أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المرحلة
الثالثة: عليّ (عليه السلام) من
الهجرة الى وفاة النبيّ (صلى الله عليه
وآله)

1
ـ عليّ (عليه السلام) والمؤاخاة :

حين
شرع الرسول (صلى الله عليه وآله) بتكوين
نواة المجتمع الإسلامي وأراد أن يزيد
من تماسك عرى العلاقات بين أفراد
المجتمع; آخى (صلى الله عليه وآله) بين
المسلمين في موقف صريح بيّن ليرسّخ
مبدأً أساسياً من مبادئ الإسلام
الحنيف، وهو ما تتطلبه الدعوة
الإسلامية في مرحلتيها السرية
والعلنية، فوقعت أوّل مؤاخاة في
الإسلام في مكّة قبل الهجرة، حيث آخى
رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بين المهاجرين والأنصار، وحين نتفحّص
عملية المؤاخاة نجد أنّ الرسول ضمّ
الشكل الى الشكل والمثل الى المثل[1]،
لأنّ الاُخوّة عملية استراتيجية واسعة
ذات معاني ودلالات حركيّة في مسيرة
الدعوة الإسلاميّة، فعبر جسر الاُخوّة
تتماسك العلاقات بين المسلمين كما
تنضج الأفكار ويتحقّق الإبداع.

روي
أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لمّا
آخى بين أصحابه آخى بين أبي بكر وعمر،
وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف، ولم
يؤاخِ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحد
منهم[2].

فقال
عليّ (عليه السلام): يارسول الله! لقد
ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت
بأصحابك ما فعلت بغيري، فإن كان هذا من
سخط عليَّ; فلك العُتبى والكرامة.

فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي
بعثني بالحق ما أخّرتك إلاّ لنفسي،
وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير
أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت أخي ووارثي.

فقال
(عليه السلام): وما أرث منك؟

قال
(صلى الله عليه وآله): ما ورّث الأنبياء
من قبلي، كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم،
وأنت معي في قصري في الجنّة[3].

وأمّا
المؤاخاة الثانية فكانت في المدينة
بعد الهجرة بأشهر قليلة[4].

2
ـ اقتران عليّ (عليه السلام)
بالزهراء (عليها السلام) :


بعد
أن استقرّ المقام بالمسلمين وبدأت
مبادئ الاسلام وتعاليمه تترسّخ في
نفوس المسلمين وظهرت يدهم القويّة في
الدفاع عن الرسالة والرسول; تفتّحت
العلاقات بين المسلمين في صورة مجتمع
متمدّن ونهضة ثقافية اجتماعية شاملة،
يتزعّمها الرسول الكريم (صلى الله عليه
وآله) الذي عصمه الله في الفهم
والتلقّي والإبلاغ والتربية
والتنفيذ، وها هو عليّ (عليه السلام) قد
تجاوز العشرين من عمره الشريف وهو يصول
في سوح الجهاد والدفاع عن العقيدة
والدعوة الإسلامية، ويقف مع الرسول في
كلّ خطواته، وقد بلغ من نفس الرسول
أعلى منزلة، يعيش معه وهو أقرب من أيّ
واحد من المسلمين، وبعد أن انقضت سنتان
من الهجرة وفي بيت الرسول بلغت ابنته
الزهراء (عليها السلام) مبلغ النساء،
وشرع الخطّاب بما فيهم أبو بكر وعمر[5]يتسابقون
الى النبيّ (صلى الله عليه وآله)
يطلبونها منه وهو يردّهم ردّاً جميلاً
ويقول: إنّي أنظر فيها أمر الله، وكان
عليّ من الراغبين في الزواج منها.

ولكن
كان يمنعه عن مفاتحة النبيّ (صلى الله
عليه وآله) الحياء وقلّة ذات اليد، فلم
يكن عليّ (عليه السلام) من الذين يملكون
الأموال، وبتشجيع من بعض أصحاب الرسول
تقدّم عليّ لخطبة الزهراء، فدخل على
النبيّ وهو مطرق الى الأرض من الحياء،
فأحسّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) بما
في نفسه فاستقبله ببشاشته وطلاقة وجهه
الكريم، وأقبل عليه يسأله برفق ولطف عن
حاجته، فأجابه (عليه السلام) بصوت ضعيف:
يارسول الله تزوّجني من فاطمة؟

فردّ
النبي (صلى الله عليه وآله) قائلاً:
مرحباً وأهلاً، ودخل على بضعته
الزهراء ليعرض عليها رغبة عليّ (عليه
السلام) فيها، فقال (صلى الله عليه وآله)
لها: لقد سألت ربّي أن يزوّجك خير خلقه
وأحبّهم اليه، وقد عرفت عليّاً وفضله
ومواقفه، وجاءني اليوم خاطباً فما
ترين؟ فأمسكت ولم تتكلّم بشيء، فخرج
النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو يقول:
سكوتها رضاها وإقرارها.

ثمّ
إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) جمع
المسلمين وخطب فيهم، فقال: إنّ الله
أمرني أن اُزوّج فاطمة من عليّ....

ثمّ
التفت الى عليّ (عليه السلام) فقال:

لقد
أمرني ربّي أن اُزوّجك فاطمة... أرضيت
هذا الزواج يا عليّ؟ فقال (عليه
السلام): رضيته يارسول الله، وخرّ
ساجداً لله.

فقال
النبيّ (صلى الله عليه وآله): بارك الله
فيكما، وجعل منكما الكثير الطيب.

وجاء
عليّ (عليه السلام) بالمهر الذي هيّأه
من بيع درعه فوضعه بين يدي رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فأمر الرسول أبا بكر
وبلالاً وعمّاراً وجماعةً من الصحابة
واُمّ أيمن لشراء جهاز الزواج، ولمّا
تم الجهاز وعرض على الرسول; جعل يقلّبه
بيده ويقول: بارك الله لقوم جلّ آنيتهم
من الخزف.

وبيسر
وبساطة ودون تكاليف تمت الخطبة
والزواج، وكان الجهاز من أبسط ما عرفته
المدينة، واحتفل النبيّ وبنو هاشم
بهذا الزواج الميمون[6].

وروي
أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) عوتب في
زواج فاطمة (عليها السلام) فقال: لو لم
يخلق الله عليّ بن أبي طالب لما كان
لفاطمة كفؤ.

وفي
خبر آخر أنّه (صلى الله عليه وآله) قال
مخاطباً عليّاً (عليه السلام): لولاك
لما كان لها كفؤ على وجه الأرض[7].

3
ـ عليّ (عليه السلام) مع الرسول (صلى
الله عليه وآله) في معاركه :


أ
ـ عليّ

فتح
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهجرته
عهداً جديداً في تأريخ البشرية بشكل
عامّ وفي تأريخ الرسالة الإسلامية
بشكل خاص، وبدأت معالم الدولة تتوضّح
ومظاهر قوة المسلمين تبدو للعيان، وفي
الجانب الآخر لم تتوقّف قريش ومن
والاها من المشركين ويهود المدينة
الذين أظهروا السلم نفاقاً وتغطيةً
على التخطيط السرّي للقضاء على
الإسلام وأهله، وكان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يعالج الاُمور بحكمة
ورويّة، ومن الطبيعي أن لا يقف النبيّ
من مؤامرات أعداء الاسلام وتحرّشاتهم
موقف الضعيف المتخاذل، فأخذ يرسل
السرايا ليهدّدهم ويطاردهم أحياناً.

ولما
كان للمدينة موقع استراتيجي مهم في طرق
التجارة والمواصلات في الجزيرة
العربية; فقد أصبح المسلمون بعد تزايد
عددهم قوّة ضغط لابدّ من وضعها في
الحسبان، ومنذ أن وطأت قدم عليّ (عليه
السلام) مدينة الرسول (صلى الله عليه
وآله); بدأ العمل في كلّ جوانب الحياة
وما تتطلبه الرسالة الإسلامية جنباً
الى جنب الرسول من بناء الدولة ونشر
الرسالة مندفعاً بطاقة ذاتية هائلة
بما وهبه الله من قوّة وعزيمة لا
توازيها قوّة وطاقة مجموعة كبيرة من
الأفراد، فكان الذراع القويّ التي
يضرب بها رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، ونجد هذا واضحاً جليّاً في
كلّ وقعة ومعركة دخل فيها عليّ (عليه
السلام)، وكان من طبيعة المعارك أنّها
تتوقّف في العادة على الجولة الاُولى،
فمن يفوز فيها تحسم المعركة لصالحه،
كما في معركة بدر[8]
التي كانت عنواناً لبداية اُفول كلّ
القوى العسكرية في الجزيرة وخصوصاً
قريش، ومنطلقاً للانتصارات والفتوحات
التي حقّقها المسلمون.

روي
أنّ عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن
عتبة خرجوا ودعوا الى المبارزة، فخرج
اليهم في البداية عوف ومُعَوِّذ ابنا
عفراء وعبدالله بن رواحة وكلّهم من
الأنصار، فقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا:
من الأنصار، فقالوا: أكفاء كرام وما
لنا بكم من حاجة، ليخرج الينا أكفاؤنا
من قومنا.

فأمر
النبيّ (صلى الله عليه وآله) عمّه حمزة
وعبيدة بن الحارث وعليّاً بمبارزتهم،
فدنا بعضهم من بعض فبارز عبيدة بن
الحارث عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز
عليّ (عليه السلام) الوليد،
فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله،
وقتل عليٌ (عليه السلام) الوليد،
واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين
كلاهما قد أثبت صاحبه، وكرّ حمزة وعليّ (عليه
السلام) على عتبة فقتلاه[9].

ثمّ
نشبت المعركة بين طرفين غير متكافئين
بالموازين العسكرية: جبهة المسلمين
وعددها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً،
تقاتل عن إيمان وعقيدة، تدافع عن الحقّ
وتدعو إليه، وجبهة قريش وعددها
تسعمائة وخمسون رجلاً تقاتل عن حميّة
وعصبيّة جاهلية، وهنا دخلت عناصر
جديدة في الحرب منها: دعاء الرسول (صلى
الله عليه وآله) وثباته وبسالة حمزة
وقوّة عليّ (عليه السلام)، فغاص
عليّ وحمزة وأبطال المسلمين في وسط
قريش، ونسي كلّ واحد منهم نفسه وكثرة
عدّوه، فتطايرت الرؤوس عن الأجساد،
وأمدّ الله المسلمين بالقوة والعزيمة
والثبات، وأسر المسلمون كلّ من عجز عن
الفرار حتى بلغ عدد الأسرى سبعين
رجلاً، وعدد القتلى اثنين وسبعين
رجلاً.

وتنصّ
الروايات على أنّ عليّاً (عليه السلام)
قتل العدد الأكبر منهم، فعلى أقل
التقادير أنّه (عليه السلام) قتل أربعة
وعشرين، وشارك في قتل ثمانية وعشرين
آخرين، ويبدو أنّ الذين قتلهم عليّ (عليه
السلام) هم أبطال قريش وصناديدها[10].

في
هذه المعركة المهمّة كان عليّ (عليه
السلام) صاحب راية رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إضافة إلى دوره الحاسم
لنتيجة المعركة[11].

وروي
أنّ رجلاً من بني كنانة دخل على معاوية
بن أبي سفيان فقال له: هل شهدت بدراً؟
قال: نعم، قال: فحدّثني ما رأيت وحضرت.

قال:
ماكنّا شهوداً إلاّ كغياب، وما
رأينا ظفراً كان أوشك منه، قال: فصف
لي ما رأيت.

قال:
رأيت عليّ بن أبي طالب غلاماً شابّاً
ليثاً عبقرياً يفري الفري، لا يثبت له
أحد إلاّ قتله، ولا يضرب شيئاً إلاّ
هتكه، ولم أر من الناس أحداً قطّ أنفق
منه يحمل حملته ويلتفت التفاتة، كأنّه
ثعلب روّاغ، وكأنَّ له عينان في قفاه،
وكأنّ وثوبَه وثوبُ وحش[12].

ب
ـ عليّ

لم
تكن قريش لتنسى هزيمتها الساحقة في
معركة بدر ومقتل صناديدها ورجالها
وكثير من أبطالها فعزمت على الثأر من
المسلمين ردّاً لاعتبارها الذي فقدته،
ولم يمضِ سوى عام حتى استكملت قريش
عدّتها، واجتمع اليها أحلافها من
المشركين واليهود، وانضمّ اليهم كلّ
حاقد وناقم على الدين الإسلامي،
فاتّفقت كلمة الكفر، واتّحدت قوى
الباطل لمواجهة الحقّ، وخرج جيش الكفر
باتّجاه المدينة وقد تجاوز عدده ثلاثة
آلاف، وذلك في أوائل شوال من السنة
الثالثة للهجرة، وما أن وصل خبرهم إلى
مسامع النبيّ (صلى الله عليه
وآله) حتى جمع المسلمين واستشارهم في
الموقف المناسب الذي يجب أن يتّخذوه،
ثمّ خطب فيهم وحثّهم على القتال والصبر
والثبات، ووعدهم بالنصر والأجر،
وتجهّز للخروج بمن معه وكانوا ألفاً أو
يزيدون، ودفع لواءه لعليّ بن أبي طالب (عليه
السلام) ووزّع الرايات على وجوه
المهاجرين والأنصار، وأبى النفاق إلاّ
أن يأخذ دوره في إضعاف المسلمين، فرجع
عبدالله ابن اُبيّ بمن تبعه في منتصف
الطريق، وكان عددهم يناهز الثلاثمائة[13].

واستمرّ
النبيّ (صلى الله عليه وآله) في مسيره
قدماً حتى بلغ اُحداً، فأعدّ أصحابه
للقتال ووضع تخطيطاً سليماً محكماً
للمعركة يضمن لهم النصر، حيث أمر خمسين
رجلاً من الرماة أن يكونوا من وراء
المسلمين إلى جانب الجبل، وأكّد عليهم
بأن يلزموا أماكنهم ولا يتركوها حتى لو
قُتل المسلمون جميعاً[14].

ووصلت
قريش إلى «اُحد» وأعدّوا أنفسهم
للقتال، فقسّموا الأدوار ووزّعوا
المهام كما بدا لهم، وأعطوا لواءهم
لبني عبدالدار، وأوّل من استلمه منهم
طلحة بن أبي طلحة، ولمّا علم النبيّ
بذلك أخذ اللواء من عليّ (عليه السلام)
وسلّمه إلى مصعب بن عمير وكان من بني
عبدالدار، وبقي معه إلى أن قُتل،
وحينئذ ردّه النبيّ (صلى الله
عليه وآله) إلى عليّ (عليه السلام)[15]،
وكانت معركة «اُحد» قد وقعت في شوال من
العام الثالث من الهجرة.

وفي
اللحظة التي كمل فيها التنظيم انطلقت
شرارة المعركة عندما برز كبش الشرك
وحامل رايتهم طلحة بن أبي طلحة الذي
كان يُعدّ من شجعان قريش، يتقدّم نحو
المسلمين رافعاً صوته متحدّياً لهم
مستخفّاً بجمعهم قائلاً: يا معشر أصحاب
محمد! إنّـكم تزعمون أنّ الله يعجلنا
بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا
الى الجنّة; فهل أحد منكم يعجله سيفي
الى الجنّة أو يعجلني سيفه الى النار؟

فخرج
اليه عليّ (عليه السلام)[16]
وبرزا بين الصفّين ورسول الله (صلى
الله عليه وآله) جالس في عريش اُعدّ له
يشرف على المعركة ويراقب سيرها، فضرب
عليّ طلحة فقطع رجله وسقط على الأرض
وسقطت الراية، فذهب علي ليجهز عليه
فكشف عورته وناشده الله والرحم، فتركه
عليّ (عليه السلام) فكبّر رسول الله
وكبّر معه المسلمون فرحاً بنتيجة هذه
الجولة.

ثمّ
تقدّم أخوه عثمان بن أبي طلحة فحمل
الراية فحمل عليه حمزة بن عبدالمطلب
فضربه فقتله، فحمل اللواء من بعده
أخوهما أبو سعيد، فحمل عليه عليّ (عليه
السلام) فقتله، ثمّ أخذ اللواء أرطاة
بن شرحبيل فقتله عليّ، وهكذا تعاقب على
حمل اللواء تسعة من بني عبدالدار
قُتلوا بأجمعهم بسيف عليّ[17]
أو سيف حمزة، وكان آخر من حمل اللواء هو
غلام لبني عبدالدار يُدعى «صواب» فحمل
عليه عليّ وقتله، وسقط اللواء من بعده
في ساحة المعركة ولم يجرؤ أحد أن
يحمله، فدبّ الرعب في قلوب المشركين،
وانهارت معنوياتهم، وانكشف المشركون
لا يلوون على شيء حتى أحاط المسلمون
بنسائهم، وبدت المعركة وكأنّها قد
حُسمت لصالح المسلمين.

وهنا
عصفت النازلة العظمى بالمسلمين حيث
ترك الرماة موقعهم فوق الجبل،
وانحدروا يشاركون إخوتهم غنائم
المعركة، ولم يثبت على الجبل إلاّ عشرة
رماة.

فنظر
خالد بن الوليد ـ وكان على خيل
المشركين ـ خلوّ الجبل وقلّة الثابتين
صاح بخيله، وكرّ يحمل على الرماة وتبعه
عكرمة فقتلوهم، وهنا تغيّر ميزان
القوة ورجحت كفّته لصالح المشركين،
فاستطاعوا أن ينفذوا ويشقّوا صفوف
المسلمين[18]،
وكانت المأساة التي لم يعرف المسلمون
لها مثيلاً، فارتبك المسلمون وضاع
صوابهم، فكانت هزيمة بعد نصر
وانكساراً بعد انتصار، وتفرّق الناس
كلّهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأسلموه إلى أعدائه بعد أن استشهد عمّه
حمزة ومصعب بن عمير، ولم يبق معه أحد
إلاّ عليّ ونفر قليل من المهاجرين
والأنصار.

في
هذه اللحظات الحاسمة والحرجة سجّل
التأريخ موقف الصمود والفداء الذي
وقفه عليّ (عليه السلام) من رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، وقف ليدافع عن النبيّ (صلى
الله عليه وآله) بكلّ قوة وبسالة وهمّه
سلامة الرسول والرسالة، إذ كان يحمل
الراية بيد والسيف بالاُخرى يصدّ
الكتائب ويردّ الهجمات عن الرسول،
وكأنّه جيش بكامل عِدَّته وعُدَّته،
وكان الرسول كلّما رأى جماعة تهجم عليه
قال لعليّ (عليه السلام): يا عليّ
احمل عليهم، فيحمل عليهم ويفرّقهم،
فلم يزل عليّ يقاتل حتى أثخنته جراحات
عديدة في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه[19].

فأتى
جبرئيل (عليه السلام) النبيّ (صلى الله
عليه وآله) فقال: إنّ هذه لهي المواساة،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا
منكما، فسمعوا صوتاً في السماء ينادي:
لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ
عليّ[20].

وهكذا
استطاع أمير المؤمنين (عليه السلام) أن
يحافظ على حياة الرسول الأكرم (صلى
الله عليه وآله)، وأن يوصل نتيجة
المعركة الى حالة من التوازن دون أن
يحرز أحد الطرفين نصراً حاسماً.

مواقف
بعد معركة «اُحد» :

ولمّا
انصرف أبو سفيان ومن معه; بعث رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه
السلام) فقال: اخرج في آثار القوم وانظر
ماذا يصنعون، فإن كانوا قد جنّبوا
الخيل وامتطوا الإبل فإنّهم يريدون
مكّة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل
فهم يريدون المدينة.

قال
عليّ (عليه السلام): فخرجتُ في آثارهم
فرأيتهم جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل
يريدون مكّة[21].

ولمّا
رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى
أهله ناول سيفه ابنته فاطمة (عليها
السلام) وقال: اغسلي عن هذا دمه يابنية،
وناولها عليّ (عليه السلام) سفيه وقد
خضّب الدم يده إلى كتفه، فقال لها رسول
الله (صلى الله عليه وآله): خذيه
يافاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه، وقد
قتل الله بسيفه صناديد قريش[22].

كانت
معركة اُحد قاسية نتيجتها، شديدة
وطأتها، باهضة مكلّفة خسارتها، ورغم
مرارة المعركة نلمح فيها ومضات ساطعة
من مواقف عليّ (عليه السلام)، فقد
امتاز باُمور دون أن يشاركه فيها أحد:

1
ـ إنّه كان صاحب راية رسول الله (صلى
الله عليه وآله) والتي لم تسقط الى
الأرض رغم فرار أغلب المسلمين.

2
ـ قتله (عليه السلام) أصحاب راية
المشركين الذين تصدّوا لحملها، وقد
أظهر بذلك حنكة عسكرية وشجاعة فذّة،
وأحدث بذلك شرخاً كبيراً في صفوف
المشركين كان سبباً في هزيمتهم في أوّل
المعركة.

3
ـ ثباته (عليه السلام) مع رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وعدم فراره بعدما فرّ
عنه الناس يدلّ على إيمانه المطلق
بالمعركة، والذي يكشف عن عمق العقيدة
ورسوخها في نفسه (عليه السلام).

4
ـ إنّه كان هو المحامي عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) والدافع عنه كتائب
المشركين الذين قصدوا قتل النبي (صلى
الله عليه وآله)، فكان (عليه السلام)
يمثّل الدرع التي تقي رسول الله عن
وصول مكروه إليه، وهذا يدلّ على عظيم
حبّه للرسول وتفانيه في الحرص على
سلامته.

5
ـ إنّ أكثر المقتولين من المشركين
يومئذ قتلاه[23]،
وهذا يدلّ على فاعليته القتالية
العالية وقوّته وشجاعته (عليه السلام).

6
ـ الأخلاق والقيم العالية التي عكسها
في المعركة حيث ترك الإجهاز على طلحة
بن أبي طلحة عندما كشف عن عورته حياءً
منه (عليه السلام) وتكرّماً.

7
ـ إنّه (عليه السلام) كان قريباً من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملازماً
له حيث كان الرسول يوجّهه ليرد
الهاجمين عليه، وأيضاً هو الذي أخذ بيد
النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا سقط في
إحدى الحفر التي حفرها أبو عامر الراهب
في ساحة المعركة ليقع فيها المسلمون[24].

كما
إنّه هو الذي حمل الماء بدرقته الى
النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليغسل الدم
والتراب عن وجهه ورأسه.

8
ـ ورغم الجراحات التي تعرّض لها عليّ (عليه
السلام) والجهد الذي بذله; فقد أرسله
النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد انصراف
قريش عن المعركة ليستطلع أخبارهم،
وهذا يدلّ على ثقة الرسول بقدرة عليّ
ودقّة ضبطه للمعلومات وحنكته في
معالجة الاُمور الطارئة، فالمعركة لم
تنته بعد تماماً[25].

[1] كفاية الطالب
للحافظ الكنجي: 194.

[2] الفصول المهمّة
لابن الصبّاغ المالكي: 38، والغدير
للعلاّمة الأميني: 3 / 112.

[3] أخرجه أحمد بن
حنبل في مناقب عليّ (عليه السلام)،
وتأريخ دمشق لابن عساكر: 6 / 201، وكنز
العمال للمتّقي الهندي: 5 / 40، وكشف
الغمة: 1 / 326.

[4] كفاية الطالب
للكنجي: 82 ، تذكرة الخواص: 14، والفصول
المهمّة: 38.

كما وردت أحاديث المؤاخاة بين النبيّ (صلى
الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام)
بصيغ مختلفة ومصادر عديدة منها: تأريخ
ابن كثير: 7 / 235، والفصول المهمّة: 22،
ومسند أحمد: 1 / 23، وتأريخ ابن هشام: 2 /
132، وتأريخ دمشق: 6 / 201، وفرائد السمطين:
1 / 226، والغدير: 3 / 115، وكفاية الطالب: 185.

[5] كشف الغمة : 1 / 353.

[6] كشف الغمة : 1 / 348،
وبحار الأنوار: 43 / 92، ودلائل الإمامة
للطبري: 16 ـ 17.

[7] المناقب لابن
شهرآشوب: 2 / 181.

[8] يقال لها: معركة
بدر العظمى، وقعت في السنة الثانية
للهجرة في السابع عشر من شهر رمضان،
وقيل: في التاسع عشر منه.

[9] الكامل في
التأريخ: 2 / 134 و 135 ط مؤسسة الأعلمي،
وتأريخ الطبري: 3 / 35.

[10] الإرشاد
للمفيد: 64 الفصل 19 الباب 2، وكشف الغمّة:
1 / 182.

[11] الاستيعاب
لابن عبدالبرّ المالكي بهامش الإصابة:
3 / 33، وتأريخ دمشق لابن عساكر: 1 / 142.

[12] حلية الأولياء
لأبي نعيم: 9 / 145.

[13] الكامل في
التأريخ: 2 / 150، وسيرة ابن هشام: 3 / 64.

[14] مغازي الواقدي:
1 / 224، والكامل في التأريخ: 2 / 152، وسيرة
ابن هشام: 3 / 66.

[15] تأريخ الطبري:
2/199 ط مؤسسة الأعلمي.

[16] سيرة ابن هشام:
3 / 73.

[17] الكامل في
التاريخ: 2 / 152 ـ 154.

[18] تأريخ الطبري:
2/194 ط مؤسسة الأعلمي.

[19] الكامل في
التأريخ: 2 / 154، وأعيان الشيعة: 1 / 288،
وبحار الأنوار: 20 / 54.

[20] الكامل في
التأريخ: 2 / 154، وفرائد السمطين
للحمويني: 1 / 257 الحديث 198، 199، وتأريخ
دمشق لابن عساكر: 1 / 148 ، وروضة الكافي :
الحديث : 90 .

[21] أعيان الشيعة: 1
/ 389، والسيرة النبوية لابن هشام: 3 / 94.

[22] أعيان الشيعة: 1
/ 390.

[23] الإرشاد : 82 ،
الفصل 23 الباب 2.

[24] سيرة ابن هشام:
3 / 80 .

[25] هذه
الامتيازات لعليّ (عليه السلام) في
غزوة اُحد قد ذكرها العلاّمة السيد
محسن الأمين في أعيان الشيعة: 1 / 390
فراجع.

/ 29