أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الفصل
الرابع



أيام
الرسول (صلى الله عليه وآله) الأخيرة



1
ـ الحيلولة دون كتابة الوصية :




ورغم
ثقل الحمى وألم المرض خرج النبي (صلى
الله عليه وآله) مستنداً على علي (عليه
السلام) والفضل بن العباس ليصلي بالناس
وليقطع بذلك الطريق على الوصوليين
الذين خطّطوا لمصادرة الخلافة
والزعامة التي طمحوا لها من قبل حيث
تمرّدوا على أوامر الرسول (صلى الله
عليه وآله) بالخروج مع جيش اُسامة بكل
بساطة والتفت النبيّ ـ بعد الصلاة ـ
إلى الناس فقال: «أيها الناس سُعّرت
النار وأقبلت الفتن كقطع الليل
المظلم، وإني والله ما تمسكون عليّ
بشيء، إني لم أحلّ إلا ما أحلّ الله،
ولم اُحرّم إلا ما حرّم الله»[1]فأطلق
بقوله هذا تحذيراً آخر أن لا يعصوه وإن
لاحت في الأفق النوايا السيئة التي
ستجلب الويلات للاُمة حين يتزعّمها
جهّالها.


واشتد
مرض النبي (صلى الله عليه وآله) واجتمع
الصحابة في داره ولحق بهم من تخلّف عن
جيش اُسامة فلامهم النبي (صلى الله
عليه وآله) على تخلّفهم واعتذروا
بأعذار واهية. وحاول النبي (صلى الله
عليه وآله) بطريقة أخرى أن يصون الأمة
من التردّي والسقوط فقال لهم: ايتوني
بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلون
بعده، فقال عمر ابن الخطاب: إنّ رسول
الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن
حسبنا كتاب الله[2].


وهكذا
وقع التنازع والاختلاف وقالت النسوة
من وراء الحجاب: إئتوا رسول الله (صلى
الله عليه وآله) بحاجته. فقال عمر:
اسكتن فإنكن صويحبات يوسف إذا مرض
عصرتنّ أعينكن وإذا صحّ أخذتنّ بعنقه،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هن
خير منكم[3].


ثم
قال (صلى الله عليه وآله): قوموا عني لا
ينبغي عندي التنازع.


وكم
كانت الاُمة بحاجة ماسة الى كتاب
الرسول (صلى الله عليه وآله) هذا، حتى
أن إبن عباس كان يأسف كلما يذكر ذلك
ويقول: الرزية كل الرزية ما حال بيننا
وبين كتاب رسول الله[4].


ولم
يصرّ نبي الرحمة على كتابة الكتاب بعد
اختلافهم عنده خوفاً من تماديهم في
الإساءة وإنكارهم لما هو أكبر، فقد علم
(صلى الله عليه وآله) بما في نفوسهم،
وحين راجعوه ثانية بشأن الكتاب قال (صلى
الله عليه وآله): «أبعد الذي قلتم[5]؟!»وأوصاهم ثلاث
وصايا، لكن كتب التأريخ لم تذكر سوى
اثنتين منها وهما: اخراج المشركين من
جزيرة العرب واجازة الوفد كما كان
يجيزهم.


وعلّق
السيد محسن الأمين العاملي على ذلك
قائلاً: والمتأمل لا يكاد يشكّ في أن
الثالثة سكت عنها المحدّثون عمداً لا
نسياناً وأنّ السياسة قد اضطرتهم الى
السكوت عنها وتناسيها وأنّها هي طلب
الدواة والكتف ليكتبها لهم[6].


2
ـ الزهراء (عليها السلام) تزور أباها (صلى
الله عليه وآله) :




أقبلت
الزهراء (عليها السلام) وهي تجر أذيال
الحزن وتتطلع إلى أبيها وهو على وشك
الالتحاق بربّه فجلست عنده منكسرة
القلب دامعة العين وهي تردد:


وأبيض
يستسقى الغمام بوجهه*** ثمالَ اليتامى
عصمة للأرامل


وفي
هذه اللحظات فتح النبي (صلى الله عليه
وآله) عينيه وقال بصوت خافت: يا بنية
هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن
قولي: (وما محمد إلاّ رسول
قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل
انقلبتم عل أعقابكم، ومن ينقلب على
عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله
الشاكرين)[7].


وكأنّ
النبي(صلى الله عليه وآله) كان يريد
بذلك أن يهيّىء ابنته فاطمة(عليها
السلام) لما سيجري من أحداث مؤسفة فإن
ذلك كان هو الأنسب لتلك من قول أبي طالب
رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


ثم
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أومأ
إلى حبيبته الزهراء (عليها السلام) أن
تدنو منه ليحدثها فانحنت عليه فسارّها
بشيء فبكت ثم سارّها ثانية فضحكت. وقد
أثارت هذه الظاهرة فضول بعض الحاضرين
فسألوها عن سرّ ذلك فقالت (عليها
السلام): ما كنت لاُفشي سرّ رسول الله (صلى
الله عليه وآله).


ولكنّها
سئلت بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه
وآله) عن ذلك فقالت: أخبرني رسول الله(صلى
الله عليه وآله) أنه قد حضر أجله وأنه
يقبض في وجعه هذا، فبكيت ثم أخبرني أني
أول أهله لحوقاً به فضحكت[8].


3
ـ اللحظات الأخيرة من عمر النبي (صلى
الله عليه وآله) :




وكان
علي (عليه السلام) ملازماً للرسول (صلى
الله عليه وآله) ملازمة ذي الظل لظلّه
حتى آخر لحظات حياته الشريفة وهو يوصيه
ويعلّمه ويضع سرّه عنده. وفي الساعة
الأخيرة قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): ادعوا لي أخي ـ وكان(صلى الله
عليه وآله) قد بعثه في حاجة فجاءه بعض
المسلمين فلم يعبأ بهم الرسول (صلى
الله عليه وآله) حتى جاء علي (عليه
السلام) فقال (صلى الله عليه وآله) له:
اُدن مني. فدنا علي (عليه السلام)
فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه
يكلّمه حتى بدت عليه(صلى الله عليه
وآله) علامات الاحتضار[9]،
وتوفّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)
وهو في حجر علي(عليه السلام) . كما قد
صرّح بذلك علي (عليه السلام) نفسه في
إحدى خطبه[10]
الشهيرة.


4
ـ وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)
ومراسم دفنه :




ولم
يكن حول النبي (صلى الله عليه وآله) في
اللحظات الأخيرة إلاّ علي بن أبي طالب
وبنو هاشم ونساؤه. وقد علم الناس
بوفاته (صلى الله عليه وآله) من الضجيج
والصراخ الذي علا من بيت الرسول (صلى
الله عليه وآله) حزناً على فراق
الحبيب، وخفقت القلوب هلعة لرحيل أشرف
خلق الله. وانتشر خبر الوفاة في
المدينة انتشار النار في الهشيم ودخل
الناس في حزن وذهول رغم أنه (صلى الله
عليه وآله) كان قد مهّد لذلك ونعى نفسه
الشريفة عدّة مرات وأوصى الاُمة بما
يلزمها من طاعة وليّها وخليفته من بعده
علي ابن أبي طالب. لقد كانت وفاته صدمة
عنيفة هزّت وجدان المسلمين، فهاجت
المدينة بسكانها وازدادت حيرة
المجتمعين حول دار الرسول(صلى الله
عليه وآله) أمام كلمة عمر بن الخطاب
التي قالها وهو يهدد بالسيف: إنّ
رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قد مات، إنه
والله ما مات ولكنّه قد ذهب إلى ربه كما
ذهب موسى بن عمران[11].


ورغم
أ نّه لا تشابه بين غياب موسى(عليه
السلام) ووفاة النبي محمد(صلى الله
عليه وآله) ، لكن مواقف عمر التالية
لعلّها تكشف النقاب عن إصراره على هذه
المقارنة.


نعم
لم يهدأ عمر حتى قدم أبو بكر من السنح
ودخل إلى بيت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فكشف عن وجه النبي (صلى الله
عليه وآله) وخرج مسرعاً وقال: أيها
الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً
قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ
لا يموت وتلا قوله تعالى: (وما محمد إلا
رسول قد خلت من قبله الرسل) وهنا هدأت
فورة عمر وزعم أنه لم يلتفت الى وجود
مثل هذه الآية في القرآن الكريم[12].


وأسرع
أبو بكر وعمر بن الخطاب مع بعض
أصحابهما إلى سقيفة بني ساعدة بعد أن
عرفا أنّ اجتماعاً طارئاً قد حصل في
السقيفة فيما يخصّ الخلافة بعد وفاة
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
متناسين نصبُ عليّ بن أبي طالب وكذا
بيعتهم إيّاه بالخلافة وغير مدركين
أنّ تصرفهم هذا يعدّ استخفافاً بحرمة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجسده
المسجّى.


وأمّا
عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل
بيته فقد انشغلوا بتجهيز الرسول (صلى
الله عليه وآله) ودفنه فقد غسّله عليّ
من دون أن ينزع قميصه وأعانه على ذلك
العباس بن عبد المطلب ابنه والفضل وكان
يقول: بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّاً
وميّتاً[13].


ثم
وضعوا جسد الرسول (صلى الله عليه وآله)
على سرير وقال علي (عليه السلام): إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إمامنا حياً وميتاً فليدخل عليه فوج
بعد فوج فيصلّون عليه بغير إمام
وينصرفون. وأوّل من صلى على النبي (صلى
الله عليه وآله) علي (عليه السلام) وبنو
هاشم ثم صلّت الانصار من بعدهم[14].


ووقف
علي (عليه السلام) بحيال رسول الله(صلى
الله عليه وآله) وهو يقول: سلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم
إنّا نشهد أن قد بلّغ ما اُنزل اليه
ونصح لاُمته وجاهد في سبيل الله حتى
أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهم
فاجعلنا ممن يتّبع ما أنزل الله إليه
وثبّتنا بعده واجمع بيننا وبينه،
فيقول الناس: آمين، حتى صلّى عليه
الرجال ثم النساء ثم الصبيان[15].


وحفر
قبر للنبي(صلى الله عليه وآله) في
الحجرة التي توفي فيها. وحين أراد علي (عليه
السلام) أن ينزله في القبر نادت
الأنصار من خلف الجدار: يا علي نذكرك
الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن
يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظّ
من مواراة رسول الله. فقال (عليه السلام)
ليدخل أوس بن خولي، وكان بدرياً فاضلاً
من بني عوف.


ونزل
عليّ (عليه السلام) الى القبر فكشف عن
وجه رسول الله ووضع خدّه على التراب،
ثم أهال عليه التراب.


ولم
يحضر دفن النبي (صلى الله عليه وآله)
والصلاة عليه أحد من الصحابة الذين
ذهبوا الى السقيفة.


فسلامٌ
عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم مت
ويوم تبعث حياً.


الفصل
الخامس


من
معالم الرسالة الاسلامية الخاتمة


1-بماذا
بعث النبي محمد(صلى الله عليه وآله)


[16]
؟


بعث
الله تعالى نبيّه محمّداً(صلى الله
عليه وآله) على حين فترة من الرسل
خاتماً للنبيين وناسخاً لشرائع من كان
قبله من المرسلين إلى الناس كافة
أسودهم وأبيضهم عربيهم وعجميهم وقد
ملئت الأرض من مشرقها إلى مغربها
بالخرافات والسخافات والبدع والقبائح
وعبادة الأوثان.


فقام
(صلى الله عليه وآله) في وجه العالم
كافة ودعا إلى الايمان بإله واحد خالق
رازق مالك لكل أمر، بيده النفع والضر،
لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي
من الذل ولم يتخذ صاحبة، لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفواً أحد.


بعثه
آمراً بعبادته وحده لا شريك له مبطلاً
عبادة الاصنام والاوثان التي لا تضر
ولا تنفع ولا تعقل ولا تسمع ولا تدفع عن
أنفسها ولا عن غيرها ضراً ولا ضيماً،
متمماً لمكارم الاخلاق حاثاً على
محاسن الصفات آمراً بكل حسن ناهياً عن
كل قبيح.


2-سهولة
الشريعة الاسلامية وسماحتها




واكتفى
من الناس بأن يقولوا لا إله إلاّ الله
محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا
الزكاة ويصوموا شهر رمضان ويحجوا
البيت ويلتزموا بأحكام الاسلام. وكان
قول هاتين الكلمتين ( لا إله إلاّ الله،
محمد رسول الله ) يكفي لأن يكون لقائله
ما للمسلمين وعليه ما عليهم .


3-سمو
التعاليم الاسلامية




وبعث
بالمساواة في الحقوق بين جميع الخلق،
وأنّ أحداً ليس خيراً من أحد إلا
بالتقوى. وبالاُخوّة بين جميع
المؤمنين وبالكفاءة بينهم: تتكافأ
دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وبالعفو
العام عمن دخل في الاسلام.


وسنّ
شريعة باهرة وقانوناً عادلاً تلقّاه
عن الله تعالى فكان هذا القانون جامعاً
لأحكام عباداتهم ومعاملاتهم وما
يحتاجونه في معاشهم ومعادهم وكان
عبادياً اجتماعياً سياسياً أخلاقياً
لا يشذّ عنه شيء مما يمكن وقوعه في حياة
البشر مستقبلاً ويحتاج اليه بنو آدم،
فما من واقعة تقع ولا حادثة تحدث إلاّ
ولها فى الشريعة الاسلامية أصل مسلّم
عند المسلمين ترجع اليه .


على
أن العبادات في الدين الاسلامي لا
تتمحض لمجرد العبادة ففيها منافع
بدنية واجتماعية وسياسية فالطهارة
تفيد النظافة، وفي الصلاة رياضة روحية
وبدنية، وفي صلاة الجماعة والحج فوائد
اجتماعية وسياسية ظاهرة، وفي الصوم
فوائد صحية لا تنكر، والاحاطة بفوائد
الاحكام الاسلامية الظاهرة فضلاً عن
الخفية أمر متعذّر أو عسير.


ولما
في هذا الدين من محاسن وموافقة أحكامه
للعقول وسهولتها وسماحتها ورفع الحرج
فيه والاكتفاء بإظهار الشهادتين ولما
في تعاليمه من السمو والحزم والجد دخل
الناس فيه افواجاً وساد أهله على أعظم
ممالك الأرض واخترق نوره شرق الارض
وغربها ودخل جميع أقاليمها وأقطارها
تحت لوائه ودانت به الأمم على اختلاف
عناصرها ولغاتها.


ولم
يمض زمن قليل حتى أصبح ذلك الرجل الذي
خرج من مكة مستخفياً وأصحابه يعذّبون
ويستذلون ويفتنون عن دينهم ، يعتصمون
تارة بالخروج إلى الحبشة مستخفين
واُخرى بالخروج الى المدينة متسللين،
يدخل مكة بأصحابه هؤلاء في عمرة القضاء
ظاهراً لا يستطيعون دفعه ولا منعه ولم
تمض إلاّ مدة قليلة حتى دخل مكة فاتحاً
لها وسيطر على أهلها من دون أن تراق
محجمة دم بل ولا قطرة دم فدخلوا في
الاسلام طوعاً وكرهاً وتوافدت عليه
رؤساء العرب ملقيةً إليه عنان طاعتها
وكان من قبل هذا الفتح بلغ من القوة أن
بعث برسله وسفرائه إلى ملوك الأرض مثل
كسرى وقيصر ومن دونهما ودعاهم إلى
الاسلام وغزا بلاد قيصر مع بُعد الشقة
وظهر دينه على الدين كله كما وعده ربه
حسبما صرّح تعالى بذلك في سورة النصر،
والفتح وغيرهما وكما تخبرنا بذلك كتب
التاريخ.


ولم
يقم هذا الدين بالسيف والقهر كما
يصوّره من يريد الوقيعة فيه بل كما أمر
الله تعالى: (أدع إلى سبيل
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي أحسن)
[17].
ولم يحارب أهل مكة وسائر العرب حتى
حاربوه وأرادوا قتله واخرجوه، وأقر
أهل الاديان التي نزلت بها الكتب
السماوية على أديانهم ولم يجبرهم على
الدخول في الاسلام .


4-القرآن
الكريم




وانزل
الله تعالى على نبيّه حين بعثه
بالنبوّة قرآناً عربيّاً مبيّناً لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
وقد أعجز النبي(صلى الله عليه وآله) به
البلغاء وأخرس الفصحاء وتحدّاهم فيه
فلم يستطيعوا معارضته وهم أفصح العرب
بل واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة،
وقد حوى هذا الكتاب العزيز المنزل من
لدن حكيم عليم من أحكام الدين وأخبار
الماضين وتهذيب الاخلاق والأمر بالعدل
والنهي عن الظلم وتبيان كل شيء ما جعله
يختلف عن كل الكتب حتّى المنزّلة منها
وهو ما يزال يتلى على كر الدهور ومر
الأيام وهو غض طري يحيّر ببيانه العقول
ولا تملّه الطباع مهما تكررت تلاوته
وتقادم عهده.


وقد
كان القرآن الكريم معجزة فيما أبدع من
ثورة علمية وثقافية في ظلمات الجاهلية
الجهلاء وقد أرسى قواعد نهضته على منهج
علمي قويم ، فحثّ على العلم وجعله
العامل الأوّل لتسامي الانسان نحو
الكمال اللائق به وحثّ على التفكير
والتعقّل والتجربة والبحث عن ظواهر
الطبيعة والتعمق فيها لاكتشاف
قوانينها وسننها وأوجب تعلّم كل علم
تتوقف عليه الحياة الاجتماعية للانسان
واهتم بالعلوم النظرية من كلام وفلسفة
وتاريخ وفقه وأخلاق، ونهى عن التقليد
واتباع الظن وأرسى قواعد التمسك
بالبرهان .


وحثّ
القرآن على السعي والجد والتسابق في
الخيرات ونهى عن البطالة والكسل ودعا
الى الوحدة ونبذ الفرقة . وشجب
العنصرية والتعصبات القبلية الجاهلية
.


وأقرّ
الاسلام العدل كأساس في الخلق
والتكوين والتشريع والمسؤولية وفي
الجزاء والمكافاة ، وهو أوّل من نادى
بحق المساواة بين أبناء الانسان أمام
قانون الله وشريعته وأدان الطبقية
والتمييز العنصري وجعل ملاك التفاضل
عند الله أمراً معنويّاً هو التقوى
والاستباق الى الخيرات، من دون أن يجعل
هذا التفاضل سبباً للتمايز الطبقي بين
أبناء المجتمع البشري .


وبالغ
الاسلام في حفظ الأمن والمحافظة على
الأموال والدماء والأعراض وفرض
العقوبات الشديدة على سلب الأمن بعد أن
شيّد الارضية اللازمة لاستقرار الأمن
والعدل وجعل العقوبة آخر دواء لعلاج
هذه الأمراض الاجتماعية بنحو ينسجم مع
الحرية التي شرّعها للانسان . ومن هنا
كان القضاء في الشريعة الاسلامية
مرتكزاً على إقرار العدل والأمن
وإحقاق الحقوق المشروعة مع كل
الضمانات اللازمة لذلك .


واعتنى
الاسلام بحفظ الصحة والسلامة البدنية
والنفسية غاية الاعتناء وجعل تشريعاته
كلها منسجمة مع هذا الأصل المهم في
الحياة .


5-الواجبات
والمحرمات في الشريعة الاسلامية :




وترتكز
الواجبات والمحرّمات في الشريعة
الاسلامية على اُسس فطرية واقعية
واُمور تستلزمها طبيعة الأهداف
السامية للشريعة التي جاءت لإخراج هذا
الانسان من ظلمات الجاهلية وهدايته
الى نور الحق والكمال ، ولا تحتاج
الانسانية الى شيء يرتكز عليه الكمال
البشري إلاّ وأوجبته الشريعة
الاسلامية على الانسان وهيّأت له سبل
الوصول إليه ، وحرّمت كل شيء يعيق
الانسان عن السعادة الحقيقية المنشودة
له وسدّت كل منافذ السقوط الى هوّة
الشقاء .


وأباحت
الطيبات ولذائذ الحياة الدنيا وزينتها
ممّا لا يخلّ باُصول الشريعة ومدارج
الكمال البشري وحدّدت قنواتها حين
حدّدت الأهداف السامية وحرّمت ما يضرّ
وأوجبت ما ينبغي للانسان امتثاله .


ومع
ذلك كله فقد اعتبرت الشريعة مكارم
الاخلاق أهدافاً أساسيّة ينبغي
للانسان الذكي اللبيب أن يحصل عليها في
هذه الحياة الدنيا ليسعد بها في الدنيا
ويحيا بها في الآخرة ذات الحياة
الأبدية الدائمة .


واعتنى
الاسلام بالمرأة اعتناءً بالغاً
وجعلها ركن العائلة وأساس السعادة في
الحياة الزوجية وشرّع لها من الحقوق
والواجبات ما يضمن لها عزّتها
وكرامتها وتحقيق سعادتها وسعادة
أبنائها ومجتمعها الإنساني .


وصفوة
القول أنّ الإسلام لم يغفل عن تشريع كل
ما يحتاجه المجتمع البشري في تكامله
وارتقائه.




[1]
السيرة النبوية: 2 / 954،
الطبقات الكبرى: 2 / 215.


[2]
صحيح البخاري كتاب العلم باب كتابة
العلم وكتاب الجهاد باب جوائز الوفد.


[3]
الطبقات الكبرى : 2 / 244 ، كنز العمال: 3 /
138.


[4]
صحيح البخاري كتاب العلم: 1 / 22 و 2 / 14،
الملل والنحل: 1 / 22، الطبقات الكبرى: 2 /
244.


[5]
بحار الانوار: 22 / 469.


[6]
أعيان الشيعة: 1 / 294 . راجع صحيح البخاري:
باب مرض النبي(صلى الله عليه وآله).


[7]
آل عمران (3): 144 .


[8]
الطبقات الكبرى: 2 / 247، الكامل في
التأريخ: 2 / 219.


[9]
الطبقات الكبرى: 2 / 263.


[10]
نهج البلاغة: خطبة 197.


[11]
الكامل في التأريخ: 2 / 323، الطبقات
الكبرى : 2 / 266، السيرة النبوية لزيني
دحلان: 2 / 306.


[12]
الطبقات الكبرى: 2 / القسم الثاني: 53 ـ 56.


[13]
السيرة النبوية لابن كثير: 4 / 518.


[14]
الارشاد : 1 / 187 واعيان الشيعة : 1 / 295 .


[15]
الطبقات الكبرى : 2 / 291 .


[16]
تجد هذا البحث في سيرة النبي (صلى الله
عليه وآله) للسيد محسن الأمين العاملي
في كتابه أعيان الشيعة.


[17]
النحل (16): 125 .

/ 26