• عدد المراجعات :
  • 7125
  • 6/25/2006
  • تاريخ :

المنمنمات الفارسية و براعمها

المنمنمات الفارسية

من أين جاء فن المنمنمات الفارسية ؟ ، هل أوحت الطبيعة الخلابة به؟ ، أم هو شغف الانسان بالاختصار و التكثيف و محاولة المحاكاة لكل ما هو جميل من حوله؟ ، لماذا يظهر هذا الفن أو ذاك في بلد ما دون الآخر؟ ، و هل يمكن وضع تفسير واحد لظاهرة فنية عريقة ، و متجددة عبر الزمان؟

لا أريد الرجوع إلى المقالات و الكتب ، و ربما المجلدات ، التي سطرت في نشوء المنمنمات أو (المصغرات) الفارسية ، فكل ذلك يمكن ، أن يبحث عنه القارئ ، و أن يجده في أماكن عديدة ، و عبر وسائل إعلامية كثيرة ، ولكنني في هذه المساحة الصغيرة أود ، أن أعبُر إلى ما وراء السطور ، و أن أقرأ قلق الفنان الأول ، ذلك الفنان الذي يهب عمراً بأكمله ، أو يكاد في سبيل إتقان عمله.. ، يبذل الساعات الطويلة و الأيام و الشهور ، و ربما السنوات من أجل كتابة آية قرآنية قصيرة ، متمثلاً باخلاص مغزى الحديث النبوي الشريف: (

إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه)، فيحاول ما استطاع ، أن يترجم النور المشع من بين الحروف إلى تعبير فني عال و زخرفة رافلة بالفرح و الدلال و الطمأنينة الروحية.. ، تتحول الخطوط و الألوان المتقشفة بين يديه إلى نوع من العبادة في ملكوت الوجد و العرفان، ثم يأتي فنان آخر، يغمس يديه بماء الطين ليشكل أباريق و كؤوس بهيجة مبرهناً على أن الانسان ،  يمكن أن يجسد بدائع الحياة بعد أن منحه الله القدرة على الإبداع ، فنان ثالث ينكب على قطعة خشبية يحفرها ، و يعرقها عبر خطوط دقيقة جداً راسماً منظراً حياً لصياد أو غزالة راقصة على العشب بأسلوب غاية في المهارة، و رابع يستعيد على النحاس زخرفات الأزمنة الماضية ، و نقوشها المعبرة عن القوة و الاعتماد بالنفس في التروس و الصولجانات و السيوف؟

لقد وصلتنا منمنمات الفنانين الإيرانيين البديعة كرسائل عابرة للزمن، تارة في شكل آنية أو خزفية أو منحوتة نحاسية أو خشبية أو قطعة من العقيق أو الحرير، و تارة في لوحة خط مزخرفة و مذهبة لتصير هوية مميزة للفن القادم من إيران، و الحق أن مداها اتسع لتصير هوية

للفن الاسلامي في كل مكان، فن عريق يميزه الانتماء للشرق بكل ما فيه من سحر و جمال.
المنمنمات الفارسية

و مما لا شك فيه ، أن ما يشد المشاهد إلى هذه الفنون جميعاً ، هو تلك النقاط المتوهجة و المشتركة بين فنون الحضارة الاسلامية ، بمهاراتها و مضامينها الإنسانية الراقية، بل إن الباحث الجاد يندهش من جدال البعض حول شرعية الفن ، و لاشرعيته، و في تراثنا الاسلامي شواهد لا حصر لها تجعل من مجرد التساؤل أمراً نافلاً ، و من الإجابة بدهية لا تحتاج لبراهين، فلم يشكل انتشار الاسلام عائقاً أمام الفنون، بل إن الفنون المختلفة ، تطورت و ازدادت ألقاً وت ميزاً في فضائه، ثم إن الأهم هو نشوء ، ما يمكن تسميته بجمالية إسلامية خاصة، نابعة من الحس الحضاري الرفيع و العمق الروحي الذي من الصعب ، أن نجد مثيلاً له في فنوننا المعاصرة اليوم ، ربما لهذا السبب تفاجأ بإقبال الجمهور الغربي على الفنون الشرقية، بينما لا نلحظ الاهتمام ذاته من جانب الجمهور الشرقي نفسه في غالب الأحيان، و في أمثلة كثيرة كان (المستشرق) ، هو الذي يقود الباحثين و النقاد إلى روعة الفنون في حضارتنا الاسلامية!

ولكن لم تكن الصورة دائماً بمثل هذا التجاهل، بل سبق العديد من الشعراء إلى استلهام معاني صورهم من روعة الجمال الأخاذ في المنمنمات، فنقرأ شاعر الحب و الغزال نزار قباني و هو يقول:

حديثك سجادة فارسية

 وع يناك عصفورتان دمشقيتان

 تطيران بين الجدار

 و بين الجدار

 و قلبي يسافر مثل الحمامة

 فوق مياه يديك

 و يأخذ قيلولة تحت ظل السوار..

فالسجاد الفارسي بمنمنماته ، و تفاصيله الصغيرة شكل خلفية لكل تلك الصور اللاحقة في القصيدة.

أما إذا عدنا إلى السؤال الأول في أعلى الصفحة ، و الذي تمحور حول مصدر (التصغير) ، و النمنمة في الفن فلعل في بيت الإمام علي (ع) ، و تأمل مضمونه أبلغ جواب:

 

و تعزم أنك جرم صغير
و فيك انطوى العالم الأكبر

 

ملاحظة: هذه المقالة كتبت من وحي معرض (ربيع القرآن) ، الذي أقامه المركز الثقافي الإيراني بالدوحة حديثاً.

بقلم: عبدالله الحامدي


الصناعات اليدوية الايرانية

«لالجين» مدينة الفن وعاصمة صناعة الخزف الايرانية

الرسوم على الأواني الخزفية الإيرانية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)