أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

في
رحاب القيادة الإلهية (النبوّة
والإمامة) :


الهداية
الإلهية عبر القادة المهديّين الذين
اختارهم الله لهداية عباده هي سنّة
الله الدائمة لخلقه الذين زوّدهم
بالعقل والعلم وسلّحهم بسلاح الإرادة
والاختيار.

وتبدأ
هذه السُنّة لهذه البشرية باختيار آدم
خيرة من خلقه.. «فأهبطه بعد التوبة
ليعمر أرضه بنسله وليقيم الحجّة به على
عباده، ولم يخلهم بعد أن قبضهم ممّا
يؤكد عليهم حجّة ربوبيّته ويصل بينهم
وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على
ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحمّلي
ودائع رسالاته قرناً فقرناً...
فاستودعهم في أفضل مستودع، وأقرّهم في
خير مستقر، تناسختهم كرائم الأصلاب
الى مطهّرات الأرحام.. حتى أخرج آخرهم
نبيّنا محمداً (صلى الله عليه وآله) من
أفضل المعادن منبتاً وأعزّ الاُرومات
مغرساً، من الشجرة التي صدع منها
أنبياءه وانتجب منها اُمناءه.

ووصف
الإمام (عليه السلام) زهد الأنبياء
وشجاعتهم وتواضعهم ورعاية الله لهم
وتربيته لهم بالاختبار والابتلاء
وتعريضهم للأذى في سبيل الله، وبيّن
وظائفهم المتمثّلة في التبليغ والدعوة
الى الله سبحانه والتبشير والإنذار
وإقامة حكم الله في الأرض وهداية الناس
بإخراجهم من الجهل والضلالة ومجاهدة
أعداء الله.

وتستمرّ
مسيرة الهداة الربّانيين على مدى
العصور الى يوم القيامة، فلا تخلو
الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً
مشهوراً وإمّا خائفاً مستوراً لئلاّ
تبطل حجج الله وبيّناته... وحيث خُتمت
النبوة بمحمّد (صلى الله عليه وآله)
انتهى أمر الهداية الى عترته التي هي
خير العتر، إن نطقوا صدقوا وإن صمتوا
لم يسبقوا، وهم شجرة النبوّة ومحطّ
الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم
وينابيع الحكم، والأعظمون عند الله
قدراً.. يحفظ الله بهم حججه وبيّناته..
بهم عُلِم الكتاب وبه عُلموا، فيهم
كرائم القرآن وكنوز الرحمن، فهم
الراسخون في العلم... يخبركم حلمهم عن
علمهم وظاهرهم عن باطنهم وصمتهم عن حكم
منطقهم، لايخالفون الحقّ ولا يختلفون
فيه، وهم دعائم الإسلام وولائج
الاعتصام، بهم عاد الحقّ الى نصابه
وانزاح الباطل عن مقامه، فهم أساس
الدين وعماد اليقين، إليهم يفي الغالي
وبهم يلحق التالي، لهم خصائص حقّ
الولاية وفيهم الوصية والوراثة.

لقد
أكّد الامام على موقف أهل البيت
القيادي الفكري والسياسي وأدان زحزحة
القيادة عن موقعها الذي عيّنه رسول
الله (صلى الله عليه وآله) واعترض على
خطّ الخلفاء جملةً وتفصيلاً، بالرغم
من اضطراره للتنازل عن حقّه وجهد في
تقديم الاُطروحة النبويّة للقيادة بعد
الرسول بشكل ناصع، وجاهد من أجل إحقاق
الحقّ بشكل حكيم واُسلوب كان ينسجم مع
حساسية الظرف التي كانت تمرّ بها
الدولة والاُمّة الإسلامية حينذاك،
واستطاع أن يقدّم النظرية كاملة ويعدّ
العدّة لتطبيقها حينما تسمح له الظروف[1].

في
رحاب الإمام المهدي (عليه
السلام) :

استأثر
التبشير بقضيّة الإمام المهدي المنتظر
(عج) اهتمام القرآن الكريم والنبيّ
العظيم والإمام المرتضى على الرغم من
التشتّت الذي كان يعيشه ذلك المجتمع
المضطرب بعد الرسول (صلى الله عليه
وآله)، قال (عليه السلام): ألا وفي غد ـ
وسيأتي غدٌ بما لا تعرفون ـ يأخذ
الوالي من غيرها عمّالَها على مساوئ
أعمالها، وتُخرج له الأرض أفاليذ
كبدها، وتلقي اليه سِلْماً مقاليدَها،
فيريكم كيف عدلُ السيرة، ويُحيي ميِّت
الكتاب والسُنّة[2].

إنّها
رؤية دقيقة محدّدة مضيئة واضحة
المعالم، تتمثّل في قيام ثورة عالمية
تصحّح وضع العالم الإسلامي بل
الإنساني أجمع، قال (عليه السلام) عن
قائدها: يعطف الهوى على الهدى إذا
عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي
على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي[3].

وقد
تصدّت مؤسّسة نهج البلاغة لجمع
الأحاديث التي وردت عن الإمام عليّ (عليه
السلام) حول الإمام المهدي (عج) وقد
اجتمعت في جزء واحد وبلغ مجموعها (291)
حديثاً، أربعة عشر منها عن اسم المهدي
وصفاته ودعائه وسبعة وسبعون منها عن
نسب الإمام وأنّه من قريش وبني هاشم
ومن أهل البيت ومن ولد عليّ، وأنّه من
ولد فاطمة، بل من ولد الحسين وأحد
الأئـمّة الإثني عشر، وخمسة وأربعون
منها ترتبط بالمهدي في القرآن ونهج
البلاغة وشعر أمير المؤمنين (عليه
السلام)، وثلاثة وعشرون منها حول أنصار
المهدي والرايات السود، واثنا عشر
منها حول السفياني والدجّال، وستة
وعشرون منها عن غيبة المهدي ومحن
الشيعة عند الغيبة وفضيلة انتظار
الفرج، وخمسة وسبعون منها حول الفتن
قبل المهدي وعلائم الظهور وما بعد
الظهور ودابّة الأرض ويأجوج ومأجوج،
وتسعة عشر منها ترتبط بفضل مسجد الكوفة
وخروج رجل من أهل بيته (عليهم السلام)
بأهل المشرق يحمل السيف على عاتقه
ثمانية أشهر حتى يقولوا: والله ما هذا
من ولد فاطمة.. ثم يبيّن حكم الأرض عند
ظهور القائم (عليه السلام) وحكومته
وكيفية ختم الدين به.

قال
(عليه السلام): يا كميل، ما من علم إلاّ
وأنا أفتحه، وما من سرّ إلاّ والقائم (عليه
السلام) يختمه.. يا كميل، لا بدّ
لِماضيكم من أوبة، ولابدّ لنا فيكم من
غلبة...[4].

بنا
يختم الدين كما بنا فُتح، وبنا
يستنقذون من ضلالة الفتنة كما
استنقذوا من ضلالة الشرك، وبنا يؤلّف
الله قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة
كما ألّف بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة
الشِرك[5].
ولو قد قام قائمنا; لأنزلت السماء
قطرها وأخرجت الأرض نباتها، وليذهب
الشحناء من قلوب العباد، وأصلحت
السباع والبهائم حتى تمشي المرأة من
العراق إلى الشام لا تضع قدمها إلاّ
على النبات وعلى رأسها زينتها لا
يهيجها سبع ولا تخافه[6].

في
رحاب الحكم الإسلامي: فلسفته واُصوله


لقد
قدَّم الإمام (عليه السلام) نموذجاً
عمليّاً فريداً في الحكم الإسلامي بعد
عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد
قرن ذلك بنظرية كاملة منسجمة الأبعاد
والجوانب تمثّلت في كتابه وعهده
المعروف لمالك الأشتر حين ولاّه مصر،
وقد اهتمّ الاجتماعيون بهذا العهد
شرحاً وتعليقاً وتبييناً ومقارنةً
بأنظمة الحكم الاُخرى، ويعتبر هذا
النص دليلاً من أدلّة إمامته (عليه
السلام) وبه تتميّز مدرسة أهل البيت عن
سائر الاتّجاهات التي حملت اسم
الإسلام والخلافة الإسلامية،
وبالإضافة إلى هذا النصّ المعجز نجد في
نهج البلاغة وغيره من النصوص التي
وصلتنا عنه (عليه السلام) ما يعيننا على
كشف نظرية الإمام ونظرية الإسلام
الفريدة عـن فلسفة الحكم ونظامه
اُصولاً وفروعاً، ونشير إلـى الخطوط
العريضة بإيجاز.

لقد
أكّد الإمام (عليه السلام) على أنّ
الحكم ضرورة اجتماعية بقوله: لابدّ
للناس من أمير بّر أو فاجر، والإمامة
نظام الاُمّة. وبيّن أنّ الحكم مختبر
الحياة قائلاًّ: القدرة تُظهر محمود
الخصال ومذمومها.

وأوضح
أنّ الحكم عرض زائل فلا ينبغي الاغترار
به بقوله : الدولة كما تُقبل تُدبر. ثمّ
أفاد أنّ الحكم النموذجي هو الذي يكون
ذا قيمة ويستحقّ التمهيد والتخطيط له.

وأمّا
الخطوط العريضة لنظام الحكم الإسلامي
ومهام الدولة النموذجية فتتمثّل في: 1 ـ
تثقيف الاُمّة . 2 ـ إقامة العدل . 3 ـ
حماية الدين . 4 ـ إقامة الحدود. 5 ـ
تربية المجتمع . 6 ـ الاجتهاد في
النصيحة والإبلاغ في الموعظة . 7 ـ توفير
الفيء وتحسين الوضع المعيشي للناس . 8 ـ
الدفاع عن استقلال وكرامة الاُمّة . 9 ـ
توفير الأمن الداخلي . 10 ـ نصرة
المستضعفين . 11 ـ إغاثة الملهوفين . 12 ـ
الاهتمام بالعمران.

وأمّا
الحاكم النموذجي فينبغي له أن يتمتّع
بجملة من الصفات والتي تكون من أهمّ
عوامل ثبات حكمه، وهي ملخّصاً كما يلي :
1 ـ الانقياد للحقّ . 2 ـ تفهّم
الاُمور. 3 ـ سطوع البيان . 4 ـ الشجاعة
في إقامة الحقّ. 5 ـ حسن النيّة. 6 ـ
الإحسان إلى الرعية. 7 ـ عفّة النفس. 8 ـ
عموم العدل. 9 ـ التدبير والاقتصاد. 10 ـ
الإنصاف. 11 ـ الرفق. 12 ـ الحلم. 13 ـ
الدفاع عن الدين. 14 ـ كثرة الورع.
15 ـ الشعور بالأمانة والمسؤولية. 16 ـ
اليقظة. 17 ـ التكليف بما يُطيقه الشعب.
18 ـ عدم الاغترار بالقدرة. 19 ـ التوزيع
الصحيح للأعمال وتعيين مسؤولية كلّ
فرد بما يناسبه. 20 ـ البذل والجود من
غير إسراف من كلّ ما يملك.

وقد
طفحت كلمات الإمام (عليه السلام)
بعوامل سقوط الدول وآفات الحكم
محذّراً الحكّام والعمّال والولاة
منها، ويمكن إيجازها كما يلي: 1 ـ
الجهل. 2 ـ الاستبداد بالرأي وترك
المشورة. 3 ـ إتّباع الهوى. 4 ـ تعدّد
مراكز القرار. 5 ـ إتّباع الباطل
والاستخفاف بالدين. 6 ـ البغي والظلم. 7
ـ التكبّر والفخر. 8 ـ منع الإحسان.
9 ـ الإسراف والتبذير. 10 ـ الغفلة. 11 ـ
الانتقام. 12 ـ سوء التدبير. 13 ـ قلّة
الاعتبار وعدم الانتفاع بالتجارب. 14 ـ
كثرة الاعتذار وتراكم الأخطاء. 15 ـ
تضييع الاُصول. 16 ـ تقديم الأراذل وغير
الجديرين للمناصب الإدارية على
الأفراد الأكفاء، قال (عليه السلام):
تولّي الأراذل والأحداث الدُوَل دليل
انحلالها وإدبارها. 17 ـ الخيانة،
قال (عليه السلام) : إذا ظهرت الخيانات
ارتفعت البركات، ومن خانه وزيره فسد
تدبيره. 18 ـ ضعف السياسة، قال (عليه
السلام): آفة الزعماء ضعف السياسة،
وآفة القوي استضعاف الخصم، ومن تأخّر
تدبيره تقدّم تدميره، 19 ـ سوء السيرة،
قال (عليه السلام): آفة الملوك سوء
السيرة. 20 ـ عجز العمّال والولاة. 21 ـ
ضعف الحماية الشعبية للحاكم، قال (عليه
السلام): آفة المُلك ضعف الحماية. 22 ـ
سوء الظنّ بالنصيح من علامات الإدبار.
23 ـ طمع القادة وحرصهم وجشعهم على
ملذّات الحياة الدنيا، قال (عليه
السلام): السيّد من لا يصانع ولا يخادع
ولا تغرّه المطامع، وقال (عليه
السلام): الطمع يذلّ الأمير. 24 ـ وفقدان
الأمن.

في
رحاب العبادات والفرائض :


قال
(عليه السلام): إنّ الله سبحانه فرض
عليكم فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ لكم
حدوداً فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء
فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء ولم يدعها
نسياناً فلا تتكلّفوها، ولم يأمركم
إلاّ بحسن، ولم ينهكم إلاّ عن قبيح.

وقال
(عليه السلام) : عليك بحفظ كلّ أمر لا
تعذر باضاعته. وقال: أوّل ما يجب عليكم
لله سبحانه شُكر أياديه وابتغاء
مراضيه، وطوبى لمن حافظ على طاعة ربّه،
وسارعوا إلى فعل الطاعات وسابقوا إلى
فعل الصالحات، فإن قصّرتم فإيّاكم أن
تقصّروا عن أداء الفرائض، ولا قربة
بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض، ولا
عبادة كأداء الفرائض. واهتمّ الإمام (عليه
السلام) ببيان فلسفة جملة من التشريعات
قائلاً : فرض الله سبحانه الايمان
تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن
الكبر، والزكاة تسبيباً للرزق،
والصيام ابتلاءً لإخلاص الخلق، والحجّ
تقوية للدين، والجهاد عزّاً للإسلام،
والأمر بالمعروف مصلحة للعوام، والنهي
عن المنكر ردعاً للسفهاء، وصلة
الأرحام منماةً للعدد، والقصاص حقناً
للدماء، وإقامة الحدود إعظاماً
للمحارم، وترك شرب الخمر تحصيناً
للعقل، ومجانبة السرقة إيجاباً
للعفّة، وترك الزنا تحصيناً للأنساب،
وترك اللواط تكثيراً للنسل، والشهادة
استظهاراً على المجاحدات، وترك الكذب
تشريفاً للصدق، والإسلام أماناً من
المخاوف، والإمامة نظاماً للاُمّة،
والطاعة تعظيماً للإمامة.

وقال
(عليه السلام) أيضاً: زكاة البدن
الجهاد والصيام، وزيارة بيت الله
أمن من عذاب جهنّم .

وقال
(عليه السلام): وَاْمر بالمعروف تكن من
أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين
من فعله بجُهدِك، وغاية الدين الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة
الحدود، والجهاد عماد الدين ومنهاج
السعداء، ومن جاهد على إقامة الحقّ
وفِّق، والمجاهدون تفتّح لهم أبواب
السماء، وثواب الجهاد أعظم الثواب[7].

في
رحاب الأخلاق والتربية :


اعتنى
الإمام المرتضى بتربية المجتمع وحاول
أن يعالج الانحراف الأخلاقي في
الإنسان من جذوره العميقة، فوصف الداء
الأساسي بقوله (عليه السلام): ألا وإنّ
حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة. ثمّ بيّن
السبب الأعمق في هذا الحبّ حينما أوضح
الأسباب العميقة التي كانت تكمن وراء
التآمر على الاُطروحة النبويّة
للخلافة والسرّ في استلاب الحكم منه
بالرغم من تواتر النصوص النبويّة
الكثيرة وإتمام الحجّة على المسلمين
قائلاً: بلى لقد سمعوها ووعَوْها ولكن
حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.

ويترتّب
على هذا الحبّ الشديد أنّ الإنسان سوف
يستخدم مختلف الوسائل للوصول إلى ما
يصبوا إليه فإنّ حبّ الشيء يُعمي ويصمّ
ولهذا برّر الخلفاء تقمّصهم الخلافة
بمختلف التبريرات التي دحضتها حجج
الإمام (عليه السلام) الدامغة، ولكن
استمرّ التصلّب على الموقف الذي أدانه
الإمام (عليه السلام). وإذا سألنا
الإمام (عليه السلام) عن الدواء
الناجع لعلاج هذا السبب الأعمق في
الانحراف; وجدناه العلاج في وصفه
الدقيق للمتّقين في الخطبة المعروفة
بخطبة همّام حيث وضّح السرّ الذي
أوصلهم إلى هذه المرتبة من الكمال
المتمثّلة بالتقوى بقوله: لقد عظم
الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في
أعينهم. وهكذا تكون المعرفة الحقيقية
بالله العظيم سبباً في حقارة الدنيا في
أعين عباده المتّقين، وإذا صغرت
الدنيا في أعينهم; لم تكن الدنيا غاية
همّتهم ولم يجدّوا في اقتنائها، بل
يحرصوا عليها وعلى ملكها كما لم يحرص
عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عليها
فقد تنازل عن الخلافة حينما استبدّت
بها قريش قائلاً: فإنّها كانت إثرة
شحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس
آخرين والحَكَم الله والموعد القيامة.

ومن
هنا نشأت في المجتمع الإسلامي
أخلاقيتان متميّزتان: أخلاقية عليّ
النموذجية التي تدين السياسة
الميكافيلية، وأخلاقية الخلفاء التي
كانت ترى مشروعية الوصول إلى الحكم
بأيّة وسيلة ممكنة، ومن هنا كان زهد
عليّ في الحكم وحرص غيره عليه[8].

في
رحاب الدعاء والمناجاة :


اهتمّ
الإمام عليّ (عليه السلام) كما اهتم
سائر الأئمة من أهل البيت (عليهم
السلام) بحقل الدعاء والمناجاة بعد أن
فتح القرآن الكريم هذا الباب قائلاً
للرسول (صلى الله عليه وآله): (قل ما
يعبأُبكم ربّي لو لا دعاؤكم) وبيّن
أهميّة الدعاء بنصوصه وسيرته فقال (عليه
السلام): «الدعاء سلاح الأولياء».

وتضمّن
نهج البلاغة مجموعة من الأدعية
العلويّة لشتى الأغراض والمجالات،
وجمعت أدعيته (عليه السلام) فيما
يُسمّى بالصحيفة العلوية. ومن غرر
أدعيته الدعاء المعروف بدعاء كميل
ودعاء الصباح والمناجاة الشعبانية،
ونشير إلى مقطع من مناجاته المنظومة
التي اُثرت عنه ، قال (عليه السلام) :

إلهي
وخلاّقي وحرزي وموئلياليك لدى
الإعسار واليُسر أفزعُ

إلهي
ترى حالي وفقري وفاقتيوأنت مناجاتي
الخفيةَ تسمعُ

إلهي
لئن خيّبتني أو طردتنيفمن ذا الذي
أرجو ومن ذا اُشفِّعُ

إلهي
لئن عذّبتني ألف حجّةفحبل رجائي منك
لا يتقطّعُ

إلهي
حليف الحبّ في الليل ساهريناجي ويدعو
والمغفّل يهجعُ[9]

في
رحاب أدب الإمام

(عليه
السلام) :

لقد
تعرّفنا على مجموعة من النصوص
المنثورة والمنظومة التي اُثرت عن
الإمام (عليه السلام) في نهج البلاغة أو
غيره من الكتب التي اهتمّت بتراث
الإمام (عليه السلام)، ولاحظنا
القمّة الشاهقة التألّق التي بلغها
الإمام سواء في ميدان الخطابة أو الكتب
والرسائل أو الكلمات الحكمية والمواعظ
أو ميدان الشعر، ولا نبالغ إذا قلنا ـ
كما قال متخصّصو الأدب ـ إنّ أجود نتاج
أدبي عرفه التأريخ فنّاً وعمقاً
وفكراً هو نتاج الإمام عليّ (عليه
السلام)[10].

ونختار
نماذج منظومة من أدبه (عليه السلام) في
مختلف المجالات ، علماً بأنّ هناك
ديوان شعر منسوباً إليه، وقد اعتمده
بعض المؤرّخين واستشهدوا بنماذج
أدبيّة من نصوصه[11].

قال
(عليه السلام) في رثاء أبيه أبي طالب
رضوان الله تعالى عليه :

لقد
هدّ فقدُكَ أهل الحفاظفصلّى عليك
وليّ النِعَم[12]

وجاء
عن الجاحظ والبلاذري : أن عليّاً أشعر
الصحابة وأفصحهم وأخطبهم وأكتبهم،
وممّا قاله يوم بدر:

ضربنا
غواة الناس عنه تكرّماًولمّا يروا
قصد السبيل ولا الهدى

للناس
حرص على الدنيا بتدبيروصفوها لك
ممزوج بتكدير

لو
كان عن قوّة أو عن مغالبةطار البزاة
بأرزاق العصافير

وعنه
(عليه السلام) :

وتحسب
أنّك جرم صغيروفيك انطوى العالم
الأكبر

فسلام
عليك يا أبا الحسن والحسين يا سيّد
البلغاء والشعراء يوم ولدت ويوم آمنت
وجاهدت ويوم صبرت وآثرت ويوم أقمت حدود
الله واستشهدت صابراً محتسباً ويوم
تبعث حياً، تقود أحبّاءك على الحوض إلى
جنّات النعيم.

والحمد
لله ربّ العالمين

[1]
راجع المعجم الموضوعي
لنهج البلاغة: 87 ـ 116 و374 ـ 445.

[2] من الخطبة 138
من نهج البلاغة .

[3] المصدر السابق .

[4] عن بشارة
المصطفى: 24 ـ 31 .

[5] عن ملاحم ابن
طاووس: 84 ـ 85 .

[6] عن خصال الصدوق: 2
/ 418 . وراجع موسوعة أحاديث أمير
المؤمنين، الجزء الأول ما روى عنه حول
الإمام المهدي (عليه السلام). مؤسّسة
نهج البلاغة .

[7] تصنيف غرر الحكم :
175 ـ 190 و 331 ـ 335 ، والمعجم الموضوعي لنهج
البلاغة: 140 ـ 150و216 ـ 239 .

[8] المعجم الموضوعي
لنهج البلاغة : 282 ـ 356 و 194 ـ 214 و 152 ـ 169 و
374 ـ 379 ، وتصنيف غرر الحكم: القسم
الأخلاقي : 205 ـ 323 و 127 ـ 147 .

[9] الصحيفة العلوية
ومفاتيح الجنان.

[10] تأريخ الأدب
العربي في ضوء المنهج الإسلامي
للدكتور محمود البستاني: أدب الإمام
علي (عليه السلام).

[11] راجع: في
رحاب أئـمّة أهل البيت (عليهم السلام)
للسيد محسن الأمين : 2 / 301 ـ 313 .

[12] راجع: الغدير : 3
/ 106 و 7 / 378 و 379 .

/ 29