حكم عمل الماشطة - إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب - نسخه متنی

میرزاجواد تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حكم عمل الماشطة

ويظهر من بعض ا لأخبار المنع[2].

[2] لايخفى أنّ الأخبار الواردة في المنع
كلّها ضعيفة سنداً غير صالحة للاعتماد، ومع الغضّ
عن ذلك فالممنوع عنه فيها من فعل الماشطة أُمور: مسح
الوجه بالخرقة، والوصل، والنمص، والوشم، والوشر.
ومقتضى إطلاق المنع عنها عدم الفرق بين صورتي
التدليس وعدمه، مع أنّ التدليس لا يكون بفعل
الماشطة. وسنذكر أنّ مجرّد فعل يوجب ظهور حسن أو
خفاء عيب في المرأة لا يكون حراماً، بل الحرام هو
الغش في المعاملة والتستّر على الواقع فيها. وهذا
فعل المالك أو ولي الجارية، فلا يرتبط بالماشطة.
نعم إذا علمت الماشطة أنّ المالك أو الولي يتستر
بما تفعله على الواقع ولا يبيّن الحال للطرف، يكون
فعلها من الإعانة على الإثم، نظير ما تقدّم في بيع
العنب ممن يعمله خمراً، وذكرنا أنّه لا دليل على
حرمتها في غير مورد الإعانة على الظلم.

والحاصل أنّ التدليس محكوم بالحرمة
باعتبار كونه غشّاً في المعاملة، ويحصل مع اعتقاد
الطرف بصفة كمال أو فقد عيب في الشيء باعتبار فعل
الغاش. وأمّا مجرّد كون الشيء موهماً لوجود صفة فيه
مع عدم الطرف بالحال، وأنّه ليس للوهم حقيقة، فلا
يكون من الغشّ ليحكم بحرمته، وعدم تحقّق الغشّ
غالباً في تمشيط الماشطة لا يكون موجباً لتعميم
التدليس في المقام. وقدلك فإنّ الدليل على حرمة
فعلها هي الأدلّة العامّة الدالّة على حرمة غشّ
المسلم في المعاملة أو غيرها، لا روايات الباب،
فإنّه لم يتعلّق فيها نهي بتدليس الماشطة،

بل تعلّق
بالأفعال الخمسة المتقدّمة، ولابدّ من الالتزام
بكراهة مسح الوجه بالخرقة، ولا تختصّ كراهته
بالمرأة ولا بفعل الماشطة، بل هو في نفسه عمل مكروه
كما يدلّ عليه ما ورد في آداب الحمّام من النهي عنه
معلّلاً بأنّه يذهب ماء الوجه(90)،
وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبداللّه (ع) قال:
«قال رسول اللّه (ص) لأُمّ عطية: إذا أنت قنيت
الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة فإنّ الخرقة تشرب
ماء الوجه»(91).

ولا ينبغي الريب في أنّالتعليل يناسب
الكراهة ولا ربط له بالتدليس ولا يختصّ بالأمة التي
يراد بيعها ولا بالجارية التي يراد تزويجها، وأمّا
النمص أي نتف شعر الوجه، فالأظهر أنّه لا بأس به بل
لا يكون مكروهاً أصلاً، وفي رواية علي بن جعفر أنّه
«سأل أخاه موسى بن جعفر عن المرأة التي تحفّ الشعر
عن وجهها؟ قال: لا بأس به»(92).

نعم، في رواية معاني الأخبار عن جعفر بن
محمد عن آبائه (ع) قال: «لعن رسول اللّه (ص) النامصة
والمنتمصة والواشرة والمؤتشرة والواصلة
والمستوصلة والواشمة والموتشمة»(93).

وربما يقال: إنّ مقتضى الجمع بينها وبين
رواية علي بن جعفر هو الالتزام بكراهة النتف وفيه
أنّ رواية معاني الأخبار غير قابل للحمل على
الكراهة، فإنّ اللعن الوارد فيها لا يناسبها،
فلابدّ من طرحها أو تأويلها بما في رواية سعد
الاسكاف قال: «سُئل أبوجعفر (ع) عن القرامل التي
تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن؟ فقال: لا
بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها، قال: قلت:
بلغنا أنّ رسول اللّه (ص) لعن الواصلة والمستوصلة، فقال
ليس هنالك إنّما لعن رسول اللّه (ص) الواصلة التي
تزني في شبابها فلما كبرت قادت النساء إلى الرجال
فتلك الواصلة والموصولة»(94).

وأمّا وصل الشعر بالشعر فقد ورد النهي عنه
في مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه (ع)، قال:
«دخلت ماشطة على رسول اللّه (ص) فقال لها: هل تركت
عملك أو أقمت عليه؟ ـ إلى أن قال ـ ولا تصلي الشعر
بالشعر»(95)، وفي مرسلة الصدوق
في ذلك الباب قال قال (ع): «لا بأس بكسب الماشطة

مالم
تشارط وقبلت ما تُعْطى، وتصل شعر امرأة بشعر غيرها،
وأما شعر المعز فلا بأس أن توصله بشعر المرأة»(96) وعلى ذلك فالمتعيّن الالتزام
بكراهة وصل شعر امرأة بشعر مثلها بتقييد المرسلة
الأُولى بالثانية، وحمل النهي في الأُولى على
الكراهة بقرينة رواية سعد الاسكاف الواردة في حكم
القرامل، حيث أنّ ظهورها ـ في عدم البأس بما يكون من
زينة المرأة لزوجها حتّى إذا كان من وصل الشعر
بالشعر ـ غير قابل للإنكار.

وأمّا الوشم والوشر والمراد بالأوّل ما
يعبّر عنه في لغة الفرس بـ«خالكوبى» وبالثاني
ترقيق الأسنان وجعلها حادّة، فقد ورد النهي عنهما
في رواية معاني الأخبار التي ذكرنا أنّها لا تناسب
الحمل على الكراهة، فالمتعيّن طرحها أو تأويلها
بقرينة رواية الاسكاف المتقدّمة. وعلى ذلك فلا
كراهة إلا في مسح الوجه بالخرقة وفي وصل شعر المرأة
بشعر امرأة أُخرى. وكراهة الثاني مبني على الإغماض
عن أمر السند، وإلا فلا تصلح روايتا معاني الأخبار
وعبداللّه بن الحسن ومرسلتا ابن أبي عمير والصدوق
للاعتماد عليها.

لا يقال: لا بأس بالاعتماد على مرسلة ابن
أبي عمير في الحكم بكراهة وصل شعرها بشعر امرأة
أُخرى، وتأييدها بغيرها مما ورد النهي فيه عن ذلك.
ووجه الاعتماد شهادة الشيخ «ره» بأنّ ابن أبي عمير
لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، وهذا منه «ره» توثيق
عام لمشايخ ابن أبي عمير، فإنّه قال:

وإن ذكرنا
سابقاً احتمال الاعتماد على مراسله لتلك الشهادة،
إلا أنّه أشرنا إلى ضعف الاعتماد، وذلك فإنّ في
مشايخ ابن أبي عمير من ضعّفه الشيخ وغيره، وهذا
التضعيف يكون كالاستثناء من التوثيق العام، كما
أنّ في مشايخه من ضعّفه غير الشيخ «ره» مع سكوت
الشيخ «ره» عن تضعيفه، ويكون التوثيق العام فيه
معارضاً بتضعيف غيره كالنجاشي مثلاً، فيسقط
التوثيق العام في ذلك الراوي عن الاعتبار للمعارضة.
وعليه فيحتمل أن يكون الراوي الذي أرسل ابن أبي
عمير هذه الرواية عنه هو ذلك الشخص الذي سقط فيه
التوثيق العام عن الاعتبار للمعارضة أو الاستثناء،
فلاحظ وتدبّر.

نعم قد يشكل الأمر في وشم الأطفال[1].

[1] لا يخفى ما فيه، فإنّه إذا فرض أنّ ذلك
دخيل في ظهور جمال الطفل خصوصاً في الانثى، فللولي
فعل ذلك لما فيه المصلحة، كما في تزيين شعر الطفل،
فإنّه ربما يوجب إيذاء الطفل وبكاءه، ومع ذلك
لوليّه فعل ذلك، لما فيه صلاحه من نظافته أو ظهور
جماله.

بناءً على أن لا مصلحة فيه[2].

[2] أي إذا كانت المرأة متزوّجة، ففي الوشم
لها صلاح، ويكون الوشم في غيرها تدليساً أي موهماً
لما ليس في البدن واقعاً من البياض والصفاء.

أقول: التدليس بهذا المعنى لا دليل على
حرمته، بل ولا على كراهته كما مرّ آنفاً.

دلت على كراهة كسب الماشطة[3].

[3] وبعبارة أُخرى المراد من قوله: «وقبلت
ما تعطى» عدم مناقشتها في أُجرة عملها بعده، كما
أنّ المراد بالمشارطة المناقشة فيها قبل عملها،
وبما أنّ الكراهة أو غيرها من الأحكام التكليفية لا
تتعلق بالعمل بعد تحقّقه خارجاً، ضرورة أنّ الحكم
لأجل أن يكون داعياً للمكلف إلى الفعل أو الترك،
فلابدّ من حمل قوله: «وقبلت ما تعطى» على قصدها
وبنائها على ترك المناقشة في أُجرتها حيث أنّه لو
كان الشرط في عدم الكراهة نفس ترك المناقشة خارجاً،
فلازمه تعلّق الكراهة بالعمل بعد تحقّقه.

أقول: هذا إذا كان ترك المناقشة في
أُجرتها بعد عملها شرطاً في ارتفاع الكراهة بنحو
الشرط المقارن. وأمّا إذا أخذ بنحو الشرط المتأخر،
فلا محذور.

ثمّ إنّ المصنف «ره» ذكر في وجه استحباب
ترك المشارطة احتمالات ثلاثة:

الأول: أنّ ما يعطى لها لا يكون في الغالب
أقلّ من أُجرة المثل، فتكلّمها ـ في أُجرتها قبل
عملها أو بعده ـ باعتبار توقّعها ممن تعمل له
الزيادة على تلك الأُجرة، وربما تعطى لها صيانةً
للعرض أو حياءً، والمأخوذ كذلك لا يخلو عن شبهة،
فأُمرت بالقناعة على المقدار المعطى لها، وترك
مطالبة الزايد. وهذا الأمر لا ينافي امتناعها عن
قبول المعطاة فيما إذا كانت أقلّ من أُجرة المثل.

الثاني: أنّ مناقشة مثلها في أُجرة عملها
لا يناسب المروءة وشرافة الأشخاص فإنّ مماكستهم في
إعطاء ما تتوقّع مثلها ربما لا تناسب المروءة،
والمسامحة لا تكون صلاحاً باعتبار زيادة مقدار
توقّعها، فالذي تعمل له مكلّف وجوباً بأداء أُجرة
المثل، وهي مكلّفة ندباً بقبول ما تُعطى، وإن كان
أقلّ من أُجرة مثلها على الوجه الثاني لا على الوجه
الأوّل.

الثالث: أنّ الراجح في حقّها ترك الأُجرة
والعمل للناس تبرّعاً، وقبول ما يُعطى لها
تبرّعاً، وعلى ذلك فلا يكون لها حقّ المطالبة فيما
إذا لم تعط عوضاً، والفرق بين هذا الوجه وسابقيه
أنّ هذا الوجه لا ينافي ما ورد من قوله: «ولا
تستعملنّ أجيراً حتّى تقاطعه كما في بعض الروايات»(97)،

بخلاف الأوّلين فإنّهما
ينافيانه، فلابد من رفع اليد عن اطلاق ذلك النهي،
كما أنّ هذاالوجه لا يناسب ظاهر المرسلة، فإنّ
مدلولها نفي البأس عن كسب الماشطة، وكسبها عملها
بالأُجرة، وإلا لم يكن عملها كسباً، كما لا يكون ما
يعطى لها أُجرة. وما ذكره «ره» ـ في الوجه الأوّل من
قوله «وهذا لا يخلو عن شبهة» ـ ضعيف ، فإنّ المحرّم
وضعاً أخذ المال وتملّكه بإكراه مالكه. وأمّا مع
عدم الإكراه، فلا مانع من أخذه.

وما يقال من أنّ المأخوذ حياءاً كالمأخوذ
غصباً لا شاهد له، فإنّ الرضا المعتبر في المعاملات
هو عدم الإكراه لا طيب النفس واقعاً، وإلا لاتّجه
الحكم بفسادها في موارد الاضطرار إليها أو مورد
الاستحياء، كما إذا اشترى متاعاً بثمن زائد حياءاً
من أصدقائه أو من بايعه في المناقشة في ثمنه أو
المماكسة في
شرائه.

حرمة لبس الحرير والذهب على
الرجال

تزيين الرجل بما يحرم عليه[1].

[1] لا يخفى أنّ المحرّم على الرجال ليس
التزيين بالحرير المحض، بل لبسه بلا خلاف ظاهر،
سواء كان بنحو التزيين أم لا، كما إذا لبسه تحت
ثيابه وبين التزيين ولبس الحرير عموم من وجه، فلا
يكون الدليل على حرمة أحدهما دليلاً على حرمة
الآخر. وفي موثقة سماعة بن مهران، قال: «سألت أبا
عبداللّه (ع) عن لباس الحرير والديباج؟ فقال: أما في
الحرب فلا بأس به، وإن كان فيه تماثيل»(98)، وفي موثقة إسماعيل بن الفضل عن أبي
عبداللّه (ع) «في الثوب يكون فيه الحرير، فقال: إن
كان فيه خلط فلا بأس»(99)

إلى غير
ذلك مما ظاهره حرمة لبس الحرير المحض، كما أنّ
التزيّن بالذهب لم يتمّ على حرمته دليل، بل مدلول
الروايات المعتبرة وظاهر الأصحاب عدم جواز لبسه،
سواء كان تزيّناً أم لا، وفي موثقة عمّار بن موسى عن
أبي عبداللّه (ع) قال: «لا يلبس الرجل الذهب ولا
يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنّة»(100). وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن
جعفر (ع): «سألته هل يصلح للرجل أن يتختم بالذهب؟
قال: لا»(101)، وظاهر النهي في
الثاني هو التحريم وهو كاف في المقام، حتّى لو نوقش
في دلالة الأوّل بدعوى أنّ التعليل المزبور يمنع عن
ظهور النهي في التحريم.

لا يقال: لابدّ من حمل النهي في الثانية
أيضاً على الكراهة بقرينة صحيحة عبيداللّه بن علي
الحلبي عن أبي عبداللّه (ع)، قال: «قال علي (ع): نهاني
رسول اللّه ولا أقول نهاكم عن التختم بالذهب وعن
ثياب القسى“»(102).

فإنّه يقال: نفي علي (ع) القول من نفسه لا
يدلّ على انتفاء قول النبي (ص)، حيث أنّ مثل هذا
التعبير في مقام النقل متعارف، يقول أحد أولاد
الرجل لاخوته: نهاني أبي عن فعل كذا، ولا أقول:
نهاكم عنه، وإلا لو كان النهي لا يعم غير علي (ع)
لقال روحي له الفداء: ولم ينهكم عنه، مع أنّ نهيه (ص)
ـ وإن كان بعنوان الكراهة ـ مسلّم لا ينبغي الريب
فيه.

وأمّا تعليل النهي بما في موثّقة عمّار
غايته أن لا يكون النهي معه ظاهراً في التحريم، لا
أنّه يوجب ظهوره في الكراهة الاصطلاحية، حتّى
ينافي ظاهر النهي في صحيحة علي بن جعفر، فتدبّر.

وفي دلالته قصور[1].

[1] وجه قصور دلالته(103)
كما ذكر «ره» أنّ المراد بتشبّه الرجال بالنساء
وتشبّه النساء بالرجال، ليس مجرّد لبس أحدهما لباس
الآخر، بل المراد بالأوّل تأنّث الرجل، وبالثاني
تذكّر المرأة، بأن يكون غرض الرجل وداعيه إلى لبس
لباس المرأة التأنّث، فيكون اللّبس المزبور
تشبّهاً بالمرأة، وهكذا العكس. ثمّ أيّد ذلك
بالرواية المحكية عن العلل «أنّ عليّاً (ع) رأى
رجلاً به تأنّث في مسجد رسول اللّه (ص)، فقال له:
اخرج من مسجد رسول اللّه، فإنّي سمعت رسول اللّه
يقول: لعن اللّه“» وبرواية يعقوب بن جعفر الواردة
في المساحقة والوجه في جعلهما تأييداً لا قرينةً هو
احتمال كون المذكور في الروايتين أقوى مراتب
التشبّه لا تمام مراتبه.

نعم في رواية سماعة[1].

[1] هذه معتبرة سنداً(104)
إلا أنّه لا دلالة لها على المراد من النبوي، كما لا
دلالة لها على التحريم لو لم نقل بظهورها في
الكراهة. نعم ظاهر الرواية الثانية حرمة لبس أحدهما
لباس الآخر، ولا يصغى إلى ما ذكره المصنّف «ره» من
عدم ظهورها في الحرمة، فإنّ إطلاق الزجر كإطلاق
النهي مقتضاه التحريم، إلا أنّها باعتبار ضعف
سندها غير صالحة للاعتماد عليها، حيث رواها في
مكارم الأخلاق مرسلاً كما في الوسائل(105).

بأنّ الظاهر عن التشبّه صورة علم
المتشبّه[2].

[2] ويكفي في تحقّق عنوان التشبّه العلم
الإجمالي المزبور.

التشبيب بالمرأة

التشبيب بالمرأة المعروفة[3].

[3] هذا العنوان لم يتعلّق به النهي في شيء
من الخطابات، وإنّما يكون الوجه في حرمته انطباق
بعض العناوين المحرّمة عليه، وأيضاً لم يظهر وجه
صحيح لاعتبار قيد الاحترام بعد اعتبار كونها مؤمنة
فإنّ المتجاهرة بالفسق لا يجوز أيضاً تشبيبها
لجريان الوجوه الآتية فيها، كلاً أو بعضاً، كما لا
يخفى.

ثمّ إنّ المصنّف «ره» ذكر في عبارته
وجوهاً ثمانية لحرمته، ولكن الظاهر عدم تمامية شيء
منها:

الأوّل: كون التشبيب هتكاً وتفضيحاً
للمرأة، وفيه أنّ النسبة بين التشبيب والهتك عموم
من وجه، فإنّه قد لا يكون هتك فيه، كما إذا أنشأ
شعراً في محاسن امرأة بين النساء أو أقاربها
العارفين بحالها وجمالها، وقد يكون ذكر محاسنها
هتكاً لها بلا تشبيب كما إذا ذكرها بين الأجانب
بالنثر بلا إنشاء شعر.

الثاني: كون التشبيب إيذاءً لها، وفيه أنّ
الإيذاء ـ بنحو يوجب تأثّر الغير وتألّمه بالتصرّف
في مال ذلك الغير أو ما يتعلّق به ـ حرام، وكذا فيما
إذا كان تصرّفه في مال نفسه أو ما يتعلّق به، ولكن
كان غرضه منه تأثّر ذلك الغير فتألّمه، وأمّا إذا
كان تصرّفه في مال نفسه أو ما يتعلّق بداع صحيح
يترتّب عليه تألّم الغير وتأثّره، فلا يكون من
الإيذاء المحكوم بالحرمة. وعلى ذلك فإذا كان لذاكر
محاسنها للغير غرض صحيح يترتب عليه تألّمها
وتأثّرها فلا يكون من الإيذاء حتّى يحكم بحرمته.

الثالث: إغراء الجهّال بها، وفيه أنّ
التشبيب لا يكون ملازماً للإغراء وهذا واضح.

الرابع: إدخال النقص عليها وعلى أهلها،
وفيه أنّ الفرق بين ذلك وبين هتكها غير ظاهر.

الخامس: كون التشبيب من اللهو الباطل،
وفيه أنّه لا إطلاق في دليل حرمة اللهو كما سيأتي
حتّى يعمّ مثل التشبيب.

السادس: كون التشبيب من الفحشاء، فيعمّه
مثل قوله سبحانه المتضمّن لتحريم الفحشاء، وفيه
أنّ كونه من الفحشاء أوّل الكلام.

السابع: كونه منافياً للعفاف، وفيه انّ
اعتبار العفاف ـ بمعنى الاجتناب عن المحرّمات ـ في
العدالة ظاهر، وأمّا غيره فلا.

الثامن: استفادة حرمته من بعض الآيات
والروايات الواردة في بعض المحرّمات والمكروهات،
وفيه أنّ غاية ما يمكن استظهره من الآية والروايات
المشار إليها في المتن كون تهييج القوّة الشهوية
حكمة فيها، لا أنّ التهييج المزبور علّة حتّى يمكن
التعدّي إلى مثل المقام.

نعم، لو قيل بعدم حرمة التشبيب
بالمخطوبة[1].

[1] قد ذكرنا أنّ التشبيب بعنوانه غير
محرّم، بل يحرم فيما إذا انطبق عليه عنوان محرّم
آخر، بلا فرق في ذلك بين المخطوبة أو من يراد
تزويجها أو غيرهما.

وأمّا المعروفة عند القائل[2].

[2] يمكن كون المرأة معيّنة عند القائل
ومجهولة عند السامع، وهذا تارةً مع علم السامة
إجمالاً بقصده امرأة من بيت فلان أو من بلد فلان
مثلاً، وأُخرى لا يدري ذلك أيضاً، ولكن لم يظهر وجه
الإشكال في الجواز، خصوصاً في الفرض الثاني.

وأمّا التشبيب بالغلام[1].

[1] إذا كان غرض قائله إظهار كمال الغلام
وجماله المنعم له من خالقه، نظير ما يذكر قارئ
العزاء في وصف علي بن الحسين الأكبر سلام اللّه
عليه وعلى أبيه، فلا دليل على حرمته. وأمّا إذا كان
للاشتياق إلى ما فيه فساد الديار ونزول عذاب
الجبّار إلى أهلها، فلا فرق في الحرمة بين إنشاء
الشعر أو ذكر محاسنه بغيره، فإنّه من الترغيب إلى
المنكر المستفاد في الحرمة بين إنشاء الشعر أو ذكر
محاسنه بغيره، فإنّه من الترغيب إلى المنكر
المستفاد حرمته بين إنشاء الشعر أو ذكر محاسنه
بغيره، فإنّه من الترغيب إلى المنكر المستفاد
حرمته من فحوى دليل وجوب النهي عنه، كما لا يخفى.

تصوير ذوات الأرواح وغيرها

تصوير صور ذوات الأرواح حرام[2].

[2] يحرم تصوير ذوات الأرواح بنحو المجسمة،
بلا خلاف ظاهر، وفي حرمته إذا كان بنحو النقش كلام.
وظاهر جماعة أو صريحهم عدم الجواز، كما أنّ ظاهر
بعضهم جوازه، وهو الأظهر، كما هو مقتضى الأصل بعد
عدم تمام الدليل على المنع. وما قيل في وجه عدم
جوازه أُمور:

الأوّل: رواية الحسين بن زيد عن الصادق (ع)
عن آبائه في حديث المناهي: «ونهى عن التختّم بخاتم
صفر أو حديد، ونهى أن ينقش شيء من الحيوان على
الخاتم»(106)، وفيه مضافاً إلى
ضعف سندها يحتمل أن يكون النهي راجعاً إلى التختّم
بخاتم يكون فيه نقش الحيوان. بل مع تعلّق النهي بنقش الحيوان على
الخاتم يكون المحرّم أو المكروه نقش الحيوان على
الخاتم، لا مطلق تصوير الحيوان بنحو المجسّمة،
فضلاً عن كونه بنحو النقش على الحائط أو مثل
القرطاس.

الثاني: موثّقة أبي بصير عن أبي عبداللّه
(ع) قال: قال رسول اللّه (ص): «أتاني جبرئيل، قال: يا
محمد إنّ ربّك يقرئك السلام وينهى عن تزويق البيوت،
قال أبو بصير: فقلت: وما تزويق البيوت؟ فقال: تصاوير
التماثيل»(107)، وفيه أنّه لم
يظهر كون متعلّق النهي هو المعنى المصدري للتصوير
بل من المحتمل جدّاً أن يكون متعلّقه اتّخاذ الصور
في البيوت نقشاً أو مجسمة، ولابدّ من حمل هذا النهي
على الكراهة، لما سيأتي من الترخيص فيه في الروايات
الأُخرى.

الثالث: ما تقدّم من تحف العقول من أنّه لا
بأس بصنعة صنوف التصاوير مالم يكن مثل الروحاني،
وفيه أنّها وإن كانت ظاهرة في عدم جواز تصوير
الحيوان بنحو النقش أو التجسيم، إلا أنّ دعوى
انصراف الصورة والمثال بقول مطلق إلى المجسّمة لا
يمكن المساعدة عليها، كما يظهر وجهه بملاحظة
الروايات واللغة، ولكنّها باعتبار ضعف سندها غير
قابلة للاعتماد عليها كما ذكرنا ذلك عند التعرّض
لها.

الرابع: ما في الروايات المستفيضة، ومنها:
ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن
أبي عمير عن رجل عن أبي عبداللّه (ع) قال: «من مثّل
تمثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح»، وفي
حديث المناهي المتقدّم: «وقال رسول اللّه من صوّر
صورةً كلّفه اللّه يوم القيامة أن ينفخ فيها، وليس
بنافخ». وربّما يناقش في دلالتها بعد الإغماض عن
سندها، بأنّ مقتضى الأمر بالنفخ أن تكون الصورة
مجسّمة، ويجاب عن ذلك تارةً بإرجاع الأمر بالنفخ
إلى الأمر بالتجسيم أوّلاً، ثمّ النفخ فيه، وهذا
الجواب كما يذكر المصنّف «ره» خلاف الظاهر، وأُخرى
بأنّ النقش باعتبار محلّه أو باعتبار الأجزاء
اللّطيفة من الصبغ قابل للنفخ، وكذا إذا كان من
قبيل أمر الإمام (ع) الأسد المنقوش على بساط الخليفة
بأخذ الساحر في ذلك المجلس، ولعلّه في الحقيقة من
تعلّق إرادته (ع) بمحو الصورة عن البساط وحضور أسد
يكون صورته موافقاً لما كان في البساط.

أقول: التكليف الوارد في هذه الأخبار
بالنفخ اعتذاري لا يعتبر تعلّقه بالممكن أو
المقدور، فلا يكون في الأمر قرينة على اختصاص
الصورة بالمجسّمة، كما لا حاجة إلى فرض إمكان النفخ
في النقش. اللّهمّ إلا أن يقال: إنّ الأمر بالنفخ
يقتضي كون الصورة مجسّمة، لا لأنّ الأمر يتعلّق
بالممكن أو المقدور حتّى يجاب عنه بأنّ الأمر به
اعتذاري، بل لأنّ الأمر بالنفخ ظاهره نقص الصورة من
الحيوان أو الإنسان في جهة الروح فقط.

الخامس: صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت
أبا عبداللّه (ع) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟
فقال: لا بأس مالم يكن شيئاً من الحيوان»(108)، وذكر المصنّف «ره» أنّ هذه أظهر ما في
الباب من حيث شمولها للصورة بنحو النقش، وذلك
بقرينة تمثال الشمس والقمر الذي يكون بالنقش عادة،
وفيه أنّ هذه الصحيحة لا دلالة لها على عدم جواز
التصوير بمعناه المصدري، حيث أنّ من المحتمل رجوع
السؤال فيها إلى اقتناء الصور.

لا يقال: على تقدير كون المراد منها
السؤال عن الاقتناء تكون دالّة على حرمة التصوير
أيضاً، حيث أنّ حرمة الاقتناء لازمها حرمة عملها،
إذ لا يحتمل حرمة اقتناء الصورة وجواز عملها.
والحاصل أنّ حرمة عملها تثبت بالصحيحة على كلّ
تقدير، إمّا بدلالتها المطابقية، كما إذا كان
السؤال راجعاً إلى العمل أو بالالتزام بناءً على
كونها ناظرة إلى حكم الاقتناء.

فإنّه يقال: إذا كان النهي فيها عن
الاقتناء فيحمل على الكراهة لا محالة، لما يأتي من
القرينة الواضحة عليها. وكراهة الاقتناء لا تلازم
حرمة العمل.

السادس: ما في المحاس عن أبيه عن ابن سنان
عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنين
(ع) قال: «من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن
الإسلام» ووجه دلالته أنّ التصوير والمثال كما حكى
كاشف اللّثام عن أهل اللّغة مترادفان، والغالب
خارجاً من تصوير الحيوانات نقشها، ولو لم تكن
الرواية مختصّة بالغالب فلا أقلّ من شمولها له.
وربّما يقال: إنّ المراد بتمثيل المثال فيها صنع
الصنم بقرينة خروج الفاعل عن الإسلام، كيف؟ ولا
يكون التصوير أشدّ من الزنا ونحوه من المعاصي
الكبيرة التي لا يخرج فاعلها بفعلها عن الإسلام؟

أقول: هذا خروج حكمي عن الإسلام، نظير
قوله سبحانه: «ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن
العالمين»(109)، وإلا فصنع الصنم
أيضاً لا يوجب الخروج عن الإسلام.

والحاصل أنّ التصوير لا يقلّ وزراً عن
تجديد القبر وتعميره، وقد ذكر في حديث خروج فاعلهما
عن الإسلام. والعمدة ضعف السند وعدم ثبوت الترادف
بين التصوير والتمثال، كما لا يخفى.

ويؤيّده أنّ الظاهر انّ الحكمة في
التحريم[1].

[1] يعني يؤيّد حرمة تصوير الحيوان ـ ولو
كان بنحو النقش ـ حكمة هذا الحكم وهو تشبه المصوّر
بالخالق تعالى. وفيه:

أوّلاً: أنّه لا سبيل لنا إلى إحراز أنّ
حكمة الحكم هو التشبّه بالخالق، وإلا لجرى في تصوير
الأشجار وغيرها كما سنذكر.

وثانياً: انّ التشبّه لا يكون بمجرّد
النقش، بل بإبداع الجسم الشامل على تمام وسائل
الحياة وأبزارها. ودعوى أنّه لا دخل للمادة في
التشبه لا يمكن المساعدة عليها، كما لا يخفى.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا عدم تمام
الدليل على حرمة التصوير بنحو النقش ولا بنحو
التجسيم، وإن كان التجسيم باعتبار عدم ظهور الخلاف
في حرمته مورداً للاحتياط.

لا يقال: قد ورد في روايات مستفيضة من صوّر
صورة كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ،
ودلالتها على حرمة التصوير بنحو المجسّمة تامّة،
وضعف سندها منجبر بعمل المشهور، بل بعدم ظهور
الخلاف بين الأصحاب.

فإنّه يقال: لم يعلم استناد كلّهم أو
جلّهم في حكمهم بعدم الجواز إلى تلك الروايات،
ولعلّهم استفادوا الحكم من صحيحة محمد بن مسلم أو
موثقة أبي بصير المتقدّمتين. وبما أنّا ناقشنا في
دلالتهما على حرمة إيجاد الصورة وعملها، فيكون
المقام نظير قولهم بنجاسة ماء البئر استناداً إلى
أخبار النزح. وكيف كان فلا يمكننا الافتاء بالحرمة،
بل غاية الأمر الالتزام بالاحتياط كما ذكرنا.

ثمّ لا يخفى أنّ ما دلّ على حرمة التصوير
ولو نقشاً على تقدير تمامه لا يعمّ التصوير
المتعارف في زماننا المعبّر عنه بالفارسية (عكس
كرفتن)، وذلك، فإنّ ظاهر ما تقدّم حرمة إيجاد
الصورة وعملها نقشاً أو مجسّمة. وأمّا العمل على
بقاء الصورة الواقعة من الشيء في شيء آخر كما في هذا
التصوير المتعارف، فغير داخل في مدلولها، كما إذا
صبّ المكلّف مايعاً على المرآة الواقعة عليها صورة
إنسان، فثبتت في المرآة تلك الصورة بصبّه، فإنّه لا
يسمّى ذلك تصويراً بالمعنى الوارد عليه الأخبار.

وإن كان ما ذكره لا يخلو عن نظر[1].

[1] ووجهه كما سيذكر «ره» أنّ روايات المنع
ظاهرها قصد حكاية الشيء وتمثيله. وأمّا فعل ما
تدعوه إليه حاجته ويكون شبيهاً بشيء من خلق اللّه
من غير قصد تصويره والحكاية عنه، فلا تعمّه تلك
الروايات، وثياب ذوات الأعلام أو الثياب المحشوة
مع شبه طرائقها بالأخشاب من هذا القبيل. والحاصل
أنّ حرمة نقش غير الحيوان من سائر المخلوقات لا
تلازم حرمة خياطة الثياب المحشوة وغيرها.

ولكن العمدة في اختصاص الحكم[2].

[2] ولكن لا تصل النوبة إلى أصالة الإباحة
في مقابل ما يدلّ على جواز تصوير غير الحيوان.

فبها يقيّد بعض ما مرّ من الاطلاق[3].

[3] أي أنّه بهذه الرواية الدالة على جواز
تماثيل الشجر وغيره بنحو النقش والتجسيم، يرفع
اليد عن إطلاق مثل قوله: «ونهى عن تزويق البيوت»
بحمله على تزويقها بصورة الحيوان أو الإنسان نقشاً
أو مجسمةً.

ثمّ انّ من الأقوال في المسألة المنع عن
تصوير ذي الروح وغيره بنقش أو تجسيم أخذاً بالاطلاق
المتقدّم اللازم تقييده بما ذكر، والمنع عن
التصوير بنحو المجسمة سواءً كانت صورة حيوان أو
غيره. والتفصيل في المنقوش بين الحيوان وغيره مما
لا حياة له، فلا يجوز الأول ويجوز الثاني.

والوجه في هذا التفصيل دعوى انصراف
الروايات المجوّزة إلى بيان حكم النقش، وأنّ
المنقوش لا بأس به إذا لم يكن حيواناً، ولكن مقتضى
الدعوى المزبورة هو الحكم بكراهة التصوير مطلقاً،
سواء كان بنحو المجسّمة أو النقش أم كان حيواناً أو
غيره، وذلك لما ذكره المصنّف «ره» من أنّ التصوير
والتمثال على تقدير انصرافه إلى النقش باعتبار كون
الغالب خارجاً هو النقوش لكان هذا الانصراف في كلتا
الطائفتين أي في الروايات المانعة عن التصوير
والمجوّزة له، فلابدّ من حمل المانعة على الكراهة
باعتبار ورود

الرخصة في الثانية، فلا يكون في البين
دليل على حرمة التصوير بالمجسّمة في الحيوان
وغيره، فتكون مكروهة إلحاقاً لها بالنقش. وهذا
الإشكال من المصنّف «ره» مبنيّ على التزام القائل
المزبور بعدم الفصل بين الحيوان وغيره، وإلا لكانت
النتيجة حرمة نقش الحيوان والإنسان وجواز نقش
غيرهما، وذلك لثبوت الترخيص في نقش غير الحيوان
والإنسان، فيحمل المنع في الطائفة الأُولى على
نقشهما ويلحق تصوير الإنسان أو الحيوان بنحو
المجسّمة بنقشهما بالفحوى كما لا يخفى.

فلا يقدح نقص بعض الأجزاء[1].

[1] بأن يصدق على الناقص أنّها صورة إنسان
أو حيوان، كما في الحيوان المقطوع اذنه أو رجله،
وليس فيما ورد من تغيير الصورة بقلع عينها أو بغيره
دلالة على جواز تصوير الناقص، لأنّ القلع موجب
لارتفاع كراهة اقتناء الصورة لا جواز تصويره كذلك.

ولو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراماً[2].

[2] يعني لو قصد تثوير الحيوان مثلاً
بتمامه وشرع فيه، يكون بشروعه مستحقّاً للعقاب
حتّى فيما لو بدا له بعد ذلك فلم يتمّه. وهل هذا
الاستحقاق على مخالفة النهي عن التصوير أو للتجري؟
وجهان: وجه كونه تجرّياً أنّه قصد الحرام واشتغل
ببعض مقدّماته، ووجه كونه محرّماً من حيث التصوير
أنّ معنى حرمة الفعل الذي من قبيل المركب ليس عرفاً
إلا الاشتغال به بداعي تحقيقه وإن لم يتمّه. والفرق
بين تحريم المركّب وجابه مع أنّ موافقة الإيجاب لا
تكون إلا بإتمام ذلك المركب قضاء العرف.

أقول: فيه ما لا يخفى، فإنّ العنوان
المحرّم إذا كان بحيث لا يصدق إلا على المجموع كما
هو المفروض، لأنّ المنهي عنه تصوير الحيوان أو
الإنسان وعمل تمثالهما، وهذا يكون بنقشهما أو
تجسيمهما من قرنهما إلى قدمهما، فيكون اتصاف الجزء
الأول بكونه حراماً مشروطاً بتحقّق الجزء الآخر
كما في الواجبات الارتباطية، فالتفرقة بين
الواجبات والمحرّمات في ذلك بلا وجه. ولو اشتغل
اثنان بتصوير حيوان بأن قصد هذا تصوير بعضه والآخر
تصوير بعضه الآخر، وكان ذلك بعلم كلّ منهما بفعل
صاحبه،

فلا يبعد الالتزام بحرمة تصوير البعض في
الفرض أخذاً بقوله سبحانه: «ولا تعاونوا على الإثم
والعدوان» حيث أنّ مقتضى الأدلّة الأوّلية عدم
جواز تصوير كلّ مكلف تمام الحيوان، ومقتضى الآية
حرمة الاشتراك في تحقيق ذلك الحرام كما لا يخفى
وليس المحرّم بحسب الأدلة هو إتمام الصورة كما إذا
قصد أحد تصوير جسد الحيوان مثلاً بلا رأس، بلا علم
منه انّ الآخر يكمله، وأكمله الآخر برسم الرأس له،
فلا يكون فعل الثاني حراماً باعتبار كونه إتماماً
لتلك الصورة، فإنّ المحرّم هو تصوير كلّ مكلّف
الحيوان أو الإنسان لا إتمام صورتهما، وتصويرهما
لا يصدق على مجرّد إتمامهما، كما أنّه لا يصدق على
تصوير بعضهما. وقد تقدّم دلالة صحيحة محمد بن مسلم
على عدم البأس بتصوير لا يكون حيواناً، كما أنّ
المستفاد من روايات التكليف بالنفخ اعتبار المنهي
عنه بنحو يكون بالنفخ إنساناً أو حيواناً. وتصوير
بعض أعضائهما لا يكون كذلك، فتدبّر.

حكم اقتناء الصور والكسب بها

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرّم عليه[1].

[1] لا يخفى أنّ جواز اقتناء الصورة ملازم
لجواز المعاملة بها، فإنّ اقتناءها لزينة البيوت
وغيرها منفعة مقصودة يوجب جوازه جوازها، ولا يقاس
اقتناؤها باقتناء الخمر مثلاً، حيث أنّجواز
اقتنائه للتخليل لا يكون موجباً لجواز بيعه، فإنّ
المنفعة المقصودة من الخمر شربها وهو محرّم، بخلاف
الصور. هذا مع ورود النهي عن بيع الخمر وشرائعها
وضعاً وتكليفاً كما مرّ. وأمّا لو قيل بحرمة اقتناء
الصورة أو وجوب محوها فلازمه الحكم بفساد المعاملة
عليها، باعتبار عدم المنفعة المحلّلة فيها، فيكون
أكل المال بها أكلاً بالباطل. ولذا ذكر في جامع المقاصد جواز
إبقاء الصور واقتنائها فيجوز بيعها. وعن المقنعة
والنهاية والسرائر عدم جواز التجارةبها، ولازمه
عدم جواز اقتنائها. وكيف كان فذكر المصنّف «ره» في
عدم جواز اقتنائها وجوهاً:

الوجه الأوّل: انّ الدليل على حرمة شيء
حدوثاً دليل على حرمة إبقائه، باعتباران ذلك مقتضى
مبغوضيته، وأجاب عن ذلك فيما بعد أنّ ظاهر الدليل
هي حرمة عمله. وأمّا إبقاؤه بعد عمله فلا يستفاد
حرمته. نعم لو كان حرمة عمل الشيء بحيث يعمّ بقاءه
بأن تكون دلالته على حرمة الإبقاء بالملازمة
العرفية كما في حرمة تنجيس المسجد باعتبار
احترامه، وعدم جواز هتكه، فيعمّ الحكم الإبقاء،
ويكون الدليل على حرمة تنجيسه دالاً بالملمة على
وجوب تطهيره.

الوجه الثاني: صحيحة محمد بن مسلم، قال:
«سألت أبا عبداللّه (ع) عن تماثيل الشجر والشمس
والقمر؟ قال: لا بأس مالم يكن شيئاً من الحيوان»(110) بدعوى رجوع السؤال عن الأعيان
إلى الفعل المناسب لها، والمناسب للتماثيل
اقتناؤها لزينة البيوت وغيرها لا عملها، كما إذا
سئل عن الخمر وأُجيب بالحرمة يكون ظاهره حرمة
شربها، فإنّه المتعارف في الخمر لا عملها، بل ما
نحن فيه يمتاز عن مثل الخمر بأن عمل الخمر يقع من
كلّ إنسان يريد عمله، بخلاف التصوير، فإنّه لا يقع
إلا من البعض، فيمكن رجوع السؤال عن الخمر إلى
عملها بخلاف التماثيل.

وأجاب «ره» عن هذا الوجه برجوع السؤال إلى
عملها، فإنّ عمل التصاوير مرتكز في أذهان عامّة
الناس، ويكون السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حكم
عملها، إذ لا يحتمل عدم جواز اقتناء ما يجوز عمله.

أقول: لم يظهر من الصحيحة رجوع السؤال إلى
عمل التماثيل، فإنّه لو لم تكن ظاهرة في حكم
الاقتناء فلا أقلّ من عدم ظهورها في عملها. وما ذكره
المصنّف «ره» في وجه رجوع السؤال إلى عملها ضعيف،
فإنّه يمكن أن لا يعلم السائل حكم عملها، ومع ذلك
يسأل عن حكم اقتنائها باعتبار خروج عملها عن
ابتلائه، لعدم معرفته بالتصوير أو عدم قصده، بخلاف
اقتنائها كما يمكن علمه بحرمة عملها أو كراهته من
قبل ويسأل فعلاً عن حكم اقتنائها.

وما ذكر ـ في وجه رجوع السؤال إلى
الاقتناء من أنّ السؤال عن الخمر لا ينصرف إلى
عملها، مع أنّ عملها يقع من كلّ واحد فكيف
بالتصوير، فإنّه عمل مختصّ بالنقّاش ـ غير تامّ، بل
الأمر أشبه بالعكس، فإنّه لا يعرف كلّ إنسان عمل
الخمر، بخلاف التصوير ولو بصورة ما، كما لا يخفى.

الوجه الثالث: الحصر المذكور للصناعة في
حديث تحف العقول حيث ذكر فيه أنّ الصناعة المحرّمة
هي التي يجيء منها الفساد المحض، ولا يكون فيها جهة
صلاح، ويحرم جميع التقلّب فيها وإذا حرم تصوير
الحيوان كما هو الفرض يكون فيه الفساد المحض،
بمقتضى الحديث كما يحرم جميع التقلّب فيه الذي منه
بيع الصورة وشراؤها واقتناؤها. وأجاب «ره» عن هذا
الوجه بأنّ المذكور في الحديث من الصناعة قسمان:
الأوّل: ما يكون فيه الصلاح والفساد معاً. والثاني:
ما يكون فيه الفساد المحض،

ومدلوله أنّ المحرّم من
هذين القسمين هو الثاني الذي يحرم فيه جميع التقلب.
وأمّا أنّه ليس للصناعة قسم ثالث، وهو ما إذا كان
الفساد المحض في عمله فقط لا في إبقاء المصنوع،
فيكون المحرم عمله فقط، فلا يكون الحديث نافياً
لذلك، فإنّ الحصر الوارد فيه إضافي، أي ناظر إلى
القسمين المذكورين، وأنّ المحرّم منهما الثاني لا
الأوّل. وعلى ذلك فيمكن كون التصوير من القسم
الثالث الخارج عن مدلول الحديث، بأن كان عمل الصورة
محرّماً دون اقتنائها.

أقول: حمل الحصر فيه على الإضافي لا يناسب
وروده في بيان ضابط الحلال والحرام من الكسب.

الوجه الرابع: ما رواه الكليني عن علي بن
إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي
عبداللّه (ع) قال: «قال أميرالمؤمنين (ع): بعثني رسول
اللّه (ص) إلى المدينة، فقال: لا تدع صورة إلا
محوتها، ولا قبراً إلا سوّيته، ولا كلباً إلا
قتلته»(111)، وأجاب «ره» عن هذا
الوجه بأنّ الأمر فيه محمول على الاستحباب أو على
كراهة إبقاء الصورة، بقرينة الأمر بتسوية القبور
وقتل الكلاب. وفيه أنّ قرينة السياق ـ بأن يكون رفع
اليد عن ظهور الطلب بالإضافة إلى فعل موجباً لرفع
اليد عن ظهوره بالإضافة إلى الفعل الآخر أيضاً ـ لا
أساس لها. ولذا لا تكون القرينة على استحباب غسل
الجمعة موجباً لرفع اليد عن الظهور بالإضافة إلى غسل
الجنابة أيضاً، كما في مثل قوله: (اغتسل للجمعة
والجنابة) فضلاً عن مثل: (اغتسل للجمعة واغتسل
للجنابة)، نعم نلتزم بحمل النهي عن إبقاء الصورة
على الكراهة، لكن لا بقرينة السياق، بل للروايات
الآتية الظاهرة في الترخيص في اقتنائها.

الوجه الخامس: صحيحة علي بن جعفر المحكية
عن المحاسن عن موسى قاسم عنه عن أخيه (ع) أنّه «سأل
أباه عن التماثيل؟ قال: لا يصلح أن يلعب بها»(112) ورواها عن قرب الإسناد عن
عبداللّه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى
ابن جعفر (ع)، قال: «سألته عن التماثيل هل يصلح أن
يلعب بها؟ قال: لا» وهذه على النقل الأوّل مؤيّدة
لما تقدّم من أنّ السؤال عن التماثيل لا يكون
ظاهراً في السؤال عن صنعها وعملها.

الوجه السادس: تصدّيه سلام اللّه عليه
للدفاع عن سليمان النبي (ع)، بأنّ المصنوع له كانت
صورة الشجر، فإنّه لا مورد للدفاع عنه بالجواب
المزبور إلا مع عدم مناسبة اقتناء الصور لمثله (ع)،
ولو كان المنافي صنعها فقط لم يكن للاعتراض وجه،
حيث انّ عمله (ع) كان الاقتناء لا الصنع. وفيه أنّ
الاعتراض باعتبار مشية سليمان صنع الصور، وهذا لا
يجتمع مع حرمة التصوير، فدافع سلام اللّه عليه بأنّ
المصنوع له كانت صورة شجر، بل لو كان الاعتراض
والدفاع راجعين إلى ا لاقتناء لما كانت أيضاً فيها
دلالة على حرمة اقتناء صورة الحيوان. وذلك فإنّ
الدفاع والاعتراض يصحّان على تقدير كون الاقتناء
مكروهاً، لأنّ المكروه لا يليق بشأن النبي، فدافع
(ع) بأنّ الصورة لم تكن حيواناً حتّى يكره اقتناؤها.

الوجه السابع: صحيحة زرارة بن أعين عن أبي
جعفر (ع)، قال: «لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت
إذا غيّرت رؤوسها منها وترك ما سوى ذلك»(113) فإنّ مفهومها ثبوت البأس بها مع عدم
التغيير وثبوت البأس في شيء مطلقاً مقتضاه حرمته.
وفيه أنابدّ من حمل البأس في الرواية ومثلها على
الكراهة كما هو مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار
المجوزة لاقتناء التماثيل في البيت والصلاة فيها.
وذكر المصنّف «ره» أنّ في هذه الصحيحة دلالة على
جواز اقتناء الصور وعدم وجوب محوها، ولعلّه
باعتبار أنّ تغيير رأس الحيوان لا يخرجه عن كونها
صورة حيوان ولو في بعض موارد التغيير. نعم مثل حذف
رأس الحيوان يخرجه عن صورة الحيوان.

الوجه الثامن: حسنة المثنّى عن أبي
عبداللّه (ع) «أنّ عليّاً (ع) كره الصور» بضميمة ما
ورد من أنّه (ع) لا يكره الحلال كما في بعض الروايات
الواردة في الربا. وفيه أنّ المراد بالحلال هو
المباح المساوي طرفاه لا المقابل للحرام، ضرورة
أنّه (ع) يكره المكروهات في الشرع(114).

الوجه التاسع: ما رواه الحسن بن فضل
الطبرسي في مكارم الأخلاق عن الحلبي عن أبي
عبداللّه (ع)، قال: «وقد أُهديت إليَّ طنفسة (ثوب أو
بساط) من الشام عليها تماثيل طائر، فأمرت به
فغُيِّر رأسه فجُعل كهيئة الشجر»(115)
وفيه أنّ الرواية مرفوعة وفعله (ع) أو أمره بالتغيير
لا يدلّ على حرمة الإبقاء حيث يحتمل كونه لأجل
الكراهة.

فهي معارضة بما هو الأظهر والأكثر[1].

[1] لا يخفى ظهور بعض الأخبار المعتبرة في
جواز إبقاء الصور في البيوت تكليفاً، وعدم كونها
موجبة لبطلان الصلاة، كصحيحة محمد بن مسلم قال:
«سألت أبا عبداللّه (ع) عن التماثيل في البيت؟ فقال:
لا بأس إذا كان عن يمينك وعن شمالك وعن خلفك أو تحت
رجليك، وإن كانت في القبلة فالق عليها ثوباً»(116)، حيث أنّ مقتضى إطلاق نفي
البأس جواز إبقائها تكليفاً ووضعاً، والأمر بإلقاء
الثوب عليها فيما إذا كانت في القبلة لا يصلح لكونه
قرينة على اختصاص السؤال والجواب بالوضع،

كما أنّ
عدم الاستفصال في الجواب بين كونها بنحو المجسّمة
أو النقوش مقتضاه عدم الفرق بينهما في الحكم،
والأمر بإلقاء الثوب ـ أو تغيير الرأس أو قلع العين
ونحوه ـ حكم غير إلزامي، بقرينة مثل صحيحة علي بن
جعفر عن أخيه (ع) قال: «سألته عن البيت فيه صورة سمكة
أو طير وشبهها يعبث به أهل البيت، هل تصلح الصلاة
فيه؟ فقال: لا، حتّى تقطع رأسه ويفسد، وإن صلّى
فليست عليه إعادة»(117)، حيث أنّ
نفي الإعادة قرينة على حمل النهي على الكراهة، بل
لا يبعد أن يقال: إنّ عدم أمره (ع) بمحو تلك الصورة
مطلقاً قرينة على جواز اقتنائها.

مثل صحيحة الحلبي[2].

[2] هذه الرواية دلالتها على جواز الاقتناء
واضحة(118).

وعن قرب الاسناد عن علي بن جعفر[3].

[3] وفي السند عبداللّه بن الحسن. وحاصل ما
ذكره «ره» ـ في كون هذه الرواية قرينة على عدم حرمة
اقتناء الصور ـ هو أنّ الأمر بالكسر فيها ليس
باعتبار وجوب محو الصورة تكليفاً، وإلا لم يكن وجه
للتفرقة بين الصورة في البيت وبين الصورة في الستر
بالأمر بالكسر في الأوّل، وبالنزع في الثاني، بل
كان الواجب إزالة الصورة، حتّى التي كانت في الستر.
واحتمال أن يكون المراد بكسر رؤوس التماثيل شاملاً
لما في الستر أيضاً، والأمر بنزع الستر لكونه
مقدّمة للتغيير فيه ما لا يخفى، بل الظاهر أنّ
الحكم بالكسر والنزع لرعاية الصلاة.

أقول: قد تحصّل مما ذكرنا إلى هنا جواز
اقتناء الصور، سواء كانت بنحو المجسّمة أو النقوش،
حتّى على القول بحرمة التصوير، ويلازم جواز
اقتنائها جواز المعاملة عليها، حيث أنّ اقتنائها
لتزيين البيوت بها منفعة مقصودة توجب ماليّتها.
وهذا فيما إذا باع الصور بما هي مجسّمة وصور. وأمّا
إذا باعها بعنوان موادّها، فجوازه لا كلام فيه، حيث
أنّ بيعها كذلك لا يزيد على بيع مادّة الصنم. وقد
تقدّم جوازه.

حرمة البخس

أو المراد اتخاذه كسباً[1].

[1] بأن يؤجر نفسه للكيل بنحو التطفيف، حيث
أنّه في الفرض يدخل في الأفعال المحرّمة التي يؤخذ
عليها الأُجرة، فيكون أكلها بالباطل.

يدل عليه الأدلة[2].

[2] لا يخفى أنّه لا يمكن في المقام إحراز
الإجماع التعبّدي الذي يكون أحد الأدلّة، بل
الإجماع في مثل المقام مدركي، فإنّه إذا علم أو
احتمل المدرك لاتفاق العلماء، فلابدّ من ملاحظته،
فإن تمّ لزم القول بما قالوا لا لقولهم، بل لذلك
المدرك وإن لم يتمّ، فلا يكون اعتبار في اتفاقهم.
وهذا بخلاف الإجماع التعبّدي الكاشف عن حجّة
معتبرة، بحيث لو كانت واصلة إلينا لكانت تامّة
عندنا أيضاً. وفي المقام مع دلالة الكتاب المجيد
على حرمة البخس في المكيال أو الميزان، وكونه من
الكبائر كما هو مقتضى قوله سبحانه: «ويل للمطفّفين»
ودلالة الأخبار وحكم العقل بأنّه ظلم وأكل لمال
الغير عدواناً لا مجال لدعوى الإجماع التعبّدي.

ثم انّ البخس في العدو الذرع[1].

[1] لا يخفى أنّ البحث في معنى التطفيف،
وكونه البخس في المكيال أو الميزان فقطأو مطلق
البخس، حتّى في العدّ والذرع لا يترتب عليه ثمرة
عملية. وذلك لدخول البخس في العدّ والذرع فيه حكماً
بلا شبهة، ولا يحتمل الفرق بين النقص في الكيل أو
الوزن، والنقص في العدّ والذرع. وظاهر المصنّف «ره»
اختصاص معنى التطفيف بالكيل والوزن، فلاحظ.

ولو وازن الربوي بجنسه فطفف في أحدهما[2].

[2] تعرّض «ره» لصور ثلاث:

الأُولى: وقوع المعاملة على الكلّي
المعيّن وزناً، فيكون دفع الناقص في مقام الوفاء
بتلك المعاملة، ويبقى مقدار النقص في عهدته.

الثانية: وقوع المعاملة على المدفوع
خارجاً بلا شرط المقدار، يكون النقص في هذه الصورة
موجباً لفساد المعاملة كما هو مقتضى لزوم الربا.

لا يقال: ظاهر كلام المصنّف «ره» في هذه
الصورة الحكم بصحّة المعاملة مع عدم كون العوضين
متجانسين، حيث إنّه علّل فسادها بلزوم الربا.

فإنّه يقال: نعم مع عدم كونهما متجانسين
يحكم بصحتهما، بل وعدم الخيار للطرف، لأنّ المفروض
وقوع المعاملة على الشيء بلا اشتراط المقدار
والغرر مندفع باعتقاد المشتري وإحرازه مقدار
المبيع، وكذلك البايع، بل لو فرض علم البايع
بالحال، وأنّه ناقص عمّا يعتقده المشتري، فلا تكون
حرمة تطفيفه موجبة لفساد المعاملة.

الثالثة: وقوع المعاملة على المدفوع
خارجاً بشرط كونه بالمقدار المساوي للعوض الآخر،
فإن قيل: إنّ اشتراط المقدار لا يزيد على سائر
الشروط الموجب تخلّفها الخيار للطرف، فيحكم بفساد
المعاملة باعتبار لزوم الربا أيضاً. وأمّا بناءاً
على أنّ شرط المقدار في حكم الجزء فتكون المعاملة
منحلّة، فتصحّ بالإضافة إلى الموجود، وتبطل في
مقدار النقص. وإلى ما ذكرنا من الانحلال وعدمه أشار
«ره» بقوله: «ويمكن ابتناؤه على أنّ اشتراط
المقدار» والظاهر أنّ اشتراطه لا يكون كسائر

الشروط التي لا يوجب تخلّفها إلا الخيار للطرف، بل
يكون البيع بالإضافة إليه منحلاً، ولذا لو اشترى
بعشرة دنانير مقداراً من الكتب بشرط كونه خمسين
عدداً، فلو سئل المشتري عن سعر الشراء وأجاب بشراء
الواحد بخمس الدينار كان صحيحاً، ولو ظهر النقص في
العدّ فنقص لكلّ ناقص خمس الدينار لما كان للبايع
حقّ المطالبة به.

ومما ذكرنا ظهر فساد ما ذكره المحقّق
الايرواني في تعليقته على الكتاب من فساد المعاملة
في الصورة الثالثة، باعتبار أنّه ليس المبيع هو
الموجود الخارجي مطلقاً، بل بعنوان أنّه كذا
مقداراً، ولم يحصل هذا العنوان، ويكون الفرض كما
إذا باع فلزاً بعنوان أنّه ذهب، فظهر مذهباً، ووجه
الظهور أنّ عنوان الذهب عنوان مقوّم للمبيع، ومع
تخلّفه لا يكون للمبيع تحقّق، بخلاف اشتراط
المقدار فإنّه مع انحلال المبيع، ومع تخلّفه لا
يكون للمبيع تحقّق، بخلاف اشتراط المقدار فإنّه مع
انحلال المبيع، كما هو المفروض يكون بعض المبيع
موجوداً. ولذا يحكم بالفساد في المقدار الزائد من
أحد العوضين. وتقدّم سابقاً أنّ تخلّف عنوان المبيع
لا يوجب انتفاءه مطلقاً، بل فيما إذا كان عنواناً
مقوماً. وتفصيل ذلك في باب الشروط إن شاء اللّه
تعالى.

ثمّ إنّ البخس في المكيال في القسمين
الآخرين تطفيف في مقام المعاملة وتعيين العوضين
فيها كما لا يخفى. ومما ذكرنا يظهر حكم التطفيف في
غير موارد المعاملة الربوية، فلو كان التطفيف في
مقام الوفاء بالمعاملة الجارية على الكلّي، فيبقى
المقدار الناقص على العهدة. ولو جرت المعاملة على
ما في الخارج، فإن كان من الصورة الثانية، فتصحّ،
وربّما يثبت للمشتري خيار الغبن، كما إذا اعتقد كون
الخارج كذا مقداراً، واشتراه بقيمته السوقية، ثمّ
ظهر أنّه ناقص من ذلك المقدار،

ولا يساوي الموجود
ذلك الثمن. وأمّا إذا جرت المعاملة على الارج بشرط
كونه كذا مقداراً فبناءً على انحلال المعاملة مع
هذا الشرط، كما تقدّم تبطل المعاملة بالإضافة إلى
المقدار الناقص مثلاً، إذا اشترى صبرة من حنطة
بعشرة دنانير، بشرط كونها عشرة أمنان، وظهرت تسعة،
يحكم بصحّة المعاملة في تسعة أمنان بتسعة دنانير،
وتبطل بالإضافة إلى دينار واحد، وبناءاً على عدم
الانحلال، وكون هذا الشرط كسائر الشروط يثبت للآخر
خيار تخلّف الشرط فقط.

في التنجيم

وهو كما عن جامع المقاصد الاخبار عن احكام
النجوم[1].

[1] المراد بالأحكام الحوادث السفلية
وإضافتها إلى النجوم، باعتبار أنّ لها ربطاً ما
بالأوضاع الفكلية الحاصلة للنجوم بسير بعضها وسكون
بعضها الآخر، ثمّ لا يخفى عدم اختصاص التنجيم بما
إذا أخبر الناظر إليها وإلى أوضاعها الفلكية
بالحادثة، بل يعمّ ما إذا كان النظر إليها لمجرّد الاستعلام
بالحادثة، وإن لم يخبر بها أحداً، ويكشف عن ذلك مثل
رواية القاسم بن عبدالرحمن «أنّ النبي (ص) نهى عن
خصال منها مهر البغي، ومنها النظر في النجوم»(119)، ورواية عبدالملك بن أعين،
قال: «قلت لأبي عبداللّه (ع): إنّي قد ابتليت بهذا
العلم، فأُريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع،
ورأيت الطالع الشر جلست ولم أذهب فيها، وإذا رأيت
طالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي: تقضى؟ قلت:
نعم، قال احرق كتبك»(120)، بناءً
على أنّ المراد بالقضاء هو الاعتقاد بنحو الجزم،
والبتّ لا الإخبار والحكم للمراجعين، وكيف ما كان
فينبغي في المقام ذكر أمرين.

الأوّل: أنّ الأخبار عن نفس الأوضاع
الفلكية للنجوم، كالأخبار عن كون القمر فعلاً في
البرج الفلاني أو حدوث الخسوف في القمر في الليلة
الفلانية أو حصول رؤية الهلال في زمان كذا، وغير
ذلك لا يكون داخلاً في أخبار الباب الناطقة بالمنع
عن التنجيم، فإن كان إخبارهم عن الأوضاع مستنداً
إلى مقدّمات موجبة لعلمهم بهذه الأُمور، فيجوز لهم
الإخبار عنها بتّاً، وإن كان مستنداً إلى ما
يحتملون فيه الخطأ، فيجوز لهم الإخبار عنها لا على
سبيل الجزم، بل بنحو الظن والتخمين، حتّى لا يكون
إخبارهم داخلاً في الكذب، أو القول بغير علم. هذا
بالإضافة إلى المنجّم.

وأمّا سائر الناس فلا يكون إخبار المنجّم
حجّةً وطريقاً شرعيّاً لهم بالإضافة إلى مثل رؤية
الهلال ووقوع الخسوف أو الكسوف مما وقع موضوعاً في
الخطابات الشرعية، لاحتمال خطأهم في الحساب وسائر
ما له دخل في أخبارهم. نعم لو حصل لأحد الاطمئنان
بصحّة أخبارهم فذلك أمر آخر، حيث أنّ العلم أو
الاطمئنان حجّة للمكلّف من أيّ مصدر كان، فيجوز
للمكلّف الإفطار فيما إذا حصل له الاطمئنان بصحّة
أخبارهم برؤية الهلال ونحو ذلك. وما ذكره المصنّف
«ره» ـ من أنّه يمكن الاعتماد

في مثل ذلك بشهادة
العدلين منهم، كما إذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين
ونحوه ـ غير صحيح على إطلاقه، فإنّه إذا باع مثلاً
متاعاً إلى حلول الشهر الفلاني، وأخبر المنجّم
برؤية الهلال في الليلة الفلانية، فلا يصحّ للبايع
مطالبة المشتري بالدّين في ذلك الزمان بمجرّد
الإخبار المزبور، حتّى فيما إذا كان عدلاً ووافقه
فيه منجّم عادل آخر، وذلك لعدم دخول أخبارهم في
الشهادة برؤية الهلال والبيّنة المعتبرة في ثبوت
رؤية الهلال أو غيرها هي الاخبار عن الرؤية أو
غيرها بالحسّ لا بالحساب والكتاب، كما لا يخفى.

الثاني: إنّ الإخبار عن الحوادث السفلية ـ
المعبَّر عنها بأحكام النجوم باعتبار كون أوضاعها
مجرّد علامات لتلك الحوادث ولا تأثير لها بنحو
العلّية ولا بنحو الاقتضاء ـ إن كان بنحو الجزم
والبتّ بحيث لا يحتمل أو لا يمكن عدم وقوع الحادثة
التي كشف عن وقوعها الوضع الفلكي حتّى بالتضرّع
والدعاء

إلى اللّه سبحانه والتوسّل إلى أوليائه أو
بالصدقة ونحوها فهو باطل، ويكفي في بطلانه وعدم
جوازه الأدلّة القاطعة من الكتاب والسنّة على
الترغيب في الدعاء والتوسّل والصدقة وغيرها مما
يتضرّع العبد إلى بارئه في دفع ملمّاته وكشف
نوائبه. ويدلّ أيضاً على ذلك مثل خبر المنجم الذي
أتاه (ع) عند مسيره إلى أهل النهروان، حيث لم يسأل
سلام اللّه عليه ـ على ما في الخبر ـ عن كون إخباره
بما ذكر باعتقاد أنّ للطالع تأثيراً وأنّه كاشف، بل
إنّما أنكر عليه إخباره البتي بقوله: «ومن صدقك
بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه».

وبما ذكرنا ظهر أنّ ما ذكره المصنّف «ره»
من أنّه لا حرج قطعاً على من حكم قطعاً بنزول المطر
في هذه الليلة لا يمكن المساعدة عليه بإطلاقه.
والحاصل أنّ هذا القسم من الإخبار داخل في التنجيم
المنكر في الأخبار، وإن كان المخبر بالحوادث كذلك
غير جازم بها، ومعذلك أخبر بها جزماً يكون إخباره
محرّماً من جهة الكذب أيضاً. ولو أخبر بها احتمالاً
ظنّاً أو تخميناً مع التزامه بأنّ الأُمور بيد
اللّه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده علم الغيب، لما كان
به بأس، كما يظهر وجهه بالتأمّل فيما ذكرنا. وليس في
البين خبر معتبر يكون مقتضاه عدم جواز ذلك أيضاً،
بل في بعض الأخبار ما يقتضي جوازه.

ويلحق بهذا القسم ما إذا اعتقد بأنّ
لأوضاع الكواكب دخلاً وتأثيراً في الحوادث
السفلية، إلا أنّه بنحو الاقتضاء، وبأنّ اللّه
مختار لا مغلول اليدين يمحو ما يشاء ويثبت بحيث
يمكن التخلف بمثل التضرّع والتوسّل والصدقة وغيرها
مما أُشير في الآيات والأخبار إلى الاهتمام بها.
ويظهر هذا النحو من الاقتضاء من بعض الأخبار كالتي
أوردها المصنّف «ره» في الوجه الثالث من وجوه ربط
الحركات الفلكية بالكائنات، إلا أنّها لضعفها
سنداً لا تصلح للاعتماد عليها في القول والاعتقاد
كما لا يخفى.

لا يقال: يلزم أن يكون إخبار المنجّم عن
الأوضاع الفلكية كخبره عن رؤية الهلال في الليلة
الفلانية معتبراً، فإنّ الرجوع إلى أهل الخبرة مما
جرى عليه سيرة العقلاء من أهل الملل وغيرهم.

فإنّه يقال: لو سلّم أنّ المنجّم من أهل
الخبرة بالإضافة إلى مثل رؤية الهلال، فلا اعتبار
بقوله أيضاً، للردع عن السيرة المشار إليها في
الأخبار المتعدّدة وأمرهم (ع) بالصوم للرؤية
وبالإفطار لها، وفي الصحيحة عن مولانا
أميرالمؤمنين (ع): «لا أُجيز في الهلال إلا شهادة
رجلين» إلى غير ذلك، بل لم يحرز السيرة على
الاعتناء بأخبار الثقة من أهل الخبرة في الأُمور
التي يمكن لعامّة الناس معرفتها عن حسّ، بلا حاجة
إلى إعمال النظر، كرفة الخسوف أو الكسوف ونحوهما
كما لا يخفى.

ومعلوم من دين الرسول (ص) ضرورة[1].

[1] أي تكذيب المنجّمين في دعاويهم
والاستهانة بهم ونسبتهم إلى العجز، وأنّهم لا
يتمكّنون من دفع شرّ عن إنسان أو جلب خير إليه معلوم
بالضرورة في الدّين، والتكذيب والاستهانة بهم
والتعجيز لهم في الأخبار لا تحصى.

ثم انّه لا فرق في أكثر العبارات[2].

[2] ذكر في هذا الوجه من وجوه اعتقاد الربط
خمسُ فرق:

الأُولى: من أنكر الصانع جلّ ذكره ويعتقد
استقلال تأثير الحركات.

الثانية: من التزم بوجود الصانع جلّ ذكره
مع تعطيله عن التصرّف في الحوادث السفلية بعد خلق
الأجرام العلوية القديمة زماناً والمدبّرة لتلك
الحوادث.

الثالثة: من التزم بما ذكر، ولكن تكون
الأجرام حادثة عنده زماناً.

الرابعة: من اعتقد بكون الأجرام العلوية
تابعة في حركاتها لإرادة اللّه تعالى، وأنّ اللّه
يفعل ما في العالم الأسفل، وتلك الأجرام بحركاتها
كالآلة بالإضافة إلى مشيّة اللّه.

الخامسة: من اعتقد بما ذكر، غير أنّه
يعتقد أنّ تلك الأجرام في حركاتها مختارة باختيار
يكون عين اختياره تعالى. ثمّ إنّه «قدس سره» ذكر في
الوجه الثاني من وجوه الربط أنّ الأوضاع الفلكية
تفعل الآثار المنسوبة إلى اللّه، واللّه سبحانه هو
المؤثّر الأعظم. ولم يظهر فرق بين الربط المذكور في
الوجه الثاني، وبين الفرقتين الرابعة والخامسة من
هذا الوجه، فلاحظ.

الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق
الثلاث[3].

[3] لم يظهر أنّ مجرّد الاعتقاد بتفويض
التدبير إلى الأجرام العلوية موجباً للكفر، سواء
قيل بحدوثها زماناً أو بقدمها كذلك، وإلا لكان
القائل باستغناء الشيء في بقائه عن العلّة محكوماً
بالكفر، باعتبار عدم التزامه باستناد الحوادث إلى
اللّه سبحانه وتعالى. نعم بطلان تأثير الأجرام
العلوية في الحوادث السفلية من الواضحات، وتأثيرها
فيها بنحو العلّة التامّة خلاف الآيات والروايات
الدالّة على الترغيب في الدعاء والتضرّع إلى اللّه
سبحانه في دفع الملمات والبلايا، ونزول البركات،
فإنّ لازم ما ذكر كون اللّه تعالى مغلول اليدين لا
يفعل شيئاً ولا يفيد الدعاء والتضرّع إليه أمراً،
وإنكار إضافة الحوادث إلى اللّه تعالى مع الالتفات
إلى وضوحها بحسب الآيات والروايات يكون موجباً
للكفر، باعتبار انتهائه إلى إنكار الكتاب العزيز
على ذلك فالأُولى من الفرق الخمس محكومة بالكفر،
باعتبار إنكارها الصانع، جلّت قدرته.

وأمّا الأربعة الباقية، فلا يحكم بكفرها
إلا مع التفاتها إلى أنّ اعتقادها على خلاف الكتاب
والسنّة حتّى ينتهي ذلك إلى إنكار النبوّة، كما في
إنكار سائر الأحكام الثابتة في الشريعة، وكيف كان
فإن أراد المصنّف «ره» بقوله: «إذ الظاهر عدم
الإشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفّار»
الكفر حتّى مع عدم الالتفات إلى ما ذكر من دلالة
الكتاب المجيد على استناد الحوادث إلى اللّه
سبحانه، فيمكن التأمّل فيه بالإضافة إلى الفرقة
الثانية والفرقة الثالثة، كما مرّ.

ومنه يظهر أنّ ما رتّبه (ع) على تصديق
المنجّم[1].

[1] أي كما أنّ ما في بعض الأخبار من كون
المنجّم بمنزلة الساحر، والساحر كالكافر لا يدلّ
على كفر المنجّم بمعناه الحقيقي، كذلك ما رتّب في
بعض الروايات على تصديق المنجّم. من كون تصديقه
تكذيباً للقرآن واستغناءاً عن اللّه سبحانه لا
يقتضي كفر المصدّق للمنجّم أو كون المنجّم كافراً،
بل يراد منه إبطال قول المنجّم، وأنّ قوله مخالف
للقرآن المجيد الداعي إلى الاستعانة باللّه في دفع
المكاره وجلب الخير، وسائر الأُمور.

وبعبارة أُخرى: كون تصديق المنجّم
تكذيباً للقرآن من قبيل الاستدلال على بطلان الشيء
بإنهائه إلى التالي الباطل ومن الظاهر أنّ
الالتزام بشيء مع ترتّب باطل عليه ولو كان ذلك
التالي تكذيب القرآن أو دلالته لا يوجب الكفر، إلا
مع التفات ذلك الملتزم إلى الترتب، والتزامه به معه. مثلاً إذا أفتى
بما يخالف ظاهر القرآن، مع عدم التفاته إلى أنّ هذا
الحكم وارد فيه أو عدم التفاته إلى دلالته لا يكون
افتاؤه هذا موجباً لكفره، ومن هذا القبيل قوله: من
صدّق منجّماً أو كاهناً فقد كفر بما أُنزل على
محمّد، فإنّه ليس مدلوله كفر المنجّم، بل المراد
كذبه وترتّب الباطل على تصديقه، حيث أنّ الشارع عدّ
المنجّم كاذباً، فتصديقه يكون تكذيباً للشارع.
والقرينة على أنّه لا يرد ترتّب الكفر على مجرّد
تصديقه، هي عطف الكاهن عليه، حيث أنّ الكهانة فضلاً
عن تصديقه لا يوجب كفراً بلا ارتياب.

في كتب الضلال

حفظ كتب الضلال حرام في الجملة[1].

[1] المراد بحفظ كتب الضلال ما يعمّ
اقتناءها واستنساخها واستدلّ «ره» على حرمته
بوجوه:

الأوّل: حكم العقل، يعني استقلاله بقبح
التحفّظ على مادّة الفساد والضلال، فيحكم بحرمته
بقاعدة الملازمة، وفيه أنّ حكم العقل غير مسلّم
وإلا لاستقلّ العقل بإزالة كلّ ما فيه أو منه
الفساد، كالهجوم على أهل الكفر والشرك ومحو شوكتهم
ومعابدهم وكتبهم، فإنّهم وما معهم منشأ الفساد على
الأرض، ولا استقلال للعقل بذلك ووجوب الجهاد حكم شرعي تعبّدي لا لحكم
العقل بلزوم قهر الناس على الإيمان، مع أنّ الدنيا
دار امتحان يكون فيها الخيار بين الهدى والضلال
والكفر والإيمان.

الثاني: قوله سبحانه: «ومن الناس من يشتري
لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علم ويتّخذها
هزواً أُولئك لهم عذاب مهين»(121)،
ولا يخفى أنّه على تقدير كون المراد بالاشتراء ما
يعمّ مطلق الأخذ والاقتناء، فلا تكون في الآية
دلالة على الحرمة فيما إذا لم يكن غرضه إضلال الناس
وميلهم عن الهداية، كما إذا جعل الكتاب المزبور في
مكتبته حتّى يكون فيها من كلّ باب كتاب.

الثالث: قوله سبحانه: «واجتنبوا قول
الزور»(122) أي الباطل، وفيه أنّ
الأمر بالاجتناب عن قول الزور تركه وعدم إيجاده بأن
لا يكذب ولا يفتري. وأمّا إبقاء قول الزور وعدم محوه
فيما إذا كان بإيجاد الغير وإحداثه فلا ظهور في
الآية بالإضافة إلى حكمه، وعلى الجملة القول ظاهره
المعنى المصدري، فيكون النهي عنه نهياً عن إيجاده.

الرابع: قوله في تحف العقول: «إنّما حرّم
الصناعة التي يجيء منه الفساد محضاً» بل قوله قبل
ذلك: «ما يقوى به الكفر» وفيه أنّ رواية تحف العقول
لا يمكن الاعتماد بها مع أنّها لا تعمّ ما إذا كانت
في استنساخ كتب الضلال واقتنائها مصلحة مباحة غير
نادرة.

الخامس: قوله (ع) في رواية عبدالملك حيث
شكا إلى الصادق (ع) «إنّي ابتليت بالنظر إلى النجوم،
فقال: أتقضي؟ قلت: نعم، قال: احرق كتبك» وفيه أنّ
المطلوب في المقام إثبات وجوب محو الكتب المزبورة
نفسياً، بأن كان أحد الوظائف الشرعية محو كتب
الضلال، فإن كان الأمر بالإحراق في الرواية ظاهراً
في الإيجاب النفسي يتعدّى إلى المقام، باعتبار أنّ
كتبه لو لم تكن أكثر فساداً من كتب النجوم فلا أقلّ
من مساواتها لها. وأمّا إذا كان الأمر المزبور
ظاهراً في الإرشاد إلى الخلاص من القضاء المحرّم،

فلا يمكن في المقام إلا إثبات الأمر الإرشادي، مع
إحراز ترتّب الحرام على الحفظ. ولا ريب في أنّ ظهور
الأمر بالإحراق هو الثاني. وعلى كلّ حال فلا يثبت
بالرواية مع الإغماض عن سندها وجوب محو كتب الضلال
وعدم جواز إبقائها حتّى مع الاطمئنان بعدم ترتب
الحرام عليها. والأظهر في المقام أن يقال بناءاً
على وجوب دفع المنكر كما لو استفدناه من أدلّة
النهي عن المنكر يتعيّن في المقام الالتزام بوجوب
محو كتب الضلال التي لا يترتب عليها إلا الضلال.
وأمّا إذا لم نقل به فيمكن القول بعدم جواز
الاستنساخ والحفظ، فيما إذا كان المترتّب عليها
الاضلال بآية النهي عن شراء اللهو. وأمّا وجوب
المحو فلا دليل عليه، كما لا يخفى.

نعم، المصلحة الموهومة[1].

[1] بمعنى أنّه لا يجوز إبقاء كتب الضلال
فيما إذا كان ذلك معرضاً لترتّب الفساد عليها، ولا
أثر لاحتمال ترتّب مصلحة أقوى على إبقائها، فيما
إذا كان الاحتمال موهوماً وكذا لا يجوز إبقاؤها
فيما إذا كان ترتّب الفساد عليها قطعياً والمصلحة
المترتبة من قبيل المنفعة النادرة التي لا يعتد
بها، وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك، بأن كان ترتّب
الفساد موهوماً أو كانت المصلحة المترتبة أقوى من
الفساد أو أقرب احتمالاً من ترتّب الفساد، ففي جميع
ذلك لا دليل على حرمة حفظها كما هو مقتضى الميزان
الوارد في رواية تحف العقول،

والاستفصال المذكور
في رواية عبدالملك المتقدّمة فإنّه لو تمّ الاطلاق
في ناحية مثل قوله سبحانه: «واجتنبوا قول الزور»
فلابدّ من رفع اليد عنه بدلالة حديث تحف العقول
والرواية، اللّهمّ إلا أن يدّعى الإجماع على حرمة
الإبقاء مطلقاً أو يلتزم بإطلاق معقد نفي الخلاف،
ومع هذهالدعوى أو الالتزام فلا عبرة بترتّب الفساد
وعدمه، بل لابدّ من تنقيح العنوان الذي وقع مورد
الإجماع أو نفي الخلاف، وأنّ المراد بكتب الضلال
فيه الكتب التي تكون مطالبها باطلة وإن لم توجب
ضلالاً، أو أنّ المراد بها الكتب التي تكون موجبة
للضلال، وإن كانت مطالبها حقّة، كبعض كتب العرفاء
والحكماء المشتملة على ظواهر مضلّة، ويدّعون أنّ
المراد غير ظاهرها.

أقول: ما ذكره من دعوى الإجماع واستفادته
من نفي الخلاف غير صحيح، فإنّ الإجماع لا يحرز إلا
في مسألة تعرّض لحكمها معظم الفقهاء أو جميعهم مع
اتفاقهم على ذلك الحكم، ونفي الخلاف يكفي فيه اتفاق
جماعة قليل تعرّضوا للمسألة فكيف تكون دعوى نفي
الخلاف كاشفة عن الإجماع مع أنّ الإجماع في المقام
محصّلة لا قيمة له فضلاً عن منقوله، حيث أنّ الظاهر
ـ ولا اقلّ من الاحتمال ـ كون المدرك في حكمهم بحرمة
الحفظ ما ذكر من حكم العقل الموهوم أو دلالة الآية.

قبل نسخ دينهما[2].

[2] التقييد بما قبل نسخ دينهما باعتبار أن
اليهود والنصارى بعد نسخ دينهما في ضلال،
باعتبادهما ببقاء الدين المنسوخ فلا يوجب لهم
التحريف في كتابهما ضلالاً آخر.

إذ ما من كاغذ إلا وله قيمة[1].

[1] أي إنّ إحراقها إتلاف للكاغذ المفروض
استيلاء المسلمين عليه وله قيمة فلا يجوز الإتلاف،
وكيف كان فيظهر من كلام الشيخ «ره» أنّ التوراة
والإنجيل من كتب الضلال فيجب تمزيقهما والانتفاع
بكاغذهما، وأورد عليه المصنّف «ره» بأنّه لا دليل
على وجوب المحو إلا فيما إذا كان موجباً للضلال،
ومع عدم إيجابه له، فمع بطلان مطالبه لا يجوز بيعه
باعتبار عدم كونه مالاً، وأمّا محوه فلا دليل عليه.

أقول: مجرّد بطلان مطالب كتاب لا يوجب
خروجه عن المالية شرعاً حتّى لا يجوز المعاوضة
عليه، كما في الكتب التي تؤلّف من مجموع قضايا
جعلية لغاية تفريج الهمّ عن قاريها ومثل هذه يجوز
بيعها وشراؤها، لكونها مالاً شرعاً باعتبار ترتّب
المصلحة المقصودة المباحة عليها حتّى مع عدم إظهار
مؤلّفها بأنّ هذه القضايا الواردة في الكتاب
جعلية، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى أنّ الموجب لكون
المكتوب أو الكلام كاذباً قصد الكاتب أو المتكلّم
لا اعتقاد المطالع والمسامع.

ولو كان باطلاً في نفسه خارجاً عن
المالية[2].

[2] يعني لو كان بعض الكتاب باطلاً وخارجاً
عن المالية الشرعية وإن لم يكن موجباً للضلال وباعه
بعوض، فتبطل المعاوضة بالإضافة إلى ذلك البعض.

أقول: لا يكون بيع كتاب منحلاً إلى بيوع
متعددة بالإضافة إلى أبعاضه خارجاً، فإنّ المعيار
في الانحلال وعدمه نظر العرف كما مرّ، ولذا لو باع
كتاباً بعنوان أنّه الكتاب الفلاني وظهر مشتملاً
على بعض الأوراق من ذلك الكتاب يحكم ببطلان البيع
رأساً، وبالجملة فبما أنّ البيع في الفرض لا يصحّ
بالإضافة إلى الكتاب تعيّن بطلانه على قرار ما
تقدّم في بيع الصنم مع كون مادّته مالاً.

حكم حلق اللحية

ينبغي في المقام التعرّض لحكم اللحية،
فنقول: ذكر صاحب الحدائق «ره» في آداب الحمّمام
الظاهر كما استظهره جماعة من الأصحاب كما عرفت
تحريم حلق اللحية، لخبر المسخ المروي عن
أميرالمؤمنين (ع)، فإنّه لا يقع إلا على ارتكاب أمر
محرّم مبالغ في التحريم، انتهى. وربّما يقال إنّ
تعبير «ره» بالظاهر لا بالأظهر فيه إشارة إلى تسالم
الأصحاب على الحكم، ولكن ملاحظة تعبيرات الحدائق
في المسائل كافية في الجزم بأنّ مثل هذا التعبير
منه «ره» لا يشير إلا إلى اجتهاده، وذكر صاحب
الجواهر «ره» في باب الاحلال من إحرام الحج بحلق
الرأس أنّه ليس للنساء حلق، لنهي رسول اللّه (ص) أن
تحلق المرأة رأسها في الإحلال لا مطلقاً، فإنّ
الظاهر عدم حرمته لها في غير المصاب المفضي إلى
الجزع، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر اللّهمّ
إلا أن تكون الشهرة بين الأصحاب تصلح جابرة لنحو
المرسل المزبور بناءً على إرادة الاطلاق فيكون
كحلق اللحية للرجال، انتهى.

وحاصل مرامه أنّه لا يجوز للمرأة حلق
رأسها عند إحلالها من إحرام حجّ أو غيره وكذا للجزع
عند المصيبة، ويجوز في غير ذلك. وحرمته عند الاحلال
لنهي رسول اللّه (ص) أن تحلق المرأة رأسها المحمول
على الاحلال، وأمّا جوازه في سائر الأحوال فلأصالة
الحلّية السالمة عن المعارض المعتبر، إلا أن يقال
بحرمته عليها مطلقاً أخذاً بإطلاق هذه المرسلة
المنجبر ضعفها بالشهرة على تقدير إرادة الاطلاق،
فيكون حرمته عليها كحرمة حلق اللحية على الرجال،
وهذا ـ كما ترى ـ لا يدلّ على ثبوت الشهرة على
الحرمة في حلق الرجل لحيته، بل مقتضاه حرمته عند
صاحب الجواهر.

والحاصل أنّي لم أظفر على ما يدلّ على
الشهرة بين الأصحاب في حرمة حلق اللحية، وأمّا ما
استدلّ به على الحرمة فأُمور:

منها: قوله سبحانه حكاية عن إبليس عليه
اللعنة «ولآمرنّهم فليغيّرن خلق اللّه»(123) بدعوى أنّ ما يأمر به إبليس لا يكون
إلا فعلاً محرّماً، وحلق اللحية من تغيير خلق
اللّه، ولكن لا يخفى أنّ مثل حلق اللحية لو كان
تغييراً لخلق اللّه ومحرّماً باعتبار ذلك لكان شقّ
الطرق في الجبال، وحفر الآبار، وزرع الأشجار
وغيرها، تغييراً لخلقة اللّه تعالى، والالتزام
بحرمتها غير ممكن وحلّيتها بتخصيص الآية باعتبار
كونه من تخصيص الأكثر غير ممكن، فلابدّ من حمل
الآية على مثل الفطرة لمخلوق جميع الناس عليها على
ما يشير إليها قوله سبحانه: «فطرة اللّه التي فطر
الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه»(124) والمراد من تغييرها إفسادها بجعل
النفس مركزاً لطرح الشرور ومولداً لنيات السوء أو
على غيرها مما لا قرينة في الآية على تعيينه.

الثاني: انّ الروايات الواردة في حفّ
الشوارب وإعفاء اللحية كمرسلة الصدوق «ره» قال:
«قال رسول اللّه (ص): حفوا الشوارب واعفوا اللحى ولا
تشبّهوا باليهود»(125)، وفي
الأُخرى قال: «قال رسول اللّه (ص) إنّ المجوس جزّوا
لحاهم ووفّروا شواربهم، وأمّا نحن نجزّ الشوارب
ونعفى اللحى وهي الفطرة»(126)،
وفيه أنّ مثل هذه الروايات حتّى مع الإغماض عن
أسانيدها لا دلالة لها على حرمة حلق اللحية، فإنّ
الحف عبارة عن الجز والقطع، والإعفاء التوفير، ومن
الظاهر أنّ توفير اللحية غير واجب قطعااً،

بل
الواجب على تقديره رؤية الشعر في الوجه، فلابدّ من
حملها على الاستحباب، والمراد بعدم التشبّه
باليهود عدم تطويل اللحية بما هو خارج عن المتعارف
أو زائد على القبضة، كما كان يفعل اليهود على ما قيل
في رواية حبابة الوالبية، قالت: «رأيت
أميرالمؤمنين (ع) في شرطة الخميس، ومعه درة لها
سبابتان يضرب بها بياع الجرّي والمارماهي
والزمّار، ويقول لهم: يا بيّاعي مسوخ بني إسرائيل
وجند بني مروان، فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا
أميرالمؤمنين وما جند بني مروان؟ قال فقال له:
أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمُسخوا»(127)، وظاهرها مع الإغماض عن سندها
عدم جواز حلق اللحية مع تفتيل الشوارب لا مطلقاً،
كما لا يخفى.

الثالث: ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر
نقلاً عن كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي صاحب الرضا (ع)، قال: سألته عن الرجل هل يصلح
له أن يأخذ من لحيته؟ قال: أما من عارضيه فلا بأس،
وأمّا من مقدّمها فلا»(128)،
ولكن ظاهره عدم جواز الأخذ من مقدّم اللحية، وهذا
لا يمكن الالتزام به، وحمله على جواز حلق العارضين
دون مقدّم اللحية بلا قرينة غير ممكن، وإسناد ابن
إدريس إلى جامع البزنطي غير معروف لنا، ولكن رواه
أيضاً علي بن جعفر في كتابه.

وقد ذكرنا أنّ طريق
صاحب الوسائل إلى كتابه ينتهي إلى الشيخ «ره»، وسند
الشيخ «ره» إلى الكتاب المزبور صحيح. وفي معتبرة
سدير الصيرفي، قال: «رأيت أباجعفر (ع) يأخذ عارضيه
ويبطن لحيته»(129)، وفي دلالتها
على الاستحباب أيضاً تأمّل، لاحتمال كون ذلك من
اختياره (ع) أحد أفراد المباح، كما لا يخفى.

الوجه الرابع: أنّ رواية الجعفريات «حلق
اللحية من المثلة، من مثّل فعليه لعنة اللّه» وأورد
على الاستدلال بها على الحرمة بأنّ مجرّد اللعن على
فعل لا يدلّ على حرمته، وقد ورد اللّعن في ترك بعض
المستحبّات، مثل قوله (ع): «ملعون من أخّر الصلاة»
وأجاب عنه السيد الخوئي طالب قاه ـ كما في تقريراته
ـ بأنّ اللّعن على فعل غير الإخبار بكون الشخص
ملعوناً، فإنّ الإخبار بكونه ملعوناً وبعيداً عن
اللّه ربّما يكون منشأه ارتكاب المكروهات، وهذا
بخلاف إنشاء اللعن على المؤمن، فإنّه لا يكون إلا
مع ارتكابه فعلاً محرّماً، وقوله (ع) «ومن مثّل
فعليه لعنة اللّه» من قبيل إنشاء اللّعن على فاعل
المثلة بخلاف قوله: «ملعون من أخّر الصلاة».

ولا يخفى ما في الإشكال والجواب، فإنّ
اللعن ليس هو البعد مطلقاً بل البعد الناشئ عن
الطرد والغضب، وهذا لا يكون إلا مع حرمة الفعل، ولا
يفرق في ذلك بين إنشائه أو الإخبار بكون الفاعل
لكذا ملعوناً ومطروداً، حيث انّه لو لم يكن فعله
محرّماً فلا موجب لطرده ولعنه، واللّعن في مثل
تأخير الصلاة عن وقتها محمول على مثل ما إذا كان
التأخير للاستخفاف بها.

ثمّ انّ المعتبر في تحقّق عنوان المثلة
أمران:

أحدهما: إيقاع النقص بالغير.

وثانيهما: كون الإيقاع بقصد هتكه وتحقيره.
فلا يتحقّق العنوان فيما إذا حلق الإنسان لحيته
بداعي تجميله أو نحوه، كما هو موضوع البحث.
والمستفاد من الرواية أنّ حلق لحية الغير بقصد هتكه
والتنقيص به مثلة حكماً أو موضوعاً.

هذا مع أنّ رواية الجعفريات لا تكون حجّة
على الحكم ولا على حرمة المثلة، فإنّه لم يثبت أنّ
النسخة المأخوذة منها هذه بعينها كتاب موسى بن
إسماعيل بن موسى (ع) ووصل إلى سهل بن أحمد بن سهل،
ومنه إلى الحسين بن عبيداللّه بواسطة محمد بن محمد
الأشعث.

ومما ذكرنا يظهر أنّه لا بأس بقطع عضو
الميت الكافر في العملية المتعارفة في زماننا،
وجعله مكان العضو الفاسد من إنسان آخر، كما لا بأس
بخرق جسده لغرض الاطلاع على أوضاع الجسد المعبّر عن
ذلك بالتشريح للطبابة. نعم لا يجوز ذلك بالإضافة
إلى أعضاء الميت المسلم باعتبار وجوب دفنها وحرمة
هتكه حيّاً وميّتاً.

والمتحصّل في المقام انّ الأخبار الدالّة
على إعفاء اللحية وتطويله مع ضعف إسنادها لا تصلح
للاعتماد عليها والحكم بوجوب تطويلها، حتّى في فرض
تقييد تلك الأخبار بما ورد في بعض الروايات(130) من تحديد اللحية بالقبضة، بأن
يقال الواجب تطويلها إلى القبضة، حيث أنّه مع
الإغماض عن سند المقيد لم يعهد من أحد الإفتاء
بوجوب تطويلها كذلك، سواء التزم بحرمة تطويلها بعد
الحدّ المزبور كما هو ظاهر بعضها حيث ذكر فيها، وما
زاد عن القبضة ففي النار أو قيل بكراهته واستظهارها
من مرسلة يونس عن أبي عبداللّه (ع)

في قدر اللحية
قال: «تقبض بيدك على اللحية وتجز ما فضل» أو من ذيل
مرسلة الصدوق المتقدّمة من قوله «ولا تشبّهوا
باليهود»، ومع ذلك فلا يمكن الإفتاء بجواز حلق
اللحية وعدم وجوب رعاية الاحتياط، وذلك لأنّ
المرتكز في أذهان المتشرّعة عدم جواز حلقها، وإن
كان في انتهاء هذا الارتكاز إلى عصر الشارع المقدّس
تأمّل، لاحتمال حدوثه أخيراً بالرجوع إلى جماعة
أفتوا بحرمته واللّه سبحانه هو العالم، ولا يخفى
أنّ حرمة حلق اللحية على تقدير القول بها من جهة
الروايات أو دعوى سيرة المتدينين أو ارتكاز الحرمة
تكون كسائر المحرّمات ساقطة عند الاضطرار أو
الإكراه أو المزاحمة بتكليف آخر مساو أو أهم، ولو
لم يمكن رعاية التكليف الآخر الأهم بل المساوي إلا
مع حلقها جاز.

/ 12