أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ج
ـ عليّ

تمثّل
أمام قريش الفشل في القضاء على
المسلمين حقيقة واضحة، ولكنّها
الجاهلية والعناد والإصرار على الكفر،
فعادت قريش تتهيّأ مرةً اُخرى لتوجيه
الضربة القاضية للمسلمين، وذلك
بالتحالف مع القبائل الجاهلية الاُخرى
واليهود أيضاً، حتى بلغ عددهم عشرة
آلاف يقودها أبو سفيان[1]،
وازداد غيظ وحقد المشركين حين واجهوا
الاُسلوب الدفاعي والتكتيك الحربي
الّذي اتّخذه الرسول (صلى الله
عليه وآله)، بعد أن استشار أصحابه
فأشار سلمان الفارسي(رضي الله عنه)
بحفر الخندق، غير أنّ الاندفاع
والحماس والغرور بالعدّة والعدد كان
قويّاً في نفوس الأحزاب المجتمعة
لقتال المسلمين والقضاء على الإسلام
نهائياً.

وتمكّن
بعض فرسان قريش من عبور الخندق من مكان
ضيّق فيه، فأصبحوا هم والمسلمون على
صعيد واحد، فازداد المسلمون خوفاً على
خوفهم وخرج عليّ بن أبي طالب في نفر من
المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي
أقحموا منها خيلهم.

فوقف
عمرو بن عبد ودّ يطلب المبارزة ويتحدّى
المسلمين، وهدأت أصوات المسلمين أمام
صيحاته وكأنّ على رؤوسهم الطير، كلّ
يفكر في نفسه ويحسب لهذا الفارس ألف
حساب.

فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل
يبارزه أحد ؟ فبرز إليه عليّ (عليه
السلام) فقال: أنا له يارسول الله،
فأجلسه النبيّ، وللمرّة الثانية
والثالثة طالب عمرو المبارزة فلم يكن
يجيبه إلاّ عليّ (عليه السلام) وفي كلّ
مرّة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يطلب منه الجلوس[2] ثم أذن النبيّ
لعليّ بعد أن عمّمه بعمامته وقلّده
بسيفه وألبسه درعه، ثمّ رفع يديه وقال:
«اللّهم إنّك أخذت عبيدة يوم بدر وحمزة
يوم اُحد وهذا عليّ أخي وابن عمّي فلا
تذرني فرداً وأنت خير الوارثين»[3].

وبرز
عليّ (عليه السلام) الى ساحة المعركة
بعد أن قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): «برز الإيمان كلّه الى الشرك
كلّه»[4].

وانحدر
عليّ (عليه السلام) نحو عمرو والثقة
بنصر الله تملأ قلبه، أمّا عمرو فقد
كان لقاؤه مع عليّ مفاجأة له، وفي هذا
الموقف تردّد عمرو في مبارزة عليّ (عليه
السلام) فقال له: يا عمرو، إنّك كنت في
الجاهلية تقول: لا يدعوني أحد إلى
ثلاثة إلاّ قبلتها أو واحدة منها، قال:
أجل.

قال
عليّ (عليه السلام): فإنّي أدعوك إلى
شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً
رسول الله وأن تسلم لربّ العالمين، قال:
أخّر عني هذه، قال علي (عليه السلام):
أما إنّها خير لك لو أخذتها، ثمّ قال:
ترجع من حيث جئت، قال: لا تتحدّث نساء
قريش بهذا أبداً، قال عليّ (عليه
السلام): تنزل تقاتلني.

فغضب
عمرو عند ذلك ونزل عن فرسه وعقرها، ثمّ
أقبل على عليّ (عليه السلام)
فتقاتلا، وضربه عمرو بسيفه فاتّقاه
عليّ بدرقته، فأثبت فيها السيف وأصاب
رأسه، ثمّ ضربه عليّ على عاتقه فسقط
الى الأرض يخور بدمه، وعندها كبّر علي (عليه
السلام) وكبّر المسلمون خلفه، وانجلت
الواقعة عن مصرع عمرو، وفرّ أصحابه من
هول ما شاهدوه، فلحق بهم عليّ فسقط
نوفل بن عبدالله في الخندق فنزل إليه
علي فقتله[5].

وتلقّت
الأحزاب هذه الضربة القاسية بدهشة
واستغراب، لأنّها لم تكن تتوقّع أنّ
أحداً يجرؤ على قتل عمرو بن عبدودّ،
فدبّ الخوف في نفوسهم ولم يجسر أحد
منهم على تكرار المحاولة إلاّ أنّهم
بقوا محاصرين للمدينة فترة من الزمن
حتى أذن الله بهزيمتهم حين استخدم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) اُسلوباً آخر
لمحاربتهم.

وامتاز
عليّ (عليه السلام) على جميع من حضروا
غزوة الخندق باُمور:

1
ـ مبادرته لحماية الثغرة التي عبر منها
عمرو وأصحابه، والتي تدلّ على الحزم
والإقدام في مواجهة الطوارئ في ساحة
المعركة.

2
ـ مبارزته عَمْراً وقتله، وقد تردّد
المسلمون في مبارزته فلم يخرج إليه
أحد، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) مشيداً بموقف عليّ (عليه السلام):
«لمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن
عبدودّ يوم الخندق أفضل من عمل اُ مّتي
الى يوم القيامة»[6].

3
ـ الشجاعة والقوّة الفائقة التي ظهرت
منه (عليه السلام) طوال المعركة تمثلت
واضحة حينما لحق المنهزمين الذين
عبروا مع عمرو بن عبدود، وهو راجل وهم
فرسان.

4
ـ الأخلاق العالية التي كان يتميز بها (عليه
السلام) في شتّى المواقف، مظهراً فيها
عظمة الرسالة والرسول، منها أنه لم
يسلب عَمْراً درعه مع أنّها من الدروع
الممتازة بين دروع العرب.

5
ـ إن قتله (عليه السلام) عَمْراً
ونوفلاً ولحوقه بالمنهزمين كان سبباً
في إعادة الثقة للمسلمين بنفوسهم
بعدما رأوا الجمع الكبير لقريش
وأحلافها، وأيضاً كان سبباً لهزيمة
المشركين مع ما أصابهم من الريح والبرد
وسبب خوفهم من أن يعاودوا الغزو.

6
ـ الشرف الرفيع الذي ناله عليّ (عليه
السلام) بشهادة الرسول حين قال (صلى
الله عليه وآله) عند مبارزة عليّ (عليه
السلام): «برز الإيمان كلّه الى الشرك
كلّه»[7].

د
ـ عليّ

(عليه
السلام) في صلح الحديبية[8]
:

بعد
الأحداث المتغيّرة والمؤلمة والمعارك
الدامية التي خاضها النبيّ (صلى
الله عليه وآله) والمسلمون مع قريش
واليهود; تمكّنت الرسالة الإسلاميّة
أن تخطو خطوات بعيدة المدى تحقّق من
خلالها للمسلمين كياناً واضحاً
ووجوداً مستقلاً وقوة لابدّ من حسابها
في شتى الميادين.

وكان
المسلمون يشغفون شوقاً لزيارة الكعبة
ويتذكّرونها كلّما وقفوا في صلاتهم
متّجهين نحوها. في هذا الوقت من عمر
الرسالة الإسلامية عزم النبيّ (صلى
الله عليه وآله) على أداء فريضة من
فرائض الإسلام بأمر من الله، فقرّر
الحجّ واتّخذ كلّ الإجراءات والتدابير
اللازمة لمثل هذه الخطوة حتّى أعلن (صلى
الله عليه وآله) مراراً أنّه لا يريد
الحرب ضد قريش أو غيرها.

ولمّا
علمت قريش بالخبر، اجتمعت كلمتهم على
منعه (صلى الله عليه وآله) من دخول مكّة
مهما كلّفهم ذلك من جهد وخسائر،
وأرسلوا خالد بن الوليد على رأس جماعة
من الفرسان ليقطع عليه الطريق.

وحين
نزل النبيّ (صلى الله عليه وآله)
والمسلمون منطقة «الجحفة»; كان الماء
قد نفد لديهم ولم يجدوا ماءً، فأرسل (صلى
الله عليه وآله) الروايا فلم يتمكّنوا
من جلب الماء لتردّدهم وخوفهم من قريش،
عندها دعا (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه
السلام) وأرسله بالروايا لجلب الماء،
وخرج السقاة وهم لا يشكّون في رجوعه
لمّا رأوا من رجوع من تقدّمه، فخرج
عليٌّ (عليه السلام) حتى وصل «الحرار»
واستقى، ثمّ أقبل بها إلى النبيّ (صلى
الله عليه وآله) ولها زَجَل، فلمّا دخل
كبّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ودعا
له بالخير[9].

ثم
إن قريشاً اضطرّت النبيّ أن يعدل عن
الطريق المؤدّي الى مكّة، وانحرف به
رجل من «أسلم» الى طريق وعرة المسالك
خرجوا منها الى ثنية المراد، فهبط
الحديبيّة، وحاولت قريش أكثر من مرّة
التحرّش بالمسلمين ومهاجمتهم بقيادة
خالد بن الوليد، لكنّ عليّاً (عليه
السلام) وجماعة من المسلمين الأشدّاء
كانوا يصدّون تلك الغارات ويفوّتون
الفرصة على قريش في جميع محاولاتها
العدوانية[10].

واضطرّت
قريش أن تفاوض النبيّ (صلى الله عليه
وآله) بعدما رأت العزيمة والإصرار منه
ومن المسلمين على دخول مكّة، فأرسلت
إليه مندوبين عنها للتفاوض، وكان
آخرهم سهيل بن عمر وحويطب من بني
عبدالعزّى. ويبدو أنّ المفاوضات لم
تنحصر بخصوص قضيّة الدخول الى مكّة في
ذلك العام[11]
بل تناولت اُموراً اُخرى لصالح
الطرفين.

فقد
روي أنّ عليّاً (عليه السلام) قال: لمّا
كان يوم الحديبيّة; خرج إلينا ناس من
المشركين فقالوا لرسول الله (صلى الله
عليه وآله): يا محمّد! خرج إليك اُناس من
أبنائنا وإخواننا وأرقّائنا وليس لهم
فقه في الدين، وإنّما خرجوا فراراً من
أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا، فقال:
إذا لم يكن لهم فقه في الدين كما تزعمون
سنفقّههم فيه، وأضاف الى ذلك: يا معشر
قريش! لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليكم
من يضرب رقابكم بالسيف قد امتحن الله
قلبه بالإيمان، فقال له أبو بكر وعمر
والمشركون: من هو ذلك الرجل يارسول
الله، فقال (صلى الله عليه وآله): هو
خاصف النعل، وكان قد أعطى نعله لعليّ (عليه
السلام) يخصفها[12].

وبعد
أن تمّ الاتّفاق بين الطرفين على بنود
الصلح; دعا رسول الله (صلى الله
عليه وآله) عليّ بن أبي طالب فقال له:
اُكتب يا عليّ، بسم الله الرحمن
الرحيم، فقال سهيل: أمّا الرحمن فوالله
ما أدري ماهو لكن اكتب باسمك اللّهمّ،
فقال المسلمون: والله لانكتبها إلاّ
بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبيّ (صلى
الله عليه وآله): اُ كتب باسمك
اللّهمّ، هذا ما قاضى عليه محمّد رسول
الله، فقال سهيل: لو كنّا نعلم أنّك
رسول الله ما صددناك عن البيت ولا
قاتلناك، ولكن اكتب محمّد بن عبدالله،
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله):
إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، ثمّ
قال لعليّ (عليه السلام): امحِ رسول
الله، فقال (عليه السلام): يارسول الله،
إنّ يدي لا تنطلق لمحو اسمك من
النبوّة، فأخذه رسول الله فمحاه، ثمّ
قال له: أما إنّ لك مثلها وستأتيها وأنت
مضطرّ لذلك[13].

وتمّت
كتابة بنود الصلح بخط عليّ بن أبي طالب
(عليه السلام).

هـ
ـ عليّ

(عليه
السلام) في غزوة خيبر[14]
:

لمّا
تم عقد صلح الحديبية إطمأنّ النبيّ على
مصير الرسالة الإسلاميّة من ناحية
قريش وباقي أطراف عرب الجزيرة الذين
كانوا على شركهم، لأنّ بنود الصلح كانت
تميل الى ترجيح كفّة المسلمين، يضاف
الى ذلك تنامي قوّة المسلمين عِدّة
وعُدّة، فقد أقبل على الإسلام خلق
كثير، والعرب أدركوا أنّ قريشاً على
عتوّها وطغيانها وقوّتها قد انكسرت
شوكتها وفشلت خططها في القضاء على
الإسلام عن طريق القوّة، ولذا بدا
التوقيع على عقد الصلح استسلاماً من
جانب قريش.

وبقيت
قوّة اُخرى تثير الشغب وتمثّل النفاق
والغدر، تلك هي جموع اليهود الذين
كانوا خارج المدينة، فكان النبيّ (صلى
الله عليه وآله) يراقبهم خشية أن
يقوموا بعمل معادي بدعم خارجي،
وخصوصاً أنّ تأريخ اليهود مليء بالغدر
ونقض العهود، لذا قرّر النبيّ (صلى
الله عليه وآله) غزو «خيبر» معقل
اليهود وحصنهم. فأمر (صلى الله
عليه وآله) أصحابه أن يتجهّزوا للغزو
بأسرع وقت، فتمّ ذلك فخرج من المدينة
وأعطى الراية لعليّ (عليه السلام) ومضى
يجدّ السير باتّجاه خيبر، فوصل اليهم
ليلاً ولم يعلم به أهلها، فخرجوا عند
الصباح، فلمّا رأوه عادوا وامتنعوا في
حصونهم، فحاصرهم النبيّ وضيّق عليهم
ونشبت معارك ضارية بين الطرفين حول
الحصون، وتمكّن النبيّ (صلى الله
عليه وآله) من فتح بعض حصونهم، واستمرّ
الحال هذا من الحصار والقتال بضعاً
وعشرين يوماً، وبقيت بعض الحصون
المنيعة، فبعث النبيّ (صلى الله عليه
وآله) برايته أبا بكر فرجع ولم يصنع
شيئاً، وفي اليوم الثاني بعث بها عمر
بن الخطاب فرجع خائباً كصاحبه يجبّن
أصحابه ويجبّنه أصحابه، وهنا عزَّ على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يعقد
بيده لواءً فيرجع خائباً، أو يوجّه
أحداً نحو هدف فيرتدّ منهزماً، فأعلن (صلى
الله عليه وآله) كلمة خالدة تتضمّن
معان عميقة ومغاز جليلة، فقال بصوت
رفيع يسمعه أكثر المسلمين: «لأعطينّ
الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله
ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير
فرّار يفتح الله عليه، جبرئيل عن يمينه
وميكائيل عن شماله»[15].

فاشرأبّت
الأعناق وامتدّت وتمنّى كلّ واحد أن
يكون مصداق ذلك، حتى أنّ عمر بن الخطاب
قال: ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ،
وتمنّيت أن اُعطى الراية[16].

فلمّا
طلع الفجر، قام النبيّ(صلى الله عليه
وآله) فدعا باللواء والناس على
مصافّهم، ثمّ دعا عليّاً (عليه السلام)،
فقيل: يارسول الله! هو أرمد، قال:
فأرسلوا له، فذهب اليه سلمة ابن الأكوع
وأخذ بيده يقوده حتى أتى به النبيّ (صلى
الله عليه وآله) وقد عصّب عينيه، فوضع
النبيّ رأس عليّ في حجره، ثمّ بلَّ يده
من ريقه ومسح بها عيني عليّ فبرأتا حتى
كأن لم يكن بهما وجع، ثمّ دعا النبيّ
لعليّ بقوله: اللّهمّ إكفه الحرّ
والبرد[17].

ثمّ
ألبسه درعه الحديد وشدَّ ذا الفقار
الّذي هو سيفه (صلى الله عليه وآله) في
وسطه وأعطاه الراية ووجّهه نحو الحصن،
فقال (صلى الله عليه وآله): «أنفذ على
رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى
الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ
الله تعالى فيه، فوالّذي نفسي بيده،
لإن يهدي بهداك ـ أو لإن يهدي الله
بهداك ـ رجلاً واحداً خير من أن يكون لك
حمر النعم».

قال
سلمة: فخرج والله يهرول هرولةً وإنّا
لخلفه نتّبع أثره حتّى ركز رايته في
رخم من حجارة تحت الحصن، فأطلع إليه
يهوديّ من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال:
«أنا عليّ بن أبي طالب».

قال:
قال اليهودي لأصحابه: غلبتم، وما اُنزل
على موسى[18].

ثمّ
خرج إليه أهل الحصن، وكان أوّل من خرج
إليه الحارث أخو «مرحب» وكان معروفاً
بالشجاعة، فانكشف المسلمون ووثب عليّ (عليه
السلام)، فتضاربا وتقاتلا فقتله عليّ (عليه
السلام) وانهزم اليهود الى الحصن، ثمّ
خرج مرحب وقد لبس درعين وتقلّد بسيفين
واعتمّ بعمامتين ومعه رمح لسانه ثلاثة
أسنان.

فاختلف
هو وعليّ بضربتين، فضربه عليٌّ بسيفه
فقدّ الحجر الذي كان قد ثقبه ووضعه على
رأسه، وقدّ المغفر، وشقّ رأسه نصفين
حتى وصل السيف الى أضراسه، ولمّا أبصر
اليهود ماحلّ بفارسهم «مرحب»; ولّوا
منهزمين الى داخل الحصن وأغلقوا بابه.

فصار
عليّ (عليه السلام) إليه فعالجه حتى
فتحه، وأكثر الناس من جانب الخندق ـ
الّذي حول الحصن ـ لم يعبروا معه (عليه
السلام) فأخذ باب الحصن فقلعه وجعله
على الخندق جسراً لهم حتى عبروا وظفروا
بالحصن ونالوا الغنائم[19].

وروي:
أنّه اجتمع عدّة رجال على أن يحرّكوا
الباب فما استطاعوا.

قال
ابن عمرو: ما عجبنا من فتح الله خيبر
على يدي عليّ (عليه السلام) ولكنّا
عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين
ذراعاً، ولقد تكلّف حمله أربعون رجلاً
فما أطاقوه، فأخبر النبيّ (صلى الله
عليه وآله) بذلك فقال: «والذي نفسي بيده
لقد أعانه عليه أربعون ملكاً».

وروي
أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في
رسالته الى سهل بن حنيف: «والله ما قلعت
باب خيبر ورميت به خلف ظهري أربعين
ذراعاً بقوّة جسدية ولا حركة غذائية،
لكّني اُيّدت بقوّة ملكوتية ونفس بنور
ربّها مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من
الضوء[20].

و
ـ عليّ

(عليه
السلام) في فتح مكّة[21]
:

ساد
الهدوء والسلم الأجواء المحيطة بقريش
والمسلمين، والتزم رسول الله (صلى
الله عليه وآله) بكامل بنود الحديبية،
غير أنّ قريشاً كانت تنوي نقض
المعاهدة، وقد تصوّرت أن ضعفاً أصاب
المسلمين بعد انسحابهم من معركة «مؤتة»
منهزمين، فأدّى استخفافها بالمسلمين
الى التآمر على أحلاف النبيّ (صلى الله
عليه وآله) من خزاعة، فحرّضت بعض
أحلافها من بني بكر، فوقعت بينهما
مناوشات فتغلّب بنو بكر بمعونة قريش
على خزاعة، وبهذا فقد نقضت قريش
المعاهدة وأعلنت الحرب على المسلمين.

فعزم
النبيّ (صلى الله عليه وآله) على محاربة
قريش، وقال كلمته المشهورة: «لانصرت إن
لم أنصر خزاعة» وأخذ يستعدّ لذلك وهو
يحرص على أن لا يذاع هذا الأمر، ولكن
حاطب بن أبي بلتعة سرّب الخبر، فأرسل
كتاباً الى قريش مع امرأة يخبرهم بما
عزم عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله)،
وقبل خروجها من ضواحي المدينة; نزل
الوحي على النبيّ وأخبره بذلك، فأرسل
خلفها بالفور عليّاً والزبير، وأمرهما
بأن يجدّا السير في طلبها قبل أن تفلت
منهما، فأدركاها على بعد أميال من
المدينة، فأسرع إليها الزبير وسألها
عن الكتاب فأنكرته وبكت فرقّ لها
الزبير، ورجع عنها ليخبر عليّاً
ببراءتها وقال له: ارجع لنخبر الرسول
بذلك، فقال عليّ (عليه السلام): إنّ
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبرنا
بأنّها تحمل كتاباً وتقول أنت بأنّها
لا تحمل شيئاً، ثمّ شهر عليّ (عليه
السلام) سيفه وأقبل عليها حتى استخرج
الكتاب منها، ورجع إلى النبيّ (صلى
الله عليه وآله) وسلّمه إيّاه[22].

ولمّا
أتمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)
الاستعدادات والتجهيزات اللازمة
للخروج الى مكّة; أعطى لواءه الى عليّ (عليه
السلام) ووزّع الرايات على زعماء
القبائل ومضى يقطع الطريق باتّجاه
مكّة.

ولمّا
رأت قريش أنّها لا طاقة لها أمام
النبيّ (صلى الله عليه وآله) والمسلمين;
استسلمت ولم تجد بُـدّاً من أن يدخل
كلّ فرد منهم داره ليأمن على نفسه
انقياداً للأمان الذي أعلنه النبيّ
لهم[23].

وروي:
أنّ سعد بن عبادة كان معه راية رسول
الله (صلى الله عليه وآله) على الأنصار
ولمّا مرَّ على أبي سفيان وهو واقف
بمضيق الوادي (في الطريق الى مكّة) قال
أبو سفيان: من هذه؟ قيل له: هؤلاء
الأنصار عليهم سعد بن عبادة مع الراية،
فلمّا حاذاه سعد قال: يا أبا سفيان،
اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلّ
الحرمة، اليوم أذلّ الله قريشاً،
فلمّا مرَّ رسول الله (صلى الله عليه
وآله) بأبي سفيان وحاذاه أبو سفيان
ناداه: يا رسول الله! أمرت بقتل قومك
فإنّه زعم سعد ومن معه حين مرّ بنا أنه
قاتلنا فإنّه قال: اليوم يوم الملحمة...
اُنشدك الله في قومك، فأنت أبرّ الناس
وأرحمهم وأوصلهم.

فقال
(صلى الله عليه وآله): «كذب سعد، اليوم
يوم المرحمة، اليوم أعزَّ الله فيه
قريشاً، اليوم يعظّم الله فيه الكعبة،
اليوم تكسى فيه الكعبة».

وأرسل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سعد
بن عبادة عليّاً (عليه السلام) أن ينزع
اللواء منه، وأن يدخل بها مكّة[24].

ودخل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكّة
بذلك الجيش الكبير الذي لم تعرف له مكة
نظيراً في تأريخها الطويل، ولواؤه بيد
عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأعلن
العفو العامّ وهو على أبواب مكّة .

صعود
عليّ

وروي
عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: انطلق
بي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى
كسر الأصنام، فقال لي: اجلس، فجلست إلى
جنب الكعبة، ثمّ صعد الرسول على منكبي
فقال لي: انهض بي، فنهضت به، فلمّا رأى
ضعفي تحته قال: اجلس، فجلست ونزل عنّي،
وقال: يا عليّ اصعد على منكبي، فصعدت
على منكبيه، ثمّ نهض بي حتى خيل لي أن
لو شئت نلت السماء، وصعدت على الكعبة..
فألقيت الصنم الأكبر وكان من نحاس
موتداً بأوتاد من حديد، فقال (صلى الله
عليه وآله): عالجه، فلم أزل اُعالجه
ورسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول: إيه إيه، حتّى قلعته، فقال: دقّه،
فدققته وكسّرته ونزلت[25].

ز
ـ عليّ

(عليه
السلام) في غزوة حنين[26]
:

بعد
أن كتب الله النصر والفتح لرسوله (صلى
الله عليه وآله) حين دخل مكّة واستسلمت
قريش وأذعنت له أجمعت قبيلة «هوازن»
وقبيلة «ثقيف» على محاربة النبيّ (صلى
الله عليه وآله) والمبادرة إليه قبل أن
يغزوهم، وأعدّ لهم النبيّ العدّة لمّا
سمع بذلك، وعبّأ المسلمين الذين تجاوز
عددهم اثني عشر ألفاً وخرج اليهم من
مكّة.

ولمّا
قربوا من موقع العدوّ صفّهم (صلى الله
عليه وآله) ووزّع الألوية والرايات على
قادة الجيش وزعماء القبائل، فأعطى
عليّاً لواء المهاجرين[27]،
ولكنّ هوازن أعدّت خطّـةً للغدر
بالمسلمين على حين غفلة منهم، فكمنوا
لهم في شعاب واد من أودية تهامة حيث لا
مفرّ لهم من المرور فيه.

وحين
انحدر المسلمون في وادي «حنين»
باغتتهم كتائب هوازن من كلّ ناحية،
وانهزمت بنو سليم وكانوا في مقدّمة جيش
المسلمين وانهزم مَنْ وراءهم، وخلّى
الله تعالى بينهم وبين عدوّهم
لإعجابهم بكثرتهم، ولم يثبت مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ
نفر قليل من بني هاشم وأيمن بن عبيد[28].

ووقف
عليّ (عليه السلام) كالمارد يضرب بسيفه
عن يمينه وشماله، فلم يدن أحد من
النبيّ (صلى الله عليه وآله) ; إلاّ
جَنْدَلَه بسيفه، وكان لثبات النبيّ (صلى
الله عليه وآله) ودفاع عليّ (عليه
السلام) ومن معه أن عادت الثقة الى نفوس
بعض المسلمين، فأعادوا الكَرّة على
هوازن. وخرج رجل من هوازن يدعى «أبو
جرول» حامل رايتهم وكان شجاعاً،
فتحاماه الناس ولم يثبتوا له، فبرز
إليه عليّ (عليه السلام) وقتله، فدبَّ
الذعر في نفوس المشركين كما دبَّ
الحماس في نفوس المسلمين، ووضع
المسلمون سيوفهم في هوازن وأحلافها
يقتلون ويأسرون وعليّ (عليه السلام)
يتقدّمهم حتى قتل بنفسه أربعين رجلاً
من القوم، فكان النصر للمسلمين[29].

[1] السيرة الحلبية: 2
/ 631.

[2] السيرة النبوية
لابن هشام : 3 / 224، تاريخ الطبري : 3 / 172،
والكامل في التاريخ : 2/180، والسيرة
الحلبية: 2/318.

[3] موسوعة التاريخ
الإسلامي: 2 / 491 و 492، عن شرح نهج البلاغة:
19/61، وراجع المناقب للخوارزمي: 144،
السيرة الحلبية: 2/318.

[4] شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد: 19 / 61 ، ينابيع المودة:
الباب الثالث والعشرون ، رواه عن ابن
مسعود ورواه الميلاني في قادتنا : 2 / 108
عن الدميري في حياة الحيوان : 1 / 248 وعن
الفضل بن روزبهان : انّه حديث صحيح لا
ينكره إلاّ سقيم الرأي ضعيف الايمان .
ولكنه ليس نصّاً في الإمامة .

[5] تاريخ دمشق : 1 / 150،
وراجع أيضاً موسوعة التاريخ الإسلامي:
2/495.

[6] مستدرك الحاكم: 3 /
32، نقلاً عن هامش تأريخ دمشق: 1 / 155،
وفرائد السمطين: 1 / 255 حديث 197.

[7] شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد: 19 / 61.

[8] كان خروج النبي
لأداء العمرة في مطلع ذي القعدة من
السنة السادسة للهجرة المباركة.

[9] الإرشاد : 108،
الفصل 30 الباب 2، وكشف الغمة : 1 / 280 باب
المناقب مثله.

[10] سيرة الأئمّة
الاثني عشر للحسني: 1 / 217 نقلاً عن ابن
اسحاق.

[11] كنز العمال: 10 /
472، غزوة الحديبية.

[12] ينابيع المودة
للقندوزي: 59، وكنز العمال: 13 / 173،
وفضائل الخمسة للفيروز آبادي: 2/237.

[13] تأريخ الطبري:
2/282 ط مؤسسة الأعلمي، والكامل لابن
الأثير: 2 / 404.

[14] خيبر: مدينة
كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير، تقع
خارج المدينة على بعد حوالي (90) ميلاً، وقعت الغزوة في بداية محرّم من العام
السابع للهجرة.

[15] تاريخ الطبري: 2
/ 300 ط مؤسسة الأعلمي، وتأريخ دمشق لابن
عساكر: 1 / 166 ترجمة الإمام علي (عليه
السلام)، تذكرة الخواص لابن الجوزي
الحنفي: 32، والسيرة الحلبية بهامش
السيرة النبوية: 3/37.

[16] تذكرة الخواص:
32.

[17] تأريخ الطبري: 2
/ 301 ط مؤسسة الأعلمي، والكامل لابن
الأثير: 2 / 220، وفرائد السمطين: 1 / 264،
حديث203.

[18] أعيان الشيعة: 1
/ 401.

[19] تأريخ الطبري: 2
/ 301 ط مؤسسة الأعلمي، والإرشاد للمفيد:
114، الفصل 31 من باب 2، وبحار الأنوار: 21 /
16.

[20] الأمالي
للصدوق: المجلس السابع والسبعون،
الحديث 10.

[21] كان فتح مكة في
شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة النبويّة.

[22] تأريخ الطبري: 2
/ 328 ط مؤسسة الأعلمي، والسيرة الحلبية
بهامشه السيرة النبويّة: 3 / 75.

[23] تأريخ الطبري: 2
/ 332، والكامل في التأريخ لابن الأثير: 2
/ 243 .

[24] تأريخ الطبري: 2
/ 334 ط مؤسسة الأعلمي، الإرشاد للمفيد:
121 الفصل 34 الباب2 .

[25] المستدرك على
الصحيحين: 2 / 367 و 3 / 5. وروى ابن الجوزي
في تذكرة الخواص: 34 مثله، ينابيع
المودة للقندوزي: 254.

[26] وقعت غزوة «حنين»
في شوال سنة ثمان للهجرة النبويّة.

[27] السيرة
الحلبية : 3 / 106.

[28] تأريخ الطبري: 2
/ 347، وأعيان الشيعة للأمين: 1 / 279.

[29] روضة الكافي: ص
308 رقم الحديث 566، والمغازي للواقدي: 2 /
895 ، وكشف الغمّة: 1 / 226.

/ 29