المبحث الثالث: الايجابيه ممثله بالاختيار والتعيين - نشأة التشیع و الشیعة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نشأة التشیع و الشیعة - نسخه متنی

محمد باقر صدر؛ التحقیق: عبدالجبار شراره

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ففى اطار هذه الامور السته نجد ان التربيه النبويه انتجت
انتاجا عظيما ، وحققت تحولا فريدا ، وانشات جيلا صالحا موهلا
لما استهدفه النبى من تكوين قاعده شعبيه صالحه للالتفاف
حول الزعامه القائده للتجربه الجديده واسنادها ، ولهذا نجد ان
ذلك الجيل كان يودى دوره كقاعده شعبيه صالحه مادامت
الزعامه القائده الرشيده كانت قائمه فى شخص النبى ، ولو قدر
لهذا الزعامه ان تاخذ مسارها الربانى لظلت القاعده تودى
دورها الصالح ، غير ان هذا لا يعنى - بحال من الاحوال - انها
مهياه فعلا لكى تتسلم هذه الزعامه ، وتقود بنفسها التجربه
الجديده،لان هذه التهيئه تتطلب درجه اكبر من الانصهار
الروحى والايمانى بالرساله ، واحاطه اوسع كثيرا باحكامها
ومفاهيمها ووجهات نظرها المختلفه عن الحياه ، وتطهيرا
اشمل لصفوفها من المنافقين والمندسين والمولفه قلوبهم ،
الذين كانوا لا يزالون يشكلون جزءا من ذلك الجيل له اهميته

((83)) ، ومواقعه التاريخيه ، كما ان له آثاره السلبيه ،
العدديه
بدليل حجم ما تحدث به القرآن الكريم عن المنافقين
ومكائدهم ومواقفهم ((84)) ، مع تواجد افراد فى ذلك الجيل
قد استطاعت التجربه ان تبنيهم بناء رساليا رفيعا، وتصهرهم
فى بوتقتها ، كسلمان وابى ذر وعمار وغيرهم ((85)) .

اقول : ان تواجد هولاء الافراد ضمن ذلك الجيل الواسع لا
يبرهن على ان ذلك الجيل ككل بلغ الى الدرجه التى تبرر
اسناد مهام التجربه اليه على اساس الشورى.وحتى اولئك
الافراد الذين مثلوا النمط الرفيع رساليا من ذلك الجيل لا
يوجد فى اكثرهم ما يبرر افتراض كفايتهم الرساليه لزعامه
التجربه من الناحيه الفكريه والثقافيه على رغم شده اخلاصهم،
وعمق ولائهم ، لان الاسلام ليس نظريه بشريه لكى يتحدد
فكريا من خلال الممارسه والتطبيق ((86)) ، وتتبلور مفاهيمه
عبر التجربه المخلصه، وانما هو رساله اللّه التى حددت فيها
الاحكام والمفاهيم وزودت ربانيا بكل التشريعات العامه التى
تتطلبها التجربه ((87)) ، فلا بد لزعامه هذه التجربه من
استيعاب الرساله بحدودها وتفاصيلها ، ومن وعى بكل احكامها
ومفاهيمها ((88)) ، والا اضطرت الى استلهام مسبقاتها الذهنيه
ومرتكزاتها القبليه ، وادى ذلك الى نكسه فى مسيره التجربه ،
وبخاصه اذا لاحظنا ان الاسلام كان هو الرساله الخاتمه من
رسالات السماء التى يجب ان تمتد مع الزمن ، وتتعدى كل
الحدود الوقتيه والاقليميه والقوميه ((89)) ، الامر الذى لا
يسمح بان تمارس زعامته التى تشكل الاساس لكل ذلك
الامتداد ، تجارب الخطا والصواب ، التى تتراكم فيها الاخطاء
عبر فتره من الزمن حتى تشكل ثغره تهدد ، التجربه بالسقوط
والانهيار ((90)) .

وكل ما تقدم يدل على ان التوعيه التى مارسها النبى (صلى اللّه
عليه وآله) على المستوى العام للمهاجرين والانصار ، لم تكن
بالدرجه التى يتطلبها اعداد القياده الواعيه الفكريه والسياسيه
لمستقبل الدعوه وعمليه التغيير ، وانما كانت توعيه بالدرجه
التى تبنى القاعده الشعبيه الواعيه التى تلتف حول قياده
الدعوه فى الحاضر والمستقبل.

واى افتراض يتجه الى القول بان النبى (صلى اللّه عليه وآله)
كان يخطط لاسناد قياده التجربه والقيمومه على الدعوه بعده
مباشره الى جيل المهاجرين والانصار ، يحتوى ضمنا اتهام
اذكى وابصر قائد رسالى فى تاريخ العمليات التغييريه ، بعدم
القدره على التمييز بين الوعى المطلوب على مستوى القاعده
الشعبيه للدعوه والوعى المطلوب على مستوى قياده الدعوه
وامامتها الفكريه والسياسيه.

النقطه الثالثه : name="link11">
ان الدعوه عمليه تغيير ، ومنهاج حياه جديد ، وهى تستهدف
بناء امه من جديد واقتلاع كل جذور الجاهليه ورواسبها من
وجودها.

والامه الاسلاميه - ككل - لم تكن قد عاشت فى ظل عمليه
التغيير هذه الا عقدا واحدا من الزمن على اكثر تقدير ، وهذا
الزمن القصير لايكفى - عاده - فى منطق الرسالات العقائديه ،
والدعوات التغييريه، لارتفاع الجيل الذى عاش فى كنف الدعوه
عشر سنوات فقط الى درجه من الوعى والموضوعيه والتحرر
من رواسب الماضى ((91)) ، والاستيعاب لمعطيات الدعوه
الجديده ، توهله للقيمومه على الرساله وتحمل مسووليات
الدعوه ومواصله عمليه التغيير بدون قائد ، بل ان منطق
الرسالات العقائديه يفرض ان تمر الامه بوصايه عقائديه فتره
اطول من الزمن ، تهيوها للارتفاع الى مستوى تلك القيمومه
.

((92))
وليس هذا شيئا نستنتجه استنتاجا فحسب ، وانما يعبر ايضا عن
الحقيقه التى برهنت عليها الاحداث بعد وفاه القائد الرسول
(صلى اللّه عليه وآله) ، وتجلت عبر نصف قرن او اقل من خلال
ممارسه جيل المهاجرين والانصار لامامه الدعوه والقيمومه
عليها ، اذ لم يمض على هذه القيمومه ربع قرن حتى بدات
الخلافه الراشده والتجربه الاسلاميه، التى تولى جيل
المهاجرين والانصار قيادتها تنهار تحت وقع الضربات الشديده
التى وجهها اعداء الاسلام القدامى ((93)) ، ولكن من داخل اطار
التجربه الاسلاميه لامن خارجها ، اذ استطاعوا ان يتسللوا الى
مراكز النفوذ فى التجربه بالتدريج ، ويستغلوا القياده غير
الواعيه ، ثم صادروا بكل وقاحه وعنف ، تلك القياده ، واجبروا
الامه وجيلها الطليعى الرائد على التنازل عن شخصيته وقيادته
، وتحولت الزعامه الى ملك موروث ((94)) ، يستهتر بالكرامات
ويقتل الابرياء ((95)) ، ويبعثر الاموال ((96)) ، ويعطل الحدود ،
ويجمد الاحكام ((97)) ، ويتلاعب بمقدرات الناس ، واصبح
الفى ء والسواد بستانا لقريش ، والخلافه كره يتلاعب بها صبيان
بنى اميه ((98)) .

فواقع التجربه بعد النبى ، وما تمخض عنه بعد ربع قرن من
نتائج يدعم الاستنتاج المتقدم ، الذى يوكد ان اسناد القياده
والامامه الفكريه والسياسيه لجيل المهاجرين والانصار عقيب
وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله) مباشره اجراء مبكر ، وقبل وقته
الطبيعى ولهذا ليس من المعقول ان يكون النبى قد اتخذ اجراء
من هذا القبيل .

المبحث الثالث الايجابيه ممثله بالاختيار والتعيين

المبحث الثالث: الايجابيه ممثله
بالاختيار
والتعيين


ان الطريق الثالث المفرتض هو الايجابيه ممثله فى اعداد
ونصب من يقود الامه وهذا هو الطريق الوحيد الذى بقى
منسجما مع طبيعه الاشياء ، ومعقولا فى ضوء ظروف الدعوه
والدعاه ، وسلوك النبى (صلى اللّه عليه وآله) ((99)) ، وهو ان
يقف النبى من مستقبل الدعوه بعد وفاته موقفا ايجابيا، فيختار
بامر اللّه سبحانه وتعالى - شخصا يرشحه عمق وجوده فى كيان
الدعوه ، فيعده اعدادا رساليا ((100)) وقياديا خاصا، لتتمثل فيه
المرجعيه الفكريه والزعامه السياسيه للتجربه ، وليواصل بعده -
بمسانده القاعده الشعبيه الواعيه من المهاجرين والانصار -
قياده الامه وبناءها عقائديا، وتقريبها باستمرار نحو المستوى
الذى يوهلها لتحمل المسووليات القياديه.

وهكذا نجد ان هذا هو الطريق الوحيد الذى كان بالامكان ان
يضمن سلامه مستقبل الدعوه ، وصيانه التجربه فى خط نموها
وهكذا كان ((101)) .

وليس ما تواتر عن النبى (صلى اللّه عليه وآله) من النصوص
التى تدل على انه كان يمارس اعدادا رساليا وتثقيفا عقائديا
خاصا لبعض الدعاه على مستوى يهيئه للمرجعيه الفكريه
والسياسيه ، وانه (صلى اللّه عليه وآله) قد عهد اليه بمستقبل
الدعوه ، وزعامه الامه من بعده ، فكريا وسياسيا ((102)) ، ليس
هذا الا تعبيرا عن سلوك القائد الرسول (صلى اللّه عليه وآله)
للطريق الثالث الذى كانت تفرضه ، وتدل عليه من قبل ذلك
طبيعه الاشياء كما عرفنا.

ولم يكن هذا الشخص الداعيه المرشح للاعداد الرسالى
القيادى، والمنصوب لتسلم مستقبل الدعوه ، وتزعمها فكريا
وسياسيا ، الا على بن ابى طالب ، الذى رشحه لذلك عمق
وجوده فى كيان الدعوه ، وانه المسلم الاول ، والمجاهد الاول
فى سبيلها عبر كفاحها المرير ضد كل اعدائها ، وكذلك عمق
وجوده فى حياه القائد الرسول (صلى اللّه عليه وآله) ، وانه
ربيبه الذى فتح عينيه فى حجره ، ونشا فى كنفه ، وتهيات له
من فرص التفاعل معه والاندماج بخطه ، مالم يتوفر لاى انسان
آخر ((103)) .

والشواهد من حياه النبى والامام على ، على ان النبى (صلى اللّه
عليه وآله) كان يعد الامام اعدادا رساليا خاصا ، كثيره جدا ، فقد
كان النبى يخصه بكثير من مفاهيم الدعوه وحقائقها ، ويبدوه ،
بالعطاء الفكرى والتثقيف اذا استنفذ الامام اسئلته ((104)) ،
ويختلى به الساعات الطوال فى الليل والنهار ، يفتح عينيه على
مفاهيم الرساله ومشاكل الطريق ، ومناهج العمل الى آخر يوم
من حياته الشريفه.

روى الحاكم فى المستدرك بسنده عن ابى اسحاق ، سالت
القاسم بن العباس (كيف ورث على رسول اللّه؟ قال : (لانه كان
اولنا به لحوقا واشدنا به لزوقا...) ((105)) .

وفى حليه الاولياء عن ابن عباس انه يقول : (كنا نتحدث ان
النبى (صلى اللّه عليه وآله) عهد الى على بسبعين عهدا ، لم
يعهد الى غيره) ((106)) .

وروى النسائى فى الخصائص عن الامام على انه يقول : (كانت
لى منزله من رسول اللّه لم تكن لاحد من الخلائق، كنت ادخل
على نبى اللّه كل ليله ، فان كان يصلى سبح فدخلت ، وان لم
يكن يصلى اذن لى فدخلت) ((107)) .وروى ايضا عن الامام
على (عليه السلام) قوله : (كان لى من النبى مدخلان مدخل
بالليل ومدخل بالنهار ...) ((108)) .

وروى النسائى عن الامام ايضا انه كان يقول : (كنت اذا سالت
رسول اللّه اعطيت ، واذا سكت ابتدانى ...) ((109)) .ورواه
الحاكم فى المستدرك ايضا ، وقال : صحيح على شرط
الشيخين ((110)) .

وروى النسائى عن ام سلمه انها كانت تقول : (والذى تحلف به
ام سلمه : ان اقرب الناس عهدا برسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)
على ، قالت: لما كانت غداه قبض رسول اللّه ، فارسل اليه رسول
اللّه ، واظنه كان بعثه فى حاجه ، فجعل يقول : جاء على؟ ثلاث
مرات ، فجاء قبل طلوع الشمس ، فلما ان جاء عرفنا ان له اليه
حاجه ، فخرجنا من البيت ، وكنا عند رسول اللّه يومئذ فى بيت
عائشه ، وكنت فى آخر من خرج من البيت، ثم جلست وراء
الباب ، فكنت ادناهم الى الباب ، فاكب عليه على فكان آخر
الناس به عهدا ، فجعل يساره ويناجيه) ((111)) .

وقال امير المومنين فى خطبته القاصعه الشهيره ، وهو يصف
ارتباطه الفريد بالرسول القائد ، وعنايه النبى باعداده وتربيته :
(وقد علمتم موضعى من رسول اللّه بالقرابه القريبه ، والمنزله
الخصيصه ، وضعنى فى حجره وانا ولد ، يضمنى الى صدره ،
ويكنفنى فى فراشه ، ويمسنى جسده ، ويشمنى عرفه ، وكان
يمضغ الشى ء ثم يلقمنيه ، وما وجد لى كذبه فى قول ، ولا
خطله فى فعل ... ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل لاثر امه ، يرفع
لى فى كل يوم من اخلاقه علما ، ويامرنى بالاقتداء به ، ولقد
كان يجاور فى كل سنه بحراء ، فاراه ولا يراه غيرى ، ولم يجمع
بيت واحد يومئذ فى الاسلام غير رسول اللّه وخديجه وانا
ثالثهما، ارى نور الوحى والرساله ، واشم ريح النبوه ...) ((112)) .

ان هذه الشواهد ، وشواهد اخرى كثيره ، تقدم لنا صوره عن
ذلك الاعداد الرسالى الخاص الذى كان النبى (صلى اللّه عليه
وآله) يمارسه فى سبيل توعيه الامام على المستوى القيادى
للدعوه.

كما ان فى حياه الامام على (عليه السلام) بعد وفاه
القائد الرسول (صلى اللّه عليه وآله) ارقاما كثيره جدا تكشف
عن ذلك الاعداد العقائدى الخاص للامام على (عليه السلام)
من قبل النبى (صلى اللّه عليه وآله)، بما تعكسه من آثار ذلك
الاعداد الخاص ونتائجه.

فقد كان الامام هو المفزع والمرجع
لحل اى مشكله يستعصى حلها على القياده الحاكمه وقتئذ

((113)) .ولا نعرف فى تاريخ التجربه الاسلاميه على عهد
الخلفاء واقعه واحده رجع فيها الامام الى غيره لكى يتعرف على
راى الاسلام وطريقه علاجه للموقف ، بينما نعرف فى التاريخ
عشرات الوقائع التى احست القياده الاسلاميه الحاكمه بضروره
الرجوع الى الامام على رغم تحفظاتها فى هذا الموضوع .

واذا كانت الشواهد كثيره على ان النبى (صلى اللّه عليه وآله)
كان يعد الامام اعدادا خاصا لمواصله قياده الدعوه من بعده ،
فالشواهد على اعلان الرسول القائد عن تخطيطه هذا ، واسناده
زعامه الدعوه الفكريه والسياسيه رسميا الى الامام على (عليه
السلام) لا تقل عنها كثره ، كما نلاحظ ذلك فى حديث
الدار، ((114)) وحديث الثقلين ((115)) ، وحديث المنزله

((116)) ، وحديث الغدير ((117)) ، وعشرات النصوص النبويه
الاخرى ((118)) .

وهكذا وجد التشيع فى اطار الدعوه الاسلاميه متمثلا فى هذه
الاطروحه النبويه التى وضعها النبى (صلى اللّه عليه آله) - بامر
من اللّه - للحفاظ على مستقبل الدعوه.

وهكذا وجد التشيع لا كظاهره طارئه على مسرح الاحداث ، بل
كنتيجه ضروريه لطبيعه تكون الدعوه وحاجاتها وظروفها
الاصليه التى كانت تفرض على الاسلام ان يلد (التشيع) ،
وبمعنى آخر كانت تفرض على القائد الاول للتجربه ان يعد
للتجربه قائدها الثانى ((119)) الذى تواصل على يده ويد خلفائه
نموها الثورى ، وتقترب نحو اكتمال هدفها التغييرى فى
اجتثاث كل رواسب الماضى الجاهلى وجذوره ، وبناء امه جديده
على مستوى متطلبات الدعوه ومسوولياتها.

الفصل الثانى نشاه الشيعه

الفصل
الثانى: نشاه الشيعه


المبحث الاول
نشوء اتجاهين رئيسين فى حياه النبى (ص)
المبحث الثانى
المرجعيه الفكريه والمرجعيه القياديه
المبحث الثالث
التشيع الروحى والتشيع السياسى
تمهيد

تمهيد


عرفنا كيف ولد (التشيع) ، واما كيف ولدت (الشيعه) ونشا
الانقسام على اساس ذلك فى الامه الاسلاميه ، فهذا ما سنجيب
عنه الان :
اننا اذا تتبعنا المرحله الاولى من حياه الامه الاسلاميه ، فى
عصر النبى (صلى اللّه عليه وآله) نجد ان اتجاهين رئيسيين
ومختلفين قد رافقا نشوء الامه وبدايه التجربه الاسلاميه منذ
السنوات الاولى ، وكانا يعيشان معا داخل اطار الامه الوليده
التى انشاها الرسول القائد (صلى اللّه عليه وآله) .وقد ادى هذا
الاختلاف بين الاتجاهين الى انقسام عقائدى عقيب وفاه
الرسول مباشره ، شطر الامه الاسلاميه الى شطرين ، قدر
لاحدهما ان يحكم فاستطاع ان يمتد ويستوعب اكثريه
المسلمين ، بينما اقصى الشطر الاخر عن الحكم ، وقدر له ان
يمارس وجوده كاقليه معارضه ، ضمن الاطار الاسلامى العام ،
وكانت هذه الاقليه هى (الشيعه) .

« وها هنا ثلاثه مباحث » .

المبحث الاول نشوء اتجاهين رئيسين فى حياه النبى (ص)

المبحث الاول: نشوء اتجاهين
رئيسين فى
حياه النبى (ص)


ان الاتجاهين الرئيسين اللذين رافقا نشوء الامه الاسلاميه فى
حياه النبى (صلى اللّه عليه وآله) منذ البدء هما :
اولا : الاتجاه الذى يومن بالتعبد بالدين وتحكيمه والتسليم
المطلق للنص الدينى فى كل جوانب الحياه ((120)) .

وثانيا : الاتجاه الذى لا يرى ان ايمانه بالدين يتطلب منه التعبد
الا فى نطاق خاص من العبادات والغيبيات ، ويومن بامكانيه
الاجتهاد وجواز التصرف على اساسه بالتغيير والتعديل فى
النص الدينى وفقا للمصالح فى غير ذلك النطاق من مجالات
الحياه ((121)) .

بالرغم من ان الصحابه ، بوصفهم الطليعه المومنه والمستنيره ،
كانوا افضل واصلح بذره لنشوء امه رساليه ، حتى ان تاريخ
الانسان لم يشهد جيلا عقائديا اروع وانبل واطهر من الجيل
الذى انشاه الرسول القائد.وبالرغم من ذلك نجد من الضرورى
التسليم بوجود اتجاه واسع، منذ كان النبى حيا ، يميل الى
تقديم الاجتهاد فى تقدير المصلحه، واستنتاجها من الظروف ،
على التعبد بحرفيه النص الدينى ، وقد تحمل الرسول (صلى
اللّه عليه وآله) المراره فى كثير من الحالات بسبب هذا الاتجاه
حتى وهو على فراش الموت فى ساعاته الاخيره على ما
ياتى ((122)) ، كما كان هناك اتجاه آخر يومن بتحكيم الدين
والتسليم له والتعبد بكل نصوصه فى جميع جوانب الحياه .

وقد يكون من عوامل انتشار الاتجاه الاجتهادى فى صفوف
المسلمين انه يتفق مع ميل الانسان بطبيعته الى التصرف وفقا
لمصلحه يدركها ويقدرها ، بدلا عن التصرف وفقا لقرار لا يفهم
مغزاه.

وقد قدر لهذا الاتجاه ممثلون جريئون من كبار الصحابه من
قبيل عمر بن الخطاب ، الذى ناقش الرسول (صلى اللّه عليه
وآله) ، واجتهد فى مواضع عديده ، خلافا للنص ، ايمانا منه
بجواز ذلك ، ما دام يرى انه لم يخط ى المصلحه فى اجتهاده.

وبهذا الصدد يمكننا ان نلاحظ ، موقفه من صلح الحديبيه
واحتجاجه على هذا الصلح ((123)) ، وموقفه من الاذان
وتصرفه فيه باسقاط (حى على خير العمل) ((124)) وموقفه
من النبى حين شرع متعه الحج ((251)) ، الى غير ذلك من
مواقفه الاجتهاديه ((126)) .

وقد انعكس كلا الاتجاهين فى مجلس الرسول (صلى اللّه عليه
وآله) فى آخر يوم من ايام حياته فقد روى البخارى فى صحيحه
عن ابن عباس قال : لما حضر رسول اللّه الوفاه ، وفى البيت
رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبى (صلى اللّه عليه وآله)
هلم اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده.

فقال عمر : ان النبى (صلى
اللّه عليه وآله) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا
كتاب اللّه.

فاختلف اهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول :
قربوا يكتب لكم النبى كتابا لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما
قال عمر ، فلما اكثروا اللغو والاختلاف عند النبى قال لهم :
(قوموا) ((127)) .

وهذه الواقعه وحدها كافيه للتدليل على عمق الاتجاهين ،
ومدى التناقض والصراع بينهما.

ويمكن ان نضيف اليها - لتصوير عمق الاتجاه الاجتهادى
ورسوخه - ما حصل من نزاع وخلاف بين الصحابه حول تامير
اسامه ابن زيد على الجيش ، بالرغم من النص النبوى الصريح
على ذلك ، حتى خرج الرسول (صلى اللّه عليه وآله) - وهو
مريض - فخطب الناس وقال :
(يا ايها الناس ، ما مقاله بلغتنى عن بعضكم فى تامير اسامه ،
ولئن طعنتم فى تاميرى اسامه لقد طعنتم فى تامير ابيه من
قبل ، وايم اللّه ان كان لخليقا بالاماره وان ابنه من بعده لخليق
بها) ((128)) .

وهذان الاتجاهان اللذان بدا الصراع بينهما فى حياه النبى
(صلى اللّه عليه وآله) ، قد انعكسا على موقف المسلمين من
اطروحه زعامه الامام للدعوه بعد النبى (صلى اللّه عليه وآله).

فالممثلون للاتجاه التعبدى وجدوا فى النص النبوى على هذه
الاطروحه سببا بقبولها ، دون توقف او تعديل.

واما الاتجاه الاجتهادى فقد راى انه بامكانه ان يتحرر من
الصيغه المطروحه من قبل النبى (صلى اللّه عليه آله) ، اذا ادى
اجتهاده الى صيغه اخرى اكثر انسجاما - فى تصوره - مع
الظروف.

وهكذا نرى ان الشيعه ولدوا منذ وفاه الرسول (صلى اللّه عليه
وآله) مباشره ، متمثلين فى المسلمين الذين خضعوا عمليا
لاطروحه زعامه الامام وقيادته ، التى فرض النبى الابتداء
بتنفيذها من حين وفاته مباشره .وقد تجسد الاتجاه الشيعى ،
منذ اللحظه الاولى ، فى انكار ما اتجهت اليه السقيفه من
تجميد لاطروحه زعامه الامام على ، واسناد السلطه الى غيره.

ذكر الطبرسى فى الاحتجاج عن ابان بن تغلب قال : (قلت
لجعفر بن محمد الصادق : جعلت فداك ، هل كان احد فى
اصحاب رسول اللّه انكر على ابى بكر فعله؟ قال : نعم كان الذى
انكر عليه اثناعشر رجلا ، فمن المهاجرين : خالد بن سعيد ، ابن
ابى العاص ، وسلمان الفارسى ، وابو ذر الغفارى ، والمقداد بن
الاسود ، وعمار بن ياسر ، وبريده الاسلمى ، ومن الانصار : ابو
الهيثم بن التيهان ، وعثمان ابن حنيف ، وخزيمه بن ثابت ذو
الشهادتين ، وابى بن كعب ، وابو ايوب الانصارى) ((129)) .

وقد تقول : اذا كان الاتجاه الشيعى يمثل التعبد بالنص ،
والاتجاه الاخر المقابل له يمثل الاجتهاد ، فهذا يعنى ان الشيعه
يرفضون الاجتهاد ولا يسمحون لانفسهم به ، مع انا نجد ان
الشيعه يمارسون عمليه الاجتهاد فى الشريعه دائما !
والجواب:
ان الاجتهاد الذى يمارسه الشيعه ويرونه جائزا بل واجبا ، وجوبا
كفائيا ، هو الاجتهاد فى استنباط الحكم الشرعى من النص
الشرعى ، لا الاجتهاد فى النص الشرعى لراى يراه المجتهد او
لمصلحه يخمنها ((130)) ، فان هذا غير جائز ، والاتجاه الشيعى
يرفض اى ممارسه للاجتهاد بهذا المعنى ، ونحن حينما
نتحدث عن قيام اتجاهين منذ صدر الاسلام :
احدهما : اتجاه التعبد بالنص ، والاخر : اتجاه الاجتهاد ، ونعنى
بالاجتهاد هنا ، الاجتهاد فى رفض النص او قبوله.

وقيام هذين الاتجاهين شى ء طبيعى فى ظل كل رساله تغييريه
شامله تحاول تغيير الواقع الفاسد من الجذور ، فانها تتخذ
درجات مختلفه من التاثير حسب حجم الرواسب المسبقه
ومدى انصهار الفرد بقيم الرساله الجديده ودرجه ولائه لها.

وهكذا نعرف ان الاتجاه الذى يمثل التعبد بالنص يمثل الدرجه
العليا من الانصهار بالرساله والتسليم الكامل لها ، وهو لا يرفض
الاجتهاد ضمن اطار النص ، وبذل الجهد فى استخراج الحكم
الشرعى منه .ومن المهم ان نشي ((131)) ر - فى هذا الصدد
ايضا - الى ان التعبد بالنص لايعنى الجمود والتصلب الذى
يتعارض مع متطلبات التطور وعوامل التجديد المختلفه فى
حياه الانسان ، فان التعبد بالنص معناه -كما عرفنا - التعبد
بالدين ، والاخذ به كاملا ، دون تبعيض ، وهذا الدين نفسه
يحمل فى احشائه كل عناصر المرونه والقدره على مسايره
الزمن واستيعابه ، بكل ما يحمل من الوان التجديد والتطور ،
فالتعبد به وبنصه تعبد بكل تلك العناصر ، وبكل ما فيها من
قدره على الخلق والابداع والتجديد ((132)) .

هذه خطوط عامه
فى تفسير التشيع، بوصفه ظاهره طبيعيه فى اطار الدعوه
الاسلاميه ، وتفسير ظهور الشيعه كاستجابه لتلك الظاهره
الطبيعيه.

المبحث الثانى المرجعيه الفكريه والمرجعيه القياديه

المبحث الثانى: المرجعيه الفكريه
و
المرجعيه القياديه


ان امامه اهل البيت والامام على التى تمثلها تلك الظاهره
الطبيعيه تعبر عن مرجعيتين :
احداهما المرجعيه الفكريه ، والاخرى المرجعيه فى العمل
القيادى والاجتماعى ، وكلتا المرجعيتين كانتا تتمثلان فى
شخص النبى (صلى اللّه عليه وآله) ، وكان لابد فى ضوء ما
درسنا من ظروف ان يصمم الرسول الاعظم (صلى اللّه عليه
وآله) الامتداد الصالح له لتحمل كلتا المرجعيتين ، لكى تقوم
المرجعيه الفكريه بمل ء الفراغات التى قد تواجهها ذهنيه
المسلمين ، وتقديم المفهوم المناسب ، ووجهه النظر
الاسلاميه فيما يستجد من قضايا الفكر والحياه ، وتفسير
مايشكل ويغمض من معطيات الكتاب الكريم ((133)) ، الذى
يشكل المصدر الاول للمرجعيه الفكريه فى الاسلام ، ولكى
تقوم المرجعيه القياديه الاجتماعيه بمواصله المسيره ، وقياده
المسيره الاسلاميه فى خطها الاجتماعى .

وقد جمعت كلتا المرجعيتين لاهل البيت ( عليهم السلام) ،
بحكم الظروف التى درسناها ، وجاءت النصوص النبويه الشريفه
توكد ذلك باستمرار.والمثال الرئيسى للنص النبوى على
المرجعيه الفكريه حديث الثقلين اذ قال رسول اللّه (صلى اللّه
عليه وآله) :
(انى اوشك ان ادعى فاجيب ، وانى تارك فيكم الثقلين كتاب
اللّه، حبل ممدود من السماء الى الارض ، وعترتى اهل بيتى ،
وان اللطيف الخبير اخبرنى انهما لن يفترقا حتى يردا على
الحوض ، فانظروا كيف تخلفونى فيهما ...) ((134)) والمثال
الرئيسى للنص النبوى على المرجعيه فى العمل القيادى
الاجتماعى حديث الغدير حيث اخرج الطبرانى بسند مجمع
على صحته ، عن زيد بن ارقم قال : خطب رسول اللّه(صلى اللّه
عليه وآله) بغدير خم تحت شجرات فقال :
(ايها الناس يوشك ان ادعى فاجيب ، وانى مسوول ، وانكم
مسوولون ، فماذا انتم قائلون؟ قالوا نشهد انك قد بلغت ،
وجاهدت، ونصحت فجزاك اللّه خيرا ، فقال : اليس تشهدون ان
لا اله الا اللّه ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان جنته حق ، وان
ناره حق ، وان الموت حق، وان البعث حق بعد الموت ، وان
الساعه آتيه لا ريب فيها ، وان اللّه يبعث من فى القبور؟ فقالوا :
بلى نشهد بذلك قال :
اللهم اشهد.

ثم قال : يا ايها الناس ، ان اللّه مولاى ، وانا مولى
المومنين ، وانا اولى بهم من انفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا
مولاه -يعنى عليا - اللهم وال من والاه ، وعاد من
عاداه) ((135)) .

وهكذا جسد هذان النصان النبويان الشريفان ، فى عدد كبير
من امثالهما ، كلتا المرجعيتين فى اهل البيت (عليهم السلام).

وقد اخذ الاتجاه الاسلامى القائم على التعبد بنصوص النبى
(صلى اللّه عليه وآله) بكلا النصين ، وآمن بكلتا المرجعيتين ،
وهو اتجاه المسلمين الموالين لاهل البيت.ولئن كانت
المرجعيه القياديه الاجتماعيه لكل امام تعنى ممارسته للسلطه
خلال حياته ، فان المرجعيه الفكريه حقيقه ثابته مطلقه لا
تتقيد بزمان حياه الامام.ومن هنا كان لها مدلولها العملى الحى
فى كل وقت ، فما دام المسلمون بحاجه الى فهم محدد
للاسلام ، وتعرف على احكامه وحلاله وحرامه ومفاهيمه وقيمه
، فهم بحاجه الى المرجعيه الفكريه المحدده ربانيا المتمثله
اولا: فى كتاب اللّه تعالى ، وثانيا : فى سنه رسوله (صلى اللّه
عليه وآله) والعتره المعصومه من اهل البيت التى لا تفترق ولن
تفترق عن الكتاب كما نص الرسول ((136)) الاعظم (صلى اللّه
عليه وآله).

واما الاتجاه الاخر فى المسلمين الذى قام على الاجتهاد بدلا
عن التعبد بالنص ، فقد قرر فى البدء عند وفاه الرسول الاعظم
(صلى اللّه عليه وآله) تسليم المرجعيه القياديه التى تمارس
السلطه الى رجالات من المهاجرين وفقا لاعتبارات متغيره
ومتحركه ومرنه.وعلى هذا الاساس تسلم ابو بكر السلطه ، بعد
وفاه النبى مباشره على اساس ما تم من تشاور محدود فى
مجلس السقيفه ((137)) ، ثم تولى الخلافه عمر بنص محدد
من ابى بكر ((138)) وخلفهما عثمان بنص غير محدد من
عمر ((139)) ، وادت المرونه بعد ثلث قرن من وفاه الرسول
القائد الى تسلل ابناء الطلقاء ((140)) الذين حاربوا الاسلام
بالامس الى مراكز السلطه.

هذا فيما يتصل بالمرجعيه القياديه التى تمارس السلطه ، واما
بالنسبه الى المرجعيه الفكريه فقد كان من الصعب اقرارها فى
اهل البيت، بعد ان ادى الاجتهاد الى انتزاع المرجعيه القياديه
منهم ، لان اقرارها كان يعنى خلق الظروف الموضوعيه التى
تمكنهم من تسلم السلطه والجمع بين المرجعيتين ، كما انه
كان من الصعب ايضا من الناحيه الاخرى ، الاعتراف بالمرجعيه
الفكريه لشخص الخليفه الذى يمارس السلطه ، لان متطلبات
المرجعيه الفكريه تختلف عن متطلبات ممارسه السلطه.

فالاحساس بجداره الشخص لممارسه السلطه والتطبيق ، لا
يعنى بحال الشعور بامكانيه نصبه اماما فكريا ، ومرجعا اعلى بعد
القرآن والسنه النبويه لفهم النظريه.

لان هذه الامامه الفكريه
تتطلب درجه عاليه من الثقافه ، والاحاطه واستيعاب النظريه ،
وكان من الواضح ان هذا لم يكن متوفرا فى اى صحابى
بمفرده ((141)) اذا قطع النظر عن اهل البيت (عليهم السلام).

ولهذا ظل ميزان المرجعيه الفكريه يتارجح فتره من الزمن ،
وظل الخلفاء ، فى كثير من الحالات ، يتعاملون مع الامام على ،
على اساس امامته الفكريه ، او على اساس قريب من ذلك ،
حتى قال الخليفه الثانى مرات عديده : (لولا على لهلك عمر ،
ولا ابقانى اللّه لمعضله ليس لها ابو حسن) ((142)) ولكن بمرور
الزمن ، بعد وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله) ، وتعود المسلمين
تدريجيا على النظر الى اهل البيت ، والامام على، بوصفهم
اشخاصا اعتياديين ومحكومين ، امكن الاستغناء عن مرجعيتهم
الفكريه اساسا ، واسنادها الى بديل معقول ، وهذا البديل ليس
هو شخص الخليفه ، بل الصحابه ، وهكذا وضع بالتدريج مبدا
مرجعيه الصحابه ، ككل ، بدلا عن مرجعيه اهل البيت، وهو
بديل يستسيغه النظر بعد تجاوز المرجعيه المنصوصه ، لان
هولاء هم الجيل الذى رافق النبى (صلى اللّه عليه وآله) ، وعاش
حياته وتجربته ، ووعى حديثه وسنته ((143)) .

وبهذا فقد اهل البيت عمليا امتيازهم الربانى ، واصبحوا
يشكلون جزءا من المرجعيه الفكريه بوصفهم صحابه.وبحكم ما
قدر ان عاشه الصحابه انفسهم من اختلافات حاده ، وتناقضات
شديده ، بلغت ، فى كثير من الاحيان الى مستوى القتال ،
وهدر كل فريق دم الفريق الاخر وكرامته ، واتهامه بالانحراف
والخيانه ((144)) .وبحكم هذه الاختلافات والاتهامات بين
صفوف الامامه الفكريه ، والمرجعيه العقائديه نفسها ، نشات
الوان من التناقض العقائدى والفكرى ((145)) فى جسم الامه
الاسلاميه، كانعكاسات لاوجه التناقض فى داخل تلك الامامه
الفكريه التى قررها الاجتهاد.

المبحث الثالث التشيع الروحى والتشيع السياسى

المبحث الثالث: التشيع الروحى و
التشيع
السياسى


اود ان اشير هنا الى نقطه اعتبر توضيحها على درجه كبيره من
الاهميه ، وهى ان بعض الباحثين يحاول التمييز بين نحوين
من التشيع، احدهما (التشيع الروحى) ، والاخر (التشيع
السياسى) ، ويعتقد ان التشيع الروحى اقدم عهدا من التشيع
السياسى ((146)) ، وان ائمه الشيعه الاماميه - من ابناء الحسين
(عليه السلام) - قد اعتزلوا ، بعد مذبحه كربلاء ، السياسه،
وانصرفوا الى الارشاد والعباده ، والانقطاع عن الدنيا .

والحقيقه ان (التشيع) لم يكن فى يوم من الايام منذ ولادته
مجرد اتجاه روحى بحت ، وانما ولد التشيع فى احضان الاسلام
بوصفه اطروحه مواصله الامام على (عليه السلام) للقياده بعد
النبى فكريا واجتماعيا وسياسيا على السواء كما اوضحنا سابقا
عند استعراض الظروف التى ادت الى ولاده التشيع ، ولم يكن
بالامكان -بحكم هذه الظروف التى استعرضناها - ان يفصل
الجانب الروحى عن الجانب السياسى فى اطروحه التشيع تبعا
لعدم انفصال احدهما عن الاخر فى الاسلام نفسه.

فالتشيع اذن ، لا يمكن ان يتجزا الا اذا فقد معناه كاطروحه
لحمايه مستقبل الدعوه بعد النبى (صلى اللّه عليه وآله) ، وهو
مستقبل بحاجه الى المرجعيه الفكريه والزعامه السياسيه
للتجربه الاسلاميه معا.وقد كان هناك ولاء واسع النطاق للامام
على (عليه السلام) فى صفوف المسلمين باعتباره الشخص
الجدير بمواصله دور الخلفاء الثلاثه فى الحكم ، وهذا الولاء هو
الذى جاء به الى السلطه عقيب مقتل الخليفه عثمان ((147)) ،
ولكن هذا الولاء ليس تشيعا روحيا ولا سياسيا ، لان التشيع
يومن بعلى كبديل عن الخلفاء الثلاثه ، وخليفه مباشر للرسول
(صلى اللّه عليه وآله) ، فالولاء الواسع للامام فى صفوف
المسلمين اوسع نطاقا من التشيع الحقيقى الكامل ، وان نما
التشيع الروحى والسياسى داخل اطار هذا الولاء ، فلا يمكن ان
نعتبره مثالا على التشيع المجزا.

كما ان الامام على (عليه
السلام) يتمتع بولاء روحى وفكرى من عدد من كبار الصحابه
فى عهد ابى بكر وعمر من قبيل سلمان وابى ذر وعمار وغيرهم
، ولكن هذا لا يعنى ايضا تشيعا روحيا منفصلا عن الجانب
السياسى بل انه تعبير عن ايمان اولئك الصحابه بقياده الامام
على للدعوه بعد وفاه النبى فكريا وسياسيا وقد انعكس ايمانهم
بالجانب الفكرى من هذه القياده بالولاء الروحى المتقدم
وانعكس ايمانهم بالجانب السياسى منها بمعارضتهم لخلافه
ابى بكر ((148)) وللاتجاه الذى ادى الى صرف السلطه عن
الامام الى غيره.

ولم تنشا فى الواقع النظره التجزيئيه الى التشيع الروحى
بصوره منفصله عن التشيع السياسى ، ولم تولد فى ذهن
الانسان الشيعى ، الا بعد ان استسلم الى الواقع ، وانطفات
جذوه التشيع فى نفسه كصيغه محدده لمواصله القياده
الاسلاميه فى بناء الامه ، وانجاز عمليه التغيير الكبيره التى
بداها الرسول الكبير ، وتحولت الى مجرد عقيده يطوى الانسان
عليها قلبه ، ويستمد منها سلوته وامله.

وهنا نصل الى ما يقال من ان ائمه اهل البيت (عليهم السلام)
من ابناء الحسين (عليه السلام) اعتزلوا السياسيه وانقطعوا عن
الدنيا ، فنلاحظ ان التشيع بعد ان فهمناه كصيغه لمواصله
القياده الاسلاميه ، والقياده الاسلاميه لا تعنى الا ممارسه
عمليه التغيير التى بداها الرسول الكريم (صلى اللّه عليه وآله) ،
لتكميل بناء الامه على اساس الاسلام، فليس من الممكن ان
نتصور تنازل الائمه عن الجانب السياسى الا اذا تنازلوا عن
التشيع.

غير ان الذى ساعد على تصور اعتزال الائمه وتخليهم
عن الجانب السياسى من قيادتهم ، ما بدا من عدم اقدامهم
على عمل مسلح ضد الوضع الحاكم مع اعطاء الجانب السياسى
من القياده معنى ضيقا لاينطبق الا على عمل مسلح من هذا
القبيل.

ولدينا نصوص عديده عن الائمه (عليهم السلام) توضح ان امام
الوقت دائما كان مستعدا لخوض عمل مسلح اذا وجدت لديه
القناعه بوجود الانصار والقدره على تحقيق الاهداف الاسلاميه
من وراء ذلك العمل المسلح ((149)) .

ونحن اذا تتبعنا سير الحركه الشيعيه ، نلاحظ ان القياده
الشيعيه المتمثله فى ائمه اهل البيت ، كانت تومن بان تسلم
السلطه وحده لايكفى ، ولا يمكن من تحقيق عمليه التغيير
اسلاميا ، مالم تكن هذه السلطه مدعمه بقواعد شعبيه واعيه
تعى اهداف تلك السلطه وتومن بنظريتها فى الحكم ، وتعمل
فى سبيل حمايتها ، وتفسير مواقفها للجماهير ، وتصمد فى
وجه الاعاصير.

وفى نصف القرن الاول بعد وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله)
كانت القياده الشيعيه بعد اقصائها عن الحكم ، تحاول باستمرار
استعاده الحكم بالطرق التى تومن بها ، لانها كانت تومن بوجود
قواعد شعبيه واعيه ، او فى طريق التوعيه من المهاجرين
والانصار والتابعين باحسان ، ولكن بعد نصف قرن ، وبعد ان لم
يبق من هذه القواعد الشعبيه شى ء مذكور، ونشات اجيال
مائعه ((150)) فى ظل الانحراف ، لم يعد تسلم الحركه الشيعيه
للسلطه محققا للهدف الكبير ، لعدم وجود القواعد الشعبيه
المسانده بوعى وتضحيه ، وامام هذا الواقع كان لابد من عملين
:
احدهما : العمل من اجل بناء هذه القواعد الشعبيه الواعيه التى
تهى ء ارضيه صالحه لتسلم السلطه.

وثانيهما : تحريك ضمير الامه الاسلاميه وارادتها ، والاحتفاظ
للضمير الاسلامى والاراده الاسلاميه بدرجه من الحياه
والصلابه تحصن الامه ضد التنازل المطلق عن شخصيتها
وكرامتها للحكام المنحرفين.

والعمل الاول هو الذى مارسه الائمه (عليهم السلام) بانفسهم،
والعمل الثانى ، هو الذى مارسه ثائرون علويون كانوا يحاولون
بتضحياتهم الباسله ان يحافظوا على الضمير الاسلامى والاراده
الاسلاميه، وكان الائمه (عليهم السلام) يسندون المخلصين
منهم.

قال الامام على بن موسى الرضا للمامون وهو يحدثه عن زيد
ابن على الشهيد : (انه كان من علماء آل محمد ، غضب للّه
تعالى فجاهد اعداءه، حتى قتل فى سبيله ، ولقد حدثنى ابى
موسى بن جعفر انه سمع اباه جعفر بن محمد يقول : رحم اللّه
عمى زيدا ، انه دعا الى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لوفى بما
دعا اليه ... ان زيد بن على لم يدع ما ليس له بحق ، وانه كان
اتقى للّه من ذلك ، انه قال : ادعوكم الى الرضا من آل محمد (
صلى اللّه عليه وآله ) ) ((151)) .

وفى روايه انه ذكر بين يدى الامام الصادق من خرج من آل
محمد، فقال : (لا ازال انا وشيعتى بخير ما خرج الخارجى من
آل محمد، و لو ددت ان الخارجى من آل محمد خرج و على
نفقه عياله) ((152)) .

فترك الائمه اذن العمل المسلح بصوره مباشره ضد الحكام
المنحرفين لم يكن يعنى تخليهم عن الجانب السياسى من
قيادتهم وانصرافهم الى العباده ، وانما كان يعبر عن اختلاف
صيغه العمل الاجتماعى التى تحددها الظروف الموضوعيه ،
وعن ادراك معمق لطبيعه العمل التغييرى واسلوب تحقيقه.

تم بحمد اللّه تعالى وعونه وتوفيقه تحقيق الكتاب والتعليق
عليه
محرم الحرام / 1414 ه
د .

شراره
ملحق البحث

ملحق البحث


الاعداد التربوى والفكرى لولايه على (عليه السلام)
و خلافته
بقلم
الدكتور عبدالجبار شراره
المبحث الاول
الاعداد التربوى والفكرى لعلى (عليه السلام)
المبحث الثانى
اعداد الامه وتهيئتها لتولى على (عليه السلام)
الخلافه
المبحث الثالث
مدخليه اختصاص على (عليه السلام)بالمعرفه
القرآنيه فى اعداده للخلافه
تمهيد

تمهيد


ان عمليه الاعداد الفكرى والتربوى (الرسالى) لولايه على
بن ابى طالب وخلافته ، التى قام بها الرسول الاعظم (صلى اللّه
عليه وآله) كانت تسير فى خطين متوازيين ومتكاملين ،وهما
اعداد على (عليه السلام) واعداد الامه فى آن واحد.

فبينما
نجد الرسول القائد (صلى اللّه عليه وآله) يتعهدعليا برعايه
خاصه ، تربيه وتثقيفا ، فكريا وعقائديا، وفق برنامج دقيق ويومى
متواصل ، نجده صلوات اللّه عليه يتولى تهيئه ذهنيه الامه
المسلمه، وتربيتها فكريا وعقائديا ايضا لترسيخ ولايه على ،
وتاكيد اهليته لقياده المسيره الاسلاميه ، والتجربه الاسلاميه
بعده مباشره.وقد كان تدخل الوحى المباشر فى كثير من
الموارد والمناسبات - كماسياتى - يصب هو الاخر فى هذا
الاتجاه.

لقد كان قرآن ينزل دائما يحمل الاشاده بفضل على تاره ،ويدل
على خصائصه تاره ، ويشخصه دون غيره الى ان يصل الامر الى
تعليق اكمال تبليغ الرساله على الاعلان عن ولايته ، والتصريح
بهاللامه - كما سياتى البيان - .

هذا ما سنحاول استيضاحه وتوثيقه فى هذه الدراسه
التى نلحقها بهذا البحث العميق والاصيل للشهيد الصدر
(رضوان اللّه تعالى عليه).

وسنوزع هذه الدراسه على ثلاثه مباحث:
نعرض فى المبحث الاول ، عمليه الاعداد الفكرى والتربوى
لعلى (عليه السلام) من اجل تولى مهمه القياده بعدالنبى
(صلى اللّه عليه وآله).

ونعرض فى المبحث الثانى عمليه الاعداد الفكرى
والتربوى للامه المسلمه من اجل تلك المهمه نفسها.

ونعرض فى المبحث الثالث ، مدخليه افراد على بعلم
القرآن خاصه بتلك المهمه نفسها.

وسنحاول فى هذه الدراسه الموجزه تسليط الاضواء على
تلك الحقائق معتمدين اصول البحث العلمى وقواعده ، بعيدا
عن المبالغات والتمحلات ، مستندين الى المصادرالحديثيه
والتفسيريه من مصنفات العلماء والمحدثين والباحثين الفضلاء
وخاصه من اهل السنه.

نستمد العون من اللّه تعالى وهو حسبنا ونعم والوكيل.

المبحث الاول:الاعداد الفكرى والتربوى لعلى (عليه السلام) name="link20">
نستطيع القول بكل تاكيد ان الرسول الاعظم (صلى اللّه
عليه وآله) ، قد قام بعمليه الاعداد الرسالى (التربوى والفكرى)
لعلى بن ابى طالب (عليه السلام) منذ صدع بالوحى ،وكان
صلوات اللّه عليه يضع الخطوات العمليه من اجل بلوغ الغايه
المتوخاه من ذلك ، وهى تولى على للمهمه القياديه
(الاجتماعيه والسياسيه) بعده مباشره.ويظهر لنا من سير
الاحداث ، وما تناقلته كتب السيره والتواريخ ، ومانقله الرواه
الثقاه ، ان ذلك تم عن طريقين :
الاول : تعهد الرسول القائد (صلى اللّه عليه وآله) نفسه
بكفاله على (عليه السلام) منذ صغره ، وتولى تربيته ورعايته ،
والحرص البالغ على ان لا يفارقه الا لضروره.

والثانى: افراد على (عليه السلام) من بين سائر الصحابه
بمقامات وعلوم ومواقف ترتبط بوجود الاسلام وبمستقبله.

فاما اولا : فان كتب السيره والروايه قد تكفلت ببيان
تفصيلات وافيه فى هذا الصدد ، حتى ان امر تعهد الرسول
الاعظم (صلى اللّه عليه وآله) لعلى بكفالته منذ صغره ،
وتربيته فى بيته من اوضح ما تزخر به سيرته الشريفه ، ويكفى
ان نورد ما بينه الامام على (عليه السلام) نفسه فى
خطبته الشهيره بالقاصعه اذ يقول : (وقد علمتم موضعى من
رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) بالقرابه القريبه ،
والمنزله الخصيصه ، وضعنى فى حجره وانا ولد ، يضمنى الى
صدره ، ويكنفنى فى فراشه، ويمسنى جسده ، ويشمنى عرفه.

وكان يمضغ الشى ء ثم يلقمنيه ، وما وجد لى كذبه فى قول ، ولا
خطله فى فعل ... ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه، يرفع لى
فى كل يوم من اخلاقه علما ، ويامرنى بالاقتداء به ، ولقد كان
يجاور فى كل سنه بحراءفاراه ولا يراه غيرى.ولم يجمع بيت
واحد يومئذ فى الاسلام غير رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)
وخديجه وانا ،ارى نور الوحى والرساله واشم ريح النبوه...) .

ان هذه الصوره التى ينقلها لنا الامام على (عليه السلام)
نفسه عن كيفيه وطريقه التعامل التى كان يتبعها النبى معه ،
تكشف لنا عن حقيقه وابعاد الهدف الاعظم من ذلك.

ان هذه التربيه المخصوصه لعلى (عليه السلام) ،
والرعايه الفائقه، والحرص على ان يكون على قريبا جدا من انوار
الوحى ، وان يكون متعرضا لنفحات النبوه ، وان يكون ثالث ثلاثه
فى بيت الرسول القائد حيث مهبط الوحى ، فيتلقى فى هذا
المكان المشرف الدروس الاولى،والتوجيهات النبويه المباشره ،
فينعكس ذلك على تكوينه الفكرى والعقيدى (فلا يسجد لصنم
قط) ولا يخالطعقله لحظه شرك، وينعكس على سلوكه (فلا
كذبه فى قول ، ولا خطله فى فعل...).

ان هذا ليكشف عن
اعدادتربوى خاص بلا ادنى شك.ومما يلاحظ فى هذا الصدد ان
تعهد الرسول القائد (صلى اللّه عليه وآله) لعلى بالرعايه والعنايه
الخاصتين لم يقتصر على فتره الطفوله والصبا ، ولم يتوقف
عند مرحله معينه لاننا نجد ان الرسول القائد كان حريصا على
ان يكون على الى جانبه دائما لا يفارقه ليلا ولا نهارا ، كما ورد
عن على (عليه السلام) قال : (كان لى مع النبى (صلى اللّه عليه
وآله) مدخلان ، مدخل بالليل ، ومدخل بالنهار...) بل نجد
الرسول القائد لا يفارق عليا ولا يتركه الا لضروره تتصل بحفظ
حياه الرسول نفسه او بحفظ الدعوه الاسلاميه وحمايتهامن
اخطار محتمله.

ونذكر على كل حاله مثالا واحدا ، لتاكيد المطلب.

ا - المورد الاول الذى يتصل بحفظ حياه الرسول القائد نفسه
،وهو عندما ترك رسول اللّه عليا ليبيت فى فراشه ليله
هجرته المباركه الى المدينه ، ايهاما لقريش المترصدين ،وانجاء
لنفسه صلوات اللّه عليه وآله وسلم من موامرتهم لقتله .وقد
نزل فى ذلك قوله تعالى: ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء
مرضات اللّه ... كما ذكره الفخر الرازى .

ب - المورد الاخر الذى يتصل بحفظ الرساله وحمايتها،
وهوعندما اراد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) ان يخرج الى
بعض مغازيه -قيل تبوك - ترك عليا فى المدينه خليفه عنه،
لان ابن ابى بن سلول راس المنافقين كان قد تخلف فى
المدينه ، فاقتضى الموقف ان يترك على لمواجهه اى تطور غير
محسوب قد يهدد دوله الرسول القائد فى المدينه ، ذكر
الطبرى : (انه لما سار رسول اللّه - الى تبوك -تخلف عنه
عبداللّه بن ابى فيمن تخلف من المنافقين واهل الريب - وكان
عبداللّه بن ابى اخا بنى عوف بن الخزرج- وعبداللّه بن نبتل اخا
بنى عمرو بن عوف ، ورفاعه بن زيد بن التابوت اخا بنى قينقاع
، وكانوا -اى المذكورون - من عظماء المنافقين ، وكانوا ممن
يكيد الاسلام واهله.

قال الطبرى : وفيهم - فيما حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا
سلمه عن ابن اسحاق ، عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصرى
انزل اللّه تعالى : لقد ابتغوا الفتنه من قبل وقلبوا لك الامور ... ...
وهنا ادرك المنافقون ان بقاء على فى المدينه سيفوت الفرصه
عليهم ، قال الطبرى فى تتمه الخبر :(فارجف المنافقون بعلى
بن ابى طالب ، وقالوا: ما خلفه الا استثقالا له وتخففا منه.

فلما
قال ذلك المنافقون ، اخذ على سلاحه ثم خرج حتى اتى رسول
اللّه (صلى اللّه عليه وآله) وهو بالجرف - موضع على مسافه من
المدينه -فقال : يا نبى اللّه ، زعم المنافقون انك انما خلفتنى،
انك استثقلتنى وتخففت منى ! فقال : كذبوا ، ولكنى انما
خلفتك لما ورائى ... افلا ترضى ان تكون منى - يا على - بمنزله
هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى ! ، فرجع على الى المدينه
ومضى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) على سفره ).

وقد نقل البخارى ومسلم حديث المنزله هذا، وفى الروايه عن
سعد بن ابى وقاص : قال : خلف رسول اللّه عليا - فى بعض
مغازيه فى المدينه ، فقال على: يا رسول اللّه قدخلفتنى مع
النساء والصبيان، فسمعت رسول اللّه يقول : اما ترضى ان تكون
منى بمنزله هارون من موسى الا انه لانبوه بعدى...) ومن
الامور الملفته للنظر ان الرسول الاعظم (صلى اللّه عليه وآله)
كان يعبر عن تلهفه وهواجسه عندمايغيب عنه على (عليه
السلام) ، ويتطلع الى رويته والاطمئنان عليه ، فعن ام عطيه
على ما اخرجه ابن كثير وحسنه، قالت : بعث النبى (صلى اللّه
عليه وآله) جيشا ، وفيهم على.

قالت: فسمعت النبى (صلى اللّه
عليه وآله) يقول: (اللهم لا تمتنى حتى ترينى عليا).

/ 5