهكذا
انكفأ عبيد الله بن عباس على نفسه
واستجاب لداعي الخيانة ، ملتمساً
لعدوّه الذي وتره بابنيه ، مخلّفاً
وراءه لعنة التاريخ ، وقد شاء لنفسه أن
ينحدر إلى هذا المستوى الساقط فيدخل
حمى معاوية ليلاً دخول المهزوم
المخذول ، الذي يأباه كلّ حرٍّ ينبض
عنده الضمير .


وينبلج
الصبح عن افتقاد المعسكر قائده ، فترقص
قلوب المنافقين والمسالمين ، وتدمى
عيون المخلصين ، هذا والحسن (عليه
السلام) لا يزال في موقفه الصلب بضرورة
مقاتلة معاوية .


ويكاد
الأمر ينتقض على الإمام (عليه السلام)
في مسكن ، ولكنّ القائد الشرعي ـ وهو
الرجل المؤمن الصامد قيس بن سعد بن
عبادة الذي جعله الإمام (عليه السلام)
خلفاً لعبيد الله بن العباس إذا غاب عن
القيادة ـ حاول جاداً في أن يحافظ على
البقية الباقية من معنويات الجيش
المنهارة بانهزام القائد وإقرار
التماسك بين فرقِهِ وأفراده ، فقام
فيهم خطيباً وقال :


«
أيّها الناس! لا يهولنّكم ولا يعظمنّ
عليكم ما صنع هذا الرجل المولَّه ، إنّ
هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قطّ
، إنّ أباه عمّ رسول الله خرج يقاتله
ببدر ، فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو
الأنصاري ، فأتى به رسول الله فأخذ
فداءه فقسّمه بين المسلمين ، وإنّ أخاه
ولاّه على البصرة فسرق ماله ومال
المسلمين ، فاشترى به الجواري وزعم أنّ
ذلك له حلال ، وإنّ هذا ولاّه على اليمن
فهرب من بسر بن أرطاة ، وترك ولده حتى
قتلوا ، وصنع الآن هذا الذي صنع »[8]
.


وهكذا
اندفع قيس الصامد في موقفه ، المؤمن
بهدفه ، يودّع سلفه بهذه الكلمات
الساخرة اللاذعة التي تكشف عن الماضي
الهزيل له ، وعن نفسيته الساقطة التي
دفعته للتردّي في هذا المنحدر السحيق .


وقد
فعل قيس في نفوس سامعيه ما أراد ،
فانطلقت الحناجر بحماس وتوثّب تنادي :
« الحمد لله الذي أخرجه من بيننا »[9]
فصنع قيس حالة من الشدّ والعزيمة في
ذلك الموقف الذي كان للانهيار المؤلم
الوشيك عرضة ، وعاد النظام يسيطر على
عناصر الجيش ، واطمأنّ الناس لقائدهم
الجديد .


[1] أعيان الشيعة : 4 /
19 ـ 20 .


[2] المصدر السابق .


[3] صلح الإمام الحسن
: 70 .


[4] حياة الإمام
الحسن : 2 / 76 .


[5] موضع قريب من «
أوانا » على نهر الدجيل ، وبها كانت
الواقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب
بن الزبير سنة / 72 هـ .


[6] شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد : 16 / 42 .


[7] شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد : 16 / 42 .


[8] مقاتل الطالبيين
: 35 .


[9] مقاتل الطالبيين
: 35 .

/ 31