شیعة فی ایران دراسة تاریخیة منذالبدایة حتی القرن السابع الهجری نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شیعة فی ایران دراسة تاریخیة منذالبدایة حتی القرن السابع الهجری - نسخه متنی

رسول جعفریان؛ مترجم: علی هاشم الأسدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



و ((1125)) و مـن الـمدن الاخرى التي يكثر فيها الشيعة ايرانشهر في الشمال الشرقي من ايران كـانـت نـيـسـابـور مـن مدن خراسان التي عاشت العصبيات بين الشيعة والكرامية على حد تعبير
الـمـقـدسـي ((1126)) و ذكـر هـذا الـشخص اجمالا ان اولادعلي على غاية الرفعة عند اهل
خـراسـان ((1127)) و كـان اهل الرقة شيعة , كما عبرعنهم ((1128)) و الرقة احدى مناطق
خراسان و هذه هي غير الرقة الكائنة في العراق , و تحدث عنها الحموي و نقل عنها ايضا ان قافلة
الحج عندما و صلت من خراسان , كان اهل الرقة يبحثون عن كتاب لفقيه امامي , و هو المتمسك بحبل
آل الرسول لابن عقيل ((1129)) , و هذا معلم على وجود ممتد نسبيا للتشيع هناك و جملة القول ان
الـتـشـيـع في خراسان خلال القرن الرابع تعرض الى محن مختلفة و هو ما ذكره الخوارزمي في
رسـالته المعروفة الى شيعة نيسابور بيد انه لا يعني عدم انتشار التشيع في تلك الديار و في الوقت
نـفـسه , لا نتفق مع ايوانوف اذ ذهب الى ان التشيع في خراسان و آسية المركزية كان منتشرا ابان
الـقـرن الـرابـع , ان مـدن بـلـخ , و سـمرقند, و مرو,و سائر المدن كانت من المراكز الرئيسة
للتشيع ((1130)) و نرى ذلك مبالغة و اغراقا.


و يدل الفهرس الذي عرضه المقدسي عن الحواضر الشيعية في الوطن الاسلامي خلال القرن الرابع
على ان هذا القرن كان قرن انتشار التشيع .


و نـنقل فيما ياتي عبارات مقتضبة من كتابه في هذا الحقل جا في موضع منه : ((اكثرقضاة اليمن , و
مـكـة , و صـحـار مـعـتـزلـة و شيعة ((1131)) )) ((و كان التشيع في الجزيرة العربية واسعا
جـدا ((1132)) )) و ورد فـي اهل البصرة : و اكثر اهل البصرة قدرية , وشيعة , و معتزلة , ثم
حـنـابـلـة ((1133)) و بـالـكـوفـة الـشـيـعـة الا الكناسة ((1134)) وبالموصل ايضا جلبة
للشيعة ((1135)) و اهل نابلس , و القدس , و اكثر عمان شيعة ((1136)) والناس في اعلى قصبة
الـفسطاط, و اهل صندفا شيعة ((1137)) و اهل الملتان في ارض السند شيعة ((1138)) يثنون
فـي الاذان والاقـامـة ((1139)) و لعل الشيعة في هذه المدينة هم من الاسماعيلية الذين حاربهم
السلطان محمود,لكنهم بقوا بعده مدة مديدة .


تدل هذه العبارات على امتداد التيارات الشيعية في ارجا الوطن الاسلامي ابان القرن الرابع الهجري .


و جا في شعر لابن سكرة ان شيعة قم , و قاشان , و الكرج كانوا يظهرون في الاعيادبثياب بيضا و
قلوب سودا ((1140)) .


و مـن الـواضـح ان الـمذهب الشيعي انتشر في انحا مختلفة من الشرق و الغرب خلال هذا القرن و
طـبيعيا لم تكن هناك حكومة خاصة يديرها الشيعة الامامية و لكن ظهرت الافكار الامامية , و كذلك
الاسـمـاعيلية , و الزيدية في اكناف العالم الاسلامي من خلال الحكومات التي شكلها الاسماعيليون ,
والـزيـديـون يـقـول الـمقريزي مشيرا االى الحكومة البويهية , و الفاطمية : ((فانتشرت مذاهب
الـرافضة في بلاد المغرب , و مصر, و الشام ,و ديار بكر, و الكوفة , و البصرة , و بغداد, و جميع
الـعـراق , و بلاد خراسان و ماوراالنهر, مع بلاد الحجاز, و اليمن , والبحرين و كانت بينهم و بين
اهل السنة من الفتن والحروب و المقاتل ما لا يمكن حصره ((1141)) )).


ان الـحـواضـر الـتي ذكرت في هذا القسم بوصفها حواضر شيعية , هي الحواضر التي كان الشيعة
يؤلفون اكثرية السكان فيها و كان الشيعة يسكنون بنسبة كبيرة ايضا في كثير من الامصار الاخرى ,
بـما فيها الامصار المشهورة بنزعتها السنية كقزوين و من هؤلا الشيعة آل جعفر, و هم من سلالة
جـعـفر بن ابي طالب , و كثير منهم كانوا في عداد علماالشيعة , و ان كان بعضهم يفتي على المذهب
الحنفي تقية لكنهم كانوا يعدون من فقهاالامامية غالبا اعتبارا من القرن الرابع فصاعدا ((1142)) .


الاسماعيلية في ايران يواصلون نشاطاتهم في القرن الرابع .


الاسماعيلية في ايران يواصلون نشاطاتهم في القرن
الرابع .



ان احـد الـدعـاة الـمهمين للاسماعيلية في اواخر القرن الثالث و اوائل القرن الرابع هو ابوحاتم الرازي و اسمه , كما نص عليه ابن حجر : ((احمد بن حمدان بن احمد الورساني ))المشهور بابي
حاتم الليثي ((1143)) الرازي و نقل ابن حجر عن تاريخ الري لابن بابويه انه كان من اهل الفضل ,
و الادب , والـمـعـرفـة بـالـلـغة و سمع الحديث كثيرا ثم اظهرالقول بالالحاد الاسـمـاعـيلية , و اضل جماعة من الاكابر ((1144)) وكان اكثر نشاطه في الري ايام عبيداللّه
الـمـهدي امام الاسماعيلية يومئذ, و نقل له دور في القضايا السياسية التي كانت قائمة في طبرستان
والـديـلـم , و لـبـى دعـوته كثير من السياسيين الكبار آنذاك كاسفار بن شيرويه , و مرداويج بن
زيار ((1145)) مات سنة322 او 323 ه, و لم يذكر المؤلف مصدرا يتحدث عنه فيما اذا كان له
تـاثـيـر عـلى مرداويج او لا بيد ان الاخرين اشاروا الى ا نه كان يميل الى المجوسية ((1146))
وزعم شخص آخر انه كان يقول : ان روح سليمان بن داود حلت فيه ((1147)) و ذكراسترن انه
كان يحظى في البداية بدعم اسفار بن شيرويه , و حتى مرداويج , لكن هذاالدعم لم يستمر اذ غضب
عليه فيما بعد ((1148)) .


و قال الخواجه : ((اضطرب امر السبعية (الذين يعتقدون بسبعة ائمة ) و لحق بهم الضرربعد فرار
ابي حاتم من الديلم ((1149)) )) و ذكر ان تغلغل ابي حاتم في الديلم يعودالى تمرد الديلميين على
العلويين , و قال : ((استقطبهم ابو حاتم اليه من خلال زعمه ظهور المهدي قريبا لكنهم انفصلوا عنه
بعد مدة ففر منهم , و مات في فراره ((1150)) )).


و مـر بـنـا آنفا ان حسين بن علي المروزي كان يمارس نشاطه في بلاط نصر بن احمدالساماني و
زاول نـشاطه في خراسان بوصفه داعيا اسماعيليا من سنة 307 ه حتى سنة312 ه ثم قبض عليه
نصر و حبسه ((1151)) .


امـا خليفته ابو عبداللّه بن احمد النسفي , فقد استطاع ان يستميل نصر بن احمداليه و ليس نصر بن
احـمـد فحسب , بل عددا كبيرا من اصحاب المناصب الحكومية في الامارة السامانية , اذ ادخلهم في
الـمـذهـب الاسماعيلي ((1152)) و لعل نصر بن احمد كان , بعد ركونه الى المذهب الاسماعيلي ,
يـعـتـبـر نـفـسـه تابعا للحكام الفاطميين وان كان البعض يرتاب في ذلك بسبب عدم وجود الدافع
السياسي ((1153)) و لكن المسالة مقبولة من الوجهة الدينية الى حد ما.


و لـما كان البلاط الساماني معروفا منذ البداية انه مركز المذهب السني في الشرق , و ان السامانيين
كانوا في طاعة العباسيين دائما ((1154)) , لذلك نحتمل ان عناصر البلاطقد تعنتوا تعنتا خاصا في
هـذا الـمـجال , و لم يستعدوا لقبول المذهب الجديد الذي يمثل خطا في الطرف المقابل فتمروا ضد
الامـيـر نـصر لكن مؤامرتهم انكشفت له و لنجله نوح بعد مدة و مع ذلك فقد تخلى الامير نصر عن
منصبه , و تصدى ولده نوح لرئاسة الحكومة السامانية و في ضؤ ما نقله ابن النديم , فان نوح بن نصر
قتل النسفي و رؤساالدعوة الاسماعيلية الذين كانوا في عداد القوى المناصرة لنصر ((1155)) .


و يـقـول ابن الاثير في هذا المجال , دون الاشارة الى سبب قتل النسفي من قبل نوح بن نصر: و في
سـنـة 331 ه استقدم الامير نوح محمد بن احمد النسفي , و كان قد طعن فيه عنده , فقتله و صلبه ,
فسرق من الجذع , و لم يعلم من سرقه ((1156)) .


و ذكـر الـخـواجـه نظام الملك ـ المعروف بعناده المكشوف للباطنية ـ ركون الاميرالساماني الى
الـبـاطنية مفصلا ومن الذين ركنوا الى النخشبي او النسفي ((1157)) :بكر النخشبي نديم الامير
فـي خراسان و استطاع بكر ان يستميل الاشعث الى هذاالمذهب , وكان الاشعث كاتبا خاصا و ركن
ابو منصور جغاني الى الباطنية , و كان احدكبار البلاط الساماني و دخل الحاجب الخاص آيتاش في
هـذا المذهب ايضا يقول الخواجه : عندما كانوا يدعون احدا الى مذهبهم , فانهم يدخلونه في المذهب
الشيعي اول الامر, ثم يوجهونه الى السبعية تدريجا و بعد انتما هؤلاالاشخاص والندماالاخرين الى
هذا المذهب , فانهم يذكرون النسفي بخير, و يحببونه الى الملك و ادى عملهم هذا الى امتعاض عدد
من امرا الجيش , فتمروا ضد نصر بن احمد و نقل الخواجه معلومات مفصلة عن المتمرين , و اطلاع
الـمـلك على عملهم , و ذكر كيف انتهت المؤامرة بمقتل قائد الجيش , و اجلاس نوح على العرش من
قبل ابيه .


و عندما تسلم نوح مقاليد الامور, بدا حربه ضد الكفار في الداخل , و امر بقتل كل من الحد و اعتنق
هـذا الـمذهب الذي اعتنقه ابوه في بلاد ماوراالنهر من خراسان و هجم جنده و قبضوا على محمد
النخشبي الذي كان احد الدعاة , و ضربوا عنقه ثم انتشروافي المدينة و قتلوا كل من وجدوه منهم
و كـانـوا يـعرفونهم جميعهم , و جهروا بدعوتهم بفضل الدعم الذي كانوا يلقونه من الملك و كانوا
يـبحثون عن الباطنية ليس في بلخ وحدها, بل في سائر مناطق خراسان و ماورا النهر حتى (( انهم
تـحـروا فـي بـخارى و ضواحيها سبعة ايام بلياليها, و سلبوا و نهبوا, فلم يبق احد منهم في مناطق
مـاوراالـنـهـرو خـراسـان جـمـيـعـهـاو من بقي منهم لم يجرا على الظهور و افل هذا المذهب
في خراسان ((1158)) )).


و نـقـل الـخـواجـه هـذه القصة مفصلة لاهميتها التي فرضت التفصيل فيها, و هي تدل على امتداد
الاسـمـاعيلية في خراسان و ماورا النهر بعد مدة من الجهود التي بذلها دعاتها,كما جا هذا التفصيل
غالبا لعناد الخواجه الذي حاول تحريض الملك على التشدد ضدالباطنية من خلال هذا التفصيل و قد
صـرح هـو نـفـسه بهذه النقطة ((1159)) من هذاالمنطلق , ينبغي ان لا نلتفت كثيرا الى جزئيات
الاخبار التي نقلها.


مواصلة التشيع في خراسان .


مواصلة التشيع في
خراسان .



لا تـتـحـدد الـمـيـول الاسماعيلية التي كان عليها البيت الساماني في هذه الفترة الخاصة ,بينما كان الامراالسامانيون الاخرون بعيدين عن العقائد الشيعية , مصرين على التمسك بالمذهب السني لذلك لا
يصح ما قاله مصطفى الحلبي : ان ((اكثر امرا هذه الدولة (السامانية ) كانوا يعرفون حق العلويين في
هـذه الـولاية , و يعتنقون التشيع للائمة المستورين ((1160)) )) و ينطبق هذا القول على نصربن
احـمـد فـحـسـب و على العكس ,فقد كان الامرا السامانيون يرون طاعة الحكام العباسيين من اهم
الـواجـبـات [و كـان اسـماعيل بن احمد يظهر الطاعة لسلاطين بني العباس دائما, و يعد اتباعهم
واجـبـامـفـروضـا عـلـيـه ((1161)) و لـم يـعـصـهـم سـاعـة واحدة في عمره , و كان ينفذ
اوامـرهـم بـقوة ((1162)) ]و لكن تمسك نصر بن احمد بهذه العقيدة مؤقتا ادى الى انتشارها في
ارجـا خراسان وتاثر الكثيرون بالعقائد الاسماعيلية و من الاسر التي تاثرت بهذه العقائد هي اسرة
ابن سينا و نقل عن ابن سينا نفسه انه كان يقول : ((كان ابي ممن اجاب داعي المصريين و كان يعد من
الاسـمـاعـيلية و يشير الى ان اخاه كان على هذه العقيدة ايضا ((1163)) و يقول الحلبي : (((ابن
سينا) ابو علي الحسين , و ابوه عبداللّه , وجده الحسن , و ابو جده علي وهذا دليل واضح على تشيع
هـذه الاسـرة و سنشير هنا الى تشيع ابن سينا فاننا نقرا في كتبه تعابير تدل على ميوله الشيعية و
حاول البعض ان يتخذ من هذه التعابير دليلا على تشيعه الامامي و يرى علي بن فضل اللّه الجيلاني
في كتاب الفه بعنوان توفيق التطبيق في اثبات ان الشيخ الرئيس من الامامية الاثني عشرية )) ان ابن
سينا كان اماميا و حاول ان يدل على ذلك من خلال ذكر فقرات من كتاب الشفا و قد مر بنا ان ابن سينا
نفسه اعترف ان اباه و اخاه كانا اسماعيليين حتى انه طلب منه ان يقر برائهما في النفس والعقل , لكنه
لم يستجب علما ان عدم استجابته لا يعود الى تشيعه , بل يحتمل انه اشارة الى عدم قبول اقوالهما في
النفس والعقل على اي حال , كان المناخ السائد في اسرته مناخا شيعيا,و قد ترك تاثيره عليه لا محالة
و اذا عثرنا على امثلة في تعابيره , فلا جرم ا نها تدل على ميوله الشيعية .


و قـبل ان ننقل طرفا من عباراته , نذكر ان ابن سينا كان فيلسوفا عقليا قبل كل شي و هوالفيلسوف
الـذي كـان يـهتم كثيرا بما تقرره الشريعة , و في الوقت نفسه , كان يحترم العقل احتراما بالغا على
سـبـيـل الـمثال , كان يقر بالمعاد الجسماني في ضؤ الاخبار الواردة لكنه يقول بصراحة ان لا دليل
عليه ((1164)) .


طـبيعيا, اننا لا نتوقع من شخص فيلسوف ان يكون له اهتمام كبير بالمسائل الجزئية للدين , او ا نه
اذا عـرض بعض الارا, فلابد ان تكون ماخوذة من رؤية دينية متوكئة على الحديث بخاصة , ان ابن
سـيـنـا كان قد مني بالمسائل السياسية , مما دفعه الى اخفا نزعته الدينية على الرغم من ان حضوره
عند علا الدولة ـ وهو من اسرة ابن كاكويه الشيعية في اصفهان ـ يعتبر فرصة مناسبة لعزو التشيع
اليه ((1165)) و لكن بغض النظر عن هذا كله , فان بعض العبارات تدل بوضوح على تطابق الافكار
الشيعية و عقائد ابن سينا وان كان مؤلف توفيق التطبيق قد اتى بتاويلات و تفسيرات طويلة في هذا
المجال و هي تاويلات قد تدفعنا الى عدم قبولها.


يقول ابن سينا في الفصل الاخير من كتاب الالهيات ((1166)) :.


((ثـم يجب ان يفرض السان طاعة من يخلفه , و ان لا يكون الاستخلاف الا من جهته ,او باجماع من
اهل السابقة على من يصححون علانية عند الجمهور انه مستقل بالسياسة , و انه اصيل العقل , حاصل
عـنـده الاخـلاق الـشرعية من الشجاعة , والعفة , وحسن التدبير, و انه عارف بالشريعة حتى لا
اعـرف مـنـه , تصحيحا يظهر و يستعلن , ويتفق عليه الجمهور عند الجميع و يسن عليهم انهم اذا
افـترقوا, او تنازعوا للهوى والميل ,او اجمعوا على غير من وجد الفضل فيه والاستحقاق له , فقد
كفروا باللّه )).


و يـواصل كلامه فيقول : ((والاستخلاف بالنص اصوب , فان ذلك لا يؤدي الى التشعب ,والتشاغب ,
والاختلاف ((1167)) )).


و هـذه العبارة دعم صريح و واضح لراي الشيعة اما في العبارة الاولى من النص المتقدم ,فانه يذهب
الـى ان عـلى النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـ ان يفرض طاعة من يخلفه و هذااسلوب يعرضه الشيخ
الـرئيـس بوصفه مهمة نبوية لا مناص منها و يرى الشيخ ان الاستخلاف اما بالنص , او باجماع اهل
الخبرة بالشروط التي طرحها الشيخ نفسه .


و نلحظ هنا ان ابن سينا قام بطرح فرضية عقلية و تتمثل هذه الفرضية بحصرالاستخلاف الصحيح
فـي طـريقين : الاول : هو النص والثاني : هو الاجماع الذي احكم حدوده و قيوده ليدل على امكان
طـرحـه بوصفه فرضية عقلية (في الدرجة الثانية طبعا)بيد انه يعرب في ختام حديثه عن افضلية
الطريق الاول , وهو يعرف احسن من غيره ان على الشارع ان يختار الاصوب مع ا نه بوصفه مفكرا
عـقـلـيا حرا يمكن ان يؤيدهذين الطريقين بالشروط المطروحة من الوجهة العقلية و قد فعل ذلك
ايضا.


و نرى هنا ان الشيخ الرئيس عرض لنا مرة اخرى بحثا عقليا من خلال قبوله ان الاستخلاف يمكن
ان يكون بالنص , مقرا با نه افضل طريق , غير ملتفت الى الاخباروالروايات الماثورة في هذا الحقل
و هـذا هـو نـهجه العام بوصفه احد الفلاسفة المشائين و في الوقت نفسه , فان بلوغ هذه النتيجة لا
يـمكن ان يتحقق صدفة , بل هومعلم على حسه الشيعي كما يبدو علما بان العبارة المذكورة لا تشير
الـى الـطـريـق الـذي ينبغي انتهاجه من الوجهة التاريخية , و لا الى الاتجاه الذي كان يريده النبي ـ
صلى اللّه عليه و آله , مع ان الاشارة الى الطريق الاصوب يمكن ان تكون معبرة عن ذلك الى حدما.


ثـم قام الشيخ بعد ذلك بذكر الخلاف بين شخصين لاحراز منصب الخلافة , و قال :((المعول عليه
الاعظم العقل , و حسن الايالة فمن كان متوسطا في الباقي , و متقدما في هذين , بعد ان لا يكون غريبا
فـي البواقي , و صائرا الى اضدادها, فهو اولى ممن يكون متقدما في البواقي , و لا يكون بمنزلته في
هـذين فيلزم اعلمهما ان يشارك اعقلهما,و يعاضده و يلزم اعقلهما ان يعتضد به و يرجع اليه , مثل ما
فعل عمر, و علي ـعليه السلام ((1168)) )).


هـذه الـعـبارة لا تحتمل التاويل , فانها تدل على ان ابن سينا يذهب الى ان عمر اعقل من علي و يكمل
حـديـثـه متوكئا على العلاقات القائمة بينهما في مجال المشاركة المتبادلة ((1169)) و حينئذ لا
يـتـسنى لنا ان نقبل مثل هذا التشيع الذي ذكره علي بن فضل اللّه الجيلاني بتاويلاته الكثيرة لمفهوم
الـعـقـل و بـغض النظر عن هذه الاحتمالات ,فاننا نؤكد مرة اخرى على ان ابن سينا كان فيلسوفا
فـحـسـب , و قد ابدى آراه المذكورة وفقا لما تمليه متطلباته العقلية في حقل الخلافة و الامامة و
كـلامه قابل للنقاش من وجهة الاستدلالات التي اتى بها فقط, لا من الوجهة الروائية والحديثية , او
بعبارة اخرى : الوجهة الشرعية .


و اذا تـغـاضـيـنا عن هذه الامور, فان الشيخ يعد احد وزرا البويهيين و سنتحدث عن البويهيين في
الـقـسـم الاتي , و كان هؤلا من الاسر الشيعية التي حكمت في ايران ,و العراق و طبيعيا, ان وجود
الشيخ بينهم وزيرا لشمس الدولة يتطلب مثل هذه النزعة وان كنا لا نستطيع البت في هذا المجال .


يقول صاحب روضات الجنات : ((كان يجري على مذاهب اهل السنة )) و دليله على ذلك قول الشيخ :
انه كان يفتي في بخارى على مذهب ابي حنيفة ((1170)) بيد انه نفسه نقل عن الشوشتري انه ولد
على فطرة التشيع والايمان , و كان ملازما لملوك الشيعة و لاجرم انه يشير الى وزارته للبويهيين
و قـال الـمرحوم الشوشتري : كانت ملاحقة السلطان محمود لابن سينا بسبب تشيعه ((1171)) ))
والـمـشـهور ان السلطان كان يتابع مهمة جمع العلما و يمكن ان يحدد لنا هروب ابن سينا الارضية
لافتراقهم الفكري الى حد ماو لعل المسالة كانت سياسية ايضا.


ان النموذج الذي اشرنا اليه معلم على تغلغل التشيع في خراسان وهو التشيع الذي كان الاسماعيليون
قـد مـهـدوا له من قبل و ان لم يكن اسماعيليا كله و عندما مات نوح بن نصر, خلفه نجله منصور و
ذكر الخواجه ان الموجة الاسماعيلية اجتاحت ارجا البلادمرة اخرى ((و استانف الدعاة نشاطهم
الاسـمـاعيلي في خراسان و بخارى , و اضلواالناس )) و اضاف ان عددا من الامرا و كبار البلاط
انتموا الى الباطنية سرا, و منهم ((منصور بايقرا, و سعيد ملك , و ابو العباس جراح و ابو عبداللّه
جـيـهـانـي )) و اقـبـلت الدنيا على الاسماعيليين اقبالا جعل الناس البعيدين يخالون ان بطانة الملك
كـلـهـااصبحت باطنية )) و كاد الباطنيون ان يثوروا ثورة عامة من هذا المنطلق كتب الب تكين الى
منصور يخبره قائلا: ((ان معظم خاصتك و اهل بلاطك و ديوانك اعتنقوا مذهب القرامطة و دخل
فـيـه الـصغير و الكبير و هم يدبرون للخروج )) و بعد ذلك خرج بالطالقان قوم من القرامطة , او
السبعية على حد تعبير الخواجه فعزم منصور بن نوح على قمع ذلك التحرك , و بعد مدة خلى سبيل
الـوزير ابي علي البلعمي الذي كان قد سجنه باصرار باطنية البلاط و انبرى الى اخماد التحركات
الباطنية بمؤازرته ثم قبض على كل من تقرمط من الخواص والكتاب , و صادر اموالهم , و قتلهم عن
آخرهم , و ذلك بدعم ابي الحسن سيمجور ((1172)) )).


ان هـذه الـحـوادث الـتي نقلها الخواجه , مشوبة بالتعصب و مزيجة باخبار الخرم الدينية ,تدل على
وجـود السوابق الاسماعيلية في هذه المناطق بخاصة كان الاسماعيليون دقيقين في دعوتهم و كان
تعاون الدعاة و توافقهم يسهلون سبل تقدمهم جيدا, اذ نقل ان كل واحد منهم يفكر بصاحبه و كما قال
الخواجه : ((كانوا يعززون معنويات الدعاة سرا, واذا كان احدهم قادرا على القيام بعمل ما, فانه لا
يـكلف شخصا آخر بالقيام به و كانوايتعاضدون و يتزرون في الديوان و غيره و اذا اخطا احدهم ,
آزره الجميع و وقفوا الى جانبه , و صححوا له خطاه فازدادت قوتهم و عددهم على كرور الايام و
اذا مـا وجـداحـدهـم فـي خـراسـان و مـاورا الـنـهـر, فالجميع يستجيبون له و يلبون دعوته ,
فيجهربالدعوة مستفيدا من دعمهم ((1173)) )).


و على الرغم من وجود هذه البيوتات الشيعية و الدعايات الاسماعيلية , فقد مهدالسامانيون الارضية
لاضعاف التشيع في خراسان منذ النصف الثاني من القرن الثالث (261 هـ) حتى اواخر القرن الرابع
(389 هـ ), و ذلـك بسبب اصرارهم على المذهب السني بيد اننا نستثني منهم نصر بن احمد الذي
حكم ثلاثين سنة (301 ـ 331).


و كـتب ابوبكر الخوارزمي الشيعي المتوفى سنة 383 ه في رسالته المعروفة الى شيعة نيسابور
قـائلا : ((فـان كـسـد الـتـشـيـع بـخراسان , فقد نفق بالحجاز, والحرمين , والشام ,والجزيرة ,
والجبل ((1174)) )) و نلحظه في موضع آخر من هذه الرسالة يستعيذ باللّه من بعض الطوسيين و
الـشـاشيين (الشاش منطقة في شمال شرقي ايران ((152))) وابوبكر الخوارزمي هذا من شيعة
خراسان المعروفين و اشتهر بتشيعه و التزامه يقول في شعر له :.







  • بمل مولدي و بنو جرير
    فمن يك رافضيا عن تراث
    فاني رافضي عن كلاله ((1176)) .



  • فاخوالي و يحكي المر خاله .
    فاني رافضي عن كلاله ((1176)) .
    فاني رافضي عن كلاله ((1176)) .




و يـبدو من هذين البيتين ا نه ينسب نفسه الى محمد بن جرير الطبري صاحب تاريخ الامم و الملوك
ونـحـن نـعـلم ان الطبري كان سنيا, و لو فرضنا وجود نزعة شيعية عنده ,فقد كانت محدودة , و
متاخرة ((1177)) .


و انـتـهـى الـحـكـم الساماني في خراسان بنهاية القرن الرابع , و استولى الغزنويون على المنطقة
الـخـاضـعـة للنفوذ الساماني و نقرا ان الب تكين احد امرا الحرس الساماني , لم يلق عطفا و ودا من
الامرا السامانيين , لذلك توجه تلقا الهند و سيطر عليها بعد مدة من القتال و كان سبكتكين نائبه في تلك
الـبـلاد و هـذا الـشخص هو مؤسس الحكومة الغزنوية و خلفه على العرش نجله السلطان محمود
الـغزنوي الذي هاجم المناطق التي كان يحكمها السامانيون , و قضى على السامانيين , ثم اصبح حاكم
خـراسـان الـمـطـلـق بعدمنحه لقب يمين الدولة من قبل الحكام العباسيين و سنرى بعد ان سياسة
الغزنويين كانت سياسة متشددة ضد الشيعة , مع اصرار على المذهب السني , و بذلك كانواكالسامانيين
حجر عثرة في طريق التشيع من التغلغل في المناطق الشمالية الشرقية من ايران .


و كـانـت المنطقة الواقعة في شمال غرب ايران من المناطق التي مارس الاسماعيليون فيها نشاطهم
ابان القرن الرابع .


قال استرن في ضؤ بعض الاخبار التاريخية و النقود: كان محمد بن مسافر حاكما على تارم (طرم )
و قـلـعـة شـمـيـران في مستهل القرن الرابع الهجري و كان له ولدان : احدهمامرزبان الذي غزا
آذربايجان والثاني وهسودان و كلاهما اسماعيلي .


و نص ابن مسكويه على ان مرزبان و وزيره اسماعيليان اما اخوه فينبغي الالماع الى عملة سكها في
جلال آباد سنة 344 ه , و كتب عليها: لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي خليفة اللّه ثم ذكر اسما
الائمة ـ عليهم السلام ـ حتى الامام الصادق ـ عليه السلام و اعقبه باسم اسماعيل , و ولده محمد, مما
يدل على مذهبه الاسماعيلي و قال استرن : ((ان عدم الاشارة الى اسم المعز معلم على انفصالهم عن
الفاطميين في مصر كما ينبئ ايضاعن ثبات عقيدتهم في مهدوية اسماعيل بن جعفر ((1178)) )).


الحكومة البويهية والتشيع .


الحكومة البويهية
والتشيع .



كـانت الحكومة في ارجا مختلفة من ايران بيد اسر فارسية منذ سنة 200 هـ فما تلاها,لكنها كانت خـاضـعة لاشراف السلطة العباسية و من هذه الاسر : الاسرة الطاهرية , والصفارية , ثم السامانية
بـعدهما و هذه الاسر التي تمتعت بسلطة مستقلة عن الحكم العباسي كانت ترغم ذلك الحكم ليخولها
شـؤون الـمـنـطـقة التي تسيطر عليهاقسرا ((1179)) فكان الحاكم العباسي ـ الذي لم يفكر الا
بـراحـتـه و رخائه ـ يستجيب لها بعد ان يقبل منها الهدايا الكثيرة و الاخراج السنوية , علما بانه لم
يـؤمـل مـنـه القيام بعمل ما و كانت للحكم العباسي منزلته الرفيعة عند اولئك الحكام و الامرا و هو
نـفـسـه يـزيـد سلطتهم السياسية والدينية التي كانت لها اهميتها الكبيرة ((1180)) بيد ان الحاكم
الـعـبـاسـي ايضا كان يستغل الفرصة المناسبة لاضعافهم من خلال الايقاع بهم , وبث الفتن بينهم , و
تحريض احدهم على الاخر و ضـعفت الحكومة العباسية كثيرا في مستهل القرن الرابع , حتى لم تظل منطقة خاضعة لنفوذها في
سنة 325 ه الا بغداد ((1181)) , التي احتلها البويهيون بعد تلك الفترة و يرى ابن خلدون ان سلطة
الـحكام العباسيين قد ضعفت منذ عهد المتوكل فنازلا بينمايرى غيره انه لم تعد لهم سلطة و سطوة
مـنـذ سنة 308 فما بعدها ((1182)) و كان البويهيون على عكس الاسر التي سبقتهم اذ لم يقنعوا
بـحـكـومة الري , و اصفهان , وشيراز, فاقتحموا بغداد, و جعلوا الحاكم العباسي العوبة بايديهم و
بـلـغـت سـلـطـتهم ذروتها اعتبارا من النصف الاول للقرن الرابع حتى اواخر النصف الاول للقرن
الخامس اي : ما ينيف قليلا على قرن .


و يـعـد السلاطين البويهيون من اقدر الحكام الذين حكموا البلاد الاسلامية , حتى قال ابن خلدون :
((و كـانـت لبني بويه الدولة العظيمة التي باهى الاسلام بها سائرالامم ((1183)) )) و بنو بويه
ثلاثة اخوة هم : ابوالحسن علي او عمادالدولة , و ابوعلي حسن او ركن الدولة , و ابوالحسن احمد
او معزالدولة , و ابوهم ابوشجاع صيادالسمك ((1184)) و نسبوا انفسهم الى ملوك فارس القدامى
كـمـا فعل الصفاريون والسامانيون من قبلهم ((1185)) و ذكر البعض ا نهم كانوا في البداية عند
نـاصـر الـحـق الـعلوي ((1186)) ثم انضووا تحت لوا مرداويج و لما راى هذا الشخص كفاتهم
وجـدارتـهـم , عـينهم حكاما على الري بيد ان عماد الدولة استمال الناس الى نفسه بعدمدة , ثم يمم
اصفهان و تعد خطوته هذه بداية لنشاطهم المستقل .


دخـل البويهيون شيراز سنة 322 ه و اتخذوها قاعدة وطيدة لحكومتهم القادمة و كانت سيرتهم مع
الـنـاس طـيـبـة و في ضؤ ما قاله ابن الاثير, فان معز الدولة عندما دخل شيراز((نادى في الناس
بالامان و بث العدل ((1187)) )) و كان لهذا العمل تاثيره البالغ على المجتمع طبيعيا.


و كانت بينهم و بين مرداويج و اخيه وشمگير مصادمات عديدة على امتداد الفترة التي كانوا يتاهبون
فيها لاحتلال بغداد و تحركوا شطر بغداد بعد تثبيت موقعهم في فارس و خوزستان و اخيرا دخل
معز الدولة بغداد سنة 334 هـ و استحوذ على الحاكم العباسي و بلغت سلطته فيها درجة انه عزل
المستكفي و نصب المطيع مكانه و لا نـعتزم هنا استعراض الحروب التي خاضها البويهيون مع الحمدانيين في سورية من جهة , و مع
الـسـامانيين في شرق ايران من جهة اخرى كما لا ننوي دراسة محاولاتهم المتكررة لاحتلال مهد
نشاتهم , اي : الديلم , و مازندران و كذلك لا يدور في خلدناعرض الصراعات الداخلية بين البويهيين
انـفسهم بعد عضد الدولة المتوفى سنة 372 ه اذ نشبت بين ابنائه , و بين اخيه بل يهمنا هنا دراسة
الـدور الـذي مارسه البويهيون في توسيع نطاق التشيع بوصفهم حكاما على مناطق رئيسة من ارض
فارس , و العراق .


و الـمـعـنـا آنـفـا الى ان القرن الرابع هو قرن امتداد التشيع و كانت هناك بواعث عديدة على هذا
الامتداد, منها : قيام اربع حكومات شيعية هي : الفاطمية في مصر, والبويهية في العراق و فارس , و
الحمدانية في سورية ((1188)) , و الزيدية في اليمن .


و مـن الـواضـح ان هذه الحكومات تحتاج الى ارضية مناسبة لم تكن متهيئة في القرون الخالية , على
الـرغم من قيام بعض الانتفاضات الزيدية اما في هذا القرن , فقد كان ضعف الحكام العباسيين من جهة ,
و نفوذ بعض العناصر التي دخلت في الميدان السياسي من جهة اخرى , باعثا على تاثر العقائد الدينية
بـتلك الاجوا تدريجا, و بروزبعض التغييرات في تركيبتها و كان التطرف الذي ابداه بعض السنة
بخاصة الحنابلة ,سببا في ركون قسم منهم الى التشيع .


و نـقل ان الطبري اصطدم بالحنابلة مع انه كان سنيا, حتى رموه بالرفض ((1189)) فلم يابه لذلك ,
و واصـل طـريـقـه فـالـف كـتابا في طرق حديث الغدير و هو الكتاب الذي كان يخشاه الذهبي و
غـيره ((1190)) و كانت توجهات الحنابلة قد وسعت نطاق الصراعات الداخلية لمصلحة الشيعة و
حـدث مـرة ا نـهـم فسروا قوله تعالى : (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) بالجلوس على العرش
عـنـداللّه , و لـم يـقـبل ذلك منهم سائراهل السنة , مما ادى الى نشوب الصراع والفتنة سنة
317 هـ ((1191)) و اصـاعدت حدة الخلافات الى درجة ان الراضي العباسي خطب سنة 323 ه فاتهم
الـحـنـابـلـة ا نـهم يعتقدون بالتشبيه , و يطعنون على خيار الائمة , و ينسبون شيعة آل محمد الى
الـكـفـروالـضـلالـة ((1192)) و هـذه الـحـوادث آية على وجود ارضية التشيع و نموها في
خضم الصراعات التي كانت ناشبة بين اهل السنة .


و كـان لامـتداد الفكر الشيعي , و الجهود التي بذلها فرسانه في هذا السبيل , كالشيخ المفيد, اثر في
توسيع النطاق الاجتماعي للشيعة ابان هذا القرن و لم يقتصر هذا التشيع على ايران , بل على العكس ,
كـانـت ايـران احـدى الـمـراكـز المهمة للمذهب السني , اذ نقراان اصفهان كانت تبدي حبها الجم
لـمـعـاويـة ((1193)) , و تاهبت مرة للاصطدام بتجارقم مع خوفها من البويهيين , ذلك ان اهلها لم
يـحـترموا الصحابة الذين كانوا يوالون عليا واهل البيت ـ عليهم السلام ـ و يجيزون امتهانهم و قد
افـضى ذلك الى تضررهم طبيعيا ((1194)) و كانت المناطق الشرقية في ايران سوا الجنوبية منها
او الـشـمـالـيـة مـتـمـسـكـة بـالمذهب السني و تعد نيسابور من المراكز العلمية لاهل السنة و
اتخذالسامانيون اشد الاجراات ضد التشيع و ما حربهم مع العلويين في الشمال الا من هذاالمنطلق .


كان البويهيون من العوامل المساعدة على امتداد التشيع , على الرغم من انهم لم يؤكدواهذه المسالة
تاكيدا مستقلا , و لم يبدوا عدا خاصا للمذهب السني و لو كانوا قد فعلواذلك , لسقطت حكومتهم في
وقـت مبكر و كانت مرونتهم في الخلافات الدينية باعثاعلى حفظ التوازن السياسي , مع ا نهم كانوا
عـلـى الـمذهب الشيعي , و لم يكن بمقدورهم اخفا ذلك طبعا و ينبغي ان نقول بصراحة : ان المسائل
السياسية كانت تهمهم اكثر من اي شي آخر و لم يعتزموا تسليم الحكومة للعلويين حقا و حتى عندما
خـطـر فـي بـالـهـم ذلـك , لـم يـرغـبـوا في تنفيذه و السبب هو ان الحكومة لو صارت بيد احد
الـعـلـويـيـن ,لانـتـهـى امرهم بسهولة , في حين لم يتصور احد ان وجود العباسيين وجود فوقي
بالنسبة اليهم ((1195)) علما ان وجود البويهيين , بوصفهم من البواعث على امتداد التشيع ,لا يعني ا
نـهـم مـهدوا الارضية لهذا الامتداد اساسا, اذ سبقهم الى ذلك غيرهم , كما صرح ابن الجوزي بذلك
قائلا, و كثر الرفض في سنة 331 ه قبل قدوم البويهيين الى بغداد ونودي ببراة الذمة ممن ذكر
احدا من الصحابة بسؤ ((1196)) )) و كذلك نقل ان احدالحنابلة المتعصبين كان قد خرج من بغداد
بسبب اهانة الصحابة (و هو معلم على انتشار التشيع ), و ذلك قبل قدوم البويهيين اليها ((1197)) .


ثـمـة خـلافـات تـحـوم ـ كـمـا يـبـدو ـ حـول مـذهـب الـبـويـهـيين فذهب البعض الى ا نهم
شـيـعـة فـحسب ((1198)) و اكد آخرون ا نهم كانوا زيديين ((1199)) الا ان المعروف عنهم
تـاريـخـيا هو ا نهم اتهموا بالرفض ((1200)) , اي : المذهب الامامي و قال الرازي :كان البويهيون
امـامـيـة ((1201)) و هـذا نـفـسـه دلـيـل مـعـبر للغاية و نص فراي ايضا على تشيعهم الاثني
عشري ((1202)) .


و نـقـل ان مـعـز الـدولـة الـبـويـهـي جـعل ابن الجنيد مرجعه الفقهي و كان ابن الجنيد احدفقها
الامـامية ((1203)) و كتب شبولر قائلا: ((كان البويهيون امامية اثني عشرية منذالبداية و ظلوا
اوفـيـا لـلـمذهب الامامي حتى النهاية ((1204)) )) لقد ولد البويهيون في الديلم , و اسماؤهم التي
سـمـاهـم بـهـا ابوهم تدل على ا نه كان شيعيا و مما يقوي هذاالراي هو وجود التشيع الزيدي في
الشمال اما وجود التشيع الاثني عشري الى جانب التشيع الزيدي هناك , فانه يقوي الاحتمال المقابل .


و لـديـنـا ادلـة اخرى في هذا المجال منها قولهم في احد البويهيين : ((كان غاليا في التشيع )), و
يقصدون بذلك انه شيعي اثنا عشري .


و كـان الـزيديون , بعامة , يقرون بخلافة الشيخين , و يتمسكون بفقه ابي حنيفة بيد اننانقرا ما نقله
الـمـؤرخـون عن عضد الدولة الذي كان اقوى حاكم بويهي , فقد قيل فيه : ((كان اديبا, مشاركا في
فنون العلم , حازما, لبيبا, الا انه كان غاليا في التشيع ((1205)) )).


من جهة اخرى , نلحظ ان عام 351 ه شهد كتابة بعض العبارات على ابواب المساجدوهذه العبارات
هـي : لعن اللّه معاوية بن ابي سفيان و لعن اللّه من غصب فاطمة حقهاو لعن اللّه من اخرج العباس من
الـشـورى و لـعن اللّه من نفى اباذر و قد ايدها معز الدولة و لكن عندما محاها بعض السنة و كتبوا
عـوضـهـا : لـعن اللّه الظالمين لال رسول اللّه , و لم يذكروا احدا في اللعن الا معاوية , فانه اكتفى
بذلك ((1206)) .


و كان الزيديون يتحاشون هذه العبارات المفصلة في اللعن و مرجعهم في ذلك سيرة زيد بن علي , اذ
عندما كان في الكوفة ايام انتفاضته لم يبرا من عمر, و ابي بكر و يرى الزيدية ان هذا الموقف الذي
اتخذه زيد دعم اجمالي لخلافة ذينك الشخصين لذلك فان ذكر العبارات السابقة آية على تشيع اقوى
من التشيع الزيدي , و هو التشيع الاثناعشري .


ثـمـة دلـيـل آخـر عـلـى مـا نـقـول , و هـو تـعـبـيـر الـرفـض الـذي اطـلقه ابن كثير على
معزالدولة ((1207)) و ذكر ابن عماد الحنبلي ايضا ان معز الدولة كان من الروافض ((1208)) و
يرى مونتغمري واط ايضا انه كان اماميا ((1209)) و يؤكدالدكتور كامل الشيبي ـ اعتمادا على ما
نقله البيروني ـ ا نه كان في البداية زيديا, ثم ركن الى المذهب الاثني عشري ((1210)) .


و شـهـدت عـاصـمة الحكم العباسي بغداد انتشار التشيع في ارجائها و كانت تقام مراسم العزا يوم
العاشر من المحرم فيها علنا عام 352 ه , و امر معز الدولة بتعطيل الاسواق في ذلك اليوم و قيل :
ان اهـل الـسـنـة لـم يستطيعوا منع المراسم المذكورة لكثرة التشيع وظهورهم , و كون السلطان
مـعهم ((1211)) و عندما كانت تقام هذه المراسم في بغداد,فقد كانت تقام في سائر المدن الخاضعة
لـسـلـطتها ايضا و كان هؤلا يختارون ولاتهم من الشيعة او من ذوي الميول الشيعية ((1212)) و
ربـمـا كـان لهم وزرا غير مسلمين ايضا ((1213)) كما يلحظ بين وزرائهم من كان متعصبا لاهل
السنة ((1214)) .


ان اقـامة المراسم في عيدالغدير من قبل معز الدولة , و استمرارها ايام الحكم البويهي ((1215))
مـعـلم على تشيعهم الاثني عشري ذلك ان الزيديين (في الاقل ) لم يؤمنوا بالنص الصريح على الامام
علي ـ عليه السلام والاقرار بعيدالغدير, هو الاقراربالنص الصريح .


و كانت اقامة هذه المراسم في بغداد باعثا على نشوب الصراعات المستمرة بين الشيعة والسنة تلك
الـصراعات التي كانت تجري لسنين متواترة و تبرز عادة في يوم عاشورا, ويقتل على اثرها عدد
كـثـيـر مـن الناس كما نقل لنا التاريخ ان محلة الكرخ التي يقطنهاالشيعة قد تعرضت للحرائق عدة
مـرات ((1216)) و يقع في اطراف هذه المدينة باب البصرة باتجاه القبلة , و اهله كلهم حنابلة , اما
جهة الجنوب , فقد كانت محلة نهر قلابين ,و سكانها كسكان باب البصرة ((1217)) .


و افـتعلت شريحة من السنة المتطرفين مراسم مماثلة في مقابل المراسم الشيعية المذكورة فاقامت
مـراسم في يوم الغار (26 ذي الحجة ) لتقابل مراسم يوم الغدير وكذلك اقامت مراسم في يوم موت
مـصـعب بن الزبير لتقابل مراسم يوم عاشورا ((1218)) و نقل ايضا ا نهم اركبوا امراة و سموها
عائشة , و تسمى بعضهم بطلحة , و بعضهم بالزبير, و قالوا : نقاتل اصحاب علي ـ عليه السلام فقتل
بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير ((1219)) .


و كـان الـصـراع قـائمـا في المدينة بين عنصرين هما : العنصر التركي , والعنصرالديلمي و هذا
الـصراع صورة من صور الصراع بين الشيعة والسنة و اذا ما انتصر العنصرالتركي , فان انتصاره
يـسـفر عن اندلاع الحرائق في محلة الكرخ الشيعية ((1220)) وكانت هذه الحروب المصحوبة
بالامراض الكثيرة التي اصابت بغداد و سائرالمدن (كالوبا, والطاعون ) سببا في تناقص السكان في
العراق و عندما تسلم عضد الدولة زمام الامور, امر بمنع القصاص والوعاظ الذين كانوا يشعلون نار
الـفـتـن والـقـلاقـل مـن الكلام ((1221)) و هذا نابع من روح التساهل والمرونة التي كان عليها
الـحـكـام الـبـويـهيون عادة و مع هذا كله , كان البويهيون جميعهم قد احتفظوا بنزعتهم الرافضية
والشيعية ((1222)) .


و كـان مـن جهودهم ترسيخ العلوم الشيعية و لمسنا ذلك في تعزيزهم مدينة قم و تجهيزها لدراسة
الكلام الشيعي و هذا معلم من معالم تلك الجهود كما جا ان احدوزرائهم , و يدعى ابا نصر, اسس اول
دار للعلم في محلة الكرخ الشيعية سنة 383ه ق و هيا لها كتبا كثيرة , اوقفها على الفقها وهو الذي
سماها دارالعلم و قال ابن كثيرفيها: هذه اول مدرسة اوقفت على الفقها, و قد سبقت تاسيس المدرسة
النظامية بمدة طويلة ((1223)) .


النشاطات العلمية للشيعة في العصر البويهي و دورها في بسط التشيع .

/ 33