شیعة فی ایران دراسة تاریخیة منذالبدایة حتی القرن السابع الهجری نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شیعة فی ایران دراسة تاریخیة منذالبدایة حتی القرن السابع الهجری - نسخه متنی

رسول جعفریان؛ مترجم: علی هاشم الأسدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


و ذهـب الـبـعـض الـى ان هـذا الـمـوقف من الناصر يعد موقفا سياسيا اتخذه لاستقطاب الشيعة و اسـتـمـالتهم ((1587)) و ذكر الساعدي ان استيزار ابن العلقمي الشيعي كان من اجل اقناع العالم
الشيعي رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني ((1588)) .

ان هـذا الموقف من الناصر, مضافا الى ا نه يدل على قدرة الشيعة و قوتهم , فهويكشف عن تعارضهم
مـع مناوئيهم , ذلك التعارض الذي كان الناصر يحاول رفعه لمصلحته و استمر هذا التعارض قرونا
عـديـدة , و كـانـت تظهر معالمه في بغداد من خلال اشتباك الفريقين سنويا في يوم عاشورا, و يوم
الـغدير و وردت تفاصيله في كتاب البداية والنهاية لابن كثير, و المنتظم لابن الجوزي , و شذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي .

و بلغ تغلغل التشيع في الجهاز الاداري للحكومة العباسية في الفترة الاخيرة من عمرها ان كثيرا من
وزرائها كانوا شيعة , و هذا لا يمكن ان يكون بعيدا عن هدفهم المتمثل باستمالة الشيعة لقبول السيادة
السنية في المجتمع الاسلامي كله , مضافا الى ان اولئك الوزرا كانوا ذوي كفاات ادارية .

و اخـتـار الـمـسـتعصم , و هو آخر حاكم عباسي , مؤيد الدين بن العلقمي الشيعي وزيراو ظل في
منصبه حتى سقوط بغداد و مقتل الحاكم المذكور.

و عـلى الرغم من هذا الموقف الذي اتخذه الحكام العباسيون , فان عناصر من السنة كانت متسللة في
داخل الحكومة و كانت تحرض الحاكم العباسي احيانا ضد الشيعة ,فتترك الوضع في بغداد مزيجا من
الدم والنار, و يتكبد الفريقان خسائر جسيمة فادحة من جرا الاصطدامات التي تجري بينهما.

و حـدث احـد الاصـطدامات في بغداد حتى في آخر سنة من سنوات الحكم العباسي ـقبل سقوطه
بـسنة ـ اي : سنة 654 ه ((1589)) , فزاد حقد الشيعة على الحكومة العباسية بسبب الظلم الذي
مورس بحقهم .

و فـي هـذا الـمجال , كتب ابن العلقمي رسالة الى احد كبار الشيعة , و هو السيد تاج الدين محمد بن
نـصـر الـحـسـيني , ننقلها فيما ياتي ليستبين موقف الشيعة من الحكم العباسي ((ا نه قد نهب الكرخ
الـمكرم [حي في الجانب الغربي من بغداد كان يسكنه الشيعة ], و قد ديس البساط النبوي المعظم , و
قـد نـهبت العترة العلوية , و استؤسرت العصابة الهاشمية فلهم اسوة بالحسين ـ عليه السلام ـ حيث
نهب حريمه , و اريق دمه ((1590)) )).

ان هـذه الـسابقة المذكورة امر ثابت و على الرغم من التقارب الذي كان يحصل بين الحين و الاخر
على سبيل الاستثنا, بيد ان التعصب كان يشدد الامر على الطرفين و كان الحكام يثيرون الخلاف في
غـيـر مـصـلـحتهما و مصلحة الناس , و ذلك من وحي التعصب او رغبة في ايجاد التفرقة , و بس
ط نفوذهم مدة اطول .

و ادت هـذه الارضية الى توجيه التهمة ضد الشيعة في حادثة سقوط بغداد الذي يمثل سقوط الحكم
الـعباسي في الحقيقة و اصبح وجود الشيعة في راي المتعصبين باعثا على تحريض المغول لاسقاط
الحكومة العباسية .

بـيـنما كان كثير من علما السنة في عداد خواص الحاكم العباسي الملازمين له , مثل شرف الدين بن
الـجـوزي كـمـا كـان عـدد كبير منهم في بطانة هولاكو و لعل اساس تلك التهمة وجود الخواجه
نـصـيـرالـديـن الطوسي ـ رحمه اللّه ـ (597 ـ 672), و مشاركة مؤيدالدين بن العلقمي وزير
الـمستعصم في هذه الحوادث و اشيعت هذه التهمة من قبل الحنابلة و احلافهم الذين كانوا اكثر من
غيرهم في سابقة عدائهم للشيعة و سائر المذاهب الاسلامية في بغداد.

ان ما نهدف الى دراسته هنا هو ما ياتي :.

اولا : ان المغول كانوا منذ البداية يزمعون على تكثيف هجماتهم على ايران و العراق ,و هم في غنى
عمن يحرضهم على هذا العمل .

ثـانيا: ان الاخبار التي تتحدث عن حضور الخواجه نصيرالدين الطوسي في بلاطهولاكو لا يمكن
ان تثبت ضلوعه في تحريض ملك المغول لاسقاط الحكومة العباسية .

ثـالـثـا: ان التاريخ يشهد على ان ما قام به الخواجه قد حال دون ضياع الاسلام و تدميره ,و قلل من
الخسائر المحتملة .

رابعا: ان ابن العلقمي كما اشاع مناوئوه عنه ايضا لم يبدر منه الا نصيحته الصادقة في هذا المجال , و
قـد اتـخذ موقفا صحيحا تبعا للاوضاع السائدة , و ذلك من اجل حقن دماالناس الابريا الذين ضيعتهم
الحكومة حفاظا على مصالحها الخاصة .

خامسا: ان حكام بغداد انفسهم هم الذين طمعوا المغول فيهم ـ كما قال ابن الاثير ـو هم الذين دلوهم
على الاقطار الاسلامية و نعتقد ايضا ان الشيعة , باتخاذهم الموقف الصحيح ككثير من اهل السنة , لم
ينقذوا انفسهم من هذه الورطة الرهيبة فحسب , بل استثمروها ايضا لتوسيع نطاق الثقافة الاسلامية
بعامة , والثقافة الشيعية بخاصة .

و نـرى مـن الـضـروري ـ قـبـل استعراض هذه المسائل ـ ان ننقل عبارات الذين رمواالشيعة و
الخواجه نصيرالدين الطوسي بهذه التهمة , ثم ناتي على نقدها.

ان مـن بين المؤرخين القريبين من زمان الواقعة المذكورة هو احمد بن محمد بن تيمية (م 728 ه)
الـذي لـصـق هـذه الـتهمة بالخواجه نصيرالدين و يعد ابن تيمية مبدعا لمذهب جديد بين المذاهب
الاسلامية تمتد سابقته الى احمد بن حنبل و اهل الحديث .

و اشـتـهـر فـي كتبه بتهجمه على الشيعة اكثر من الفرق الاخرى , و دل في كثير من مؤلفاته على
عـدائه الـشـديد لهم و تعصبه البغيض ضدهم و اصدر حكمه الموافق لهواه ـ لا جرم ا نه ناتج عن
الـقـوة الـمـتصاعدة للشيعة في عصره ـ فاعتبر الخواجه مقصرا في غزو بغدادخلافا للنصوص
الاصـيـلـة الـمـتـعلقة بتاريخ الهجمات العسكرية للمغول و المدونة قبله و قال في موضع من كتابه
منهاج السنة بعد ان ذكر شهرة الخواجه بين الخواص والعوام : هو الذي حرض ملك المغول على قتل
الـخـلـيـفـة و الـعلما و بعد ذلك اتهمه بعدم المبالاة في رعاية الشعائر الاسلامية , و عدم اجتناب
الـمـحرمات الشرعية , و اضاعة الصلاة , و ارتكاب الفواحش , و شرب الخمر, و عدم الصلاة في
شهر رمضان المبارك , و ارتكاب الزنا ((1591)) .

و قـال فـي مـوضـع آخر و هو يشير الى الخواجه ايضا: هو الذي امر بقتل الخليفة ,و القضا على
الحكومة العباسية ((1592)) .

و كـان ابن القيم الجوزية , و هو من تلاميذ ابن تيمية , احد الذين اشاروا الى الخواجه باصابع الاتهام
تـبـعـا لاسـتـاذه فـاتـهـمه بضلوعه في قتل الحاكم العباسي والعلما, بعد ان اخترع له القابا نحو:
نصيرالشرك والكفر والالحاد و ادان آراه الفلسفية , و رماه بتهمة انكارالمعاد, و انكار صفات اللّه و
و تـعـلـم السحر و عبادة الاصنام ((1593)) نستشف مما تقدم ان ابن تيمية , و ابن القيم كليهما لم
يـتـورع فـي الـصـاق التهم و التقول على الخواجه بدا بارتكاب المحرمات الشرعية و انتها بعبادة
الاصنام و ثمة اشخاص آخرون كالسبكي ((1594)) , و خواندمير ((1595)) قد رموا الخواجه
بهذه التهمة ايضاو عدوه عنصرا مؤثرا في غزو بغداد تبعا لابن تيمية و نظائره .

و نلحظ بين المستشرقين ايضا في العصر الحديث من ذكر هذا الدور للخواجه و لم ينكره , كمؤلفي
كتاب تاريخ ايران ـ كمبريج ((1596)) و يمكننا ان ننقل اسما غيرهم كادواردبراون , و آربري
اللذين عدهما الدكتور الحائري مع من ذهب الى تثبيت مثل هذاالدور للخواجه ((1597)) .

و نـرى بـيـن الـشـيـعة , من القرن العاشر فما بعده , من اثنى على عمل الخواجه ضدالعباسيين في
سـريـرته , و اعتبره نقطة قوة للخواجه و من هؤلا : الخوانساري في روضات الجنات , و قد ذكر
عبارة حادة في هذا المجال ((1598)) .

و كذلك اثنى عليه القاضي نوراللّه الشوشتري (م 1019 ه) كصاحب الروضات ((1599)) و بقطع
الـنـظر عن ان هذه الخطوة نقطة قوة للخواجه اولا, فان اشتراك الخواجه في تلك الحادثة موضع
شـك و تـرديد و ما قاله الخوانساري و امثاله ناشئ عن تعصبهم ضدالحكام العباسيين فحسب لذا لا
يمكن الاعتماد على ما نقلوه ـ لاسيما بعد ان ثبت من المصادر الاصيلة عدم وجود مثل هذا الدور ـ
لانهم الفوا كتبهم بعدالحادثة المذكورة بعدة قرون في الاقل .

و مـن المناسب ان نشير هنا الى باحث آخر قد ادى به عدم التمعن , و خضوعه لتاثيرالخلافات بين
الشيعة والسنة الى ان يشط اكثر من ابن تيمية فيلقي اللوم على الشيعة و يراهم المقصرين الحقيقيين
في هذه القضية , مع انه نفى تهمة الالحاد عن الخواجه و دافع عنه في هذا الحقل يذكر هذا الباحث ان دور الشيعة كان من البواعث الاولى على سقوط الحكومة العباسية ((1600)) ,
و يـقول : ((و اخيرا خرجت يدالشيعة من كم المغول و حسمت الامور ((1601)) )) و يقول ايضا
مـشـيـرا الـى مـا نـقـلـه خـوانـدمـيـر في حبيب السير (وخواندمير مؤرخ من القرن التاسع ),
والقاضي نوراللّه الشوشتري , و ابن تيمية ((1602)) ,و ابن القيم الجوزية , و السبكي ((1603))
(( و تجمع المصادر كلها تقريبا على هذاالموضوع بصراحة ((1604)) )) و يقصد من الموضوع
في كلامه الدور الاساس المزعوم للخواجه نصيرالدين الطوسي في الاطاحة بالحكم العباسي .

و سـنلاحظ ان هذه القضية لم يتفق عليها المؤرخون القريبون من زمن الحادثة ((1605)) , و ان ما
نـقـلـه البعض مشوب بالتعصب غالبا, و حتى لو فرضنا فرض محال ان الخواجه كان ضالعا في هذه
الـقـضية , فان القول بخروج يد الشيعة من كم المغول بعيد كل البعد عن حكم التاريخ و منطق التقييم
المنصف , و لا يليق بباحث ان يذكره .

المغول يزمعون غزو بغداد.

المغول يزمعون غزو
بغداد.


نـقـل لنا التاريخ ان جنكيزخان كان راغبا في اقامة علاقات ودية مع حكام ايران و العراق و لم ينو الـهجوم على هاتين الدولتين في بادئ الامر, بل كان يسعى في توثيق الصلة بهماو بنا علاقات ودية
مـعـهما, و لذلك ارسل اليهما التجار, و اوفد سفيره المفوض الى الدولة الخوارزمية , الا ان غرور
السلطان محمد خوارزمشاه (م 617 ه) قد دفعه الى قتل التجار و السفير المذكور, و من ثم توري
ط نـفـسـه و بـلاده بـمـشـكـلة كان في غنى عنها و حينئذبدات الاشتباكات والحروب بين المغول
والخوارزمشاهيين في المناطق الشرقية من ايران ((1606)) .

لا جـرم ان الـتـصـرفات الطائشة للسلطان الخوارزمي , الذي يحتمل ا نه لم يتوقع انتصارالمغول
يومئذ, كانت من اسباب هجوم المغول و نص ابن الاثير على ان السلطان ندم على عمله القبيح , و فكر
بـحـل , لكنه فوجئ بانذار السلطان المغولي و هو يقول له : ((تقتلون اصحابي و تجاري و تاخذون
مـالـي مـنـهم , استعدوا للحرب ((1607)) )) هذا جانب من القضية , اما الجانب الاخر فيتمثل في
توجهات المغول انفسهم , فانهم و ان كانوا يفكرون في البداية بتوحيد اقطار الشرق الاقصى , لكنهم
عزموا على توسيع نطاق نفوذهم بغتة , وكان التصرف المتهور الذي بدر من السلطان محمد خوارزم
شاه ذريعة بايديهم , فبداواهجماتهم على آسيا الوسطى .

و يـنـبـغي ان نذكر هنا بواعث اخرى دفعت المغول الى الهجوم , منها تحريض الغربيين لهم من اجل
الهجوم على الاقطار الاسلامية ((1608)) ذلك التحريض الذي كان بامكانه ان يقدم مساعدة كبيرة
للنصارى الى جانب الحروب الصليبية و كان الارمن القاطنون في ارمينية يعضدون الغربيين .

و فـكـر الـمـغول بالغزو منذ ان اعترى جنكيزخان هوس التوسع في المناطق الغربية من آسيا و
تعرضت مناطق كثيرة من ايران للغارات المغولية مادام جنكيز على قيد الحياة (624 ه), و من هذه
المناطق : الري , و قم , و كاشان , و ساوه اي : مناطق عراق العجم ((1609)) .

ان حضور جلال الدين خوارزمشاه في السلطة , و تنمره امام المهاجمين (حتى سنة628 ه) قد حدا
مـن تغلغل المغول في المناطق المركزية من ايران , فواصلوا زحفهم باتجاه القفقاز و في اعقاب موت
جلال الدين , اغاروا على سائر المناطق في ايران بعد ان كانواقد اكتفوا في زمانه بخراسان بوصفها
المنطقة الوحيدة الخاضعة لسلطتهم .

ان الـلافـت لـنظرنا هنا هو ان المغول طفقوا يفكرون بعد ذلك بقمع حاكم بغداد و احتلال عاصمته
عـلـما با نهم كانوا قد شنوا بعض الغارات على بغداد قبل غزوها باحدى و عشرين سنة تقريبا, و
ذلك في ايام المستنصر العباسي و يشعرنا هذا ان اشخاصا مثل الخواجه نصيرالدين الطوسي ليس لهم
اي دور في تحريض المغول , بل كان المغول انفسهم يزمعون القيام بذلك من قبل .

و يقول رشيدالدين في هذه الغارات التي شنت في عامي 634 , و 635 ه ما نصه :.

((كان الجيش المغولي يقوم بغاراته فوجا فوجا بامر بايجونويان , و قد حاصر اربيل , في اوائل المدة
الـمـذكورة التي كان فيها المستنصر العباسي حاكما على البلاد و لما بلغ المستنصر خبرهم , وجه
الـيـهم شمس الدين ارسلان على راس ثلاثة آلاف فارس و عندماسمع المغول ذلك , لاذوا بالفرار
عـلى غرة و استفتى المستنصر الفقها هل ان الحج افضل او الجهاد, فافتوا جميعهم بافضلية الجهاد,
فنهى الناس عن الحج في تلك السنة و شرع العلما, والفقها, والخواص , والعوام , والغربا, و اهل البلد
بـالتدريب على السلاح ,و تعلم الرماية و امر بحفر خندق , و تشييد سور حول بغداد و عاد المغول
مـرة اخـرى الـى اربـيل و كان امير ارسلان تيكين مرابطا مع جيشه خارج المدينة , و هو ينتظر
قـدومـهـم و لماعلم المغول بذلك , رجعوا ادراجهم , و اتجهوا صوب دقوق , و بعض توابع بغداد, و
قـتـلـوا,و نـهـبـوا, و اسـروا مـن وجـدوه فـي تـلك المناطق و انهزم المغول من جبل حمرين
خـائبـيـن ,فلحقهم الاتراك و غلمان المستنصر, و قتلوا عددا كبيرا منهم , و اطلقوا اسرى اربيل
ودقوق منهم ((1610)) )).

و نـقـرا ايـضا معلومات متكررة نقلها لنا المؤرخون عن هجوم المغول على مناطق العراق في الفترة
الممتدة بين سنة 632 و 635 ه ((1611)) .

و فـي ضؤ ما نقل لنا ابن ابي الحديد الذي شهد حوادث المغول , فان جماعة منهم هاجموا بغداد بقيادة
بجكتاي الصغير و كان هذا الهجوم في سنة 643 ه و وقع الاشتباك في السابع عشر من ربيع الاول
مـن هـذه الـسـنـة , و اسـفـر عـن هزيمة المغول و فرارهم بسبب الاستبسال الذي ابداه الجيش
البغدادي ((1612)) .

و اعـاد الـمـغـول الـكرة فاغاروا على خانقين سنة 647 ه ((1613)) و ذكر ابن الكازروني ان
هجومهم الذي اشار اليه ابن ابي الحديد انه كان في سنة 643 ه , قد وقع في السابع عشر من ربيع
الثاني سنة 642 ه ((1614)) .

و ثمة ادلة اخرى ايضا تفيد ان المغول كانوا مستائين من الحاكم العباسي , و طالماكانوا يتظلمون منه
عند ملكهم .

اذن , كانوا في غنى عمن يحرضهم على قتل الحاكم العباسي والقضا عليه .

و عـنـدما تولى منكوقاآن قيادة المغول , كان بايجونويان قد توجه الى ايران على راس جيش جرار
للمحافظة عليها و اوفد منها مبعوثا الى ملك المغول يشكو اليه من الملاحدة [الاسماعيليين ] و حاكم
بـغـداد و كـان شـمس الدين القزويني عند منكوقاآن يومذاك ,فحرضه على الاسماعيلية , و ذكره
باستيلائهم على قسم من البلاد ((1615)) .

و استجاب منكوقاآن لتحريضه فاشخص اخاه هولاكو لغزو تلك البلاد, و قال له : ((ابدامن قهستان
[مقر الاسماعيلية في شرق ايران ] و دمر القلاع و الاسوار و ان فرغت منها,فتوجه الى العراق و
اذا بادر الحاكم العباسي الى الطاعة فلا تتعرض له بسؤ اما اذا تكبر وعصى ولم يوافق لسانه قلبه ,
فالحقه بمن سبقه ((1616)) )).

و نـقـل خـوانـدمـيـر ايـضـا انـه قـال لاخـيـه هولاكو: (( ابدا بغزوك من جيحون الى اقصى
مصرو ((1617)) )).

و لو تصفحنا التاريخ و راينا ماذا فعل الحاكم العباسي خلال خمسين يوما من غزوبغداد, و كيف كان
تعامله مشينا مع المغول قبل ذلك , لعلمنا انه اغضب هولاكو الى درجة ان الخواجه و غيره من الامرا
والـعلما لو كانوا عارضوه لقتلهم ايضا كما قتل حسام الدين الذي هدده و اخافه من قتل المستعصم و
حذره بانه لو قتل , فستنقلب الدنيا و لما لم يحدث شي , قضى عليه .

حكم التاريخ على دور الخواجه في واقعة بغداد.

حكم التاريخ على دور الخواجه في واقعة
بغداد.


ارى مـن الـضـروري قـبل نقل الارا التي اتهم اصحابها الخواجه نصيرالدين الطوسي (م 672 ه) بضلوعه في هذه الواقعة , ان اقسم المصادر التي ثبتت دور الخواجه او نفته الى ثلاث مجموعات :.

ا : المصادرالتي لم تذكر شيئا عن دور الخواجه :.

ا : المصادرالتي لم تذكر شيئا عن دور
الخواجه :.


و تشمل هذه المجموعة المصادر الاصيلة التي دونت بعد الحادثة بقرن عادة , و كان اكثر مؤلفيها اما شهدوا الغزو المغولي , او كانوا يعيشون بعده بمدة قليلة .

ان سـكـوت هـذه الـمصادر عن دور الخواجه يمكن ان يشكل دليلا على انكار هذاالدور, ذلك ان
القضية تتسم بحساسية خاصة .

و مـن هـذه المصادر: طبقات ناصري او تاريخ ايران و اسلام لمؤلفة منهاج سراج , اذنستخلص من
كـتـابـه (ص 497) الذي الفه سنة 658 ه عدم وجود دور للخواجه نصيرالدين , فقد نقل كيفية
حـصـار بـغـداد, و ذكـر الانتصارات الوهمية للحاكم العباسي ,و تحدث عن خيانة ابن العلقمي ـ
سنناقش هذا الموضوع ـ بيد ا نه لم يذكر شيئا عن الخواجه نصيرالدين ((1618)) .

و منها : تاريخ مختصرالدول لابن العبري (م 658 ه) فقد فصل الكلام عن غزو بغدادنسبيا, لكنه
لـم يـتطرق الى الخواجه الطوسي ((1619)) و في سياق اشارته الى وفاة الخواجه في الصفحات
الـتـالـيـة مـن كـتـابـه , ذكر تبحره في العلوم , غير ا نه لم يتحدث عن القضايا السياسية المتعلقة
به ((1620)) .

و فـي ضـؤ مـا نـقل الدكتور الحائري , فان ابن الفوطي الذي الف كتابه سنة 657 ه ,و اورد فيه
حادثة سقوط بغداد, لم يعرض اي شي عن دور الخواجه في هذه الحادثة ((1621)) .

و نقرا في كتاب تاريخ جهانگشاى للجويني نصا للخواجه نصيرالدين في كيفية غزوبغداد يذكر فيه
بـعض التفاصيل عن هذه الحادثة و لم يرد فيه شي عن دوره في غزوبغداد ((1622)) هذا النص
الذي يقع في عدد من الصفحات مخصص للحديث عن كيفية الواقعة فحسب .

و كـان الـمـؤرخ و الـجـغرافي الشهير في القرن الثامن حمداللّه المستوفي (م 730 ه) من الذين
اشاروا الى غزو بغداد, الا ا نه لم يذكر الخواجه في ذلك علما بان حديثه عن هذه الواقعة يتلخص
في عدد من السطور ((1623)) .

و كان ابن طباطبا (ابن الطقطقي ـ م 709 ه) احد المؤرخين الناقدين الف كتابه : الفخري سنة
701 هـ , و اشـار فـيـه الـى غـزو بـغـداد عـنـد حـديـثـه عـن الـمـسـتعصم , بيد ا نه لم يتطرق
الـى الـخـواجـه ((1624)) و لـم يـذكـره الا فـي تـعـريـفـه ابـن الـعـلـقـمـي عـند قدومه
الـى هولاكو ((1625)) و نقل في موضع آخر كلاما له دون الاشارة الى اسمه , و هذا الكلام يتعلق
بـنـبؤة شخص آخر لم يذكر اسمه ايضا و تدور هذه النبؤة حول حدوث تغيير في السما عند قتل
الحاكم العباسي و و سننقل هذا الكلام في القسم الاتي و ننقده .

و اشـار الـمـؤرخ الـشهير في العصر المغولي رشيدالدين فضل اللّه الى نفس الكلام الذي نقلناه في
الـسـطـور الـمـتقدمة ـ و سناتي على تفصيله ـ و لم يذكر دورا خاصا للخواجه في تحريض ملك
المغول على غزو بغداد, او في قتل المستعصم نفسه .

و كـان المؤرخ العربي ابو الفدا صاحب كتاب المختصر في اخبار البشر قد قال بان الاطلاع لم يقع
عـلى كيفية قتل المستعصم , و لم يشر الى دور للخواجه في قتله , مع ا نه قد ذكر بعض المعلومات
المتعلقة بحياة الخواجه ((1626)) .

و نـقل محمد بن شاكر الكتبي (م 764 ه) مؤلف كتاب فوات الوفيات شرحا مفصلانسبيا عن حياة
الـخواجه (قرابة ست صفحات ) و ذكر خدمة الخواجه عند هولاكو و سماع هولاكو كلامه , بيد
انه لم يشر و لو اشارة بسيطة الى تاثير الخواجه في واقعة بغداد ((1627)) .

و تـحدث ابن الوردي المؤرخ في القرن الثامن الهجري (م 749 ه) عن واقعة بغداد في تاريخه و
اكـد عـلـى دور ابـن الـعلقمي ـ سنتحدث عن ذلك في موضع آخر ـ في الواقعة , و لم يتطرق الى
الـخواجه ((1628)) و تكلم ايضا عن خدمة الخواجه لهولاكو, و تشييدالمرصد, و ذكر ولادته
و وفاته , و ذلك في سياق حديثه عن السنة التي توفي فيها الخواجه (672 ه), و اشارته الى خدمته
في الموت لكنه لم يلمع الى شي آخر يدل على دورللخواجه في واقعة بغداد ((1629)) .

و كـان الذهبي من المحدثين والرجاليين المعروفين بين اهل السنة (م 746 ه) و عندماتحدث عن
واقـعـة بـغـداد فـي ذيل حوادث سنة 656 ه , و بين موقف ابن العلقمي , لم يوردذكرا للخواجه
فيها ((1630)) .

و لم يتطرق الصفدي (م 797 ه) مؤلف كتاب الوافي بالوفيات في كتابه الى موضوع يدل على وجود
دور للخواجه في غزو بغداد من قبل المغول ((1631)) .

و لـم يـتـحـدث نـخـجـوانـي فـي كـتـابـه الـذي ا لفه سنة 724 ه عن اي دور للخواجه في
واقعة بغداد ((1632)) .

و كان الغساني (م 761 ه) احد المؤرخين في تلك الفترة , و لم يورد اسما للخواجه نصيرالدين في
حديثه المفصل نسبيا عن غزو بغداد, مع اساته المتكررة لابن العلقمي ((1633)) .

و لـم يـذكر ابن الكازروني (611 ـ 697 ه) في كتابه اسما للخواجه نصيرالدين و كان على قيد
الـحياة يومئذ ((1634)) و كذلك الاتابكي ((1635)) (م 874 ه), والسيوطي ((1636)) (م
911 ه), فانهما لم يذكراه ايضا.

ان الـكـتـاب الـمـذكورين آنفا, و اكثرهم من المؤرخين المشهورين في القرن السابع و الثامن , لم
يشيروا الى اي دور للخواجه , مع حساسيتهم حيال المغول , و هتك حرمة الحكومة العباسية , لا سيما
ان بعضهم كان متعصبا تعصبا خاصا في هذه الامور كابن الوردي , والذهبي .

و لـو كـان هـنـاك شـي في هذا المجال حقا, لاكده هؤلا الذين كانوا يسيئون الظن بالشيعة لذا فان
السكوت عن ذكره يشعر بعدم وجود دور للخواجه في هذا الموضوع المهم .

و ثمة اشارة اخرى الى هذه القضية تتمثل في ان الخواجه نصيرالدين الطوسي ـ على خلاف الفترة
الـتـي تـلـت واقعة بغداد ـ لم يكن له نفوذ يذكر قبل الواقعة و هناك حقيقة التفت اليها مؤرخو ذلك
الـعـصـر, و تتجسد في ان المكانة التي حظي بها الخواجه عندهولاكو بعد غزو بغداد لم يكن لها
وجود قبل الغزو و حينه .

ب : الكتب التي استصوبت دور الخواجه في واقعة بغداد.

ب : الكتب التي استصوبت دور الخواجه في واقعة
بغداد.


نـقـلنا فيما تقدم اقوال ابن تيمية , و ابن القيم الجوزية , والسبكي , و خواندمير,و اليافعي و ينبغي ان ناخذ بنظر الاعتبار عددا من الملاحظات حول اقوالهم .

1 ـ راينا في المصادر الاصيلة التي تحدثت عن غزو بغداد ان ايا منها لم يشر الى دورللخواجه في
هـذا المجال , بينما كان موقف اصحابها سلبيا حيال الشيعة والمغول و هذاافضل دليل على عدم صحة
اقوال ابن تيمية و امثاله .

2 ـ ان الـتعصب الديني الذي عرف به ابن تيمية و تلميذه ابن القيم , و اشخاص آخرون كالسبكي , و
ابـن الـعـماد الحنبلي اللذين حذوا حذوهما, و تماثلت تعابيرهم بعضها مع بعض تماما, لا يدعنا نقبل
طعنهم بالخواجه نصيرالدين الطوسي .

لـقـد اتـخذ ابن تيمية موقفا سلبيا من الشيعة في اكثر كتبه , و تقول عليهم بتهم جوفاكثيرة , اهمها
خـلـطـه غـلاة الشيعة بمعتدليهم و الدليل على ذلك اتهامه الخواجه بالنصيرية في كتابه الرد على
النصيرية , و النصيرية فرقة غالية كما ان ذكر هذه التهمة في كتاب منهاج السنة الذي الفه ابن تيمية
ردا عـلـى كتاب منهاج الكرامة للعلامة الحلي يشعر با نه كان ينوي الصاق التهم و هذه التهمة واهية
جوفا ايضا كسائر تهمه .

و عـنـدمـا سـمـع الـعـلامـة الـحـلـي ان ابـن تـيـمـيـة كتب ردا عليه , قال : ((لو كان يفهم ما
اقول ,اجبته ((1637)) )).

3 ـ لو قدر ان نحسب حسابا للتهم التي الصقها ابن تيمية , و ابن القيم بالخواجه , و وازنابينها و بين
اتهامه بتاثيره في غزو بغداد, لعلمنا ان هذه التهمة واهية ايضا.

ان التهم التي الصقت بالخواجه هي : ا ـ عدم رعاية الاحكام الشرعية .

ب ـ ارتكاب المحرمات الشرعية ج ـ عدم اقامة الصلاة د ـ ارتكاب الفواحش ه ـشرب الخمر و ـ
ارتكاب الزنا ز ـ انكارالمعاد ح ـ انكار صفات اللّه ط ـ عبادة الاصنام و.

ان الذي يبدو من هذه التهم هو ان اصحابها تقولوها بدافع التعصب المقيت البغيض ولا ينبغي ان نحسب
نقلها نقلا عاديا, فضلا عن نقل تاريخي اصيل .

4 ـ ان الـمثال المناسب جدا الذي يمكن ان نستهدي به في عدم الركون الى كلام ابن تيمية و اتباعه
هـو مـوقـف ابـن كـثـيـر (م 846 هـ) فـقـد كـان هـذا الرجل من الحنابلة , و يعد من اتباع ابن
تيمية ((1638)) , و لا جرم انه كان مطلعا على كلامه الملحوظ في ثلاثة من كتبه على الاقل , بيد
انه لم يتفق معه فيه .

يـقول ابن كثير في الخواجه ضمن اشارته الى وزارته لهولاكو: كان الخواجه الى جانبه في واقعة
بغداد و من الناس من يزعم انه اشار على هولاكو بقتل الخليفة و عندي ان هذالا يصدر من عاقل و
لا فاضل ((1639)) .

ان قـولـه : و مـن الناس تاريخيا لهذا الزعم , بل يراه بعيدا عن شان الخواجه .

ج : المصادرالتي لم تشر الى دور للخواجه في واقعة بغداد.

ج : المصادرالتي لم تشر الى دور للخواجه في واقعة
بغداد.


لكنها نقلت ما اصبح منبعا لهذه التهمة .

و عـلـى الرغم من عدم وجود هذا ايضا, الا ان ذكره يعود الى ما ذهب اليه الدكتورالشيبي بقوله :
((اما قصة فتح بغداد, فانها و ان كانت نتيجة طبيعية لزحف التتار و قضائهم على الامارات ابتدا من
تـركـسـتـان الـى الـعـراق , الـقـى الـتـعـصـب الـمـعـهود بين اهل السنة و الشيعة وزره على
الـشـيعة ((1640)) )) اجل , حسب الخواجه ان يكون اسمه بين مرافقي ملك المغول باعثا على هذه
التهمة .

و قـد نـقـل رشـيـدالدين ذلك , و ذكر شخصين : احدهما: حسام الدين المنجم , و الاخر:الخواجه
نـصيرالدين الطوسي و اورده ابن الطقطقي من غير ان يذكر اسما و ثمة اشخاص آخرون اخذوه
من رشيدالدين و غيروا في مضمونه و فيما ياتي ما نقله رشيدالدين .

يـحسن بنا قبل ان ناتي بالمعلومات التي اوردها رشيدالدين , ان نذكر بان العباسيين كانوا يخالون ـ و
يـبـثـون الـدعايات ـ ان احدا لا يستطيع القضا على حكومتهم , كما ان الاوضاع التاريخية كانت قد
ساعدتهم كثيرا.

ان حكومتهم التي امتدت خمسمائة و خمسا و عشرين سنة , مضافا الى هذه الدعايات , قد رسخت هذا
الاعـتـقـاد عند كثير من العوام و ذكرنا آنفا ان السلطان محمدخوارزم شاه عندما توجه الى بغداد
لـلاطاحة بالحكومة العباسية , و هلك كثير من جنوده بسبب البرد القارص الذي اصابهم في اسدآباد
التابعة لهمدان , فان الناس ظنوا ان هذه معجزة لدعم العباسيين و تاييد حكومتهم .

و قال الجويني عن تلك الحادثة : ((لما دب فيه الضعف و الوهن , و الوت به معجزة الدين تراجع عن
رايه بالضرورة ((1641)) )).

لا ريـب ان هذه الحادثة الطبيعية قد تركت اثرها على الناس , بما فيهم العلما الذين كان يعتقد بعضهم
بالحكومة العباسية .

و مـن هؤلا العلما: حسام الدين المنجم الذي كان احد المقربين عند هولاكو, و لعله كان اقرب اليه
مـن الـخـواجـه و كـان الحوار الذي جرى بينه , و بين هولاكو و الخواجه , هوالباعث على جر
الخواجه الى تلك المعمعة , فاشيرت اليه اصابع الاتهام بالتحريض على قتل الحاكم العباسي .

يـقول رشيدالدين : ((استشار هولاكوخان اركان حكومته و اعيان بطانته فيما عزم عليه من السفر
[الى بغداد] فابدى كل منهم رايه حسب ما يعتقد ثم طلب حسام الدين المنجم الذي كان مرافقا له بامر
منكوقاآن ليختار وقت النزول والركوب , و امره ان يوافيه بكل مايبدو له في النجوم دون مداهنة و
لـما كان هذا الرجل من المقربين عنده , فقد كانت له جراة على الكلام , فقال له : انه ليس ميمونا قصد
اسـرة الخلافة بسؤ, و الزحف بالجيش الى بغداد, اذ ان كل ملك قصد بغداد و العباسيين , لم يستمتع
بـالـملك و العمر و اذا لم يصغ الملك الى كلامي و ذهب الى هناك , تظهر ستة انواع من الفساد: 1 ـ
تـنـفق الخيول كلها ويمرض الجنود 2 ـ تحتجب الشمس 3 ـ يمتنع القطر 4 ـ تهب ريح صرصر,
ويـنـهـارالـعالم بالزلزال 5 ـ لا ينبت النبات في الارض 6 ـ يموت ملك عظيم في تلك السنة فطلب
هـولاكـومنه شهادة بصحة هذا الكلام فكتبها المسكين , و قال علماالدين المغول والامرا: ان الذهاب
الـى بـغـداد هـو عـيـن الـمصلحة بعد ذلك استدعى هولاكوخان الخواجه نصيرالدين الطوسي و
اسـتـشـاره , فـخاف الخواجه , و ظن ان الامر على سبيل الاختبار, فقال : لن تقع اية واقعة من هذه
الاحداث فقال هولاكو: اذن ما ذا يكون ؟ قال : ان هولاكوخان سيحل محل الخليفة ثم احضر هولاكو
حسام الدين ليتباحث مع الخواجه الذي قال : لقد استشهد جمع كثير من الصحابة باتفاق آرا الجمهور و
اهـل الاسـلام , و لـم يحدث فساد قط و لو قيل : ان للعباسيين مكرمة خاصة بهم , فان طاهرا جا من
خـراسـان بامر المامون , و قتل اخاه محمدالامين , و قتل المتوكل ابنه بالاتفاق مع الامرا كذلك قتل
الامـرا و الـغـلـمـان الـمـنتصروالمعتز, و قتل عدد من الخلفا على يد جملة اشخاص , فلم تختل
الامور ((1642)) )).

و نـقـل ابـن الـطـقطقي ما يشبه ذلك , الا ا نه ذكر ان الخواجه ضرب مثالا باميرالمؤمنين ,و ولده
الحسين ـ عليهماالسلام ((1643)) .

و ذكـر مـنـهـاج سـراج اصل القصة , بيد انه لم يذكر جوابا لتهديد هولاكو بقتل الحاكم العباسي ,
واكـتفى بكلام ملك الموصل بدرالدين لؤلؤ و غيره من الكفار, اذ قالوا لهولاكو:لو بقي الخليفة حيا
فـان الـمـسـلـمين الموجودين في الجيش , والناس المقيمين في البلدان الاخرى يخرجون عليك و
يخلصونه من يدك ثم يقتلونك ((1644)) .

والحقيقة هي ان هذا الحوار ـ لو صح بالشكل الذي اجاب الخواجه فيه ـ كان في وقت قد اتخذ فيه
هـولاكـو قراره الحاسم , و لم يبال حتى بكلام حسام الدين الذي كان مرافقا له بامر اخيه ليختار له
وقـت النزول والركوب و لا يمكن ان يشكل الحوار المشار اليه دليلاعلى تحريض هولاكو على
مـهـاجـمة بغداد, بخاصة ان الخواجه توهم انه يختبره , و في هذا اكبر الخطر و قتل حسام الدين
بسبب كذب نبؤته ((1645)) .

و اخيرا امر هولاكو, مراعاة للاحتياط ((فلف الخليفة في بساط, و رفس حتى مات ((1646)) )).

و ذكر الاستاذ الحائري النقاط الاتية , مضافا الى ما تقدم : 1 ـ ان خان المغول تولى القيام بهذه المهمة
مكلفا من قبل اخيه 2 ـ ان فيلسوفا مثل الخواجه لا يمكن ان يقر بمثل هذه العقائد الخرافية 3 ـ في
ضـؤ مـا نقله رشيدالدين , لم يرغب هولاكو في سماع اي اعتراض قط 4 ـ ان كلام الخواجه بعدم
حدوث اي واقعة الا جلوس هولاكو على العرش مكان حاكم بغداد كان حقيقة لا مناص من الاقرار
بها.

ثـم اشار الدكتور الحائري الى ان هذا الكلام اصبح فيما بعد ذريعة للتخرص على الخواجه , بيد ان
الـباعث الاساس على ذلك هو التعصب الديني ثم ذكر كلام وصاف , و هوكلام رشيدالدين نفسه , و
لكن جا في آخره ا نه بعد ذلك , اي : بعد جواب الخواجه , قررغزو بغداد بعزيمة راسخة و ضمير
مطمئن ((1647)) .

و هـذه الـعبارة المضافة هي التي اوهمت ابن تيمية و امثاله فيما بعد, فوجهوا تهمهم الى الخواجه ,
بينما لم يذهب المؤرخون العقلا ـ كالذين ذكرنا اسماهم ـ الى ما ذهب اليه ابن تيمية , و ابن القيم من
التصور الخاطئ .

آثار وجود الخواجه بين المغول .

آثار وجود الخواجه بين
المغول .


الـحـق هـو ان الـخواجه كان يعيش بين المغول , و لازمهم حتى وافاه الاجل ثم عاش بينهم ولده من بعده ((1648)) .

و ينبغي لنا هنا ان نلتفت الى عدد من النقاط: الاولى : ان الخواجه نصيرالدين كان شيعيا اماميا و تمثل
اهـم تـراث ثـقـافي و تاريخي للشيعة في التقية التي حافظت على كيانهم عبر التاريخ , و وقتهم من
الـمـضـايقات التي بلغت ذروتها في عهد زياد, و ابنه عبيداللّه ,والحجاج , والمنصور, والرشيد, و
المتوكل , و امثالهم تلك التقية التي ما لم يعمل بها احد,فلا دين له .

مـن جـهـة اخـرى , عـنـدمـا وقـع الخواجه في فخ الالموتيين , راى بام عينه ان المغول قد بداوا
هـجمومهم , و حققوا ما لم يحققه السلاجقة و غيرهم خلال مائة و سبعين سنة مع ما كانوا عليه من
الـتـجهيزات والامكانيات العظيمة , ودمروا قلاع الاسماعيلية ((1649)) و هذه حقيقة قلما كان
يصدق بها احد آنذاك .

و شـاهـد الـخـواجـه مـا قام به المهاجمون من اعمال قرابة ثلاثين سنة اذ دمروا كافة الحواضر
الاسـلامـيـة و جعلوها قاعا صفصفا, و ارتكبوا المذابح المروعة بقسوة بالغة و راى كيف طمسوا
جـميع المعالم الثقافية , و منها المكتبات , و عرف ان لا قبل لاحد ان يقف بوجههم و يردعهم و اثبت
التاريخ ذلك ايضا.

امـا الـنقطة الاخرى فهي ان المغول ليسوا كالعرب الذين كانوا يغيرون على بلد من اجل هدايته الى
الـدين , و انقاذه من الكفر والضلال , بل كانوا قوما همجا رعاعا لا موجه لهم الا الشعار الجنگيزي
المشوب بمئات الخرافات و العقائد الجوفا الملوثة بالشرك .

و هـؤلا يـاتون الان الـعـلما ـ حتى لو كان الاحترام لفظيا ـ الا ينبغي لنا ان نستثمر ذلك و ننقذالاسلام والمسلمين من
بـراثـنهم ؟ او ننجي الثقافة الاسلامية من قبضة قوم لا ثقافة لهم , ثم نربيهم بعد ذلك و نصنع منهم
مبلغين للعلم و الفكر و الدين ؟.

اتخذ الخواجه قراره و تحرك الى جانب هولاكو و شخص الدا, فراى ان سبيله هوالسبيل الوحيد
لحفظ الاسلام و المسلمين و الثقافة الدينية في المجتمع .

و مـا هذا الكلام الا زعم في بادئ الامر, بيد ان التاريخ ايد حزم الخواجه و كياسته ,و دل على ان
الـخواجه و امثاله من علما الشيعة و السنة قد ادوا ما عليهم جيدا, و اثمرعملهم و كان هناك من له
عقل كعقل الخواجه ايضا, غير ان الحاكم العباسي لم يحفل بهم ((1650)) .

و سنلاحظ ان ابن العلقمي الذي كان وزيرا لاخر حاكم عباسي قد طرح نفس الاقتراح الا ان بعض
الـمتعصبين من امثال دويدار قد تعنتوا فالقوا الجميع في هاوية الهلاك ,و اغرقوا بغداد بالدم حفظا
لمناصبهم طـبـيـعـيـا ان الـخـواجه و امثاله لم يكونوا ذوي نفوذ كبير في البداية , فيجعلوا هولاكوخاضعا
لـتوجيهاتهم تماما, لكنهم استطاعوا, على تواتر الايام , ان يسيطروا عليه من منظارسياسي , و ليس
هذا فحسب , بل اعتنق الاسلام كثير من سلاطين المغول بعده و بذلواجهودهم من اجل بسط العدالة
و بث الثقافة الاسلامية فكانوا افضل من الامويين والعباسيين ـ الذين يتحرق لهم ابن تيمية ـ اضعافا.

و هـذا لا يـعـنـي اننا ننكر دور الاشخاص الذين قاوموا و حاربوا ببسالة حتى استشهدوا,بيد ان
ادراك الـحـقـيـقـة , والتصرف بحزم و كياسة المغول ـ من قبل شخص كالخواجه العالم الذي كان
بمقدوره ان يملك قلوب المغول ـ امران يستسيغهما العقل السليم جيدا.

و كـانـت هـذه هي سجية الشيعة اذ استطاعوا المحافظة على كيانهم الى جانب كفاحهم و جهادهم ,
حـتـى ا نـهم اقروا بالحكام العباسيين في فترة ما ـ و هو ما نلمسه عند الشريف الرضي و الشريف
المرتضى و سائر نقبا العلويين في بغداد ـ و اتخذوا هذا الموقف لتوسيع نطاق التشيع والاسلام , و
استطاعوا ان يستقطبوا نصف الناس في بغداد الى التشيع على امتداد القرون التي تلت تاسيسها من قبل
المنصور العباسي , و استاثروا بالقسم الغربي منها لانفسهم .

و نـعـرض فـيـما ياتي نماذج من استثمار الخواجه نفوذه لاقامة دعائم الدين و الثقافة الاسلامية ,
والـمـحافظة على العلما والمفكرين , و ذلك لتكون آية على صحة الطريق الذي انتهجه الخواجه و
آثره على غيره في تلك الاوضاع العصيبة .

نفوذ الخواجه عند هولاكو.

نفوذ الخواجه عند
هولاكو.


اشـرنا فيما تقدم الى ان الخواجه لم يكن له نفوذ يذكر عند هولاكو في اول امره و هذه حقيقة المع اليها بعض الباحثين ايضا ((1651)) و نقرا ان المغول عندما اغاروا على بغداد, فان الشيعة و السنة
جميعا قد تعرضوا الى هجماتهم ((1652)) .

/ 33