مرّةً أخرى : ما معنى الاستطاعة ؟ - ما هی الإستطاعة، ومن هو المستطیع؟ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ما هی الإستطاعة، ومن هو المستطیع؟ - نسخه متنی

السید جعفر الشهیدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



مرّةً أخرى : ما معنى الاستطاعة ؟


تحدّثنا في
مطلع البحث عن الاستطاعة ، وذكرنا أنّ معاييرها في البحث الفقهي ترتكز على
إحراز القدرة المالية والبدنية اللازمتين ، وضمن ما هو محدَّد في الكتب
الفقهية . بيد أنَّ ما نحتاج الى تحصيله قبل ذلك هو استطاعة من نوع آخر لا
تختصّ بزائري بيت الله ، وإنما يتوجب على كلّ مسلم أن يحرزها في شخصيته
ووجوده .

هذه
الاستطاعة التي نعنيها تتفرع الى :

1 ـ استطاعة علمية : ويمكن تلخيص مؤدّاها
بالسؤال التالي : ماذا عليّ أن أعمل ؟

2 ـ استطاعة أخلاقية : ويمكن تلخيص
محتواها بالقول : ما هو السبيل لتطبيق ما أعرفه ؟

إنَّ شريعةً
ينطوي تُراثُها المعرفي في الأخلاق العملية على كُتب من قبيل : المحجة
البيضاء ، وإحياء علوم الدين ، ومعراج السعادة ، وكيمياء السعادة ، والمقامات
العلية ، وعشرات الكتب الأخلاقية الأخرى ; وإنَّ ديناً أوجب على المسلمين
كافة طلب العلم ; حريٌّ أن يدفع كلّ مسلم إلى التوافر على الاستطاعة في
بُعدَيْها العلمي والأخلاقي ، في فترة تسبق مرحلة البلوغ والتكليف الشرعي ،
أو أن يُحرز على الأقل مقدمات تحصيلهما تدريجياً في فترة زمنية لا تطول
كثيراً . بيدَ أنَّ الذي يبعث على الأسف هو أنَّ الكثير من المسلمين لم يهتم
بهذين البعدين .

فالإنسان
المسلم الاعتيادي يبلغ في العادة مرحلة الاستطاعة المالية حين يتجاوز أكثر من
نصف عمره ، أي في عمر يتعدى في الأغلب الأربعين . وحينئذ يبدأ بالتفكير في
تعلّم أحكام الحجّ ، ثم لا يقدم لذلك أكثر من ساعات معينة في أيام معدودة
!

إننا نعرف
جميعاً أنَّ التعلّم في هذه السنّ المتأخرة يتّسم بصعوبة كبيرة ، ومهما بذل
السادة العلماء الذين يُرافقون قوافل الحجيج من جهد ، فانَّ المسألة تبقى
أقرب إلى المستحيل خصوصاً إذا أضفنا الى ذلك ، أنَّ المهمة لا تقتصر على
تعلّم مناسك الحجّ وحدها ، وإنّما يتبعها ـ أيضاً ـ تعلّم القراءة والأجزاء
الأخرى في الصلاة الواجبة ، وكأنَّ الصلاة أصبحت ـ الآن ـ واجبةً على أمثال
هؤلاء ، ولم تكن كذلك قبل إحراز الاستطاعة المالية للحج .

يجب
أن نعي جيداً ; أنَّ التجربة العملية ، أثبتت صعوبة أن يتعلّم غيرِ العربي
النطق بحروف العربية من مخارجها الصحيحة ، حين تتصلب بشكل نهائي أوتارُ
حنجرته الصوتية في السنة الخامسة عشرة فما بعد ; لذلك تذهب هباءً جهود
العلماء الأفاضل ، في أن يتعلّم هذا المسلم ـ غير العربي ـ الذي مرَّ من عمره
سبعون عاماً ، على أداء معيّن للّغة ، أداء الحروف بشكلها العربي الصحيح ،
بحيث ينطق ـ مثلا ـ « أنَّ الحمد والنعمة » بصورة سليمة لا تستبدل الحاء
بالهاء ولا تستبدل الضاد في « ولا الضالين » بالزاء مثلا .

أما
لو كانت مهمة تعلّم القراءة الصحيحة ، والأحكام الشرعية ، قد بدأت مع مرحلة
البلوغ الشرعي ، وترافقت وإيّاها ، فمن المستبعد أن تظهر نظائر هذه المصاعب
في المستقبل .

علينا أن
نذعن أنَّ مدى اهتمامنا بأحكام وآداب ديننا الحنيف ، هو دليل يكشف بوضوح
مقدار ارتباطنا بهذا الدين ، وصلتنا الحقيقية به . فما نراه من أعمال بعض
الحجّاج وسلوكهم في مكّة والمدينة ، يكشف بوضوح ضآلة وعيهم الديني ، وسطحية
ما يعرفونه من معارف دينهم ، وأحكامه وآدابه . وهذه الحالة بدورها دالة على
عدم اعتناء المجتمع الإسلامي بالإسلام ، فيما ينطوي عليه نظامُه التشريعي من
فقه وأحكام ، بالإضافة إلى الجهل بنظامه الأخلاقي .

إنّ
ما يبعث على الأسف أكثر ، هو جهل الكثير من الحجاج بوضع البلد (الحجاز) وما
تكتنف مجتمعه من تقاليد وآداب ، وما تسوده من معايير وضوابط. بالإضافة إلى
الجهل بالمواقع التي يجب أن تزار ، والآداب الخاصة بهذه
الأماكن .

أمّا أن
يرتقي الوعي الى مستوى الإحاطة بالوضع الاقتصادي ، والموقع الجغرافي للحجاز ،
والحرمين الشريفين ، مقارنة بالبلدان الإسلاميّة الأخرى ، فهذه لا تعدو أن
تكون ـ بالنسبة لعامة الحجيج ـ سوى أمنية بعيدة المنال !

إنَّ ما يفضي
اليه الجهل بالآداب السائدة في المجتمع الحجازي ; لا يقل في آثاره السلبية ،
عن النتائج المترتبة على الجهل بأحكام الحجّ ومناسكه نفسها .

فلو
افترضنا أن تاجراً أراد أن يبيع سلعاً لا يتجاوز ثمنها الكلّي قيمةَ ما يصرفه
حاج واحد في الحجاز ، لقام أولا باستطلاع السوق ، والتعرف على حاجاته وأحاط
بوضع السلعة وبسبيل انتاجها ، وكيفية استهلاكها وهكذا ! فلماذا لا يكون حال
الحجّاج حال هذا التاجر ؟

إنَّ سلوك
الحجاج في السنوات الأخيرة ، الذي ينبغي أن يعكس مستوى وعيهم الديني ، ودرجة
معرفتهم بأحكام الإسلام ، ومدى التزامهم باخلاقياته ، كشف للأسف عن اهتمام
مميَّز بالسلع والبضائع ، وبهذا افترق سلوكهم ـ الى حد كبير ـ عن منهج أئمتنا
وسلوكهم ، وما يتوقعونه منّا خصوصاً في سفر الحجّ !

لقد
دأبت الصحف على أن تنشر أحياناً بعض مصاديق السلوكيات الخاطئة للحجاج ،
وتوجّه اللوم اليهم ، بيد أنّي شخصياً لا أميل الى لومِ هؤلاء الحجاج ، بقدر
ما أميل الى تحميل نفسي وأمثالي مسؤوليّة التقصير عن تعليم هؤلاء
.

وبعد ، فإنَّ
الصورة تبدو واسعة متعدّدة الجوانب والأبعاد ، فبعض الحجّاج ذهب إلى الحجّ ،
وعاد دون أن يدرك شيئاً ، بل إنَّ بعضهم يجهل ـ حقاً ـ الأماكن التي ذهب
اليها ، وبعضهم لا يستطيع أن يشير لك على مواقع مكّة والمدينة على الخريطة
الجغرافية ، فضلا عن أن يحيط بأوضاع هاتين المدينتين قبل الإسلام ، وما
أصابهما من تغيرات بظهور الإسلام .

إن
مقتضى كون الحجّ ركناً من أركان الإسلام ، هو أن نبني ممارستنا للفريضة على
قواعد رؤية ثابتة مستقرة .. وكونه عبادة ، علينا في ممارستها أن نحذر الوقوع
في المحظور ، فمع المحظور يصعب التكليف . وما نلاحظه في واقع الممارسة
العملية هو أنّه لا تكاد تخلو سنة من السنين من ظهور صعوبات أمام الحجاج ،
وقد تتجاوز المسألة حدود الصعوبات الى ما هو أفدح من ذلك ، كما حصل بالنسبة
لبعض الفجائع المرعبة التي عاصرناها !

/ 5