• عدد المراجعات :
  • 3484
  • 2/20/2015
  • تاريخ :

أوجه الفرق بين العقل والغريزة!

دستور به فرزند

قصور العقل

لقد رأينا كيف أن الحيوانات تدرك الواقعيات المرتبطة بها عن طريق الغرائز التي تمثل الهداية الفطرية لله تعالى إياها، لكن الانسان لا يستطيع أن يدرك الواقعيات التي توصله إلى السعادة عن طريق العقل دائماً، بل عليه أن يعتمد على الهداية التشريعية التي تتمثل في تعاليم الأنبياء ليتمكن من إدراك الطريق المستقيم والمنهج الحقيقي للسعادة...

هذا هو أول أوجه الفرق بين العقل والغريزة!

حرية العقل

إن القرآن الكريم يشير إلى حرية الانسان في مواضع عديدة ويعتبرها من الودائع الفطرية في بناء الانسان. وهنا لا بأس من الاستشهاد ببعض تلك الآيات في ضمن الفقرات التالية:

الحرية الفطرية

أي أننا خلقنا الانسان من نطفة خليطة من الرجل والمرأة، ثم نمتحنه...

وإذا نظرنا إلى الحيوانات، وجدنا أنها هي أيضاً تتكون من خليط من نطفة الذكر والأنثى. فالخلية الأولى للخروف أو الأرنب إنما هي خليطة (أمشاج)، وبذلك تشبه الانسان... إلا أنه ألحق كلمة (نبتليه) بعد كلمة (أمشاج) بالنسبة إلى الانسان، وهذه عبارة عن فصل مميز بين الانسان وسائر الحيوانات، وذلك لأن الاختبار إنما يصح عندما يكون الشخص المختبر مالكاً للحرية والاختيار، فمثلاً لا يمكن أن يقال بالنسبة إلى الشخص المسجون في سجن لوحده والمراقبة مشددة عليه: أنه يمتحن ليرى هل يسرق أم لا؟. لأنه غير قادر على السرقة في محيط السجن فيجب أن يخرج من محيط السجن الضيق ويتجول بين المجتمع بحرية كي يعرف أنه سارق أم لا.

إن الخروف والأرنب وغيرهما من الحيوانات، قد يكونوا من نطفة أمشاج أيضاً، ولكن لا يوجد امتحان بالنسبة إليهم، لأنهم مسجونون في سجن الغرائز، ولا يملكون إختياراً من أنفسهم. والانسان هو الذي تخلق خليته الأولى ونطفته الأصلية منذ اللحظة الأولى على أساس قابليته للاختبار والحرية وأوجد مع ملاحظة إحتوائه على الارادة والاختيار.

وبهذا الصدد يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾(الإنسان:3).

فالانسان فقط هو الذي يستطيع أن يشكر نعمة الهداية الالهية بحرية ويودي واجبه على أحسن صورة أو يكفر بالنعمة وينحرف عن طريق الحق والاستقامة.

وبالرغم من أن الحيوانات تملك أيضاً نصيباً وافراً من نعمة الهداية الالهية، فلم يرد في حقها ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُوراً﴾(الإنسان:3)...

وهي علامة الحرية وسمة الاختبار. فانها مجبرة على اتباع المنهج الفطري الالهي دون زيادة أو نقصان، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾(هود:56).

الصراط المستقيم

إن القرآن يقوم بنصيحة بني الانسان الأحرار في سلوك طريق السعادة ويخاطبهم بقوله: إن هذا هو صراطي المستقيم فاسلكوه ولا تتفرقوا في السبل التي تبعدكم عن جادة الحق وطريق الفطرة فتقعون في التيه.

إن للانسان والحيوان كليهما صراطاً مستقيماً في طريق تكاملها. الصراط المستقيم الذي يسلكه الحيوان تكويني، والصراط المستقيم الذي يسلكه الانسان تشريعي. وكلا الطريقين معينان من قبل الله تعالى.

والفرق بينهما أن الحيوان مجبر في سلوك طريقه التكويني ولكن الانسان مختار في ذلك: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾(النحل:68).

في هذه الآية نجد أن الله تعالى يعبر عن الهداية الغريزية للنحلة بالوحي. إن هذه الحشرة الصغيرة تلقت برنامج عملها عن طريق الوحي الالهي وفي مقام التنفيذ نجدها مجبرة على اتباع الالهام الالهي خطوة إثر خطوة دون أي تخلف.

إلهام الخير والشر

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾(الشمس:9-10).

إن جميع الموجودات الأرضية والسماوية تقف بحكم قانون الفطرة وقفة الخضوع والعبودية أمام خالقها العظيم، ولا يتخلف أحد منها عن هذا الواجب التكويني، ولكن بعض أفراد البشر نجدهم يخرجون بسوء اختيارهم وإساءة التصرف إلى حريتهم عن هذا الواجب... فالبعض يودون هذا الواجب وهو الخضوع أمام خالقهم العظيم بحرية، وآخرون يخرجون عليه بحرية أيضاً. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾(الحج:18).

فنجد تعبير القرآن الكريم هنا حيث يتحدث عن الموجودات الأرضية والسماوية وجميع ما في الطبيعة من نبات وجماد وحيوان يقول بأنهم جميعاً يسجدون لله، لكنه حين يصل إلى الانسان يقول إن كثيراً منهم يسجد وطائفة كثيرة أيضاً تستحق العذاب...

حسن الاختيار

إن الحرية المطلقة والاختيار الكامل الذي لا يحده شرط أو قيد إنما يختصان بذات الله فقط: ﴿كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾(آل عمران:40).

لقد أراد الله للحيوانات عند خلقها أن تكون فاقدة للارادة والاختيار وأن تطبق مراسم الهداية التكوينية بدون أي اعتراض، لكنه تعلقت إرادته في مورد خاص أن يخلق موجوداً مالكاً للارادة والاختيار، ويمنحه شيئاً من الحرية والقدرة... فخلق الانسان ووهبه العقل، وأبصره بطريق السعادة والشقاء، وأعطاه الحرية في مقام العمل، حتى يستطيع الذهاب إلى أي اتجاه أراد باختياره.

وهب أن بنية الانسان تتكون من نفس العناصر الأولية لهذا العالم وبالرغم من أنه يشترك مع عالم النبات والحيوان في صفات طبيعية كثيرة ولكنه يمتاز عنها بمزية تجعله لائقاً لتحمل مسوولية الحرية والاختيار. ففي الانسان توجد ثروة خاصة، وكنز إلهي دفين، وشعلة نيرة، وروح سماوية تجعله يرتقي على جميع الموجودات في الطبيعة.

يتحدث الله تعالى في القرآن الكريم للملائكة عن إرادته لخلق الانسان فيقول: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾(الحجر:29).

روح الله

إذن: فالشيء الذي يختص به الانسان، ويسبب له العظمة والرقي والكمال هو الحقيقة المجهولة التي يعبر الله تعالى عنها بروحه.

"عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾(الحجر:29) قال: روح اختاره واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه، وفضله على جميع الأوامر فأمر فنفخ منه في آدم"5.

"عن أبي بصير عن أبي جعفر في قول الله عز وجل: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي" قال: من قدرتي"6. فنجد الامام الباقر عليه السلام يعبر عن روح الله في هذا الحديث بالقدرة الالهية.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)