ظلامة أبی طالب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ظلامة أبی طالب - نسخه متنی

السید جعفر مرتضی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید











شركهما، وكلاهما كان شاعراً، عارماً، فاتكاً.





وكان عمارة بن الوليد جميلاً وسيماً، تهواه النساء، صاحب محادثة لهن. فركبا البحر، ومع عمرو بن العاص امرأته، حتى إذا صاروا في البحر ليالي، أصابا من خمر معهما، فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو بن العاص: قبليني.





فقال لها عمرو: قبلي ابن عمك، فقبلته.





فهويها عمارة، وجعل يراودها عن نفسها، فامتنعت منه.





ثم إن عمرواً جلس على منجاف(21) السفينة يبول، فدفعه عمارة في البحر، فلما وقع عمرو سبح، حتى أخذ بمنجاف السفينة، فقال له عمارة: أما والله لو علمت أنك سابح ما طرحتك، ولكنني كنت أظن أنك لا تحسن السباحة، فضغن عمرو عليه في نفسه، وعلم أنه كان أراد قتله، ومضيا حتى قدما أرض الحبشة.





فلما نزلاها كتب عمرو إلى أبيه العاص بن وائل:





أن اخلعني، وتبرَّأ من جريرتي إلى بنى المغيرة، وسائر بني مخزوم، وخشي على أبيه أن يُتبع بجريرته.





فلما قدم الكتاب على العاص، مشى إلى رجال بني المغيرة وبني مخزوم، فقال:





إن هذين الرجلين قد خرجا حيث علمتم، وكلاهما فاتك صاحب

شر، غير مأمونين على أنفسهما، ولا أدري ما يكون منهما، وإني أبرأ إليكم من عمرو وجريرته، فقد خلعته.





فقال عند ذلك بنو المغيرة وبنو مخزوم: وأنت تخاف عمرواً على عمارة! ونحن فقد خلعنا عمارة، وتبرأنا إليك من جريرته، فخلِّ بين الرجلين.





قال: فلما اطمأنا بأرض الحبشة، لم يلبث عمارة أن دب لامرأة النجاشي، وكان جميلاً صبيحاً وسيماً، فأدخلته، فاختلف إليها، وجعل إذا رجع من مدخله ذلك يخبر عمرواً بما كان من أمره، فيقول عمرو:





لا أصدقك أنك قدرت على هذا، إن شأن هذه المرأة أرفع من ذلك، فلما أكثر عليه عمارة بما كان يخبره ـ وكان عمرو قد علم صدقه، ورأى من حاله وهيئته وما تصنع المرأة به، إذا كان معها، وبيتوتته عندها، حتى يأتي إليه مع السحر ما عرف به ذلك، وكانا في منزل واحد، ولكنه كان يريد أن يأتيه بشيء لا يستطاع دفعه، إن هو رفع شأنه إلى النجاشي ـ .





فقال له في بعض ما يتذاكران من أمرها: إن كنت صادقاً، فقل لها:





فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه، وائتني بشيء منه حتى أصدقك..





قال: أفعل.





فسألها ذلك، فدهنته منه، وأعطته شيئاً في قارورة، فلما شمه عمرو عرفه، فقال:






أشهد أنك قد صدقت! لقد أصبت شيئاً ما أصاب أحد من العرب مثله قط.





ثم سكت عنه حتى اطمأن، ودخل على النجاشي، فقال:





أيها الملك، إن معي سفيهاً من سفهاء قريش، وقد خشيت أن يعرَّني(22) عندك أمره، وأردت أن أعلمك بشأنه، وألا أرفع ذلك إليك حتى أستثبت أنه قد دخل على بعض نسائك فأكثر. وهذا دهنك قد أعطته وادهن به.





ثم تذكر الرواية معاقبة النجاشي لعمارة، وأن عمرو بن العاص، قد قال: يذكر ما كان صنع به، وما أراد من امرأته:









  • تعلم عمار أن من شر سنة
    أإن كنتَ ذا بردين أحوى مرجلاً
    إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه
    قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت
    إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما..(23)



  • على المرء أن يدعى ابن عم له ابنما
    فلست براع لابن عمك محرماً
    ولم ينه قلباً غاوياً حيث يمما
    إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما..(23)
    إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما..(23)












جعفر بن أبي طالب ينجو من سم عمرو:





وروي عن عبد الله بن جعفر بن محمد عليه السلام، أنه قال:





لقد كاد عمرو بن العاص عمنا جعفراً بأرض الحبشة عند النجاشي،

وعند كثير من رعيته، بأنواع الكيد، وردها الله تعالى عنه بلطفه.





رماه بالقتل.





والسرق.





والزنى.





فلم يلصق به شيء من تلك العيوب، لما شاهده القوم من طهارته، وعبادته، ونسكه، وسيماء النبوة عليه.





فلما نبا معوله عن صفاته هيأ له سماً قذفه إليه في طعام، فأرسل الله هراً، كفأ تلك الصحفة، وقد مد يده نحوها، ثم مات لوقته، وقد أكل منها..





فتبين لجعفر كيده، وغائلته، فلم يأكل بعدها عنده..





وما زال ابن الجزار عدواً لنا أهل البيت..(24)





وقال المعتزلي ما ملخصه:





أما خبر عمرو بن العاص في شخوصه إلى الحبشة، ليكيد جعفر بن أبي طالب والمهاجرين من المؤمنين عند النجاشي، فقد رواه كل من صنف في السيرة.





قال محمد بن إسحق في كتاب المغازي:





حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، زوجة رسول الله صلى الله عليه

وآله، قالت:





لما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النجاشي، أَمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى كما كنا نؤذى بمكة، ولا نسمع شيئاً نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي في أمرنا رجلين منهم جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منه الأدم. فجمعوا أدماً كثيراً، ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا إليه هدية.





ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما:





ادفعا إلى كل بطريق هديته، قبل أن تكلما النجاشي فيهم.





ثم قدما إلى النجاشي، ونحن عنده في خير دار، عند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته، قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا للبطارقة:





إنه قد فر إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم.





فقالوا لهما: نعم.





ثم إنهما قربا هدايا الملك إليه فقبلها منهم، ثم كلماه، فقالا له:






أيها الملك قد فر إلى بلادك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، جاؤوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا فيهم إليك أشراف قومنا، من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم، لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاينوه منهم.





قالت أم سلمة: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص، من أن يسمع النجاشي كلامهم.





فقالت بطارقة الملك وخواصه: صدقا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، فليسلمهم الملك إليهما، ليرداهم إلى بلادهم وقومهم.





فغضب الملك وقال: لا ها الله إذاً لا أسلمهم إليهما، ولا أخفر قوماً جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على سواي، حتى أدعوهم وأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهم، وأحسنت جوارهم ما جاوروني.





قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟





قالوا: نقول والله ما علمناه، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله كائناً ما هو كائن.





فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله،

سألهم فقال لهم:





ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟!..





قالت أم سلمة: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له:





أيها الملك، إنا كنا قوماً في جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف.





فكنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل علينا رسولاً منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا عليه نحن وآباؤنا من دونه، من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن التجاور، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن سائر الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاً، وبالصلاة وبالزكاة والصيام.





قالت: فعدد عليه أمور الإسلام كلها، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأصنام والأوثان عن عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث.





فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا

إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك.





فقال النجاشي: فهل معك مما جاء به صاحبكم عن الله شيء؟





فقال جعفر: نعم.





فقال: اقرأه علي.





فقرأ عليه صدراً من {كهيعص}..





فبكى حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا لحاهم.





ثم قال النجاشي: والله، إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، والله لا أسلمكم إليهم.





قالت أم سلمة: فلما خرج القوم من عنده، قال عمرو بن العاص:





والله، لأعيبهم غداً عنده بما يستأصل به خضراءهم، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة ـ وكان أتقى الرجلين:





لا تفعل، فإن لهم أرحاماً، وإن كانوا قد خالفوا.





قال: والله لأخبرنه غداً أنهم يقولون في عيسى بن مريم: إنه عبد.





ثم غدا عليه من الغد، فقال: أيها الملك، إن هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه، فأرسل إليهم.





قالت أم سلمة: فما نزل بنا مثلها.





واجتمع المسلمون، وقال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟






فقال جعفر بن أبي طالب:





نقول فيه والله ما قال عز وجل، وما جاء به نبينا عليه السلام، كائناً في ذلك ما هو كائن.





فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟





فقال جعفر: نقول إنه عبد الله، ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.





قالت: فضرب النجاشي يديه على الأرض، وأخذ منها عوداً، وقال:





ما عدا عيسى بن مريم ما قال هذا العود.





قالت: فقد كانت بطارقته تناخرت حوله، حين قال جعفر ما قال، فقال لهم النجاشي: وإن تناخرتم!





ثم قال للمسلمين: اذهبوا فأنتم (سيوم) بأرضي، أي آمنون، من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبراً ذهباً وأني آذيت رجلاً منكم ـ والدبر بلسان الحبشة: الجبل ـ ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي فيها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة، حتى ردني إلى ملكي. فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ أفأطيعهم فيه؟





قالت: فخرج الرجلان من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده في خير دار، مع خير جار..(25)






وقد روي عن الإمام الحسين عليه السلام:





«أن ابن العاص قد ذهب إلى الحبشة مرتين، ليكيد المسلمين، فرد الله كيده إلى نحره، وباء بغضبٍ من الله تعالى»(26)











الفصل الثاني



لمحات عن أبي طالب عليه السلام









اسمه:





قيل إن اسم أبي طالب عليه السلام: عمران، وقيل: عبد مناف، وقيل اسمه: لقبه.





ويؤيد الثاني ما روي من أن عبد المطلب قال:









  • أوصيك يا عبد مناف بعدي
    بموحد بعد أبيه فرد



  • بموحد بعد أبيه فرد
    بموحد بعد أبيه فرد




وقال:









  • وصّيت من كنيته بطالب
    عبد مناف، وهو ذو تجارب..(27)



  • عبد مناف، وهو ذو تجارب..(27)
    عبد مناف، وهو ذو تجارب..(27)





وقد سمي عبد مناف، لأنه أناف على الناس وعلا(28)





ويؤيد الأول ما قالوه، من أنه قد ورد في زيارة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، والمروية في بعض كتب أصحابنا:






«السلام على عمك عمران أبي طالب»(29)





ويؤيد أن اسمه كنيته، ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه كتب في بعض الرسائل: علي بن أبو طالب(30)





إلا أن يقال: إن كتابة الياء في الخط الكوفي تشبه كتابة الواو..





و«قال الحاكم: أكثر المتقدمين على أن اسمه (يعني أبا طالب) كنيته(31)





وهناك كلام مطول حول هذا الموضوع، ذكرنا طرفاً منه في موضع آخر.. فراجع.(32)









صفة أبي طالب عليه السلام ومكانته:





كان أبو طالب عليه السلام شيخاً جسيماً، وسيماً، عليه بهاء الملوك، ووقار الحكماء..





وقيل لأكثم بن صيفي: ممن تعلمت الحكمة، والرياسة، والحلم، والسيادة؟






فقال: من حليف العلم، والأدب، سيد العجم والعرب، أبي طالب بن عبد المطلب(33)





وكان أبو طالب عليه السلام ممن يهابه الرجال، ويكره غضبه(34)





وقال النويري: «كان أبو طالب حاكم قريش، وسيدها، ومرجعها في الملمات»(35)





وهو ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية(36)





وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في فضل أمير المؤمنين عليه السلام:





«ما أقول في رجل أبوه أبو طالب، سيد البطحاء، وشيخ قريش، ورئيس مكة؟





وقالوا: قلَّ أن يسود فقير، وساد أبو طالب، وهو فقير لا مال له..





وكانت قريش تسميه (الشيخ).





إلى أن قال: «.. وهو الذي كفل رسول الله صلى الله عليه وآله صغيراً، وحماه وحاطه كبيراً، ومنعه من مشركي قريش، ولقي لأجله عناء

عظيماً، وقاسى بلاء شديداً، وصبر على نصره، والقيام بأمره. وجاء في الخبر: أنه لما توفي أبو طالب: أوحي إليه، وقيل له: اخرج منها، فقد مات ناصرك»(37)









أبو طالب في كلمات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام:





ثم إنه قد روي عن علي عليه السلام: أن نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار. نور محمد صلى الله عليه وآله ونوري، ونور الحسن والحسين، ونور تسعة من ولد الحسين(38)





وروي أيضاً: أن مثله كان مثل أصحاب الكهف.





وأنه كان مستودعاً للوصايا، فدفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله(39)





وقال الصدوق: روي أن عبد المطلب كان حجة، وأن أبا طالب كان وصيه(40)





وقال المجلسي: بل كان من أوصياء إبراهيم(41)






وفي روضة الواعظين: أن جابراً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: يقولون إن أبا طالب مات كافراً؟!





قال صلى الله عليه وآله: يا جابر، الله أعلم بالغيب! إنه لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار، فقلت: إلهي، ما هذه الأنوار؟!





فقال: يا محمد، هذا عبد المطلب، وهذا أبو طالب، وهذا أبوك عبدالله، وهذا أخوك طالب.





فقلت: إلهي وسيدي، فيم نالوا هذه الدرجة؟!





قال: بكتمانهم الإيمان، وإظهارهم الكفر، وصبرهم على ذلك حتى ماتوا(42)









أبو طالب عليه السلام كفيل النبي صلى الله عليه وآله:





وقد روي: أنه لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث أياماً ليس له لبن، فألقاه أبو طالب عليه السلام على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبناً فرضع أياماً، حتى جاءت حليمة السعدية فدفعه إليها(43)





وقالوا: إنه في كفالته لرسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يفارقه ساعة من ليل ولا نهار، وينيمه في فراشه، وكان إذا أراد أن يعشي أولاده

ويغذيهم يقول: كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فيأكل معهم فيبقى الطعام(44)





ولما حضرت عبد المطلب الوفاة، دفع النبي صلى الله عليه وآله إلى أبي طالب عليه السلام، وطلب منه أن يحفظه فيه، فقال له أبو طالب:





يا أبه، لا توصني بمحمد، فإنه ابني، وابن أخي..





فلما توفي عبد المطلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة، والكسوة على نفسه، وعلى جميع أهله(45)









إني مقتول:





وكان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله إذا أخذ مضجعه، ونامت العيون، جاءه أبو طالب عليه السلام، فأنهضه صلى الله عليه وآله عن مضجعه، وأضجع الإمام علياً عليه السلام مكانه، ووكل عليه ولده، وولد أخيه.





فقال الإمام علي عليه السلام: يا أبتاه، إني مقتول ذات ليلة.





فقال أبو طالب عليه السلام:









  • إصبرن يا بني، فالصبر أحجى
    قد بلوناك والبلاء شديد
    إن تصبك المنون بالنبل تترى
    فمصيب منها وغير مصيب



  • كل حي مصيره لشعوب
    لفداء النجيب، وابن النجيب
    فمصيب منها وغير مصيب
    فمصيب منها وغير مصيب












  • كل حي وإن تطاول عمراً
    آخذ من سهامها بنصيب



  • آخذ من سهامها بنصيب
    آخذ من سهامها بنصيب






فقال الإمام علي عليه السلام:









  • أتأمرني بالصبر في نصر أحمد
    ولكنني أحببت أن تر نصرتي
    وسعيي لوجه الله في نصر أحمد
    نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعاً(46)



  • ووالله ما قلت الذي قلت جازعاً
    وتعلم أني لم أزل لك طائعاً
    نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعاً(46)
    نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعاً(46)






وقال الإمام علي عليه السلام أيضاً بعد ذلك:









  • وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى
    رسول إله الخلق إذ مكروا به
    وبت أراعيهم وهم يثبتونني
    وبات رسول الله في الشعب آمناً
    أردت به نصر الإله تبتلاً
    وأضمرته حتى أوسد في قبري(47)



  • ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
    فنجاه ذو الطول الكريم من المكر
    وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
    وذلك في حفظ الإله وفي ستر
    وأضمرته حتى أوسد في قبري(47)
    وأضمرته حتى أوسد في قبري(47)






وحين أَخبَرَ الإمام علي عليه السلام أباه بأنه قد أسلم على يد

الرسول صلى الله عليه وآله، قال أبو طالب عليه السلام:





أما إنه لا يدعو إلا إلى خير، فالزمه(48)





وقال لولده الإمام علي عليه السلام حينما أخبره أنه يريد أن يتبع الرسول صلى الله عليه وآله:





يا ولدي، تعلم أن محمداً والله أمين منذ كان، امض واتبعه ترشد وتفلح، وتشهد(49)





ويقول عليه السلام: إنه لما رآه أبو طالب عليه السلام هو والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله ساجدين.





قال: افعلتماها؟





ثم أخذ بيدي، فقال: انظر كيف تنصره، وجعل يرغبني في ذلك، ويحضني عليه(50)





ثم إنه هو الذي أمر جعفراً وحمزة بالإسلام، وأمر زوجته فاطمة بنت أسد بأن تسلم أيضاً(51)










وصية أبي طالب عليه السلام لقريش:





قال في بلوغ الإرب:





عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة، جمع إليه وجوه قريش، فأوصاهم، فقال:





«يا معشر قريش، أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب، فيكم السيد المطاع، وفيكم المقدام الشجاع، والواسع الباع..





واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه، ولا شرفاً إلا أدركتموه، فلكم بذلك على الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب، وعلى حربكم إلب..





وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ فإن فيها مرضاة للرب، قوةً للمعاش، وثباتاً للوطأة، صلوا أرحامكم، فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل، وزيادة في العدد..





اتركوا البغي والعقوق، ففيهما هلكت القرون قبلكم.





أجيبوا الداعي، واعطوا السائل، فإن فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، فإن فيهما محبة في الخاص، ومكرمة في العام..





وإني أوصيكم بمحمد خيراً، فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاءنا بأمر قبله الجنان، وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل الأطراف، والمستضعفين من الناس، قد أجابوا دعوته وصدقوا

كلمته، وعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً، إذ أعظمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصفت له بلادها، وأعطته قيادها..





يا معشر قريش، كونوا له ولاة، ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة، وفي أجلي تأخير، لكففت عنه الهزاهز، ولدفعت عنه الدواهي»..





هذا ما جاء في بلوغ الإرب، وزاد في روضة الواعظين قوله:





«غير أني أشهد بشهادته، وأعظم مقالته»(52)






/ 8