أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الفصل
الثّّالث

الإمام
علي
(عليه
السلام) مع القاسطين

[1]

استعدادات
معاوية لمحاربة الإمام

(عليه
السلام) :

ساورت
المخاوف معاوية من استقرار الإمام في
الكوفة ومضيّه (عليه السلام) في خطّته
لتوحيد الدولة وبناء الحضارة
الإسلامية على منهج القرآن والسنّة
النبويّة، فسارع معاوية الى الاستعانة
بعمرو بن العاص لما يتمتّع به من حيلة
وغدر، وتوافق معه في العداء للإسلام
وللإمام (عليه السلام)، ولم يتردّد
عمرو طويلاً أمام رسالة معاوية، ولم
يكن ليختار على طمعه في الدنيا شيئاً
حتى لو كان دينه الذي يُدخله الجنّة[2].

وما
أن وصل عمرو الى الشام حتى جعل يبكي
ويولول كالنساء[3] مبتدئاً خطّته في
التضليل وخداع الجماهير، وبعد مراوغة
ومكايدة بين معاوية وعمرو تمّت
المساومة على أن تكون حصّة عمرو ولاية
مصر مقابل مواجهة الإمام (عليه السلام)
ومحاربته، وكتب معاوية كتاباً بذلك[4].

وشرعا
يخطّطان لمواجهة الإمام والوضع
القائم، فكان الاتّفاق على المضيّ في
هذا المسار العدائي المشوب بالظلم
والغدر والبغي، إذ لا سبيل للوصول الى
أهدافهم وغاياتهم إلاّ مواجهة الإمام (عليه
السلام) وهو الوريث الشرعيّ للنبيّ (صلى
الله عليه وآله) وحامل راية الحقّ
والعدل، واصطدم الرجلان إذ كلاهما
خذلا عثمان فكانت خطّتهم تتطلب
التشبّث بقميص عثمان كشعار لتحريك
مشاعر وعقول الجماهير غير الواعية،
فرفعاه على المنبر بعد أن قَدِم به
عليهما النعمان بن بشير، فكان الناس
يضجّون بالبكاء حتى سرت فيهم روح الحقد
والكراهية والعمى عن هدى الحقّ[5].

ولتحريك
جماهير الشام لمؤازرة معاوية وحشدهم
للحرب اقترح عمرو أن يكون شرحبيل بن
السمط الكندي المحرّك الأول، لما عرف
عنه من عبادة ووجاهة في قبائل الشام
وكراهية لجرير مبعوث الإمام (عليه
السلام) الى معاوية، كما أنّ شرحبيل
ممّن لا يتقصّى الحقائق من مصادرها،
وتمّت مخادعة شرحبيل الذي انطلق
مطالباً معاوية بالأخذ بثأر عثمان بن
عفان، ويتحرّك بنفسه لحشد الناس للحرب[6].

السيطرة
على الفرات :

بعد
تعبئة الشام للحرب; أخذ معاوية منهم
البيعة وكتب بالحرب كتاباً أرسله مع
جرير[7]
الذي أبطأ كثيراً على الإمام (عليه
السلام)، ثمّ سارع معاوية بتحريك
قوّاته نحو أعالي الفرات في وادي صفّين
لاحتلالها ومنع تقدّم قوات الإمام (عليه
السلام) وحبس الماء عنهم، وتصوّر
معاوية أنّ هذا أوّل نصر يحقّقه على
الإمام (عليه السلام). وطلب الإمام (عليه
السلام) من معاوية أن يسمح لجيشه
بالاستقاء بعد أن وصلوا متأخرين الى
صفّين، وأبى معاوية وجيشه ذلك، وأضرّ
الظمأ كثيراً بأهل العراق وازداد
الضغط على الإمام (عليه السلام) لكسر
الحصار، فأذن لهم بالهجوم على شاطئ
الفرات، وتمّ إزاحة قوّات معاوية عن
ضفّة النهر.

ولكنّ
الإمام (عليه السلام) لم يقابل أهل
الشام بالمثل، ففسح لهم المجال لأخذ
الماء دون معارضة[8].

محاولة
سلمية :

رغم
أنّ الإمام (عليه السلام) أكثر من
مراسلة معاوية وفتح عدّة قنوات للحوار
محاولاً كسبه وإدخاله في بيعته لكنّ
ردّ معاوية كان هو الحرب والسعي للقضاء
على الإمام وجيشه بكلّ وسيلة، بيد أنّ
الإمام (عليه السلام) كان يأمل في
محاولة سلمية اُخرى بعد أن استقرّ
وجيشه ضفّة الفرات، فسادت هدنة مؤقّتة
بعث خلالها الإمام (عليه السلام)
مندوبين عنه إلى معاوية وهم بشير بن
محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني
وشبث بن ربعي التميمي، فقال (عليه
السلام) لهم: «إئتوا هذا الرجل ـ أي
معاوية ـ وادعوه إلى الله وإلى الطاعة
والجماعة».

وما
كان جواب معاوية إلاّ السيف والحرب،
فقال للمندوبين: انصرفوا من عندي فليس
بيني وبينكم إلاّ السيف[9].

الحرب
بعد الهدنة :

جرت
مناوشات بين الجيشين ولم تستعر الحرب
بعدُ، فكانت تخرج فرقة من كلا الطرفين
فيقتتلان، وما أن حلّ شهر محرّم من عام
(37 هـ ) حتى حصلت موادعة بين الطرفين،
حاول من خلالها الإمام (عليه السلام)
التوصّل الى الصلح، وكانت طروحاته (عليه
السلام) هي الدعوة الى السلم وجمع
الكلمة وحقن الدماء، ودعوات معاوية
وأهل الشام رفض بيعة الإمام (عليه
السلام) والطلب بدم عثمان بن عفان[10].
واستمرّت الهدنة مدّة شهر واحد، ولمّا
طالت فترة المناوشات; سئم الفريقان من
ذلك فعبّأ الإمام (عليه السلام) جيشه
تعبئة عامة، وكذلك فعل معاوية، والتحم
الجيشان في معركة رهيبة، وكان الإمام
يوصي جنوده دائماً فيقول: «لا تقاتلوا
القوم حتى يبدؤوكم فأنتم بحمد الله عزّ
وجلّ على حجّة» ثمّ قال: «فإذا
قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا
مدبراً ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا
عورة ولا تمثّلوا بقتيل»[11].

واستمرت
الحرب بين كرٍّ وفرّ حتى سقط خلالها
أعداد كبيرة من المسلمين صرعى وجرحى
بلغت عشرات الاُلوف.

مقتل
عمار بن ياسر :

روي:
أنّ عمار بن ياسر خرج بين الصفوف فقال:
إنّي لأرى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون
حتى يرتاب المبطلون، والله لو هزمونا
حتى يبلغوا بنا سعفات هجر; لكنّا على
الحقّ وكانوا على الباطل. ثمّ تقدّم
نحو جيش معاوية وهو يرتجز:

ضرباً
يزيل الهام عن مقيله***ويذهل الخليل عن
خليله

أو
يرجع الحقّ الى سبيله

فتوسّط
فيهم ببسالته التي قاتل بها مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) صادقاً
مخلصاً، فاشتبكت عليه الرماح فطعنه
أبو العادية وابن جون السكسكي، وروي
أنّهما اختصما في رأس عمار الى
معاوية وعبد الله بن عمرو بن العاص
جالس فقال لهم: ليطب به أحدكما نفساً
لصاحبه، فإنّي سمعت رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يقول له: «يا عمّار
تقتلك الفئة الباغية»[12].

وكان
الإمام قلقاً لا يقرّ له قرار حين برز
عمار للقتال في ذلك اليوم، وأكثر من
السؤال عليه حتى جاءه خبر استشهاده،
فأسرع الى مصرعه كئيباً حزيناً تفيض
عيناه دمعاً، فقد غاب عنه الناصر
الناصح والأخ الأمين، ثمّ صلّى عليه
الامام (عليه السلام) ودفنه.

وسرى
خبر استشهاد عمار بين الجيشين فوقعت
الفتنة بين صفوف جيش معاوية، لما
يعلمون من مكانة عمار وحديث الرسول (صلى
الله عليه وآله) له... ولكنّ المكر
والحيلة كانا بالمرصاد لكلّ ساذج
جاهل، فأشاع معاوية أنّ الذي قتل
عماراً من جاء به. وأذعن بسطاء أهل
الشام لهذه الضلالة[13].

وروي:
أنّ ذلك بلغ الإمام علياً (عليه السلام)
فقال: ونحن قتلنا حمزة لأنّا أخرجناه
الى اُحد[14]؟

خدعة
رفع المصاحف :

استمرّ
القتال أياماً أظهر خلالها أصحاب
الإمام صبرهم وتفانيهم من أجل انتصار
الحقّ، ثمّ إنّ الإمام (عليه السلام)
قام خطيباً يحثّ على الجهاد فقال: «أيّها
الناس! قد بلغ بكم الأمر وبعدوّكم ما قد
رأيتم، ولم يبق منهم إلاّ آخر نفس،
وإنّ الاُمور إذا أقبلت اعتبر آخرها
بأوّلها.. وقد صبر لكم القوم على غير
دين حتى بلغنا، منهم ما بلغنا وأنا غاد
عليهم بالغداة اُحاكمهم إلى الله عزّ
وجلّ»[15].

فبلغ
ذلك معاوية وقد بدت الهزيمة على أهل
الشام فاستدعى عمرو بن العاص يستشيره،
وقال له: إنّما هي الليلة حتى يغدو عليّ
علينا بالفيصل فما ترى؟

قال
عمرو: أرى أنّ رجالك لا يقومون لرجاله
ولست مثله، وهو يقاتلك على أمر وأنت
تقاتله على غيره، أنت تريد البقاء وهو
يريد الفناء، وأهل العراق يخافون منك
إن ظفرت بهم وأهل الشام لا يخافون
عليّاً إن ظفر بهم، ولكن ألقِ إليهم
أمراً إن قبلوه اختلفوا وإن ردّوه
اختلفوا، اُدعهم إلى كتاب الله حكماً
فيما بينك وبينهم[16].

فأمر
معاوية في الحال أن ترفع المصاحف على
الرماح، ونادى أهل الشام: يا أهل
العراق! هذا كتاب الله بيننا وبينكم
من فاتحته الى خاتمته من لثغور أهل
الشام من بعد أهل الشام ومن لثغور أهل
العراق بعد أهل العراق؟

وكانت
هذه الدعوى المضلّلة كالصاعقة على
رؤوس جيش الإمام، فهاج الناس وكثر
اللغط بينهم، وقالوا: نجيب الى كتاب
الله وننيب إليه، وكان أشدّ الناس في
ذلك أحد كبار قادة جيش الإمام عليّ
الأشعث بن قيس.

فقال
لهم الإمام (عليه السلام): «عباد الله!
امضوا على حقّكم وصدقكم وقتال عدوّكم،
فإنّ معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي
معيط وحبيب بن أبي مسلمة وابن أبي سرح
والضحّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن،
أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالاً
ثمّ رجالاً فكانوا شرّ أطفال وشرّ
رجال، وَيْحَكُم! والله ما رفعوها إلاّ
خديعةً ووهناً ومكيدةً، إنّها كلمة
حقّ يراد بها باطل».

فخاطبوا
أمير المؤمنين باسمه الصريح قائلين: يا
عليّ، أجب إلى كتاب الله عزّ وجل إذ
دعيت إليه وإلاّ ندفعك برمّتك إلى
القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفّان.

ولم
يجد الإمام (عليه السلام) مع المخدوعين
سبيلاً فقال: فإن تطيعوني فقاتلوا وإن
تعصوني فاصنعوا ما شئتم[17].

وكان
في ساحة المعركة مالك الأشتر يقاتل
ببسالة ويقين حتى كاد أن يصل إلى
معاوية فقالوا لأمير المؤمنين: ابعث
الى الأشتر ليأتينّك.. ولكنّ الأشتر لم
ينثنِ عن عزمه في القتال، لأنه يعلم
أنّ الأمر خدعة فهدّدوه بقتل الإمام (عليه
السلام)، فعاد الأشتر يؤنّبهم فقال لهم:
خُدعتم والله فانخدعتم ودُعيتم إلى
وضع الحرب فأجبتم، يا أصحاب الجباه
السود كنّا نظن أنّ صلاتكم زهادة الى
الدنيا وشوق إلى لقاء الله، فلا أرى
فراركم إلاّ إلى الدنيا من الموت.

وأقبل
الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين،
والإمام (عليه السلام) ساكت لا يفيض
بكلمة مطرق الرأس حزيناً، فقد انطلت
الخديعة على جيشه فتمرّد عليه، ولم يعد
باستطاعته أن يفعل شيئاً، وقد أدلى (عليه
السلام) بما مني به بقوله: «لقد كنت
أمسِ أميراً فأصبحت اليوم مأموراً،
وكنت بالأمسِ ناهياً فأصبحت اليوم
منهيّاً»[18].

التحكيم
وصحيفة الموادعة :

لم
تتوقّف محنة الإمام (عليه السلام)
بتخاذل الجيش، وكان بالإمكان أن يحقّق
مكسباً سياسياً عن طريق المفاوضات
التي دُعي إليها لو أطاعه المتمرّدون
في اختيار الممثّلين عنه الى التحكيم،
فأراد الإمام (عليه السلام) ترشيح عبد
الله بن عباس أو مالك الأشتر لما يعلم
عنهما من اخلاص ووعي، وأصرّ المخدوعون
على ترشيح أبي موسى الأشعري، فقال
الامام (عليه السلام): «إنّكم قد
عصيتموني في أوّل الأمر فلا تعصوني
الآن، إنّي لا أرى أن اُولّي أبا موسى
فإنّه ليس بثقة، قد فارقني وخذّل الناس
عنّي ـ بالكوفة عند الذهاب لحرب الجمل
ـ ثمّ هرب منّي حتى أمّنته بعد أشهر»[19].

وتمكّن
معاوية وابن العاص من مأربهم في تفتيت
جيش الإمام (عليه السلام)، يساعدهم في
ذلك الأشعث بن قيس من داخل قوّات
الإمام.

حضر
عمرو بن العاص ممثّلاً عن أهل الشام
بدون معارضة من أحد لتسطير بنود
الاتّفاق مع أبي موسى الأشعري، ولم
يقبل عمرو كتابة اسم «أمير المؤمنين»
في الصحيفة، فقال الإمام (عليه السلام):
إنّ هذا اليوم كيوم الحديبية إذ قال
سهيل ابن عمر للنبي: لست رسول الله، ثمّ
قال (عليه السلام): فقال لي رسول الله (صلى
الله عليه وآله): أما إنّ لك مثلها
ستعطيها وأنت مضطهد[20].

وأهمّ
ما جاء في الصحيفة هو إعلان الهدنة
ووقف القتال، وأن يلجأ الطرفان الى
كتاب الله وسنّة نبيّه لحلّ قضاياهم،
وأُجّل البتّ في قرار الحكمين الى
رمضان (37 هـ )، حيث كتبت الصحيفة في
صفر من العام نفسه. والغريب أنّ مسألة
الأخذ بثأر عثمان لم ترد ولو بإشارة
بسيطة في كتاب الموادعة مع أنّها اُسّ
الفتنة التي تحرّك فيها معاوية وحزبه
من أبناء الطلقاء[21]،
واتّفقوا على أن يكون موضع اجتماع
الحكمين في «دومة الجندل».

موقف
واع وتقييم :

روي:
أنّه طلب من الأشتر أن يشهد في
الصحيفة، فقال: لا صبّحتني يميني ولا
نفعتني بعدها شمالي إن خُطّ لي في هذه
الصحيفة اسم أوَلست على بيّنة من ربّي
من خلال عدوّي؟ أو لستم قد رأيتم الظفر[22]
؟

وقيل
لأمير المؤمنين: إنّ الأشتر لا يقرّ
بما في الصحيفة ولا يرى إلاّ قتال
القوم.

فقال
(عليه السلام): «وأنا والله ما رضيت ولا
أحببت أن ترضوا».. ثمّ قال (عليه السلام):
«يا ليت فيكم مثله اثنين، ياليت فيكم
مثله واحداً يرى في عدوّي ما أرى، إذاً
لخفّت عليّ مؤنتكم، ورجوت أن يستقيم لي
بعض أودكم وقد نهيتكم فعصيتموني،
والله لقد فعلتم فِعلة ضعضعت قوّة
وأسقطت مُـنّة وأورثت وهناً وذلّة»[23].

رجوع
الإمام
(عليه
السلام) واعتزال الخوارج:

قفل
أمير المؤمنين راجعاً الى الكوفة
مثقلاً بالهموم والآلام، يرى باطل
معاوية قد استحكم، وأمره أوشك أن يتمّ،
وينظر الى جيشه وقد فتّته التمرّد لا
يستجيب لأَمره.

ودخل
الإمام (عليه السلام) الكوفة فرأى لوعة
وبكاءاً، قد سادت جميع أرجائها حزناً
على من قتل في صفّين، واعتزلت فرقة
تناهز اثني عشر ألف مقاتل عن جيش
الإمام، ولم يدخلوا الكوفة فلحقوا
بحروراء، وجعلوا أميرهم على القتال
شبث بن ربعي، وعلى الصلاة عبد الله بن
الكواء اليشكري، وخلعوا بيعة الإمام (عليه
السلام) يدعون الى جعل الأمر شورى بين
المسلمين.. وكان أمر هؤلاء قد بدأ منذ
كتابة صحيفة الموادعة، إذ لم يعجبهم
الأمر فاعترضوا وقالوا: لانرضى لا حكم
إلاّ لله، واتّخذوه شعاراً لهم رغم
أنّهم هم الذين أصرّوا على الإمام (عليه
السلام) لقبول التحكيم.

وسعى
أمير المؤمنين لمعالجة موقفهم بالحكمة
والنصيحة، فأرسل إليهم عبد الله بن
عباس وأمره أن لا يعجل في الخوض معهم في
جدال وخصومة، ولحقه الإمام (عليه
السلام) فكلّمهم وحاججهم وفنّد كلّ
دعاويهم، فاستجابوا له ودخلوا معه الى
الكوفة[24].

اجتماع
الحكمين :

حان
الأجل الذي ضرب لاجتماع الحكمين،
فأرسل الإمام (عليه السلام) أربعمائة
رجل عليهم شريح بن هاني، وبعث معهم عبد
الله بن عباس ليصلّي بهم ويلي اُمورهم
وأبو موسى الأشعري معهم، وبعث معاوية
عمرو بن العاص في أربعمائة رجل من أهل
الشام حتى توافوا في دومة الجندل.

وقد
سارع عدد من أهل الرأي والحكمة ممّن
أخلصوا للإمام (عليه السلام) بتقديم
النصح والتحذير لأبي موسى، باذلين
جهدهم في حمله على التبصرة والرويّة في
اتّخاذ القرار، وخشية منهم من مكر عمرو
وخداعه[25].

قرار
التحكيم :

اجتمع
الحكمان: أبو موسى الأشعري وعمرو بن
العاص، والأوّل يحمل الغباء السياسي
وضعف الانتماء العقائدي وقلّة الولاء
لإمامه عليّ (عليه السلام) والثاني هو
الماكر المخادع ذو السجيّة الغادرة
والطامع إلى إقصاء خطّ أهل البيت (عليهم
السلام) تماماً عن الميدان السياسي،
يدفعه لذلك طمعه للملك وشركته مع
الطليق ابن الطليق معاوية.

ولم
يطل الاجتماع طويلاً حتى تمكّن ابن
العاص من معرفة نقاط الضعف في شخصية
الأشعري والسيطرة عليه وتوجيهه نحو ما
يريد، واتفق الإثنان في اجتماع مغلق
على خلع الإمام عليّ (عليه السلام)
ومعاوية عن ولاية أمر المسلمين،
واختيار عبد الله بن عمر بن الخطاب
ليكون الخليفة المقترح.

وبادر
ابن عباس محذّراً الأشعري من أن ينساق
في لعبة ابن العاص، فقال له:
ويحك، والله إنّي لأظنّه قد خدعك إن
اتّفقتما على أمر، فقدّمه فليتكلّم
بذلك الأمر قبلك ثمّ تكلّم أنت بعده،
فإنّ عَمْراً رجل غادر لا آمن من أن
يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه،
فإذا قمت في الناس خالفك.

فقام
الأشعري فخطب وخلع الإمام عليّاً (عليه
السلام)، ثمّ انبرى عمرو فخطب وأكّد
خلع الإمام وثبّت معاوية لولاية الأمر[26].

وبتلك
الغدرة ظفر معاوية بالنصر، وعاد إليه
أهل الشام يسلّمون عليه بإمرة
المؤمنين، وأمّا أهل العراق فغرقوا في
الفتنة وأيقنوا بضلال ما أقدموا عليه،
وهرب أبو موسى الى مكّة، ورجع ابن عباس
وشريح الى الإمام عليّ (عليه السلام).

[1] وقعت معركة صفّين
في صفر من عام (37) هـ ، وكانت المناوشات
بين الطرفين بدأت في ذي الحجّة عام (36)
هـ.

[2] وقعة صفّين: 34،
والإمامة والسياسة: 116، والكامل في
التأريخ: 3 / 275.

[3] الكامل في
التأريخ: 3 / 274.

[4] وقعة صفّين: 40،
والإمامة والسياسة: 117.

[5] وقعة صفّين: 37،
الكامل في التأريخ: 3 / 277.

[6] المصدر السابق :
46.

[7] المصدر السابق :
56.

[8] مروج الذهب: 2 / 384،
وشرح النهج لابن أبي الحديد: 3 / 320،
والكامل في التأريخ: 3 / 283.

[9] تأريخ الطبري: 3 /
569، والكامل في التأريخ: 3 / 284.

[10] وقعة صفّين: 195،
وتأريخ الطبري: 3 / 570 .

[11] وقعة صفّين: 202،
وتأريخ الطبري: 4 / 6.

[12] وقعة صفّين: 340،
وتأريخ الطبري: 4 / 27 ط مؤسسة الأعلمي،
والعقد الفريد: 4 / 341، .

[13] تأريخ الطبري: 5
/ 653.

[14] العقد الفريد: 4
/ 343، وتذكرة الخواص: 90.

[15] كتاب سليم بن
قيس: 176، والكامل في التأريخ: 3 / 310.

[16] وقعة صفّين: 347،
وتأريخ الطبري: 4 / 34.

[17] وقعة صفّين: 481،
وتأريخ الطبري: 4 / 34 و 35 ط مؤسسة الأعلمي
.

[18] نهج البلاغة
الخطبة 208 ط مؤسسة النشر الإسلامي.

[19] وقعة صفّين: 499،
وتأريخ الطبري: 4 / 36، والكامل في
التأريخ: 3 / 319 .

[20] وقعة صفّين: 508،
وشرح نهج البلاغة: 2 / 232.

[21] تأريخ الطبري: 4
/ 40.

[22] وقعة صفّين: 511،
والكامل في التأريخ: 3 / 321.

[23] وقعة صفّين: 521،
وتأريخ الطبري: 4 / 42 و 43، والكامل في
التأريخ: 3 / 322.

[24] تأريخ الطبري: 4
/ 54، والكامل في التأريخ: 3 / 426، .

[25] وقعة صفّين: 534،
وشرح نهج البلاغة: 2 / 246. طـ. دار إحياء
التراث العربي.

[26] تأريخ الطبري: 4
/ 52، ومروج الذهب: 2 / 411، والكامل في
التأريخ: 3 / 322.

/ 29