في النياحة وأخذ الاجرة عليها - إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب - نسخه متنی

میرزاجواد تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

في النياحة وأخذ الاجرة عليها

النوح بالباطل[2].

[2] لا ينبغي الريب في جواز النياحة على
الميت ما لم تكن باطلة أي مدحاً كذباً، فانّها مع
كونها مقتضى الأصل فيجوز أخذ الأجرة عليها، نظير
سائر الأعمال المحللة، يدلّ عليه ما ورد في جواز
أخذ الأجرة عليها، وفي صحيحة أبي بصير، قال: «قال
أبو عبداللّه (ع): لا بأس بأجر النائجة التي تنوح على
الميت»(264) والمراد النياحة
التي لا تكون كذباً فانّه لا يحتمل جوام الكذب
تكليفاً، وجواز أخذ الأجرة عليه وضعاً، بل مرسلة
الصدوق قال: «قال (ع): لا بأس بكسب النائحة إذا قالت
صدقاً»(265) وهذه لضعف سندها
تصلح للتأييد. وفي خبر عذافر قال: «سمعت أبا
عبداللّه (ع)، وسئل عن كسب النائحة؟ فقال: تستحله
بضرب احدى يديه على الأخرى»(266)
وظاهرها عدم جواز أخذ الأجرة على نفس النياحة، بل
تكون الأجرة بازاء عملها أي ضرب احدي يديه بالأخرى
عند نياحتها وهذا لضعف سنده غير صالح لمعارضة صحيحة
أبي بصير.

وفي صحيحة حنان بن سدير، قال «كانت امرأة
معنا في الحي، ولها جارية نائحة، فجاءت إلى أبي،
فقالت: يا عم أنت تعلم أنّ معيشتي من اللّه، ثم من
هذه الجارية، فأحب أن تسأل أبا عبداللّه (ع) عن ذلك،
فان كان حلالاً، وإلاّ بعتها وأكلت من ثمنها، حتى
يأتي اللّه بالفرج، فقال لها أبي: واللّه أني لاعظم
أبا عبداللّه (ع): تشارط؟ فقلت: واللّه ما أدري تشارط
أم لا؟ قال: قل لها لا تشارط وتقبل ما أعطيت(267) وهذه الصحيحة في نفسها ظاهرة
في كراهة المقاطعة، فانّه مع كون النياحة مباحة،
فلا بأس بالمشارطة، ولا أقل من حملها عليها جمعاً
بينها وبين صحيحة أبي بصير المتقدمة.

والحاصل أنّه لا ينبغي التأمل في جواز
النياحة وأخذ الأجرة عليها، وفي صحيحة يونس بن
يعقوب عن أبي عبداللّه (ع)، قال: قال لي أبي يا جعفر
أوقف لي من مالى كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين
بمنى أيام منى»(268).

التولي عن الجائر

الولاية من الجائر[2].

[2] التصدي للعمل من قبل الجائر حرام بلا
خلاف ظاهر. ويستدل عليه بقوله سبحانه: «ولا تركنوا
إلى الذين ظلموا»(269) ولكن لا
يخفى أنّ التولي من قبيل ركون الظالم إليه، لا من
ركونه إلى الظالم. نعم مقتضى غير واحد من الروايات
عدم جوازه. وفي معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي
عبداللّه (ع): «ان اعوان الظلمة يوم القيامة في
سرادق من النار حتى يحكم اللّه بين العباد»(270).

وموثقة السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه،
قال: «قال رسول اللّه: إذا كان يوم القيمة نادى مناد
أين اعوان الظلمة، ومن لاق لهم دواتاً أو ربط كيساً
أو مد لهم مدة قلم، فاحشروهم معهم»(271) وفي موثقة الأخرى إياكم وأبواب
السلطان. وحواشيها، فان أقربكم من أبواب السلطان
وحواشيها أبعدكم من اللّه عزّ وجل، ومن آثر السلطان
على اللّه أذهب اللّه عنه الورع وجعله حيرانا»(272) وفي رواية الكاهلي عن أبي
عبداللّه (ع) «من سوداسمة في ديوان ولد سابع، حشره
اللّه يوم القيمة خنزيراً»(273)
إلى غير ذلك.

وفي مقابلها ما يظهر منه أنّ حرمته من جهة
الحرام الخارجي، وأنّه لا بأس به ما لم يكن منه
التصدي لعمل محرم أو ارتكاب حرام آخر أثناء كونه
عاملاً للجائر، كرواية داود الزربي، قال: «أخبرني
مولى لعلي بن الحسين (ع)، قال: كنت بالكوفة فقدم أبو
عبداللّه (ع) الحيرة، فأتيته فقلت جعلت فداك: لو
كلمت داود بن علي أو بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت
أفعل ـ إلى أن قال ـ: جعلت فداك ظننت أنّك انّما كرهت
ذلك مخافة ان أجور أو أظلم، وأن كل امرأة لي طالق،
وكل مملوك لي حر وعلى وعلى إن ظلمت أحداً أو جرت
عليه، وأن أعدل، قال: كيف قلت: فاعدت عليه الايمان،
فرفع رأسه إلى السماء، فقال: تناول السماء أيسر
عليك من ذلك«(274) بناء على أنّ
ذلك اشارة إلى ما تعهد به السائل من عدم ظلمه أحداً
بل استمراره على العدل، فتكون الرواية ظاهرة في
جواز التولي لولا محذور الجوز على الناس أو نحوه من
سائر المحاذير.

ولكن الرواية ضعيفة سنداً وإن وصفها
المصنف «ره» بالصحة، ووجه ضعفها أن داود بن زربي
وإن كان من مشايخ ابن أبي عمير، إلاّ أنّ الراوي له
ـ هو مولى علي بن الحسين ـ مجهول. وإحتمال رجوع اسم
الاشارة إلى ترخيص الإمام (ع) وتكلمه في دخوله في
بعض الولايات ـ لئلاّ تكون لها دلالة على جواز
الدخول لولا ارتكاب المحرمات ـ ضعيف. ووجه ضعفه عدم
مناسبة ذلك لقوله (ع) كيف قلت؟ ولا لاعادته الايمان
المغلطة.

وذكر الايرواني «ره» انّه لا دلالة في
الرواية على جواز الدخول في ولايتهم، بل ولا اشعار
حتى بناء على رجوع لفظ ذلك إلى ترك الظلم والعدل،
لأنّ السائل كان من العامة كما هو مقتضى حلفه
بالطلاق والعتاق. وعليه فلا يمكن للامام (ع) التصريح
ببطلان حكومتهم، وحرمة كون الشخص معيناً. ولهذه
الجهة عبر عن عدم الجواز بذلك التعبير.

وفيه أنّ حمل الكلام على رعاية التقية
خلاف الأصل، والحلف بالطلاق والعتاق لا تكون قرينة
على ذلك، كما يظهر ذلك لمن راجع الروايات الواردة
في ذلك الحلف، حيث يظهر منها أنّ بطلانه لم يكن في
ذلك الزمان ظاهراً كظهوره في زماننا.

والحاصل أنّ مجرد الحلف في ذلك الزمان لم
يكن قرينة على كون الحالف عامياً. وصحيحة أبي بصير
قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن أعمالهم؟ فقال لي: يا أبا
محمد لا ولا مدة قلم، إن أحدكم لا يصيب من دنياهم
شيئاً إلاّ أصابو من دينه مثله»(275)
حيث إنّ ظاهرها أنّ محذور كون الشخص عاملاً ما
يترتب عليه من ارتكاب الحرام، أو كون الشخص معيناً
على ظلمهم.

وصحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه (ع)، قال:
«وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم
شيئاً فيعينه اللّه به، فمات في بعثهم، قال: هو
بمنزلة الأجير، إنّه انّما يعطي اللّه العباد على
نياتهم»(276) وفيه أنّ هذه
الصحيحة تدلّ على جواز العمل لهم مع الحاجة إلى
المال لقوت نفسه وعياله، سواء كان ذلك بالدخول في
ولايتهم أو العمل لهم بدونه، فيحمل على الثاني
بقرينة ما ورد في حرمة كون الشخص في ديوانهم، مع أنّ
في جواز الدخول في ديوانهم عند الضرورة لتأمين
المعاش كلام تأتي الاشارة إليه.

وأمّا صحيحة أبي بصير فلا دلالة لها على
الجواز، حيث إن أصابتهم من دينه كما يكون بارتكابه
الحرام كذلك يكون بمجرد كونه معدوداً من أعوانهم.
والحاصل أنّه لا دلالة لها على كون المراد من
أصابتهم الدين ارتكاب الشخص الحرام الخارجي كما لا
يخفى.

في مجوزات الدخول في الولاية عن
الجائر

القيام بمصالح العباد[1].

[1] يجوز التولي من قبل الجائر فيما إذا كان
في توليه نفع المؤمنين أو دفع الضرر عنهم. ويشهد
لذلك مثل صحيحة علي بن يقطين قال: «قال لي أبو الحسن
موسى بن جعفر (ع): إنّ للّه تبارك وتعالى مع السلطان
أولياء يدقع بهم عن أوليائه»(277)
فان مع كون المتولي من أولياء اللّه لا يحتمل حرمة
التولي. وفي صحيحة زيد الشحام، قال: «سمعت الصادق
جعفر بن محمد (ع) يقول: من تولين أمور الناس، فعدل
وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس، كان حقاً
على اللّه عزّ وجلّ أن يؤمن روعته يوم القيامة
ويدخله الجنة»(278).

ومن الظاهر أنّ تولى الأمر في مثل زمانه
(ع) كان من قبل الخلفاء وولاتهم، وذكر المصنف «ره»
ظهور بعض الاخبار في عدم جواز الدخول في الولايات،
ولكن ايصال النفع المؤمنين كفارة له. وفي مرسلة
الصدوق «ره» «قال الصادق (ع): كفارة عمل السلطان
قضاء حوائج الاخوان»(279) وفي
رواية أبي سلمة «فإن وليت شيئاً من أعماله، فأحسن
إلى إخوانك، فواحدة بواحدة»(280).

وفيه أنّه لا يمكن الالتزام بأنّ التولي ـ
حتى في فرض نفع المؤمنين ـ محرم ولكن الشخص لا يعاقب
عليه، فانّه ينافي ذلك مثل صحيحة زيد الشحام،
وأيضاً ليس عدم جواز التولي مع ايصال النفع إلى
المؤمنين من المتزاحمين، لأنّ ايصال النفع على
اطلاقه لا يكون واجباً لتقع المزاحمة بين وجوبه
وحرمة التولي، فلابدّ من الالتزام بأن نفع
المؤمنين أو دفع الضرر عنهم عنوان يكون معه التولي
محكوماً بالجواز، بل بالوجوب في بعض الاحيان.

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه (ع)،
قال: «سمعته يقول: ما من جبار إلاّ ومعه مؤمن يدفع
اللّه عزّ وجل به عن المؤمنين، وهو اقلهم حظاً في
الآخرة يعني أقل المؤمنين حظاً في الآخر»(281) ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كون
الداعي إلى دخوله في ديوان الجبار ايصال النفع
إليهم أو غيره، كما لا يبعد كونها معتبرة، فان
مهران بن محمد بن أبي نصر من مشايخ ابن أبي عمير.

وعن النجاشي في ترجمة محمد بن اسماعيل بن
بزيع عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: «فإنّ للّه في
أبواب الظلمة من نور اللّه به البرهان، ومكن له
البلاد ليدفع بهم عن أوليائه ويصلح اللّه بهم أمور
المسلمين، إليهم ملجأ المؤمنين من الضر، وإليهم
مرجع ذوي الحاجة من شيعتنا، بهم يؤمن اللّه روعة
المؤمنين في دار الظلمة، أولئك المؤمنون حقاً،
أولئك امناء اللّه في أرضه، أولئك نور اللّه في
رعيته يوم القيمة تضيء منه القيامة، خلقوا واللّه
للجنة، وخلقت الجنة لهم، فهنيئاً لهم، ما على أحدكم
إن لو شاء لنال هذا كله، قال قلت بماذا جعلني اللّه
فداك؟ قال: يكون معهم يسرنا بادخال السرور على
المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد»(282).

ومقتضى الجمع بين هذه الرواية أبي بصير
حمل رواية أبي بصير على ما لم يكن الداعي إلى التولي
مجرد نفع المؤمنين، كما إذا تولى لتنظيم معاشه،
ويكون من قصده نفع المؤمنين أو دفع الضرر عنهم
خلاله. ووجه الحمل أنّ رواية النجاشي ظاهرها
الترغيب إلى الدخول في صحبة الجبار بداعي الوصول
إلى الثواب الموعود، فيرفع بها اليد عن اطلاق رواية
أبي بصير كما لا يخفى.

ولو أمن من ذلك[1].

[1] أي أنّه لو أمن من الاعتماد على الحرام
والاستمرار على ارتكابه. وتمكن من الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر استحب له قبول الولاية. وبما ان
مقتضى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوب
قبول الولاية في الفرض، فوجه في المسالك الاستحباب
بأن كون المتولي بصورة النائب عن الجائر، وشمول النهي عن
الدخول في ديوانهم له لو لم يقتضيا المنع في الفرض،
فلا أقل من اقتضائهما عدم وجوب التولي.

وفيه أنّه لو جرى محذور ترويج الجائر
والنهي عن الدخول في ديوانهم، فمقتضاهما عدم جواز
التولي، لا أنّه يستحب، ومعد عدم جريانهما لا مانع
من وجوبه مقدمة للأمر بالمعروف النهي عن المنكر
الواجبين.

ويمكن توجيهه بأنّ نفص الولاية[1].

[1] أي توجيه عدم وجوب التولي بأنّ مقتضى
أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وجوبهما، حتى في الفرض، كما أنّ ما دلّ على حرمة
ترويج الظلمة وتسويد الاسم في ديوانهم حرمتها
كذلك، فيكون وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مع حرمة التسويد من المتزاحمين.

ولا معين لترجيح أحدهما على الآخر، فيكون
المكلف مخيراً بينهما، مع استحباب رعايه الأصلح
منهما.

أقول لا يخفى ما فيه، فان مقتضى ذلك سقوط
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبقاء حرمة
التولي، وذلك فانّه ـ مع فرض شمول دليل النهي عن
الدخول في ديوانهم للمورد ـ لا يتمكن المكلف من
الأمر بالمعفروف والنهي عن المنكر، حيث إنّ كل
تكليف مشروط بالقدرة، ومع حرمة مقدمة الشيء لا يكون
ذلك الشيء مقدوراً. وهذا غير ما ذكر في الكفاية،
لجريانه حتى فيما إذا قيل بأنّ القدرة المأخوذة في
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عقلية.

والحاصل أنّ اطلاق النهي عن التسويد في
ديوانهم حاكم على أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، وهذا يجري في كل متزاحمين يكون المحرم
منهما مقدمة للآخر، ولم تحرز الأهمية أو لم تحتمل
في خصوص جانب ذلك الآخر. نعم على تقدير الايتان
بالمقدمة عصياناً، يجب ذلك الآخر على ما هو المقرر
في بحث الترتب.

ويمكن توجيه عدم الوجوب[2].

[2] كان هذا القائل جعل المقام من موارد
تعارض الدليلين بالعموم من وجه، حيث إنّ مقتضى أدلة
تحريم الدخول في ديوان الظلمة حرمته في الفرض
أيضاً، كما أنّ ما دلّ على وجوب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر وجوبهما، فيرفع اليد عن اطلاق كل
منهما، فتكون النتيجة تخيير المكلف بين ترك الدخول
في ولايتهم أو القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.

وبعبارة أخرى يرفع اليد عن ظهور كل منهما
في عدم جواز تركه بقرينة الآخر ويقال باستحباب
الدخول في ولايتهم أخذاً بظهور الترغيب، وبذلك
يرتفع الاشكال عن جواز مقدمة الواجب بالمعنى الأخص.
ووجه الارتفاع: هو سقوط المقدمة عن وجوبها، باعتبار
وقوع المعارضة بين ما دلّ على وجوب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وبين دليل حرمة الدخول في ديوان
الظلمة.

وأورد عليه المصنف «ره» بوجوه: (الأول) أن
الحكم ـ في تعارض الدليلين بالعموم من وجه ـ هو
سقوطهما ـ والرجوع إلى الأُصول أي إلى الادلة
الأُخرى لا التخيير بينهما، ومقتضى الأُصول في
الفرض اباحة الدخول في ولايته، لأصالة الاباحة،
ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لاستقلال
العقل بوجوبهما كما هو المقرر في محله.

(أقول): لو كان العقل مستقلاً بوجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في الفرض، لكان
قرينة قطعية على جواز التولي، وتقييد اطلاق دليل
التحريم ولم تصل النوبة في اثبات الجواز إلى أصالة
الحل.

(الثاني) أنّ التخيير ـ على تقديره في
تعارض الدليلين حتى بالعموم من وجه ـ هو التخيير
الظاهري لا الواقعي. والمراد بالتخيير الظاهري
الأخذ بأحد الدليلين لا التخيير الواقعي كما هو
ظاهر الاصحاب في المقام (الثالث) أنّه لا يمكن في
المتعارضين بالعموم من وجه ابقاؤهما على ظاهرهما
في موردي افتراقهما، بأن يراد من الأمر الوجوب، ومن
النهي التحريم، ويرفع اليد عنها بالاضافة إلى مورد
اجتماعهما، بأن يراد من الأمر الترخيص في الفعل،
ومن النهي الترخيص في الترك فان هذا يستلزم استعمال
كل من الأمر والنهي في الالزام والترخيص. وهذا من
استعمال اللفظ في معنيين.

(أقول) استفادة الجواز من دليل حرمة
التولي ليس من جهة استعمال النهي في الالزام
والترخيص، بل برفع اليد عن اطلاق النهي وتقييد
بصورة عدم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، كما أنّ استفادة الجواز من دليل وجوب الأمر
بالمعروف بتقييده بما إذا لم يكن في البين محذور
التولي من الجائر، وأين هذا من استعمال النهي أو
الأمر في الالزام والترخيص.

(الرابع) أنّ ما دلّ على استحباب التولي
وايصال النفع إلى المؤمنين والدفع عنهم أخص مطلق
بالاضافة إلى ما دلّ على حرمة الدخول في ولايتهم،
فيرفع اليد به عن اطلاق دليل التحريم، ويلاحظ دليل
الترخيص مع أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر. ومن الظاهر أنّ دليل استحباب التولي يثبت
الاستحباب بما هو هو، فلا ينافي وجوبه مقدمة للأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، كما هو الحال في سائر
المستحبات التي قد تقع مقدمة للواجب.

وبعبارة أخرى ما دلّ على حرمة التولي مخصص
في صورة نفع المؤمنين، فلا يشمل ذلك الدليل صورة
الدخول في ولايتهم والقيام بالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر أو غيرهما من مصالح المسلمين. وعلى ذلك
فيعم الفرض ما دلّ على وجوب الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر، على ما هو المقرر في بحث انقلاب النسبة.

(أقول) هذا الوجه الأخير هو الصحيح في
تقديم ما دلّ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، لا لأنّ المقام من المتعارضين بالعموم من
وجه، بل لأنّ المقام ـ مع قطع النظر عن هذا الوجه ـ
من موارد التزاحم، وأنّ ما دل على تحريم التولي
موجب لانتفاء القدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، إلاّ أنّ مع ورد التخصيص لادلة حرمة التولي
في صورة نفع المؤمنين لا يكون في البين تزاحم، حيث
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من نفع
المؤمنين أو أولى منه.

ثمّ إنّه لا يختص جواز التولي عن الجائر
بالجائرين في ذلك الزمان، بل يعم الجائرين في كل
زمان، فانّه ـ مع بعد الاختصاص، لجريان مصلحة الدفع
عن المؤمنين وايصال النفع إليهم في جميع الأعصار ـ
يقتضيه اطلاق صحيحة زيد الشحام المتقدمة فلاحظ.

ثمّ إنّه يظهر من بعض الأخبار جواز التولي
والدخول في أعوان الظلمة، فيما إذا لم يتمكن المكلف
من تأمين معاشه من طريق آخر وفي موثقه عمار عن أبي
عبداللّه (ع) «سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟
قال: لا إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ويشرب، ولا
يقدر على حيلة، فان فعل فصار في يده شيء، فليبعث
بخمسه إلى أهل البيت»(283).

(لا يقال): ينافي ذلك ما تقدم من الروايات
الدالة على اعتبار نفع المؤمنين ودفع الضرر عنهم
(فانّه يقال): مقتضى الجمع بين هذه وبين مثل صحيحة
زيد الشحام المتقدمة هو كون كل من نفع المؤمنين
والضرورة إلى مؤنة نفسه وعياله مستثنى من حرمة كون
الشخص من أعوان الظلمة، لأنّ الصحيحة تدلّ على جواز
التولي مع ايصال النفع إلى المؤمنين، والدفع عنهم، وعدم
جواز غير ذلك، كما أنّ الموثقة تدلّ على جواز
الدخول مع الضرورة، وعلى عدم جوازه في غيرها، فيرفع
اليد عن اطلاق عدم جواز في كل منهما بالجواز الوارد
في الأُخرى.

وكيف كان فالجواز في فرض الضرورة لتأمين
معاشه غير مذكور في كلماتهم، وإلاّ لكان الافتاء به
في محله، وحمل عدم التمكن فيها على الاضطرار الرافع
للتكليف والموجب لحل أكل الميتة فيه ما لا يخفى،
فلاحظ وتدبر.

الاكراه على قبول الولاية

الثاني مما يسوغ الولاية الإكراه عليه[1].

[1] يحصل الاكراه بأمر الجائر الشخص بكونه
عاملاً له، مع ايعاده على تركه بما يكون ضرراً عليه
نفساً أو عرضاً أو مالاً، أو اضراراً يعد ضرره
ضرراً عليه. واستدل المصنف «ره» على جواز قبول
الولاية من الجائر مع الاكراه بقوله سبحانه: «الا
ان تتقوا منهم تقاة» بعد قوله «لا يتخذ المؤمنين
الكافرين أولياء»(284).

والعجب أنّه «ره» لم يستدل على حرمة كون
الشخص من أعوان الظلمة وتسويد الاسم في ديوانهم
بالآية، مع تمسكه بالاستثناء فيها على جوازه مع
الاكراه، فان لازم هذا تسليم دلالتها بصدرها على
حرمة قبول الولاية من الجائر. ولكن لا يخفى ما فيه
فانّ مدلول الآية عدم جواز اختيار المسلم الكافر
ولياً له، سواء كان ذلك الكافر ظالماً أو عادلاً
بحسب دينه، فلا يجوز للمسلم أن يجعل الكافر قيماً
لاطفاله الصغار، لدلالة الآية بصدرها على ذلك.
والكلام في مسأله عدم جواز كون الشخص من أعوان
الظلمة عدم جواز قبول الولاية من قبلهم، سواء كان
الظالم مسلماً أو كافراً. والحاصل أنّه لا يستفاد
حرمة كون الشخص من أعوانهم من الآية المباركة ليدلّ
الاستثناء فيها على ارتفاع حرمته عند الاكراه عليه.

كما يباح بالإكراه[1].

[1] لا يكون نفع المؤمنين إلاّ موجباً
لجواز كون الشخص عن اعوان الظلمة. وأمّا ما يلزمه في
بعض الموارد في فعل سائر المحرمات، فلا يجوز به، بل
لو كان نفعهم أو دفع الضرر عنهم واجباً، لكان مع
المحرم الآخر من المتزاحمين، فيجري عليهما أحكام
التزاحم. وهذا بخلاف الاكراه على الولاية المحرمة،
فانّه كما تجوز الولاية بالاكراه كذلك ترتفع حرمة
ما يلازمها من سائر المحرمات على حد سواء. نعم إذا
كان ما يلازمها من قبيل الاضرار بالغير ففي شمول
حديث الرفع له إشكال، ووجهه أنّ الحديث وارد في
الامتنان على الأُمة، فيختص الرفع بمورد يكون
الرفع فيه امتناناً. وفي المقام ليس كذلك، فان نفي
حرمة الاضرار بالغير وإن كان امتناناً على المكره
بالفتح، ولكنه خلافه على الآخر المتضرر به.

في الاكراه على اضرار الغير

هذا واختار المصنف «ره» جواز قبول
الولاية وجواز الاضرار بالغير، وذكر في وجهه
أموراً: (الأول) عموم رفع ما استكرهوا عليه. وقد ظهر
عدم صحة هذا الوجه، وأنّ حديث الرفع لا يعم مثل
المقام، بلا فرق بين ما إذا توجه الضرر بارادة
المكره بالكسر إلى الغير أولا أو لا وذلك فان توجه
الضرر إلى الغير بحسب ارادة الجائر لا يقاس بتوجه
الضرر إليه تكويناً الذي لا يجب فيه دفع الضرر عنه
بتحمل الضرر وذلك فان مع توجهه بارادة المكره
بالكسر إلى الغير يكون الاضرار بمباشرة المكره
بالفتح. ويضاف إليه الاضرار، فلا يجوز، بخلاف توجه
الضرر إلى الغير تكويناً. ودعوى ضعف نسبة الاضرار
إلى المكره بالفتح، ضعيفة وإلا لم يسند القتل أيضاً
إلى المباشرة المكره كما لا يخفى.

وعلى ذلك فنفي حرمة الاضرار لا يكون
مدلولاً لحديث الرفع، حيث ذكرنا أنّ الرفع في مثل
المقام لا يناسب الامتنان على الجميع. هذا مع أنّ
توجه الضرر في الفرض إلى الغير بحسب ارادة الجائر
محل تأمل بل منع، فان المفروض رفع الجائر يده عن
الغير بتحمل المكره بالفتح الضرر، وهذا كاشف عن
تعلق ارادة الجائر بالجامع بين الضررين.

والحاصل أنّه لا يجوز الاضرار بالغير في
فرض جواز تحمل الضرر، نعم إذا كان الضرر المخوف على
نفسه هو القتل، وإضرار الغير مالياً يتعين
الاضرار، لدلالة ما ورد في التقية على ذلك، وكون
المقام من المتزاحمين.

ثمّ إنّه «ره» قد أورد على نفسه بأنّه كيف
الفرق بين ما إذا توجه ارادة الجائر باضرار الغير،
فلا يجب على المكره بالفتح دفع الضرر عنه بتحمله،
بل تجوز له المباشرة في الاضرار، وبين ما إذا توجه
ارادة الجائر باضراره، فلا يجوز له دفعه عن نفسه
باضرار الغير.

وبعبارة أخرى لو كان مقتضى رفع الاكراه
الجواز في الأول لكان مقتضى رفع الاضطرار جواز
الاضرار في الثاني أيضاً، فيكون الاضرار بالغير
كسائر المحرمات التي يدفع المكلف بها الضرر عن
نفسه.

وأجاب بأنّ رفع حرمة الاضرار بالغير في
الصورة الأولى موافق للامتنان، بخلاف رفع الاضرار
بالغير في الصورة الثانية، فانّه ينافيه.

وفيه أنّه قد ظهر فساد الجواب مما سبق،
فلا حاجة إلى الاعادة، كما ظهر منه فساد التشبت في
اثبات الجواز في الصورة الأولى بحديث نفي الضرر،
ووجه الظهور أنّ نفي الحكم الضرري كنفي الحكم
الاكراهي للامتنان. ولا امتنان في نفي ضرر عن مكلف
بتجويز الاضرار بمكلف آخر.

(الأمر الثاني) أنّ حرمة قبول الولاية في
الفرض أو حرمة ما يلازمها من الاضرار بالغير تكليف
حرجى يرتفع بدليل نفي الحرج. وهذا الوجه أيضاً غير
صحيح، فانّ رفع التكليف الحرجي أيضاً للامتنان على
المؤمنين، ولا امتنان في رفع تكليف يكون نتيجته
جواز الاضرار بالغير.

(الأمر الثالث) قوله (ع): «انّما جعلت
التقية لتحقن به الدماء، فإذا بلغت الدم فلا تقية»(285) باعتبار أنّ مفهوم القضية
الشرطية جواز التقية بغير اراقة الدم من سائر
المحرمات، ومنها الاضرار بالغير مالاً.

وفيه أنّ المراد بالتقية فيه التقية
بمرتبتها العليا، وهو التحفظ على النفس من التلف،
بقرينة التعليل، فمفهوم الشرطية أن التقية أي
التحفظ على النفس من التلف موجبة لجواز كل محرم حتى
الاضرار بالغير مالاً أو عرضاً، وإنّما لا تجوز
التقية والتحفظ على النفس من التلف باراقة الدم
واتلاف نفس آخر، والتحفظ على الضرر المالي ونحوه
خارج عن مدلوله منطوقاً ومفهوماً.

ثمّ إنّه مع جواز الاضرار بالغير مالاً في
مقام المزاحمة لا يرتفع ضمان اتلاف ذلك المال كما
في سائر موارد الاتلاف نعم لو قلنا بجواز الاضرار
بالغير مالاً باعتبار عدم وجوب تحمل الضرر عنه
بدعوى شمول حديث رفع الاكراه أو دليل نفي الحرج،
فلا يكون في البين ضمان، فان ايجاب التدارك والضمان
مرادف لايجاب تحمل الضرر المتوجه إلى الغير. وقد
فرض نفي وجوب تحمله بحديث رفع الاكراه أو دليل نفي
الحرج.

قد يقال إنّه يرتفع عند الاكراه حرمة ما
يكون من قبيل الاضرار بالغير لوجه آخر، وهو أنّ
المستفاد من قوله سبحانه «إلاّ من أكره وقلبه مطمئن
بالايمان»(286) مع الانضمام إلى
الروايات الواردة في التقية عموم التقية وشمولها
للتحفظ على النفس والمال والعرض وأنّ الشارع قد
جوزها، إلاّ إذا كانت باراقة الدم، ألا ترى أنّه
يجوز التقية بتكذيب النبي وسبه والتبري منه، مع أنّ
التكذيب والسب تنقيص وتعرض لعرض النبي (ص)، وكذا سب
الإمام والتبرى منه (ع) وعرضهما أعظم الاعراض. فما
الظن بعرض زيد وعمرو وغيرهما من الافراد.

وفي معتبرة مسعدة بن صدقة قال: «قلت لأبي
عبداللّه (ع): أنّ الناس يروون أنّ علياً قال على
منبر الكوفة أيها الناس إنّكم ستدعون إلى سبي
فسبّوني، ثم تدعون إلى البراءة منّي، فلا تبرأوا
منّي، فقال ما أكثر ما يكذب الناس على علي (ع)، ثم
قال: إنّما قال إنّكم ستدعون إلى السبي فسبوني ثم
تدعون إلى البراءة منّي وإني لعلى دين محمد ولم يقل
ولا تبرأؤا منّي، فقال له السائل: أرأيات إن اختار
القتل دون البراءة فقال: واللّه ما ذلك عليه وما له
إلاّ ما مضى عليه عمار بن ياسر، حيث اكرهه أهل
مكة“»(287) حيث لم يقيد (ع) جواز
السب والتبري بخصوص ما كان الضرر المخوف على تركها
هو القتل.

ولا يخفى أنّ مثل هذه المعتبرة حاكمة على
بعض ما ورد في نهيه (ع) عن التبري منه، لأنه مع شمول
دليل الاعتبار لهذه الرواية لا يبقى موضوع لدليل
الاعتبار في تلك الروايات الوارد فيها النهي عن
التبري من علي (ع)، حيث يعلم بعدم صدورها عنه (ع)
وكونها كذباً.

(أقول): لا بأس بالتمسك بحديث رفع الاكراه
أو نفي الضرر في الحكم بجواز تكذيب النبي والوقيعة
فيه عند الاكراه، حيث إنّ رفع حرمته عند الاكراه
عليه لا ينافي امتنان على الأُمة، ولا يكون اضراراً
بهم، وجوازه عند الاكراه مستفاد من الآية قبل
الحديث، بل يستفاد ممّا ورد في جواز الافتاء تقية،
فانّه في معنى تجويز الافتراء على اللّه سبحانه في
تلك الحال، وممّا ورد في جواز الكذب والحلف باللّه
كاذباً لدفع الضرر عنه أو عن غيره من المؤمنين،

وكذا لا بأس بدفع الضرر عن نفسه أو عن غيره بالكذب
على الآخرين أيضاً، فانّه لا يزيد على الكذب
والافتراء على اللّه وعلى سب الإمام والتبري منه.
وقد تقدم دلالة معتبرة مسعدة ونحوها على جواز السب
أو التبري. وأمّا الاضرار بالغير بنحو آخر كالتعرض
لعرض شخص بالزنا مع زوجته أو بنته أو نحوه لدفع
الضرر المالي أو العرضي عن نفسه أو الاضرار بالغير
ما لا لدفع الضرر المالي عن نفسه، كل ذلك لا دليل
على جوازه، بل لابد من ملاحظة التزاحم ورعاية جانب
الأهمية أو محتملها.

ولو اضطر إلى نهب مال الغير للتحفظ على
نفسه من الهلاك أو القتل، فانّه يجوز، للتزاحم.
ولكن يكون ضامناً لذلك المال، لعدم حكومة حديث رفع
الاضطرار أو الاكراه في المقام، حتى يرفع الضمان
أيضاً. ويترتب على كون هذه الموارد من التزاحم أنّه
لو اضطر إلى أكل طعام الغير لا يجوز قهر المالك فيما
إذا كان المالك أيضاً مضطراً إليه، بخلاف ما إذا
قيل بحكومة حديث دفع الاضطرار ونفي الضرر، اللّهمّ
إلاّ أن يدعى استفادة عدم جواز القهر ممّا ورد في
عدم مشروعية التقية باراقة دم الغير، فانّ القهر
على المالك في الفرض اراقة لدمه كما لا يخفى.

بالفرق بين المثالين في الصغرى[1].

[1] والفارق هو الذي يشير إليه بقوله (بأنّ
الضرر في الأول) المراد بالأول ما إذا توجه الضرر
إلى الشخص وأراد دفعه عن نفسه بالاضرار بالغير.
وهذا الفرض صغرى للكبرى المتقدمة، بخلاف الثاني،
وهو ما إذا توجه الضرر ابتداءاً إلى الغير، فانّه
لا تكون صغرى لتلك الكبرى.

الثاني انّ الإكراه يتحقّق[1].

[1] قد ظهر ممّا تقدم أنّ الموجب لجواز قبول
الولاية بل جواز ارتكابه سائر المحرمات هو الخوف من
مخالفة الجائر فيما أمر به من ترتب الضرر على نفسه
أو ما يتعلق به نفساً أو عرضاً أو مالاً. وأمّا مع
الخوف من ترتب الضرر على بعض المؤمنين فلا يتحقق
عنوان الاكراه. نعم يجوز له معه قبول الولاية لما
ورد من جواز قبولها لايصال النفع إليهم والدفع
عنهم، وهل يجوز الدفع عنهم بارتكاب سائر المحرمات
التي لا تكون من قبيل الاضرار بالغير المعبر عنها
في كلام المصنف «ره» بالمحرمات الإلهية؟ ظاهر
كلامه «ره» ذلك، حيث ذكر إنّه لو خاف على بعض
المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة، بل غيرها من
المحرمات الالهية التي أعظمها التبري من أئمة
الدين، وتمسك في ذلك بخير الاحتجاج.

ولا يخفى ما فيه فانّه لا دليل على تقييد
اطلاقات المحرمات لمجرد دفع الضرر المالى مثلاً عن
بعض المؤمنين، وكيف يمكن الالتزام بجواز شرب الخمر
في مجلس الجائر أو غيره أو اللواط معه وغير ذلك من
الموبقات لدفع الضرر المالي بل العرضي عن زيد؟
وأمّا التبري فهو ـ نظير الكذب والافتراء والحلف
كاذباً لدفع الضرر عن المؤمن ـ جائز، وجوازه لا
يلازم جواز ارتكاب سائر المحرمات، فلا دلالة في مثل
خبر الاحتجاج(288) على ذلك، حيث
إنّ المذكور فيه وهوالتبري صورة مع التولي قلباً
ليس من أعظم المحرمات حتى يؤخذ بالفحوى.

نعم لو كان الضرر المخوف على بعض المؤمنين
مثل تلف النفس كان جواز ارتكاب سائر المحرمات
باعتبار وقوع التزاحم بينهما وبين وجوب احياء
النفس المحترمة، فيجوز في ذلك الاضرار ببعض
المؤمنين ما لا للتحفظ على نفس الآخرين، ويكون ذلك
مع الضمان كما مرّ آنفاً.

قال في القواعد: (وتحرم الولاية من الجائر
إلاّ مع عدم التمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال
أو الأهل، أو على بعض المؤمنين، فيجوز ايتمار ما
يأمره إلاّ القتل) وقد شرح هذه العبارة بعض
الأساطين، فقال: (الا مع الإكراه بالخوف على النفس
من تلف أو ضرر في البدن أو المال المضر بحال الشخص
تلفه أو حجبه أو العرض من جهة النفس أو الأهل أي
بالخوف على عرض نفسه أو عرض أهله أو الخوف فيما عد
الوسط على بعض المؤمنين، فيجوز حينئذ ايتمار ما
يأمره) انتهى.

والمراد ماعدا الوسط في عبارة القواعد،
والوسط في تلك العبارة الضرر المالي، فيكون ماعدا
الضرر على النفس أو الأهل، وبما أنّ الضرر على أهل
بعض المؤمنين داخل في الضرر على المؤمنين، لأنّ
عنوان بعض المؤمنين يعم أهلهم أيضاً، يكون حاصل
عبارة القواعد ـ على ما ذكره الشارح ـ أنّه يجوز
الاضرار بالغير أو ارتكاب سائر المحرمات غير
القتل، فيما إذا خاف على نفسه أو ماله أو عرضه، أو
خاف على نفس مؤمن آخر.

وأمّا الاضرار بالعرض بالزنا ونحوه[1].

[1] أي أنّه لو كان دفع الضرر عن بعض
المؤمنين نفساً بالاضرار بعرض ذلك البعض أو البعض
الآخر بالزنا ونحوه، ففي جواز هذا الاضرار لدفع ضرر
تلف النفس عن الغير تأمل، ووجهه انّه لا دليل على
وجوب دفع الضرر النفسي عن الغير بمثل الزنا.

(أقول) لو كان ارتكاب محرم آخر كالزنا
مقدمة لدفع الضرر النفسي عن مؤمن كما هو الفرض، فان
لم يحرز أهمية وجوب الانقاذ، بأنّ احتمل الأهمية في
كل منهما، كان اطلاق دليل حرمة تلك المقدمة حاكماً
على ما دلّ على وجوب انقاذ النفس المحترمة، حيث
إنّه باطلاق دليل حرمتها يثبت عدم التمكن من الانقاذ.
وأمّا إذا احرز الأهمية لأنقاذها، أو احتمل
الأهمية له لاللمحرم الآخر تعين الانقاذ، للعلم
بسقوط الاطلاق عن خطاب حرمة المقدمة كما لا يخفى.

وإن كان متعلّقاً بالمال[1].

[1] عطف على قوله ان كان متعلقاً بالنفس، أي
إذا كان الدفع عن بعض المؤمنين دفعاً للضرر المالي
عنهم، فلا يجوز هذا الدفع بالاضرار بالغير حتى
بالمال اليسير، فان ارتفاع حرمة الاضرار بالغير
يحتاج إلى رافع، وهو غير موجود فانّه لا يكون
المورد من موارد الاضطرار أو اكراه، باعتبار عدم
توجه الضرر إلى الشخص أو إلى من يتعلق به على الفرض.

وإن كان متعلّقاً بالعرض[2].

[2] عطف على قوله ان كان متعلقاً بالنفس
بمعنى أنّه إذا كان الضرر المدفوع عن بعض المؤمنين
هو الضرر العرضي، ففي جواز دفعه بالاضرار به أو
مؤمن آخر مالاً أو بالعرض الأخف تأمل، ولكن دفعه
بالاضرار بالنفس أو بالعرض الأعظم غير جائز بلا
تأمل.

الاكراه على قبول الولاية

الثالث ذكر بعض مشايخنا[3].

[3] يجوز قبول الولاية مع الاكراه، وكذا
يباح معه ما يلازمها من سائر المحرمات على تفصيل قد
تقدم في الأمر السابق ولا يتحقق الاكراه إلاّ مع
خوف الضرر في مخالفة المكره بالكسر، وإذا أمكن
مخالفة أمره واقعاً بلا خوف ضرر فيها، لما كان في
البين اكراه، ويعبر عن ذلك بامكان التفصي، والعجز
عنه بهذا المعنى مقوم لعنوان الاكراه، وليس شرطاً
زائداً على تحققه، وعلى ذلك فلا فرق بين قبول
الولاية وفعل سائر المحرمات في عدم ارتفاع حرمتهما
مع امكان التفصي. نعم إذا فرض من قبولها نفع
المؤمنين والدفع عنهم، جاز قبولها، لأنّ ذلك بنفسه
موجب لجواز الدخول في الولايات، ولكن في اباحة سائر
المحرمات وعدمها تفصيل قد مرو لا حاجة إلى اعادته.

قال في الشرايع: (إذا أكرهه الجائر على
الولاية، جاز له الدخول والعمل بما يأمره مع عدم
القدرة على التفصي منه، إلاّ الدماء المحترمة،
فانّه لا تقية فيها) والظاهر أنّ فرض الاكراه شرط في
جواز الدخول في الولاية، وعدم القدرة على التفصي
شرط في جواز العمل بما يأمره الجائر، وأنّ المراد
بالاكراه وعدم إمكان التفصي واحد كما فهمه المصنف
«ره».

وذكر في المسالك في شرح العبارة أنّ
المستفاد منها أمران: (أحدهما) اعتبار الاكراه
(ثانيهما) عدم امكان التفصي، وموردهما مختلف، فان
مورد اعتبار الاكراه قبول الولاية، ومورد عدم
إمكان التفصي سائر المحرمات. ثمّ أورد على العبارة
بأنّه لا وجه لاعتبار عدم إمكان التفصي أصلاً، بل
المعتبر تحقق الإكراه بالاضافة إلى سائر المحرمات.
وأمّا قبول الولاية فلا يعتبر في جوازه حتى
الاكراه.

(أقول الموجب لجواز قبول الولاية من قبل
الجائر أمران: ايصال النفع إلى المؤمنين والاكراه،
وإذا فرض انتفاء الأول تعين اعتبار الإكراه، فلا
وجه لما ذكره من عدم اعتبار الاكراه في جواز
قبولها، وكأنّه «ره» توهّم أنّ مراد المحقق من عدم
القدرة على التفصي هو انتفاء القدرة والاختيار
رأساً المعبر عنه

بالالجاء فذكر أنّ هذا أخص من
الاكراه، ولا يعتبر في ارتفاع الحرمة عن المحرمات
أصلاً وقد توهمه أيضاً صاحب الجواهر الذي نسب
الخلاف فيه إلى الاصحاب، وأنّ لهم في اعتباره ثلاثة
أقوال والشاهد لذلك ما ذكره أخيراً من أنّه على
القول باعتبار عدم امكان التفصي لو توقف المخالفة
على بذل مال كثير لزم البذل، ثم قال: (وهو أحوط بل
أقرب) ووجه الشهادة أنّ وجوب البذل على ذلك القول لا
يتم إلاّ إذا أريد بعدم امكان التفصي الالجاء وعدم
القدرة على الترك أصلاً.

ثم لا يخفى أنّه لو قيل بجواز الدخول في
الولاية من الجائر للضرورة أي لتأمين المعاش لنفسه
وعياله، فهو فيما إذا لم يكن الدخول فيما ملازماً
لارتكاب محرم آخر، بأن كان عاملاً له في عمل مباح،
وإلاّ فلا موجب لارتفاع حرمة ذلك العمل الآخر
فتدبر.

الرابع قبول الولاية مع الضرر المالي[1].

[1] ذكر «ره» أنّ قبول الولاية مع الضرر
المالي الذي لا يضر بالحال جائز بمعنى الاباحة لا
بمعنى الوجوب، فانّه يجوز للانسان تحمل ذلك الضرر، فانّ
الناس مسلطون على أموالهم.

(أقول) تقييد الرخصة في كلماه بالضرر
المالي الذي لا يضر بالحال مقتضاه وجوب قبول
الولاية مع الخوف من الضرر المضر بالحال، وهذا لا
يمكن المساعدة عليه، فانّ الناس مسلطون على
أموالهم.

(لا يقال) إنّه لا يجوز تمكين الجائر من
المال، سواء كان قليلاً أو كثيراً فان أخذه المال
باعتبار كونه غصباً وعدواناً على الغير محرم، ولذا
يجب عليه رد ذلك المال، ويكون تلفه عليه، وإذا كان
وضعه اليد على المال محرماً، يكون تحمل المكره
بالفتح الضرر المالي اعانة له على ظلمه (فانّه يقال)
نعم تسليم المكره بالفتح المال إليه اختياراً غير
جائز كما ذكر، وأمّا اتلافه أمواله قبل وصول الجائر
إليها حتى لا يكون له مال فغير لازم، لما ذكرنا
سابقاً في بحث الاعانة على الحرام أنّ التجارة
ونحوها ليستا من قبل الاعانة على أخذ العاشر. وامّا
الفرار عن الجائر فيما إذا أراد قتله فهو باعتبار
وجوب التحفظ على النفس من الهلاك، وهذا التحفظ غير
واجب بالاضافة إلى الأموال كما لا يخفي، بل قبول
الولاية ـ مع عدم المضر بالحال وكذا ارتكاب محرم
آخر مع كونه يسيراً يتعارف تحمله ـ مشكل فان مثل هذا
الضرر لا يكون موجباً لارتفاع التكليف بقاعدة نفي
الضرر أو حديث الرفع.

الاكراه على قتل النفس

الخامس لا يباح بالإكراه[2].

[2] ذكر «ره» في هذا الأمر أنّ الإكراه على
قتل مؤمن لا يكون موجباً لجواز قتله، حتى فيما إذا
كان الضرر المخوف على نفسه هو القتل، بلا خلاف
ظاهر، ومقتضى حديث رفع الاكراه أو دليل نفي الحرج
وإن كان هو الجواز، وكون الاكراه على قتل مؤمن مثل
الاكراه على سائر المحرمات، إلاّ أنّ النص الصحيح
قد دلّ على عدم مشروعية التقية باراقة دم الغير،
وذلك النص بالاضافة إلى حديث رفع الاكراه أو دليل
نفي الحرج من قبيل الخاص إلى العام، حيث لا يحتمل
عدم جواز قتل المؤمن للتقية وجوازه في مقام الاكراه
عليه.

(اقول) قد ذكرنا أنّه لا يجري في مثل
المقام لا حديث رفع الاكراه ولا قاعدة نفي الحرج أو
نفي الضرر، لأنّ تجويز الاضرار بالغير مالاً أو
عرضاً أو نفساً خلاف الامتنان على ذلك الغير. وأمّا
نفي مشروعية التقية باراقة الدم ففي روايتين
(احداهما) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (انّما
شرعت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فلا
تقية)(289) و(ثانيتهما) موثقة أبي
حمزة الثمالي عن الصادق (ع): «انّما جعلت التقية
ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية»(290) ويطلق التقية على ستر الانسان
مذهبه للتحفظ على نفسه أو غيره من اضرار المعتدي
مالاً أو نفساً، ويطلق على ستر مذهبه تحفظاً على
نفسه أو غيره من خصوص ضرر القتل. والمراد بالتقية في
الروايتين هو الثاني، ومدلولها أنّه لا يشرع
التحفظ على نفسه أو نفس غيره باراقة دم مؤمن، ولكن
لا بأس به بفعل سائر المحرمات.

وذكر الإيرواني «ره» (أنّ التقية عبارة عن
تحفظ المتقي بالكسر على دمه ومفاد الروايتين أمر
ارتكازى، وهو أنّه إذا لم تثمر التقية في حفظ دم
المتقي بالكسر بأن علم أنّه يراق على كل تقدير فلا
تقية بل لابد من اظهار الحق والواقع قولاً أو فعلاً)
وأجاب السيد الخوئي طال بقاه بأنّ لهذا الاحتمال
مجالاً في الصحيحة وأمّا المؤثقة فالمذكور فيها
بلوغ التقية يعني التحفظ على نفسه من التلف إلى
اراقة الدم، فيكون المراد اراقة دم الغير لا محالة.

(اقول) لا مجال لذلك الاحتمال حتى في
الصحيحة، لأنّه لو كان المراد البلوغ إلى دم المتقي
بالكسر لكان قوله (ع) فلا تقية من قبيل السماء فوقنا
من توضيح الواضح، بخلاف ما كان المراد به دم غيره،
فانّه يكون من الحكم التعبدي وبعبارة أخرى الظاهر
اتحاد الروايتين في المفاد.

ولو كان المؤمن مستحقّاً لحد[1].

[1] بناءً على أنّ إجراء الحدود من وظيفة
الحاكم يكون قتل سائر الناس نظير قتل غير أولياء
المقتول، إلاّ إذا أذن لهم الحاكم أو كان الحد نظير
حد سب النبي (ص) أو الإمام (ع) ممّا يجوز لكل مكلف
القيام به.

مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم
دماء أهل الخلاف[2].

[2] لازم ما ذكره «ره» جوار قتل المخالف
فيما إذا أكره عليه، ولو كان الضرر المخوف على تركه
الضرر المالي غير المضر بالحال، لأنّ مقتضى حديث
رفع الاكراه جواز الاضرار بالغير ولو بالقتل.
والمفروض عدم دلالة الروايتين بالاضافة إلى
المخالف. ولا ظانّ التزامه «ره» أو التزام غيره
بجواز قتله في الفرض. نعم ذكر في آخر كلامه أنّ حكم
كل دم غير محترم بالذات حكم سائر المحرمات، والمراد
أن لا يكون فيه الاحترام الثابت لدم المؤمن.

والحاصل أنّه بناءاً على ما ذكرنا من عدم
شمول دليل رفع الاكراه أو الضرر للموارد التي يكون
الرفع فيها مخالفاً للامتنان على الأُمة، يحكم في
الفرض بعدم الجواز، ولكن لا يرتبط ذلك بالناصب
والكافر ممن لا حرمة لدمه أصلاً، أو ليس له احترام
دم المسلم كاذمي. ولو توقف التحفظ على دم مؤمن على
اراقة دم المخالف كان المقام من موارد التزاحم بين
وجوب احياء النفس وحرمة القتل. وربّما يقال بعدم
التفصيل في الدماء، لأنّ المسلمين متكافئون في
الدم، كما يدلّ على ذلك مثل صحيحة عبداللّه بن أبي
يعفور عن أبي عبداللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص)
حيث خطب الناس في مسجد الخيف ـ نضر اللّه عبداً سمع
مقالتي فوعاها ـ إلى أن قال ـ: والمسلمون إخوة
تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم»(291) ودعوى اختصاصها بموارد القصاص ـ كما
عن السيد الخوئي طال بقاه ـ يدفعها ملاحظتها، فانّه
ليس في صدرها أو ذيلها ما يشير إلى فرض القصاص.

وكيف كان فلو لم يتعين قتل المخالف واحياء
المؤمن فلا يبعد جواز ذلك كما هو مقتضي عدم احتمال
الأهمية في ترك قتل المخالف. أللّهمّ إلاّ أن يقال
لا دليل في الفرض على وجوب احياء نفس المؤمن، بل
مقتضى اطلاق الآية حرمة قتل المسلم واراقة دمه. وقد
مر أنّه مع احتمال عدم الجواز في ناحية المقدمة
يكون اطلاق دليل حرمتها حاكماً على وجوب ذيها ويمكن
أن يكون الدليل على النهي عن الايقاع في التهلكة.

(لا يقال): إنّ مقتضي قوله (ع) (إنّما جعلت
التقية ليحقن بها الدم) جواز ارتكاب كل محرم
بالتقية إلاّ إراقة دم المؤمن، فاراقة دم المخالف
باقية في المستثنى منه (فانّه يقال): المراد بالتقية
في مثل الروايتين التقية عن المخالفين، كما يجده من
راجع الأخبار الواردة في مشروعيتها ولزوم رعايتها،
ولا يتصور رعاية هذه التقية باراقة دم المخالف
ليقال بأنّ مقتضي الروايتين جوازها. وإذا جاز عم
الجواز صورة الاكراه أيضاً باعتبار عدم احتمال
الفرق بين صورتي الاكراه والتقية كما لا يخفي.

ثمّ إنّ ظاهر قوله (ع) في الروايتين: (ليحقن
بها الدم) الدم المبقي للحياة، فلا يعم المستثنى ما
إذا توقفت التقية أي التحفظ على الدم المبقي لحياة
مؤمن على الاضرار بمؤمن آخر بايراد النقص على
أعضائه، بل يكون هذا الاضرار داخلاً في المستثنى
منه، فيحكم بجوازه للتقية. وإذا جاز عند التقية جاز
عند الاكراه أيضاً، باعتبار عدم احتمال الفرق بين
صورتي الاكراه والتقية. وبهذا يظهر الحال فيما إذا
توقفت التقية أي التحفظ على الدم المبقي على
الاضرار بمؤمن آخر عرضاً أو مالاً، فانّه جائز
بمقتضى عموم الروايتين،

لجواز التقية لحقن الدم،
وإذا جاز هذا الاضرار بالتقية جاز عند الاكراه عليه
أيضاً، باعتبار عدم احتمال الفرق بين الصورتين كما
ذكرنا. وعلى الجملة فالحكم ـ بجواز الاضرار بالمؤمن
أو غيره مالاً أو عرضاً أو في بدنه عند الاكراه عليه
ـ يستفاد من الروايتين بضم ما ذكرنا من عدم احتمال
الفرق بين صورتي التقية والاكراه، لا من حديث رفع
الاكراه أو دليل نفي الحرج أو نفي الضرر ليقال
أنّها لا تشمل صورة عدم كون الرفع امتنانياً.
واللّه سبحانه هو العالم.

ثمّ إنّ المصنف «ره» جعل للبحث عن قبول
ولاية الجائر خاتمة ذكر فيها ما رواه الشهيد الثاني
«ره» في رسالته المسمّاة بكشف الريبة عن أحكام
الغيبة، باسناده عن الشيخ الطوسي عن المفيد عن جعفر
بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبداللّه عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه محمد بن عيسى الاشعري
عن عبداللّه بن سليمان النوفلي، والرواية متضمنة
لقصة علي (ع) وتجسم الدنيا له، فلابد من حمل ذلك على
كونه بعد وفاة النبي (ص) وقبل أخذ فدك من فاطمة (سلام
اللّه عليها) مع أنّ عبداللّه بن سليمان النوفلي
مجهول فراجع.

في هجاء المؤمن وهجره

هجاء المؤمن حرام[1].

[1] الهجاء ككساء الشتم بالشعر، كما عن
بعض، وتعداد معايب قوم وذكر معايبهم، كما عن بعض
آخر. ويظهر من المصنف «ره» أنّ هجاء المؤمن ليس
بعنوانه من المحرمات، بل حرمته باعتبار كونه همزاً
أو لمزاً وأكل لحم وتعييراً واذاعة سر،
ولا يبعد اتحاد عنوان
الهمز أو اللمز مع التعبير، واتحاد أكل لحمه مع
اذاعة سره، وربّما ينطبق عليه عنوان البهتان،
بناءً على أنّ الهجاء ضد المدح فيعم ذكر المعايب
الموجودة في الشخص والتي ليست فيه، فيكون ذكرها
بهتاناً.

والحاصل أنّه تختلف الموارد، ففي يعضها
ينطبق على الهجاء بعض العناوين المشار إليها، وفي
بعضها الآخر ينطبق عليه بعضها الآخر، ولو كان ذكر
شخص بعيب ظاهر للاهانة والإستخفاف انطبق عليه
عنوان التعبير لا عنوان الغيبة، وهكذا. واحترز
بالمؤمن عن المخالف فانّه قد تقدم في البحث عن حرمة
الغيبة أنّ جواز اغتيابه باعتبار كونه ممّن القي
جلبات الحياء لتظاهره بالفسق بانكاره قولاً وعملاً
ما هو عماد الدين، وأهمّ أركانه يعني ولاية أهل
البيت (سلام اللّه عليهم). ولا يبعد جواز هجوه
أيضاً، فيما إذا كان قاصراً، فانّه على ما تقدم من
الفاسق المبدع.

ويظهر من المصنف «ره» أنّه يقتصر في هجو
الفاسق المبدع بذكر المعايب الموجودة فيه. وحمل ما
ورد من قوله (ع): «باهتوهم لكيلا يطمعوا في اضلالكم»
على سوء الظن بهم واتهامهم بما يحرم اتهام المؤمن
به، بأن يقال: لعله سارق أو زان ولا يخفى ما فيه،
فانّ هذا بالاضافة إلى دليل حرمة الكذب من الخاص أو
المقيد بالاضافة إلى العام أو المطلق، فيرفع اليد
عنهما بالقرينة على التقييد أو التخصيص أضف إلى ذلك
أنّ جواز هذا الكذب مستفاد من فحوى ما دلّ على جواز
الحلف كاذباً لدفع ضرر المعتدي عن مال أخيه المؤمن،
حيث إنّ ضرر المعتدي على دينه أولى بالدفع منه.

الهجر بالضمّ وهو الفحش[1].

[1] الهجر بضم الهاء هو الفحش، ويظهر من
المصنف «ره» أنّ البذاء بفتح الباء مرادف له، حيث
استدل على حرمة الفحش بصحيحة أبي عبيدة عن أبي
عبداللّه (ع) قال: «البذاء من الجفاء والجفاء في
النار»(292) ويظهر من صاحب
الوسائل «ره» أنّه غير الفحش، حيث جعل لحرمة الفحش
باباً ولحرمة البذاء باباً آخر،

وكأن البذاء عنده
عدم مبالاة الشخص بما يقول أو يقال فيه، والفحش هو
ذكر نفسه أو غيره ببعض الأفعال التي يقبح ذكرها،
كقوله: ياديوث ويازاني ونحوهما. وتؤيد ذلك الروايات
التي وصف الفحاش فيها بكونه بذياً، وفي رواية سليم
بن قيس: «أنّ اللّه حرم الجنة على كل فحاش بذيء قليل
الحياء لا يبالي ما قال وما قيل له»(293) وكيف كان فلا اشكال في حرمة الفحش وعدم
مبالاة الشخص في قوله، ولكن كونها بمرتبة ما في
رواية سليم ونحوها لم تثبت. واللّه سبحانه
هوالعالم.

أخذ الأجرة على الواجب

الخامس مما يحرم الاكتساب به ما يجب على
الإنسان[1].

[1] المنسوب إلى الشهرة عدم جواز الأجرة
على العمل الواجب، بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه،
قال في الشرايع: (الخامس) ممّا يحرم الاكتساب به ما
يجب على الانسان، كتغسيل الموتى وتكفينهم وتدفينهم
ونسب في المسالك هذا المنع إلى الشهرة. والظاهر أنّ
مراده شهرة حرمة الاكتساب بتجهير الموتى، حيث جوز
السيد «ره» أخذ الأجرة عليه بدعوى أنّ التجهيز
تكليف على الولي، ولا يجب على غيره.

والحاصل أنّ المنع عن أخذ الأجرة على
التجهيز مبني على مسلك المشهور القائلين بتوجه
التكليف به إلى عامة المكلفين، لا أنّ دعوى الشهرة
راجعة إلى أصل مسألة عدم جواز الاكتساب بالعمل
الواجب، لتكون مشعرة بالخلاف فيها.

ثمّ إنّ مورد الكلام في المقام ما إذا
كانت في الواجب منفعة عائدة إلى باذل الأجرة، كما
لو كان كفائياً وأراد سقوطه منه كتعليم صيغة النكاح
أو إلقاها على طرفي النكاح، فان تعليمها كالقائها
على طرفيه من الواجب الكفائي، وباعتبار انتفاع
باذل الأجرة تخرج المعاملة عن عنوان أكل المال
بالباطل.

وبعبارة أخرى الكلام في المقام فيما إذا
اجتمع الشرايط المعتبرة في الاستيجار. ويقع البحث
في أنّ وجوب عمل على المكلف مانع عن جواز أخذه
الأجرة عليه من المنتفع بذلك العمل أم لا، فمثل
صلاة الظهر لا يجوز أخذ الأجرة عليها، لا لوجوبها،
بل لأنّ أخذ الأجرة عليها من أكل المال بالباطل.

ويستدل على عدم الجواز بأمور (الأول)
منافاة أخذ الأجرة للاخلاص المعتبر في العبادة،
ولكن هذا لا يثبت المدعي، لاقتضائه عدم جواز أخذ
الأجرة على العبادة ولو مع ندبها، وجواز الأخذ
الأجرة على غيرها ولو كان واجباً. وأجيب أيضاً عنه.
بأنّ تعدد الوجوب المتعلق أحدهما بالفعل ابتداءاً
والثاني بعنوان الوفاء بالعقد يؤكد الاخلاص، ولا
ينافيه.

وأورد المصنف «ره» على هذا الوجوب بأنّ
لازمه التفصيل في أخذ العوض على العمل، فيجوز
بعنوان الإجارة، ولا يجوز بعنوان الجعالة، فانّه
بالاستيجار يجب العمل على الأجير وفاءاً
بالمعاملة، فيتضاعف وجوبه، فيتأكد الاخلاص، بخلاف
الجعالة، فانّه لا يجب فيها العمل، فيكون العوض بها
منافياً للاخلاص المعتبر.

(أقول): لا مجال لهذا الايراد، فانّه إذا
فرض أنّ تضاعف الوجوب ولو بعنوان الوفاء بالمعاملة
يؤكد الاخلاص، فلازمه عدم منافاة أخذ العوض على
العمل للاخلاص المعتبر فيه، فيكون أخذه بعنوان
الجعالة أيضاً جائزاً. غاية الأمر أنّه لا يكون في
فرضها تأكد الاخلاص باعتبار عدم وجوب الوفاء
بالجعالة.

وأورد «ره» على الجواب (ثانياً) بأنّه إن
أريد أن تضاعف الوجوب يوجب تأكد اشتراط العبادة
بقصد القربة فهو غير صحيح، لأنّ وجوب الوفاء
بالمعاملة توصلي فكليف يوجب تأكد اشتراط قصد
القربة في العمل، وإن أريد أن قصد القربة من المكلف
مع تعدد الوجوب في الفعل، ولو مع الاختلاف في
التوصلية والتعبدية يكون آكد، فهو خلاف الوجدان،
فانّه شاهد بأنّ العمل الذي لا يترتب عليه الأجرة
من الغير، بل يصدر عن المكلف مجاناً يكون القربة
فيه أخلص.

وأورد عليه (ثالثاً) بأنّ وجوب الوفاء
بالمعاملة وإن كان توصلياً يسقط بالاتيان بذات
العمل، إلاّ أن الثواب على موافقة هذا الوجوب موقوف
على قصد القربة الحاصل بالعمل بما أنّه ملك للغير،
ويستحقه عليه، وقصد القربة في الوجوب التعبدي
المتعلق به ابتداءاً هو العمل بما أنّه حق للّه
سبحانه، فلا يجتمع قصد القربة في الوجوب التعبدي مع
قصد الامتثال إلى وجوب الوفاء بالمعاملة.

(اقول): هذا الإيراد أيضاً غير صحيح، وذلك
فانّ مجرد العمل ـ بقصد أنّه ملك الغير ويستحقه
عليه ذلك الغير ـ لا يصحح الاخلاص المعتبر استحقاق
الثواب، بل لابدّ من كون العمل المعنون بالعنوان
المزبور بداعي أمر الشارع بالوفاء وتسليم العمل،
فيستحق الثواب على هذا الفرض، ولا يعم تسليم ملك
الغير إليه بسائر أغراضه الدنيوية. ويوضح ما ذكرنا
ما إذا ندم الأجير بحيث لولا أمر الشارع بالوفاء
بالعقد لم يعمل، ويترك للطرف الأجرة، ولكن دعاه إلى
العمل مع هذا الندم خوفه من مخالفة أمر الشارع
بتسليم ملك الغير. ومع تسليم ملك الغير إليه بالعمل
كذلك تحصل القربة المعتبرة في العبادة، فأين
المنافاة بين القربتين.

في أخذ الاجرة على العبادة

وأمّا تأتّي قصد القربة[1].

[1] أخذ «ره» في تقريب إمكان قصد القربة في
العبادات المستأجر عليها، وأنّ جواز أخذ الأجرة
على النيابة فيها لا يلازم جواز أخذها على نفس
العبادات. وذكر ما حاصله: أنّ الصادر ـ في موارد تلك
العبادات عن المكلف ـ أمران (احدهما) ـ النيابة أي
تنزيل الأجير نفسه منزلة المنوب عنه (ثانيهما) عمله
العبادي، ويكون أخذ الأجرة على الأول ـ حيث إنّه
مستحب نفسي توصلي، باعتبار كونه احساناً إلى
المنوب عنه.

(اقول): إن أراد «ره» ان تنزيل نفسه منزلة
المنوب عنه فعل خارجي، والصلاة مثلاً فعل آخر ولا
يرتبط احدهما بالآخر أصلاً، وأنّ الاجارة في موارد
الاستيجار على العبادة تقع على الأول، فيرده أنّ
لازم ذلك فراغ ذمة الأجير واستحقاقه المطالبة
بالأجرة بمجرد قصده النيابة أي اعتبار نفسه منزلة
المنوب عنه.

(لا يقال): تنزيل نفسه منزلته وإن يكون
مورد الاجارة إلاّ أنّ الفعل المفروض كونها عبادة
مأخوذ في متعلق الاجارة بنحو القيدية، فتكون
الصلاة مثلاً خارجة عن متعلق الاجارة، ولكن تقيد
النيابة بكونها فيها داخل فيه، وعلى ذلك فلزوم
الاتيان بالصلاة وعدم فراغ ذمة الأجير بدونها
باعتبار توقف متعلق الاجارة عليها (فانّه يقال) قد
تقرر في محله أنّ الداعي إلى الاتيان بالمقدمة
واقعاً يكون هو الداعي إلى ذيها، والصلاة ـ على ما
ذكر مقدمة ـ لمتعلق الاجارة، فيكون الداعي إلى
المتعلق وهو استحقاق الأجرة داعياً إلى الصلاة
أيضاً فهذه هي المنافاة الموهومة.

وإن أراد أنّ الموجود خارجاً شيء واحد،
غاية الأمر أنّ فيه جهتان وعنوانان (احدهما) متعلق
الاجارة ولم يؤخذ فيه قصد القربة (ثانيهما) ما أخذ
فيه قصدها، ولكن لم تتعلق به الاجارة، كما يظهر ذلك
من قوله فيما بعد: (فإن قلت): الموجود خارجاً من
الأجير ليس إلاّ الصلاة) فلا يمكن المساعدة عليه
أمّا (أولاً) فلا انّ استيجار على العبادة صحيح حتى
فيما إذا لم يقصد الأجير النيابة بالمعنى المتقدم،
كمن يقضى ما على الميت ويأتي بالعبادة افراغاً
لذمته، وإن شئت قلت قضاء ما على ذمة الغير من
العبادة كقضاء

ما على ذمته من الدين، وكما أن أداء
دينه لا يتوقف على قصد النيابة عنه، كذلك أداء ما
على ذمته من العبادة وأمّا (ثانياً): فلأنّ تعدد
العنوان مع الاتحاد بحسب الوجود لا يفيد في رفع
المنافاة الموهومة بين أخذ الأجرة على العمل
والاخلاص فيه، وذلك فانّ المطلوب في العبادات
والغرض منها لا يحصل إلاّ بكون الداعي إلى ايجادها
أمر الشارع وطلبه، فلابد من تحقق العبادة بداعي أمر
الشارع بها، وإذا فرض الاتحاد خارجاً فكيف يكون ذلك
الوجود مع أخذ الأجرة عليه بداعى القربة.

فإن قلت يمكن للأجير[1].

[1] وهذا جواب آخر عن الاستدلال على عدم
جواز أخذ الأجرة على الواجبات، باعتبار أنّ أخذها
مناف لقصد التقرب المعتبر في العبادة. وحاصل الجواب
عدم المنافاة بينهما، فانّه يمكن أن يكون داعي
المكلف إلى العبادة أمر الشارع بها، بحيث لولا أمر
الشارع وطلبه لم يأت بها، حتى مع بذل الأجرة عليها،
وإذا فرض الاتيان بها كذلك يحصل قصد التقرب ويستحق
الأجرة عليها، فأين المنافاة.

وناقش «ره» في هذا الجواب بقوله: (قلت:
الكلام في أنّ مورد الاجارة) وحاصله أنّه يعتبر في
صحة الاجارة ـ أي في دخول الأجرة في ملك الأجير
بإزاء العمل المستأجر عليه ـ أن يكون العمل بحيث
يمكن للأجير الاتيان بداعي أنّه ملك المستأجر،
فانّ العمل كذلك تسليم لذلك العمل إليه، ولا يتحقق
هذا الشرط فيما استوجر على العبادة، لأنّ الصلاة
على ميت مثلاً بداعي أنّها ملك لباذل الأجرة لا
تجتمع مع الاتيان بها بداعي أمر الشارع بها.

(أقول): ليس في البين ما يقتضي هذا
الاعتبار في نفس الاجارة، بل القصد المزبور دخيل في
حصول عنوان الوفاء بالمعاملة، ولكن لا بخصوصه، بل
بنحو يعم كون قصد الوفاء بها داعياً أو توصيفاً
للعمل، بأن يقصد الأجير العمل المملوك للغير،
ويأتي به بداع آخر. وبعبارة أخرى لا يلزم أن يكون
قصد الوفاء بالمعاملة محركاً نحو العمل، بل يكفي
كونه بنحو التوصيف، وعلى ذلك فيمكن للمكلف قصد
العمل المملوك للغير بداعي أمر الشارع بذلك العمل
ابتداءاً. نعم لقائل أن يقول أنّ مع فرض حصول الشيء
بدون الاجارة ـ كما هو مقتضي عمل المكلف بداعي
الأمر به ابتداءاً ـ يكون أخذ العوض عليه من أكل
المال بالباطل، باعتبار عدم غرض عقلائي في أخذه
واعطائه، وهذا غير دعوى منافاة أخذ العوض مع التقرب
كما لا يخفى، وسيأتي التعرض لذلك إنشاء اللّه
تعالى.

فإن قلت يمكن أن يكون[1].

[1] وهذا أيضاً جواب عن الاستدلال المتقدم
أي منافاة أخذ الأجرة على العمل للاخلاص المعتبر
فيه. وتقريره أنّ قصد الأجرة على العمل كقصد التخلص
من الفقر أو المرض في بعض العبادات، فانّه كما يكون
في مثل ذلك غرضه، من عمله هو التقرب إلى اللّه
سبحانه، وغرضه من تقربه إليه سبحانه بعمله هو
الوصول إلى الغنى أو الشفاء أو غير ذلك من المقاصد
الدنيوية، كذلك يكون في المقام غرضه من عمله التقرب
إلى اللّه سبحانه، وغرضه من تقربه إليه بالعمل
المفروض الوصول إلى الأجرة المقررة في المعاملة.

والحاصل أنّ استحقاق مطالبة الأجرة من
قبيل الداعي إلى الداعي، أي غرض الغرض، كما كان
الغني أو الشفاء كذلك.

وأورد «ره» على هذا لاجواب بالفرق بين
المقامين، وأنّ سائر المقاصد الدنيوية المترتبة
على بعض العبادات أحياناً لا تنافي القربة
المعتبرة في العبادة، باعتبار أنّ طلبها من اللّه
تعالى في نفسه محبوب له سبحانه، بخلاف طلب الأجرة
عن الغير، فانّه لا يلائم قصد القربة في العمل، بل
ينافيه كما مرّ. وبهذا يظهر أنّ عبادة جل الخلائق
للّه سبحانه تخلصاً من عذاب الآخرة أو وصولاً إلى
الجنة لا تنافي قصد القربة فيها، فانّ قصد التخلص
من عذاب الجحيم أو الوصول إلى الجنة من قبى الداعي
غير المنافي للقربة، وكل ذلك مطلوب للّه سبحانه.

(اقول) ايراده «ره» غير تام، فان غرض
الأجير من تقربه إلى اللّه سبحانه بعمله هو استحقاق
أخذ الأجرة في حكم الشارع، لا مجرد أخذ المال.
والمنافي لقصد القربة في العمل هو الثاني دون
الأول، ولذا يأتي بالعمل في غياب المستأجر، وبعد
أخذ الأجرة منه خوفاً من عذاب ربّه وحسابه في حقوق
الناس. والمقام يشبه بيع الانسان داره في مورد
الاضطرار، فانّه يقصد بيعها حقيقة لغاية الوصول
إلى غرضه الأصلي أي التمكن من قضاء حاجته.

فتحصل ممّا ذكرنا أنّه لا منافاة بين
العمل للآخر بالاستيجار، وبين قصد القربة في ذلك
العمل، سواء كان واجباً تعبدياً أو مستحباً كذلك،
وأنّ تحسين المصنف «ره» الاستدلال على عدم جواز أخذ
الأجرة بالمنافاة بين قصد القربة وبين الأخذ
المزبور غير صحيح، بل بناءاً على ما ذكرناه في
الأصول من أنّ قصد التقرب المعتبر في العبادة ليس
خصوص الفعل بداعي الأمر المتعلق به، بل مطلق اضافة
العمل إلى اللّه سبحانه، فتكون الصلاة على ميت
بداعي الاستحقاق الأجرة المقررة بازائها شرعاً
عبادة،

لحصول القربة المعتبرة فيها بفرض الداعي،
وهو استحقاق الأجرة شرعاً، وعلى ذلك فلو لم يلتفت
الأجير إلى استحباب الصوم أو الصلاة عن الميت، بل
صام أو صلى بغرض استحقاقه شرعاً الأجرة المقررة
لهما، حكم بصحة عمله ووقوعها عبادة، بلا حاجة إلى
حديث الداعي إلى الداعي ليقال إنّه لا يجري في صورة
الغفلة عن استحباب نفس العمل أو وجوبه كما لا يخفى.

نعم قد استدلّ على المطلب بعض الأساطين[1].

[1] استدل على عدم جواز أخذ الأجرة على
الواجب بوجه آخر، وهو المنافاة بين وجوب العمل
ابتداءاً وتمليكه للآخر بالاجارة ونحوها، بدعوى
أنّ ايجاب الشارع الفعل على مكلف بمعنى تمليك ذلك
الفعل للّه تعالى، فيما إذا كان من قبيل حقوق
اللّه، وبمعنى تمليكه للغير فيما إذا كان من حقوق
الناس، بأن يكون ذلك العمل ملكاً لذي الحق، كما في
أمر الشارع بتجهيز الميت، فانّه يثبت بذلك للميت حق
على الاحياء، ومع الايجاب كذلك لا يمكن للمكلف
تمليك ذلك العمل من آخر بالاجارة ونحوها، فانّه
يكون نظير ما إذا آجر نفسه لدفن ميت من شخص، وأراد
ايجار نفسه ثانياً من شخص آخر لدفن ذلك الميت. وهذا
الوجه أيضاً ضعيف، فان الايجاب وإن كان أمراً
اعتبارياً على الصحيح كالملكية، إلاّ أن سنخه غير
سنخ الملكية في الأموال، فلا يمتنع اجتماعه معها.

وذكر المصنف «ره» أنّ هذا الوجه باعتراف
الخصم بختص بالواجب العيني. وأمّا الكفائي فاستدل
على عدم جواز أخذ الأجرة عليه بانّ الفعل متعين أي
واجب عليه، فلا يدخل في ملك آخر، وبأنّ المستأجر لا
ينتفع بالعمل الذي يملكه أو يستحقه غيره بايجاب
الشارع، فانّه يمنزلة أن يقول للأجير استأجرتك
لغاية أن أتملك منفعتك المملوكة لك، كما في الواجب
من حق اللّه أو لغيرك كما في الواجب من حق الناس
انتهى.

(اقول) هذا بعينه هو الوجه السابق، ولم
يظهر الفرق بينهما، كما أنّه لم يظهر وجه اعتراف
المستدل باختصاص ما ذكره أولا بالواجب العيني. نعم
يظهر من السابق أنّ مرجع ايجاب الشارع العمل الذي
ليس من حقوق الناس إلى كون ذلك العمل مملوكاً للّه
سبحانه، وفي حقوق الناس مرجعه إلى كونه مملوكاً
لذلك الغير، وذكر في الكفائي أن ايجاب الشارع
بمنزلة كون ذلك العمل مملوكاً لنفس الأجير أو غيره،
ولذا أورد المصنف «ره» على الأخير بأنّ العمل بعد
وقوع الاجارة عليه لا يكون ملكاً لنفس الأجير، بل
يدخل في ملك المستأجر إلى آخر ما ذكره. والحاصل أنّ
هذا الفرق أيضاً بلا موجب كما لا يخفي.

أخذ الاجرة على الواجبات

عدا الإجماع الذي لم يصرّح به إلا المحقق
الثاني[1].

[1] الأمر الثالث ـ في عدم جواز أخذ الأجرة
على الواجبات ـ دعوى الاجماع، فهو على تقدير تحققه
غير صالح للاعتماد، فضلاً عن عدم ثبوته، وذلك
لاحتمال كون مدركهم في عدم الجواز الأمرين
المتقدمين أو غيرهما ممّا لم يتم شيء منها عندنا.

وذكر النائيني «ره» في المقام وجهاً
رابعاً لعدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات وإن كانت
توصلية، وهو أنّ من شرط الاجارة أن يكون متعلقها
مقدوراً يمكن للمكلف فعله وتركه، ومع ايجاب الفعل
لا يمكن له تركه، حيث إنّ الممتنع الشرعي كالممتنع
العقلي.

وفيه أنّ الدخيل في تمامية الاجارة تمكن
المكلف من تسليم العمل الذي هو مورد الاجارة، لا
التمكن بمعنى آخر، وايجاب الفعل لا ينافي هذا
التمكن، ولذا لو وقع شرطاً في ضمن عقد لازم صح وترتب
عليه أثره. نعم مع التحريم لا يمكن تسليمه، فلا يعمه
مثل قوله سبحانه «أوفوا بالعقود) حيث لا يمكن الأمر
بالوفاء بالاجارة مع النهي عن الفعل كما لا يخفى.

فالذي ينساق إليه النظر[2].

[2] ذكر «ره» (أولاً) انّه لا ملازمة بين صحة
الاجارة وصحة العمل أي كونه مسقطاً للتكليف،
و(ثانياً) أنّ في جواز أخذ الأجرة على الواجبات
تفصيلاً.

وحاصل كلامه (أولاً) انّه ربّما تكون
الاجارة صحيحة مع حصول الامتثال كما إذا كان الواجب
تعبدياً كتغسيل الميت، وقيل بعدم منافاة أخذ
الأجرة للاخلاص في العمل أو مع سقوط التكليف بالعمل
من دون حصول الامتثال، كما في الواجب التوصلي
المأخوذ عليه الأجرة، بناءاً على عدم منافاه وجوب
الفعل لأخذ الأجرة عليه،

وقد يسقط التكليف عند
العمل، من غير أن يكون مصداقاً للواجب، كما إذا كان
فيه ملاكه من غير تعلق التكليف به لمانع. وربّما
تكون الاجارة صحيحة مع بطلان العمل، سواء بقى
التكليف المتعلق به بحاله أو سقط لأمر آخر، كما إذا
استأجره للصلاة على ميت بغرض تعلم صلاة الموتى،
وقيل بمنافاة أخذ الأجرة للاخلاص المعتبر في
العبادة، فانّه إذا صلى على ذلك الميت استحق
الأجرة، ولكن يحكم ببطلانها، فتجب الصلاة عليه مع
الاخلاص.

وحاصل كلامه (ثانياً) انّه لو كان الواجب
عينياً تعيينياً لم يجز أخذ الأجرة عليه، سواء كان
توصلياً أو تعبدياً، فانّه مع وجوب الفعل كذلك يكون
المكلف مقهوراً عليه من جانب الشارع، فيجبر عليه في
صورة امتناعه، فلا تكون لعمله حرمة حتى يصح له أخذ
الأجرة. وحاول «ره» دفع ما ربّما يمكن أن يذكر في
المقام بصورة النقض، وهو تجويز الشارع للوصي وقيم
الأطفال أخذ أجرة المثل على عملهما(294) مع أنّ إنقاذ الوصية أو القيام بمصالح
الايتام واجب عيني تعييني عليهما.

ووجه الدفع أنّ ذلك التجويز حكم شرعي نظير
حكم الشارع للمار بجواز أكله من ثمار الأشجار
الواقعة في طريقه، وليس من قبيل المعاوضة على العمل
ليستظهر منها عدم منافاة أخذ الأجرة مع وجوب الفعل
على المكلف كما ذكر.

(أقول): إذا فرض أنّ في فعل المكلف غرضاً
للآخرين، وأنّ الواجب عليه هو الفعل مطلقاً لا
الفعل مجاناً وبلا عوض، فلا يكون أخذ العوض وتمليك
عمله للغير من الأكل بالباطل، فانّ الموجب لصدقه
أخذ قيد المجانية في متعلق الأمر. والمفروض خلافه.
والقهر عليه من باب الأمر بالمعروف لا يوجب سقوط
عمله عن المالية، كما أنّ القهر على بيع ماله في
المخمصة لا يوجب سقوطه عنها. نعم إذا كان تعبدياً
فقد يتبادر إلى الذهن منافاة أخذ الأجرة عليه
للاخلاص المعتبر فيه، ولكن قد مرّ دفعه وأنّ مع كون
الغرض هو استحقاق الأجرة شرعاً يحصل التقرب
المعتبر في العبادة.

وما ورد في جواز أخذ الوصي أو القيم من مال
اليتيم كصحيحة هشام(295) مقتضاها
عدم منافاة وجوب الفعل تعييناً مع أخذ الأجرة عليه،
فانّ ظاهرها الأخذ بعنوان أجرة المثل لا مجرد تجويز
الأكل منه، نظير تجويز الأكل للمار من ثمرة طريقه.
نعم قد ذكر الأكل بالمعروف في الآية والروايات
الآخر، ولكن تكون صحيحة هشام حاكمة عليها ومحددة
لذلك المقدار فراجع.

ثم قال «ره»: (وإن كان الواجب تخييرياً فمع
كونه توصلياً، فلا بأس بأخذ الأجرة على خصوص أحد
فرديه، لعدم كونه مقهوراً عليه، بل مخيراً بينه
وبين فرده الآخر، وكذا الحال فيما إذا كان تعبدياً،
وقلنا بما أنّ خصوصية الفرد غير مأخوذة في متعلق
الأمر فالاتيان بالقدر المشترك بداعي الأمر به لا
ينافي أخذ الأجرة على تلك الخصوصية، ويوضح ذلك
ملاحظة ما إذا كان المكلف بحيث لا يأتي بالقدر
المشترك في ضمن أي فرد ولو أعطي له الأجرة على بعض
الافراد، وإنّما يكون أمر الشارع بالقدر المشترك
داعياً إلى الاتيان به، وبما أنّ خصوصية الافراد
خارجة عن متعلق الأمر فيأتي بالقدر

المشترك في ضمن
خصوصية معينة لأخذه الأجرة عليها. ولا يقاس ذلك
بالاتيان بخصوصية العمل رياءاً، حيث إنّ العمل
يبطل حتى فيما إذا كان الرياء في خصوصية ذلك العمل.
ووجه عدم القياس ما دلّ على أنّه سبحانه خير شريك لا
يقبل عملاً يكون له ولغيره، بل يتركه للغير، وهذا
فيما إذا كانت الخصوصية التي أتي بها رياءاً متحدة
مع العمل خارجاً، كالصلاة في أول الوقت أو في
المسجد، فانّه يحكم ببطلانها حتى فيما إذا كانت أصل
الصلاة للّه واختيار المسجد أو أول الوقت للرياء.
وأمّا إذا كان لها وجود آخر، كما إذا صلى للّه وأتى
بتعقيباتها رياءاً، فلا يوجب ذلك بطلان أصل الصلاة.

(اقول): مقتضى هذا الكلام عدم الفرق بين
الواجب التخييري الشرعي وبين الواجب التعييني الذي
يكون التخيير بين افراده عقلياً في أنّه يجوز فيها
أخذ الأجرة على خصوص بعض الافراد، وتعرض «ره»
للواجب الكفائي، وقال لا بأس بأخذ اأجرة عليه مع
كونه توصلياً، فانّه مع الاستيجار يملك المستأجر
ذلك العمل ويستند إليه ويكون عملاً له، فيستحق
ثوابه ويسقط التكليف عن الأجير وعن غيره، لقيام
المستأجر به ولو بغير المباشرة. ومن هذا القبيل
الاستيجار لتطهير المسجد أو للجهاد ونحوهما. وأمّا
إذا كان الواجب الكفائي تعبدياً، فلا يجوز أخذ
الأجرة عليه لا لوجوب الفعل عليه، وإلاّ لم يجز أخذ
الأجرة على التوصلي أيضاً بل باعتبار منافاة أخذ
الأجرة للاخلاص المعتبر فيه. وما ذكر ـ في وجه جواز
أخذ الأجرة على خصوص بعض افراد الواجب التخييري من
خروجه عن متعلق الأمر ـ لا يجري في الكفائي نعم لو
كان الواجب الكفائي التعبدي قابلاً للنيابة، بان
ينزل الأجير نفسه منزلة الغير، فيأتي بالفعل عن ذلك
الغير، فيكون المقام من قبيل الاستيجار على
النيابة في العبادات. وقد تقدم جوازه، ولكن مشروعية
النيابة محتاجة إلى دليل خاص، وعلى تقدير قيامه في
مورد يكون خارجاً عن محل الكلام. فانّ الكلام في
المقام في جواز العمل عن نفسه، وتمليك ذلك العمل
للغير بالاجارة ونحوها، كالخياط تكون خياطته عن
نفسه، ولكنّها ملك الغير.

وحاصل البحث في المقام أن ايجاب عمل على
مكلف يوجب سقوطه عن المالية شرعاً، لا يجوز تمليكه
للغير بالأجرة أو أنّ وجوبه عليه لا يوجبه ما لم يجب
عليه ذلك العمل مجاناً. وفي مورد النيابة يأتي
العامل بالعمل عن الغير، ومشروعية هذه تحتاج إلى
دليل. وإلاّ فالأصل عدم احتساب عمله عملاً للغير.

ثم انّه يفهم من أدلة وجوب الشيء[1].

[1] بأن يستفاد أنّ الغير يستحق الفعل عليه
بحكم الشارع وايجابه، ففي مثل ذلك يكون أخذ الأجرة
عليه من أكلها بالباطل، فان ايجاب الفعل كذلك بمعنى
ايجابه مجاناً ولعله من هذا القبيل تجهيز الميت
وانقاذ الغريق ومعالجة الطبيب المرض المهلك.

(اقول) مجرد استحقاق الغير الفعل لا يقتضي
المجانية، حتى لا يجوز أخذ العوض على المعالجة
والإنقاذ ونحوهما، وإلاّ لم يجز أخذ العوض لمن يطعم
الناس في المخمصة، بل يجب عليه بذله مجاناً وذلك
لأنّ البذل واجب تعييني لا يقبل أخذ العوض عليه،
والطعام مورد حق للمضطرين، ولذا يجوز لهم بل يجب
وضع اليد عليه في صورة امتناع مالكه عن بذله.

أخذ الاجرة على الصناعات الواجبة

ثم إنّ في المقام إشكالاً مشهوراً[1].

[1] الاشكال في وجه جواز أخذ الأجرة على
الصناعات التي يتوقف عليها نظام البلاد فان تلك
الصناعات من الواجب الكفائي، بل من الواجب العيني
عند عدم قيام من تكون بقيامه كفاية، فكيف يجوز أخذ
الأجرة عليها، وأجيب عن ذلك بوجوه.

(الأول) الالتزام بتخصيص القاعدة
المتقدمة أي قاعده عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب،
ورفع اليد عنها باعتبار الاجماع وسيرة العقلاء
المتدينين منهم وغيرهم.

(الثاني) انكار تلك القاعدة في غير
العبادات. ويظهر ذلك من كل من ذكر جواز أخذ الأجرة
على القضاء، بلا تقييد بصورة عدم تعينه على القاضي.

(الثالث) جواز أخذ الأجرة على تلك
الصناعات بعد سقوط وجوبها بقيام من به الكفاية
عليها، فانّه يكون أخذها على غير الواجب ـ وفساد
هذا الوجه أوضح، فانّ لازمه الحكم بفساد أخذ الأجرة
على الجماعة القائمة بها قبل سقوط وجوبها، مع جريان
السيرة القطعية على القيام بها بالأجرة في كل عصر،
من غير نظر إلى سقوط وجوبها بفعل الآخرين وعدمه.

(الرابع) الالتزام بعدم جواز أخذ الأجرة
على عمل يكون بعنوانه محكوماً بالوجوب، كتجهيز
الموتى وتعليم الأحكام وأمّا العمل المحكوم عليه
بالوجوب بعنوان حفظ النظام لا بعنوان نفسه، فلا
مانع من أخذ الأجرة عليه. وهذا الوجه أيضاً بلا
موجب، فانّه لم يظهر الفارق بين العمل الواجب
بعنوانه وبين الواجب بعنوان آخر.

(الخامس) الفرق بين تلك الصناعات وغيرها
من الواجبات، بدعوى أنّ عدم جواز أخذ الأجرة على
الصناعات يوجب اختلال النظام، فان كل وحد يختار من
تلك الصناعات ما هو أسهل، ويترك الصعب أو الأصعب
على الآخرين لأنّ الداعي إلى الأقدام على الأعمال
الشاقة الصعبة هو الطمع في الأجرة فتسويغ أخذ
الأجرة عليها لطف، أي تقريب للعباد إلى موافقة
التكليف باقامة النظام، لا أنّه ينافي هذا التكليف.

وأجاب المصنف «ره» عن ذلك بعدم انحصار وجه
الاقدام على الأعمال الصعبة بالطمع في الأجرة، بل
ربما يكون اقدام الشخص باعتبار عدم معرفته بغيرها
أو كونه ناشئاً في ذلك العمل الشاق، كالفلاح. ولكن
لا يخفى ما فيه.

(السادس) دعوى أن تلك الصناعات من قبيل
الواجب المشروط فيكون وجوبها مشروطاً ببذل العوض
عليها، سواء كانت الصنعة الواجبة من الواجب العيني
باعتبار انحصار من به الكفاية، أو من الواجب
الكفائي كما في صورة تعدده وعدم انحصاره، وعلى كل
فلا تكون تلك الصنعة واجبة على المكلف قبل اعطاء
العوض بعنوان الاجارة أو الجعالة، بل باعطائه يحصل
شرط وجوبها عيناً أو كفاية.

وبعبارة أخرى لا تكون الصنعة ـ حال قرار
الأجرة لها بالأجارة أو الجعالة ـ واجبة حتى تكون
تلك الأجرة على العمل الواجب، والجواب عن هذا الوجه
ظاهر، فانّ الواجب على الطبيب مثلاً احياء النفس
وانقاذها من الهلكة، سواء بذل على طبابته العوض أم
لا.

(السابع) أنّ وجوب تلك الصناعات غيري
باعتبار توقف اقامة النظام عليها ومن الظاهر عدم
توقف إقامته على العمل مجاناً ليجب العمل كذلك، بل
الموقوف عليه بذل النفس للعمل ولو مع العوض.

ثم ذكر هذا القائل أنّه إذا بذل المريض
الأجرة للطبيب وجب عليه المعالجة وإن لم يبذل مع
أداء ترك العلاج إلى هلاكه أجبره الحاكم حسبة على
بذلها. والفرق بين هذا الوجه والوجه الرابع هو أنّ
الصناعات على هذا الوجه واجبات غيرية، بخلاف الوجه
الرابع فانّها عليه واجبات نفسية، ولكن ليس وجوبها
بعناوينها الأولية، بل بالعنوان الطاريء عليها، وهو
عنوان التحفظ على النظام.

وكيف كان فهذا الوجه أيضاً فاسد، فانّه لا
يجب على المريض بذل الأجرة حتى يجبر عليه مع
امتناعه، بل الطبابة واجبة على الطبيب، بذل له
الأجرة أم لا، وعلى ذلك فيكون للمريض وغيره اجبار
الطبيب على الطبابة من باب الأمر بالمعروف.

والحاصل أنّ هذا الوجه على تقدير تماميته
يدل على جواز أخذ الأجرة وبذلها، لا على وجوبهما،
مع أنّ التفرقة ـ بين الواجب الغيري والنفسي بجواز
أخذ الأجرة على الأول دون الثاني ـ غير تامة.

فهو من قبيل رجوع الوصي بأُجرة المثل[1].

[1] ظاهر قوله سبحانه «فإن ارضعن لكم
فأتوهنّ أجورهن»(296) جواز أخذ
المرأه الأجرة على ارضاعها، سواء كان باللباء أو
غيره، فإن تمت دعوى منافاة أخذ الأجرة لوجوب الفعل،
فلابد من تقييد الآية بالارضاع بغير اللباء.
والتعبير بالأجر فيها ظاهر في ثبوته من جهة
المعاوضة، لا أنّه حكم شرعي وتعبد خاص كجواز أكل
المار من ثمرة طريقه، حتى لا يمكن التعدي، كما لا
يخفى.

/ 12