أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الإمام
عليّ
(عليه السلام) ومضاعفات السقيفة:

إذا
كانت مواقف الإمام عليّ (عليه السلام)
كلّها رائعة; فموقفه من الخلافة بعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
أكثرها روعةً، فالعقيدة الإلهية تريد
في كلّ زمان بَطَلاً يفتديها بنفسه
ونفيسه ويعزّز به المبدأ، وهذا هو الذي
بعث بعليّ إلى فراش الموت، وبالنبيّ (صلى
الله عليه وآله) إلى مدينة النجاة يوم
الهجرة، ولم يكن ليتهيّأ للإمام (عليه
السلام) في محنته بعد وفاة أخيه الرسول
(صلى الله عليه وآله) أن يضحّي لها كلا
ولديه الحسن والحسين; لأنه لو ضحّى
بنفسه في سبيل توجيه الخلافة إلى
مجراها الشرعي في رأيه; لما بقي بعده من
يمسك الخيط من طرفيه، وسبطا رسول الله (صلى
الله عليه وآله) طفلان لا يتهيّأ لهما
من الأمر ما يريد.

إنّ
عليّاً الذي كان على أتمّ استعداد
لتقديم نفسه قرباناً للمبدأ في جميع
أدوار حياته منذ ولد في الكعبة والى أن
استُشْهِدَ في مسجد الكوفة; قد ضحّى
بموقعه الذي نصبه فيه رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وتنازل عن القيادة
السياسية الظاهرة في سبيل المصالح
العليا التي جعله رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وصيّاً عليها وحارساً لها.

وقف
عليّ (عليه السلام) عند مفترق طرق، كلٌ
منها حرج وكلٌ منها شديد على نفسه:

1
ـ أن يبايع أبا بكر دون ممانعة، ويكون
حاله مثل بقية المسلمين، بل ويحافظ على
وجوده ومنافعه الشخصية ومصالحه
المستقبلية وينال المكانة والتكريم
والاحترام لدى الجهاز الحاكم. وهذا غير
ممكن، لأنّه يعني إمضاءه (عليه
السلام) لبيعة أبي بكر وولايته، وهذا
مخالف لأوامر رسول الله (صلى الله عليه
وآله) ومؤدٍّ إلى انحراف الخلافة
والولاية والإمامة عن مسارها الأصلي
ومعناها الحقيقي إلى الأبد، وتبدّد
الجهود والتضحيات التي بذلها النبيّ (صلى
الله عليه وآله) والإمام علي (عليه
السلام) من أجل إرساء قواعد الإسلام
وتحكيم اُصول الخلافة الشرعية،
وبالتالي انحراف التجربة الإسلامية
كلّها.

2
ـ أن يسكت وفي العين قذىً وفي الحلق
شجا، ويحاول أن يسلك سبيلاً معتدلاً
يحفظ كيان الإسلام ويصون المسلمين
ووجودهم وأن يجني ثماره متأخّراً.

3
ـ أن يعلن الثورة المسلّحة على خلافة
أبي بكر، ويدعو الناس اليها ويدفعهم
نحوها.

ولكن
ماذا كان يترقّب للثورة من نتائج؟ هذا
ما نريد أن نتبيّنه على ضوء الظروف
التأريخية لتلك الساعة العصيبة.

ومن
المألوف أنّ الحاكمين لم يكونوا
ينزلون عن مراكزهم بأدنى معارضة
تواجههم وهم من عرفناهم حرصاً وشدّةً
في أمر الخلافة، ومعنى هذا أنّهم
سيقابلون ويدافعون عن سلطانهم الجديد،
ومن المعقول جدّاً حينئذ أن يغتنم سعد
ابن عبادة الفرصة ليعلنها حرباً اُخرى
لإشباع أهوائه السياسية، لأنّنا نعلم
أنّه هدّد الحزب المنتصر بالثورة
عندما طلب منه البيعة وقال: «لا والله
حتّى أرميكم بما في كنانتي واُخضّب
سنان رمحي وأضرب بسيفي واُقاتلكم بأهل
بيتي ومن أطاعني ولو اجتمع معكم الإنس
والجنّ ما بايعتكم»[1].

وأكبر
الظنّ أنّه تهيّب الإقدام على الثورة
ولم يجرؤ على أن يكون أوّل شاهر للسيف
ضدّ الخلافة القائمة، وإنّما اكتفى
بالتهديد الشديد الذي كان بمثابة
إعلان الحرب، وأخذ يترقّب تضعضع
الأوضاع ليشهر سيفه بين السيوف، فكان
حريّاً به أن تثور حماسته ويزول تهيّبه
ويضعف الحزب القائم في نظره إذا رأى
صوتاً قويّاً يجهر بالثورة فيعيدها
جذعة محاولاً إجلاء المهاجرين من
المدينة بالسيف[2]،
كما أعلن ذلك المتكلّم عن لسانه في
مجلس السقيفة.

ولا
ننسى بعد ذلك الاُمويّين وتكتّلهم
السياسي في سبيل الجاه والسلطان، وما
كان لهم من نفوذ في مكّة في سنواتها
الجاهلية الأخيرة، فقد كان أبو سفيان
زعيمها في مقاومة الإسلام والحكومة
النبويّة، وكان عتاب بن اُسيد بن أبي
العاص ابن اُميّة أميرها المطاع في تلك
الساعة.

وإذا
تأمّلنا ما جاء في تأريخ تلك الأيام[3]
من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لمّا توفّي وبلغ خبره إلى مكّة وعامله
عليها عتاب بن اُسيد بن أبي العاص بن
اُميّة استخفى عتاب وارتجّت المدينة
وكاد أهلها يرتدّون، فقد لا نقتنع بما
يعلّل به رجوعهم عن الارتداد من
العقيدة والإيمان، وليس مردّ ذلك
التراجع إلى أنّهم رأوا في فوز أبي بكر
فوزهم وانتصارهم على أهل المدينة كما
ذهب إليه بعض الباحثين; لأنّ خلافة أبي
بكر كانت في اليوم الذي توفّي فيه رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، وأكبر
الظنّ أنّ خبر الخلافة جاءهم مع خبر
الوفاة، بل تعليل القضية: أنّ الأمير
الاُمويّ عتاب بن اُسيد شاء أن يعرف
اللون السياسي الذي اتّخذته اُسرته في
تلك الساعة، فاستخفى وأشاع بذلك
الاضطراب حتّى إذا عرف أنّ أبا سفيان
قد رضي بعد سخط وانتهى مع الحاكمين إلى
نتائج تصبّ في صالح البيت الاُموي;[4]
ظهر مرّة اُخرى للناس وأعاد الاُمور
إلى مجاريها.

وعليه
فالصلة السياسية بين رجالات
الاُمويّين كانت قائمة في ذلك الحين،
وهذا مايفسِّر لنا القوّة التي تكمن
وراء أقوال أبي سفيان حينما كان
ساخطاً على أبي بكر وأصحابه، إذ قال:
إنّي لأرى عجاجة لا يطفيها إلاّ الدمّ،
وقال عن عليّ والعبّاس: أما والذي نفسي
بيده لأرفعنّ لهما من أعضادهما[5].

فالاُمويّون
كانوا متأهّبين للثورة والانقلاب، وقد
عرف عليّ (عليه السلام) منهم ذلك بوضوح
حينما عرضوا عليه أن يتزعّم المعارضة
ولكنّه عرف أنّهم ليسوا من الذين يعتمد
على تأييدهم، وإنّما يريدون الوصول
إلى أغراضهم عن طريقه، فرفض طلبهم،
وكان من المنتظر حينئذ أن يشقّوا عصا
الطاعة إذا رأوا الأحزاب المسلّحة
تتناحر، ولم يطمئنّوا إلى قدرة
الحاكمين على ضمان مصالحهم، ومعنى
انشقاقهم حينئذ إظهارهم للخروج عن
الدين وفصل مكّة عن المدينة.

إذاً
كانت الثورة العلويّة في تلك الظروف
إعلاناً لمعارضة دموية تتبعها معارضات
دموية ذات أهواء شتّى، وكان فيها تهيئة
لظرف قد يغتنمه المشاغبون ثمّ
المنافقون.

ولم
تكن ظروف المحنة تسمح لعليّ بأن يرفع
صوته وحده في وجه الحكم القائم، بل
لتناحرت وتقاتلت مذاهب متعدّدة
الأهداف والأغراض، ويضيع بذلك الكيان
الإسلامي في اللحظة الحرجة التي يجب أن
يلتفّ المسلمون حول قيادة موحّدة،
ويركّزوا قواهم لصدّ ما كان يترقّب أن
تتمخّض عنه الظروف الدقيقة من فتن
وثورات[6].

ومن
هنا كان على الامام عليّ أن يختار
الطريق الوسط ليحقّق أكبر قدر ممكن من
الأهداف الرسالية التي جعله الرسول (صلى
الله عليه وآله) وصيّاً عليها.

ومن
هنا نعرف أن الرسول (صلى الله عليه وآله)
كان قد أعدّ للامام عليّ (عليه السلام)
خطّتين أو خطّة واحدة ذات مرحلتين،
فالمرحلة الاولى هي نصبه إماماً
شرعياً وخليفةً له بشكل رسمي بعد
الإعلان الصريح وأخذ البيعة له من
المسلمين وإتمام الحجّة على جميع من
حضر وغاب عن مشهد يوم الغدير.

وحين
كان الرسول (صلى الله عليه وآله) ذلك
القائد السياسي المحنّك الذي أثبت
للتأريخ ولمن عاصره جميعاً نفاذ
بصيرته وبُعد نظره وشفقته على اُمّته
وارتباطه المستمر بعالم الغيب والعلم
الإلهي الذي شاء للشريعة الإسلامية أن
تكون خاتمة الشرائع وعلى أساسها ينبغي
أن تتحقّق أهداف الرسالات الإلهية
جميعاً. فمن هنا ومن حيث علمه (عليه
السلام) بمدى وعي الاُمّة للرسالة
الإسلامية في عصره ومدى اندماجها
وذوبانها في قيم الرسالة، وطبيعة
المجتمع الذي أسلم أو استسلم لدولة
الرسول بما كان يشتمل عليه من عصبيات
وقيم جاهلية يصعب اجتثاثها بسرعة
وبخطوات تربوية قصيرة. لكلّ هذا وغيره
ممّا يمكن أن يدركه المتأمّل في الظروف
المحيطة بالرسول (صلى الله عليه
وآله) وبدولته، يشعر المتأمّل بضرورة
وجود تخطيط بعيد المدى يتكفّل تحقيق
الأهداف الرسالية الكبرى على المدى
البعيد بعد أن كان يستحيل أو يصعب
اجتناء الثمار المرجوّة من حركة
الرسالة في تلك الفترة وفي ذلك المجتمع
على المدى القريب بعد ملاحظة منطق
العمل التغييري بشكل خاص.

اذن
كانت المرحلة الثانية بعد إعراض
الاُمّة أو عدم انقيادها للاُطروحة
النبويّة الإلهية هي الصبر والحزم
والتخطيط العملي الواقعي لعمل تربوي
جذري في ظلّ الدولة الإسلامية
الفتيّة، ريثما تُهيَّأ الظروف
اللازمة لاستلام الحكم وتحقيق تلك
الاُطروحة، لتتحقّق جميع الأهداف
الممكنة لتطبيق هذه الشريعة الخالدة
تطبيقاً صحيحاً رائعاً.

الإمام
عليّ
(عليه
السلام) ومهمّة جمع القرآن :

اتّفقت
كلّ الروايات الصحيحة على أنّ الإمام
عليّاً (عليه السلام) ما أن انتهى من
تجهيز النبيّ (صلى الله عليه وآله)
ومواراته الثرى; حتى اعتكف في داره
منشغلاً بجمع آيات القرآن وترتيبها
حسب نزولها بعد أن كانت مبعثرة في
الألواح.

وروي
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه
السلام): أنّ رسول الله(صلى الله عليه
وآله) قال لعليّ(عليه السلام) : يا عليّ!
القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير
والقراطيس فخذوه، واجمعوه، ولا
تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة،
فانطلق عليّ(عليه السلام) فجمعه في ثوب
أصفر[7].
وجاء أيضاً أنّ الإمام عليّاً (عليه
السلام) رأى من الناس طيرة عند وفاة
النبيّ (صلى الله عليه وآله)
فأقسم أنّه لا يضع على ظهره رداءه حتى
يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام
حتى جمع القرآن[8].

كما
روي أنّ عليّاً (عليه السلام) انقطع عن
الناس مدّةً حتى جمع القرآن، ثمّ خرج
إليهم في إزار يحمله وهم مجتمعون في
المسجد، فلمّا توسّطهم وضع الكتاب
بينهم ثمّ قال: إنّ رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: «إنّي مخلّف فيكم ما إن
تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي
أهل بيتي» وهذا كتاب الله وأنا العترة[9]،
وقال لهم: لئلاّ تقولوا غداً إنّا كنّا
عن هذا غافلين.

ثمّ
قال: لا تقولوا يوم القيامة إنّي لم
أدعُكُمْ إلى نصرتي ولم اُذكّركم حقّي
ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى
خاتمته[10].

فقال
له عمر: إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله
فلا حاجة لنا فيكما.

ويبدو
أنّ الإمام لم يكتف بجمع الآيات
القرآنية بل قام أيضاً بترتيبها حسب
النزول، وأشار إلى عامّه وخاصّه
ومطلقه ومقيّده ومحكمه ومتشابهه
وناسخه ومنسوخه وعزائمه ورخصه وسننه
وآدابه، كما وأشار إلى أسباب النزول
وأملى ستّين نوعاً من أنواع علوم
القرآن، وذكر لكلّ نوع مثالاً يخصّه،
وبهذا العمل الكبير استطاع الإمام أن
يحافظ على أهمّ أصل من اُصوال الإسلام،
وأن يوجّه العقل المسلم نحو البحث عن
العلوم التي يزخر بها القرآن، ليصبح
المنبع الرئيسي للفكر والمصدر المباشر
الذي تستمد منه الإنسانية ما تحتاجه في
حياتها.

إنّ
أمير المؤمنين كان جديراً بما فعل،
فإنّه قال: ما نزلت على رسول الله (صلى
الله عليه وآله) آية من القرآن إلاّ
أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها
بخطّي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها
وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها،
ودعا الله عزّ وجلّ أن يعلّمني فهمها،
فما نسيت آيةً من كتاب الله عزّ وجلّ
ولا علماً أملاه عليّ فكتبته وما ترك
شيئاً علّمه الله عز وجل من حلال وحرام
ولا أمر ولا نهي وما كان أو يكون من
طاعة أو معصية إلاّ علّمنيه وحفظته،
فلم أنس منه حرفاً واحداً[11].

من
مواقف الإمام (عليه السلام) في عهد أبي
بكر :

قال
الإمام(عليه السلام): «فوالله ما كان
يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أنّ العرب
تزعج هذا الأمر من بعده (صلى الله
عليه وآله) عن أهل بيته، ولا أنّهم
مُنَحّوهُ عنّي من بعده، فما راعني
إلاّ انثيال الناس إلى أبي بكر
يبايعونه، فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة
الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى
محق دين محمّد، فخشيت إن لم أنصر
الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو
هدماً تكون المصيبة به أعظم من فوت
ولايتكم التي هي متاع أيام قلائل يزول
منها ما كان كما يزول السراب أو كما
يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث
حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين
وتنهنه»[12].

كلّ
الأحداث التي جرت بعد وفاة الرسول(صلى
الله عليه وآله) وما سادها من أجواء
المشاحنات وما حفّها من ابتعاد عن
الحقّ وانجراف في غير الطريق الذي كان
على المسلمين سلوكه لم تَنس عليّاً
أنّه الوصيّ على هذه الاُمّة وعلى
تطبيق الرسالة الإسلامية.

كانت
بيعة أبي بكر قد استلبت حقّ الإمام في
إدارة شؤون الاُمّة مباشرة واضطرّته
إلى أن يعتزل الى حين فإنّ وصايا
الرسول (صلى الله عليه وآله) له وعهده
إليه بالتكليف الإلهي برعاية الاُمّة
ثمّ حرصه العميق على الرسالة
الإسلامية والمجتمع من التمزّق
والضياع جعل من أمير المؤمنين القدوة
المُثلى للمدافعين عن الكيان الإسلامي
في كل الميادين .

من
هنا وقف علي (عليه السلام) ليدلي بآرائه
الصائبة، موضّحاً قواعد الدين الصحيحة
في كلّ موقف يستعصي على الماسكين بزمام
إدارة الدولة في زمن عصيب، وفي اُمّة
لم تترسّخ العقيدة الإلهية في نفوس
أبنائها، فكان عليّ (عليه السلام)
ميزان القضاء والإفتاء في شؤون الحياة
الإسلامية من قضاء واجتماع وإدارة في
عهد أبي بكر وما تلاه من فترات حكم
الخلفاء.

وقف
علي (عليه السلام) ليدافع عن المدينة
ويصدّ هجوم المرتدّين عن الإسلام ومعه
الصفوة من الصحابة الذين ساندوه في
محنته.

وصيّة
أبي بكر إلى عمر :

لم
يزل الإمام عليّ (عليه السلام) مظلوماً
يدفع بحقّه بعيداً عنه، يتألّم على
الخلافة اذ تلكّأت وعلى الرسالة إذ
ضمرت، لا يجد سبيلاً إلاّ الصبر وهو
الحليم ولا يجد إلاّ الأناة وهو
البصير، وقد عبّر عن أحزانه وآلامه في
خطبته الشهيرة بالشقشقيّة إذ قال:

«أما
والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة،
وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب
من الرحى، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى
إليّ الطير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت
عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين أن أصول
بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء،
يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير،
ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه، فرأيت
أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي
العين قذى وفي الحلق شجا، أرى تُراثي
نهباً، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها
إلى ابن الخطاب بعده، فياعجباً بينا هو
يستقيلها في حياته[13]
إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما
تشطّرا ضرعيها، فصيّرها في حوزة
خشناء، يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر
العثار فيها والاعتذار منها»[14].

لم
تطل أيّام أبي بكر فقد ألمّت به
الأمراض وأشرف على الموت، وقد صمّم على
أن يولي عمر الخلافة من بعده، فاعترض
أكثر المهاجرين والأنصار، وأعلنوا
كراهيّتهم لهذا القرار لما علموا من
خشونة أخلاق عمر وسوء تعامله مع الناس[15].

لكنّ
أبا بكر أصرّ على موقفه.

ثمّ
إنّ أبا بكر أحضر عثمان بن عفّان لوحده
ليكتب عهده لعمر، فقال له: اُكتب: بسم
الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو
بكر بن أبي قحافة الى المسلمين، أما
بعد.. ثمّ اُغمي على أبي بكر، فكتب
عثمان: فإنّي قد استخلفت عليكم عمر بن
الخطّاب ولم آلكم خيراً، ثمّ أفاق أبو
بكر فقال: إقرأ عليّ، فقرأ عليه فكبّر
أبو بكر وقال: أراك خِفتَ أن يختلف
الناس إن مُتُّ في غشيتي، قال: نعم، قال:
جزاك الله خيراً[16].

مآخذ
على وصية أبي بكر :

لم
يكن عليّ (عليه السلام) راضياً بما فعله
أبو بكر للأسباب التالية:

1
ـ إنّ أبا بكر لم يستشر أحداً من
المسلمين في تقرير مصير الخلافة إلاّ
عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفّان
اللذين كانا على معرفة تامّة بميول أبي
بكر لاستخلاف عمر من بعده، خشية أن
يدفعه أهل الرأي من الصحابة المخلصين
على تغيير رأيه في اختيار عمر.

2
ـ الإصرار على إبعاد الإمام عليّ (عليه
السلام) عن الساحة السياسية ومسألة
تقرير مصير الخلافة فلم يستشره في أمر
الخلافة، في حين أنّ أبا بكر كان يفزع
الى الإمام في حلّ المشاكل المستعصية،
أو أنّ آراء الإمام ومواقفه في خلافة
أبي بكر هي الناصحة والصائبة دون من
عداها.

3
ـ إنّ أبا بكر فرض عمر فرضاً على
المسلمين، وكأنّ له الوصاية عليهم
حيّاً وميّتاً وذلك بقوله: استخلفت عمر
بن الخطاب عليكم فاسمعوا له وأطيعوا،
رغم أنّه رأى الغضب ظاهراً في وجوه
الكثيرين من الصحابة.

4
ـ إنّه ناقض نفسه في دعواه بالسير على
منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لأنّه كان يدّعي أنّ النبيّ (صلى الله
عليه وآله) توفّي ولم يعهد لأحد في شأن
الخلافة، في حين نجده يوصي لصاحبه عمر
من بعده[17].

5
ـ هيّأ الملك لبني اُميّة، الذي جلب
الويلات للإسلام والمسلمين، وذلك من
خلال إثارة طمعهم في الخلافة وتشجيعهم
عليها بقوله لعثمان: لولا عمر ما عدوتك[18]..
وأبو بكر يعلم أنّ عثمان عاطفي ضعيف
يميل لبني اُميّة، وأنّهم سيغلبونه
على أمره، وهذا ما حصل.

[1] تأريخ الطبري: 2 /
459 ط مؤسسة الأعلمي.

[2] تأريخ الطبري: 2 /
459، قصة السقيفة، قول الحبّاب بن
المنذر: «أمَا والله لئن شئتم
لنعيدنّها جذعَة...».

[3] الكامل في
التأريخ / لابن الأثير: 3 / 123 وصلَ خبر
وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وكان
عتاب بن اُسيد بن أبي العاص بن اُميّة
أميراً على مكّة.

[4] تاريخ الطبري: 2 /
449، هدأت ثائرة أبي سفيان بعد أن ولّى
الخليفة الأوّل ابنه معاوية، فقال:
وصلته رحم.

[5] تأريخ الطبري:
2/449.

[6] فدك في التاريخ،
الشهيد السيد محمد باقر الصدر: 102 ـ 105.

[7] المناقب لابن شهر
آشوب: 2 / 41، وفتح الباري: 10 / 386،
والإتقان للسيوطي: 1 / 51 .

[8] الفهرست لابن
النديم: 30.

[9] المناقب لابن
شهرآشوب: 2 / 41.

[10] كتاب سليم بن
قيس: 32، طـ . مؤسّسة البعثة.

[11] كفاية الطالب
للكنجي: 199، والاتقان للسيوطي: 2 / 187،
وبحار الأنوار: 92 / 99.

[12] نهج البلاغة:
الكتاب 62.

[13] إشارة الى قول
أبي بكر: أقيلوني فلست بخيركم ، راجع
تذكره الخواص: 62.

[14] نهج البلاغة:
الخطبة 3.

[15] الإمامة
والسياسة: 36، وتأريخ الطبري: 2 / 618 و 619 ط
مؤسسة الأعلمي، والكامل في التأريخ: 2 /
425.

[16] الكامل في
التأريخ: 2 / 425.

[17] وهو من العجائب
; لانّه لمّا أفاق من الاغماء واستمع
الى ما كتبه عثمان من تعيين الخليفة
بعده، قال: أراك خفت أن يختلف الناس إن
متّ في غشيتي قال : نعم ; كيف هو وعثمان
خافا من اختلاف الناس ؟ ! وأ مّا
الرسول الأعظم الحكيم (صلى الله عليه
وآله) لم يخف من اختلاف اُمّته ؟ ! لأنهم
يصّرحون بأن النبيّ (صلى الله عليه
وآله) مات ولم يعيّن أحداً . تباً لهم
فما لهم كيف يحكمون ؟ !
Ä

à بل نلاحظ عمر يمنع الرسول (صلى
الله عليه وآله) من كتابة وصيّته في
لحظاته الأخيرة بينما يجلس وبيده
جريدة ومعه شديد مولى لأبي بكر معه
الصحيفة التي فيها استخلاف عمر وعمر
يقول: أ يّها الناس اسمعوا وأطيعوا
قول خليفة رسول الله إنه يقول إني لم
آلكم نصحاً . راجع الطبري ط . اوربا 1 / 2138
أرأيت التناقض بين موقفيه ؟ ! وهل هناك
من تفسير غير التآمر على تخطيط الرسول (صلى
الله عليه وآله) ؟ !

[18] شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد : 1 / 164 .

/ 29