أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الفصل
الأولّ



النبيّ
الخاتم (صلى الله عليه وآله) في سطور



ولد
خاتم النبيين وسيّد المرسلين محمّد بن
عبدالله بن عبد المطّلب (صلى الله عليه
وآله) في السابع عشر من شهر ربيع الأول
من عام الفيل بعد أن فقد أباه، ثم
استرضع في بني سعد ، ورُدّ الى اُمّه
وهو في الرابعة أو الخامسة من عمره. وقد
توفّيت اُمّه حين بلغ السادسة من عمره
فكفله جدّه واختص به وبقي معه سنتين
ثمّ ودّع الحياة بعد أن أوكل أمر
رعايته الى عمّه الحنون أبي طالب حيث
بقي مع عمّه الى حين زواجه.

وسافر
مع عمّه الى الشام وهو في الثانية عشرة
من عمره والتقى ببحيرا الراهب في
الطريق فعرفه بحيرى وحذّر أبا طالب من
التفريط به وكشف له عن تربص اليهود به
الدوائر.

وحضر
النبيّ (صلى الله عليه وآله) حلف الفضول
بعد العشرين من عمره وكان يفتخر بذلك
فيما بعد، وسافر الى الشام مضارباً
بأموال خديجة وتزوجها وهو في الخامسة
والعشرين وفي ريعان شبابه ، بعد أن كان
قد عُرف بالصادق الأمين، وقد ارتضته
القبائل المتنازعة لنصب الحجر الأسود
لحل نزاعها فأبدى حنكةً وابداعاً
رائعاً أرضى به جميع المتنازعين.

وبُعث
وهو في الأربعين وأخذ يدعو الى الله
وهو على بصيرة من أمره ويجمع الاتباع
والأنصار من المؤمنين السابقين.

وبعد
مضي ثلاث أو خمس سنوات من بداية الدعوة
الى الله، أمره الله بإنذار عشيرته
الأقربين ثم أمره بأن يصدع بالرسالة
ويدعو إلى الإسلام علانية ليدخل من
أحبّ الإسلام في سلك المسلمين
والمؤمنين.

ومن
ذلك الحين أخذت قريش تزرع الموانع أمام
حركة الرسول(صلى الله عليه وآله)
وتحاول أن تمنع من انتشار الرسالة
صادّة بذلك عن سبيل الله . وعمل النبي(صلى
الله عليه وآله) الى فتح نافذة جديدة
للدعوة خارج مكة فارسل عدّة مجاميع من
المسلمين الى الحبشة بعد أن حظوا
باستقبال ملكها (النجاشي) وترحيبه
بقدومهم فاستقروا فيها بقيادة جعفر بن
أبي طالب ولم يتركها جعفر الاّ في
السنة السابعة بعد الهجرة.

ولم
تفلح قريش في تأليب النجاشي على
المسلمين ، فبدأت بخطّة جديدة تمثّلت
في فرض الحصار الاقتصادي والاجتماعي
والسياسي والذي استمرّ لمدة ثلاث
سنوات ـ فلمّا أيست من إخضاع النبيّ (صلى
الله عليه وآله) وأبي طالب وسائر بني
هاشم لأغراضها فكّت الحصار ولكن
النبيّ(صلى الله عليه وآله) وعشيرته
بعد أن خرجوا من الحصار منتصرين
امتحنوا بوفاة أبي طالب وخديجة ـ سلام
الله عليهما ـ في السنة العاشرة من
البعثة وكان وقع الحادثين ثقيلاً على
النبي (صلى الله عليه وآله) لأنّه فقد
بذلك أقوى ناصرين في عام واحد.

وهنا
رجّح بعض المؤرّخين تحقق حادثة
الاسراء والمعراج والنبيّ في أوج هذا
الحزن والضغط النفسي على النبيّ(صلى
الله عليه وآله) وهو يرى صدود قريش
ووقوفها بكل ثقلها أمام رسالته ففتح
الله له آفاق المستقبل بما أراه من
آياته الكبرى فكانت بركات (المعراج)
عظيمة للنبي وللمؤمنين جميعاً.

وهاجر
الرسول(صلى الله عليه وآله) الى الطائف
ليبحث عن قاعدة جديدة ولكنه لم يكسب
فتحاً جديداً من هذه البلدة المجاورة
لمكة والمتأثرة بأجوائها، فرجع الى
مكة بعد أن اختار جوار مطعم بن عدي
فدخلها، وبدأ نشاطاً جديداً لنشر
الرسالة وفي مواسم الحج حيث أخذ يعرض
نفسه على القبائل القاصدة للبيت
الحرام لأداء مناسك الحج وللاتجار في
سوق عكاظ ففتح الله له أبواب النصر بعد
التقائه بأهل يثرب، واستمرّت دعوته
الى الله وانتشر الاسلام في يثرب حتى
قرّر الهجرة اليها بنفسه بعد أن أخبره
الله تعالى بكيد قريش حين أجمعت بطونها
على قتله والتخلّص منه نهائيّاً، فأمر
عليّاً(عليه السلام) بالمبيت في فراشه
وهاجر هو الى يثرب بكل حيطة وحذر،
ودخلها وأهل يثرب على أتمّ الاستعداد
لاستقباله، فوصل (قبا) في غرّة ربيع
الأول وأصبحت هجرته المباركة مبدأ
للتأريخ الاسلامي بأمر منه (صلى الله
عليه وآله).

وأسّس
النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله)
أوّل دولة اسلامية فأرسى قواعدها طيلة
السنة الاُولى بعد الهجرة بدءاً بكسر
الأصنام وبناء المسجد النبوي الذي
أعدّه مركزاً لنشاطه ودعوته وحكومته
وبالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
ليقيم بذلك قاعدة شعبية صلبة يقوم
عليها بناء الدولة الجديدة، هذا
مضافاً إلى كتابة الصحيفة التي نظم
فيها علاقة القبائل بعضها مع بعض
والمعاهدة التي أمضاها مع بطون اليهود
حيث كانت تشتمل على الخطوط العامة
لأوّل نظام إداري وحكومي إسلامي.

ولقد
واجهت الدولة الإسلامية الفتية وكذا
الدعوة الإسلامية مواجهة شرسة من جانب
قريش التي عزمت على اكتساح الدعوة
والدولة الإسلاميتين فشنّت الحرب بعد
الحرب على المسلمين وكان لابدّ للنبي(صلى
الله عليه وآله) والمسلمين من الدفاع.

وبدأت
سنوات الدفاع عن هذه الدولة الفتية وقد
افتتحها بأوّل سريّة بقيادة عمّه حمزة
في الشهر السابع بعد الهجرة وجهّز ثلاث
سرايا الى نهاية العام الأوّل من
الهجرة. ونزلت في هذا العام آيات كثيرة
من سورة البقرة لترسم للنبي(صلى الله
عليه وآله) ودولته وأمّته أحكاماً
خالدة وتفضح خطط المنافقين وتكشف
مؤامرات اليهود ضدّ خاتم المرسلين
ودولته العالمية الجديدة.

لقد
استهدفت قريش النبي (صلى الله عليه
وآله) ودولته من خارج المدينة، واستهدف
اليهود هذه الدولة من داخل المدينة
فرصد النبيّ تحركاتهم جميعاً، وتتابعت
ثمان غزوات وسريّتان طيلة العام
الثاني بمافيها غزوة بدر الكبرى في
رمضان المبارك حيث افترضت فريضة
الصيام وتمّ تحويل القبلة الذي أعطى
لاستقلال الاُمّة المسلمة والدولة
الاسلامية بُعداً جديداً.

وحفل
العام الثاني بمزيد من الانتصارات
العسكرية من جانب ونزول التشريعات
السياسية والاجتماعية من جانب آخر
ومنيت قريش واليهود بأوّل هزيمة فاضحة
كما تمّ إجلاء بني قينقاع وهم أول
طوائف اليهود التي اتّخذت المدينة
وطناً بعد أن نكثوا عهدهم مع الرسول(صلى
الله عليه وآله) عقيب انتصار المسلمين
في بدر الكبرى.

واستمرت
محاولات قريش العسكريّة ضد الإسلام
والمسلمين من خارج المدينة ونكثت
قبائل اليهود عهودها مع النبيّ (صلى
الله عليه وآله) عدّة مرّات خلال ثلاث
سنوات متتابعة، فكانت خمس غزوات ـ وهي :
اُحد وبني النضير والأحزاب وبني قريظة
وبني المصطلق ـ ذات ثقل باهض على عاتق
النبيّ(صلى الله عليه وآله) والمسلمين
جميعاً خلال هذه السنين الثلاث.

وردّ
الله كيد الأحزاب واليهود معاً في
العام الخامس بعد أن أبلى المسلمون
بلاءاً حسناً ومهّد الله بذلك للفتح
المبين بعد أن أيست قريش من القضاء على
شوكة المسلمين وانطلق النبيّ (صلى الله
عليه وآله) بعد صلح الحديبية يتحالف مع
القبائل المحيطة به ويستقطبها ليجعل
منها قوة واحدة أمام قوى الشرك
والإلحاد جميعاً حتى فتح الله له مكّة
في العام الثامن ومكّنه من تصفية قواعد
الشرك في شبه الجزيرة بعد أن أخضع عتاة
قريش لدولته وسياسته المباركة.

ثمّ
كانت السنة التاسعة عامرة بوفود
القبائل التي أخذت تدخل في دين الله
أفواجاً.

وكان
العام العاشر عام حجة الوداع وآخر سنة
قضاها النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع
اُمّته وهو يمهّد لدولته العالمية
ولاُمّته الشاهدة على سائر الاُمم.

وتوفّي
النبيّ القائد (صلى الله عليه وآله) في
الثامن والعشرين من صفر المظفر سنة
احدى عشرة هجرية بعد أن أحكم دعائم
دولته الاسلامية حيث عيّن لها القيادة
المعصومة التي تخلفه وتترسّم خطاه
متمثّلة في شخص علي بن أبي طالب (عليه
السلام) ذلك الانسان الكامل الذي ربّاه
الرسول الكريم بيديه الكريمتين منذ أن
ولد ورعاه أحسن رعاية طيلة حياته،
وجسّد الإمام علي بن أبي طالب (عليه
السلام) كل قيم الاسلام في فكره وسلوكه
وخلقه وضرب مثلاً أعلى في الانقياد
لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
ولأوامره ونواهيه فكان جديراً بوسام
الولاية الكبرى والوصاية النبوية
والخلافة الإلهية حيث رشّحه عمق وجوده
في كيان الرسالة الاسلامية والثورة
الإلهيّة والدولة النبوية ليكون
النائب الأوّل لرسول الله (صلى الله
عليه وآله) حين غيابه عن مسرح الحياة
بأمر من الله سبحانه وتعالى.

وقد
لبّى الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)
نداء ربّه بعد أن أتمَّ تبليغ الرسالة
بنصب عليّ (عليه السلام) هادياً
وإماماً للمسلمين على الرغم من حراجة
الظروف وصعوبتها. وهكذا ضرب الرسول(صلى
الله عليه وآله) المثل الأعلى لطاعة
الله والانقياد لأوامره حيث بلّغ أمر
الله أحسن تبليغ وأتمّ الحجة بأبلغ
بيان.

تلك
نظرة سريعة إلى شخصية وحياة خاتم
الأنبياء محمّد بن عبدالله(صلى الله
عليه وآله) وهلمّ معنا بعد هذه النظرة
إلى دراسة تفصيلية في هذا المجال.

الفصل
الثاني



سنّة
البشارة على مدى العصور


لقد
صرّح القرآن الكريم بأن العهد
التاريخي للبشرية قد بدأ بظاهرة وجود
النبوّات وبعث الأنبياء وإرسال الرسل.
الذين مضوا يقودون مجتمعاتهم نحو حياة
أفضل ووجود إنساني أكمل; مما يمكن أن
نستنتج منه أنّ إشراق النبوّة وظهور
الأنبياء في المجتمعات البشريّة يعتبر
بداية العصر التاريخي للبشرية .

قال
تعالى:( كان الناس اُمةً واحدةً فبعث
الله النبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل
معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس
فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاّ
الذين اُوتوه من بعد ما جاءتهم
البيّنات بغياً بينهم، فهدى الله
الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ
بإذنه والله يهدي من يشاء الى صراط
مستقيم )
[1]
.

لقد
قضت حكمة الله ورحمته بإرسال الأنبياء
حاملين الى الإنسانية منهاج هدايتها
الذي يخرجها من عهد الغريزة الى عهد
العقل، ومن منطق الصراع الذي مرجعه
الغريزة والقوّة الى منطق النظام
ومرجعه القانون. وخرج المجتمع البشري
بالنبوّات عن كونه تكويناً حيوانياً ـ
بيولوجيّاً الى كونه ظاهرة عقلية
روحية وحققت النبوّات للإنسان مشروع
وحدة أرقى من وحدته الدموية
البيولوجية ... وهي الوحدة القائمة على
أساس المعتقد، وبذلك تطوّرت العلاقات
الإنسانية مرتفعة من علاقات المادة
الى علاقات المعاني . والاختلافات التي
نشأت في النوع الإنساني بعد إشراق عهد
النبوّات غدت اختلافات في المعنى،
واختلافات في الدين والمعتقد; فإن
أسباب الصراع لم تُلغ بالدين الذي جاءت
به النبوّات بل استمرّت وتنوّعت، ولكن
المرجع لم يعد الغريزة بل غدا القانون
مرجعاً في هذا المضمار . والقانون الذي
يتضمنه الدين يكون قاعدة ثابتة لوحدة
الإنسانية وتعاونها وتكاملها
[2]
.

وأوضح
الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
في الخطبة الأُولى من نهج البلاغة ـ
بعد أن استعرض تاريخ خلق العالم وتاريخ
خلق آدم (عليه السلام) وإسكانه في الأرض
ـ أن إشراق النبوّة وتسلسلها على مدى
العصور هو المحور في تاريخ الإنسان
وحركته نحو الكمال كما صرّح به القرآن
الكريم موضحاً منهجه في التعامل مع
التاريخ.

قال
(عليه السلام) «... واصطفى سُبحانه من
ولد (آدم) أنبياء، أخذ على الوحي
ميثاقهم
[3]
، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لمّا
بدّل أكثر خلقه عهد الله اليهم
[4]
، فجهلوا حقّه، واتّخذوا الأنداد
معه
[5]
، واجتالتهم الشياطين عن معرفته
[6]
، واقتطعتهم عن عبادته ..

فبعث
فيهم رُسُله ، وواتر إليهم أنبياءه;
ليستأدُوهم ميثاق فطرته
[7]
، ويذكّروهم مَنسيَّ نعمته،
ويحْتجّوا عليهم بالتّبليغ، ويثيروا
لهم دفائن العقول
[8]
، ويُروهم آيات المقدرة: من سقف
فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع ،
ومعايش تُحْييهم، وآجال تُفنيهم،
وأوصاب تُهرمهم
[9]
، وأحداث تتابع عليهم.

ولم
يُخْل الله سبحانه خلقه من نبيٍّ مرسل
، أو كتاب مُنْزل ، أو حجّة لازمة، أو
محجّة قائمة
[10]
.

رُسلٌ
لا تقصِّرُ بهم قلّة عددهم، ولا كثرة
المكذّبين لهم : من سابق سُمّي له من
بعده، أو غابر عرّفه من قبله
[11]
.

على
ذلك نسلت القرون
[12]
، ومضت الدهور ، وسلفت الآباء، وخلفت
الأبناء .

الى
أن بعث الله سبحانه مُحمّداً رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، لإنجاز عدته
[13]
، وإتمام نبوّته.

مأخوذاً
على النبيّين ميثاقه، مشهورة سماته
[14]
، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذ
مللٌ متفرّقة وأهواءٌ منتشرة، وطوائف
متشتِّتة، بين مشبِّه لله بخلقه، أو
مُلحد في اسمه، أو مشير الى غيره
[15]
.

فهداهم
به من الضّلالة ، وأنقذهم بمكانه من
الجهالة.

ثم
اختار سبحانه لمحمّد (صلى الله عليه
وآله) لقاءَهُ، ورضي له ما عنده ،
وأكرمه عن دار الدنيا، ورغب به عن مقام
البلوى، فقبضه اليه كريماً (صلى الله
عليه وآله) ، وخلَّف فيكم ما خلّفت
الأنبياء في اُممها إذْ لم يتْرُكوهم
هملاً بغير طريق واضح، ولا علم قائم»
[16]
.

إنّ
بشائر الأنبياء السابقين بنبوّة
الأنبياء اللاحقين تنفع الأجيال
المعاصرة لهم وكذا الأجيال اللاحقة; إذ
تفتح عيونهم وتجعلهم على أهبة
الاستقبال للنبيّ المبشَّر بنبّوته،
كما أنّها تزيل عنهم الريب وتعطيهم
مزيداً من الثقة والاطمئنان.

على
أن اليأس من الاصلاح إذا ملأ القلب
يجعل الانسان يفكر بطرق أبواب الشّر
والخيانة، فالبشائر بمجي الأنبياء
المصلحين تزيل اليأس من النفوس التي
تنتظر الاصلاح وتوجّهها الى حبّ
الحياة وقرع أبواب الخير.

وتزيد
البشائر إيمان المؤمنين بنبوّة
نبيّهم، وتجعل الكافرين في شكٍّ من
كفرهم، فيضعف صمودهم أمام دعوة النبي
الى الحقّ ممّا يمهّد لقبولهم الدعوة.

وإذا
أدّت البشارة إلى حصول الثقة فقد لا
تُطلب المعجزة من النبيّ، كما تكون
النبوّة المحفوفة بالبشارة أنفذ الى
القلوب وأقرب الى الاذعان بها. على
أنّها تبعّد الناس عن وطأة المفاجأة
أمام واقع غير منتظر، وتخرج دعوة
النبيّ عن الغرابة في نفوس الناس
[17]
.

على
أن الأنبياء جميعاً يشكّلون خطاً
واحداً، فالسابق يبشّر باللاحق،
واللاحق يؤمن بالسابق. وقد تكفّلت
الآية (81) من سورة آل عمران بالتصريح
بسنّة البشائر هذه. فضلاً عن الشواهد
والتطبيقات التي سوف نلاحظها في البحث
الآتي.

بشارات
الانبياء برسالة محمد بن عبدالله (صلى
الله عليه وآله)

1
ـ لقد نصّ القرآن الكريم على بشارة
ابراهيم الخليل (عليه السلام) برسالة
خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)
باسلوب الدعاء قائلاً ـ بعد الكلام عن
بيت الله الحرام في مكة المكرّمة ورفع
القواعد من البيت والدعاء بقبول عمله
وعمل اسماعيل(عليه السلام) وطلب تحقيق
اُمة مسلمة من ذريتهما ـ : (ربَّنا
وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم
آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة
ويزكّيهم إنك أنت العزيز الحكيم)
[18]
.

2
ـ وصرّح القرآن الكريم بأنّ البشارة
بنبوّة محمد (صلى الله عليه وآله)
الاُمّي كانت موجودة في العهدين
القديم (التوراة) والجديد (الانجيل).
والعهدان كانا في عصر نزول القرآن
الكريم وظهور محمد (صلى الله عليه وآله)
ولو لم تكن البشارة موجودة فيهما لجاهر
بتكذيبها أصحاب العهدين.

قال
تعالى: (الذين يتّبعون الرسول النبيّ
الاُمّي الذي يجدونه مكتوباًعندهم في
التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات
ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم
والأغلال التي كانت عليهم ...)
[19]
.

3
ـ وصرّحت الآية السادسة من سورة الصف
بأن عيسى (عليه السلام) صدَّقَ التوراة
بصراحة وبشّر برسالة نبيّ من بعده اسمه
أحمد. وقد خاطب عيسى(عليه السلام) بني
اسرائيل جميعاً لا الحواريين فحسب.

أهل
الكتاب ينتظرون خاتم النبييّن (صلى
الله عليه وآله)

لم
يكتف الأنبياء السابقون بذكر الأوصاف
العامة للنبيّ المبشَّر به، بل ذكروا
أيضاً العلائم التي يستطيع
المبَشَّرون من خلالها معرفته بشكل
دقيق، مثل : محل ولادته، ومحل هجرته
وخصائص زمن بعثته، وعلائم جسمية خاصة
وخصائص يتفردّ بها في سلوكه وشريعته..
ولهذا قال القرآن عن بني إسرائيل بأنهم
كانوا يعرفون رسول الإسلام المبشَّر
به في العهدين كما يعرفون أبناءَهم
[20]
.

بل
رتبوا على ذلك آثاراً عملية فاكتشفوا
محل هجرته ودولته فاستقروا فيها
[21]
وأخذوا يستفتحون برسالته على الذين
كفروا ويستنصرون برسول الله (صلى الله
عليه وآله) على الأوس والخزرج
[22]
وتسرّبت هذه الأخبار الى غيرهم عن
طريق رهبانهم وعلمائهم فانتشرت في
المدينة وتسرّبت الى مكة
[23]
.

وذهب
وفد من قريش بعد إعلان الرسالة إلى
اليهود في المدينة للتَثبّت من صحة
دعوى النبيّ (صلى الله عليه وآله)
النبوّة وحصلوا على معلومات اختبروا
بها النبيّ (صلى الله عليه وآله)
[24]
واتضح لهم من خلالها صدق دعواه.

وقد
آمن جمع من أهل الكتاب وغيرهم بالنبيّ
محمّد (صلى الله عليه وآله) على أساس
هذه العلائم التي عرفوها من دون أن
يطلبوا منه معجزة خاصة
[25]
، وهذه البشائر تحتفظ بها لحد الآن
بعض نسخ التوراة والانجيل
[26]
.

وهكذا
تسلسلت البشائر بنبوة خاتم النبيين
محمد (صلى الله عليه وآله) من قبل
ولادته، وخلال فترة حياته قبل بعثته،
وقد عرف واشتهر منها إخبار بحيرا
الراهب وغيره إبّان البعثة المباركة
[27]
.

وقد
شهد علي أمير المؤمنين (عليه السلام)
بهذه الحقيقة التأريخية حين قال في
إحدى خطبه: «... الى أن بعث الله سبحانه
محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لإنجاز عِدَتِه واِتمام نبوّتِه،
مأخوذاً على النبيين ميثاقه مشهورةً
سِماتُه..»
[28]
.

وقد
جاء في طبقات ابن سعد عن سهل مولى عتيبة
انه كان نصرانياً من أهل حريس، وانه
كان يتيماً في حجر اُمّه وعمّه وأنه
كان يقرأ الإنجيل، قال: «...فأخذت
مصحفاً لعمي فقرأته حتّى مرّت بي ورقة
فانكرت كتابتها حين مرّت بي ومسستها
بيدي، قال: فنظرت; فاذا فصول الورقة
ملصق بغراء ، قال: ففتقتها فوجدت فيها
نعت محمّد (صلى الله عليه وآله): انه لا
قصير ولا طويل، أبيض ذو ضفيرتين، بين
كتفيه خاتم يكثر الاحتباء ولا يقبل
الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحتلب
الشاة ويلبس قميصاً مرقوعاً، ومن فعل
ذلك فقد برئ من الكبر وهو يفعل ذلك، وهو
من ذرّية اسماعيل، اسمه أحمد. قال سهل:
فلما انتهيت الى هذا من ذكر محمد (صلى
الله عليه وآله) جاء عمّي فلّما رأى
الورقة ضربني وقال: مالك وفتح هذه
الورقة وقراءتها؟! فقلت: فيها نعت
النبيّ احمد، فقال: إنّه لم يأتِ بَعدُ
[29]
.



[1]

البقرة (2) : 213 .


[2]
حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه
السلام) : 71 ـ 73 .


[3]

أخذ عليهم الميثاق أن يبلّغوا ما أوحي
إليهم ، أو أخذ عليهم أن لا يشرّعوا
للناس إلاّ ما يوحى إليهم.


[4]

عهد الله الى الناس : هو ما يعبر عنه
بميثاق الفطرة.


[5]

الأنداد: المعبودين من دونه سبحانه
وتعالى .


[6]

اجتالتهم : صرفتهم عن قصدهم الذي
وُجّهوا إليه بالهداية المغروزة في
فطرهم .


[7]

كأن الله تعالى بما أودع في الإنسان من
الغرائز والقوى، وبما أقام له من
الشواهد وأدلة الهدى، قد أخذ عليه
ميثاقاً بأن يصرف ما أوتي من ذلك فيما
خلق له، وقد كان يعمل على ذلك الميثاق
ولا ينقضه لولا ما اعترضه من وساوس
الشهوات، فبعث النبيين ليطلبوا من
الناس أداء ذلك الميثاق .


[8]

دفائن العقول : أنوار العرفان التي
تكشف للإنسان أسرار الكائنات ، وترتفع
به الى الإيقان بصانع الموجودات، وقد
يحجب هذه الأنوار غيوم من الأوهام وحجب
من الخيال، فيأتي النبيون لإثارة تلك
المعارف الكامنة، وإبراز تلك الأسرار
الباطنة.


[9]

السقف المرفوع : السماء. والمهاد
الموضوع : الأرض . والأوصاب : المتاعب .


[10]

المحجة : الطريق القويمة الواضحة .


[11]
من سابق بيان للرسل ، وكثير من
الأنبياء السابقين سميت لهم الأنبياء
الذين يأتون بعدهم فبشروا بهم، كما ترى
ذلك في التوراة . والغابر : الذي يأتي
بعد أن يشير به السابق جاء معروفاً
بتعريف من قبله .


[12]
مضت متتابعة .


[13]

الضمير في عدته لله تعالى : لأن الله
وعد بإرسال محمد (صلى الله عليه وآله)
على لسان أنبيائه السابقين. وكذلك
الضمير في نبوته : لأنّ الله تعالى أنبأ
به، وأنّه سيبعث وحياً لأنبيائه. فهذا
الخبر الغيبي قبل حصوله يسمى نبوة.
ولما كان الله هو المخبر به أضيفت
النبوة إليه .


[14]
سماته : علاماته التي ذكرت في كتب
الأنبياء السابقين الذين بشّروا به .


[15]
الملحد في إسم الله : الذي يميل به
عن حقيقة مسمّاه فيعتقد في الله صفات
يجب تنزيهه عنها. والمشير الى غيره،
الذي يشرك معه في التصرّف إلهاً آخر
فيعبده ويستعين به.


[16]

أي أنّ الأنبياء لم يهملوا أممهم مما
يرشدهم بعد موت أنبيائهم، وقد كان من
محمد (صلى الله عليه وآله) مثل ما كان
منهم، فإنّه خلّف في أمته كتاب الله
تعالى حاوياً لجميع ما يحتاجون اليه في
دينهم، كما خلّف أهل بيته المعصومين
وجعلهم قرناء للكتاب المجيد كما صرّح
بذلك في حديث الثقلين الذي تواتر عنه (صلى
الله عليه وآله) ورواه جمع غفير من
المحدثين.


[17]
محمد في القرآن : 36 ـ 37.


[18]

البقرة (2) : 129.


[19]

الاعراف (7) : 157.


[20]
الانعام (6) : 20.


[21]
سيرة رسول الله : 1 / 38 ـ 39.


[22]
البقرة (2): 89 .


[23]

أشعة البيت النبوي : 1 / 70 ، عن الاغاني: 16
/ 75 ، تاريخ اليعقوبي: 2 / 12 ، حياة نبي
الاسلام : 23 ، عن سيرة ابن هشام: 1 / 181 ،
واعلام الورى : 26.


[24]
راجع ما جاء في شأن نزول سورة
الكهف.


[25]
المائدة (5): 83 .


[26]
سيرة رسول الله وأهل بيته : 1 / 39 ،
انجيل يوحنّا واشعة البيت النبوي : 1 / 70
، عن التوراة وراجع: بشارات عهدين،
والبشارات والمقارنات.


[27]

راجع كتب السيرة النبويّة والتفسير
حيث تضمّنت جملة من هذه البشائر.


[28]
لاحظ الخطبة الاولى من نهج
البلاغة.


[29]

الطبقات الكبرى: 1 / 363.

/ 26