• عدد المراجعات :
  • 2917
  • 8/5/2006
  • تاريخ :

الذكاء الصناعي.. طموح بعيد لمحاكاة عقل الإنسان

كان للاختراقات الرياضية والفلسفية التي حققها كل من ألان تيرنغ وجون فون نيومان وهيربرت سايمون وألن نيويل وآخرون من عمالقة علوم الكومبيوتر، ما جعل الخمسينات حقبة التفاؤل الكبير في ما يتعلق بذكاء الآلات. وأعتقد الباحثون أنهم سيكونون قريبا قادرين على برمجة الكومبيوترات لمحاكاة العديد من اشكال المنطق البشري، بحيث تقوم المنظومات باحتواء المعرفة أي امتلاكها واستغلالها على شكل منطق رمزي. كما سيمكن تدريب الشبكات العصبية الصناعية على التطور بغية تقديم الاجوبة الصحيحة.

وقد طغى هذا التفاؤل حتى انتشر في مجال الثقافة الشعبية، حيث ظهر «هال» الكومبيوتر الذكي الذي أصيب بلوثة واضطراب في فيلم ستانلي كيوبريك الشهير عام 1968 «أوديسا الفضاء» فاق في دوره الممثلين من البشر.

لكن في أواخر الستينات بات واضحا أنه حتى الاقتراب من التفكير العقلاني للطفل على صعيد الكومبيوتر يتطلب شبكات واسعة معقدة من المعادلات المنطقية، أو الوصلات العصبية. لذلك جدد الباحثون جهودهم وشرعوا في تذليل العقبات مركزين على تقليد الاعمال البشرية البسيطة كتحريك المكعبات التي يلهو بها الاطفال (وهو موضوع البرنامج الشهيرSHRDLU لتيري وينوغراد عالم الكومبيوتر في جامعة ستانفورد الذي يستخدم فيه التعليمات والارشادات اللغوية الطبيعية لاستغلال الذراع الروبوتية وتحريكها).

وكان مينسكي الذي افتتح المؤتمر مع ماكارثي قد أعجب بعمل وينوغراد هذا لكنه كان من محبذي التعمق في الاليات الفعلية التي تقف وراء التفكير البشري. وهو خلال عمله مع سيمور بابيرت في مختبر الذكاء الصناعي في «أم آي تي» على سبيل المثال شرع في السبعينيات في تطوير نظرية «مجتمع العقل» التي افترضت أن طبقات من «العوامل» التي لاعقل لها (أي الغائبة العقل) ذات الاغراض الخاصة بإمكانها العمل معا لتوليد الوعي.

* حوار حول الذكاء

* وكانت مجلة «تكنولوجي ريفيو» التي يصدرها «ام آي تي» قد قطعت خلوة مينسكي أوائل الشهر الحالي، وهو يراجع كتابه المقبل «آلة العواطف والشعور» الذي يقوم بإعادة ترجمة وتفسير العقل البشري على كونه «سحابة من المصادر»، أو الآلات الصغيرة جدا التي تعمل وتتوقف حسب الظروف والمواقف والاوضاع التي تبرز حالاتنا العاطفية والعقلية المختلفة وتتحكم بها. وفي ما يلي الاسئلة والاجوبة:

> هل تصدق أن 50 سنة مضت على اجتماع دارتموث الاول حول الذكاء الصناعي، وهل تشعر فعلا أن خمسة عقود قد انقضت على ذلك؟

ـ لم أختبر عددا من فترات الـ 50 سنة، ولذلك يصعب عليّ الاجابة! > ما هي تعليقاتكم في ما يتعلق بحالة ابحاث الذكاء الصناعي اليوم مقارنة بما كانت عليه عام 1956؟

ـ الذي يدهشني هو قلة الناس العاملين على النظريات ذات المستوى العالي في ما يخص طريقة التفكير. وهذا كان بمثابة خيبة أمل كبرى. (وأقصد هنا) كيفية قيام طفل في الثالثة أو الرابعة من عمره، بالتفكير بصورة بديهية وبالفطرة السليمة اللتين لاتستطيع أي آلة تقليدهما. والاختلاف الرئيسي هنا هو اذا ما واجهت صعوبة في فهم واستيعاب أمر ما، فانك في هذه الحالة تسأل نفسك «ما هي مشكلتي؟» أو «ما الذي يضيع ويهدر وقتي؟» أو «لماذا ان هذا النمط من التفكير لا يجدي؟» أو «هل هناك أسلوب آخر من التفكير قد يكون الافضل؟»، كما وأن جميع أنواع مشاريع الذكاء الصناعي التي حصلت خلال السنوات الثلاثين، أو الاربعين سنة الاخيرة لم تكن إيجابية ولاتعكس الواقع، بل كانت جميعها ردود فعل لاوضاع معينة وإحصاءات مجمعة. لقد نظمنا مؤتمرا حول التفكير الفطري السليم والبديهة منذ ثلاث سنوات، ولم نعثر على أكثر من عشرة باحثين فقط في العالم كله الذين همهم الامر.

* الفطرة البشرية والآلة > لماذا يبتعد الناس عن مشاكل الفطرة السليمة والبديهيات؟ ـ في اعتقادي أن الناس يبحثون حولهم ليروا أي هي الميادين هي الاكثر شعبية حاليا ليهدروا أوقاتهم عليها. ولكن إذا كانت شعبية، فانها بالنسبة إلي لا أرغب في الخوض فيها. غير ان الفيزياء الان هو أمر مختلف، فهنا بعض الناس يقولون: هذه النظرية تبدو صالحة، بيد أنها لاتشرح هذا أو ذاك، لذلك عليّ أن ابحث في هذا وذاك. وعندما يكتب بعضهم تقارير عن الذكاء الصناعي لا يذكرون فيها سوى ما فعلته برامجهم، وليس كيف فشلت، أو ماهي المشاكل التي استعصى حلها عليهم.

والناس لا يعتبرون أن المشكلة الاهم هي تلك التي لم تستطع أنظمتهم حلها.. فالناس تمتلك شبكات عصبية وهي التي تجعلهم يدركون انهم إذا كانوا يبحثون عن سيارة أجرة مثلا، عليهم البحث عن «جسم أصفر» (لون سيارة الاجرة) يتحرك، لكنهم لا يتساءلون ان كانت مثل هذه الشبكات لا تجيب عن الانواع الاخرى من الاسئلة.

> لكن فهم البديهيات والفطرة السليمة هي مشكلة أكثر صعوبة، أليس كذلك؟ ألا يفسر ذلك لماذا أن العديد من الباحثين في أمور الذكاء الصناعي يتوجهون الى الحقول الاخرى؟

ـ هذا صحيح، ففي الماضي عندما كنت اكتب «مجتمع العقل» عملنا لمدة سنتين على جعل الكومبيوتر يدرك قصة بسيطة للاطفال وهي: «دعيت ماري الى حفلة جاك. وتساءلت بينها وبين نفسها ما إذا كان يحب إهداء جاك طيارة ورق». وإذا تساءلنا نحن هنا لماذا أن ماري افترضت الطائرة الورقية؟ فان الجميع سيعرفون الجواب وهو: ربما حفلة جاك هي للاحتفال بذكرى ميلاده، وهي ـ أي ماري ـ إذا ذهبت، فان ذلك يعني انها مدعوة. وكل من هو مدعو عليه أن يجلب معه هدية، والهدية يجب أن تلائم فتى صغيرا، أي أن يفضلها الفتيان عادة، مثل مضارب وكرات، أو طائرات ورقية. علينا أن ندرك كل هذا قبل الاجابة عن السؤال. ولقد نجحنا في تنظيم قاعدة معلومات وحصلنا على برنامج لفهم بعض الاسئلة البسيطة. لكننا جربنا ذلك على قصة أخرى مختلفة، فلم يستطع أن يفهم ماذا يفعل. غير أن بعضنا استنتج انه يتوجب علينا معرفة مليونين من الامور المختلفة قبل أن نستطيع أن نرغم الآلة على إنجاز بعض التفكير البديهي، أو الفطري السليم.

> في الوقت الذي أدرك فيه الناس كم هو من الصعب جعل الكومبيوتر يفهم حتى بعض المواقف البديهية البسيطة، هل يمكنك القول ان بعض التفاؤل الذي كان يحيط بإمكانات الذكاء الصناعي في الخمسينات والستينات قد تبدد؟

ـ لا استطيع القول ان التفاؤل هو الكلمة الصحيحة، بل أعتقد إننا كنا نوجه الاسئلة الصحيحة، ولكن بطريقة ما شرع معظم الناس الذين كانوا يعملون في ما يسمى بالذكاء الصناعي يبحثون عن واحدة من الحلول الشاملة. وهذا الامر يصلح للعمل في الفيزياء، فهناك معادلات نيوتن ثم ماكسويل ثم نظرية النسبية والكمية. واغلبية العاملين في حقل الذكاء الصناعي يحاولون تقليد ذلك وإيجاد نظرية عامة، لكن البشر يمتلكون 100 مركز دماغي مختلف، تعمل بطرق مختلفة نوعا ما. علينا ألا نعمل على حل واحد، بل على العديد من الحلول والسبل والالات.

> يأتي الكثير من التمويل بالنسبة الى الذكاء الصناعي من «وكالة مشاريع الابحاث الدفاعية المتقدمة» (داربا)، حيث هناك طلب واضح للحصول على نتائج عملية. وفي الواقع أن الوكالة هذه واحدة من رعاة مؤتمر دارتموث للذكاء الصناعي، فكيف قامت «داربا» يصياغة توجهات أبحاث الذكاء الصناعي؟

ـ في الايام الاولى قامت «داربا» بدعم الاشخاص بدلا من المقترحات. وكان هناك تقدم كبير منذ البداية عام 1963 قبل أن تزدهر الاشياء التي أتحدث عنها لمدة عشر سنوات. وفجأة في أوائل السبعينات حصل حادث طريف عندما قرر السناتور مايك مانسفيلد وهو ليبرالي تماما انه يتوجب على وزارة الدفاع الاميركية عدم دعم الابحاث المدنية، وبالتالي كان مسؤولا عن تحول «وكالة مشاريع الابحاث المتقدمة» (أبرا) الى «داربا» مشددا عليها عدم المشاركة في الابحاث الصناعية والمدنية، مما حال بينها وبين دعم الابحاث المستقبلية المتطورة.

وفي الوقت ذاته بدأت مجموعة شركات الابحاث الاميركية في الزوال والاختفاء في أوائل السبعينات. وانسحبت مختبرات «بيل» و«آر سي أيه» وغيرها من هذا النوع من النشاطات. كما حصل امر آخر: بروز المشاريع الكبرى عندما قام العديد من الشركات والمؤسسات في الثمانينات بالشروع في الحصول على براءات الاختراعات والتراخيص والشروع بعمليات الانتاج، لكن هذا تزامن مع اختفاء العلماء الشباب بشكل عام، فالاشخاص الذين كانوا قادرين أن يصبحوا علماء منتجين باتوا يتحولون الى دراسة القانون والتجارة والاعمال. من هنا حالت الامور دون دعم مثل هذه الابحاث.

> لقد ذكرت أن الكومبيوتر يحتاج الى مليونين من الاشياء والمعلومات لكي يصبح صالحا لاجراء الاتصالات البديهية. بيد أن دوج لينات وزملاءه ما زالوا يعملون على ذلك. بالضبط يقضون السنين في تلقيم المعرفة البديهية في «نظام أساسي للمعرفة الواسعة»Cyc ، فلماذا الحاجة الى قاعدة معلومات أساسية إذن؟

ـ عندما شرع لينات في مشروعه هذا عام 1985 كان من الواضح جدا انه لم يكن هناك مشروع آخر. وقررت أنا وزملائي الانتظار ومراقبة ما سيقوم به لينات، لكن لم يحصل شيء لفترة من الزمن. لقد قام لينات بعمل جيد، لكن المشكلة مع نظامCyc أنه صعب الاستخدام، لذلك لم يستخدم من قبل الباحثين كثيرا، كما أنه يشكو من علل كثيرة لم تظهر سابقا لأنه لم تكن هناك أي منافسة تذكر، منها على سبيل المثال ان نظامCyc متماسك القوام جدا وثابت على الصعيد المنطقي، إذ هل تعتبر الحيتان على سبيل المثال من الثدييات (اللبائن) أو من الاسماك؟ وهي رغم أنها تتضمن العديد من مواصفات الاسماك التي فاجأت الناس عندما علموا أنها من الثديات، إلا ان الجواب الصحيح على ذلك هي أنها الاثنان معا، لأن على قاعدة المعلومات البديهية الا تكون بالضرورة متماسكة ومتينة منطقيا. وأخيرا أدرك لينات انه من الواجب إعادة تركيب نظامCyc عن طريق تأمين العديد من الصيغ المختلفة التي منها قد يبرز السؤال. لكن قاعدة المعلومات كانت قد ركبت أصلا لجعل الامور منطقية جدا ولغتها هي الاسناد الى حساب التفاضل والتكامل. وأملنا أن نجعل نظام «العقل المفتوح» يستخدم اللغة الطبيعية المليئة بالالتباسات طبعا، والتي هي جيدة وسيئة في الوقت ذاته.

> ما هي بعض المسائل الجدلية الرئيسية، أو التوصيات الخاصة بالابحاث التي يتضمنها كتابك المقبل «آلة العواطف والشعور»؟

ـ الفكرة الاساسية التي يتضمنها الكتاب هو الذي أدعوه بالموارد، فما لم تفهم أو تستوعب الامر بأشكال مختلفة، فستجد نفسك محاصرا. لذلك فالامر الاول في الكتاب هو ضرورة وصف الاشياء بأشكال مختلفة. وقد ألفت كلمة لهذا الغرض هيpanalogy . وعندما تقدم أمر ما عليك بتقديمه بطرق وأساليب مختلفة، بحيث يمكنك الانتقال من اسلوب الى آخر من دون تفكير.

الامر الثاني هو انه ينبغي عليك التفكير بأساليب متعددة لان المشكلة مع الذكاء الصناعي هي قول فرد أنه سيصنع نظاما يعتمد على التدخل الاحصائي، أو نظام العد العشري الاصلي، أو غيرهما. وأن أي نظام من هذه الانظمة هو مناسب لحل بعض المشاكل، ولكن ليس لأغلبيتها. وسبب تسمية الكتاب «آلة العواطف والشعور» هو أننا نمتلك هذه الاشياء التي تسمى العواطف، والناس يعتقدون أنها إضافات غامضة للتفكير العقلاني. ورأيي أن الحالة العاطفية هي أسلوب مختلف للتفكير. وعندما تكون غاضبا تتخلى عن تخطيطاتك البعيدة المدى وتصبح تفكر بشكل أسرع، فأنت تغير هنا مجموعة الموارد التي قمت بتنشيطها. والآلة ستحتاج الى مائة اسلوب لكي تفكر. والحاصل اننا نمتلك مائة اسم للعواطف، ولكن ليس لأساليب التفكير. لذلك فان الكتاب يناقش نحو 20 اتجاها مختلفا في التفكير لكن الناس بحاجة الى كمية كبيرة من المعرفة الاضافية حول أي من أساليب التفكير هي المناسبة لكل وضع وظرف.

> هل تقول أنه يتوجب على الكومبيوترات أن تغضب؟

ـ اذا أعترض أحدهم طريقك ورفض افساح المجال لك، عليك ان تهدده أو تخيفه للقيام بذلك، وهو اسلوب معقول جدا لحل المشكلة إذا كنت على عجلة من امرك، أو أن شيئا سيئا قد يحدث إذا لم تستطع الالتفاف على المشكلة. من هنا أقترح أننا بحاجة الى 20 كلمة مختلفة لهذه الاساليب من التفكير. عند ذاك يمكنك التخلص من الاسلوب العقلاني أو المنطقي.

المصدر : الشرق الاوسط

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)