أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




7
ـ تهيّؤ الإمام علىٍّ(عليه السلام)
لجهاد معاوية :

لمّا
أخفقت جميع الوسائل التي سلكها الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) من أجل
السلم بعد إصرار معاوية على محاربة
السلطة الشرعية والإطاحة بالخلافة
الإسلامية وإعادة المثل الجاهلية
وزحفه بجيشه الى صفين واحتلال الفرات ،
تهيّأ(عليه السلام) للحرب وقد استدعى
المهاجرين والأنصار الذين خفّوا
لنجدته، فقال لهم : «إنّكم ميامين
الرأي ، مراجيح الحلم ، مقاويل بالحقّ
، مباركو الفعل والأمر ، وقد أردنا
المسير الى عدوّنا فأشيروا علينا
برأيكم» .


فانطلق
عدد من كبار الشخصيات الإسلامية من
أمثال: عمّار بن ياسر وسهل بن حنيف
ومالك الأشتر وقيس بن سعد وعدي بن حاتم
وهاشم بن عتبة ، ليعربوا عن دعمهم
لقرار الإمام(عليه السلام) في السير
الى العدوّ ومواجهته[1].


وكان
قد خطب الإمام الحسن(عليه السلام)
خطاباً هامّاً وقتذاك قال فيه : «الحمد
لله لا إله غيره ، وحده لا شريك له ،
واُثني عليه بما هو أهله ، إنّ ممّا
عظّم الله عليكم من حقّه وأسبغ عليكم
من نعمه ما لا يحصى ذكره ، ولا يؤدّى
شكره ، ولا يبلغه صفة ولا قول ، ونحن
إنّما غضبنا لله ولكم ، فإنّه منّ
علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه
وبلاءه ونعماءه قولاً يصعد الى الله
فيه الرضا ، وتنتشر فيه عارفة الصدق ،
يصدق الله فيه قولنا ، ونستوجب فيه
المزيد من ربّنا ، قولاً يزيد ولا
يبيد، فإنّه لم يجتمع قوم قطّ على أمر
واحد إلاّ اشتد أمرهم، واستحكمت
عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوّكم
معاوية وجنوده ، فإنّه قد حضر ، ولا
تخاذلوا فإنّ الخذلان يقطع نياط القلب
، وإنّ الإقدام على الأسنّة نجدة وعصمة
لأنّه لم يمتنع[2]
قوم قطّ إلاّ رفع الله عنهم العلّة ،
وكفاهم جوائح[3]
الذلّة ، وهداهم معالم الملّة.


ثم أنشد:





  • والصلحتأخذ منه ما رضيت به
    والحرب يكفيك منأنفساها جرع[4]



  • والحرب يكفيك منأنفساها جرع[4]
    والحرب يكفيك منأنفساها جرع[4]



لقد
حفل خطابه البليغ بالدعوة إلى الوحدة
والتعاون لمحاربة الطغاة البغاة،
واستجاب الناس لدعوته فاسرعوا لنصرة
الحق والدفاع عن الدين الحنيف.


8
ـ في معركة صفّين :

احتشد
الجيشان في صفيّن، وبَذَلَ الإمام علي
(عليه السلام) العديد من المساعي
لتفادي وقوع الحرب مع معاوية، إلاّ
أنّها لم تفلح، ممّا اضطرّ الإمام
عليّاً(عليه السلام) لخوض غمار حرب
استمرت عدة أشهر، وراح خلالها ـ ضحيةً
لسلطوية معاوية ـ الآلاف من
المسلمين والمؤمنين .


وكان
للإمام الحسن(عليه السلام) دور بارز في
حرب صفّين ، فقد نقل المؤرّخون: أنّ
الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)
عندما نظّم صفوف جيشه جعل الميمنة
بقيادة الإمام الحسن(عليه السلام)
وأخيه الإمام الحسين(عليه السلام)
وعبدالله بن جعفر ومسلم بن عقيل[5]، وفي هذه الأثناء
أراد معاوية أن يجسّ نبض الإمام الحسن(عليه
السلام) فبعث اليه عبيدالله بن عمر
يمنّيه بالخلافة ويخدعه حتى يترك أباه(عليه
السلام) فانطلق عبيدالله، فقال له : لي
إليك حاجة .


فقال
له (عليه السلام) : نعم، ما تريد؟


فقال
له عبيدالله : «إنّ أباك قد وتر قريشاً
أولاً وآخراً ، وقد شنؤوه فهل لك أن
تخلفه ونولّيك هذا الأمر؟»[6]
.


فأجابه
الإمام الحسن(عليه السلام) بكلّ حزم : «كلا
والله لا يكون ذلك»[7] ، ثم أردف قائلاً
: «لكأنّي أنظر إليك مقتولاً في يومك أو
غدك ، أما إنّ الشيطان قد زيّن لك وخدعك
حتى أخرجك مخلقاً بالخلوق[8]
وترى نساء أهل الشام موقفك ، وسيصرعك
الله ويبطحك لوجهك قتيلاً»[9] .


ورجع
عبيدالله الى معاوية وهو خائب حسير قد
أخفق في مهمته، وأخبره بحديث الإمام(عليه
السلام) فقال معاوية : «إنّه ابن أبيه»[10].


وخرج
عبيدالله في ذلك اليوم الى ساحة الحرب
يقاتل مع معاوية، فلقي حتفه سريعاً على
يد رجل من قبيلة همدان ، واجتاز الإمام
الحسن(عليه السلام) في ساحة المعركة،
فرأى رجلاً قد توسّد رجلاً قتيلاً وقد
ركز رمحه في عينه وربط فرسه في رجله ،
فقال الإمام(عليه السلام) لمن حوله :
اُنظروا من هذا؟ فأخبروه أن الرجل من
همدان وأنّ القتيل عبيدالله بن عمر[11]
.


ومن
الواضح أنّ هذا الحادث من كرامات
الإمام الحسن(عليه السلام) حيث أخبر عن
مصير عبيدالله قبل وقوعه ، وأنبأه
بنهايته الذليلة ، وقد تحقّق ذلك بهذه
السرعة .


9
ـ إملكوا عنّي هذا الغلام :

لم
تكن المواجهة في صفّين على وتيرة واحدة
، فكانت تارةً على شكل مناوشات بين
الفريقين ، وتارة اُخرى كانت بصورة
التحام كامل بين الجيشين ، وأول
مواجهة حيث اتّخذت شكل الالتحام العام
رأى الإمام علىّ(عليه السلام) ابنه
الإمام الحسن(عليه السلام) يستعدّ
ليحمل على صفوف أهل الشام ، فقال لمن
حوله : «إملكوا عنّي هذا الغلام
لا يهدّني[12] فإنّني أنفس[13]
بهذين الغلامين ـ يعني الحسن والحسين ـ
لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله»[14] .


10
ـ الإمام الحسن(عليه
السلام) والتحكيم :

بعد
أن مضت عدّة أشهر على المواجهة بين جيش
الإمام علىّ(عليه السلام) وجيش معاوية
، وبعد الخسائر الكبيرة التي لحقت
بالجانبين ، أوشك جيش الحقّ بقيادة
أمير المؤمنين(عليه السلام) على تحقيق
النصر ووضع حدٍّ لهذا النزف الذي أوجده
معاوية في جسم الاُمّة الإسلامية ،
إلاّ أنّ عمرو بن العاص أنقذ جيش
معاوية من الهزيمة المؤكدة، عندما دعا
هذا الجيش الى رفع المصاحف على الرماح
والمطالبة بتحكيم القرآن بين الجانبين
.


واضطرّ
الإمام علىّ(عليه السلام) لقبول
التحكيم بعد أن مارس جمع من المقاتلة
ضغوطاً كبيرة عليه ، فقد انطلت عليهم
خدعة ابن العاص بسبب جهلهم، كما وظّف
المنافقون والانتهازيون القضية
لتدعيم ضغوط الجهلة على الإمام
المظلوم(عليه السلام).


وبعد
أن انخدع أبو موسى الأشعري ـ ممثّل
العراقيّين ـ بحيلة عمرو بن العاص ـ
ممثّل الشاميين ـ في قضيّة التحكيم;
التفت الذين فرضوا التحكيم على الإمام(عليه
السلام) الى الخطأ الجسيم الذي وقعوا
فيه ، فتوجّهوا الى الإمام علي(عليه
السلام) يطلبون منه أن ينقض تعهداته
التي أمضاها استجابة لضغوطهم، وأن
يستأنف الحرب مع معاوية، وفوق ذلك كلّه
اعتبروا أنّ الإمام(عليه السلام) أخطأ
بقبوله التحكيم، فرفعوا شعار «لا حكم
إلاّ لله» ، الأمر الذي بات ينذر
باضطراب آخر وفاجعة جديدة في أوساط جيش
الإمام علىّ(عليه السلام) .


ومن
هنا رأى الإمام(عليه السلام) ضرورة
الحيلولة دون وقوع الفاجعة ، وذلك بأن
يدعو شخصاً يتمتّع بثقة الجميع
واحترامهم ليلقي فيهم خطاباً يتضمّن
إبطالاً لحكم أبي موسى الأشعري
بالدليل والبرهان ، ويبيّن لهم
مشروعية القبول بأصل التحكيم، فاختار
الإمام(عليه السلام) ابنه الإمام الحسن(عليه
السلام)فقال له : قم يا بنيّ ، فَقُل في
هذين الرجلين عبدالله بن قيس (يعني: أبو
موسى الأشعري) وعمرو بن العاص ، فقام
الإمام الحسن(عليه السلام) فاعتلى
أعواد المنبر، وهو يقول : «أيّها الناس!
قد أكثرتم في هذين الرجلين، وإنّما
بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى، فحكما
بالهوى على الكتاب، ومن كان هكذا لم
يسمّ حكماً ولكنّه محكوم عليه ، وقد
أخطأ عبدالله ابن قيس إذ جعلها
لعبدالله بن عمر فأخطأ في ثلاث خصال:
واحدة أنّه خالف أباه إذ لم يرضه لها
ولا جعله من أهل الشورى ، واُخرى أنّه
لم يستأمره في نفسه[15]،
وثالثها أنّه لم يجتمع عليه المهاجرون
والأنصار الذين يعقدون الإمارة
ويحكمون بها على الناس .


وأمّا
الحكومة فقد حكّم النبىّ(صلى الله عليه
وآله) سعد بن معاذ في بني قريضة فحكم
بما يرضى الله به ، ولا شك لو خالف لم
يرضه رسول الله(صلى الله عليه وآله)»[16]
.


لقد
عرض الإمام الحسن(عليه السلام) في
خطابه الرائع أهم النقاط الحسّاسة
التي هي محور النزاع ومصدر الفتنة،
فأبان(عليه السلام) أنّ المختار
للتحكيم إنّما يتبع قوله، ويكون رأيه
فيصلاً للخصومة فيما إذا حكم بالحقّ،
ولم يخضع للنزعات والأهواء الفاسدة ،
وأبو موسى لم يكن في تحكيمه خاضعاً
للحقّ، وإنّما اتّبع هواه فرشّح
عبدالله بن عمر للخلافة، مع أنّ أباه
كان لا يراه أهلاً لها ، مضافاً الى أنّ
الشرط الأساسي في الانتخاب اجتماع
المهاجرين والأنصار على اختياره ولم
يحصل ذلك له، كما أعرب(عليه السلام) في
خطابه عن مشروعية التحكيم بالأمر الذي
أنكرته الخوارج، مستدلاً عليه بتحكيم
النبىّ(صلى الله عليه وآله) لسعد بن
معاذ في بني قريضة .


11
ـ وصية الامام أمير المؤمنين إلى ابنه
الحسن :


ووجّه
الإمام لدى عودته من صفّين بمنطقة يقال
لها: «حاضرين» وصيةً مهمّة إلى ابنه
الحسن (عليه السلام) وقد تضمّنت دروساً
بليغة :


«من
الوالد الفان ، المقرّ للزمان[17]
، المدبر العمر ، المستسلم للدنيا ،
الساكن مساكن الموتى ، والظاعن[18] عنها غداً ،
الى المولود المؤمّل ما لا يُدرك ،
السالك سبيل من قد هلك ، غرض الأسقام[19]
، ورهينة[20]
الأيام ، ورميّة[21]
المصائب ...


أمّا
بعد: فإن فيما تبيّنت من إدبار الدنيا
عنّي ، وجموح الدهر[22] عليّ ، وإقبال
الآخرة إليّ ، ما يَزَعُني[23]
عن ذكر مَن سواي، والإهتمام بما ورائي[24]،
غير أني حيث تفرّد بي دون هموم الناس
همّ نفسي ، فصدفني[25]
رأيي ، وصرفني عن هواي ، وصرّح لي محض
أمري[26]
، فأفضى بي الى جِدّ لا يكون فيه لَعِب،
وصِدق لا يشوبه كَذِب . ووجدتُك بعضي،
بل وجدتك كلّي، حتى كأنَّ شيئاً لو
أصابك أصابني ، وكأنَّ الموت لو أتاك
أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من
أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي مستظهراً
به[27] إن أنا بقيتُ
لك أو فنيتُ .


فإني
أوصيك بتقوى الله ـ أي بُني ـ ولزوم
أمره، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام
بحبله . وأيُّ سبب أوثق من سبب بينك
وبين الله إن أنت أخذت به؟


أحي
قلبك بالموعظة ، وأمِته بالزهادة،
وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ،
وذلّله بذكر الموت، وقرّره بالفناء[28]
وبصّره فجائع الدنيا وحذّره صولة
الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيام ،
وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما
أصاب مَن كان قبلك من الأوّلين ، وسر في
ديارهم وآثارهم ، فانظر فيما فعلوا
وعمّا انتقلوا ، وأين حَلّوا ونزلوا ،
فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة ،
وحلّوا ديار الغربة ، وكأنّك عن قليل
قد صرت كأحدهم . فأصِلحْ مثواك ، ولا
تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا
تعرف ، والخطاب فيما لم تُكلّف .


وخُضِ
الغمرات[29]
للحقّ حيث كان ، وتفقّه في الدّين ،
وعوّد نفسك التصبّر على المكروه ،
ونِعْمَ الخُلُق التصبر في الحق ،
وألجئ نفسك في أمورك كلّها الى إلهك ،
فإنّك تلجئها الى كهف[30]
حريز[31]
، ومانع عزيز .


فتفّهم
يا بُنيّ وصيّتي، واعلم أنّ مالك الموت
هو مالك الحياة ، وأنّ الخالق هو
المميت ، وأنّ المفني هو المعيد ، وأنّ
المبتلي هو المُعافي ، وأنّ الدنيا لم
تكن لتستقرّ إلاّ على ما جعلها الله
عليه من النعماء والإبتلاء والجزاء في
المعاد، أو ما شاء ممّا لا تعلم ...
فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسوّاك،
وليكن له تعبّدك ، وإليه رغبتك ، ومنه
شفقتك[32].


واعلم
يا بُني أنّ أحداً لم ينبئ عن الله
سبحانه كما أنبأ عنه الرسول (صلى الله
عليه وآله)فارضَ به رائداً ، والى
النجاة قائداً ، فإنّي لم آلُك[33] نصيحة فإنّك لن
تبلغ في النظر لنفسك ـ وإن اجتهدت ـ
مبلغ نظري لك .


واعلم
يا بني أنّه لو كان لربّك شريك
لأَتَتْكَ رُسلُه ، ولرأيت آثار ملكه
وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ،
ولكنّه إله واحد كما وصف نفسه ، لا
يضادّه في ملكه أحد ، ولا يزول أبداً
ولم يزل . أوّلٌ قبل الأشياء بلا
أوّليّة ، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية،
عَظُمَ عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب
أو بصر، فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي
لمثلك أن يفعله في صِغَر خَطَره[34]
وقلّة مقدرته وكثرة عجزه ، وعظيم حاجته
الى ربّه ، في طلب طاعته ، والخشية من
عقوبته ، والشفقة من سخطه ، فإنّه لم
يأمرك إلاّ بحسن ولم ينهك إلاّ عن قبيح
.


...
يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك
وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك
، واكره له ما تكره لها ، ولا تَظلم كما
لا تُحبّ أن تُظلم ، وأحسن كما تحبّ أن
يُحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما
تستقبحه من غيرك ، وارض من الناس بما
ترضاه لهم من نفسك ولا تقل ما لا تعلم
وإن قلّ ما تعلم ، ولا تقل ما لا تحب أن
يقال لك .


واعـلم
أنّ الإعجـاب[35]
ضـد الصـواب ، وآفـة الألبـاب[36]،
فاسـعَ فـي


كـدحك[37]
ولا تكن خازناً لغيرك[38]
، وإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون
لربّك .


...
واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات
والأرض قد أذن لك في الدعاء، وتكفّل لك
بالإجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ،
وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك
وبينه من يحجبك عنه .


...
ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن
لك فيه من مسألته ، فمتى استفتحت
بالدعاء أبواب نعمته ، واستمطرت شآبيب[39]
رحمته ، فلا يُقنّطك[40]
إبطاء إجابته ، فإنّ العطيّة على قدر
النيّة، وربّما أُخّرت عنك الإجابة
ليكون ذلك أعظم لأجر السائل ، وأجزل
لعطاء الآمل، وربّما سألت الشيء فلا
تؤتاه ، واُوتيت خيراً منه عاجلاً أو
آجلاً ، أو صُرف عنك لما هو خيرٌ لك ،
فلرُبّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو
اُوتيته فلتكن مسألتك فيما يبقى لك
جماله ، ويُنفى عنك وباله ، فالمال لا
يبقى لك ولا تبقى له .


...
يا بُني! أكثِر من ذكر الموت ، وذكر ما
تهجُم عليه ، وتُفضي بعد الموت إليه
حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك[41]
وشددت له أزرك ، ولا يأتيك بغتة فيبهرك[42]،
وإيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد[43]
أهل الدنيا إليها ، وتكالبهم[44]
عليها ، فقد نبأك الله عنها ، ونَعَتْ[45]هي
لك عن نفسها ، وتكشّفتْ لك عن مساويها،
فإنّما أهلها كلاب عاوية ، وسباع ضارية[46]
، يهرّ[47]
بعضها على بعض، ويأكل عزيزها ذليلها ،
ويقهر كبيرها صغيرها .


...
واعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك ، ولن
تعدو أجلك ، وأنّك في سبيل من كان قبلك
، فخفّض[48]
في الطلب ، وأجمل[49]
في المكتسب، فإنّه رُبَّ طلب قد جرّ
الى حَرَب[50]
فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل
بمحروم، واكرِم نفسك عن كل دنيّة[51] وإن ساقتك الى
الرغائب[52]
، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك
عوضاً[53].


ولا
تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً، وما
خيرُ خير لا يُنال إلاّ بشرّ ، ويسر[54]
لا يُنال إلاّ بعسر[55]؟.


وإيّاك
أن تُوجف[56]
بك مطايا[57]
الطمع ، فتوردك مناهل[58]
الهلكة[59]،
وإن استطعت ألاّ يكون بينك وبين الله
ذو نعمة فافعل ، فإنّك مدركٌ قَسْمَكَ
، وآخذ سهمك ، وإنّ اليسير من الله
سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من
خَلْقِه وإن كان كلّ منه .


...
ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك ، ولا
ترغبنّ فيمن زهد عنك ، ولا يكوننّ أخوك
أقوى على قطيعتك منك على صلته ، ولا
تكوننّ على الإساءة أقوى منك على
الإحسان، ولا يَكبُرنَّ عليك ظلم من
ظلمك ، فإنّه يسعى في مضرته ونفعك ،
وليس جزاء من سرّك أن تسوءه.


واعلم
يا بُنيّ! أنّ الرزق رزقان : رزق تطلبه
ورزق يطلبك ، فإنّ أنت لم تأته أتاك ،
ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء
عند الغنى! إنما لك من دنياك ما أصلحت
به مثواك[60]وإن
كنت جازعاً على ما تفلّت[61]
من يديك ، فاجزع على كلّ ما لم يصل
إليك، استدل على ما لم يكن بما قد كان ،
فإنّ الاُمور أشباه ، ولا تكوننّ ممن
لاتنفعه العِظَة إلاّ إذا بالغت في
إيلامه ، فإنّ العاقل يتّعظ بالآداب ،
والبهائم لا تتّعظ الاّ بالضرب .


...
استَودِعِ الله دينك ودُنياك ،
واسألهُ خير القضاء لكَ في العاجلة
والآجلة والدنيا والآخرة ، والسلام .


[1] زندگانى أمير
المؤمنين : 2 / 52 ـ 57 فقد نقل كلمات
التأييد التي اُلقيت آنذاك .


[2] الامتناع :
العزّة والقوة .


[3] الجوائح : جمع ،
مفردها جائحة وهي الدواهي والشدائد .


[4] شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد : 1 / 283 .


[5] مناقب ابن
شهرآشوب : 3 / 168 .


[6] حياة الإمام
الحسن : 1 / 492 .


[7] المصدر السابق :
492 ـ 493 .


[8] الخلوق : الطيب .


[9] حياة الإمام
الحسن : 492 ـ 493 .


[9] حياة الإمام
الحسن : 492 ـ 493 .


[9] حياة الإمام
الحسن : 492 ـ 493 .


[12] يهدّني : أي
يهلكني .


[13] أنفس : أبخل .


[14] حياة الإمام
الحسن : 1 / 497 .


[15] وفي رواية ابن
قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 144 «أنه
لم يستأمر الرجل في نفسه ولا علم ما
عنده من رد أو قبول» .


[16] حياة الإمام
الحسن : 1 / 530 ـ 532 .


[17] المقر للزمان :
المعترف له بالشدة .


[18] الراحل .


[19] غرض الأسقام :
هدف الأمراض ترمي إليه سهامها .


[20] الرهينة :
المرهونة .


[21] ما أصاب السهم .


[22] جموح الدهر :
استقصاؤه وتغلّبه .


[23] يزعني: يكفّني
ويصدني.


[24] ما ورائي:
كناية عن أمر الآخرة.


[25] صدفه: صرفه.


[26]محض الأمر:
خالصه.


[27] مستظهراً به:
مستعيناً به.


[28] قرره بالفناء:
اطلب منه بالإقرار بالفناء.


[29] الغمرات :
الشدائد .


[30] الكهف : الملجأ
.


[31] حريز : الحافظ .


[32] شفقتك : خوفك .


[33] لم آلك النصيحة
: أي لم أقصّر في نصيحتك .


[34] خطره : أي قدره .


[35] استحسان ما
يصدر عن النفس مطلقاً .


[36] آفة : علّة .


[37] الكدح : أشد
السعي .


[38] خازناً لغيرك :
تجمع المال ليأخذه الوارثون بعدك .


[39] شآبيب : جمع
الشؤبوب ـ بالضم ـ وهو الدفعة من المطر
، وما أشبه رحمة الله بالمطر ينزل على
الأرض الموات فيحييها .


[40] القنوط : اليأس
.


[41] الحِذر ـ
بالكسر ـ: الاحتراز والاحتراس .


[42] بهر ـ كمنع ـ :
غلب ، أي يغلبك على أمرك .


[43] إخلاد أهل
الدنيا : سكونهم اليها .


[44] التكالب :
التواثب .


[45] نعاه : أخبر
بموته . والدنيا بحالها عن فنائها .


[46] ضارية : مولعة
بالافتراس .


[47] يهرّ ـ بكسر
الهاء ـ: يعوي وينبح وأصلها هرير الكلب
وهو صوته دون حاجة من قلة صبره على
البرد فقد شبه الإمام أهل الدنيا
بالكلاب العاوية .


[48] خفّض : أمر من
خفّض ـ بالتشديد ـ: أي ارفق .


[49] أجمل في كسبه :
أي سعى سعياً جميلاً لا يحرص فيمنع
الحق ولا يطمع فيتناول ما ليس بحق .


[50] حَرَب ـ
بالتحريك ـ: سلب المال .


[51] الدنيّة :
الشيء الحقير المبتذل .


[52] الرغائب : جمع
رغيبة ، وهي ما يرغب في اقتنائه من مال
وغيره .


[53] عِوضاً : بدلاً
.


[54] اليُسر :
السهولة ، والمراد سعة العيش .


[55] العُسر :
الصعوبة ، والمراد ضيق العيش .


[56] توجف: تسرع .


[57] المطايا : جمع
مطية ، وهي ما يركب ويمتطى من الدواب
ونحوها .


[58] المناهل : ما
ترده الإبل ونحوها للشرب .


[59] الهلكة :
الهلاك والموت .


[60] مثواك : مُقامك
، من ثوى يثوي : أقام يقيم ، والمراد هنا
منزلتك من الكرامة .


[61] تفلّت ـ بتشديد
اللام ـ : أي تملّص من اليد فلم تحفظه .

/ 31