• عدد المراجعات :
  • 122
  • 2/16/2015
  • تاريخ :

«داعش» ومنطِق الصدمة

داعش

 لِمَ يبدو كل فيديو جديد لتنظيم «الدولة الإسلامية» مفزعًا أكثر من سابقه؟

أصدر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) فيلمًا عنيفًا آخر يصور طقس حرق طيار أردني أسير حيًّا. يُزعَم أنه أكثر إصدارات «داعش» صدمًا حتى الآن، ولكن كل إصدار هام تنشره «داعش» يكون هو الأكثر صدمًا حتى تاريخه!

كان الإصدار الذي يصوِّر الذبح الجماعي لحوالي عشرين سوريًّا العام الماضي، والذي انتهى بعرض رأس أحد رجال الإغاثة الأمريكيين المقطوعة، في وقت نشره هو الفيديو الأكثر صدمًا حتى تاريخه، وكذلك كان الفيديو الصادر الشهر الماضي الذي يصور طفلًا يتولى إعدام رجلين اعترفا تحت تهديد السلاح بكونهما جاسوسين روسيين.

هذه هي الطبيعة الشيطانية لإرهاب «الدولة الإسلامية»؛ يجب أن يتفوَّق كل فعل وحشي على سابقه. فالسمة الإرهابية لهذه الجماعة تشبه المخدر؛ عليك أن تستمر في زيادة الجرعة لزيادة المتعة، وتمثّل الدعاية العالمية لـ«داعش» والمنظمات الشبيهة هذا الانتشاء.

كتب ديفيد سي. رابوبورت في ورقةٍ عن الإرهاب والدين نُشِرت عام 1984، أن الإرهاب ‹‹جريمةٌ تُرتَكَب من أجل الدعاية، عندما تنفجر قنبلة يلاحظ الناس الأمر؛ فالحدث يجذب الانتباه أكثر من ألف خطاب أو صورة››. علّق كونور كروز أوبراين بعد ذلك بعامين في مقال بموقع آتلانتك تعليقًا مشابهًا قال فيه:

لا تساعد الخطابات الرنانة على أعلى المستويات، التي توكد على وحشية الإرهاب الشرير، وعلى أنه ينبغي أن يكون للقضاء عليه أولوية قصوى، في محاربة الإرهاب. أخشى أن يكون رد الفعل المرجح للإرهابيين على مثل هذا الخطاب؛ سواء كان صادرًا عن رئيسٍ أو وزير خارجية أو مسئولٍ هامٍ آخر، هو: ‹‹أترون؟ الآن عليهم أن ينتبهوا لنا، فنحن نوذيهم؛ فلنمنحهم المزيد من الأذى››. ويساعد ذلك كله في عمليات التجنيد. إن الحركة التي يستنكرها أحد الروساء تصل إلى أعلى مراتب الشهرة، وهو أكثر ما يرغب فيه العدائيون والمُحبطون الذين يمثّلون أرضًا خصبة تستغلها الحركات الإرهابية.

استنكر الرئيس أوباما أفعال «داعش» على نحوٍ متكرر، كما أدانها بشدة العديد من زعماء العالم؛ بمن فيهم الملك عبد الله ملك الأردن الذي انتقدها بقسوة موخرًا معتبرها ‹‹جماعة إجرامية شيطانية››، وتعهّد بالانتقام لمقتل الطيار معاذ الكساسبة. وهكذا وصلت داعش للمراتب العليا، وتستمر في جذب أعداد كبيرة من المجندين من طيف متنوع واسع من الدول.

تظل وجهة نظر رابوبورت القائلة بأن الإرهاب ‹‹جريمة تُرتَكَب من أجل الدعاية›› حقيقية اليوم تمامًا كما كانت منذ عقدين، ولكن ليس من المضمون أن ‹‹يلاحظ الناس الأمر›› عندما ››تنفجر قنبلة›› أو يقع حادث إطلاق نيران، بل يعتمد الأمر على هوية الضحايا؛ فقد حصدت اعتداءات شارلي إيبدو في فرنسا الشهر الماضي؛ والتي نُسِبَت للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم. وعلى النقيض تمامًا لم تحقق مذبحة «بوكو حرام» لمئات المدنيين في نيجيريا؛ والتي وقعت قبل أيام من شارلي إيبدو، نفس المستوى من الاهتمام الإعلامي الدولي على الإطلاق. تساعد هذه الدينامية في تفسير سبب بذل «داعش» الكثير من الجهد في إخراج فيديوهات مُنتَجة ببراعة ومصممة بعناية لإعدام الرهائن الغربيين – وأولئك المشاركين في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية مثل معاذ الكساسبة- وسبب بذلها جهودًا قليلة في المقابل في صنع مونتاج العديد من الفيديوهات المشوشة غير الواضحة التي تظهر إعدام الشيعة العراقيين.

كان لفيلم إعدام الكساسبة قيمة صادمة عالمية، ولكن يشعر المرء كذلك أنه كان مشروعًا حميميًا خاصًا لـ«داعش». لقد كانت قوات التحالف في الشهور الأخيرة تقصف الدولة الإسلامية في معاقلها، وبدأ ذلك في إيذائها، وكانت الرواية السائدة في معظم أجزاء الفيديو عن المعاناة الإنسانية التي سبّبتها غارات التحالف، والتي صوّرتها في تغطية للأطفال والرُضَّع المتفحمين. كانت الرسالة الموجهة للعالم وللناس الواقعين تحت سيطرة الدولة الإسلامية كما يبدو هي: سننتقم للجحيم الجهنمي الواقع علينا بإيقاع مثله بدورنا على مُعذِّبينا.

وضع فرانتز فانون نظريةً في كتابه The Wretched of the Earth تقول بأنه يمكن النظر للفعل العنيف باعتباره شكلًا من أشكال تنفيس الغضب للجاني، خاصةً عندما يشعر أنه قد عانى من انتهاكاتٍ جسيمة أو حُكِمَ عليه بالحياة في ظل اضطهاد استبدادي. فكتب: ‹‹إن العنف قوةٌ مُطهِّرة على مستوى الأفراد، فهو يحرر فطرة عقدة نقصه ويأسه وجموده، ويجعله شجاعًا ويعيد إليه احترامه لذاته››. يقدم لنا هذا روية نافذة إلى قرار «داعش» المُعلَن بتصوير الفيديو الأخير لها علنًا في الرقّة؛ أحد معاقل الدولة الإسلامية في سوريا وهدف للقوات الجوية الخاصة بالتحالف، حيث يفترض المرء أن هناك حاجة شديدة للتنفيس عن الغضب.

هناك شرط آخر مقيّد لوجهة نظر رابوبورت؛ فعندما تنفجر قنبلة يميل الناس لملاحظة الأمر ولكن ليس لوقتٍ طويل. أصبح انتشار الإنترنت، منذ نشر رابوبورت مقاله، يعني ببساطة أن هناك الكثير من المعلومات المتنافسة في السعي للفت الانتباه، فقد كان بلا شك هديةً للجماعات الإرهابية؛ إذ يساعدهم على إذاعة رسائلهم لجمهورٍ أعرض من أي وقتٍ مضى. ولكنه كذلك قد أعاقهم من حيث إنه أصبح ينبغي عليهم التنافس مع الأصوات الأخرى العالمية المتنافرة، وساهم ذلك للأسف في تعزيز المنطق الشيطاني للسمة الإرهابية لـ«داعش»، والتي لا تتطلب فقط تجاوز الأفعال الوحشية السابقة، وإنما أيضًا الفوز على الأحداث العالمية الأخرى.

قال أوبراين في مقاله بموقع آتلانتك إن ‹‹من الطرق الأكيدة للفت الانتباه العالمي على الفور عبر التليفزيون ذبح عدد كبير من الناس بأسلوبٍ مثير باسم قضيةٍ ما››. يحتاج هذا القول أيضًا إلى تحديث، فيمكننا القول إن من الطرق الأكيدة للفت الانتباه العالمي على الفور عبر وسائل الإعلام الدولية ذبح عدد كبير من الأطفال باسم قضيةٍ ما. يبدو أن حركة طالبان الباكستانية؛ التي استهدفت عمدًا مدرسة عسكرية في مدينة بيشاور في ديسمبر الماضي، قد تبنّت هذه القاعدة الجديدة. أو توزيع الأطفال كقتلة إرهابيين لاستخدامهم كمفجرين انتحاريين أو سيّافين في الأفلام الترويجية؛ كما فعلت «داعش». فكلما تخطوا حاجزًا آخر، كلما ضمنوا تصدر عناوين الصحف.

كما يتضح من النقطة السابقة، لا يتعلق الأمر فقط بكمّ القتلى، ولكنه يتعلق كذلك بكيفية القتل، فهو قتلٌ بسادية وإبداع مفرط بجودةٍ عالية، ربما يكون هذا الدافع الأساسي لمنطق التنظيمات الإرهابية الحالية المتعنت. ولا يبدو أن هناك من يفهم هذا الأمر أفضل من قادة «داعش» الذين كانوا أول من صدم العالم بعرض حوادث ذبح الرهائن الغربيين؛ ليس باستخدام السيوف كما جرت العادة في التقاليد الإسلامية، وإنما باستخدام سكاكين طولها 6 بوصة، لإطالة عذاب ضحاياهم؛ الذين ساعدوا على استمرار الزخم بتحولهم إلى عرضٍ مرعب للذبح الجماعي؛ والذي مهَّد لتخطي الحدود أكثر نحو صنع فيديو يظهر فيه طفلٌ يُستخدَم كسيَّاف. والآن أنتجت الجماعة عرضًا مسرحيًّا لحرق طيار أردني حيًّا، يُزعَم أن الفيلم هو أكثر إصدارات «داعش» صدمًا حتى تاريخه، إلى أن يصدر فيلم آخر.

المصدر:شبكة تابناك الاخبارية

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)