الاِمام يتعلّم على يد مأمومه - بحوث فی الملل والنحل جلد 8

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحوث فی الملل والنحل - جلد 8

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید









الاِمام يتعلّم على يد مأمومه



قال الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر مصطفى غالب: وسموّه يجيد اللغات
الشرقية والغربية من الهندية والفارسية والعربية والتركية، والانكليزية والفرنسية
والاِيطالية والاَلمانية، وغيرها من اللغات العديدة، كلُّ هذا بدون أن يدخل أيَّ
مدرسة أو يتلّقى علومه في أيّ معهد، وقد تلقّى تعليمه الاَوّل على أيدي والدته
التي علّمته تعليماً صحيحاً، فجعلته يتقن اللغات الاَُوروبية والعربية والفارسية. (1)


وقال عارف تامر: وتوفي والده علي شاه، وهو في الثامنة من عمره، فاجتمع
به رجال الدعوة الاِسماعيليّة في الهند، وسلّموه شوَون الاِمامة باحتفال مهيب.
وكان هذا من الاَسباب التي حفّزت والدته على مضاعفة السهر على حياته،
وإحضار المربّين الاختصاصين، والاَساتذة الماهرين ، عملوا على تدريسه اللغات
الاَجنبية والفارسية والعربية. (2)


و هنا نقطة جديرة بالاِمعان وهي أنّالثابت في عقيدتهم أنّ الاِمام منصوص
لا يتلقّى العلم إلاّ عن الغيب فعلمه لدني.


فلا أدري ما هذا الاِمام. الذي يتلقّى العلم عن مأمومه، وهل الاِمام ذو العلم
اللدني بحاجة إلى دخول المدارس البشرية، وتعلّم اللغات والعلوم وغير ذلك.


وفي يوم الخميس الساعة الثانية ظهراً الحادي عشر من تموز سنة 1957م
الموافـق (1377هـ) توفي الآغا خان في قصره بسويسرا، ونقل جثمانه جوّاً إلى
أسوان بمصر. ودفن في المقبرة التي شرع بتشييدها على رأس ربوة الجبل الاَصفر
غرب مدينة أسوان في مصر. (3)
1. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية:351.


2. عارف تامر: الاِمامة في الاِسلام:234.


3. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية:392.



و لما توفي آغا خان الثالث في سويسرا توجه زعماء الاِسماعيلية من
مختلف أنحاء العالم إلى مقر الآغا خان في قصر بركان، حيث حضروا فتح وصيّة
الاِمام الراحل التي كانت مودعة في بنك (لويدز) في بريطانيا.


واستناداً إلى هذه الوصية فقد تم إعلان إمامة كريم بن علي شاه الحسيني،
ولُقّب بآغا خان الرابع. (1)


و من الطريف بالذكر هو أنّالاِمام آغا خان الثالث قد عهد بالاِمامة لابنه
الاَمير على خان في حياته، يقول مصطفى غالب: أصبح الاَمير علي خان وليّاً لعهد
الاِمامة الاِسماعيليّة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1927 ميلادية
وجرت احتفالات عظيمة بهذه المناسبة، عمّت جميع البلدان الاِسماعيليّة. (2)


وقد خاب أمل الاَمير علي خان لما فُتحت وصيّة والده التي كانت مُودعة في
بنك (لويدز) في بريطانيا والتي تنصُّ على إمامة حفيده كريم بن علي شاه
الحسيني (آغا خان الرابع)، ولا أجد تفسيراً لها إلاّبنشوب الخلافات بينهما.


و ممّا جاء في وصيته التي أبطل بها إ مامة ابنه:


و نظراً إلى الظروف التي تغيّرت تغيّراً أساسياً في العالم في السنوات
الاَخيرة، ونظراً للتغيّـرات الكبرى التي وقعت، ومن بينها اكتشاف العلوم الذرية،
فإنّي على يقين أنّمصلحة الطائفة الاِسماعيليّة تقتضي أن يخلفني شابٌ نشأ
وترعرع في السنوات الاَخيرة وسط هذا العصر الحديث، وأن تكون له نظرةٌ
جديدة للحياة عند تولّي زعامة الطائفة الاِسماعيليّة، لذلك أختار حفيدي كريم
خان، ليكون خليفة لي وزعيماً للطائفة من بعدي. (3)
1. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية: 402ـ403.


2. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية :393.


3. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية:402.



وقد توفي ولده علي خان المعزول في الخامس عشر من ذي القعدة سنة
1380 هجرية، بحادث اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه، ودفن جثمانه
موَقتاً في قصره الخاص في نويللي بفرنسا، ريثما يتم نقله إلى مقرّه الاَخير في
سلَمية سوريا تنفيذاًلوصيته.


فالاِمام الحاضر للاِسماعيليّة هو كريم حفيد (آغا خان الثالث) لا ولده.


كريم بن علي بن محمد



آغا خان الرابع



ولد سنة 1938 م في مدينة جنيف بسويسرا، والده هو الاَميرعلي خان
الذي أُقصي عن مركز الاِمامة بموجب وصية والده سلطان محمد شاه (آغا خان
الثـالـث)، وأُمّه هي الاَميرة البريطانية (جون بربارايولد) ابنة اللورد تشارستون،
تلقّى علومه الاَوّلية في مدارس سويسرا، فأتقن الانكليزية والفرنسية والاِسبانية،
كما درس اللغة العربية، وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة
(هارفرد الاَميركية).


كان كثير التنقل والاَسفار، يمارس الرياضة الصعبة، وقد نجا مرتين من
حادثتي اصطدام مروعتين، ويولي الشوَون الاقتصادية والمالية اهتمامه، ويتجنّب
الخوض ببحر السياسة. كما ويقوم بزيارة لاِفريقية وسوريا ولبنان وإيران في العام،
لتفقد شوَون أتباعه ومعالجة قضاياهم. وهو لا يزال حيّاً يرزق. (1)


هوَلاء أئمّة النزاريّة القاسمية الآغاخانية، وهم الفرقة المنحصرة باستمرار
الاِمامة في أولاد إسماعيل، وفق المذهب الاِسماعيلي، فاللّه سبحانه يعلم هل
تستمر الاِمامة بعد رحيله أوتدخل في كهف الغيبة.


1. الاِمامة في الاِسلام:237؛ وتاريخ الدعوة الاِسماعيلية:403.






الفصل العاشر


في


الاِسماعيلية والاَصول الخمسة





الاِسلام عقيدة وشريعة، والاِسماعيليّة كغيرها من المذاهب الاِسلاميّة لها
أُصول، وفروع، أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمهاتها، وكفى في
الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي باسم
«دعائم الاِسلام». نعم، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلِّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً،
ولهم موَلفات خاصّة في تأويل الظواهر الفرعيّة،وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً
باسم «تأويل الدعائم» وسيمر عليك بعض تأويلاتهم في هذا المجال.


إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم التي بنوا مذهبهم عليها، والعثور عليها
أمر مشكل جدّاً وذلك لوجوه:


الاَوّل: الظنّة بكتبهم والتستر عليها وإخفائها وعدم جعلها تحت متناول
أيدي الآخرين، وأن فرض عليهم الوضع الراهن كسرطوق التكتم، وإزاحة الستار
عن بعض الكتب، والفضل يعود إلى غيرهم، فلو كان الاَمر بيد دعاتهم وعلمائهم
لما سمحوا بذلك، ولَما وصلت بأيدينا تلك الكتب.


الثاني: اتخاذ الفلسفة اليونانية عماداً وسنداً للمذهب، فأدخلوا فيه أشياء
كثيرةً ممّا لا صلة لها بباب العقائد والاَُصول، ولا يضر الاعتقاد بها أو بعدمها، ولا
يضرّه جهلها فالقول بالعقول العشرة، والاَفلاك التسعة ونفوسها، وأنّ الصادر
الاَوّل هو العقل إلى أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر، فروض فلسفيّة طُرحت
لحل مشكلة (امتناع صدور الكثيرعن الواحد)، وهذه المباحث على فرض
صحتها تختص بذوي المواهب الكبيرة في مجال الفكر، فإدخالها في المذهب
والدعوة إليها، إلزام بلا ملزم.



الثالث: أنّ المذهب الاِسماعيلي، لم يكن في بدء ظهوره مذهباً منسقاً، وإنّما
تكامل حسب مرّ السنين، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانية،
وحسب أذواقهم في مجال التأويل، وهذا أمر مسلّم بينهم، يقول الكاتب
الاِسماعيلي مصطفى غالب:


إنّالعقائد الاِسماعيلية لا يمكن دراستها وبحثها على أنّها عقائد ثابتة لفرقة
موحّدة، وذلك أنّها عقائد تطورت حسب البيئات والاَزمان، واختلفت باختلافها،
وتشعّبت آراوَها ونظرياتها، حتى أصبح من الصعب أن تبلور هذه العقائد، أو أن
تُصهر في بوتقة واحدة. (1)


وقد اعتمدنا من بين كتبهم العقائديّة على كتابين هما:


1. «راحة العقل»: تأليف الداعي في عهد الحاكم، أعني: حميد الدين أحمد
ابن عبد اللّه الكرماني، الملقّب بحجة العراقين، وكبير دعاة الاِسماعيليّة في جزيرة
العراق، وصاحب الموَلّفات العديدة في المذهب الاِسماعيلي، ألّفه عام (411هـ)،
وقد عاصر الفيلسوف الاِسلامي الكبير ابن سينا (373ـ427هـ) ومن المعلوم أنّ
هذا العصر وما قبله عصر إزدهار الفلسفة اليونانية، فقد قام المسلمون وغيرهم
بترجمة تلك الفلسفة وشرحها وتحقيقها.


وقد وضع الداعي كتابه هذا على غرار ما أُثر من الفلسفة، وأدخل فيه شيئاً
ممّا لا يمت إلى المذهب بصلة، فإنّ أكثر مباحثه مسائل فلسفية بحتة، أو طبيعية، لا
ارتباط لها بصميم المذهب.و يتجلّى ذلك بوضوح حينما يقوم الداعي الكرماني
في ترسيم عوالم الخلقة.


إنّ الكتاب لا ينقسم إلى أبواب أو مقالات، ولا تشتمل أبوابه أو مقالاته على
فصول على نحو ماجرت به العادة في تقسيم الكتب،و إنّما ينقسم إلى أسوار،


1. كنز الولد: 7 ، قسم المقدمة.



ويندرج تحت كلّ سور عدّة مشارع، هي من السور بمنزلة الاَجزاء من البلد الذي
يحيط به السور.


فكان مثل «راحة العقل» كمثل المدينة،و السور بمنزلة الاَبواب، والمشارع
بمنزلة الفصول، ولكن عدد الاَسوار، التي يشتمل عليها الكتاب سبعة، يدخل في
نطاق كلّ منها سبعة مشارع، فتكون عدد المشارع تسعة وأربعين مشرعاً.


ولكنّ تتمة لما ينطوي عليه منهجه في تقسيم الكتاب من معاني التأويل
والمتقابلات قد زاد على هذه المشارع (التسعة والاَربعين) سبعة مشارع أُخرى.


وإنّما كانت الاَسوار سبعة مقابلة بينها وبين السيارات السبع، وهي: زحل،
والمشتري، والمريخ، والشمس، والزهرة، وعطارد، والقمر.


يقول الداعي: فجعلنا أسواره سبعة بإزاء السيارات منها الموَثرة في المواليد
الجسمانية القائمة في الدين تأويلاً، حيال بيوت أنوار اللّه أصحاب الاَدوار السبعة
الموَثّرين في المواليد النفسانية. وجعلنا مشارع أسواره تسعة وأربعين مشرعاً،
بإزاء محيط الاَفلاك صغاراً وكباراً المحركة لما دونها من الاَجسام. (1)


وقد طبع لاَوّل مرّة بالقاهرة بتحقيق الدكتور محمد كامل حسين والدكتور
محمد مصطفى حلمي، ونشرته دار الفكر العربي بالقاهرة عام 1371 هـ، وأُعيد
طبعه ثانياً بتحقيق مصطفى غالب الذي هو من كتّاب الاِسماعيلية نشره عام
1967م.


2. «تاج العقائد ومعدن الفوائد»، تأليف الداعي الاِسماعيلي اليمني المطلق،
علي بن محمد الوليد (522ـ612هـ) حقّقه عارف تامر، ونشرته دار المشرق
بيروت، وهذا الكتاب أسهل فهماً وأحسن تعبيراً في بيان عقائد الاِسماعيلية.


1. راحة العقل:25، ولاحظ المقدمة :10.



و نحن نعتمد على هذين الكتابين ـ مع البون الشاسع بينهما ـ في بيان
الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق، دون أن نذكر المشتركات، فانّ دراسة
الجميع توَدي إلى أن يطول بنا الكلام، والهدف تسليط الضوء على عقائدهم عن
كثب، وربّما نعتمد على غير هذين الكتابين عند اقتضاء الحال.



الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة





عقيدتهم في التوحيد



1. عقيدتهم في توحيده سبحانه، أنّه واحد لا مثل له ولا
ضد:



يقول الكرماني في المشرع الخامس: إنّه تعالى لا ضد له ولا مثل (1) ثمّ
يستدل عليه.


ويقول علي بن محمد الوليد (الداعي الاِسماعيلي اليمني): إنّه تعالى واحد
لا من عدد، ولا يُعتقد فيه كثرة، أو إزدواج أشكال المخلوقات، واختلاف البسائط
والمركبات (2) ثمّيستدل عليه.


و يقول أحد الدعاة الاِسماعيلية في قصيدة له في العقائد:





  • الحمد للّه القديم الاَزلي
    باري البرايا الدائم الفرد الصمد
    والجاعل الواحد أصلاً للعدد (3)



  • المبدع العالي معلِّ العلل
    والجاعل الواحد أصلاً للعدد (3)
    والجاعل الواحد أصلاً للعدد (3)



1. راحة العقل:47.


2. علي بن محمد الوليد: تاج العقائد ومعدن الفوائد:21.


3. القصيدة الشافية:1.



2. انّه سبحانه ليس أيسا:



إنّالاَيس بمعنى الوجود، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفيلسوف الكندي،
وقد اشتهر في الفلسفة الاِسلاميّة أنّالممكن من ذاته أن يكون ليس، ومن علّته أن
يكون أيس، وإن كانت هذه الكلمة في التعبير عن مكانة الممكن تعبيراً غير دقيق،
لاَنّ معناه ، أنّالممكن من ذاته يقتضي العدمَ، وهذه علامة الممتنع لا الممكن،
فالممكن لا يقتضي من صميم ذاته أحدَ الشيئين، الاَيس والليس.


وعلى كلّ تقدير فهوَلاء يستنكرون وصفه سبحانه بالاَيس، المرادف
للوجود.


وقد استدل عليه الداعي الكرماني بوجه مبسّط نأخذ منه ماله صلة بصميم
الموضوع، وحاصل ما ذكره يرجع إلى أمرين:


الاَوّل: لمّا كان الاَيس ـ في كونه أيساً ـ محتاجاً إلى ما يستند إليه في
الوجود، وكان هو ـ عزّ كبرياوَه ـ متعالياً عن الحاجة فيما هوهو إلى غير، به يتعلق،
مابه هوهو، كان من ذلك الحكم، بأنّه تعالى خارج عن أن يكون أيساً، لتعلّق كون
الاَيس أيساً بالذي يتأوّل عليه الذي جعله أيساً، واستحالة الاَمر في أن يكون هو
تعالى أيساً، ولا هو يحتاج فيما هوهو إلى غير به هوهو، فيستند إليه، تكبّر عن
ذلك وتعزّز وتعالى علوّاً كبيراً.


فإذا كان هو عزّوعلا غير محتاج فيما هوهو إلى غير، به يتعلّق ، ما به هوهو،
فمحال كونه أيسا.


وحاصل هذا الوجه مع تعقيده في التعبير، يرجع إلى أمر واضح، وهو أنّه
لوكان موصوفاً بالوجود، فبما أنّالصفة غير الموصوف، يحتاج في وصفه به إلى
الغير، وهو تعالى غني عمّا سواه.


ولو كان ما جاء به الكرماني مذهباً للاِسماعيليّة فهو يُعرب عن عدم نضوج
الفلسفة اليونانية في أوساطهم، فهوَلاء يتصوّرون أنّ الوجود أمر عارض على



الواجب، فيبحثون عن مسبب العروض، مع أنّه إذا كان ماهيته انيّته، وكان تقدّست
أسماوَه عين الوجود، فالاستدلال ساقط من رأسه، والمسألة مطروحة في الفلسفة
الاِسلامية على وجه مبسط، وفي ذلك الصدد يقول الحكيم السبزواري:





  • والحقّ ماهيّته إنِّيَّته
    إذ مقتضى العروض معلوليّته



  • إذ مقتضى العروض معلوليّته
    إذ مقتضى العروض معلوليّته



فمن أراد التفصيل فليرجع إلى المصدرين في الهامش. (1)


الثاني: أنّ اللّه تعالى إن كان أيساً، فلا يخلو أن يكون إمّا جوهراً، وإمّا عرضاً.


فإن كان جوهراً، فلا يخلو أن يكون إمّا جسماً أو لا جسماً (المجرد).


فإن كان جسماً، فانقسام ذاته إلى ما به وجودها، يقتضي وجود ما يتقدم
عليه بكون كلّ متكثر مسبوقاً متأوّلاً عليه، وهو يتعالى بسبحانيّته عن أن يتأوّل عليه
غيره.


وإن كان لا جسماً، فلا يخلو أن يكون إمّا قائماً بالقوة مثل الاَنفس، أو قائماً
بالفعل مثل العقول.


فإن كان قائماً بالقوّة، فحاجته إلى ما به يخرج إلى الفعل تقتضي ما يتقدّم
عليه، وهو يتعالى عن ذلك.


وإن كان قائماً بالفعل ، فلا يخلو من أن يكون إمّا فاعلاً في ذاته من غير
حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله، أو فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله.


فإن كان فاعلاً في غير به يتم فعله، فلنقصانه في فعله وحاجته إلى ما يتم به
فعله، تقتضي ما يتأوّل عليه، وهو يتعالى عن ذلك.


وإن كان فاعلاً في ذاته، من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله، فلاستيعاب ذاته
النسب المختلفة بكثرة المعاني المتغايرة، بكونه في ذاته فاعلاً ومفعولاً بذاته،


1. راجع الاَسفار لصدر المتألهين:1|96، باب في أنّ الحق تعالى إنيّة صرفة؛ وشرح المنظومة
للحكيم السبزواري:2|96.



يقتضي ما عنه وجوده الذي لا تكون فيه كثرة ولا قلّة بهذه النسب، وهو يتعالى عن
ذلك.


وإن كان عَرضاً، وكان وجودُ العرض مستنداً إلى وجود ما يتقدم عليه من
الجوهر، الذي به وجوده، وهو يتعالى ويتكبر عن أن تتعلّق هويته بما يتأوّل عليه،
بطل أن يكون عرضاً. (1)


وحاصل هذا الوجه أنّ كونه سبحانه موصوفاً بالاَيس، لا يخلو من صور
أربع:


أ: أن يكون جوهراً جسمانياً.


ب: أن يكون عرضاً.


ج: أن يكون جوهراً مجرداً، قائماً بالقوّة، مثل الاَنفس.


د: أن يكون جوهراً مجرداً قائماً بالفعل، مثل العقول.


الصورة الاَُولى: تستلزم أن يكون موَلّفاً من أجزاء، والاَجزاء متقدّمة على
الكُلّ، فيكون محتاجاً إلى غيره.


و مثلها الصورة الثانية: لحاجة العرض إلى وجود موضوع متقدم عليه.


ومثلها الثالثة:لاَنّه إذا كان قائماً بالقوّة، فيحتاج إلى من يخرجه إلى الفعل،
وأن يكون المخرج متقدّماً عليه، وهو سبحانه غني.


وأمّا الصورة الرابعة: فقد فصّل فيها الكلام ولها شقان:


الاَوّل: أن يكون فاعلاً في ذاته، من غير حاجة إلى غير به يتم فعله، فهذا
يستلزم اجتماع النسب المختلفة في ذاته.


الثاني: أن يكون فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله، فهو يستلزم حاجته إلى ما يتمُّ به
فعله، وهو غني على الاِطلاق.


1. راحة العقل:39ـ40.



والاستدلال مبني على أنّه صوّر للواجب ماهيّة بين كونها جوهراً أو عرضاً،
والجوهر جسماني أو نفساني، أوعقلائي، والفروض كلّها باطلة، لاَنّ القائل بكونه
وجوداً، وأيسا، يقول: هو والوجود متساويان؛ الواجب = الوجود.


ولا يذهب عليك أنّ الفرض الرابع، وهو كونه موجوداً بالفعل مردداً بين
كونه فاعلاً في ذاته، أو فاعلاً في غير، لا يخلو عن تعقيد وغموض.


ثمّ إنّ الداعي ذكرَ وجهاً ثالثاً لعدم كونه سبحانه أيساً، ليس له قيمة تذكر،
فمن أراد فليرجع إليه. (1)


3. في نفي التسمية عنه:



يقول الداعي الاِسماعيلي علي بن محمد الوليد: إنّوضع التسمية عليه
محال، إذ كانت التسمية إنَّما جعلت وسماً يوسم بها المخلوقات، ليكون الخلق بها
فصولاً فصولاً، يتميّز بها كلّ صورة عن الصورة الاَُخرى، حتى ينحفظ كلّ صنف
منها، ويمكن للعقل الحكاية عنها إذا دعت الحاجة إليها، فيكون بذلك ظهور
أشكال العالم في أيّ تسمية وسم بها، وهو متعال، ليس له صورة نفسانية،ولا
عقلية،ولا طبيعيّة،ولا صناعيّة، بل يتعالى بعظيم شأنه، وقوّة سلطانه عن أن يوسم
بما يوسم به أسباب خلقته، وفنون بريته ،و قد اتفقت فحول العلماء على أنّه تعالى
لم يزل ولا شيء معه، لا جوهراً ولا عرضاً. (2)


ولا يذهب عليك، أنّعنوان البحث غير منطبق على ما جاء فيه، فلو كان
العنوان من جانب الموَلّف، وإلاّ فالعنوان يهدف إلى شيء، وما ورد فيه إلى شيء
آخر، فإنّ تسمية اللّه سبحانه أمر اتّفق عليه كافّة أهل التوحيد، ومراده هو نفي


1. راحة العقل:40.


2. علي بن محمد الوليد: تاج العقائد ومعدن الفوائد:26.



الماهيّة، كالجوهرية والعرضية.


كما أنّمراده في بحث آخر في الكتاب، تحت عنوان «في نفي الحدّعنه» هو
نفي كونه متناهياً.


4. نفي الصفات عنه:



إنّنفي الصفات عنه سبحانه، مما اشتهر عن الاِمام أمير الموَمنين - عليه السّلام- في
خطبه، وعنه أخذت المعتزلة، قال - عليه السّلام- : «أوّل الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق
به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاِخلاص له، وكمال الاِخلاص له
نفي الصفات عنه، بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلِّ موصوف أنّه
غير الصفة، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد
جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه،
ومن حدّه فقد عده، ومن قال: «فيم» فقد ضمّنه، ومن قال: «عَلامَ؟» فقد أخلى
منه».(1)


وقد ذهبت الاِماميّة، وقسم من المعتزلة، تبعاً للاَدلة العقليّة، التي أشار إليها
الاِمام في كلامه، بأنّ المرادَنفي الصفات الزائدة عليه، لا نفي الصفات على
الاِطلاق، فاللّه سبحانه علمٌ كلّه، قدرة كلّه، حياة كلّه، وهكذا، لا أنّه شيء، وعلمه
شيء آخر ؛ خلافاً للاَشاعرة، فقد ذهبوا إلى زيادة الصفات على الذات مع كونها
قديمة، فأورد عليهم باستلزامه القول بالقدماء الثمانية.


ولكن الاِسماعيليّة ذهبت إلى نفي الصفات عنه على الاِطلاق، واكتفت في
مقام معرفته سبحانه بالقول بهويته وذاته دون وصفه بصفات، حتى الصفات
الجماليّة والكماليّة، ولهذا نرى أنّ الداعي الكرماني يعترض على المعتزلة الذين


1. نهج البلاغة: الخطبة الاَُولى.



قالوا بنفي الصفات قائلاً:


إنّ المتأمّل المنصف، إذا فحص عن ذلك بفكره، علم أنّ كلاً من المخالفين
قد زيّن مذهبه، بأن عمد في توحيده لمعبوده ما عمدناه، وقصد ما قصدناه، في
استعمال حرف (لا ) في نفي (1)ما يستحق الغير عن اللّه تعالى، خاصّة المعتزلة
الذين صدّروا كتبهم، وزيّنوها بقولهم في أُصول مذهبهم: بأنّ اللّه تعالى لا يوصف
بصفات المخلوقين...و هذا من قولهم، هو أصل مذهبنا، وعليه قاعدة دعوتنا، بأنّنا
لا نقول على اللّه تعالى، ما يقال على المخلوقين، وهو المعتمد في توحيد
معبودنا، والمقصود في أنحاء كلامنا، لكن المعتزلة قالوا بأفواههم قول الموحدين،
واعتقدوا بأفئدتهم اعتقاد الملحدين، بنقضهم قولهم أوّلاً بأنّاللّه لا يوصف
بصفات المخلوقين، بإطلاقهم على اللّه سبحانه وتعالى ما يستحقه غير اللّه تعالى،
من الصفات من القول بأنّه حيٌّ قادرٌ، عالمٌ، وسائر الصفات، نعوذ باللّه. (2)


ويقول علي بن محمد الوليد: إنّنفي الصفات عنه معتقد صحيح، لا يسوغ
تركه، لاَنّ الصفات تلحق الجوهر، إمّا في الاَجسام وإمّا في النفوس، ويكون في
الاَجسام كيفيات من خارجها، كالاَقدار، والاَلوان، وما يجري مجراها، وفي
النفوس كيفيات من داخلها، كالعلم، والجهل، ومايجري هذا المجرى، وهو يتعالى
عن أن يكون له داخل أو خارج.


و ممّا تقرر عند كل ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره، لا من
ذاته، ألا ترى أنّصفات الاَجسام التي هي لها، تأتي من خارجها كالاَقدار والاَلوان،
وما يجري مجراها، وفي النفوس كيفيات من داخلها، كالعلم، والجهل ومايجري
هذا المجرى، وهو يتعالى أن يكون له داخلاً أو خارجاً، ومما تقرر عند كلّ ذي
عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره لا من ذاته. (3)
1. وفي المصدر (النفي)؛ راحة العقل:52.


2. راحة العقل:52ـ53.


3. علي بن محمد الوليد: تاج العقائدو معدن الفوائد:27.



5. الصّادر الاَوّل هو الموصوف بالصفات العليا:



لمّا ذهبت الاِسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه سبحانه، مع أنّ الكتاب والسنّة
مليئان بهما، لم يكن لهم بُد من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الاَوّل، الذي هو
الموجود الاَوّل، وإليه تنتهي الموجودات، وهو الصادر عنه سبحانه بالاِبداع، لا
بالفيض والاِشراق، كما عليه إخوان الصفا. (1)


قال الداعي علي بن محمد الوليد: إنّ الباري تعالى وتقدّس لمّا تعاظم عن
أن يُنال بصفة توجد في الموجودات، لقصور الموجودات عن وصفه بما تستحقه
الاِلهيّة، جعل موجوداً أوّلاً تتعلّق الصفات به، عطفاً ورحمةً ومنّة على عقول عباده
أن تهلك وتضل، إذا لم تستند إلى ما تقف عنده، فتوقع الصفات عليه، فجعل
للعالم مبدأ مبدعاً، وهو الاَوّل في الوجود من مراتب الموجودات، وكان المبدع
حق لوجوده عن المتعالى سبحانه، غاية تنتهي إليها الموجودات.


ثمّإنّه أفاض الكلام في صفاته، وعرّفه بكونه: موجوداً حقاً واحداً،تامّاً، باقياً،
عاقلاً، عالماً، قادراً، حيّاً، فاعلاً.


ثمّ قال: الحياة ذات جامعة لهذه الاَُمور وبها هي فاعلة. (2)


وقال الداعي الكرماني في هذا الصدد:


«فالاِبداع هو الحقّ والحقيقة، وهو الوجود الاَوّل، وهو الموجود الاَوّل،
وهو الوحدة، وهو الواحد، وهو الاَزل، وهو الاَزلي، وهو العقل الاَوّل، وهو
المعقول الاَوّل، وهو العلم، وهو العالم الاَوّل، وهو القدرة، وهو القادر الاَوّل، وهو
الحياة، وهو الحيّ الاَوّل، ذات واحدة، تلحقها هذه الصفات، يستحق بعضها لذاته،
وبعضها بإضافةٍ إلى غيره، من غير أن تكون هناك كثرة بالذات.


1. رسائل اخوان الصفا:3|189، طبعة بيروت.


2. علي بن محمد الوليد: تاج العقائد ومعدن الفوائد:40ـ41.



إلى أن قال: وهذه الاَُمور وجودها له ضروري، لكونه أوّلاً في الوجود
الواجب، احتوائه على أشرف الكمالات وأشرف الموجودات.


إلى أن يقول: وجوهر هذا الاِبداع جوهر الحياة، وعينه عين الحياة، والحياة
متقدمة على سائر هذه الصفات، ولذلك قدَّم اللّه تعالى عند وصفه سمة الحياة في
قوله تعالى: "اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم" (1)فهو متوحّد من جهة كونه إبداعاً
وشيئاً واحداً، ومتكثّر من جهة الموجود فيه من الصفات، على ما بيّناه. (2)


أقول: إنّ المبدع الاَوّل حسب ما يذكرونه هو الاِله الثاني، غير أنّه يفارقه بأنّه
المبدَع بإبداعه سبحانه، وبذلك يفترق عن إله العالمين.


وأعجب منه أنّالكرماني يصفه بأنّه أزليٌّ، ولعلَّ المراد أنّه قديم زماناً وحادثاً
ذاتاً.


على أنّهذا الكلام باطلٌ من أصله، وذلك: لاِمكان وصفه سبحانه
بالاَوصاف الجماليّة، والكماليّة، من دون أن يطرأ على ذاته وصمة النقص، وذلك
بحذف المبادىَ، والاَخذ بالغايات، فهو سبحانه علم، لا بما أنّه كيف، بل بما هو
وجود بحت، وأنّ الوصف ربَّما يكون له من الكمال على حدٍّ يكون قائماً بذاته لا
طارئاً على الذات، وما يلاحظ من المباينة بين الوصف والموصوف، فإنّما هو من
خصوصيات المورد أيْ الممكنات، ولا يجب أن يكون كلّ وصف كذلك.


1. البقرة:255.


2. راحة العقل: 83، طبعة القاهرة.



الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة





عقيدتهم في العدل



قد تعرّفت في البحث السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف،
ويعتقدون أنّه فوق الوصف، وأنّغاية التوحيد نفي الوصف، وإثبات الهوية، ولهذا
لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا، ولكن يمكن
استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الاِنسان، وهل هو
إنسان مسيّر أو مخيّر؟


1. الاِنسان مخيّر لا مسيّر



يقول الداعي علي بن محمد الوليد: الاِنسان مجبور في حال تركيبه، ورزقه،
ومدّته، وحركات طبائعه، والكيان بنشوئه، ومايحدث عليه مقهور عليه مغيّب عن
إدراكه وعيانه، ليكون مفتقراً بالدعاء والتضرّع إلى خالقه، إذ لو كشف له لفسد
حاله.و مخيّـر غير مجبور فيما يعتقد لنفسه، من علومه، وصناعته، ومذاهبه، و
معتقداته.


إلى أن قال: ولولا ذلك لما كانت لها منفعة بإرسال الرسل، وقبول العلم،
وتلقي الفوائد والانصياع لاَوامر اللّه تعالى، إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ
شيء تستفيده.


ثمّ استدلّ بآيات منها قوله تعالى: "وَ أَنْ لَيْسَ لِلاِِنْسانِ إِلاّما سَعى* وَ أَنَّ
سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى" (1)إلى غير ذلك من الآيات. (2)
1. النجم: 39ـ40.


2. تاج العقائد: 166ـ 168.



2. القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار



إنّ القضاء والقدر من العقائد الاِسلاميّة التي لا محيص لمسلم عن الاعتقاد
بهما، غير أنّ البحث فيهما ينصّب على نكتة مهمة وهي هل أنّهما يسلبان الاختيار
أو لا ؟


فالظاهر من أهل السنّة، إلاّمَنْ شذَّ، تفسيرهما على وجه يسلبان الاختيار،
على خلاف ما ذهبت إليه العدليّة.


والاِسماعيليّة تُثبت القضاء والقدر حقيقةً لا مجازاً، ولكنها تُنفي كونهما
سالبين للاختيار.


يقول الداعي علي بن محمد الوليد: القضاء والقدر حقيقة لا مجاز، ولهما
في الخلق أحوال على ما رتب الفاعل سبحانه، من غير جبر يلزم النفوس الآدمية
الدخول إلى النار أو الجنة.


إلى أن قال:إذ لو كان كذلك لذهبت النبوات والاَوامر المسطورات في
الكتب المنزّلة، في ذم قوم على ما اقترفوه، ومدح قوم على ما فعلوه.


ثمّإنّه فسّر القضاء بمعنى الفراغ، والاَمر، والخبر، والفعل، والوصيّة، وأرجع
الجميع إلى معنى الفراغ.


وأمّا القدر: فقد فسّـره بأنّه من المقدار، والتقدير، والترتيب، ثمّ جعل له
تفاسير ثمانية، ومن أراد فليرجع إليه. (1)


وقد نقل في آخر الفصل رسالة الحسن البصري إلى الحسين بن علي
عليمها السّلام يسأله عن القضاء والقدر، كما نقل جواب الاِمام إليه، وقد جاءت
هذه الرسالة أيضاً في كتاب «تحف العقول» للحلبي الحراني مع اختلاف يسير.


1. تاج العقائد: 179.



الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة





عقيدتهم في النبوة



1. النبوّة أعلى درجات البشر



النبوّة :عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لاَن يتحمل الوحي.


يقول الداعي علي بن محمد الوليد: إنّالرسول الحائز لرتبة الرسالة، لا
ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله ولا علماً يخرج عن علمه، وأنّه الذي به تكون
سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره، وأنّ السعادة الفلكيّة، والاَشخاص العاليّة،
والموَثرات، خدم له في زمانه.


والوجود مكشوف له، وبين يديه، فنظره ثاقب، وإحاطته كلّية، وحدود
أوضاعه مبرّأة من النقص، وجميع ما يأتي به محرر، لا يحتاج إلى زيادة، وأقواله لا
تردّ، ولا يوجد فيما ينطق به خلل، وجوهره المقدّس نهاية في الشرف، وأنّ القوة
الملكية عليه أغلب وحواسه خادمة لنفسه، وعقله لا ينظر إلاّإلى أوامر اللّه تعالى
خالقه، وأنّه في نهاية من المنازل من مولودات العالم في حسنه. (1)


2. الرسالة الخاصة والعامة



إنّ الرسالة على ضربين: خاصّة، وعامّة.


1. تاج العقائد:57ـ 58.



فالرسالة العامّة شاملة طبعاً، وعقلاً، ولولا الرسالة الاَُولى العامّة، لن تُقبل
الرسالة الخاصّة، وذلك لاَنّه تعالى خلق الصورة الآدميّة، وأكمل منافعها، وسوّاها
على أحسنِ هيئة، ووضع فيها العقل الغريزي، الذي إليه ترجع أحوال الصورة لنيل
منافعها، فهو الرسول الاَوّل المُعدُّ لقبول أمر الرسول الثاني، الخاص لمنافع النفس
في الآخرة، مثلما كان الاَوّل لمنافع الدنيا، وعلى الاَوّل يعول في الاغتذاء، وطلب
المصالح بغير ثواب ولا عقاب، إذ هو أمرٌ بديهي لمنافع الصورة، وعلى الثاني
يكون الحساب والعقاب، إذ هو أمرٌ ربّانيّ، يدعو إلى دار غير دار الطبيعة.


إلى أن قال:


فإذا أظهر الرسول الرسالة، كانت الفضيلة على المستضيء المنتفع بها،
وذلك القادح هو الرسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم - إلى الخلق وحجّته على أهل زمانه، وهو لسانه
فيهم، وترجمانه في العالم السفلي بأسره، والمتبحّر أبداً في الحكمة. (1)


أقول: إنّتسمية العقل الاِنسانيّ بالرسول لا يخلو من شيء، والاَولى تسميته
بالحُجّة الباطنة، في مقابل الحجّة الظاهرة، الذي هو النبي.


3. الوحي



إنّ الوحي: إلهام خاص بالاَنبياء والمرسلين ،إذا كانت لغاية التشريع، وتبيين
الوظائف لمن بعثوا إليهم، وله طرق ثلاثة، جاء في الذكر الحكيم، قال سبحانه:


"وَ ما كانَلِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَرَسُولاً
فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ".(2)
1. تاج العقائد: 48ـ50.


2. الشورى:51.



وأمّا الوحي عند الاِسماعيليّة، فيقول الداعي علي بن محمد الوليد: إنّ
الوحي: هو ما قبلته نفس الرسول من العقل، وقبله العقل من أمر باريه، ولم يخالفه
علم تألفه النفس الناطقة، بقواها، ثمّ تتأمّل منه النفس ما ليس لها استنباطاً بذاتها،
ولا تستخرجه بفكرها، وتكون فيه غاية لسداد قصدها، ومصلحة لجميع أمرها.


إلى أن قال: والفرق بين الوحي وغيره من سائر العلوم، أنّ الوحيَ يرد على
من يوحى إليه مفروغاً منه، قد استغنى عن الزيادة فيه والنقصان منه، كما يقع
الصحيح للمستمع من المتكلم، وصفه ومعناه خارجين عن قدرة من جاء به،
وليس كذلك العلوم، لاَنّها تكون بالمقايسة، وكثرة الذّوبِ فيها، وإعمال الفكر و
الرّويّة والتأليف والتحرير. (1)


ثمّ للداعي الكرماني كلام مفصّلٌ في الوحي لا يخلو من تعقيد. أعرضنا عن
نقله . (2)


4. في أنّالاَنبياء لا يولدون من سِفاح



يقول علي بن محمد الوليد: إنّ الاَنبياء والاَئمّة - عليهم السّلام- لا يلدهم الكفّار ، ولا
يولدون من سِفاح، ثمّ استدلَّ ببعض الآيات، وما جاء في التاريخ في حقّ عبد
المطلب وأبي طالب. (3)


5. في صفات الاَنبياء



يقول الداعي الكرماني: الموَيد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة، التي هي


1. تاج العقائد: 47ـ 48.


2. راجع راحة العقل: 409ـ410.


3. تاج العقائد:51.



أسبابٌ في نيل السعادة الاَبديّة، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في
جميعها، من جودة الفهم والتصوّر لما يشار إليه ويومأ، ومن جَودة الحفظ لما يراه
الخاطر والعين على تباينه، ويدركه السمع من الصوت على اختلافه، ومن جودة
الفِطنة والذكاء والتوقّد فيهما، ومن جودة الذكر، ومن جودة الاَعضاء وسلامتها،
والقدرة على التأنّـي بمعاناة أُمور الحرب ومباشرتها والصبر عليها، ومن جودة
الفطرة والطبع، ومن جودة النحيزة (الخير) في السلامة والانقياد لكلّ خير، فيكون
خالياً من الرذائل، التي هي الشره والطمع والرغبة في المأكول والمشروب
والمنكوح زيادة على الحاجة، واللعب واللهو، وعاطلاً في الجملة، من الاَُمور التي
تعوق على النفس سعادتها.


ويكون عظيم النفس كريماً، محبّاً للعدل، مبغضاً للظلم والجور، موَثراً لما
يعود على النفس منفعته من العبادة، مقداماً في الاَُمور، جسوراً عليها، لا يروعه أمر
في جنب ما يراه صواباً بجوهره. (1)


6. الرسول الناطق



الرسول الناطق، هو الاَصل الذي يصدر عنه الدين بما فيه من علم وعمل،
وبمن فيه من أئمة يدعون إلى التحقّق بكمال العلم عن طريق العبادة الظاهرة. (2)


وفي الحقيقة، الرسولُ الناطق عندهم، عبارة عن أُولي العزم من الرُّسل، غير
أنّهم يعدون آدم منهم، والمشهور عند سائر المسلمين أنّه ليس منهم، ويضيفون
إليهم محمد بن إسماعيل باسم القائم؛ وإليك أسماءهم: آدم، نوح، إبراهيم، موسى،
عيسى، محمد، القائم.


1. راحة العقل:421ـ 422.


2. مصطفى غالب: في مقدمة كتاب الينابيع:17.



وكلّ واحد منهم رسول ناطق، يتقدّمه إمام مقيم ويتلوه الاَئمة الاَساس ـ
المتم ـ المستقر ـ المستودع ـ وهم يتعاملون مع القائم الذي يبتدأ به الدور، أعني:
محمد بن إسماعيل، معاملة الرسول الناطق، ولا يشترط أن يكون في كلّدور إمامٌ
مستودعٌ، فإنّه إنّما يتسلّم شوَون الاِمامة في الظروف الاستثنائية، وكأنّه ينوب عن
الاِمام المستقر كما سيتضح معنى ذلك.


ولا يخفى أنّ في صميم العقائد الاِسماعيليّة تناقضاً وتعارضاً، فمن جانب
نراهم يصرّحون بخاتميّة النبوة والرسالة، وأنّ القرآن حجّة خالدةً إلى يوم القيامة،
وأنّه لا ينسخ القرآن إلاّ بالقرآن. (1)


ومع ذلك فمحمد بن إسماعيل ، المعبّر عنه بالقائم عندهم من النطقاء (2)


ولاَجل إيضاح ذلك سوف نبحث عن عقيدتهم في الاِمامة إن شاء اللّه.


7. في المعجزات التي يأتي بها الرسل



قال علي بن محمد الوليد: إنّ المعجزات التي ترد وقت إظهار الشرائع من
الرسول حقيقية، وإنّها على ثلاثة أقسام:


الاَوّل: خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من
الاَُمور الطبيعية، من ردّ ما في الطبيعة عن قانونه المعهود لقهر العقول، ودخولها
تحت أمر المعقولات، ومن أجله يعلم أنّه متصل بالفاعل، الذي لا يتعذّر عليه متى
أراد، إذ كلّما في العالم لا يتحرك إلاّ بمادته وتدبيره.


الثاني: ما يأتي به الشخص المبعوث من النطق المنسوب إلى من أظهر له
المعجزات، وأعجز كافّة أهل الدور عن الاِتيان بمثله.


1. تاج العقائد: 98.


2. وقد مرّ كلامهم في ذلك ص 92. وما علقنا عليه فلاحظ.



الثالث: جميع الفضائل الموجودة في أشخاص العالم فيه حتى لا يوجد
فوق كماله كمال في وقته. (1)


أقول: إنّ القسم الثاني الذي يريد به القرآن الكريم داخل تحت القسم
الاَوّل، فلا وجه لعدّه قسماً ثانياً.


والقسم الثالث: كمالات النبي، ولا تعدّ معجزة.


8. في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرّسل



يُفضَّلُ رسول اللّه على سائر الرسل والاَنبياء من وجوه، أفضلها الوجوه
التالية:


أ: هو أنّه سبحانه جعل شريعته موَيّدة لا تُنسخ أبداً، وجعل الاِمامة في ذريّته
إلى قيام السّاعة، ولم يُقدَّر ذلك لغيره.


ب: انّاللّه عزّوجلّ أعطاه الشفاعة في الخلق. ولم يعطها إلى نبي قبله.


ج: انّالاَنبياء قبله بطلت معجزاتهم من بعدهم، ومعجزة محمّد - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وهي
«القرآن» ثابتة موَيّدة لا تفنى أبداً إلى حين زوال أحكام الدنيا. (2)


9. في أنّ الشريعة موافقة للحكمة



إنّ الحكمة والفلسفة العقليّة، هي والحكمة الشرعيّة سواء، لاَنّ اللّه سبحانه
خلق في عباده حكماء، وعقلاء، ومحال أن يشرع لهم شرعاً غير محكم وغير
معقول، ولا يبعث برسالته وشرعه إلاّ حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لِما تحتاجه العقول،
ويكلّف لها بما يسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطرها. (3)
1. تاج العقائد: 97.


2. تاج العقائد:59ـ 60.


3. المصدر نفسه: 101.



10. في أنّالشريعة لها ظاهر وباطن



يقول علي بن محمد الوليد: إنّالشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها
من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك، مضّمنة للاَُمور العقليّة
والاَحكام والمعاني الاِلهيّة، وما يتخصص منها من الاَُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر
الجسم، والاَُمور الباطنة المشاكلة للعقل، والنفس، وكلُّ من حقق ذلك كانت
معتقداته سالمة. (1)


أقول: هذا المقام هو المزلقة الكبرى للاِسماعيلية الموَوّلة ، إذ كلُّ إمام
وداعٍ، يسرح بخياله فيضع لكل ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقةً، يسمي أحدهما
بالشريعة الظاهرية والآخر بالباطنية من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل،
فكلُّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيات، أشبه بذوقيات العرفاء في تأويل
الاَسماء والصفات وغير ذلك، وكأنّالجميع فروع من شجرة واحدة. وستوافيك
نظرية المثل والممثول في فصل خاص، وتقف على تأويلاتهم.


1. تاج العقائد: 101.






/ 12