و في الفترة الاخيرة من الحكم الساماني , اتهم عبدالملك بن نوح وزيره ابا منصورمحمد بن عزيز, و كـذلـك قـائد جيشه ابا سعيد بكر بن مالك الفرغاني بالقرمطية ,و قتلهما ((1367)) و لعل هذه
الـتـهـمـة كانت ذريعة لقتلهما و مصادرة اموالهما (هذاالعمل كان مالوفا عند الغزنويين ) و لكننا لا
نستبعد ان الاسماعيليين تغلغلوا ((مرة اخرى ))في صفوف السامانيين الى هذه الدرجة .و نـقـل مـنهاج سراج معلومات عن وجود القرامطة في هذا العصر, ننقلها فيما ياتي نصا: ((و ظهر
اعيان القرامطة والملاحدة في بلاد الطالقان ايام نوح بن منصور و استجاب لهم حشد غفير من الناس
و اخضعهم الامير سبكتكين لسلطته ,و شن الحرب عليهم و لقب ناصرالدين )) و واصل عمله فهزم
جـيـش ابـي عـلـي سيمجور ذلك الجيش الذي ((كان اكثر اعيان و وجها الولايات فيه قد انتموا
الى القرامطة و اقروا بدعوتهم ((1368)) )) و اشار حسن بن الصباح ايضا في ترجمته الى الميول
الاسـمـاعـيـلية لسيمجور ((1369)) و كان طبيعيا ان يتخذ السلطان محمود نجل سبكتكين هذا
الموقف نفسه حتى انه عندما كان مشغولا في اعماله العسكرية بالهند,قاتل الاسماعيليين الذين كانوا
في مولتان مع ا نهم قد تمردوا مرة اخرى في عهده ,و استمروا قرنين من الزمان ((1370)) يقول
الـعـتـبي : ((كان ابوالفتح لودى والي مولتان (بين قندهار و لاهور) معروفا بخبث النحلة , و فساد
الطوية , و رجس الاعتقاد, و قبح الالحادفبلغ خبره السلطان محمود, فانهضته الحمية على الاسلام
والغيرة على الدين الى دفع ضرره , و اجتثاث معرته ((1371)) )).و هذه الخلفية ادت فيما بعد الى مضاعفة تشددهم على الاسماعيلية و ان العقائد التي كانوا يتمسكون
بـها معروفة بمناواتها للشيعة تماما و قد اعلنوا دعمهم لفرقة الكرامية التي عدت من فرق المشبهة ,
و كانت تمثل خطا في مقابل اهل ((العدل والتوحيد (المعتزلة و الشيعة ((349))))) كما ان الفقه
الـذي كـان يحظى بدعمهم هو الفقه الحنفي فحسب وعندما مات محمود, فان الاسماعيلية و سائر
الـفـرق الـشيعية قد ابتهجت و اغتبطت و لذلك قال فرخي في رثائه و تعريبه : آه , فالان قد ابتهج
القرامطة , و امنوا على ارواحهم من وطاة التشريد و الاعدام ((1373)) .و كـان للاسماعيلية انفسهم نفوذ عميق في بلاد ماورا النهر و سنلاحظ ا نهم قد تعرضوا للقمع و
الابادة في هذه المنطقة مرات كثيرة كما كانوا من قبل يعيشون تحت ضغوط مستمرة .و عـنـدما افرط محمود في قمعه للاسماعيلية , فان الحاكم الفاطمي في مصر الظاهرلاعزاز دين
اللّه بعث اليه رسالة مع خلع كثيرة و قد بادر الحاكم المذكور الى هذا العمل ليخفف ضغوط محمود
على الاسماعيليين و لعله يستميله اليه بيد ان ما قام به لا يمكن ان ينسجم مع توجهات محمود الدينية
كـما ا نه مرفوض من الوجهة السياسية ذلك ان بعدغزنة عن القاهرة اضعاف بعدها عن العراق و ان
حـدوث تقارب سياسي امر متعذر لذلك ارسل محمود تلك الخلع الى الحاكم العباسي القادر , و قال :
((انا الخادم الذي ارى الطاعة فرضا و ارسلت هذه الخلع لترسم فيها ما ترى )) ثم تم احراق الخلع
عـلـى بـاب الـنـوبـي , فـخرجت منها سلع كثيرة وزعت على بني هاشم ((1374)) و قام محمود
بـهـذاالـعـمـل مـن اجـل دفـع الـتـهـمـة عـن نـفسه , لان المنطقة الشرقية من ايران التي كانت
مـحفلاللاسماعيلية يومئذ, ذات ارضية مساعدة على اتهام حكامها او امرائها بمثل هذه النزعة ,كما
حـدث ذلـك لسيمجور و انما اخذ محمود هذه النقطة بعين الاعتبار فتصرف كماتقدم و كان يحاول
دائمـا ان يدفع هذه التهمة و يحصل على دعم الحكام العباسيين و لذلك عندما توجه التاهرتي مبعوث
الـحاكم الفاطمي الى غزنة , امر بارجاعه الى نيسابور لئلا((تتلوث اذيال طهارته بغبار هذه التهمة
الـعتبي ((1375)) وهذا يدل على ان اعداه و خصومه لصقوا به مثل هذه التهم , فكان يتشدد كثيرا
لاثبات نزاهته و براته منها.و وردت اليه تعليمات من العاصمة العباسية في السنين الاولى من القرن الخامس تامره بقتل المعتزلة ,
والـرافـضـة , و الاسـمـاعـيـلـيـة , والـقـرامطة , والجهمية , والمشبهة او ابعادهم و لعنهم على
الـمنابر ((1376)) و هو الذي كان يتطلع دائما الى الالقاب و الخلع المهداة من العاصمة العباسية ,
لـذلـك كان يبذل قصارى جهده في هذا المجال , املا في دعم موقعه المعنوي والسياسي و نلحظ ان
القادر العباسي ارسل اليه خلعة نفيسة و ثمينة لم يحظ بها احد من الملوك و السلاطين )).و كان بغراخان احد ملوك ماورا النهر قد شغله الاسماعيليون ايضا و في ضؤ ما نقله ابن الاثير عن
حـوادث سـنة 436 ه , فان بغراخان قد اوقع بجمع كثير من الاسماعيلية ,و ذلك ان خلقا منهم قد
جاؤوا الى ماوراالنهر, و دعوا الى طاعة المستنصر باللّه العلوي ,فتبعهم جمع كثير و عندما سمع
بغراخان بخبرهم , خاف في البداية ان يسلم منه بعض من اجابهم من اهل تلك البلاد (لان الاسماعيلية
كـانـوا يمارسون نشاطهم بشكل تنظيم قوي وسري ((354)))فاظهر لبعضهم ا نه يميل اليهم و
يريد الدخول في مذهبهم و تعرف عليهم و على مجالسهم جيدا, ثم امر بقتلهم و كتب الى سائر البلاد
بقتل من فيها منهم ,ففعل بهم ما امر و سلمت البلاد منهم ((1378)) .و على الرغم من قول الخواجه : ((ان اي مجوسي , او يهودي , او نصراني , او رافضي لم يجرا على
الـظـهـور فـي الساحة السياسية او المجي عند احد الكبار المتنفذين في ايام محمود, و مسعود, و
طـغرل , و الب ارسلان ((1379)) )), فان الحركة الاسماعيلية كانت قد امتدت في اواخر القرن
الرابع و اوائل القرن الخامس و اصبحت تشكل خطرا رئيساعلى الحكومة العباسية لاسباب متنوعة
و نـقـرا ان الحاكم العباسي المطيع الذي كان العوبة بيد البويهيين يطلب من بختيار نجل معزالدولة
((ان يخمد فتنة القرامطة التي انتشرت في آفاق البلاد و قال له : ينبغي القضا على هؤلا القوم )) و
كـان ذلك في اواسط القرن الرابع بيد ان بختيار لم يلق لكلامه بالا مما ادى الى حدوث شقاق بينهما,
انتهى بتنصيب بختيارالطائع مكان المطيع ((1380)) )).بـعد ذلك , كان الفاطميون في مصر يكرون على شتى المناطق و يحكمون قبضتهم عليها باستمرار و
نلحظ ان كثيرا من حكام الاطراف يخطبون باسمهم حتى ان العباسيين لم يتمكنوا من المحافظة على
سلطتهم الا بمؤازرة البويهيين , ثم السلاجقة من بعدهم و اصبحت حكومتهم منذ اواسط القرن الثاني
الـعـوبـة بـيـد الحكام الذين كانوايسيطرون على مختلف الامصار و كان العراق العربي وحده بيد
الـعـبـاسـيـيـن حـتـى ظـهورالبويهيين و لكنه ايضا سقط بايديهم و ايدي غيرهم من الحكام فيما
بعد ((1381)) .و فـي المقابل , نجد الفاطميين الذين تاسست حكومتهم اول الامر في المغرب (مراكش ) من قبل ابي
عـبـداللّه الـشيعي في اواخر القرن الثالث , قد سيطروا على مصر في القرن الرابع ايضا و تمتعوا
بقدرة عظيمة على امتداد القرن الرابع والخامس بخاصة , ان حوزتهم السياسية كانت تتوطد يوما بعد
يوم بسبب جهودهم الاعلامية في بث الدعوة الباطنية و ان كثيرا من الذين قويت شوكتهم في مختلف
الارجـا, كـانوا اما قد تلقواتعليماتهم الدينية في مصر (كناصرخسرو, و الحسن بن الصباح , و ابي
حمزة الاسكاف ((359))), او تاثروا برسل الفاطميين في الحواضر المتنوعة .و اسـتـطاع الفاطميون ان يسيطروا على قسم مهم من المناطق الاسلامية في القرن الرابع و بلغت
قـدرتهم المالية حدا ا نهم بعثوا الى الحاكم العباسي مالا ليصلح به نهرا في الكوفة ((1383)) و لا
جرم ان هذا العمل يعد جهدا اعلاميا.يقول ابن خلدون : ((و في اول المائة الخامسة خطب قرواش بن المقلد امير بني عقيل لصاحب مصر
الـحـاكم العلوي في جميع اعماله و هي : الموصل , والانبار, والمدائن ,والكوفة فاستعدالخليفة ان
يـعـدل حـركـة قرواش من خلال ارسال الاموال الكثيرة و كان ذلك داعيا في كتابة القادر محضرا
بالطعن في نسب العلوية بمصر و شهد فيه الشريف الرضي , والشريف المرتضى , و ابن البطحاوي ,
و ابـن الازرق , والـزكي , و ابو يعلى , و ابن الاكفاني , و ابن الجزري , و ابو العباس الابيوردي , و
ابـوحـامد الاسفراييني , و كثيرغيرهم ((1384)) و في سنة 441 ه ايضا, و في سنة 444 ه
كـمـا ذهـب ابـن كثير ((1385)) , نشر محضر آخر مماثل لذلك المحضر, و زيد فيه انتسابهم
الى المجوس , واليهود.و اتـخـذ الـقـادر العباسي هذه الخطوة للحؤول دون نفوذ الاسماعيلية و الا كان واضحا ان نسبهم
صحيح كما انشد الشريف الرضي شعرا في صحته ((1386)) و ذكر ابن خلدون ايضا ادلة اخرى
حول صحة النسب المذكور ((1387)) , ليس هنا موضع بحثها.و كانت الخطبة في المدينة و مكة باسم العلويين على امتداد القرن الرابع و استمرت فترة طويلة و
كانت تدور بين العباسيين والفاطميين تبعا لقوتهما و ضعفهما ((1388)) .و نـلاحـظ ايـضـا ان محمود بن صالح مرداس الذي سيطر على حلب في منتصف القرن الرابع كان
يـخـطـب بـاسم الفاطميين , ثم ترك ذلك بسبب القدرة المتعاظمة لالب ارسلان و لكنه اعاد الخطبة
بـاسـمـهم بعد ثلاث سنين ((1389)) و كانت الخطبة في الموصل , و واسط باسم الفاطميين بعد
دخـول طـغرل بك الى بغداد ((1390)) و بلغت قدرة الفاطميين حدا ان الخطبة كانت تقرا باسمهم
سـنـة كـاملة في بغداد نفسها, و ذلك في عام 450 ه , حتى فر الحاكم العباسي منها ((1391)) و
هكذا كان ديدن المناطق الاخرى و نقرا ان امرا كثيرين قد تاثروا بالفاطميين و سلطتهم في القرن
الـرابـع , فكانوا يخطبون باسمهم ((1392)) و نلحظ ان بعض الامرا الشيعة ايضا كانوا يخطبون
بـاسـم الـعـبـاسـيين كدبيس بن علي , ثم عدل هذا الامير عنهم الى العلويين المصريين بسبب جور
الـعـبـاسـيـيـن ضـد الشيعة و مقابر اهل البيت ((1393)) وهكذا استثمر قدرة العلويين لتعديل
الحكام العباسيين في اصرارهم على المذهب السني .و نـقـل لنا التاريخ ان شرف الدولة (ابو) المكارم بن ابي المعالي صاحب الجزيرة و حلب ,الذي كان
رافـضـيا قد اتسعت ممالكه , و دانت له العرب حتى طمع في الاستيلا على بغداد (بعد موت طغرل
بك ) لكنه قتل بعد مدة في حربه مع سلمان بن قتلمش السلجوقي ((1394)) و يشير المستوفي الى
ان الـحـاكـم الفاطمي طلب من بها الدولة ,الذي كان من اكبر السلاطين البويهيين في اواخر القرن
الـرابـع , و كذلك طلب من امراالمناطق الخاضعة للسلطة العباسية ان يخطبوا باسمه فوافق بعضهم
على ذلك , ثم صدفواعنه بعد مدة ((1395)) .هـذه التحركات كانت متعذرة في ايران و صحيح ان البويهيين كانوا شيعة , و ان حكامهم المتاخرين
كـانـوا لا يـزالون متمسكين بتشيعهم كجلال الدولة الذي كان ياتي لزيارة مشاهد الائمة الطاهرين
مـاشـيـا نحو فرسخ ((1396)) , الا ا نهم لم يميلوا الى حكومة الفاطميين الاسماعيليين ذلك انهم
كـانوا امامية اثني عشرية من الوجهة العقيدية كما كانوا غير مستعدين للتنازل لهم حفظا لاستقلالهم
من الوجهة السياسية .امـا في شرق ايران , فكان هذا التحرك غير ممكن , لان هذه المنطقة تعتبر مركز التسنن يومئذ بيد
ان جهودا كانت ملموسة في هذا المجال و مارس الاسماعيليون نشاطهم في ايران كما مر بنا سابقا و
هـذه الـنـشـاطـات هي التي افضت في نهاية القرن الخامس الى خضوع مساحة شاسعة من المناطق
المركزية الايرانية و حتى من محافظتي فارس ,و خوزستان لنفوذ الاسماعيليين و هيمنتهم فجاة و
تمكنوا من الصمود مدة طويلة امام اعظم الملوك , و هم السلاجقة , و ادهى الوزرا, و هو نظام الملك
الذي قتلوه هو و ابناه الامرا في همدان سنة 440 ه , و هذا الامير هو آقسنقر الذي كان قد اراق دماهم ((1397)) .و من دعاة الاسماعيلية في بلاد فارس : الشاعر الفارسي ناصر خسرو الذي يعتبرديوانه الشعري
اهـم اثـر لـه بـيـن الـفـرس و كان هذا الشاعر احد العاملين في البلاط الغزنوي وعندما استولى
السلاجقة على خراسان , توجه الى مصر في اواخر العقد الرابع من القرن الخامس و مكث هناك مدة
طـويـلـة تلقى خلالها التعاليم الاسماعيلية و عرض الباحث الروسي ايوانوف بعض المعلومات عن
ركونه الى المذهب الاسماعيلي , و هي كلهامشوبة بالحدس والظن و جا بعضها اعتمادا على ما ذكره
نـاصر خسرو في آثاره العديدة ويرى ايوانوف ان ناصر خسرو كان شيعيا, و بنى رؤيته هذه على
اساس اعتقاده بتشيع البيئة الخراسانية في القرن الخامس (و هذا الاعتقاد ـ طبعا ـ خطا محض ) و
على الرغم من ان هذه الرؤية محتملة , بيد ان العمل في البلاط الغزنوي لا ينسجم مع هذه النزعة ,
الا ان يكون ناصر خسرو قد عمل بالتقية و ما يجدر ذكره هنا هو ان الباطنية كانوا يمارسون بعض
النشاطات في خراسان فلا نستبعد تاثره بهم , بما كان عليه من روح خاصة و ذكرايوانوف نماذج من
آثـاره تـدل عـلـى اسماعيليته , و يمكن للراغبين مراجعة مصدرهاالمتمثل باشعاره الموجودة في
ديوانه المطبوع بطهران (ص 172 ـ 177).و عندما اكمل ناصر خسرو مرحلته التعليمية في مصر ايام المستنصر باللّه سنة 444 ه , دخل بلخ
مـسـقط راسه ثم سافر الى مازندران , و لعل سفرته هذه كانت من اجل الدعوة ومن المؤكد ا نه كان
منهمكا بامر الدعوة طول الفترة التي كان فيها هاربا و عرف اخيرا ففرالى الهند و منطقة يمگان ثم
وافاه الاجل هناك بعد مدة ((1398)) .و كـانـت الاحوال التي يعيش فيها, بخاصة مرحلته الاعلامية , عصيبة جدا فقد اقض الغزنويون , و
بـعـدهـم الـسـلاجـقـة مضاجع الاسماعيلية , و نغصوا عليهم عيشهم و على الرغم من ان الدعوة
الاسـمـاعـيـلـية قد تنامت في ظل تلك الضغوط و المضايقات , و احكم رجالها قبضتهم على مناطق
فـسـيـحة , بيد ان تلك الاوضاع الحرجة التي عاشها دعاة الاسماعيلية تركت بصماتها على حركة
ناصر خسرو و لذلك لم تبق له آثار كثيرة مع ان العمل السري الشديد للاسماعيلية يمكن ان ينسف
هـذا الراي و ينقل مينوي على لسان الحسن بن الصباح في مذكراته (( ان ناصر خسرو الشاعر و
الحكيم و الفيلسوف قد نصب حجة لخراسان من قبل الفاطميين و تجول في مناطق ايران المختلفة , و
كـان يـدعوا الناس فيها الى الاسماعيلية بيد ا نه لم ير غير النفي والتشريد, و لم يقدم عمل الدعوة
الى الامام ((1399)) )).التشيع الاثناعشري في القرن الخامس و السادس .
التشيع الاثناعشري في القرن الخامس
و السادس .
كـان متوقعا ان يفقد الشيعة نفوذهم مع افول شمس البويهيين ذلك الافول الذي تحقق بعد مجي الملك الـسـلـجـوقي الاول طغرل بك , و سجن آخر سلطان من سلاطينهم , و هوالملك الرحيم يقول ابن
كـثير: ((بعد سقوط الملك الرحيم , الزم الروافض بترك الاذان بحي على خير العمل و امروا ان
يـنادي مؤذنهم في اذان الصبح بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين و ازيل ما كان على
ابواب المساجد و مساجدهم من كتابة محمدو علي خير البشر و من ابى فقد كفر و دخل المنشدون
من باب البصرة (و كر السنة المتعصبين ) الى باب الكرخ ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة و
ذلك ان قوة الروافض اضمحلت , لان بني بويه كانوا حكاما, و كانوا يقوونهم و ينصرونهم فزالواو
بـادوا, و ذهبت دولتهم و جا بعدهم قوم آخرون من الاتراك السلجوقية الذين يحبون السنة و امر
رئيس الرؤسا الوالي بقتل ابي عبداللّه بن الجلا ب شيخ الروافض على باب دكانه , و نهبت دار ابي
جعفر الطوسي ((1400)) )).اما الحقيقة فهي ان الشيعة استطاعوا ان يستقطبوا عددا كبيرا من الناس اليهم في ايام الحكم البويهي
الـذي امـتـد ما يربو على القرن و اذا كان عددهم في بغداد اقل من السنة بكثير, فان ذلك يعود الى
سـيـطـرة السنة عليهم بسبب قدرة الاتراك السلاجقة , كما نقل ابن كثير و الا فاننا نلحظ بعد تلك
الـفـتـرة عـندما استولى البساسيري على بغداد سنة 450 ه ق ,فانه افلح في اقرار الخطبة باسم
الحاكم الفاطمي بمصر طول سنة كاملة و استثمر اهل الكرخ وجوده فهجموا على محلة باب البصرة
و نـهـبـوهـا, و اعـادوا عـبـارة حـي عـلـى خـيـرالـعمل الى الاذان في جميع صلوات الجمعة
والجماعة ((1401)) .ثم تعرض الشيعة الى المضايقات مرة اخرى بعد موت البساسيري و لم تلحظاصطدامات بين الشيعة
و السنة في بغداد لعدة سنين (من سنة 451 ه الى سنة 458 ه)على عكس السنين الخالية اذ كانت
نـارها مستعرة باستمرار و طالما شهد المحرم , و يوم الغدير اشتباكات دامية بين الطرفين و ذكر
ابن كثير, و ابن الجوزي , و ابن العماد الحنبلي خلاصة لهذه الاشتباكات في كتبهم .امـا اسـتـعـادة السنة قواهم , فانها تعود الى توجهات الحكومة الجديدة و عندما حدث اشتباك عديم
المثيل اهـل الـسـنـة , و اذلال الشيعة و حينذ اكره الشيعة على ان يكتبواعلى ابواب مساجدهم في محلة
الـكـرخ شـعارا مفاده , خير الناس بعد رسول اللّه ابوبكر ((1402)) بيد ان هذا لا يعني الغا قدرة
الـعـلويين , لاننا نلاحظ ان نقيب العلويين قد احتفظ بمنصبه الرسمي متوليا امارة الحاج والنظر في
المظالم ((1403)) و هذا معلم على نفوذهم .و تـواصلت الاشتباكات بين السنة و الشيعة في السنين التي اعقبت هجوم الاتراك السلاجقة و هذه
آيـة على قوة الشيعة في بغداد, عاصمة الحكم العباسي و عندما حدث اشتباك بين اهالي باب البصرة
و اهـالـي محلة الكرخ سنة 465 ه , فان اهل السنة احرقوامحلة الكرخ و لكن الشيعة كانوا اقويا
الى درجة ا نهم اخذوا من اهالى باب البصرة تعويضات عما لحق محلة الكرخ من اضرار ((1404))
و هذه القدرة التي كان يتمتع بهاالشيعة هي التي ادت الى تغلغلهم في الاجهزة الحكومية في اكثرنقاط
الـعـراق , و قـسم من ايران ايضا و طبيعيا ان هذا التغلغل كان باعثا على الدفاع عن الشيعة , و عدم
الـسـمـاح بـمـمـارسـة الظلم ضدهم و ما قدرة مجد الملك في بلاط السلطان بركياروق الا معلم
واضح على هذا التغلغل .و جا في الكتاب الذي نقضه الرازي ما نصه : ((كان ابوالفضل براوستاني , و بو سعيدهندوي قمي
من جباة الضرائب في عهد بركياروق و السلطان محمد و استولى المعممون من قم , و كاشان , و آبه
على الامور باعمالهم وتصرفاتهم استيلا تاما ((1405)) )).و يـقول مؤلف هذا الكتاب الذي رد عليه الرازي , و كان قد صنف في اوائل القرن السادس : (( و لم
يعهدوا هذه القدرة في اي عصر من العصور الخالية , اذ تجراوا و كانوايتحدثون بمل افواههم , و لا
نجد مكانا للاتراك الا و يحكم فيه خمسة عشر رافضياو كان كتاب الدواوين كلهم منهم و وضعهم
اليوم كوضعهم في عصر المقتدرالعباسي ((1406)) )).و كـان لـلـشيعة نفوذ عظيم في عصر المقتدر ايضا, اذ ان جميع الكتاب منهم و هذه آية على تمتع
الشيعة بقدرة علمية و ثقافية يومذاك و هي القدرة التي اهلت اكثرهم للوزارة و الكتابة في الدواوين
و هـم يـنـحـدرون من آبه , و كاشان , و قم و جا في موضع آخر ايضاقوله : ((اذا كان عند احد
الامـرا فـي عـهـدالسلطان الماضي محمد ملكشاه مختار رافضي ,فانه يرشي احد علما السنة ليبلغ
الاتـراك ا نـه لـيس رافضيا, بل هو سني او حنفي و نجدفي هذا العهد ان معظم ارباب الاتراك , و
حـجـابـهـم , و بوابيهم , و طهاتهم , و فراشيهم هم من الرافضة و يستفتون على مذهب الرفض , و
يبتهجون بذلك بلا و جل و لاتقية ((1407)) )).و يـدلـنـا هذا على ان الارضية قد تمهدت للشيعة , و ا نهم كانوا يبلغون لمذهبهم بنحوايسر خلال
الفترة التي حكم فيها ملوك السلاجقة الاول (طغرل بك , الب ارسلان ,و ملكشاه ), و ذلك بعد عصر
من الضغوط والمضايقات .و ورد فـي موضع آخر من الكتاب المذكور مانصه : ((اذا وقع رافضي في مازق , فانهم يتزرون و
يـنقذونه من ورطته اما اذا كان المتورط حنفيا او شافعيا, فانهم يتعاضدون ضده ,و ينهبون داره , و
ينتقمون من مذهبه ((1408)) )).الحواضر الشيعية الفارسية في القرن الخامس و السادس .
الحواضر الشيعية الفارسية في القرن الخامس
و السادس .
يـعـتـبـر كـتاب نقض من المصادر المهمة لتحديد الجغرافية الدينية في ايران ابان القرن الخامس والـسـادس و تـم تاليف هذا الكتاب في حدود سنة 560 ه , بيد ان معلوماته عن الحواضر الشيعية
تتحدث عن فترة زمنية تمتد قرنين في الاقل علما بان ادلة اخرى تشيرالى ان التشيع في بعض هذه
الـحـواضـر يـعود الى القرن الثاني و قد تحدثنا عن ذلك سابقا ووردت في مواضع مختلفة من هذا
الكتاب اشارة الى الجغرافية الدينية للشيعة و السنة في ايران , ننقل فيما ياتي مطالبها:.تطرق مؤلف كتاب بعض فضائح الروافض الى عدم رواج الدين في الحواضر الشيعية كقم , و كاشان ,
و ورامـين , و ساري و ارم فرد عليه الرازي مبينا الوضع الديني للمدن الشيعية بالترتيب و بدا بقم
قـائلا: ((من الواضح اننا اذا لاحظنا آثار الاسلام و شعائر الدين وقوة العقيدة في قم التي يتمسك
اهـلها كلهم بمذهب الامامية , فان ذلك من بركات الجوامع التي شيدها بلفضل العراقي خارج المدينة ,
والـمـسـاجد التي بناها كمال ثابت وسطالمدينة ,و كذلك المقصورات المزينة و المنابر المتكلفة و
الـمـنـائر الـبـاسقة , و كراسي العلما, و نوبة عقود المجالس و المكتبات الزاخرة بكتب الطوائف
الـمـختلفة , والمدارس القائمة كمدرسة سعد صلب , و مدرسة اثير الملك , و مدرسة الشهيد السعيد
عـزالـديـن مـرتـضـى قدس اللّه روحه , و مدرسة السيد الامام زين الدين اميره بن شرفشاه الذي
كـان قـاضـيـا و نـلـحظ ايضا مرقد السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر ـ عليهماالسلام ـ و ما فيه
مـن اوقاف و مدرسين و فقها و ائمة , و ما يحبره من زينة تامة و اقبال عظيم عليه و ما يشتمل عليه
مـن مدرسة ظهير عبدالعزيز, و مدرسة الاستاذ ابي الحسن كميج , و مدرسة شمس الدين مرتضى
بعدتها و آلاتها و دروسها و مدرسة مرتضى كبير شرف الدين بزينتها وآلاتها و حرمتها والاقبال
عـلـيـها, و غير ذلك مما يطول الكتاب بذكره كله و نجد ايضاالمساجد التي لا تحصى , والمقرئين
الـبـارعـين العالمين بالقراات , والمفسرين العالمين بالمنزلات والمؤولات , و ائمة النحو و اللغة و
الاعراب و التعريف , و الشعرا الكبار,والفقها والمتكلمين , و ما وصل من الاسلاف الى الاخلاف , و
الزهاد المتعبدين , والحجاب الذين لا يعدون , والصائمين في رجب و شعبان و رمضان و ايام شريفة
اخـرى مـن الـسنة , و المصلين بالليل , و اهل البيوتات من العلويين الرضويين , والعرب , و الديالمة ,
وغـيـرهـم و تـسـمـع مـن بـعـض الـمـسـاجـد و الـمنائر في كل سحر اصوات الموعظة و
الـصـلـوات الـمـتـواتـرة و نلحظ ايضا في المساجد الكبيرة والصغيرة , والمدارس المعروفة , و
دورالشخصيات و الوجها الختم المعتاد والمعهود للقرآن في كل يوم , كما نلحظ الاموال الطائلة التي
تجمع من وجوه الحلال , و تصرف حسب ما تريده الشريعة من خمس و زكاة و صدقة باشراف امنا و
متدينين و محتسبين عارفين من العلويين الذين يحملون الدرة على اكتافهم بلا ريا و سمعة , و ينهون
عـن ارتـكـاب المنكرات , و يطبقون شعائر الشريعة ,و قواعد الاسلام من الدرس , والمناظرة , و
مجلس الوعظ, و حلقة الذكر ((1409)) )).و بعد ذلك ذكر المؤلف بعض الروايات الماثورة في فضيلة قم , و اشار الى قول احدالامرا الاتراك ,
الذي عبر عنه الرازي بقاتل الملحدين , فقد قال في اهل قم : ((اهل قم وديعة اللّه تعالى عندنا, و هم
رعـيـة مباركة لنا و منذ ان ورد اسم قم في ديواننا, فاننا,نلمس تقدما و رقيا لنا في كل يوم و نحن
متفائلون بوجودهم ((1410)) )).ثم تحدث عبدالجليل بعد ذلك عن مدينة كاشان الشيعية و قال :.((كـانت كاشان و لا تزال ـ بحمداللّه و منه ـ مدينة منورة و مشهورة و هي مزينة ـوالحمدللّه ـ
بـزيـنـة الاسلام و نور الشريعة , و ما فيها من المساجد الجوامع , و المساجدالاخرى بوسائلها و
عـددهـا و نـجـد هناك المدارس الكبيرة , كالمدرسة الصفوية ,والمجدية , والشرفية , والعزيزية
بـزيـنـتـهـا و وسائلها, و عددها, و اوقافها, و مدرسيها من امثال السيد الامام ضيا الدين ابي الرضا
فضل اللّه بن علي الحسن , الذي لا مثيل له في بلدان العالم علما و زهدا و غيره من الائمة و القضاة و
نـلـحـظ فـيـها كثرة الفقها و المقرئين والمؤذنين , كما نلحظ عقود المجالس و تربية علما السلف
كـالـقاضي ابي علي الطوسي و ابنائه (مثل القاضي جمال ابي الفتح , والقاضي الخطير ابي منصور ـ
حـرسهمااللّه ) و في كاشان مصلحون و حجاج لا يحصون و فيها عمارة مشهد علي بن محمد الباقر
(بياركرز)وقد امر مجدالدين بتشييدها هناك , و تزويدها بما يزينها من الوسائل و العدد والالات و
فـيهاالنور و البركات التي يقبل عليها جميع الملوك والوزرا, و يعترف بها السلاطين و الامراوفي
كاشان ما فيها مما يدل كله على صفا ايمان مؤمنيها و خلوص طاعتهم ((1411)) )).تلا ذلك حديثه عن مدينة آبه او آوه التي كانت كبيرة جدا ثم اصبحت الان قرية كبيرة ,و قال :.((امـا مـديـنة آبه , فانها, و ان كانت مدينة صغيرة , لكنها ـ بحمداللّه و منه ـ بقعة كبيرة بشعائرها
الاسـلامـية , و ما فيها من معالم الشريعة المصطفوية و السنة العلوية متمثلة في جامعيها المعمورين
الـكبير و الصغير, و اقامة صلاة الجمعة و الجماعات و العيدين , و عقدالمراسيم الخاصة بالغدير,
و لـيلة القدر, و يوم عاشورا, و تلاوة القرآن بنحو متواتر,و وجود مدرسة عز الملكي , و عرب
شـاهي العامرتين بلاتهما, و عددهما, و مدرسيهمامن امثال السيد ابي عبداللّه , والسيد ابي الفتح , و
هـمـا من العلما الورعين المعروفين في مجالس العلم و الوعظ المتواترة و كذلك وجود مشاهد ابنا
الائمة كعبداللّه موسى ,و فضل , و سليمان ابنا الامام موسى الكاظم , و هي مشاهد منورة و مشهورة ,
ذهب اليهاالعلما و اقاموا فيها, و كلهم متبحرون متدينون ((1412)) )).اما مدينة ورامين , فهي و ان كانت قرية , لكنها لا تقل عن المدن شيئا و ما يلمس فيهامن معالم الشريعة
و انـوار الـسلام من طاعات و عبادات و ملازمة للاحسان والخيرات ,فهي من بركات رضي الدين
ابـي سعد ـ اسعده اللّه في الدارين ـ و ابنائه اذ شيد فيهاالمسجد الجامع , و اقيمت الصلاة و اقرت
الـخطبة , و انشئت المدرسة الرضوية و الفتحية باوقاف معتمدة , و مدرسين متدينين , و فقها مجدين
و لـهـؤلا خيرات في الحرمين بمكة و المدينة , و مشاهد الائمة من خلال وضع الشموع , و ارسال
الـحـاجـات اللازمة و يمدالخوان بورامين في كل رمضان لعامة الناس , و تقدم العطايا و الهبات الى
جميع ابناالمذاهب الاسلامية بلا تعصب و تمييز و ما شابههما ((1413)) )).و جـا في معجم البلدان ان اهالي ورام كلهم شيعة ((1414)) وقال القاضي نوراللّه ايضا: عرف اهل
ورامين منذ قديم الايام ا نهم من اصحاب اليمين , و من الموالين لاهل بيت النبي الامين ((1415)) .ثـم تـحـدث عبدالجليل الرازي عن مدينة ساري التي كانت تعرف بسارية قديماو كذلك تطرق الى
مـديـنـة ارم الـتـي يـقـول ياقوت الحموي فيها: ((بلدة قرب سارية من نواحي طبرستان و اهلها
شيعة ((1416)) )).و لـم يشر الرازي في حديثه عن هاتين المدينتين الى المدارس و غيرها, بل اكتفى بقوله : ان هناك
تـشـددا مفرطا ضد الباطنية اي : على الرغم من ان الملوك الذين كانوايحكمون تلك المناطق هم من
الـشـيـعة , بيد انهم يقدمون آلاف الملاحدة فريسة للكلاب سنويا ((1417)) و ذكر الرازي هذا
الموضوع ليبين ان الشيعة و الباطنية كانا على طرفي نقيض , و لم تكن هناك اي صلة بينهما, بل كانا
متعاديين متخاصمين .و من الحواضر الشيعية الاخرى : سبزوار يقول عبدالجليل الرازي فيها:.((امـا سـبـزوار ـ بـحـمـداللّه و مـنـه ـ فـانـهـا مـركـز الشيعة والاسلام , مزينة بالمدارس
الجميلة والمساجد النورانية و كان العلما فيها يدرسون الشريعة خلفا عن سلف و يلحظ فيهابوضوح
لـعـن الـمـلاحـدة , و عـدا الباطنية و نجد فيها الدرس , و المناظرة , والمجلس ,و ختمات القرآن
المتواترة ((1418)) )).و يـذكـر الرازي في كلامه هذا ايضا بافتراق الملاحدة (كان اسما مشهورا للاسماعيليين في ذلك
الـقـرن ) عـن الـشيعة و عندما تعاظم نفوذ الاسماعيليين , فان الشيعة الامامية ـ الى جانبهم ـ كانوا
عـرضـة لـلـهـجـوم عـادة و كـمـا ذكـرنـا سـابقا, فان البعض يرى التشيع الاثني عشري ممهدا
لـلاسـمـاعـيـلـيـة ((1419)) و كـان جـليا هنا ان الشيعة الامامية ينبغي ان يفصلوا انفسهم عن
الاسـماعيليين و لذلك نلحظ ان الحكام الشيعة في ساري ابادواالاسماعيليين هناك و كان هذا باعثا
على تخفيف الضغوط على الامامية و ينكر الرازي اساسا ان يكون التشيع الامامي ممهدا للاسماعيلية
و يـحـاول ان يـثبت في مواطن مختلفة من كتابه عدم وجود صلة بينهما و على العكس , فان الباطنية
يـقـيـمون في المدن السنية اكثرمن غيرها و يواصل الرازي حديثه في هذا المجال حول سبزوار
فيقول :.((و الاعـجـب مـن ذلك ان كل جيش كان يتوجه الى تلك الارجا في عهد عباس غازي ,و ايناج بيك
مـجـاهد ازري , فانه يسلب و ينهب و يقتل الملاحدة في دامغان و لم يالف ذلك في سبزوار فلما كان
الخواجه (مؤلف فضائح الروافض ) يعرف اوضاع دامغان ومذهب اهلها (اذ كانوا سنة ((397))),
فعليه ان يراعي الادب في حديثه عن سبزوار ((1421)) )).و ينقل الرازي في موضع آخر من كتابه عن الحسن بن الصباح قوله : ((لياتني الف من المجبرة , و لا
ياتني شيعي واحد ((1422)) )).و مـن الـحواضر الشيعية في ذينك القرنين : الري و هذه المدينة ـ كما مر بناـ تدرجت من النزعة
الناصبية الى التشيع و كان قسم من اهلها شيعة , و قسم آخر سنة خلال القرنين المذكورين و ينبغي
ان نـعـلـم ـ عـلى اي حال ـ ان الري كانت من المدن المهمة جدا في ايران يومئذ, اذ اختيرت مقرا
لـلـسـلطة والامارة من قبل مختلف السلاطين مرات عديدة و اشارالرازي في مواضع من كتابه الى
الـتـشيع في الري , و ذكرها في عداد الحواضرالشيعية ((1423)) و يصف ياقوت الحموي (مع
تـعـصبه السني ) المذاهب الموجودة في الري و يقول : عندما قدمت الى الري سنة 617 ه , نقل لي
بـعض اهلها ان في المدينة ثلاث طوائف : شافعية و هم الاقل , و حنفية و هم الاكثر, و شيعة و هم
الـسـواد الاعـظـم و امااهل الرستاق , فليس فيهم الا شيعة و قليل من الحنفيين , و لم يكن فيهم من
الـشـافـعـية احدو كانت العصبية بين الشيعة و السنة قوية الى درجة لم يترك من الشيعة من يعرف
و لم يبق من الشيعة و الحنفية الا من يخفي مذهبه ((1424)) )).نـلاحـظ هـنا ان القسم الاول من كلامه يتعلق بالقرن الخامس و السادس , و يدل على ان الغلبة كانت
لـلـشـيـعة اما القسم الاخير, فيبدو ا نه غير صحيح , لان المستوفي يقول بعده بمائة سنة : ((اهل
المدينة و اكثر القرى التابعة لها اثنا عشرية , الا اهل قرية قوهه فانهم حنفية و كثير من اهل البيت
مدفونون في الري ((1425)) )).والـعجيب ان القزويني لم يذكر الشيعة الموجودين في الري قط, اذ قال : ((و اهل الري شافعية و
حنفية و اصحاب الشافعي اقل عددا من اصحاب ابي حنيفة ((1426)) )) و قال القاضي نوراللّه : ان
الـشافعية في تلك الديار كانوا قليلين دائما, (على عكس ما يصر عليه الحموي ), و يتفق الحنفية مع
الـشـيـعـة فـي انـكار الشافعية ((1427)) و قال في موضع آخرمستشهدا بكلام مؤلفه نواقض
الـروافـض , و هـي ـ فـي رايه ـ مير مخدومة شريفي شيرازي (مجالس المؤمنين 1 : 87): كان
الـشـيـعـة فـي تـلك الديار اكثر من السنة ذلك انه قال تعريضا:((لا ينبغي ان يكون مذهبهم مذهب
المدينة , بل مذهب الحق و اغلب الري روافض لكن ينبغي ان لا ياخذهم الغرور ((1428)) )).و لـعـل هذه القرية (قوهه ) هي التي اشار اليها ياقوت الحموي بقوله : ((و اما اهل الرستاق , فليس
فيهم الا شيعة و قليل من الحنفيين )) لذا يبدو ان وضع المدينة كان ثابتامستقرا, اللهم الا اذا قل فيها
عدد الحنفيين والشافعيين , كما تدل عبارة المستوفي على ذلك دلالة تامة .ان احـدى الـنـقـاط التي ينبغي ان نقولها حول التشيع في الري هي ان حكام المناطق الشمالية , و هم
شيعة , كانوا يهتمون بالري اهتماما خاصا و من هؤلا: رستم بن علي الذي بلغ تاثير العلويين و الشيعة
عـليه درجة انه عد ما كتبه احد العلويين ـ و اسمه مرتضى ـنافذا بغير توقيعه و هذا العلوي بذل
مالا كثيرا لتشييد مدرسة في محلة زاد مهران التي كانت من المحلا ت الشيعية في الري .و يستشف من عبارات كتاب فضائح الروافض الذي تم انتقاده في كتاب نقض ان الشيعة كانوا اكثرية
في الري ((1429)) حتى قال ابن اسفنديار: ((و تلك المدرسة قائمة اليوم في زاد مهران لتدريس
الـعـلـم (و يـدرس فيها) المدرس الكبير السيد ضيا الدين و هوالتلميذ السديد لمحمود الحمصي ,
مـتـكـلـم الامـامية و كان التدريس فيها على درجة ان ابن اسفنديار لم ير في اي بقعة من بقاع اهل
الاسـلام (مـثـلـهـا) عـلـى صـعـيـد عـدد الـدارسـين ,و حرص الفقها, و الصلاح , و التعلم , و
التكرار ((1430)) )).و تشعر عبارة الرازي ان محلة مصلحگاه في الري كانت من المحلات الشيعية تماماو هي تماثل محلة
الـكـرخ بـبـغداد علما بان كثيرا من شيعة الري يومئذ كانوا من الزيدية و يقول الرازي في مساكن
الـزيـدية : ((لهم في مدينة الري مدارس معروفة و ثمة فقهاكثيرون على هذا المذهب و في الري
عـدد كـبـيـر مـن الـسادة من النقبا والرؤسا كانوايعتقدون بهذا المذهب ايضا و شهادتهم مقبولة و
عدالتهم محرزة عند قاضي القضاة الحسن الاسترآبادي ((1431)) )).و ذكـر الرازي في فقرة اخرى المناطق التي كان اهلها كلهم شيعة , والمناطق التي كان بعض اهلها
شيعة و ننقل كلامه فيما ياتي نصا:.(( هـل تـعـلـم مـن كـان جـند آل المرتضى ؟ انهم ليوث فليسان ((1432)) , و امرا الجيش في
غـايـش ((1433)) و الـسادة في زاد مهران و اهل المرؤة و الفتوة في مصلحگاه والمعتقدون في
درشـقـان والديلميون في آبه , و وزرا قاشان , و عرب قم و علماؤها وسادات قزوين و شيعتها و
رجـال ورامـيـن و رؤسـاؤهـا و مـصـلـحـوهـا, والـقائمون ليلهم في نرمين و سروهه و مؤمنو
خـوابـه ((1434)) , و مـلـوك سـاري , و شـجعان ارم , و عرفاسبزوار, و شجعان نيسابور و
مجاهدوها, و اكابر جرجان , و عظما دهستان , و مؤمنوجربايقان , و امنا استرآباد ((1435)) )).كـان الشيعة في بعض هذه المدن يقطنون في قسم من اقسام المدينة كما نجد في قزوين التي سماها
الـمـصـنـف : دار الـسنة ((1436)) , اذ كان الشيعة يضطهدون فيها كثيرا وعندما اعلن احمد بن
اسـماعيل احد علما السنة في المدينة مرة ان احد الشيعة يريدقتله , و خرج من المدينة , فان الناس
خـرجـوا بخروجه , و لم يرض بالعودة الا بشرط ان تؤخذ مكواة عليها اسم ابي بكر, و عمر, و
تـكـوى بـها جباه جمع من اعيان الشيعة الكي ((1437)) .و ذكـرت فـي موضع آخر مدينة اسمها: سناردك , و هي من المناطق الشيعية ((1438)) و كذلك
ذكرت منطقة اخرى اسمها: زعفران جا, و هي من المناطق الشيعية ايضا ((1439)) .و ذهب عبدالجليل الرازي الى ان قوسين كانت في عداد الحواضر الشيعية , كقم ,وكاشان , و آوه , و
ورامـيـن ((1440)) و احـتمل المحدث الارموي ان المقصود منهاقومس الواقعة بين المحافظات
الشمالية و المركزية و الشرقية و احتمل ايضا ان تكون قريسين نفسها, و هي كرمانشاهان الحالية
و هذا الاحتمال ضعيف , لان الشيعة قلما كانوايسكنون في غرب البلاد.و جـا عـن همدان التي ذكرت هنا في عداد المناطق السنية ان اسرا منها كانت شيعية ((1441)) و
يـمـكـن ان يـنطبق هذا الموضوع على المدن الاخرى ايضا علما بان الشيعة لم يجراوا على اظهار
عقيدتهم في بعض المناطق و لذا كانوا يعملون بالتقية .و يـحـاول الـمـرحوم الرازي ان يدل في فقرة اخرى من كلامه على الجغرافية الدينية للشيعة في
ايران و ننقل ما قاله فيما ياتي نصا لتتضح الهوية الشيعية لايران جيدا خلال القرون المذكورة علما
ان بعض المناطق العربية قد وردت في كلامه ايضا.