ظلامة أبی طالب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ظلامة أبی طالب - نسخه متنی

السید جعفر مرتضی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید









ثامناً: روى عبد العظيم بن عبد الله العلوي: أنه كان مريضاً، فكتب إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: عرفني يا بن رسول الله، عن الخبر المروي: أن أبا طالب في ضحضاح من نار، يغلي منه دماغه.



فكتب إليه الرضا عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار(136)



تاسعاً: بالإسناد إلى الكراجكي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب؟!



قلت: جعلت فداك، يقولون هو في ضحضاح من نار، وفي رجليه نعلان من نار، تغلي منها أم رأسه.



فقال عليه السلام: كذب أعداء الله، إن أبا طالب من رفقاء النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً(137)



وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: كذبوا. والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان، وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان، لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم(138)






2 ـ إرث عقيل لأبي طالب عليه السلام:



واستدلوا: بأن ولده عقيل هو الذي ورثه، ولم يرثه الإمام علي وجعفر عليهما السلام، لأنه كان مشركاً، وهما مسلمان.



فهما من ملتين مختلفتين، وأهل ملتين لا يتوارثان(139)



ولكن ذلك لا يصح أيضاً.



فأولاً: من أين ثبت لهؤلاء: أن الإمام علياً وجعفراً عليهما السلام لم يرثاه.



وثانياً: إن قوله أهل ملتين لا يتوارثان.



نقول بموجبه؛ لأن التوارث تفاعل، ولا تفاعل عندنا في ميراثهما، واللفظ يستدعي الطرفين، كالتضارب، فإنه لا يكون إلا من اثنين، ولأجل ذلك نقول: إن الصحيح هو مذهب أهل البيت عليهم السلام، من أن المسلم يرث الكافر، ولا يرث الكافر المسلم(140) فالإرث إذن من طرف واحد، لا من طرفين!.



وثالثاً: لقد روي عن عمر قوله: «أهل الشرك نرثهم ولا يرثونا»(141)



وقد حكم كثير من العلماء بأن ميراث المرتد للمسلمين لا يصح؛

وقالوا: نرثهم ولا يرثونا(142)



ورابعاً: إنهم يقولون: إن الميراث في وقت موت أبي طالب لم يكن قد فرض بعد، وإنما كان الأمر بالوصية؛ فلعل أبا طالب قد أوصى بماله لعقيل محبة له، أو لما يراه من فقره وخصاصته، فأنفذ أولاده وصيته.



أو أن علياً وجعفراً قد تركا لأخيهما نصيبهما من الإرث على سبيل الإيثار له، لما يرونه من حاجته، وضيق ذات يده.



بل قد يكون أبو طالب قد تنازل عن ماله لعقيل في حال حياته، فلم يبق شيء لكي يرثه علي وجعفر بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين(143)





3 ـ آية: {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}:



لقد ذكروا: أن آية: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}.. قد نزلت في أبي طالب عليه السلام، الذي كان ينهى الناس عن أذى الرسول، وينأى عن أن يدخل في الإسلام(144)




ونقول:



أولاً: لقد تحدث الأستاذ الخنيزي حول أسانيد هذه الرواية بما فيه الكفاية(145) فليراجعه من أراد.



ثانياً: إن هذه الآية لا تنطبق على أبي طالب عليه السلام بأي وجه؛ لأن الله تعالى يقول قبلها:



{وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولينَ، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}(146)



فضمائر الجمع، وهي كلمة: «هم»، وفاعل «ينهون» و«ينأون» ترجع كلها إلى من ذكرهم الله في تلك الآية، وهم المشركون، الذين إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، ويجادلون الرسول في هذه الآيات، ويصفونها من عنادهم بأنها أساطير الأولين.



ولا يقف عنادهم عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى أنهم: ينهون الناس عن الاستماع إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله، كما أنهم هم أنفسهم يبتعدون عنه.



وهذه الصفات كلها لا تنطبق على أبي طالب عليه السلام، الذي لم نجد منه إلا التشجيع على اتباع النبي صلى الله عليه وآله، والنصرة له

باليد واللسان.



وقد حض أشخاصاً بأعيانهم على أن يدخلوا في هذا الدين. وأن يصبروا عليه، كما كان الحال بالنسبة لزوجته، وحمزة، وجعفر، وعلي، وملك الحبشة، حسبما تقدم.



كما أن المفسرين قد فهموا من الآية عمومها لجميع الكفار، وأن معناها: ينهون عن استماع القرآن، واتباع الرسول، ويتباعدون عنه.



وهذا هو المروي عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، وأبي معاذ، والضحاك، وابن الحنفية، والسدي، ومجاهد، والجبائي، وابن جبير(147)



ثالثاً: ويقول الأميني رحمه الله: إن هذه الرواية تقول: إن آية سورة الأنعام: وهي قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ..}.. قد نزلت حين وفاة أبي طالب عليه السلام.



مع أن ثمة رواية أخرى تقول: إن آية سورة القصص، وهي قوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ..}..(148) قد نزلت حين وفاته أيضاً.



مع أن سورة القصص قد نزلت قبل الأنعام ـ التي نزلت جملة

واحدة ـ(149) بخمس سور.



وهذا يدل على أن سورة الأنعام قد نزلت بعد وفاة أبي طالب عليه السلام بمدة، فما معنى قولهم: إنها نزلت حين وفاة أبي طالب عليه السلام أعني السنة العاشرة من البعثة!!



بل إن البعض قد ذكر: أن سورة القصص هي من آخر ما نزل من القرآن في المدينة ولعله استند في ذلك إلى بعض ما ورد في شأن نزول بعض آياتها) فإذا تم هذا، فإن نزولها في أبي طالب عليه السلام يصبح غير مقبول أيضاً، لأن أبا طالب عليه السلام مات في عنفوان الإسلام، والنبي صلى الله عليه وآله في مكة(150)



رابعاً: إنهم يقولون: إن سورة الأنعام قد نزلت دفعة واحدة وكانت أسماء بنت يزيد الأنصارية ممسكة بزمام ناقته صلى الله عليه وآله(151)




وذلك إنما كان بعد بيعة العقبة، التي كانت بعد وفاة أبي طالب عليه السلام، بمدة طويلة.





4 ـ آية النهي عن الاستغفار للمشرك:



روى البخاري ومسلم، وغيرهما: عن ابن المسيب، عن أبيه، ما ملخصه: أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله طلب من أبي طالب عليه السلام حين وفاته أن يقول كلمة: لا إله إلا الله، ليحاج بها له عند الله.



فقال له أبو جهل، وعبد الله بن أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟!



فلم يزل الرسول يعرضها عليه، ويقولان له ذلك، حتى قال أبو طالب آخر كلمة: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.



فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك.



فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}(152)




ونقول:



إننا لا نريد أن نناقش في أسانيد هذه الرواية(153) المقطوعة، ولا أن نفيض في إيراد الدلائل والشواهد على أن ابن المسيب، فضلاً عن غيره، متهم في ما يرويه، مما له ارتباط بالإمام علي عليه السلام، كما نص عليه البعض(154)



ولكننا نشير فقط إلى ما يلي:



أولاً: إن آية النهي عن الاستغفار للمشرك قد وردت في سورة التوبة، ولا ريب في كونها من أواخر ما نزل عليه صلى الله عليه وآله في المدينة، بل لقد ادَّعى البعض أنها آخر ما نزل(155)



ولا يعقل أن تكون هذه الآية قد بقيت أكثر من عشر سنوات معلقة في الهواء، والقرآن ينزل، حتى إذا نزلت سورة التوبة، أضيفت إليها، لأن الآيات التي كانت تلحق بالسور ـ لو صح أنها كانت تلحق بها بعد أن لم تكن منها ـ فإنما تلحق بما نزل سابقاً عليها، وكان ذلك في الأكثر في

السور الطوال، التي كانت تنزل أجزاء متتابعة دون سائر السور التي كانت تنزل دفعة واحدة.



فلابد إذن من أن نقول: إن النهي عن الاستغفار إنما حصل بعد نزول سورة التوبة، فكيف بقي صلى الله عليه وآله يستغفر لأبي طالب عليه السلام طيلة هذه المدة، ويترحم عليه؟!



ثانياً: إن الاستغفار للمشرك، والترحم عليه من أظهر مصاديق المودة للكافر، وقد نهى الله عن مودتهم في آيات كثيرة، نزلت قبل سورة التوبة، كما في قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}(156)



وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}(157)



وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}(158)




وقوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ}(159) إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه.



ثالثاً: قال تعالى: في سورة المنافقين، التي نزلت في غزوة بني المصطلق، سنة ست على ما هو المشهور، ونزلت قبل سورة التوبة على كل حال: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(160)



فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله يعرف أن الله لن يغفر للمنافق سواء استغفر لهم أم لا.. والمنافق هو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، فإنه يعرف أيضاً: أن الله لا يغفر لمن كان يبطن الشرك، ويظهره، ويأبى عن أن يعترف بإسلام أو بإيمان.. فلماذا يتعب نفسه في أمر يعرف أنه لا نتيجة له؟؛ فإن ذلك أمر لا يقره العقلاء، ولا يقدمون عليه.



رابعاً: ذكر الشريف النسابة العلوي، المعروف بالموضح، بأسناده: أن أبا طالب لما مات لم تكن الصلاة على الموتى، فما صلى النبي عليه، ولا على خديجة، وإنما اجتازت جنازة أبي طالب، وعلي وجعفر(161) وحمزة جلوس، فقاموا، وشيعوا جنازته، واستغفروا له.




فقال قوم: نحن نستغفر لموتانا وأقاربنا المشركين أيضاً ـ ظناً منهم أن أبا طالب مات مشركاً؛ لأنه كان يكتم إيمانه ـ فنفى الله عن أبي طالب الشرك، ونزه نبيه، والثلاثة المذكورين رحمهم الله عن الخطأ في قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أوْلِي قُرْبَى}(162)



فمن قال بكفر أبي طالب عليه السلام، فقد حكم على النبي بالخطأ، والله تعالى قد نزهه عنه في أقواله وأفعاله الخ..(163)



خامساً: لقد روي بسند صحيح ـ كما يقول الأميني ـ عن علي: أنه سمع رجلاً يستغفر لأبويه، وهما مشركان؛ فذكر الإمام علي عليه السلام ذلك للنبي صلى الله عليه وآله، فنزلت آية النهي عن الاستغفار للمشركين(164)




وفي أخرى: أن المسلمين قالوا: ألا نستغفر لآبائنا؟ فنزلت(165)



وفي رواية: أنها نزلت حينما استأذن صلى الله عليه وآله الله في الاستغفار لأمه فلم يأذن له، ونزلت الآية، فسأله أن يزور قبرها، فأذن له(166)



وعلى هذا فإن الجزم بأن الآية المذكورة قد نزلت في أبي طالب، يصبح في غير محله، خصوصاً إذا أضيف إليه ما قدمناه من شواهد وأدلة على إيمان شيخ الأبطح، وأضيف إليه أيضاً أن الآية بصدد نهي طائفة من المؤمنين الاستغفار لأقاربهم من أهل الشرك، ويكون ذكر النبي صلى الله عليه وآله في جملتهم من أجل طمأنتهم، وتأنيسهم، والرفق بهم، والمداراة لهم، لا لأنه صلى الله عليه وآله كان يفعل كفعلهم، فإن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن ليقدم على أمر حتى يعرف رضا الله به، ويستأذنه سبحانه وتعالى فيه.






ملاحظة:



قد أثبتنا في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله إيمان آبائه صلى الله عليه وآله إلى آدم وكانت أمه صلى الله عليه وآله موحدة، بل إن الروايات التي تحدثت عن أنه لا يريد أن تكون لكافر أو مشرك عنده نعمة تجزى تدل على ذلك أيضاً.



فإن التربية للنبي صلى الله عليه وآله من النعم، والأيادي عنده، والتي تستوجب منه الشكر والجزاء.



وهذا ما يجعلنا نعتقد: أن الرواية الأخيرة التي ذكرت كفر والدة النبي صلى الله عليه وآله بعيدة عن الصحة أيضاً.



سادساً: إن آية النهي عن الاستغفار للمشركين، قد جاءت عامة ولا يظهر منها: أنها تتحدث عن أمر قد حصل أصلاً، ولو سلمنا: أنها تشير إلى واقعة من نوع ما، فلا يمكن أن تكون هي استغفار النبي صلى الله عليه وآله لأمه، لأنه صلى الله عليه وآله لا يفعل إلا ما يعلم أنه مرضي لله تعالى، ولا يقدم على أي فعل من تلقاء نفسه.



على أنه لابد من الإجابة على السؤال عن السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله ينسى الاستغفار لأمه إلى آخر أيام حياته؟



سابعاً: إن قول أبي طالب: بل على دين عبد المطلب، هو من أدلة إيمانه، لا من أدلة كفره؛ إذ إن عبد المطلب لم يكن كافراً ولا مشركاً، بل كان مؤمناً على دين الحنيفية.




وقد صرح المسعودي في بعض كتبه أيضاً بأنه قد مات مسلماً(167)



فقول أبي طالب عليه السلام: بل على ملة عبد المطلب، قد جاء على سبيل التورية، حيث إنه بذلك يكون قد أثبت إيمانه، وأقر به من جهة. ثم يكون قد عمىّ الأمر على فراعنة قريش، لمصالح يراها، لا بد له من ملاحظتها في تلك الفترة، من جهة أخرى.





5 ـ {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}:



ويقولون: إن الله تعالى قد أنزل في أبي طالب عليه السلام: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}(168) حيث ادَّعى الزجاج إجماع المسلمين على نزول هذه الآية في أبي طالب عليه السلام(169)



ونقول في الجواب:



أولاً: قد تقدم: النهي عن موادة من حاد الله، وعن اتخاذ الكافرين أولياء.



ثانياً: قد تقدم: أن النبي صلى الله عليه وآله دعا الله، وتعامل مع الناس كلهم على قاعدة: أن لا يجعل لكافر ولا لمشرك نعمة عنده.



ثالثاً: إن آية: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، يقال: إنها نزلت يوم

أحد، حينما كسرت رباعيته، وشج وجهه صلى الله عليه وآله، فقال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فأنزل الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.. إلخ(170)



وقيل: إنها نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل، الذي كان الرسول صلى الله عليه وآله يرغب في إسلامه، بل لقد ادعي الإجماع على ذلك(171)



رابعاً: إذا كان النبي صلى الله عليه وآله يحب إيمان أبي طالب عليه السلام، فالله يحب ذلك أيضاً، لأن الرسول لا يحب إلا ما أحب الله.



وقولهم: كان صلى الله عليه وآله يكره إيمان وحشي، ثم آمن، لا يصح، لأنهما لو لم يتوافقا فإنه يدخل في دائرة التضاد بين الرسول وبين مرسله، لأن الرسول صلى الله عليه وآله يكره إيمان شخص ومرسله يحب إيمان ذلك الشخص نفسه.. وإذا توافقا، بأن كان الله ورسوله يكرهان إيمان ذلك الشخص، فإن السؤال هو: كيف يمكن أن يكره الله

ورسوله إيمان أحد(172)



خامساً: إن قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} لا يمنع من إيمان أبي طالب عليه السلام، فإن الله قد شاء الهداية لأبي طالب عليه السلام أيضاً كما دلت عليه النصوص.



والآية إنما تريد تعليم النبي صلى الله عليه وآله: أن محبته لهداية شخص غير كافية. بل لا بد معها من مشيئة الله سبحانه.



وأما دعوى إجماع المسلمين على نزول هذه الآية في أبي طالب عليه السلام، فيكذبها: أن الأئمة عليهم السلام وشيعتهم، وأكثر الزيدية، وكثير من علماء السنة يثبتون إيمان أبي طالب عليه السلام، وتآليفهم في هذا الصدد كثيرة وشهيرة..





6 ـ {وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}:



زعموا: أن قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}(173) قد نزلت في أبي طالب عليه السلام..



ونقول:



إن سياق الآيات قبلها وبعدها يعطي أن الآية إنما نزلت في اليهود.. وهذا كاف في رد هذه المزعمة.




وقد قال النقدي في كتابه مواهب الواهب في فضائل أبي طالب: وأما ما قيل من أن قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} نزلت في أبي طالب فقد قال ابن دحلان: هو ضعيف جداً كالقول بأنها نزلت في أبوي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فإن ذلك ضعيف أيضاً. بل قيل: إن ذلك باطل لا أصل له والآية إنما نزلت في اليهود.



قال أبو حيان في البحر: وسوابق الآيات ولواحقها تدل على ذلك.. الخ(174)





7 ـ الذي ينجي من الوسوسة:



زعموا: أن الرسول صلى الله عليه وآله قال لأبي بكر، حول ما ينجي من الوسوسة: «ينجيكم من ذلك : أن تقولوا مثل الذي أمرت به عمي عند الموت؛ فلم يفعل.



يعني شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله»(175)



وفي رواية عن عمر: إن كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله عمه أبا طالب عند الموت: شهادة إلخ(176)




ونقول:



إنه فضلاً عن سقوط الرواية من ناحية السند. نلاحظ:



أولاً: إن من الواضح: أن الذين يسألونه صلى الله عليه وآله عما ينجي من الوسوسة كانوا يقولون تلك الكلمة، ويشهدون الشهادتين، ولكنهم كانوا ـ مع ذلك ـ مبتلين بالوسوسة، فكيف يأمرهم صلى الله عليه وآله بقولها للنجاة من ذلك؟!.



إلا أن يقال: إن المراد هو: كثرة التلفظ بها وتكرارها.



غير أننا نقول: إن إرادة هذا المعنى بعيدة عن مساق الرواية، فإن ما طلبه من أبي طالب ـ لو صحت الرواية ـ هو مجرد التلفظ بالشهادتين..



ثانياً: إن نفس هذه الرواية مروية بسند صحيح، وتفيد: أن الخلاف كان بين سعد وعثمان، وأن الذي حكم بينهما هو عمر بن الخطاب، وذكر: دعوة ذي النون: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّيِ كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}. ولم يذكر أبا طالب عليه السلام(177)





أبو بكر حين أسلم أبوه:



وزعموا أيضاً: أنه لما مد أبو قحافة يده ليسلم، بكى أبو بكر، فقال له صلى الله عليه وآله: ما يبكيك؟!




قال: لأن تكون يد عمك مكان يده، ويسلم، ويقر الله به عينك أحب إلي من أن يكون(178)



ونقول:



أولاً: قد تقدمت هذه الرواية بنحو يدل على إيمان أبي طالب عليه السلام عن عدد من المصادر، فلا نعيد.



وتلك الرواية هي التي تنسجم مع هذا الحشد الهائل من دلائل إيمانه صلوات الله وسلامه عليه.



ثانياً: قد جاء أنه لما أسلم أبو قحافة لم يعلم أبو بكر بإسلامه، حتى بشره النبي صلى الله عليه وآله بذلك(179) فكيف يكون أبو بكر قد قال ذلك حين مد أبو قحافة يده؟!.





ابو طالب عليه السلام الشيخ المهتدي:



وزعموا أيضاً: أنه لما توفي أبو طالب، جاء علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله، وقال له: إن عمك الشيخ الضال قد توفي.



بل في رواية: أن الإمام علياً عليه السلام رفض ما أمره به النبي

صلى الله عليه وآله من تغسيله، ودفنه، فأمر أن يتولى ذلك غيره(180)



ونقول:



أولاً: قد روى أحمد في مسنده هذه الرواية، وفيها: إن عمك الشيخ قد توفي، من دون ذكر كلمة «الضال»(181)



ثانياً: إن نفس أن يخاطب علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الطريقة: «إن عمك الشيخ الضال.. الخ..» لهو أمر لا ينسجم مع أدب الخطاب مع الرسول، في الوقت الذي كان يمكن له يقول: إن أبي الشيخ الضال قد توفي. ولا يمكن أن يحتمل أحد أن يصدر من علي عليه السلام ما ينافي الآداب مع رسول الله صلى الله عليه وآله أو مع غيره.



ثالثاً: لو لم يكن مؤمناً فلماذا يأمره بتغسيله؟. فهل يغسل الكافر؟!



رابعاً: كيف يتناسب هذا مع كونه صلى الله عليه وآله قد حزن، وترحم عليه، ودعا له، وعارض جنازته، ومشى فيها، وغير ذلك مما تقدم، مع أنهم يروون: أنه لا يجوز المشي في جنازة المشرك؟!(182)




خامساً: ماذا يصنع هؤلاء بما ورد في كثير من المصادر، من أن الإمام علياً عليه السلام هو الذي تولى تغسيل أبي طالب ودفنه، واغتسل بعد تغسيله إياه غسل المس الواجب على من مس أي ميت مسلم(183)





هل صلى أبو طالب عليه السلام؟:



قالوا: إنه لم ينقل عن أحد: أن أبا طالب عليه السلام قد صلى، وبالصلاة يمتاز المؤمن عن الكافر(184)



ونقول في الجواب:



أولاً: إنه لم ينقل أيضاً عن كثير من الصحابة أنهم قد صلوا..



فهل يمكن الحكم عليهم بأنهم لم يسلموا؟! فإن عدم نقل ذلك لا يعني عدم حدوثه.



ثانياً: إنه إذا كان مثل أبي طالب عليه السلام كمثل مؤمن آل فرعون، الذي كان يكتم إيمانه، فعلينا أن لا نتوقع مجاهرة أبي طالب عليه السلام بالصلاة، أو بغيرها من الشعائر الدينية أمام الملأ، فإن ذلك لا يتلاءم مع كتمان الإيمان.





أبو طالب عليه السلام خير الأخيار:



وزعموا: أن محمد بن عبد الله بن الحسن، قد كتب إلى المنصور يقول مفتخراً: أنا ابن خير الأخيار، وأنا ابن شر الأشرار.




وهذه الرسالة هي التي أوجبت توقف ابن أبي الحديد المعتزلي في إيمان أبي طالب عليه السلام، كما زعم في شرحه لنهج البلاغة(185)



ونقول:



أولاً: إن أبا طالب عليه السلام لم يكن شر الأشرار، إذ إنه عليه السلام لم يكن أشر من أبي لهب ولا من أبي جهل، ولا من ابن ملجم، ولا من الشمر، ولا.. ولا..



فهذا كذب صريح، هل يمكن صدوره من مدَِّعي المهدية.. الذي يطالب الناس بالبيعة له؟!



ثانياً: ما معنى أن يفتخر إنسان بأنه ابن شر الأشرار؟! فهل في هذا مفخرة لأحد؟



ثالثاً: إنه ليس في الرواية ما يدل على أن المقصود بهذا الكلام هو أبو طالب عليه السلام، إذ لعل المقصود به طلحة بن عبيد الله، الذي هو أبو أم إسحق، جدة محمد بن عبد الله بن الحسن، أو لعله يقصد زمعة بن الأسود، أو عبد العزى؟! أو غير هؤلاء من آبائه..



رابعاً: لماذا أخذ المعتزلي بشهادة محمد بن عبد الله بن الحسن، الذي قتل في أواسط القرن الثاني للهجرة، ولم يأخذ بشهادة الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام، في حق أبيه، وهو القائل: والذي بعث محمداً بالحق نبياً، إن أبي لو شفع في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله.




بالإضافة إلى كثير من النصوص الأخرى التي سلفت عنه عليه السلام في حقه.



هذا فضلاً عن شهادات الإمام السجاد، والباقر، والصادق عليهم السلام.



ألم يكن عهد هؤلاء الأطهار عليهم السلام بأبي طالب عليه السلام أقرب من عهد محمد بن عبد الله بن الحسن؟!..





خطابيات وأرجاز المديني:



وبعد ما تقدم، فإنه إذا كان أبو طالب عليه السلام مسلماً مصدقاً؛ فلا يصغى لأرجاز وخطابيات أمثال المديني، التي لا توافق العقل والدين مهما حاول أن يتظاهر هو بالصلاح، أو أن يسطر التملقات الباردة، مثل أن يقول:



«وددت أن أبا طالب كان أسلم، فسر به رسول الله صلى الله عليه وآله، وأني كافر»(186)





الفصل السادس

مؤمن آل فرعون






سرية إيمان أبي طالب عليه السلام:



إننا إذا تتبعنا سير الدعوة، ومواقف أبي طالب عليه السلام فإننا نجد: أنه كان بادئ ذي بدء يكتم إيمانه، تماما كمؤمن آل فرعون، والظاهر أنه قد استمر يظهر ذلك تارة، ويخفيه أخرى إلى أن حصر الهاشميون في الشعب، فصار يكثر من إظهار ذلك وإعلانه.



وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:



«إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الإيمان، وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين»(187)



وعن الشعبي، يرفعه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:



كان والله أبو طالب بن عبد المطلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه؛ مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش.




وكذا عن ابن عباس(188)



وقد تقدم: أن محمد بن الحنفية حمل في حرب الجمل على رجل من أهل البصرة، قال: فلما غشيته قال: أنا على دين أبي طالب، فلما عرفت الذي أراد كففت عنه(189)



وثمة أحاديث أخرى عديدة بهذا المعنى لا مجال لذكرها(190)





لابد من كتمان الإيمان:



ونستطيع أن نقول: إن سرية إيمان أبي طالب عليه السلام كانت ضرورة لا بد منها؛ لأن الدعوة كانت بحاجة إلى شخصية اجتماعية قوية تدعمها، وتحافظ على قائدها، شرط أن لا تكون طرفاً في النزاع.



فتتكلم من مركز القوة لتتمكن الدعوة من الحركة، مع عدم مواجهة ضغط كبير يشل حركتها، ويحد من فاعليتها.



قال ابن كثير وغيره:



«إذ لو كان أسلم أبو طالب ـ ونحن نقول لابن كثير: إنه قد أسلم، ولكنه كتم إيمانه وإسلامه مدة؛ ـ لما كان له عند مشركي قريش وجاهة،

ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه، ولا اجترأوا عليه، ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه»(191)





مفارقات محيِّرة:



وكيف يحكمون لزيد بن عمرو بن نفيل ابن عم عمر بن الخطاب، ولولده سعيد بن زيد، ولورقة بن نوفل، وقس بن ساعدة، ولأبي سفيان الذي ما فتئ كهفاً للمنافقين، والذي ذكرنا لمحة عن تصريحاته ومواقفه في أواخر غزوة أحد، في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله.



نعم، كيف يحكمون لهؤلاء بالإسلام؟! بل يروون عنه صلى الله عليه وآله: أنه قال عن أمية بن أبي الصلت: نه كاد أن يسلم في شعره(192)



ويقول الشافعي عن صفوان بن أمية: «وكان كأنه لا يشك في إسلامه»، لأنه حين سَمع يوم حنين قائلاً يقول: غلبت هوازن، وقُتل محمد، قال له:



«بفيك الحجر، فوالله، لرب قريش أحب إلي من رب هوازن».



نعم، كيف يحكمون لكل هؤلاء بالإسلام، أو بالاقتراب منه، وهم لم يدركوا الإسلام، أو أدركوه ولم يسلموا، أو أظهروا الإسلام، وأبطنوا الكفر.




ثم يحكمون بالكفر على أبي طالب عليه السلام، الذي ما فتئ يؤكد ويصرح عشرات المرات، في أقواله وفي أفعاله، ويعلن بالشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة والرسالة؟!.





ذنب أبي طالب عليه السلام الذي لا يغفر:



ولكننا رغم كل ذلك نقول:



إنه يؤخذ على أبي طالب عليه السلام شيء واحد، هو من أكبر الذنوب، وأعظم السيِّئات والعيوب، التي يستحق من يتلبس بها ـ شاء أم أبى ـ الحساب العسير، ولابد أن يحرم لأجلها من كل امتياز، ويسلب منه كل وسام.



وهذا الذنب العظيم والجسيم هو أنه كان أباً لذلك الرجل الذي تكرهه قريش، ويبغضه الحكام، ويشنؤه أهل الباطل.. وكانوا وما زالوا يتمنون له كل سوء، وكل ما يسوء. وقد قطعوا رحمه، وجهدوا للحط من شأنه، وصغَّروا عظيم منزلته، لا لشيء، سوى أنه كان قد قتل آباءهم وإخوانهم على الشرك والكفر، وهو يدافع عن دين الله سبحانه، ويجاهد في سبيل الله، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله.



وهذا الرجل هو ـ بصراحة ـ ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وزوج ابنته، وأبو سبطيه، وهو المسمى بـ «علي» أمير البررة، وقاتل الكفرة الفجرة، الذي كان مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله، وكان الولي، والوصي صلوات الله وسلامه عليه وعلى أبيه، وعلى الأئمة الأطهار من بنيه.




فكان لابد ـ بنظرهم ـ من نسبة كل عظيمة إليه، وإلى أبيه أبي طالب عليه السلام، ووضع الأحاديث المكذوبة في حقهما، وتزوير تاريخهما، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.



فحفلت مجاميعهم الحديثية والتاريخية بألوان من الدجل والتزوير، وأفانين من الكذب والبهتان، والأفائك والأباطيل، حتى لقد نسبوا إلى أبي طالب عليه السلام الكفر ـ والعياذ بالله ـ ولو كان ثمة شيء أعظم من الكفر لنسبوه إليه، ووصموه به، كيداً منهم لعلي، وسعياً منهم للنيل من مقامه، وهو الذي كان ولا يزال الشوكة الجارحة في أعين الأمويين، والزبيريين، وجميع الحاقدين على الحق وأهله، فظهرت منهم أنواع من الافتراءات عليه، وعلى أخيه جعفر، وأبيه أبي طالب، وعلى كل شيعتهم ومحبيهم، والمدافعين عنهم.



وحين بدا لهم أن ذلك لا يشفي صدورهم شفعوه بنوع آخر من الكيد والتجني، حين سعوا إلى إطراء أعدائه، أعداء الله ورسوله، وأعداء الحق، فنسبوا فضائل أولياء الله إلى أعداء الله، حتى إنك لا تكاد تجد فضيلة ثبتت لعلي عليه السلام بسند صحيح عند مختلف الفرق الإسلامية، إلا ولها نظير في مخالفيه، ومناوئيه، والمعتدين عليه، ولكنها ـ في الأكثر ولله الحمد ـ قد جاءت بأسانيد ضعيفة وموهونة، حتى عند واضعيها..



هذا، ويلاحظ: أن هذه الأفائك الظالمة في حق أبي طالب عليه السلام قد ظهرت بعد عشرات السنين من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي كان المدافع الأول عن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه، كما يظهر

من كثير من المواقف له صلى الله عليه وآله، حدثنا عنها التاريخ، وحفظتها لنا كتب الحديث والرواية. رغم ما بذله الحاقدون من جهود لطمسها، وطمس سواها من الحقائق الناصعة، والشواهد والبراهين الساطعة.



ولو أن أبا طالب رحمه الله، كان أباً لمعاوية مثلاً، أو لمروان، أو لأي من الذين تصدوا للحكم من المناوئين والمنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام، وعن خطهم ومنهجهم، لرأيت ثم رأيت من آيات الثناء عليه، ما يتلى آناء الليل، وأطراف النهار، ولوجدت الأوسمة تلاحقه، وتنهال عليه من كل حدب وصوب، وبلا كتاب ولا حساب. ولألفيت الذين ينبزونه بتلكم الأكاذيب والأباطيل، ويرمونه بالبهتان، هم أنفسهم حملة رايات التعظيم والتبجيل، والتكبير والتهليل له رحمه الله.



ولوجدت من الأحاديث في فضائله ومناقبه وما له من كرامات، وشفاعات إن دنيا، وإن آخرة، ما يفوق حد الحصر، وما يزيد ويتضاعف باطراد في كل عصر ومصر..



ولربما تجد من يدَّعي: أن أبا طالب عليه السلام قد آمن بالنبي حتى قبل أن يبعث صلى الله عليه وآله ـ كما ادَّعوه لبعض من يوالونهم ويحبونهم!!



ولعل بعضهم يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيقول فيه، كما قالوه في بعض أسلافهم: لو لم أبعث فيكم لبعث فلان!! أو ما شاكل ذلك.



هذا إن لم يدَّعوا له مقام النبوة، أو ما هو أعظم من ذلك كما ادَّعوا ذلك ليزيد لعنه الله، قاتل الإمام الحسين عليه السلام، وهادم الكعبة..




ولكننا نقول: إن أبا طالب عليه السلام قد كان محظوظاً جداً، حيث لم يكن قريباً لهؤلاء، ولا لمن يتولاه هؤلاء، فنجا من أن تنسب إليه فضائل مكذوبة، ومن أن يعطى أوسمة لا حقيقة لها، إذ يكفي هذا الرجل من الفضائل والأوسمة ما كان قد ناله عن جدارة واستحقاق، بجهاده، وبإخلاصه، وبعمله الصالح الذي نال به رضا الله سبحانه. وذلك هو الفضل العظيم، والحظ الأسعد، والمقام الأمجد.





مفارقات.. ذات دلالة:



والغريب في الأمر: أن من هؤلاء القوم، من يرى أن قاتل عمار بن ياسر من أهل الجنة، وأن ابن ملجم مجتهد في قتله الإمام علياً عليه السلام، ثم هم يدافعون عن يزيد بن معاوية لعنه الله، ويعتبرونه من أهل الجنة، بل ادَّعى له بعضهم النبوة قبحهم الله وإياه. كما أن البعض كابن عربي يرى: أن فرعون مؤمن، وأن عبدة العجل موحدون مؤمنون، إلى غير ذلك من ترهات وأباطيل، وأضاليل.



هذا عدا عن أنهم قالوا: إن حاتم الطائي يدخل النار لكنه لا يعذب بها لجوده، وأن كسرى لا يعذب لعدله، وأن أبا سفيان، أبا معاوية الذي يقول لعثمان حينما صارت إليه الخلافة:



قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار(193) إن أبا سفيان هذا،

مؤمن تقي عادل، معصوم، وأبو طالب عليه السلام ـ أو فقل: أبو الإمام علي عليه السلام ـ كافر مشرك، وفي ضحضاح من نار، يبلغ كعبه، ويغلي منه دماغه!!



نعم.. ما عشت أراك الدهر عجباً!!.





حال أبي طالب عليه السلام حال رسول الله صلى الله عليه وآله:



وبعد.. فإن حال أبي طالب عليه السلام مع الأمويين وأشياعهم، ومن افترى عليه بغضاً منه بولده علي.. يشبه إلى حد كبير حال النبي صلى الله عليه وآله مع المشركين، الذين حكى القرآن حالهم بقوله:



{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً}(194)



إن مبغضي أبي طالب يقولون: لن نقر بإيمان هذا الرجل، ولو تضافرت على ذلك كل الأدلة والشواهد، وحتى لو نص الله ورسوله عليه.



فبئس الخلف من الأمويين وأشياعهم، ومن الزبيريين وأتباعهم، ومن كل شانئ لعلي، ومصغر لشأنه، لِبئس السلف من طواغيت الجاهلية وعتاتها، ومن قتلة الأنبياء وفراعنة الأرض، وجبابرتها.






أبو لهب ونصرة النبي صلى الله عليه وآله:



ثم إننا نشير أيضاً هنا، إلى أنهم يذكرون: أنه بعد أن توفي أبو طالب عليه السلام أعلن أبو لهب استعداده لنصرة النبي صلى الله عليه وآله.



فاحتالت قريش، فأخبرته أنه يقول: إن أباك عبد المطلب في النار، فسأله عن ذلك، فأخبره بما طابق ما أخبروه به؛ فتخلى عن نصرته، وانقلب ليكون عدواً له ما عاش(195)



ونقول:



إننا لا نشك في كذب هذه القضية.



فأولاً: كيف لم يعلم أبو لهب طيلة عشر سنين من عدائه للنبي، ومحاربته له: أن هذا هو رأيه صلى الله عليه وآله ورأي الإسلام في كل من يموت مشركاً بالله تعالى؟! وعلى أي شيء كان يحاربه طيلة هذه المدة إذن؟!.



بل إن أبا لهب كان من أهم الشخصيات القوية التي كانت تدير حركة الصراع ضد الإسلام العظيم، ونبيه الكريم، فكيف يمكن أن يجهل حملة لواء الشرك هذا الأمر، ويعرفه غيرهم؟!



وثانياً: لماذا عاداه في حياة أبي طالب عليه السلام، ثم عاد إلى حمايته ونصرته بعد وفاته؟!.




أو لماذا لم يفعل أبو لهب مثل فعل أبي طالب عليه السلام؟!



وثالثاً: قد أسلفنا أن عبد المطلب لم يكن مشركاً، بل كان على دين الحنيفية مؤمناً صادق الإيمان.





سر افتعال الرواية:



ولعل سر افتعال هذه الرواية هنا هو إظهار: أن حماية أبي طالب عليه السلام للرسول قد كانت بدافع العصبية والحمية القبلية، أو الحب الطبيعي.



ولكن أين كانت حمية وعصبية أبي لهب قبل هذا الوقت، وأين كان حبه الطبيعي لابن أخيه؟



ولا سيما حينما حصرت قريش الهاشميين في الشعب، وكادوا يهلكون جوعاً؟!.



وأين ذهبت حميته بعد ذلك؟



وهو الذي كان يتتبع النبي محمداً صلى الله عليه وآله من مكان إلى مكان يؤذيه، ويصد الناس عنه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.




/ 8