أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الفصل
الثالث

موقف
بني هاشم من النبي (صلى الله عليه وآله)

1-دفاع
أبي طالب عن الرسول والرسالة :




لم
ينثن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن
الاستمرار في نشر الرسالة الإسلامية
بل اتسع نشاطه وكثرت تحركاته وتحركات
أتباعه المؤمنين به وازدادت جاذبية
الدين الجديد في نظر الناس، وقد بدت
قريش تظهر غيظها وتسعى لتجد السبل
لإيقاف هذا المدّ الجديد (الإسلام)،
والقضاء عليه فعاودت مساعيها عند أبي
طالب مرّة اُخرى باذلة مغرياتها تارة
لإقناع الرسول بالعدول عن دعوته
والتراجع عن دينه وتارة اُخرى
بالتهديد والوعيد فقالوا له: يا أبا
طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا،
وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم
تنهه عنّا وإنا والله لا نصبر على هذا
من شتم آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب
آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك
في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين.


ومن
جهته أدرك زعيم بني هاشم قرار قريش
الصارم وعدم تورعها عن سلوك كل السبل
للقضاء على ابن أخيه ورسالته الفتية
فحاول تهدئة الموقف مرة ثانية وتسكين
غضب قريش حتى يعالج الموقف مع ابن اخيه
، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أصرّ على مواصلة تبليغه للرسالة
الإسلامية تنفيذاً لأوامر الله مهما
كانت الظروف والنتائج فقال (صلى الله
عليه وآله): «يا عم والله لو وضعوا
الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن
أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك
فيه ما تركته»، ثم اغرورقت عيناه
الشريفتان بالدموع وقام ليذهب فتأثر
أبو طالب لذلك وهو يعلم صدق ابن أخيه
ويؤمن به فقال له: إذهب يا ابن أخي فقل
ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداً.


ولم
تفتر قريش عن غيّها فمشت مرة أخرى إلى
أبي طالب (عليه السلام) تطمعه بخذلان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتعطيه
أجمل فتيان مكة بدل ابن أخيه ليسلّمه
أبو طالب إليهم فقالوا له: يا أبا طالب
هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش
وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه
ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك
هذا، الذي فرّق جماعة قومك، وسفّه
أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل،
فردّهم أبوطالب مستاءاً من هذه
المساومة الظالمة فقال: هذا والله لبئس
ما تسومونني، أتعطوني إبنكم أغذوه
لكم، واُعطيكم ابني تقتلونه، هذا
والله ما لا يكون أبداً. فقال المطعم
ابن عدي بن نوفل: والله يا أبا طالب لقد
أنصفك قومك، فما أراك تريد أن تقبل
منهم شيئاً، فأجابه أبو طالب قائلاً :
والله ما أنصفوني ولكنّك قد أجمعت
خذلاني ومظاهرة القوم عليّ فاصنع ما
بدا لك[1].


وبذا
أيقنت قريش بأنّه لا سبيل لهم لإرضاء
أبي طالب بخذلان


رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وسارع
أبو طالب لاتخاذ تدابير احترازية
ليضمن سلامة ابن أخيه واستمراره في نشر
رسالته حين وجد الشرّ في نفوس قريش،
فدعى بني هاشم وبني عبد المطلب لمنع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفظه
والقيام دونه، فاستجابوا له سوى أبي
لهب، وأَكْبَرَ أبو طالب موقف بني هاشم
فشجعهم وأثار فيهم العزيمة على
الاستمرار في حماية النبي (صلى الله
عليه وآله)[2].


2-
موقف قريش من الرسالة والرسول (صلى
الله عليه وآله) :




نزلت
آيات كثيرة من القرآن الكريم خلال أربع
سنوات من حركة الرسالة تضمنت بيان عظمة
التوحيد والدعوة إليه والإعجاز
البلاغي والإنذار والوعيد لمخالفيه
فتناقلتها الألسن وحوتها قلوب
المؤمنين وانجذب إليها القاصي والداني
لاستماعها واستيعابها.


ولما
كان للبلاغة أكبر الأثر في النفوس قررت
قريش وهي تحاول احتواء حركة النبيّ(صلى
الله عليه وآله) بوسائل متعددة أن تمنع
النبي(صلى الله عليه وآله) من الاتصال
بالجماهير وعرض دعوته عليهم أن لا
يستمع القادم إلى مكة لما نزل من آيات
القرآن، بعد أن فشلت في محاولة إغراء
النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالملك
والسلطان عليهم والأموال الطائلة
والشرف والسؤدد. ثم أردفوا ذلك
بتشكيكهم في صحة دعوته; زاعمين أن الذي
يعتري النبيّ (صلى الله عليه وآله)
إنّما هو حالة مرضية يسعون لعلاجها،
فأجابهم النبيّ (صلى الله عليه وآله)
جواباً فيه كل الخير والشرف والنجاة
لهم فقال (صلى الله عليه وآله): كلمة
واحدة تقولونها تدين لكم بها العرب
وتؤدي اليكم بها العجم الجزية... ففزعوا
لكلمته وحسبوا أنها نهاية المطاف
فقالوا: نعم وأبيك عشراً... قال (صلى
الله عليه وآله): لا إله إلا الله... فكان
الردّ مفاجئة قوية خذلتهم فقاموا
مستكبرين وهم يردّدون: (أجعل الآلهة
إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب)[3].


وعندها
قرروا أن يلجأوا الى الإهانة والسخرية
من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأتباعه
الذين بدأوا يتزايدون كل يوم وتتعمق
دعوته المباركة في النفوس فكان من
أفعالهم قيام أبي لهب وزوجته أم جميل
بطرح الشوك على باب بيت النبيّ(صلى
الله عليه وآله) اذ كان بيته يجاورهم[4].
وأخذ أبو جهل يتعرض للنبيّ (صلى الله
عليه وآله) فيؤذيه بقوله الفاحش ولكن
الله كان للظالمين بالمرصاد إذ ما كان
من حمزة عم النبي(صلى الله عليه وآله)
حين علم بذلك إلاّ أن ردّ على أبي جهل
إهانته أمام الملأ من قريش معلناً
إسلامه وتحدّيه لجمعهم أن يردّوا عليه
أو أن يتعرضوا ثانية للرسول(صلى الله
عليه وآله)[5].


3-الكفر
يأبى الانصياع لصوت العقل :




تصورت
قريش أنها بدهائها تستطيع أن تثني
النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن رسالته،
وقد بان لها استجابة الناس لدعوته
المباركة. من هنا اقترح عتبة بن ربيعة ـ
حين اجتمعت وجوه قريش ـ أن يذهب الى
النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليحدّثه كي
يكفّ عن دعوته، فمشى إليه والنبيّ (صلى
الله عليه وآله) جالس ـ وحده ـ في
المسجد، وامتدح النبيّ (صلى الله عليه
وآله) ومكانته في قريش وعرض عليه عروضه
والنبي (صلى الله عليه وآله) ينصت
مستمعاً فقال: يا ابن أخي إن كنت تريد
بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك
من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن
كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا حتى
لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به
ملكاً ملّـكناك علينا، وإن كان هذا
الذي يأتيك رَ ئِيّاً تراه لا
تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطبّ
وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه...
ولما أتم كلامه قال(صلى الله عليه وآله):
أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم ، قال
(صلى الله عليه وآله): فاسمع مني ثم تلا
قوله تعالى: (حم * تنزيل من
الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته
قرآناً عربياً لقوم يعلمون * بشيراً
ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون*
وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعوننا
إليه)[6]
واستمر النبيّ (صلى الله عليه وآله)
يقرأ الآيات الكريمة فانبهر عتبة لما
سمع وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها.
ثم سجد رسول الله عند آية السجدة. ثم
قال (صلى الله عليه وآله): قد سمعت يا
أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.


فلم
يحر عتبة جواباً وقام إلى قومه فلما
جلس إليهم قال: إني قد سمعت قولاً والله
ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشّعر
وبالسِّحر ولا بالكهانة. يا معشر قريش
أطيعوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا
الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه».


ولكن
أنى للقلوب الميتة أن تستجيب فقالوا:
سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال:
هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم[7].


4-الاتّهام
بالسّحر :




أرادت
قريش أن لا تختلف كلمتها ولا تفقد
مكانتها في محاربة الرسالة الإسلامية
وفي نفس الوقت أن توقف سريان الرسالة
الى نفوس الناس وموسم الحج على الأبواب
فرأت أن تتخذ وسيلة تبدو فيها محافظتها
على مكانتها الوثنية وإضعاف دور
الرسول ومكانته فاجتمعوا الى الوليد
بن المغيرة لكبر سنّه وسعة معرفته
لاتخاذ قرار بذلك فاختلفت أقوالهم بين
أن يدّعوا أنّه كاهن أو مجنون أو شاعر
أو مريض تعتريه الوسوسة أو ساحر، ثم
أرجعوا القول للوليد فقال: والله إنّ
لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه
لجناة وما أنتم بقائلين في هذا شيئاً
إلاّ عُرف أنّه باطل وإنّ أقرب القول
فيه أن تقولوا: ساحر جاء بقول هو سحر
يُفرّق به بين المرء وأبيه وبين المرء
وأخيه وبين المرء وزوجه، فتفرّقوا
يندسّون بين الناس يبثّون شائعتهم
الخبيثة[8].


5-التعذيب
وسيلة لقمع المؤمنين :




لقد
عجزت قوى الكفر والشرك أن تثني الرسول(صلى
الله عليه وآله) وأصحاب الحق عن
الاستمرار في نشر الرسالة الإسلامية،
مثلما عجزت عقولهم عن إدراك التوحيد
والإيمان، وراحت كل جهودهم لإيقاف
الرسالة أو تشويهها سدى فلم يجدوا
بُدّاً من اتخاذ العنف والقسوة
والتعذيب وسيلة لمحاربة أصحاب العقيدة
فوثبت كل قبيلة على من فيها من
المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم
بالضرب وفرض الجوع والعطش عليهم،
محاولين أن يفتنوهم عن دينهم ورسالة
ربّهم.


فهذا
أمية بن خلف يخرج بلالاً إلى رمضاء مكة
إذا حميت الظهيرة ليمارس تعذيبه بأبشع
صورة، وهذا عمر بن الخطاب يعذب جارية
له ـ لإسلامها ـ ضرباً حتى إذا عجز قال:
إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلاّ
ملالة، وهذه بنو مخزوم يخرجون عمّاراً
وأباه وأمه يعذبونهم في رمضاء مكة
فيمرّ بهم رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فيقول: «صبراً آل ياسر موعدكم
الجنّة»، حتى بلغ من تعذيبهم أن
استشهدت سمية أم عمار[9]
على أيديهم فكانت أول شهيدة في الاسلام.


وإذا
حاولنا أن نرسم صورة عامّة لأساليب
مواجهة قريش للرسالة والرسول وأتباعه
فنستطيع أن نلخّص مراحل المواجهة في ما
يلي:


1
ـ كان الاستهزاء والسخرية بشخصية
النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإضعاف
مكانته في نفوس الناس من أبسط الأساليب.
وقد مارس هذا الدور الوليد بن المغيرة (والد
خالد)، وعقبة بن أبي معيط، والحكم بن
العاص بن أمية، وأبو جهل.


ولكن
التسديد الإلهي أحبط كل مساعيهم فقد
قال القرآن الكريم:


(إنا
كفيناك المستهزئين)[10]،
(ولقد استهزئ برسل من قبلك
فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به
يستهزؤن)[11]
.


2
ـ إهانة النبيّ (صلى الله عليه وآله)
شخصياً لإضعافه. فقد روي أنّهم ألقوا
الفرث والسلى عليه (صلى الله عليه وآله)،
فغضب عمه أبو طالب حين علم بذلك وردّ
الإهانة عليهم، ويعتبر موقف أبي جهل
وردّ حمزة بن عبدالمطلب عليه شاهداً
آخر.


3
ـ محاولات الإغراء بالملك والسيادة
وبذل الأموال الطائلة.


4
ـ الاتهامات الباطلة: بالكذب والسحر
والجنون والشعر والكهانة. وقد تحدث
القرآن عن كلّ ذلك.


5
ـ الطعن في القرآن الكريم، فقد اتهموا
النبيّ(صلى الله عليه وآله) بتقوّله
وافترائه على الله فتحدّاهم القرآن
بأن يأتوا بمثله. على أن النبيّ كان قد
أمضى عمراً بينهم لم يعرف بما اتهموه
به.


6
ـ استخدام التعذيب وقتل المؤمنين
برسالته.


7
ـ الحصار والمقاطعة الشاملة.


8
ـ التخطيط لقتل صاحب الرسالة[12].


وقد
تصدّى النبي(صلى الله عليه وآله) لكل
هذه الأساليب بما يحقق للرسالة
أهدافها مسدّداً بالوحي الذي كان يرعى
حركة الرسول(صلى الله عليه وآله) خير
رعاية.


6-الهجرة
الى الحبشة وإيجاد قاعدة آمنة :




لقد
أدرك رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بعد عامين من الجهر بالرسالة أن لا
قدرة له على حماية المسلمين من العناء
الذي يصيبهم من طغاة قريش وزعماء
الوثنية.


وحيث
اشتدَّ العنف من المشركين وصناديدهم
تجاه المستضعفين من المسلمين حثّ رسول
الله (صلى الله عليه وآله) المسلمين
المضطهدين على الهجرة إلى الحبشة
ليعطيهم بذلك فترة استراحة واستعادة
نشاط ليعودوا ثانية لمواصلة مسيرة
الرسالة الإسلامية أو يفتحوا جبهة
جديدة للصراع مع قريش بعد أن يحدثوا
مركزاً للضغط من خارج الجزيرة على
مواقع قريش وعسى الله أن يحدث ـ خلال
ذلك ـ أمراً كان مفعولاً إذ أخبرهم (صلى
الله عليه وآله) «أن في الحبشة ملكاً لا
يُظلم عنده أحد» فاستجاب المسلمون
لذلك وتسلل عدد منهم صوب الساحل فعبروا
البحر غير أن قريشاً لاحقتهم ولكن لم
يدركهم طلبها وتتابع المهاجرون
منفردين أو مع أهليهم، حتى اجتمعوا
بأرض الحبشة بضعة وثمانين مهاجراً عدا
أبنائهم الصغار وأمَّر رسول الله (صلى
الله عليه وآله) عليهم جعفر بن أبي طالب[13].


لقد
كان اختيار الحبشة داراً للهجرة خطوة
موفقة من خطوات الرسول القيادية نظراً
للصفة التي وصف بها ملكها في الحديث
المروي عن النبي(صلى الله عليه وآله)،
وتيسّر السفر إليها بالسفن، فضلاً عن
العلاقات المذهبية الطيبة التي أرادها
الاسلام أن تكون بين الإسلام
والنصرانية.


وقد
أقلق قريشاً أمر الهجرة إلى الحبشة
فخشيت العاقبة وساءها أن يأمن حملة
الرسالة الإسلامية هناك، فأرسلت عمرو
بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي
وحمّلتهما الهدايا في محاولة منها
لإقناع النجاشي بالتخلي عن جوارهم
وإعادتهم إليها، واستطاعا أن ينفذا
الى بطارقة الملك وإقناعهم بضرورة
مساعدتهم لاسترداد المسلمين، لكن
الملك أبى ذلك إلاّ بعد أن يسمع رأي
المسلمين في التهمة الموجهة إليهم
بأنهم قد ابتدعوا ديناً جديداً لهم.


وشملت
العناية الإلهية ذلك اللقاء، فقد
انبرى جعفر بن أبي طالب ليجيب بكلام
رائع ينفذ إلى قلب النجاشي عن ماهية
الدين الجديد فيزداد اقتناعه بحمايتهم.
وكانت كلمات جعفر بن أبي طالب كالصاعقة
على رؤوس الوفد القرشي الذي لم تنفعه
هداياه لإنجاح خطته الشيطانية،
وأصبحوا في موقف الذليل أمام النجاشي
في الوقت الذي سطع فيه نجم المسلمين
وقويت حجتهم مما دلّ على عظيم أثر
التربية التي كان قد بذلها رسول الله (صلى
الله عليه وآله) للنهوض بالإنسان في
الفكر والمعتقد والسلوك، فلم يهتز
المسلمون ثانية عند ما حاول وفد قريش
أن يثير فتنة عن ما جاء به القرآن حول
عيسى (عليه السلام)، ولكن النجاشي قال
للمسلمين: اذهبوا فأنتم آمنون، عندما
سمع آيات الله يرددها جعفر بن أبي طالب
ردّاً على سؤاله[14].


عندها
أيقنت قريش بفشل مساعيها لاسترداد
المسلمين حين عاد اليها وفدها خائباً،
وقرّر زعماؤها أن يضيّقوا على من عندهم
من المسلمين بالمأكل والمشرب وأن
يحظروا كل أنواع التعامل الاجتماعي
معهم حيث لم يتخلّ أبو طالب وبنو هاشم
عن نصرة النبيّ (صلى الله عليه وآله)
ودعمه الشامل.


7-الحصار
الظالم وموقف بني هاشم :




ولمّا
لم يستجب أبو طالب لقريش، وأصرّ على
حماية الرسول (صلى الله عليه وآله) مهما
كان الثمن، كتبت قريش صحيفتها الظالمة[15]
بالمقاطعة الشاملة في البيع والشراء
والمخالطة والزواج.


ووُقّعت
الصحيفة من قبل أربعين زعيماً من زعماء
قريش.


وعمد
أبو طالب إلى الشِعب مع ابن أخيه وبني
هاشم وبني المطلب حيث كان أمرهم واحداً.
وقال: نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني
المطلب، ودخل الشعب من كان من هؤلاء
مؤمناً كان أو كافراً[16].


وكان
لا يصل إلى المسلمين خلالها شيء إلاّ
سرّاً، يحمله إليهم مستخفياً من أراد
مساعدتهم من قريش بدافع من عصبية أو
نخوة أو عطف.


وبعد
أن مضت على المقاطعة ثلاث سنين وقاسى
خلالها المسلمون والنبي الأكرم (صلى
الله عليه وآله) آلاماً قاسية من الجوع
والعزلة والحرب النفسية، أرسل الله
دودة الأرضة على صحيفتهم المعلقة في
جوف الكعبة فأكلتها جميعاً غير كلمة «باسمك
اللهم».


وأنبأ
الله رسوله (صلى الله عليه وآله) فأخبر
عمه أبا طالب بالأمر فخرج مع النبيّ (صلى
الله عليه وآله) إلى المسجد الحرام
فاستقبله وجهاء قريش ظناً منهم بأن
الاستسلام يقودهم الى التخلّي عن
موقفهم من الرسالة فقال لهم أبو طالب:
إن ابن أخي أخبرني بأن الله قد سلّط على
صحيفتكم الأرضة فأكلتها غير اسم الله،
فإن كان صادقاً نزعتم عن سوء رأيكم وإن
كان كاذباً دفعته إليكم... قالوا: قد
أنصفتنا، ففتحوها، فوجدوا الأمر كما
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فنكسوا رؤوسهم حياءاً وخجلاً لما حلّ
بهم[17].


وروي
أيضاً أن بعض رجال قريش وشبابها ساءهم
أمر القطيعة ومعاناة بني هاشم من
المتاعب والشدائد في الشعب فتعاقدوا
فيما بينهم لتمزيق الصحيفة وإنهاء
المقاطعة وواجهوا المتعنتين منهم،
ففتحوا الصحيفة فوجدوا حشرة الأرضة قد
أكلتها[18].


ومهما
كان فإن قريشاً قد أخزاها الله مرة
اُخرى ولكنها لم ترتدع عن عداوتها
للرسول والرسالة.


8-عام
الحزن :




وفي
السنة العاشرة من البعثة خرج المسلمون
من الحصار وهم أصلب عوداً وأغنى تجربة
وأكثر قدرة على التحرك صوب الهدف الذي
آلوا على أنفسهم أن لا يتخلوا عنه رغم
كل الصعاب. وكان من أثر الحصار أن اشتهر
ذكر الإسلام والمسلمين وانتشر في كل
أرجاء الجزيرة العربية وكانت أمام
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مهام
صعبة، منها: الانفتاح بصورة أوسع خارج
نطاق مكة، ومحاولة إيجاد أكثر من مكان
آمن تتحرك من خلاله الرسالة الإسلامية.


ولكن
الرسالة الإسلامية تعرضت لأخطر محنة
في مسيرتها في مكة عندما توفّي أبو
طالب، سندها الاجتماعي الأول والمدافع
القوي عن الرسول والرسالة، وبعده
بأيام توفيت اُمّ المؤمنين خديجة ثاني
سندي الرسول(صلى الله عليه وآله). ولشدة
تأثير الحادثتين في مسيرة الرسالة
الإسلامية سمّى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ذلك العام بـ «عام الحزن»،
وصرّح قائلاً: «مازالت قريش كاعّة عنّي
حتى مات أبو طالب»[19].


ومن
جرأة قريش على النبي (صلى الله عليه
وآله) عند ذاك أن قام أحدهم ونثر التراب
على رأسه الشريف وهو مارّ إلى بيته.
فقامت إليه ابنته فاطمة (عليها السلام)
لتنفض التراب عنه وهي تبكي فقال لها (صلى
الله عليه وآله): «يا بنية لا تبكي فإن
الله مانع أباك»[20].


9-الاسراء
والمعراج :




وفي
هذه الفترة كانت حادثة الإسراء
والمعراج تثبيتاً للرسول (صلى الله
عليه وآله) على طريق المقاومة الطويل،
وتكريماً له في أعقاب سنين طويلة من
العمل والصمود، وتتويجاً لهذه المصاعب
والآلام المريرة مع قوى الشرك
والضلالة، رفعه الله الى قلب السموات،
ليريه جوانب من عظمة ملكه الباهرة في
الكون الشاسع وليطلعه على أسرار
الخليقة ومصير الإنسان الصالح والطالح.


وفي
الوقت نفسه كانت بمثابة امتحان لقدرات
اصحابه على تصور المدى الذي يكافحون
فيه مع رسولهم وقائدهم من أجل إبلاغ
الرسالة وبناء الإنسان الصالح،
وإبتلاءاً صعباً لأصحاب النفوس
الضعيفة.


ولم
تستطع قريش المشركة أن تدرك المعاني
السامية في أمر الإسراء فما بحدّثهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك
حتى راحوا يسألون عن الصورة المادية من
أمر الإسراء وإمكانية تحققها والأدلة
على ذلك ـ فقال بعضهم: والله إن العِير
لتطّرد شهراً من مكة الى الشام مدبرة
وشهراً مقبلة، أيذهب محمد ذلك في ليلة
واحدة ويرجع؟! ووصف لهم رسول الله (صلى
الله عليه وآله) المسجد الأقصى وصفاً
دقيقاً، وذكر لهم أنّه مرّ بقافلة وهم
يطلبون بعيراً قد ضلّ لهم، وفي رحلهم
قعب ماء كان مكشوفاً وقد غطّاه كما كان.


وسألوه
عن قافلة اُخرى فقال: مررت بها
بالتنعيم، وبيّن لهم أحمالها وهيئاتها
وقال: يقدمها بعير بصفة كذا وسيطلع
عليكم عند طلوع الشمس. فجاء كل ما قاله
صحيحاً كما أخبر به[21].


[1]
تاريخ الطبري: 2 / 409، السيرة النبوية: 1 /
286.


[2]
تاريخ الطبري: 2 / 410 ، السيرة النبوية: 1 /
269.


[3]
السيرة الحلبية: 1 / 303، تاريخ الطبري: 2 /
409.


[4]
السيرة النبوية: 1 / 380.


[5]
السيرة النبوية: 1 / 313، تاريخ الطبري: 2 /
416.


[6]
فصلت (41): 1 ـ 5 .


[7]
راجع السيرة النبوية: 1 / 293.


[8]
السيرة النبوية: 1 / 289.


[9]
السيرة النبوية : 1 / 317 ـ 320 .


[10]
الحجر (15): 95.


[11]
الأنعام (6) : 10.


[12]
الأنفال (8) :30.


[13]
السيرة النبوية: 1 / 321، تاريخ اليعقوبي:
2 / 29، بحار الأنوار: 18 / 412.


[14]
السيرة النبوية: 1 / 335، تاريخ اليعقوبي:
2 / 29.


[15]
جاء في أعيان الشيعة ، ان الصحيفة
الظالمة كتبت في غرّة محرم من السنة
السابعة للبعثة.


[16]
السيرة النبوية: 1 / 350، أعيان الشيعة: 1 /
235.


[17]
تاريخ اليعقوبي: 2 / 21، طبقات ابن سعد: 1 /
173، السيرة النبوية: 1 / 377.


[18]
السيرة النبوية: 1 / 375، تاريخ الطبري: 2 /
423.


[19]
كشف الغمة: 1 / 61، مستدرك الحاكم: 2 / 622 ،
وكاعّة بمعنى وكعّ عنه: إذ اهابه وجبن
عنه.


[20]
السيرة النبوية: 1 / 416، تاريخ الطبري: 2 /
426.


[21]
السير النبوية: 1 / 396.

/ 26