• عدد المراجعات :
  • 1684
  • 2/27/2015
  • تاريخ :

ذكر الموت

به کجا مي روم؟


 
عن أمير المومنين عليه السلام:"وَ أُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَ إِقْلَالِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ وَ كَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ وَ طَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبينَ وَ أُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ". نهج البلاغة، الخطبة 88.
كيف نذكر ما نخاف؟
يوصي الإمام عليّ عليه السلام في هذه الخطبة من نهج البلاغة بذكر الموت والحال أنّ أكثر الناس يخاف الموت، فكيف نوصيهم بذكره؟ فإنّ الإنسان يبتعد عن ذكر ما يخيفه، وينساه أو يتناساه لكي لا يتألّم ولا يقلق ولا يزعج باله ويشغل خاطره.

أسباب الخوف من الموت

في الحقيقة إنّ للخوف من الموت أسباباً:
1-الخوف من الفناء والعدم
إنّ كراهة معظم الناس للموت وخوفهم منه لأجل أنّ الإنسان حسب فطرته التي فطرها الله سبحانه، وجبلّته الأصيلة، يحبّ البقاء والحياة، ويتنفّر من الفناء والممات، وحيث إنّ في فطرة الإنسان هذا الحبّ وذاك التنفّر، فإنّه يحبّ ويعشق ما يرى فيه البقاء، ويحبّ ويعشق العالم الذي يرى فيه الحياة الخالدة، ويهرب من العالم الذي يقابله. وحيث إنّ كثيراً من الناس لا يومن إيماناً يقينياً بعالم الآخرة، ولا تطمئنّ قلوبهم نحو الحياة الأزلية، والبقاء السرمديّ لذلك العالم، فإنّهم يحبّون هذه الدنيا، ويهربون من الموت حسب تلك الفطرة والجبلّة.
إنّ أكثر الناس تنشدّ قلوبهم إلى تعمير الدنيا، وتغفل عن تعمير الآخرة، ولهذا لا يرغبون في الانتقال من مكان فيه العمران والازدهار إلى مكان فيه الدمار والخراب. وهذا ناتج من نقص في الإيمان والاطمئنان. وأمّا إذا كان الإيمان كاملاً، فلا يسمح الإنسان لنفسه أن يشتغل بأموره الدنيوية المنحطّة ويغفل عن بناء الآخرة.

2ـ الجهل بالموت


عن الإمام الجواد عليه السلام - لمّا سئل عن علّة كراهة الموت -: "لأنّهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله عزّ وجلّ لأحبّوه، ولعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا، ثم قال عليه السلام: يا أبا عبد الله1 ما بال الصبيّ والمجنون يمتنع من الدواء المنقّي لبدنه والنافي للألم عنه؟ قال: لجهلهم بنفع الدواء، قال عليه السلام: والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً إنّ من استعدّ للموت حقّ الاستعداد فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنّهم لو عرفوا ما يودّي إليه الموت من النعيم لاستدعوه وأحبّوه أشدّ ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفّات واجتلاب السلامة"2.
وعن الإمام العسكري عليه السلام: "دخل عليّ بن محمّد على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: يا عبد الله تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب وعلمت أنّ الغسل في حمّام يزيل ذلك كلّه أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك أو تكره أن تدخله فيبقى ذلك عليك؟ قال: بلى يا ابن رسول الله، قال: فذاك الموت هو ذلك الحمّام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كل غمّ وهمّ وأذى، ووصلت إلى كلّ سرور وفرح، فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمض عين نفسه ومضى لسبيله"3.

3ـ الخوف من العقاب


ومثل هذا الخوف يلاحق المذنبين المومنين بالآخرة، فيخافون أن يحين حينهم وهم مثقلون بالآثام والأوزار، فينالوا جزاءهم، ولذلك يودّون أن تتأخّر ساعة انتقالهم إلى العالم الآخر.
ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا تكن ممّن... يكره الموت لكثرة ذنوبه، و يقيم على ما يكره الموت له... يخشى الموت، و لا يبادر الفوت"4.
وعن الإمام أبي عبدِالله عليه السلام قال: "جاء رَجُلٌ إلى أبي ذَرٍّ فَقالَ: يا أبا ذَرٍّ ما لَنا نَكرَهُ المَوْتَ؟ فَقالَ: لأَنَّكُمْ عَمَّرْتُمُ الدُّنْيا وأَخْرَبْتُم الآخِرَةَ، فَتَكْرهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِن عِمْرانٍ إلى خَرابٍ، فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ تَرى قُدُومَنا عَلَى الله؟ فَقالَ: أمَّا المُحْسِنُ مِنْكُمْ فَكَالغَائِبِ يَقْدُمُ عَلَى أهْلِهِ، وَأَمَّا المُسِيءُ مِنْكُمْ فَكَالآبِقِ يُرَدُّ عَلَى مَوْلاَهُ...."5.
هذه الأسباب للخوف من الموت ـ خوف العدم والجهل بالموت وخوف العقاب - عالجها الإسلام حيث أحيا في القلوب الإيمان باليوم الآخر، وبذلك أبعد شبح الفناء والانعدام من الأذهان، وبيّن أنّ الموت انتقال إلى حياة أبدية خالدة منعّمة.
ومن جهة أخرى دعا الإسلام إلى العمل الصالح والابتعاد عن عصيان الله تعالى، كي يبتعد الإنسان عن الخوف من العقاب.
المصدر: مواعظ من نهج البلاغة
1-وفي نسخة كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق: «يا عبد الله».
2-بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 6، ص 156.
3-بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 6، ص 156.
4-نهج البلاغة، الحكمة 150.
5-الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 458.


ماهي التقوى؟
الفضيلة مصدر القيمة الاجتماعية
التغيير الفردي والاجتماعي في نهج البلاغة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)