أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الفصل
الثّالث
الإمام
علي (ع) في عهد عمر

[1]

مهّد
أبو بكر كرسيّ الخلافة لعمر بن الخطاب
فتولاّها بسهولة ويسر دون معارضة تذكر
من أقطاب المهاجرين والأنصار، وقد قبض
على زمام الحكم بقوة وساس الاُمّة
بشدّة، حتى تحامى لقاءه أكابر الصحابة[2].
وحقّقت جاهلية قريش انتصاراً سياسياً
آخر ومضت بخطّها على أن لا تعطي حقّاً
لبني هاشم، وأتقن عمر هذا السير أيّما
إتقان.
أمّا
أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يثأر
لحقه المغتصب بعدما شاهد من سيرة
السلطة الحاكمة وحركة الفئة غير
الواعية في ركبها، من تعنت وإصرار على
الانحراف بالخلافة، فوقف الإمام موقف
الناصح الأمين للخليفة الجديد شعوراً
منه بالمسؤولية الكبيرة، فهو الأمين
على سلامة الرسالة والاُمّة، لقد ساهم
أمير المؤمنين في الحياة العامّة ما
وسعه من جهد، وأدّى ما عليه من تكليف في
تعليم وتفقيه وقضاء بصورة أوسع من دوره
في عهد أبي بكر حيث اقتضت الضرورة ذلك،
فقد اتّسعت رقعة البلاد الإسلامية
واستجدّت أحداث جديدة طارئة كان يعجز
عنها الخليفة الجديد وكلّ من معه من
الصحابة، ولم يكن يجد لها حلولاً إلاّ
ممّن عصمه الله عن الذنب والخطأ، ولذا
كان عمر يقف متصاغراً أمام أمير
المؤمنين ويحترم رأيه ويمضي حكمه
وقراره حتى روي عنه لأكثر من مرّة وفي
أكثر من موقف حرج قوله: لا أبقاني الله
لمعضلة ليس لها أبو الحسن[3].
فقد
روي أنّ عمر أراد أن يرجم امرأةً
مجنونةً اُتّهمت بالزنا، فردّ الإمام
عليّ (عليه السلام) قضاء عمر. وذكّره
بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رفع
القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يبرأ،
وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبيّ حتى
يعقل» حينذاك قال عمر: لولا عليّ لهلك
عمر[4].ملامح
من سيرة عمر[5]
:

1
ـ الشدّة والقسوة في التعامل مع الناس،
وفرض السلطان بالعنف والقوة، فخافه
القريب والبعيد، وكان من شدته أنّ
امرأةً جاءت تسأله عن أمر وكانت حاملاً
ولشدّة خوفها منه أجهضت حملها. وقصّته
مع جبلّة وعنفه معه ممّا سبب ارتداد
جبلّة وهروبه إلى بلاد الروم[6].
2
ـ عدم مساواته في العطاء بين المسلمين،
فقد ميّز بينهم على أساس غير مشروع من
النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولا موجّه
في القرآن، بل على أساس عصبي[7]،
وكان من آثاره أن ظهرت الطبقية في
العهود التي تلته، فنشط النسّابون
لتدوين الأنساب وتصنيف القبائل بحسب
اُصولها ممّا أدّى الى حنق الموالي على
العرب وكراهيتهم لهم والتفتيش عن
مثالبهم، وقد خالف بذلك سيرة الرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله)
وسيرة صاحبه أبي بكر أيضاً.
وندم
عمر على تصرّفه هذا في آخر فترة حكمه
حينما رأى الثراء الفاحش عند كثير من
الصحابة، ولم تطب به نفسه، وإنّما راح
يقول: لو استقبلت من الأمر ما استدبرت
لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم
فرددتها على الفقراء[8].
3
ـ عدم الدقّة والموضوعية في اختيار
العمّال والولاة على اُسس إسلاميّة
تخدم مشروع الحكومة الإسلامية وتحافظ
على كيان الاُمّة، فإنّه استعمل مَنْ
عُرف بالفساد وعدم الإخلاص للدين،
وأصرّ بموقفه هذا على إبعاد كلّ ما
يمتّ إلى الخلافة بصلة، عن الإمام عليّ
(عليه السلام) والصحابة الأجلاّء الذين
وقفوا معه[9].
4
ـ استثناء معاوية من المحاسبة
والمراقبة التي كان يشدّدها على
ولاته، وتركه على هواه يعمل ما يشاء
لسنين طويلة، ممّا أعان معاوية على
طغيانه واستقلاله بالشام في عهد
عثمان، كما اُثر عنه قوله في توجيه
تصرفات معاوية: إنه كسرى العرب[10].محنة
الشورى :
إذا
كانت السقيفة وبيعة أبي بكر فلتة وقى
الله المسلمين شرها ـ كما قال عمر ـ ;
فإنّ الشورى أشدّ فتنةً وأكبر
انحرافاً عن مسير الرسالة الإسلامية،
فقد امتُحن المسلمون فيها امتحاناً
عسيراً، وزرعت لهم الفتن والمصاعب
وجلبت لهم الويلات والخطوب، وألقتهم
في شرّ عظيم، إذ تبيّن التآمر علناً
لإقصاء الإمام عليٍّ عن الحكم وتسليم
زمام الاُمّة الإسلامية بيد المنحرفين
من دون واعز من الضمير أو حرص على
المصير.
فلمّا
يئس عمر من حياته وأيقن برحيله عن
الدنيا أثر الطعنات التي أصابته قيل له:
استخلف علينا، قال: والله لا أحملكم
حيّاً وميّتاً، ثمّ قال: إن أستخلف فقد
استخلف من هو خير منّي ـ يعني أبا بكر ـ
وإن اَدَع فقد وَدَع من هو خير منّي ـ يعني
النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ[11]،
ثمّ أبدى أسفه وحسرته على بعض من شاركه
مسيرته للخلافة فقال: لو كان أبو عبيدة
حيّاً لاستخلفته لأنّه أمين هذه
الاُمّة، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة
حيّاً لاستخلفته لأنّه شديد الحبّ
لله، فقيل له: يا أمير المؤمنين لو عهدت
عهداً.
قال:
قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر
فاُولّي رجلاً أمركم هو أحراكم أن
يحملكم على الحقّ ـ وأشار إلى الإمام
عليّ (عليه السلام) ـ ورهقتني غشية
فرأيت رجلاً دخل جنّة قد غرسها، فجعل
يقطف كلّ غضّة ويانعة فيضمّه إليه
ويصير تحته، فعلمت أنّ الله غالب أمره،
ومتوفّ عمر، فما اُريد أن أتحمّلها
حيّاً وميّتاً عليكم هؤلاء الرهط
الذين قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عنهم: إنّهم من أهل الجنّة، وهم:
عليّ وعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير
بن العوام وطلحة بن عبيد الله،
فليختاروا منهم رجلاً، فإذا ولّوا
والياً فأحسنوا مؤازرته وأعينوه[12]،
وأمرهم أن يحبس هؤلاء الستّة حتى
يولّوا أحدهم خلال أيام ثلاثة وأن يضرب
عنق المخالف لاتّفاق الأغلبية أو
الجناح المخالف للذي فيه عبد الرحمن بن
عوف، وأن يصلّي صهيب بالناس ثلاثة أيام
حتى تجتمع الاُمّة على خليفة، وطلب أن
يحضر شيوخ الأنصار وليس لهم من الأمر
شيء[13].
وحين
اجتمع أعضاء الشورى لدى عمر، وجّه
إليهم انتقادات لاذعة لاتدلّ على وضوح
توجّه صحيح أو ارشاد إلى انتخاب يعين
الاُمّة في أزمتها، فقال: والله ما
يمنعني أن استخلفك يا سعد إلاّ شدّتك
وغلظتك مع أنّك رجل حرب، وما يمنعني
منك يا عبد الرحمن إلاّ أنّك فرعون هذه
الاُمّة، وما يمنعني منك يا زبير إلاّ
أنّك مؤمن الرضا كافر الغضب. وما
يمنعني من طلحة إلاّ نخوته وكبره[14]،
ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته.
وما يمنعني منك يا عثمان إلاّ عصبيتك
وحبّك قومك وأهلك. وما يمنعني منك يا
عليّ إلاّ حرصك عليها، وإنّك أحرى
القوم إن وليتها أن تقيم على الحقّ
المبين والصراط المستقيم[15].مؤاخذات
على الشورى :نظام
الشورى الذي وضعه عمر كان عارياً عن
الصحّة والصواب يحمل التناقض بين
خطواته، فإنّنا نلاحظ فيه اُموراً
يبعده عن الدقّة والموضوعية:
1
ـ إنّ الأعضاء المقترحين للشورى لم
يحصلوا على هذا الامتياز بالأفضلية
وفق ضوابط الانتخاب حيث لم تشترك
القواعد الشعبية في الترشيح
والانتخاب، وإطلاق كلمة الشورى على
هذا النظام جزاف، لأنّه لم يكن إلاّ
ترشيح فرد لجماعة وفرضهم على الاُمّة
ومن ثَمّ أمر باجتماعهم تحت التهديد
بالقتل والسلاح حتى يختاروا أحدهم.
2
ـ عناصر الشورى متنافرة في تركيب
شخصياتها وأفكارها، ولا يمثّل كلّ فرد
فيهم إلاّ رأيه الشخصي، فكيف يمكن أن
يعبّر عن رأي الاُمّة؟ وقد نشب الخلاف
فيما بينهم من بعد الشورى ممّا فرّق
شمل المسلمين[16].
3
ـ الاستهانة بالأنصار ودورهم، فقد طلب
عمر حضورهم ولا شيء لهم بل ولا رأي،
فالأمر منحصر في الستّة فما معنى حضور
الأنصار؟ بل إنّ عمر استهان بالاُمّة
كلّها حين تمنّى حياة سالم وأبي عبيدة.
4
ـ إنّ عمر ناقض نفسه في عمليّة اختيار
العناصر، ففي السقيفة كان يدّعي ويصرّ
على أنّ الخلافة في قريش ، بينما نجده
في هذا الموقف يتمنّى حياة سالم مولى
أبي حذيفة ليوليه الأمر، كما أنّه
استدعى أصحاب الشورى دون غيرهم من
الصحابة بدعوى أنّ الرسول (صلى الله
عليه وآله) مات وهو راض عنهم أو أنّهم
من أهل الجنّة، ولكنّه نسب اليهم
عيوباً لا تجتمع مع الرضا عنهم ويتنزّه
عنها أهل الجنة. ثم إنّه أمر صهيباً أن
يصلّي بالناس ثلاثة أيام، لأنّ إمامة
المصّلين لا ترتبط بالخلافة ولا
تستلزمها، وقد كان يناضل يوم السقيفة
من أجل استخلاف أبي بكر، وكانت صلاته
المزعومة دليله الأول على أهليّة أبي
بكر للخلافة.
5
ـ إنّه أراد أن يستخلف عليّاً (عليه
السلام) لأنّه سيحمل الاُمّة على النهج
القويم والمحجّة البيضاء، ولكنّه رأى
في المنام ما رأى، فأعرض عن الإمام (عليه
السلام) وكأنّه أراد بذلك التشويش على
مكانة الإمام وأهليّته.
6
ـ إنّ عمر قال: أكره أن أتحمّلها ـ يقصد
الخلافة ـ حيّاً وميّتاً، ولكنّه عاد
فحدّد ستّة أشخاص من اُمّة كبيرة،
فأكّد بذلك نزعته في الاستعلاء على
الاُمّة وقدراتها.
7
ـ اختيار العناصر الستّة يبدو مبيّتاً
بحيث يصل الأمر إلى عثمان باحتمالية
أكبر من وصولها إلى الإمام عليّ (عليه
السلام) وهو العنصر المؤهّل من الله
ورسوله لخلافة الاُمّة، فترشيح طلحة
هو إثارة وتأكيد لأحقاد تيم، لأنّ
الإمام نافس وعارض أبا بكر في خلافته
وها هو الآن ينافس مرشّحها الجديد
طلحة، وترشيحه لعثمان تأكيد منه على
أحقاد اُميّة وإثارة نزعة السلطان
والوجاهة لديها، وأمّا ترشيحه لعبد
الرحمن وسعد فهو فتح جبهة سياسية جديدة
منافسة للإمام عليّ (عليه السلام) فهما
من بني زهرة ولهما نسب أيضاً مع بني
اُميّة، فسوف يكون ميلهما لصالح عثمان
لو تنافس مع الإمام (عليه السلام).
8
ـ إنّه أمر بقتل أعضاء الشورى في حالة
عدم التوصّل إلى اتّفاق أو إبداء
معارضة وإصرار ، وكيف يمكن التوفيق بين
هذا وبين قوله: إنّ النبيّ (صلى
الله عليه وآله) مات وهو راض عنهم؟ وهل
تكون مخالفة رأي عمر موجبة لقتل
الصحابة [17]
؟حوار
ابن عباس مع عمر حول الخلافة :روي
أنّ حواراً وقع بين عمر وابن عباس في
شأن الخلافة.
قال
عمر: أما والله، إنّ صاحبك لأولى الناس
بالأمر بعد رسول الله، إلاّ أنّنا
خفناه على اثنتين، قال ابن عباس: فما
هما يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: خفناه
على حداثة سنّه، وحبّه بني عبد المطلب.
وفي
بعض مجالس عمر بن الخطاب وقد جلس إليه
نفر منهم عبد الله بن عباس، فقال له عمر:
أتدري يا ابن عباس ما منع الناس منكم؟
قال ابن عباس: لا يا أمير المؤمنين، قال
عمر: لكنّني أدري، قال ابن عباس: فما
هو؟ قال عمر: كرهت قريش أن تجتمع لكم
النبوّة والخلافة، فتجحفوا الناس
جحفاً فنظرت لأنفسها فاختارت، ووفقت
فأصابت.
فردّ
عليه ابن عباس: أيميط أمير المؤمنين
عنّي غضبه؟ فأمّنه عمر قائلاً: قل ما
تشاء.
فقال
ابن عباس: أمّا قولك: إنّ قريشاً كرهت...
فإنّ الله تعالى قال لقوم: (ذلك
بأ نّهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط
أعمالهم)[18]
وأمّا قولك: إنّا كنّا نجحف... فلو جحفنا
بالخلافة جحفنا بالقرابة، ولكنّا قوم
أخلاقنا من خلق رسول الله (صلى
الله عليه وآله) الذي قال ربّه فيه: (وإنّك
لعلى خلق عظيم)[19]
وقال له: (واخفض جناحك لمن
اتّبعك من المؤمنين)[20] وأمّا قولك:
إنّ قريشاً اختارت... فإنّ الله تعالى
يقول: (وربّك يخلق ما يشاء
ويختار ما كان لهم الخيرة)[21]،
وقد علمت يا أمير المؤمنين أنّ الله
اختار من خلقه من اختار، فلو نظرت قريش
حيث نظر الله لوفّقت وأصابت.
فتفكّر
عمر هُنيئة ثمّ قال (وقد آذاه من ابن
عباس هذا الحديث الصريح): على رسلك يا
ابن عباس، أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ
غشّاً في أمر قريش لا يزول،
وحقداً عليها لا يحول.
قال
ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا
تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش، فهي من
قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الذي طهّره وزكّاه، وإنّهم لأهل البيت
الذين قال لهم الله: (إنّما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهّركم تطهيراً)[22].
ثمّ
قال ابن عباس: وأمّا الحقد فكيف لا يحقد
من غُصب شيئه ويراه في يد غيره؟ فغضب
عمر وصاح ـ وقد حضره في هذه الآونة أمر
كان يكتمه ـ ما أنت يا ابن عباس !
إنّي قد بلغني عنك كلام أكره أن اُخبرك
به فتزول منزلتك عندي.
قال
ابن عباس: وما هو يا أمير المؤمنين؟
أخبرني به فإن يك باطلاً فمثلي أماط
الباطل عن نفسه، وإن يك حقّاً فإنّ
منزلتي عندك لا تزول به.
قال
عمر: بلغني أنّك لا تزال تقول: اُخذ هذا
الأمر منّا حسداً وظلماً.
فلم
ينكص ابن عباس ولم يتزحزح عن مواطئ
قدميه، بل قال: نعم حسداً وقد حسد إبليس
آدم فأخرجه من الجنة، ونعم ظلماً وإنّك
لتعلم يا أمير المؤمنين صاحب الحقّ من
هو.. يا أمير المؤمنين، ألم تحتجّ العرب
على العجم بحقّ رسول الله واحتجّت قريش
على سائر العرب بحقّ رسول الله؟ فنحن
أحقّ برسول الله من سائر قريش وغيرها.
فقال
عمر: إليك عنّي يا ابن عباس، فلما رآه
عمر قائماً يريد أن يبرح خشي أن يكون قد
أساء إليه فأسرع يقول متلطّفاً به:
أيّها المنصرف! إنّي على ما كان منك
لراع حَقَّكَ.
فالتفت
ابن عباس إليه وهو يقول ولم يزايله
جدّه: إنّ لي عليك يا أمير المؤمنين
وعلى كلّ المسلمين حقّاً برسول الله،
فمن حفظه فحقّ نفسه حفظ، ومن أضاعه
فحقّ نفسه أضاع[23].موقف
الإمام (عليه السلام)
من الشورى :

أَلمَّ
الحزن والأسى بقلب الإمام عليّ (عليه
السلام)، وساورته الشكوك والمخاوف من
موقف عمر وترشيحه، فأيقن أنّ في الأمر
مكيدةً دبّرت لإقصائه عن الخلافة وحرف
الحكومة الإسلامية عن مسارها الصحيح ،
وما إن خرج الإمام (عليه السلام) من عند
عمر; حتى تلقّاه عمّه العباس فبادره
قائلاً :
يا
عمّ، لقد عُدِلَتْ عنّا، فقال العباس:
من أعلمك بذلك، فقال عليّ (عليه السلام):
قُرن بي عثمان، وقال عمر: كونوا مع
الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان
رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن
بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمّه عبد
الرحمن وعبد الرحمن صهر عثمان لا
يختلفون، فيوليها عبد الرحمن عثمان أو
يوليها عثمان عبد الرحمن، فلو كان
الآخران معي لم ينفعاني[24].
وصدق
تفرّس الإمام (عليه السلام) فقد آلت
الخلافة إلى عثمان بتواطؤ عبد الرحمن،
فقد روي أنّ سعداً وهب حقّه في الشورى
لابن عمّه عبد الرحمن، ومال طلحة
لعثمان فوهب له حقّه، ولم يبق إلاّ
الزبير فتنازل عن حقّه لصالح الإمام (عليه
السلام)، وهنا عرض عبد الرحمن أن يختار
الإمام أو عثمان فقال عمار: إن أردت
ألاّ يختلف المسلمون فبايع عليّاً،
فردّ عليه ابن أبي سرح: إن أردت ألاّ
تختلف قريش فبايع عثمان،. فتأكّد
التوجّه غير السليم للخلافة وبدت
أعراض الانحراف واضحة جلية تؤجّجها
نار العصبية.
فعرض
عبد الرحمن بيعته بشرط السير على كتاب
الله وسنّة نبيّه (صلى الله عليه
وآله) وسيرة الشيخين، فرفض الإمام سيرة
الشيخين وقبلها عثمان فتمّت له
البيعة، فقال عليّ (عليه السلام) لعبد
الرحمن:
«حبوته
حبو دهره، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم
فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان
على ما تصفون»[25].
«والله
ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا
صاحبكما من صاحبه، دقَّ الله بينكما
عطر منشم»[26].
ثمّ
التفت (عليه السلام) إلى الناس ليوضّح
لهم خطأهم المتكرّر في الاستخلاف
ورأيه في مصير الرسالة الإسلامية فقال
:
«أيّها
الناس! لقد علمتم أنّي أحقّ بهذا الأمر
من غيري، أما وقد انتهى الأمر إلى ما
ترون، فو الله لاُسالمنّ ما سَلِمَتْ
اُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلاّ
عليّ خاصة، التماساً لأجرِ ذلك
وفضلهِ، وزهداً فيما تنافَسْتُموه من
زُخرفه وزِبْرجه»[27].
إنّ
الامام (عليه السلام) دخل مع الباقين في
الشورى وهو يعلم بما ستؤول إليه،
محاولة منه لإظهار تناقض عمر ومن سار
على نهجه عند وفاة النبيّ (صلى الله
عليه وآله) حين كان يرى أنّه لا تجتمع
الخلافة والنبوّة في بيت واحد، أمّا
الآن فقد رشّح الإمام (عليه السلام)
للخلافة.
روي
عن أمير المؤمنين: «ولكنّي أدخل معهم
في الشورى لأنّ عمر قد أهَّلني الآن
للخلافة، وكان قبل ذلك يقول: إنّ رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنَّ
النبوّة والإمامة لا يجتمعان في بيت،
فأنا أدخل في ذلك لاُظهر للناس مناقضة
فعله لروايته»[28].
وبايع
الإمام (عليه السلام) عثمان بن عفّان
سعياً منه أن يصلح الاُمّة ويوجّهها،
وأن يحافظ على كيانها، فلم يبخل على
الاُمّة بالنصيحة والهداية والتربية،
فإن اُبعدت الخلافة عنه (عليه السلام)
فإنّه لم يدّخر وسعاً إلاّ وبذله يوضّح
الحقّ ويُرشد إليه، ويهدي السبيل
الصحيح ويُدلّ عليه، ويعين الحاكم حين
يعجز، ويعلّمه إذ يجهل، ويردعه إذ يطيش.لماذا
لم يوافق الإمام (عليه
السلام) على شرط عبد الرحمن بن عوف ؟

لم
يقف الإمام عليّ (عليه السلام) موقف
المعارض للخليفتين لمصلحة خاصّة أو
غاية شخصية، إنّما لصالح الدين
والاُمّة والعقيدة الإسلامية،
مبتعداً عن الأهواء والرغبات، مستنداً
على القرآن والسنّة في كلّ مواقفه،
حريصاً على الموضوعية والرسالية في كل
قرار يتّخده وهو الراعي لشؤون الرسالة
والاُمّة في غياب الرّسول الأعظم (صلى
الله عليه وآله)، لئلاّ يشوب الرسالة
الإسلامية شيء يحيد بها عمّا نزلت من
أجله. وموقفه من رفض البيعة بشرط سيرة
الشيخين نابع من هذا المنطلق، فلا يوجد
في أصل العقيدة شيء يصحّ أن يسمّى
بسيرة الشيخين، وإنّما هناك القرآن
والسنّة النبوية، فلو أنّ الإمام وافق
بهذا الشرط; لكان معناه إمضاء سيرة
الشيخين كالسنّة النبويّة، وإنّ في
سيرة الشيخين أنواع التناقض والتفاوت
فيما بينهما معاً ، بل فيما بينهما
وبين القرآن والسنّة النبويّة الشريفة.
ثمّ
إنّ الإمام (عليه السلام) يرى أنّ دوره
دور المربي بعد النبيّ (صلى الله عليه
وآله) في هذه الاُمّة، فلم يكن من شأنه
أن يوافق على أن يسير بسيرة الشيخين ثم
يخالفها كما فعل عثمان حيث رضي بهذا
الشرط ولكنّه لم يفِ به.


[1] استخلاف عمر بن
الخطاب في جمادى الآخرة عام (13) هـ .
[2] تأريخ الطبري: 2 /
617 و 618.
[3] اُسد الغابة 4 / 22،
وتهذيب التهذيب: 7 / 296، وتاريخ دمشق: 3 / 39
حديث 1071، والرياض النضرة: 2 / 197، وكنز
العمال: 5 / 832.
[4] تذكرة الخواص: 87 ،
وكفاية الطالب: 96، وفضائل الخمسة من
الصحاح الستة: 2 / 309.
[5] راجع النص
والاجتهاد للسيد شرف الدين: 148.
[6] الطبقات الكبرى: 3
/ 285، وتأريخ الطبري: 3 / 291، والعقد
الفريد: 2 / 56.
[7] تأريخ الطبري: 3 /
291 و 292.
[8] شرح النهج : 9/29.
[9] شيخ المضيرة أبو
هريرة: 84 .
[10] المستدرك على
الصحيحين: 4 / 479، وكنز العمال: 6 / 39.
[11] الإمامة
والسياسة : 41 . قد عرفت سابقاً أنّ النبي
(صلى الله عليه وآله) لم يدع . . . وقد
عيّن خليفته مراراً كيوم الإنذار
لعشيرته الأقربين وغدير خم وغيرهما .
[12] تأريخ الطبري: 3
/ 293 ط مؤسسة الأعلمي، الكامل في
التأريخ: 3 / 66.
[13] تاريخ الطبري :
3/294 ط مؤسسة الأعلمي، طبقات ابن سعد : 3 /
261 ، والإمامة والسياسة : 42، والكامل في
التأريخ: 3 / 68.
[14] كيف هم يدخلون
الجنة ـ حسب نقل عمر عن النبيّ (صلى
الله عليه وآله) ـ مع أنّ عبد الرحمن
فرعون هذه الاُمّة وطلحة صاحب الكبر
والنخوة والزبير مؤمن الرضا كافر
الغضب ؟!
[15] الإمامة
والسياسة: 43.
[16] أنساب الأشراف:
5 / 57، وتذكرة الخواص: 57، والنص
والاجتهاد: 168 .
[17] تاريخ الطبري :
3 / 293 ط مؤسسة الأعلمي.
[18] محمد (47) : 9.
[19] القلم (68) : 4.
[20] الشعراء (26) : 215.
[21] القصص (28) : 68.
[22] الأحزاب (33) : 33.
[23] تأريخ الطبري: 3
/ 289 و 290 ط مؤسسة الأعلمي.
[24] المصدر السابق
: 5 / 226 .
[25] تاريخ الطبري:
3/297 ط مؤسسة الأعلمي.
[26] شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد : 1 / 188 .
[27] نهج البلاغة :
الخطبة رقم 74 ، طبعة صبحي الصالح .
[28] شرح النهج لابن
أبي الحديد: 1 / 186.

/ 29