بيع مواد آلات القمار - إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب - نسخه متنی

میرزاجواد تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بيع مواد آلات القمار

مثل ما يعملونه شبه الكرة[1].

[1] الترثة اسم لما يعملونه شبه الكرة،
والصولجان هو العصا الذي يضربون به الترث عند
اللعب، وحيث لم يكن في البين رهن لا يدخل اللعب في
القمار حتّى يحكم بحرمته، فلا بأس ببيع ما كان من
هذا القبيل مما يعد للعب فقط كان هنا رهن أو لا، ولا
يدخل ذلك في المعاملة على الآلات المعدة للقمار،
كما لا يخفى.

بناءً على جواز ذلك[2].

[2] أي بناءً على جواز مثل التزيين بها أو
دفعها إلى الظالم، بأن يجوز إبقاؤها ولا يجب
إتلافها، ولا يخفى أنّ مثل الدفع إلى الظالم لا
يكون من المنفعة المقصودة الموجبة للمالية. نعم
فائدة التزيين ونحوه من المنفعة المقصودة، كما
أشرنا إلى ذلك في أواني الذهب والفضة. ثمّ إنّه يقع
الكلام في الدراهم أو الدنانير المغشوشة كان غشّها
من جهة مادّتها أو سكتها، بأن كانت السكّة فيها غير
التي تكون بها المعاملة في جهتين؛ الأُولى:
اقتناؤها، والثانية: صحّة المعاملة بها على تقديري
جواز الاقتناء وعدمه.

أمّا الجهة الأُولى فقد يقال بعدم جواز
الاقتناء ويستدلّ عليه برواية الجعفي، قال: «كنت
عند أبي عبداللّه (ع)، فأُلقي بين يديه دراهم، فألقى
إليّ درهماً منها، فقال: أيش هذا؟ فقلت: ستوق، فقال:
وما الستوق؟ فقال: طبقتين فضّة وطبقة من نحاس وطبقة
من فضّة، فقال: اكسرها فإنّه لا يحلّ بيع هذا ولا
إنفاقه»(66)،

وظاهر الأمر
بالكسر إزالة عنوان الدهرم أو الدينار وإسقاطه عن
كونه معرضاً للبيع والإنفاق، ولكنّ الرواية في
نفسها ضعيفة ومعارضة بما دلّ على جواز المعاملة
بالمغشوش مع إعلام حاله حيث أنّ مقتضى جواز بيع
المغشوش كذلك جواز اقتنائه، ففي صحيحة محمد بن مسلم
المروية في الباب المزبور قال: «قلت لأبي عبداللّه
(ع): الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره،
ثمّ يبيعها، قال: إذا بيّن (الناس) ذلك فلا بأس»(67) ونحوها غيرها.

ويستدلّ على عدم جواز الاقتناء برواية
موسى بن بكر، قال: «كنّا عند أبي الحسن (ع)، وإذا
دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينار فأخذه بيده
ثمّ قطعه بنصفين، ثمّ قال لي: ألقه في البالوعة حتّى
لا يبقاع شيء فيه غش»(68)،
والأمر بإلقائه في البالوعة ظاهر في وجوب إزالته،
ويعمّ الوجوب كلّ ما فيه غش، ولو لم يكن درهماً كما
هو مقتضى التعليل. هذا، ولكن لابدّ من حملها على
صورة عدم كون مادّته مالاً، وإلا يكون إلقاؤه في
البالوعة ـ خصوصاً بعد كسره ـ من تبذير المال، مع
أنّها أيضاً باعتبار ضعف سندها غير قابلة للاعتماد
عليها في مقابل ما تقدّم من المعتبرة الدالّة على
جواز المعاملة بالمغشوش مع بيان حاله.

بطل البيع[1].

[1] ظاهر كلامه صورة وقوع المعاملة على
الشخص لا الكلي، وإلا لكان للطرف الاستبدال لا
بطلانها أو ثبوت الخيار، وإذا وقعت المعاملة على
الشخص، فإن وقعت بعنوان الدرهم المسكوك بالسكة
الرائجة، وكان الغش في السكة يحكم ببطلان
المعاملة، فإنّ السكة الرائجة من الأوصاف المقوّمة
للمال،

فيكون تخلّفها موجباً لبطلانها، وكذا إذا
كان الغش في المادة، بحيث يوجب انتفاء عنوان الدرهم
عنه، وإلا كان للآخر خيار العيب، وأمّا إذا وقعت
عليها المعاملة بعنوان الذهب أو الفضة، وكان الغش
باعتبار السكة، فلا يوجب التخلّف خياراً لا العيب
ولا التدليس، بل خيار التدليس غير خارج عن خيار
العيب أو تخلّف الوصف المشروط، فما يظهر من كلامه
«ره» ـ من ثبوت خيار التدليس في الفرض (أي في صورة
وقوع المعاملة على المادة وثبوت الخلاف في السكّة)
ـ لا يمكن المساعدة عليه.

وهذا بخلاف ما تقدّم من الآلات[2].

[2] لم يظهر لي وجه ربط هذا الكلام بما
قبله، حيث أنّ الدرهم أيضاً إذا بيع بعنوان أنّه
درهم مسكوك بالسكّة الرائجة فظهر غيره يحكم ببطلان
بيعه، ولا يصحّ البيع بالإضافة إلى مادّته من الذهب
أو الفضة، والوجه في ذلك ما ذكرناه من كونه مسكوكاً
بها كالهيئة في الآلات والصنم مقوم للمبيع، وبما
أنّ المبيع في الفرض بنظر العرف شيء واحد لا تعدّد
فيه، وقد بيع بثمن، فإمّا يصحّ البيع مطلقاً أو
يبطل مطلقاً، وإنّما يكون الانحلال في موارد تعدّد
المبيع بنظر العرف، بحيث ينحلّ البيع إلى بيع كلّ
واحد من لك المتعدّد، كما أنّه إذا لم يكن الوصف
عنواناً مقوّماً للمبيع، بل كان من الأوصاف التي
تكون داعية إلى زيادة القيمة، فإن ظهر التخلّف فيها
يثبت خيار الفسخ، ولو كان الوصف أمراً فاسداً،
فبطلان البيع مع اشتراطه مبنيّ على كون الشرط
الفاسد مفسداً، نعم لا كلام في البطلان في مورد
قيام دليل خاص عليه كما في بيع الجارية المغنّية
على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

بيع ما يقصد منه الحرام

القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان[1].

[1] وحاصله أنّ في المقام مسائل ثلاث:

الأُولى: ما إذا كان توافقهما على خصوص
المنفعة المحرّمة.

الثانية: ما إذا كان الملحوظ كلتا
المنفعتين المحلّلة والمحرّمة كما هو الحال في بذل
الثمن للجارية المغنية.

الثالثة: ما إذا كانت المنفعة المحرّمة
واستعمال الشيء في الحرام داعياً لهما إلى
المعاملة، كما إذا اشترى العنب وكان قصدهما
تخميره، ولكن بلا التزام منهما خارجاً أو اشتراطه
في المعاملة.

ثمّ إنّه لا إشكال في فساد المعاملة
وحرمتها في الأُولى، حيث أنّ المعاملة مع الالتزام
والإلزام بالمنفعة المحرّمة تكون إعانة على الإثم،
وأخذ العوض أكلاً له بالباطل، سواء ذكرا هذا
الإلزام والالتزام في العقد بعنوان الشرط أم لا.

أقول: إثبات الحرمة للمعاملة المزبورة
تكليفاً ووضعاً موقوف على حرمة مجرّد الإعانة على
الاثم، وكون أكل الثمن فيها أكلاً له بالباطل، ولكن
المحرّم هو التعاون على المعصية والعدوان، بأن
يجتمع اثنان أو أكثر على تحقيق الحرام وإيجاده،
وصدور الحرام عن شخص وتحقيق مقدّمة من مقدّماته من
شخص آخر المعبّر عن تحقيق المقدّمة بالإعانة على
الاثم لا يكون من التعاون على ذلك الحرام، ولو كان
مجرّد الإعانة على الاثم محرّماً، لكان بيع العنب
ممن يعمله خمراً حراماً تكليفاً،

حتّى مع عدم
اشتراط التخمير وعدم قصد البايع ذلك، وكذا لا يمكن
الالتزام بالفساد، فإنّ الثمن في المعاملة لا يقع
بإزاء الشرط أو المنفعة، بل إنّما يقع بإزاء نفس
المبيع، وبما أنّ للمبيع منفعة محلّلة ومالية
شرعاً يكون الحكم بالفساد مع اشتراط المنفعة
المحرّمة مبنياً على كون الشرط الفاسد مفسداً
للعقد، هذا كلّه بالإضافة إلى البيع.

وأمّا بالإضافة إلى الاجارة فإن كان
الشرط راجعاً إلى تضييق مورد الاجارة وتقييدها
بالمنفعة المحرّمة تكون باطلة باعتبار أنّ أخذ
الاجرة بإزاء تلك المنفعة من أكل المال بالباطل،
وهذا بخلاف ما إذا رجع الشرط إلى التزام زائد على
أصل الاجارة بحيث يكون التخلّف من المستأجر

في مثل
الشرط موجباً لثبوت خيار الفسخ للموجر لا المطالبة
بأُجرة المثل عمّا أتلفها عليه من المنفعة، فإنّ مع
عدم تقييد مورد الاجارة تكون بطلانها باشتراط
الحرام مبتنياً على مسألة فساد العقد بفساد الشرط،
نعم في رواية جابر (صابر) قال: «سألت أبا عبداللّه (ع)
عن الرجل يؤاجر بيتاً فيباع فيه الخمر قال: حرام
أجره»(69)، ولكنّها لو حملت على
صورة تقييد المنفعة فهو، وإلا فلا يمكن الاعتماد
عليها لضعفها سنداً ومعارضتها بحسنة ابن أُذينة،
قال: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) أسأله عن رجل يؤاجر
سفينته ودابّته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر،
والخنازير، قال: لا بأس»(70).

هذا، مع أنّ الروايتين غير ناظرتين إلى
صورة الاشتراط، وما ذكره «ره» ـ في الجمع بين
الروايتين من حمل الثانية على صورة اتفاق حمل الخمر
أو الخنزير من غير أن يؤخذ ركناً أو شرطاً في العقد
ـ لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ كون الحرمة متيقّنة
ـ من رواية بالإضافة إلى أمر والجواز من رواية
أُخرى بالإضافة إلى أمر آخر ـ لا يوجب كون كلّ منهما
قرينة عرفية على التصرّف في الأُخرى، كما تقدّم ذلك
في علاج المعارضة بين ما ورد من أنّ ثمن العذرة سحت،
وما ورد من عدم البأس به ولعلّه إلى ذلك أشار «ره»
في آخر كلامه بقوله «فتأمّل».

والحاصل أنّه لو تمّ الحكم بالبطلان في
المسألة الثالثة الآتية ثبت في هذه المسألة أيضاً
بالفحوى، والا فلا موجب للالتزام في المسألة
بالفساد، بل ولا لحرمة المعاملة تكليفاً، نعم شراء
المشتري العنب للتخمير داخل في التجري، وإلزام
البايع داخل في ترغيب الناس للحرام، وهذا لا يوجب
حرمة نفس المعاملة كما لا يخفى.

نعم، لا بأس بالالتزام بالحرمة تكليفاً
في بيع العنب حتّى فيما إذا كان التخمير مما التزم
به المتعاقدان خارجاً بلا اشتراطه في البيع بفحوى
اللعن الوارد على غارس الخمر، ولكن الحرمة لا تقتضي
فساده كما هو المقرّر في محلّه. وربّما يقال في وجه
بطلان المعاملة ـ في مثل بيع العنب بشرط أن يصنعه
خمراً ـ أنّ هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، ووجه
منافاته له أنّه كما أنّ بيع الشيء مع اشتراط عدم
الانتفاع به أصلاً مساوق لاشتراط عدم ملك المبيع
للمشتري وعدم كونه مالاً له، كذلك اشتراط

عدم
الانتفاع به انتفاعاً حلالاً، حيث أنّ هذا الشرط مع
انضمام منع الشارع عن التخمير مثلاً إسقاط للعنب عن
كونه ملكاً ومالاً للمشتري من جهة التخمير ومن جهة
سائر المنافع، فلا يتمّ البيع الذي حقيقته جعل
المبيع ملكاً ومالاً للمشتري بإزاء الثمن، وهذا
الفساد لا يرتبط بالقول بكون الشرط الفاسد مفسداً،
فإنّ تلك المسألة فيما إذا لم يكن الشرط موجباً
لفقد شرط أو ركن من أصل المعاملة، وإلا كان أصل
العقد باطلاً حتّى مع الالتزام فيها بعدم الإفساد.

أقول: الموجب لبطلان الشرط بل بطلان
المعاملة معه فيما إذا كان الشرط منافياً لمقتضى
العقد هو عدم قصد إنشاء المعاملة مع الشرط المزبور،
مثلاً في قول البايع بعتك هذه العين بكذا بشرط أن لا
تدخل في ملكك كان الشرط باطلاً ومبطلاً للبيع،
لرجوعه إلى عدم قصده تمليكها للمشتري، مع أنّ البيع
هو تمليك العين بعوض، وأمّا إذا كان الشرط ملائماً
لجعل الملك واعتبار دخول المبيع في ملك المشتري،
كما إذا قال بعتك هذا المال على أن يخرج عن ملكك،
فيدخل في مسألة كون الشرط الفاسد مفسداً أم لا.

وهذا
في المورد الذييكون الخروج عن الملك محتاجاً إلى
سبب، وإلا فلا بأس بالشرط في مثل بيع العبد من ابنه
الحرّ بشرط خروجه عن ملكه، واشتراط عدم الانتفاع
بالمبيع أصلاً لا يلازم عدم دخول العين في ملك
المشتري، بل يصحّ البيع والشرط معاً فيما إذا كان
في الاشتراط غرض عقلائي، كما إذا باعه قطعة من
الذهب واشترط أن لا ينتفع بها أصلاً، وكان غرضه
بقاؤها حتّى تصل إلى ورثة المشتري. وأمّا إذا لم يكن
فيه غرض عقلائي كان الشرط باطلاً، كما إذا باع
العنب واشترط عدم الانتفاع به أصلاً، حيث أنّ الشرط
ـ لكونه سفهائياً والعمل به تبذيراً للمال ـ باطل،
ولكن لا ينافي هذا الاشتراط قصد دخول العنب في ملك
المشتري.

لا يقال: العنب مع الشرط المزبور لا يكون
مالاً، فيكون أكل الثمن بإزائه من أكل المال
بالباطل.

فإنّه يقال: إنّما لا يكون العنب مالاً
فيما إذا كان الشرط نافذاً، وأمّا مع إلغائه كما هو
مقتضى كون الشرط سفهائياً، فلا يدخل تملّك الثمن
بإزاء العنب في العنوان المزبور.

والحاصل: انّ اعتبار الملك للمشتري لا
ينافي اشتراط عدم انتفاعه بالمبيع، بل الشرط
المزبور ينافي كونه مالاً مع نفوذه ولزومه،
والمفروض أنّه غير لازم وغير نافذ حتّى في اعتبار
العقلاء، فيكون المبيع ملكاً ومالاً للمشتري، كما
هو مقتضى اطلاق دليل حل البيع، وهذا فيما إذا اشترط
في البيع عدم الانتفاع بالمبيع أصلاً بأيّ انتفاع،
وأمّا إذا كان الشرط عدم الانتفاع المحلّل أو
الانتفاع به بالمحرّم فلا ينافي الشرط الملك، ولا
كون المبيع مالاً، وذلك فإنّ اعتبار شيء ملكاً
للمشتري ومالاً له في اعتبار المتعاقدين لا يتوقّف
على ثبوت المنفعة المحلّلة له،

ولذا يتعاملون فيما
بينهم على الخمر وغيرها مما لا منفعة محلّلة له.
وعلى ذلك فبيع العنب مع اشتراط تخميره بيع في
اعتبار العقلاء، وبما أنّ دليل إمضاء الشروط لا
يعمّ اشتراط تخميره فالشرط المزبور ملغى، وبعد
إلغائه لا مانع من شمول «أحلّ اللّهُ البيعَ» لبيع
العنب واعتبار كونه ملكاً ومالاً للمشتري، لأنّ
المفروض أنّ العنب مال حتّى شرعاً لثبوت المنفعة
المحلّلة له، ولو كانت تلك المنفعة ملغاة عند
المتعاقدين باشتراط التخمير.

وذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أنّ
المعاملة مع اشتراط المنفعة المحرّمة وإن كانت
صحيحة، إلا أنّها محرّمة تكليفاً، وذكر في وجه ذلك
أنّ إلزام الغير بالمحرّم ـ كإكراهه عليه ـ حرام،
فالمعاملة المشتملة على الشرط الحرام بما أنّها
إلزام للغير بالمحرم تكون محرّمة. ولكن حرمتها بهذا
العنوان كحرمتها بسائر العناوين الطارئة عليها لا
تكون موجبة لفسادها.

ولا يخفى ما فيه فإنّ الشرط في مثل
التخمير من الأعمال ليس بنفسه إلزاماً للغير، بل هو
التزام على نفسه للغير، وإذا تمّ هذا الالتزام يكون
للغير حقّ إلزامه، فيكون الإلزام من آثار صحّة
الشرط لا نفس الشرط الذي لا حرمة فيه إلا وضعاً. نعم
هو قسم من التجرّي، والحاصل أنّ الإلزام في شرط
الأعمال فعل للمشروط له وخارج عن أصل المعاملة
وشرطها، وأثر لتمام الشرط فيها، فلا يترتب فيما إذا
لم يتمّ الشرط، كما إذا كان المشروط عملاً محرّماً.

والفرق بين مؤاجرة البيت[1].

[1] كأنّه «ره» يريد دفع ما يمكن أن يقال من
أنّه قد ورد المنع في رواية جابر المتقدّمة عن
إيجار البيت ليباع فيه الخمر، وقد حمل «ره» تلك
الرواية على صورة الاشتراط بأن يشترط في إيجارها
استيفاء منفعة البيت ببيع الخمر فيها، أو أن يجعل
تلك المنفعة ركناً، بأن يكون متعلق التمليك في
الاجارة خصوص قابلية البيت لبيع الخمر فيه ولا يرضى
«ره» أن يحمل على الاشتراط ما ورد في بيع الخشب ممن
يصنعه صنما[ً أو صليباً، فما الفرق بينهما؟ وأجاب
بالفرق بينهما وأنّ الاشتراط في مثل بيع الخشب بعيد
عن المسلم، بخلاف اجارة البيت لبيع الخمر أو
إحرازها فيه، بأن يجعل بيعها فيه أو إحرازها ركناً
في عقد الاجارة أو شرطاً فيه، فإنّ صدور هذا النحو
من الايجار من المسلم غير بعيد، كما إذا كانت
الاجرة في مقابل تلك المنفعة زائدة على أُجرة سائر
منافعها، وبما أنّ السائل يحتمل حرمة هذا الإيجار
وفساده فسأل الإمام (ع) عن حكمه.

مع أن الجزء أقبل للتفكيك بينه وبين الجزء
الآخر[1].

[1] كأنّه «ره» يريد بيان وجه بطلان
المعاملة رأساً في مورد اشتراط صرف المبيع في
الحرام، مع أنّ المفروض أنّ للمبيع منفعة محلّلة
مقصودة. وحاصل الوجه أنّه قد تقدّم في بيع آلات
القمار ونحوها بطلان المعاملة رأساً وعدم انحلالها
إلى المعاملة على الهيئة والمعاملة على المادّة،
حتّى تبطل الأُولى وتصحّ الثانية، مع أنّ كلاً من
الهيئة والمادة جزء الشيء، وانحلال المعاملة على
الكلّ إلى المعاملة على الأجزاء أولى مما نحن فيه،
مما تكون المعاملة جارية على الشرط والمشروط.
والمراد بالشرط المنفعة المحرّمة وبالمشروط نفس
الشيء.

وبعبارة أُخرى لا يكون مع بذل الثمن على
الشيء بلحاظ منفعته المحرّمة انحلال في المعاملة
لتبطل بالاضافة إلى الشرط، وتصح بالاضافة إلى أصل
المشروط.

أقول: هذا الكلام باطل ، والسرّ في ذلك أنّ
الثمن في البيع لا يقع بإزاء الشرط أو المنفعة من
غير فرق بين المحلّل منهما أو المحرّم، ولذا لا
يثبت مع تخلّف الشرط أو المنفعة إلا الخيار لا
تبعيض الثمن. وعلى ذلك ففي مورد بطلان الشرط الذي في
نفسه التزام آخر غير أصل البيع لا موجب لبطلان نفس
البيع، وهذا بخلاف صورة كون الهيئة مما لا يتموّل
شرعاً، كآلات القمار، فإنّه لا يمكن فيها تصحيح
البيع بالإضافة إلى المادّة بعد بطلانه بالإضافة
إلى الهيئة، لما تقدّم من أنّ الثمن في بيعها يقع
بإزاء الهيئة والمادة بما هما شيء واحد، فلا يصحّ
البيع بالإضافة إلى أحدهما بعد بطلانه بالإضافة
إلى الآخر، فلاحظ وتدبّر.

ويحرم المعاوضة على الجارية المغنية[2].

[2] حاصل ما أفاده «ره» أنّه إذا كانت في
العين صفة يقصد منها الحرام ككون الجارية مغنّية
والعبد ماهراً في القمار أو السرقة فللبيع صور
ثلاث:

الأُولى: ما إذا جرت المعاملة على تلك
العين ولوحظ فيها الوصف المزبور بأن زيد الثمن
باعتباره، ويجعل ذلك الوصف شرطاً في تلك المعاملة،
ففي هذه الصورة يحكم ببطلانها باعتبار أنّ تقسيط
الثمن على الوصف غير متعارف، وإنّما يكون الوصف
داعياً إلى زيادة الثمن، فيكون أخذ ذلك الثمن بإزاء
تلك العين المشروط فيها الوصف المزبور من تملّكه
بالباطل.

الثانية: ما إذا اشترى الجارية المغنّية
بما هي جارية، أي لم يشترط في بيعها كونها مغنّية،
بحيث لو فرض عدم ثبوت الوصف فيها واقعاً لم يثبت في
اعتبار المتعاملين للمشتري خيار تخلّف الوصف، ففي
هذه الصورة يصحّ البيع حتّى فيما إذا كان الوصف
داعياً إلى شرائها، بل وبذل ثمن زائد عليها، حيث
أنّ مع عدم اشتراط وصف كونها مغنّية لا يكون أخذ
الثمن بإزائها من أكله بالباطل.

الثالثة: ما إذا جعل كونها مغنّية شرطاً
في المعاملة وزيد ثمنها باعتبار الوصف، إلا أنّه لم
يقصدا الحرام من ذلك الوصف بل جعلاه شرطاً باعتبار
أنّه وصف كمال قد يصرف في المحلل، بأن يكون منشأ
للحلال، كالغناء في الأعراس، ففي هذه الصورة مع كون
المنفعة المحلّلة المترتبة على الوصف مقصودة
للعقلاء ولم تكن نادرة فلا بأس بالبيع المزبور.

وأمّا إذا كانت نادرة فهل يكون الوصف
المشروط المترتب عليه المنفعة الغالبة المحرّمة مع
المنفعة النادرة المحلّلة على الفرض، كالعين التي
لها منفعة غالبة محرّمة ومنفعة نادرة محلّلة، بأن
لا يجوز البيع بمجرّد تلك المنفعة النادرة أو أنّه
لا بأس باشتراط الوصف المزبور، ولا يقاس الوصف
بالعين؟ ذكر «ره» أنّ الأقوى عدم الإلحاق والحكم
بصحّة بيع الجارية المغنّية مع شرط كونها مغنّية
بلحاظ أنّها صفة كمال تصرف في الحلال ولو نادراً.
وما ورد من أنّ ثمن الجارية المغنية سحت منصرف إلى
الغالب، يعني إلى البيع في الصورة الأُولى، ووجه
القوّة أنّ الجارية لها منفعة مقصودة محلّلة
كالاستمتاع بها واشتراط كونها مغنّية إنّما توجب
كون المأخوذ في مقابلها أكلاً للمال بالباطل، فيما
إذا كان المقصود من الصفة هو الحرام ومع عدم قصد
الحرام لا توجب ذلك، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن في
العين إلا المنفعة المحلّلة النادرة غير الملحوظة
عند العقلاء، حيث يكون أكل الثمن بإزائها من أكله
بالباطل.

أقول: إذا لم يكن الوصف من الأوصاف
المقوّمة للمبيع يكون الثمن في المعاملة بإزاء نفس
العين، حتّى في صورة اشتراطه في المعاملة، وليس شرط
الوصف قيداً للمبيع، بل كما هو المقرر في محلّه
التزام آخر غير أصل المعاملة، وحقيقة اشتراط الوصف
هو جعل المشتري الخيار لنفسه في صورة تخلّف ذلك
الوصف، ولو فرض بطلان هذا الجعل، فلا بأس بشمول
«أحلّ اللّهُ البيعَ» لأصل المبادلة، وكيف يكون
أخذ الثمن بإزاء الجارية من أكله بالباطل، مع أنّ
الجارية ـ المفروض وقوع تمام الثمن بإزائها في
نفسها ـ من الأموال.

والحاصل أنّ الحكم بالبطلان في المقام
على خلاف القاعدة وللنص الوارد في أنّ ثمن الجارية
سحت. والنصّ المزبور يعمّ الصورة الثالثة أيضاً.
ودعوى انصرافه إلى الصورة الأُولى فقط بلا وجه. نعم
لا يعمّ الصورة الثانية لظهوره في بيع الجارية
المغنّية بما هي مغنّية، وفي تلك الصورة يكون بيعها
بما هي جارية كما لا يخفى. وعلى ذلك، فإن أمكن
الاطمئنان بعدم الفرق في الحكم بين بيع الجارية
المغنّية وبين مثل بيع العبد الماهر في القمار
يتعدّى عن مورد النصّ وإلا فيقتصر على مورده.

يحرم بيع العنب ممن يعمله خمراً[1].

[1] تعرّض «ره» أوّلاً لما إذا باع مثلاً
العنب ممن يعمله خمراً ويكون داعيه إلى بيعه منه
تخميره، ونفى في هذه الصورة الإشكال والخلاف في
حرمة البيع، وظاهر الحرمة عند إضافتها إلى البيع،
وإن كان هو الفساد، إلا أنّ تعليلها بكون البيع
إعانة على الإثم قرينة على كون المراد هو التكليف.
ثمّ تعرّض لما باع العنب مثلاً ممن يعمله خمراً من
غير أن يكون داعيه إلى بيعه منه تخميره، بحيث يبيعه
منه حتّى لو لم يعمله خمراً، وذكر أنّ الأكثر في هذا
الفرض على الجواز لبعض الأخبار، كصحيحة عمر بن
أُذينة، قال: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) أسأله عن
رجل له كرم، أيبيع العنب والتمر ممن يعلم أنّه
يجعله خمراً أو سكراً؟ فقال: إنّما باعه حلالاً في
الابان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه»(71)،

ورواية أبي كهمس، قال: «سأل
رجل أبا عبداللّه (ع) عن العصير فقال: لي كرم وأنا
أعصره كلّ سنة وأجعله في الدنان ـ إلى أن قال (ع) ـ هو
ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنّه يصنعه خمراً»(72) ونحوهما غيرهما، وفي مقابلهما
صحيحة ابن أُذينة ومعتبرة عمرو بن حريث، وفي
الأُولى: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) عن رجل له خشب،
فباعه ممن يتخذه صلباناً قال: لا»(73)،
وفي ثانيهما، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع) عن التوت
أبيعه ممن يصنع الصليب والصنم؟ قال: لا»(74)،

وعن بعض الجمع بين الطائفتين بحمل
الناهية على صورة اشتراط المنفعة المحرّمة على
المشتري والمجوّزة على غير صورة الاشتراط. وأورد
«ره» على ذلك بأنّه بعيد، فإنّه لا يكون للمسلم داع
فيما إذا باع شيئاً إلى أن يشترط على مشتريه
استعماله في الحرام ثمّ يسأل الإمام (ع) عن ذلك، فلا
يمكن حمل صحيحة ابن أُذينة ونحوها على ذلك، وذكر
«ره» وجهين آخرين في الجمع بينهما:

الأوّل: حمل الناهية على الكراهة بشهادة
صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه (ع) أنّه «سُئل عن بيع
العصير ممن يصنعه خمراً، فقال: بيعه ممن يطبخه أو
يصنعه خلاً أحبُّ إليّ، ولا أرى بالأوّل بأساً»(75) حيث أنّ التعبير عن ترك البيع
بالأحبّ ونفي البأس بعده قرينة على الكراهة.

والثاني: الالتزام بالمنع والتحريم في
بيع الخشب ممن يصنعه صليباً أو صنماً، كما هو مفاد
الطائفة الثانية وبالجواز في غيرهما، وقال: إنّ هذا
الجمع قول فصل لو لم يكن قولاً بالفصل، يعني تفصيل
في المسألة لو لم يكن خرقاً للإجماع المركّب.

أقول: المتعيّن هذا الوجه وحمل الجواز على
كونه بنحو الكراهة غير ممكن، وذلك فإنّه قد ورد في
صحيحة رفاعة قوله (ع): «ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله
شراباً خبيثاً»(76) حيث لا يمكن
الالتزام باستمراره (ع) على ارتكاب المكروه، بل لا
يمكن ذلك حتى في صحيحة عمر بن أُذينة فإنّه ذكر (ع)
فيها جواز بيع الخشب ممن يصنعه برابط ثمّ منع عن
بيعه ممن يعمله صنماً أو صليباً.

والحاصل أنّ المتعيّن هو الوجه الأخير،
يعني أنّ بيع الشيء ممن يجعله هيكل عبادة صنماً أو
صليباً لا يجوز تكليفاً كما مرّ، بخلاف البيع في
غير ذلك فإنّه جائز بلا كراهة، نعم يستحبّ اختيار
المشتري الذي يصرف الشيء في الحلال كما هو مقتضى
التعبير بصيغة التفضيل في صحيحة الحلبي المتقدّمة
التي جعلها «ره» شاهدة الجمع بين الطائفتين.

بيع العنب ممن يعمله خمراً

فقد يستدل على حرمة البيع[1].

[1] قد يقال: إنّ الأخبار المجوّزة لا يمكن
الأخذ بها، بل لابدّ من إرجاع علمها إلى الأئمة (ع)،
فإنّ جواز بيع مثل العنب ممن يعلم أنّه يصنعه خمراً
مخالف لحكم العقل القطعي وللكتاب المجيد. أمّا
العقد، فإنّه يستقلّ بقبح إعانة الغير في جرمه
وتهيئة المقدّمة له، وإن شئت قلت إنّ تهيئة
المقدّمة للجرم الصادر عن الغير بنفسه جرم، ولذا
يؤخذ الشخص بها في المحاكم الدولية وفي القوانين
الدارجة عند العقلاء، حتّى فيما لو فرض عدم صدق
التعاون على ذلك الجرم، ألا ترى أنّ من أعان السارق

وهيّأ له الأسباب يحكم عليه في تلك المحاكم
بالجزاء. وقد ورد في الشرع أيضاً ـ فيما لو أمسك أحد
شخصاً وقتله الآخر ورأهما ثالث ـ أنّ القاتل يقتل،
والممسك يحبس والناظر تسمل عيناه. والظاهر عدم
الفرق بين ما كانت تهيئة المقدّمات بداعي توصّل
الغير إلى الجرم والحرام أو غيره، مثلاً تسليم
السلم إلى السارق وبيعه منه قبيح، حتّى وإن لم يكن
التسليم بداعي وصول السارق إلى جرمه. نعم القبح في
صورة كون داعيه وصوله إليه أوضح.

والحاصل أنّ حكم العقل بقبح تهيئة مقدّمة
الحرام الصادر عن الغير كاف في كشف عدم جوازه شرعاً.

أقول: الظاهر أنّه اشتبه على هذا القائل
الجليل مسألة منع الغير عن المنكر الذي يريد فعله،
ومسألة إعانة الغير على الحرام يعني فعل المكلّف ما
هو مقدّمة للحرام الصادر عن الغير، حيث أنّ منع
الغير عن المنكر مع التمكّن منه واجب.

ويمكن الاستدلال على وجوبه بحكم العقل
باستحقاق الذمّ فيما إذا ترك المنع مع التمكّن منه
ولزوم منعه عن جرمه مع التمكّن منه هو المراعى في
تلك القوانين الدارجة عند العقلاء، كما إذا باع
السارق سلماً مع علمه بأنّ السارع يستعمله في سرقة
الأموال، فلا يؤخذ على بيعه فيما إذا ثبت أنّه لم
يكن يترتّب على ترك بيعه ترك سرقتها، كما إذا كان
السارق في بلد يباع في جميع أطرافه السلم، بحيث لو
لم يبيع هذا السلم منه لأخذ السلم من غيره، ولو ممن
لا يعرفه بأنّه سارق، وفي مثل ذلك لا يؤخذ البايع
ببيعه بل يقبل اعتذاره عن البيع بما ذكر، مع ثبوته.
وما ذكر من الرواية ناظر إلى هذه الجهة، وإلا لم يكن
وجه لتسميل عيني الناظر، فإنّه لم يرتكب الجرم ولم
يساعد عليه، بل إنّما لم يمنع عن القتل، ولا بُعد في
كون الجزاء لعدم المنع مختلفاً بأنحاء عدم المنع.

وعلى الجملة، حكم العقل والمراعى في بناء
العقلاء هو التمكّن من منع الغير عمّا يريده من
الجرم، ونلتزم بذلك أيضاً ونقول بعدم جواز بيع
الخشب أو العنب فيما لو لم يبعهما من المشتري
المزبور لما يكون في الخارج خمراً أو آلة قمار.

وأمّا إذا أحرز أنّه لو لم يبعه لاشترى من
غيره، فمثل ذلك يدخل في مسألة إعانة الغير على
الحرام. ولا دليل على قبح هذه الاعانة ولا على
حرمتها إلا في مورد الإعانة على الظلم، فإنّها غير
جائزة شرعاً، كما سيأتي.

ويظهر أيضاً جوازها في غير ذلك المورد من
بعض الروايات كموثقة ابن فضال، قال: «كتبت إلى أبي
الحسن الرضا (ع) أسأله عن قوم عندنا يصلّون ولا
يصومون شهر رمضان، وربما احتجت إليهم يحصدون لي،
فإذا دعوتهم إلى الحصاد لم يجيبوني حتّى أُطعمهم،
وهم يجدون من يطعمهم، فيذهبون إليهم ويدعوني، وأنا
أضيق من إطعامهم في شهر رمضان، فكتب بخطّه أعرفه
أطعمهم»(77)، وحملها على صورة
الاضطرار إلى الإطعام لا تساعده قرينة، فإنّ
المذكور في الرواية احتياج المعطي إلى عملهم،
والحاجة غير الاضطرار الرافع للتكليف، كما أنّ
حملها على صورة كونهم معذورين في الإفطار يدفعه
إطلاق الجواب وعدم الاستفصال فيه عن ذلك.

وأمّا مخالفة تلك الأخبار للكتاب المجيد،
فقد قيل إنّها تخالف قوله سبحانه: «ولا تعاونوا على
الإثم والعدوان»(78)، وهذا
الوجه على تقدير تماميته لا يقتضي إلا حرمة البيع
المزبور تكليفاً لإفساده وضعاً، حيث إنّ انطباق
عنوان محرّم على المعاملة مساوق لتعلّق النهي بها،
ولكنّ النهي في الآية لا يكون تحريماً بل يناسب
التنزيه، وقد ذكر في مقابل الأمر بالتعاون على
البرّ والتقوى ولا ريب في أنّ البرّ والتقوى غير
واجبين بإطلاقهما فضلاً عن التعاون عليهما.

أقول: هذا الإيراد ضعيف غايته، لما ذكرنا
في الأُصول من أنّ قيام قرينة على رفع اليد عن ظهور
بعض الخطاب لا يوجب رفع اليد عن ظهور بعضه الآخر،
وفي المقام أيضاً الأمر ظاهر في الوجوب والنهي ظاهر
في التحريم، ولكن قد علم أنّ متعلّق الأمر في الآية
غير واجب، وباعتبار القرينة نرفع اليد عن ظهوره.
وأمّا رفع اليد عن ظهور النهي في التحريم فهو بلا
وجه.

الأمر الثاني: وهو الصحيح كما ذكرنا
سابقاً، أنّ التعاون على الإثم غير الإعانة عليه،
والمستفاد من الآية حرمة الأول لا الثاني،
والتعاون على الإثم عبارة عن اجتماع اثنين أو أكثر
على إيجاد الحرام، كما إذا اجتمع جماعة على هدم
مسجد أو قتل شخص أو غير ذلك، مما يكون فيه كلّ بعض
معيناً للبعض الآخر في تحقيق ذلك العمل. وأمّا إذا
كان الحرام صادراً عن الغير فقط، والذي يفعله هذا
الشخص دخيل ومقدّمة للحرام الصادر عن ذلك الغير،
كما إذا أعطى الخشب لمن يريد صنع آلة القمار أو
الغناء،

فهذه إعانة على الإثم ولا دلالة في الآية
المباركة على حرمتها. نعم لا شبهة في حرمة إعانة
الظالم على ظلمه، فإنّ ذلك مقتضى غير واحد من
الروايات، ففي صحيحة أبي حمزة عن علي بن الحسين:
«إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين»(79)، وفي رواية الحسين بن زيد عن الصادق (ع)
قال: «ألا ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جعل اللّه
ذلك السوط يوم القيامة ثعباناً من النار طوله سبعون
ذراعاً»(80).

الأمر الثالث: ما أشار إليه المصنّف «ره»
بقوله: «وقد يستشكل في صدق الإعانة» وحاصله أنّه
يعتبر في صدق الإعانة على الإثم على فعل المكلّف
قصده الحرام، بأن يكون داعيه إلى ذلك الفعل توصّل
الغير ووصوله إلى الحرام. والمفروض في مثل مسألة
بيع العنب ممن يعلم أنّه يعمله خمراً عدم قصد
البايع ذلك، بل قصده وداعيه إلى البيع هو حصول ملك
العنب للمشتري، سواء صرفه في الحلال أو الحرام.
وربّما يضاف إلى اعتبار قصد الحرام اعتبار تحقّق
ذلك الحرام من الغير، وإلا فلا يكون فعل الشخص
إعانة للغير على الحرام، بل القصد إلى الإعانة وهو
من التجري، كما لا يخفى.

وناقش المصنّف «ره» في هذا الأمر:

أوّلاً: بأنّه لا يعتبر في صدق عنوان
الإعانة على الحرام على فعل الشخص تحقّق الحرام من
الغير، ولو حصل الحرام منه لم يتعدّد عقاب الشخص من
جهة التجرّي ومن جهة إعانة الغير على الحرام.
والحاصل انّ الفعل من الشخص بقصد حصول الحرام من
الغير إعانة لذلك الغير على الحرام حصل ذلك الحرام
أم لا.

وثانياً: بأنّه يظهر من كلام الأكثر عدم
اعتبار القصد المزبور أيضاً في صدق عنوان الإعانة
على الحرام. مثلاً ذكر الشيخ «ره» في المبسوط في
الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه قوله
(ص): «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم
القيامة مكتوباً بين عينيه هذا آيس من رحمة اللّه»
حيث إنّ الممسك لطعامه لا يكون داعيه إلى الإمساك
قتل الآخر، وأيضاً استدلّ في التذكرة على حرمة بيع
السلاح من أعداء الدين بأنّ في البيع إعانة على
الظلم أي على ظلمهم على أهل الدِّين،

مع أنّ البايع
لم يقصد من بيعه ذلك. واستدلّ المحقّق الثاني على
حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحلّه بأنّ بيعه منه
إعانة على الإثم، مع أنّ غرض البايع من بيعه منه ليس
شرب المشتري. ويظهر عدم اعتبار القصد أيضاً من بعض
الأخبار كما ورد في أكل الطين «من أكل الطين فمات
فقد أعان على نفسه» مع أنّ داعي الإنسان إلى أكله لا
يكون موته، ومن هذا القبيل بعض الأخبار الواردة في
أعوان الظلمة.

أقول: لا ينبغي الارتياب في أنّه يعتبر في
صدق عنوان الإعانة على الحرام على عمل المكلّف
وإتيانه بالمقدمة صدور الحرام من الغير، وإلا
فيكون الاتيان بها مع اعتقاده حصول الحرام
تجرّياً، وكيف يكون إعانة للغير على الحرام، مع أنّ
الغير لم يفعل الحرام على الفرض. نعم في كون التجرّي
موجباً لاستحقاق العقاب كالعصيان كلام آخر. وأمّا
اعتبار القصد في صدق الإعانة على الحرام على فعل
المقدّمة، فإن أُريد الإتيان بالمقدمة لتوصل الغير
بها إلى الحرام، فهذا غير معتبر قطعاً، بل يكفي في
صدقها إحراز أنّ الغير يتوصّل بها إلى الحرام.

والحاصل أنّ عنوان الإعانة على الإثم لا
يزيد على سائر الأفعال التي يعتبر في صدقها أو
تعلّق الحكم بها التعمّد، كما إذا علم المكلّف في
نهار شهر رمضان أنّه لو ذهب إلى المكان الفلاني
يصبّ الماء في حلقه، وأنّه لو ألقى نفسه من الشاهق
لارتمس في الماء يكون أكله أو ارتماسه تعمّديّاً
ومفطراً للصوم.

اعانة الغير على المحرم

وقال المحقق الأردبيلي في آيات أحكامه[1].

[1] ذكر المحقّق الأردبيلي في كتابه (آيات
الأحكام) أنّه لا يعتبر في صدق الإعانة على الحرام
على فعل شخص خصوص القصد، أي كون داعيه إلى ذلك الفعل
وصول الغير إلى الحرام، بل ربما تصدق عرفاً بدون
ذلك القصد، كما في إعطاء العصا للظالم فيما إذا
أراد ضرب المظلوم، ولكن لا يصدق العنوان المزبور
على تجارة التجار فيما إذا علم بأنّ العشار سوف
يأخذ منه العشور، ولا على الحاج فيما إذا علم أنّه
يأخذ منه الظالم المال في الطريق ونحو ذلك، كما لا
يصدق على بيع العنب ممن يعلم أنّه يصنعه خمراً أو
الخشب ممن يصنعه آلة قمار، ولذا ورد في الرويات
الصحيحة جواز ذلك.

وأورد عليه المصنّف «ره» بأنّه لا فرق في
صدق الإعانة على الحرام بين إعطاء العصا للظالم مع
إرادته ضرب المظلوم، وبين بيع العنب ممن يعلم أنّه
يعمله خمراً أو بيع الخشب ممن يصنعه آلة القمار،
حيث أنّ في كلّ منهما يحصل بفعل المكلف أمر يمكن
للغير صرفه في الحرام أو الحلال، مع علم المكلّف
بصرف ذلك الغير في خصوص الحرام، فدعوى الفرق بين
إعطاء العصا في الفرض وبين بيع الخشب أو العنب
ممنوعة.

نعم فرق بينهما وبين مسألة تجارة التاجر أو
مسير الحاج في صدق الإعانة على الأوّلين دون
الأخيرة، وذلك فإنّ داعي المكلّف في الأوّلين إلى
فعله هو تمكين الغير والإتيان بأمر له، بخلاف تجارة
التاجر، فإنّ داعيه إلى تجارته كسب المال لنفسه لا
للعشار. نعم يعلم بأنّه يأخذ من ذلك المال ظلماً.
وبعبارة أُخرى: لا يكون في مثال التجارة أو السفر
للحج غرض المكلف إلى الفعل وصول الغير إلى الحرام،
ولا وصول الغير إلى ما هي مقدّمة لذلك الحرام،
بخلاف الأوّلين فإنّ الداعي فيهما أي الغاية وصول
ذلك الغير إلى مقدّمة الحرام، كما لا يخفى.

فإذا بنينا على أنّ شرط الحرام حرام مع
فعله توصلاً إلى الحرام[1].

[1] غرضه من هذا الكلام توجيه صدق الإعانة
على الحرام على فعل البايع وبيعه المبيع ممن يصرفه
في الحرام حتّى فيما لو قيل في صدق الإعانة على بيعه
باعتبار القصد، أي كون الداعي إلى بيعه وصول
المشتري إلى الحرام. وحاصل التوجيه أنّ تملّك
المشتري العنب مثلاً بقصد تخميره في نفسه حرام، كما
أنّ تخميره حرام آخر، وكذا شربه، فيكون بيع البايع
لغرض تملكّ المشتري العنب إعانة للمشتري على شرائه
المحرّم. نعم لو لم يكن المشتري حال الشراء قاصداً
تخميره، ولكن علم البايع بأنّه يبدو له ذلك، وأنّه
سوف يريد تخميره لا يكون بيع العنب منه إعانةً على
الشراء المحرّم، لعدم حرمة الشراء في الفرض. ومن
هذا القبيل شراء الفسّاق الطعام، فإنّهم لا يريدون
حين شرائه التقوّي به على الحرام والفسق، بل
يريدون الفسق والفجور بعد تملّكهم أو تناولهم ذلك
الطعام، فلا يكون بيعه منهم إعانة على الشراء
المحرّم.

ولكن يرد على هذا التوجيه أنّه لا يصحّ
إلا فيما إذا دلّ دليل خاصّ على حرمة الشراء بقصد
التوصّل إلى الحرام، ولا يبعد قيامه في تملّك العنب
بقصد تخميره، حيث يقتضيه فحوى لعن غارس الخمر.
وأمّا في غيره كشراءالخشب بقصد صنعه آلة القمار
مثلاً فليس في الشراء إلا التجري، والتجري يكون
بقصد صنع آلة القمار. ومن الظاهر أنّ بيع البايع ليس
إعانةً للمشتري على تجرّيه، أي قصده صنع آلة
القمار.

لا يقال: نفس الشراء وإن لم يكن تجرّياً
إلا أنّه مقدّمة للتجرّي فيكون محرّماً باعتبار
كونه مقدّمة له، ويكون بيع البايع إعانة على ذلك
الشراء المحرّم المفروض كونه مقدّمة للتجري.

فإنّه يقال: إنّما تكون مقدمة الحرام
محرّمة فيما إذا قصد الفاعل التوصّل بها إلى
الحرام. وفيما نحن فيه لا يمكن للمشتري قصد التوصّل
بالشراء إلى تجرّيه، حيث أنّ لازم ذلك أن يكون
تجرّيه أي قصده صنع آلة القمار مثلاً ناشئاً عن قصد
آخر، وهذا يستلزم التسلسل كما هو المقرّر في محلّه.

فافهم[1].

[1] لعلّه إشارة إلى أنّه لو كان التجرّي
بإرادة فرضاً لما كان نفس الشراء محرّماً أيضاً؛
لأنّ متعلّق الحرمة على الفرض هو الشراء مقيّداً
بقصد التوصّل إلى التجرّي، لا نفس الشراء مطلقاً.
والتجرّي ليس بمحرّم شرعاً حتّى تكون مقدّمته
محرّم، بل غاية الأمر كونه موجباً لاستحقاق الذمّ
والعقاب، كما لا يخفى.

إلا أن يريد الفحوى[2].

[2] لم يظهر وجه الفحوى، فإنّ حرمة الإعانة
على قتل مسلم أو الإضرار به لا يلازم وجوب إنقاذ
حياته أو دفع الضرر عنه، وبذل الطعام في المثال
إنقاذ للحياة، فتركه يكون تركاً للإنقاذ، لا إعانة
على الهلاك.

ثم انّه يمكن التقصير[3].

[3] وهذا بيان ضابط آخر لصدق عنوان الإعانة
على الحرام، وحاصله: أنّه إذا لم يكن داعي المكلف
إلى فعله ـ بيعاً كان أو غيره ـ توصّل الغير به إلى
الحرام، بل كان داعيه إلى فعله تحقيق نفس ما هي
مقدّمة للحرام الذي يعلم بإرادة الغير إيّاه، كما
إذا كان غرضه من بيعه تملّك المشتري الخشب أو
العنب، ولكن مع علمه بأنّه سوف يعمل أو يصنع خمراً
أو آلة القمار، ففي مثل هذا المورد مع عدا الفائدة
المترتبة على تلك المقدّمة الأمر المحرّم فقط، أي
المحرّم الذي يريده الغير،

كما في إعطاء السوط أو
السيف للظالم الذي يريد ضرب الآخر أو قتله يكون
الإتيان بالمقدّمة إعانة للغير على المحرّم، فلا
يجوز. وأمّا إذا لم تكن الفائدة المترتبة على تلك
المقدّمة منحصرة بالحرام عرفاً حتّى حال الإتيان
بها، فلا يكون مجرّد الإتيان بها حتّى مع العلم
بأنّ الغير يستفيد منها الحرام داخلاً في عنوان
الإعانة على الإثم. نعم، لو كان داعيه إليها توصّل
الغير بها إلى المحرّم لدخل في العنوان المزبور بلا
كلام.

والحاصل أنّه لو أحرز في مورد أنّ الفائدة
المترتّبة على المقدّمة منحصرة بالحرام عرفاً كان
الإتيان بها محرّماً باعتبار كونها إعانة على
الإثم، وكذا ما إذا كان داعي الفاعل توصّل الغير
بها إلى المحرّم، وإلا فلا موجب للحكم بحرمة
المقدّمة لعدم إحراز كونها إعانة على الإثم.

أقول: لعلّ هذا الكلام عين ما تقدّم عن
الأردبيلي «قدس سره» فلا وجه لعدّه تفصيلاً آخر كما
لا يخفى. والصحيح في المقام أن يقال: إنّ إعانة
الغير على عمله عبارة عن تقليل الكلفة عنه في ذلك
العمل بتهيئة مقدّمته، فلا يكون الإتيان بالشيء
إعانة له على ذلك العمل فيما إذا لم يكن تقليل
الكلفة عنه، كما في تجارة التجار أو مسير الحاج،
فإنّ هذا لا يكون تقليل كلفة الظلم الصادر من
العشار أو الظالم، بل فيهما تكثير لكلفته كما لا
يخفى، وكذا لا تحصل الإعانة فيما إذا كان العمل
الصادر عن الغير متوقفاً عليه عقلاً،

ولكن لا يحسب
ذلك الشيء مقدّمةً لذلك العمل، كما في بيع الطعام
ونحوه لأهل المعاصي، فإنّ المعصية الصادرة عن
الفاسق تتوقف عقلاً على قوّة جسمه وسلامة بدنه، إلا
أنّ بيع الطعام منه أو إعطاءه له مجّاناً لا يحسب
عرفاً مقدّمة لفسقه، ولذا يكون الفاسق بصدد تحصيل
مثل الطعام حتّى فيما إذا ندم وبنى على ترك فسقه.
وهذا بخلاف ما إذا عدّ الشيء عرفاً من مقدّمات
العمل الصادر عن الغير بحيث يكون في تحقيقها تقليل
لكلفة ذلكا لعمل عنه كما في إعطاء العنب للخمّار
مجّاناً أو بعوض، حيث أنّ التخمير يتوقّف عرفاً على
تحصيل العنب، وفي بيعه منه تقليل لكلفة طلبه، وكما
إعطاء السيف أو السوط للظالم مجّاناً أو بعوض، فإنّ
فيه تقليلاً لكلفة تحصيلهما عنه.

ثمّ إنّه لا يكون صدق الإعانة على الإثم
على فعل المقدّمة موقوفاً على كون الداعي إلى فعلها
توصّل الغير بها إلى ذلك الإثم، بل لا يعتبر العلم
أيضاً بتوصّل الغير بها إليه، ولو احتمل توصّله فمع
تحقّق الحرام من الغير يحصل عنوان الإعانة بفعل
المقدّمة. نعم مادام لم يحرز هذا التوصّل بوجه
معتبر يكون المكلف معذوراً في تحقيق تلك المقدّمة
كسائر الموارد التي لا يحرز فيها عنوان الحرام
بالشبهة الخارجية.

ومما ذكرنا ظهر أنّ بيع البايع العنب ممن
يعمله خمراً أو الخشب ممن يصنعه آلة القمار إعانة
للتخمير أو صنعة الحرام، ولو فرض الدليل على حرمة
الإعانة على الإثم والعدوان تكون دلالته على حرمة
الإعانة فيما إذا لم يكن الإثم ظلماً على الغير
نفساً أو عرضاً أو مالاً بالاطلاق، فيرفع اليد عن
هذا الاطلاق بمثل الأخبار المتقدّمة الظاهرة في
عدم البأس بالإعانة في مثل بيع العنب مما لم يكن
الفعل الصادر عن الغير ظلماً على الغير، حيث أنّ
الخطاب المزبور لا يزيد على سائر المطلقات التي
يرفع اليد عنها بالمقيّدات.

بيع الشيء ممن يصرفه في الحرام

ويمكن الاستدلال على حرمة بيع الشيء ممن
يعلم أنّه يصرف المبيع في الحرام بأنّ دفع

المنكر كرفعه واجب[1].

[1] حصال الاستدلال أنّ دفع المنكر أي
الفعل الحرام الصادر عن الغير كرفعه واجب على
المكلّفين، والمراد برفعه قطع استمراره فيما كان
له استمرار، كما إذا جعل حمام بيته بحيث يصبّ
غسالته في ملك الغير، والمراد بالدفع الممانعة عن
أصل صدوره، والحاصل أنّه إذا كان الصادر عن الغير
عملاً محرّماً يجب على السائرين منعه بقطع
استمراره أو الممانعة عن صدوره، وبما أنّ هذا
التكليف كسائر التكاليف لا يتعلّق بغير المقدور،
فيكون الواجب هو المنع المقدور. وعلى ذلك، فلو كان
المشتري المريد تخمير العنب حال شرائه بحيث لا يجد
العنب على تقدير عدم بيع هذا البايع، ففي الفرض
يكون البايع المزبور متمكّناً على منعه عن التخمير
بترك بيعه منه، فيجب. وأمّا لو كان بحيث لو لم يبع
منه العنب لحصّله من مصدر آخر ويحصل منه التخمير لا
محالة، فلا يكون ترك البايع البيع منه منعاً
للمشتري عن التخمير حتّى يجب.

لا يقال: أنّه لا فرق ـ على ذلك ـ في عدم
جواز بيع العنب من المشتري بين كون مريداً للتخمير
حال الشراء أو بدا له التخمير بعد شرائه، وكما لا
يجوز البيع في الأوّل كذلك في الثاني.

فإنّه يقال: لا يجب المنع عن المنكر في
الثاني، بل إنّما يجب فيما إذا كان الغير مريداً له
حال المنع. وأمّا الذي سيهمّ بالمنكر بعد ذلك فلا
دليل على وجوب تعجيزه فعلاً، حتّى لا يقصد المعصية
بعد ذلك، حيث أنّ الدليل النقلي على وجوب منع الغير
عن المنكر لا يدلّ على أزيد من ذلك، والعقل القاضي
بوجوب اللّطف يحكم بلزوم فعل ما يوجب قرب العباد إلى اللّه سبحانه.
ومما يوجب قربهم امتناعهم عن المنكر ولا يستقل عن
أزيد مما ذكر.

لا يقال: كما يحرم على البايع بيع العنب من
المشتري المزبور كذلك يحرم بيعه منه على سائر
الباعة، فلا يصحّ في حكم العقل ارتكاب البايع
المزبور الحرام وبيعه العنب منه معتذراً بأنّه لو
لم يبعه لباعه الآخر.

فإنّه يقال: إنّ هذا الكلام ـ أي عدم صحّة
الاعتذار ـ إنّما يجري فيما إذا كان العمل الواحد
حراماً على كلّ واحد من المكلّفين مستقلاً،
والمراد بالعمل الواحد إخراج طبيعي الفعل عن العدم
المعبّر عنه بصرف الوجود، مثلاً: لا يصحّ لمكلّف
هدم مسجد اعتذاراً، بأنّه لو لم يهدمه لهدمه
الآخرون. وأمّا إذا كان التكليف وجوبياً ومتعلّقاً
بإخراج الفعل إلى الوجود، وكان الفعل بحيث لا يحصل
خارجاً بفعل مكلّف واحد أو تركه، بل يحصل باجتماع
جميعهم على الفعل أو الترك، كما إذا وجب حمل ثقيل من
مكان إلى آخر،

وكان الحمل موقوفاً على اجتماع اثنين
أو أكثر على رفعه، ففي هذه الصورة لا يجب على
المكلّف إلا الرفع المقدور، والرفع المقدور له هو
الرفع الضمني لا الاستقلالي، وإذا فرض عدم شركة آخر
في رفعه لما وجب عليه رفعه، لأنّ رفعه في هذا الفرض
غير مقدور له، والوجوب لا يتعلّق بغير المقدور.
والأمر في المقام كذلك، فإنّ التكليف ـ وهو وجوب
منع الخمّار عن المنكر ـ يحصل باجتماع جميع باعة
العنب على ترك بيعه منه.

وبعبارة أُخرى: المقدور من المنع لهذا
البايع هو ترك بيع العنب منه عند ترك السائرين بيعه
منه، وعلى ذلك فيجوز له البيع مع إحرازه أنّه لو لم
يبعه لباعه الآخر، والوجه في الجواز عدم كون بيعه
في الفرض مخالفة لوجوب المنع عن المنكر. ولو شكّ في
قيام السائرين بالمنع بتركهم البيع منه كان مرجع
الشكّ إلى كونه متمكّناً فعلاً عن منع ذلك المشتري
عن المنكر أوّلاً، فإن قلنا بأنّ مورد الشكّ في
القدرة على الواجب ـ كما ادّعى ـ داخل في قاعدة
الاحتياط، فلا يجوز للمكلّف البيع منع. وأمّا لو
قلنا بأنّه من موارد الشكّ في التكليف،

وأنّه تجري
فيه أدلّة البراءة إلا مع إحراز القدرة بوجه معتبر،
ولو كان ذلك الوجه المعتبر هو الاستصحاب كان المورد
من موارد البراءة. والظاهر من أوّل كلام المصنّف
«ره» جعله من موارد الرجوع إلى البراءة، حيث قال:
«ثمّ إنّ هذا الاستدلال يحسن مع علم البايع بأنّه
لو لم يبعه لم يحصل المنكر» كما أنّ ظاهر آخر كلامه
جعله من موارد الاحتياط، حيث قال: «فإن علم أو ظنّ
أو احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضاً».

وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر

أقول: لا بأس بالالتزام بدلالة الكتاب
المجيد على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والدعوة إلى فعل الخير، أي فعل المعروف وترك المنكر
كفاية، قال عزّ من قائل: «ولتكن منكم أُمة يدعون إلى
الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر“»(81)، حيث أنّ ظاهر الأمر الوجوب
والتعبير عن القائمين بالعمل بعدّة من المسلمين لا
يناسب الوجوب العيني، بل ظاهره الوجوب الكفائي،
ويشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة
إلى الخير صورة علم المدعوّين بالحكم الشرعي وعدم
قيامهم بالعمل، فلا تختصّ الآية بوجوب تبليغ الأحكام الشرعية
إلى الجاهلين بها، بل تعمّ المسألة المعروفة
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والحاصل أنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر والدعوة إلى الخير كوجوب تبليغ أحكام
الشريعة إلى الجاهلين بها كفائي، ويكون المقدار
الواجب في الأمر والنهي هو المقدار المتعارف
الواجب في تبليغ الأحكام، فلا يجب الفحص عن تعيين
الفاسق وتارك الخير حتّى يأمره بالمعروف وينهاه عن
المنكر بخصوصه. ويدّل على وجوب ما ذكرنا الروايات،
نعم بعضها باعتبار ضعفها سنداً أو دلالةً لا تصلح
للاستدلال بها، ولا تصحّ دعوى استقلال العقل بوجوب
النهي. وما ذكره المصنّف «ره» من حكمه بلزوم اللطف
لا نفهمه، فإنّه يكفي في إتمام الحجّة على العباد
تبليغ الأحكام إليهم وإعلامهم بما أوعد اللّه به
الطغاة والعصاة.

هذا بالنسبة إلى المنع القولي، وأمّا
المنع الخارجي في مقابل المنع الإنشائي والقولي،
فلا دليل على وجوبه لا عقلاً ولانقلاً، إلا أنّه
ربّما يقال باستفادة وجوبه من فحوى دليل النهي عن
المنكر، بدعوى كون ملاك وجوب النهي عنه سدّ طريق
الفساد والمنع عن حصوله خارجاً، وفيه أنّه لا
يمكننا استفادة وجوبه فيما إذا كان المنع المزبور
ملازماً أو موقوفاً على ارتكاب عمل لا يجوز ذلك
العمل بمقتضى سائر الأدلّة الشرعية، كما إذا كان
منع شخص عن الإفطار في نهار شهر رمضان موقوفاً على
دخول بيته بدون اذنه ورضاه، أو موقوفاً على ترك بعض
الصناعات الواجبة ولو بنحو الكفاية، كما إذا كان
المنع المزبور موقوفاً على ترك بيع الطعام من جميع
الناس أو غير ذلك، بل يمكن أن يقال بعدم وجوب المنع
مطلقاً، حيث لم يظهر من أدلّة النهي عن المنكر أنّ
تمام ملاك وجوبه دفع الفساد حتّى يمكن التعدّي، كما
يقال بأنّه لم يظهر من دليل اعتبار خبر العدل أنّ

/ 12